عنوان و نام پديدآور:مناقب آل ابی طالب/ تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب. تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.
مشخصات نشر:قم: المکتبه الحیدریه، 1432ق = 1390.
مشخصات ظاهری:12ج
وضعیت فهرست نویسی:در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)
يادداشت:ج.9. (چاپ اول)
شماره کتابشناسی ملی:2481606
ص: 1
مناقب آل ابی طالب
تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب
تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
الحمد للّه الذي لا إله إلاّ هو الملك الحقّ المبين ، المدبّر بلا وزير ، ولا خلق من عباده يستشير ، الأوّل غير موصوف ، والباقي بعد فناء الخلق ، العظيم الربوبية ، نور السماوات والأرضين وفاطرهما ومبتدعهما ، بغير عمد خلقهما ، فاستقرت الأرضون بأوتادها فوق الماء ، ثم علا ربّنا في السَّماواتِ الْعُلى الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى ، فأنا أشهد بأنّك أنت اللّه ، لا رافع لما وضعت ، ولا واضع لما رفعت ، ولا معزّ لمن أذللت ، ولا مذلّ لمن أعززت ، ولا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت(1) .
اللَّهُمَّ واجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِك ، وَنَوَامِيَ بَرَكَاتك عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولك ، الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ ، وَالْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ ، وَالْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ ، وَالدَّافِعِ جَيْشَاتِ الأَبَاطِيلِ ، وَالدَّامِغِ صَوْلاتِ الأَضَالِيلِ ، كَمَا حُمِّلَ ، فَاضْطَلَعَ قَائِماً بِأَمْرِكَ ، مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِك ،َ غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ ، وَلا وَاهٍ فِي عَزْمٍ ، وَاعِياً لِوَحْيِكَ ، حَافِظاً لِعَهْدِكَ ، مَاضِياً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ ، حَتَّى أَوْرَى قَبَسَ
ص: 5
الْقَابِسِ ، وَأَضَاءَ الطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ ، وَهُدِيَتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ وَالآثَامِ ، وَأَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الأَعْلامِ ، وَنَيِّرَاتِ الأَحْكَامِ ، فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ ، وَخَازِنُ عِلْمِكَ الَْمخْزُونِ ، وَ شَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ ، وَبَعِيثُكَ بِالْحَقِّ ، وَرَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ(1) .
وصلّي اللّهم وسلّم على « النذير المبين ، الصادق الأمين ، خاتم النبيين ، ورسول ربّ العالمين .
والنجم الثاقب ، الرفيع المراتب ، الكثير المناقب ، غالب كلّ غالب ، علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
وزوجته الغراء ، الإنسية الحوراء ، البتول العذراء ، المزوّجة في السماء ، فاطمة الزهراء عليهاالسلام .
والسند المعصوم، والسيد المسموم، الرضا المؤتمن، أبو محمد الحسن عليه السلام .
والسيد الأمين ، الواضح الجبين ، الركن الركين ، المبرأ من كلّ شين ، أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام .
وعصمة المسلمين ، وإمام الصابرين ، ورئيس البكائين ، و أفضل القانتين ، وسيد المجتهدين ، علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام .
والقمر الباهر ، والنجم الزاهر ، والبحر الزاخر ، والنور الظاهر ، والإمام الطاهر ، محمد بن علي الباقر عليه السلام .
والفرع الباسق ، واللسان الناطق ، قامع كلّ مارق ، جعفر بن محمدالصادق عليه السلام .
ص: 6
والسيد العالم ، والعادل الحاكم ، والسيف الصارم ، القادر القائم ، موسى بن جعفر عليهماالسلام الكاظم .
والشرف والحجى ، والضياء المستضا ، والنور المصفّى ، قتيل طوس بالقضا ، علي بن موسى عليهماالسلام الرضا .
والنور المضي ، والبطل الكميّ ، والفارس الجري ، والسمح الزكي ، والمهل الروي ، محمد بن علي عليهماالسلام التقي .
والإمامين العادلين ، وارثي المشعرين ، وإمامي الحرمين ، المدفونين بسر من رأى ، علي والحسن عليهماالسلام .
والخلف المفضال ، أكرم الأخيار ، ومبيد عصبة الكفار ، الحجّة بن الحسن الهادي المهدي عليه السلام(1) .
اللّهم وضاعف صلواتك ورحمتك وبركاتك على عترة نبيك العترة الضائعة الخائفة المستذلّة ، بقية الشجرة الطيّبة الزاكية المباركة ، وأعل - اللّهم - كلمتهم ، وأفلج حجّتهم ، واكشف البلاء واللأواء ، وحنادس الأباطيل والعمى عنهم ، وثبّت قلوب شيعتهم وحزبك على طاعتهم وولايتهم ونصرتهم وموالاتهم ، وأعنهم وامنحهم الصبر على الأذى فيك، واجعل لهم أياما مشهودة ، وأوقاتا محمودة مسعودة ، توشك فيها فرجهم ، وتوجب فيها تمكينهم ونصرهم ، كما ضمنت لأوليائكفي كتابك المنزل ، فإنّك قلت - وقولك الحقّ - : « وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
ص: 7
مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَُيمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً »(1) .
والعن اللّهم أوّل ظالم ظلم حقّ محمد وآل محمد ، وآخر تابع له على ذلك ، اللّهم واهلك من جعل يوم قتل ابن نبيك وخيرتك عيدا ، واستهلّ به فرحا ومرحا ، وخذ آخرهم كما أخذت أولهم ، وأضعف اللّهم العذاب والتنكيل على ظالمي أهل بيت نبيك ، واهلك أشياعهم وقادتهم ، وأبر حماتهم وجماعتهم(2) .
وصلّى اللّهم على « الشهيد السعيد ، والسبط الثاني ، والإمام الثالث ، والمبارك ، والتابع لمرضاة اللّه ، المتحقّق بصفات اللّه ، والدليل على ذات اللّه ، أفضل ثقاة اللّه ، المشغول ليلاً ونهارا بطاعة اللّه ، الناصر لأولياء اللّه ، المنتقم من أعداء اللّه ، الإمام المظلوم ، الأسير المحروم ، الشهيد المرحوم ، القتيل المرجوم ، الإمام الشهيد ، الولي الرشيد ، الوصي السديد ، الطريد الفريد ، البطل الشديد ، الطيب الوفي ، الإمام الرضي ، ذو النسب العلي ، المنفق الملي ، أبو عبد اللّه الحسين بن علي عليهماالسلام .
منبع الأئمة ، شافع الأمّة ، سيد شباب أهل الجنة ، وعَبرة كلّ مؤن
ومؤنة ، صاحب المحنة الكبرى ، والواقعة العظمى ، وعَبرة المؤنين في دارالبلوى، ومن كان بالإمامة أحقّ وأولى ، المقتول بكربلاء، ثاني السيد الحصور يحيى ابن النبي الشهيد زكريا عليهماالسلام ، الحسين بن علي المرتضى عليهماالسلام .
ص: 8
زين المجتهدين ، وسراج المتوكّلين ، مفخر أئمة المهتدين ، وبضعة كبد سيد المرسلين صلى الله عليه و آله ، نور العترة الفاطمية ، وسراج الأنساب العلوية ،
وشرف غرس الأحساب الرضوية ، المقتول بأيدي شرّ البرية ، سبط الأسباط ، وطالب الثأر يوم الصراط ، أكرم العتر ، وأجلّ الأسر ، وأثمر الشجر ، وأزهر البدر ، معظّم ، مكرّم ، موقّر ، منظّف مطهّر ، أكبر الخلائق في زمانه في النفس ، وأعزّهم في الجنس ، أذكاهم في العرف ، وأوفاهم في العرف ، أطيب العرق ، وأجمل الخلق ، وأحسن الخلق ، قطعة النور ، ولقلب النبي صلى الله عليه و آله سرور ، المنزّه عن الإفك والزور ، وعلى تحمّل المحن
والأذى صبور ، مع القلب المشروح حسور ، مجتبى الملك الغالب ، الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام(1) » . .
الذي حمله ميكائيل ، وناغاه في المهد جبرائيل ، الإمام القتيل ، الذي اسمه مكتوب على سرادق عرش الجليل « الحسين مصباح الهدى، وسفينة النجاة » ، الشافع في يوم الجزاء ، سيدنا ومولانا سيد الشهداء(2) عليه السلام .
الذي ذكره اللّه في اللوح الأخضر ، فقال : . . وجعلت حسينا خازن وحيي، وأكرمته بالشهادة، وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد، وأرفع الشهداء درجة ، جعلت كلمتي التامّة معه ، والحجّة البالغة عنده ،وبعترته أثيب وأعاقب(3) . .
ص: 9
الذي قال فيه جدّه المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه و آله : حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ اللّه من أحبّ حسينا(1) .
وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهو الصادق الأمين : إنّ حبّ علي قذف في قلوب المؤنين ، فلا يحبّه إلاّ مؤن ، ولا يبغضه إلاّ منافق ، وإنّ حبّ الحسن والحسين قذف في قلوب المؤنين والمنافقين والكافرين ، فلا ترى لهم ذامّا(2) .
فمن أيّ المخلوقات كان أولئك المردة العتاة ، وأبناء البغايا الرخيصات ، الذين قاتلوه بغضا لأبيه ، وسبوا الفاطميات ، ولم يحفظوا النبي صلى الله عليه و آله في ذراريه .
قال الإمام سيد الساجدين عليه السلام : . . أيّها الناس ، أصبحنا مطرّدين مشرّدين شاسعين عن الأمصار ، كأنّا أولاد ترك وكابل ، من غير جرم إجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ، « إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ » .
فواللّه لو أنّ النبي صلى الله عليه و آله تقدّم في قتالنا كما تقدّم اليهم في الوصاية بنا لما إزدادوا على ما فعلوا بنا ، فإنّا للّه وإنّا اليه راجعون ، من مصيبة ما أعظمها ، وأوجعها ، وأفجعها ، وأكظّها ، وأقطعها ، وأمرّها ، وأفدحها ،فعند اللّه نحتسبه فيما أصابنا ، وما بلغ بنا ، إنّه عزيز ذو إنتقام(3) .
ص: 10
ولكنّ اللّه لهم بالمرصاد ، فإنّ دمه الزاكي الذي سكن في الخلد ، واقشعرت له أظلّة العرش ، وبكى له جميع الخلائق ، وبكت له السماوات السبع ، والأرضون السبع ، وما فيهن ، وما بينهن ، ومن يتقلّب في الجنة والنار من خلق ربّنا ، وما يرى وما لا يرى ، سوف لا ولم ولن يسكن ، لأنّه قتيل اللّه وابن قتيله ، وثار اللّه وابن ثاره ، ووتر اللّه الموتور في السماوات والأرض(1) حتى « يبعث اللّه قائما يفرج عنها الهمّ والكربات » .
قال الحسين عليه السلام : يا ولدي ، يا علي ، واللّه لا يسكن دمي حتى يبعث اللّه المهدي(2) . .
فذلك قائم آل محمد عليهم السلام يخرج ، فيقتل بدم الحسين عليه السلام بن علي . . وإذا قام - قائمنا - انتقم للّه ولرسوله ولنا أجمعين(3) . .
وقد بشّر بذلك رسول ربّ العالمين صلى الله عليه و آله فقال : لمّا أسري بي إلى السماء أوحى إليّ ربّي - جلّ جلاله - فقال : يا محمد ، إنّي اطلعت على الأرض اطلاعة فاخترتك منها ، فجعلتك نبيا ، وشققت لك من اسمي اسما ، فأنا المحمود وأنت محمد ، ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليا ، وجعلته وصيّك وخليفتك ، وزوج ابنتك ، وأبا ذريّتك ، وشققت له اسما من أسمائي ، فأنا العلي الأعلى ، وهو علي ، وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نوركما ، ثمعرضت ولايتهم على الملائكة ، فمن قبلها كان عندي من المقرّبين .
ص: 11
يا محمد ، لو أنّ عبدا عبدني حتى ينقطع ، ويصير كالشنّ البالي ، ثم أتاني جاحدا لولايتهم ، فما أسكنته جنّتي ، ولا أظللته تحت عرشي .
يا محمد ، تحبّ أن تراهم ؟
قلت : نعم يا ربّ .
فقال عزّ وجلّ : ارفع رأسك ، فرفعت رأسي ، وإذا أنا بأنوار علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، و« م ح م د » بن الحسن القائم في وسطهم ، كأنّه كوكب درّي .
قلت : يا ربّ ، ومن هؤاء ؟
قال : هؤاء الأئمة ، وهذا القائم الذي يحلّل حلالي ، ويحرّم حرامي ، وبه أنتقم من أعدائي ، وهو راحة لأوليائي ، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين ، فيخرج اللاّت والعزى طريين فيحرقهما ، فلفتنة الناس - يومئذٍ - بهما أشدّ من فتنة العجل والسامري(1) .
وروى عبد اللّه بن سنان قال : دخلت على سيدي أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليهماالسلام في يوم عاشوراء ، فألفيته كاسف اللّون ، ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤؤالمتساقط ، فقلت : يا ابن رسول اللّه ،ممّ بكاؤ ؟ لا أبكى اللّه عينيك .
ص: 12
فقال لي : أو في غفلة أنت ؟! أما علمت أنّ الحسين بن علي أصيب في مثل هذا اليوم ؟!
فقلت : يا سيدي ، فما قولك في صومه ؟
فقال لي : صمه من غير تبييت ، وأفطره من غير تشميت ، ولا تجعله يوم صوم كملاً ، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء ، فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل رسول اللّه ، وانكشفت الملحمة عنهم ، وفي الأرض منهم ثلاثون صريعا في مواليهم ، يعزّ على رسول اللّه صلى الله عليه و آله مصرعهم ، ولو كان في الدنيا - يومئذٍ - حيّا لكان صلى الله عليه و آله هو المعزّى بهم .
قال : وبكى أبو عبد اللّه عليه السلام حتى اخضلّت لحيته بدموعه . .
ثم علّمه آداب يوم عاشوراء ، وآداب الزيارة في ذلك اليوم الى أن قال : ثم قل :
اللّهم عذّب الفجرة الذين شاقّوا رسولك ، وحاربوا أولياءك ، وعبدوا غيرك ، واستحلّوا محارمك ، والعن القادة والأتباع ، ومن كان منهم فخب وأوضع معهم ، أو رضي بفعلهم لعنا كثيرا .
اللّهم وعجّل فرج آل محمد صلى الله عليه و آله ، واجعل صلواتك عليه وعليهم ، واستنقذهم من أيدي المنافقين المضلّين ، والكفرة الجاحدين ، وافتح لهم فتحا يسيرا ، وأتح لهم روحا وفرجا قريبا ، واجعل لهم من لدنك علىعدوّك وعدوّهم سلطانا نصيرا . .
ص: 13
اللّهم إنّ كثيرا من الأمّة ناصبت المستحفظين من الأئمة ، وكفرت بالكلمة ، وعكفت على القادة الظلمة ، وهجرت الكتاب والسنة ، وعدلت عن الحبلين اللّذين أمرت بطاعتهما ، والتمسّك بهما ، فأماتت الحقّ ، وجارت عن القصد ، ومالأت الأحزاب ، وحرّفت الكتاب ، وكفرت بالحقّ لمّا جاءها ، وتمسّكت بالباطل لمّا اعترضها ، وضيّعت حقّك ، وأضلّت خلقك ، وقتلت أولاد نبيك ، وخيرة عبادك ، وحملة علمك ، وورثة حكمتك ووحيك .
اللّهم فزلزل أقدام أعدائك ، وأعداء رسولك ، وأهل بيت رسولك .
اللّهم وأخرب ديارهم ، وافلل سلاحهم ، وخالف بين كلمتهم ، وفتّ في أعضادهم ، وأوهن كيدهم ، واضربهم بسيفك القاطع ، وارمهم بحجرك الدامغ ، وطمّهم بالبلاء طمّا ، وقمّهم بالعذاب قمّا ، وعذّبهم عذابا نكرا ، وخذهم بالسنين والمثلات التي أهلكت بها أعداءك ، إنّك ذو نقمة من المجرمين .
اللّهم إنّ سنتك ضائعة ، وأحكامك معطلة ، وعترة نبيك في الأرض هائمة ، اللّهم فأعن الحقّ وأهله ، واقمع الباطل وأهله ، ومنّ علينا بالنجاة ، واهدنا إلى الإيمان ، وعجّل فرجنا ، وانظمه بفرج أوليائك ، واجعلهم لنا ودّا ، واجعلنا لهم وفدا(1) .* * *
ص: 14
الحافظ أبو عبد اللّه محمد على بن شهرآشوب بن كياكي ، المكنّى بأبي نصر بن أبي الجيش السروي المازندراني ، الفقيه ، المحدّث ، المفسّر ، المحقّق ، الأديب البارع ، الجامع لفنون الفضائل ، اشتهر بلقب « شيخ الطائفة » .
وكان معظّما عزيز الجانب عند المخالف والمؤالف .
ذكره صلاح الدين الصفدي في « الوافي بالوفيات(1) » قائلاً :
محمد بن علي بن شهرآشوب ، أبو جعفر السروي المازندراني ، رشيد الدين ، الشيعي ، أحد شيوخ الشيعة ، حفظ القرآن وله ثمان سنين ، وبلغ النهاية في أصول الشيعة ، كان يرحل إليه من البلاد ، ثم تقدّم في علم القرآن والغريب والنحو ، ووعظ على المنبر أيام المقتفي ببغداد ، فأعجبه وخلع عليه ، وأثنى عليه كثيرا .
وذكره ابن أبي طي في تاريخه ، وأثنى عليه ثناء بليغا .
وكذلك الفيروزآبادي في كتاب « البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة » ،وزاد : إنّه كان واسع العمل ، كثير العبادة ، دائم الوضوء .
ص: 15
ثم قال : إنّه عاش مائة سنة إلاّ عشرة أشهر ، ومات سنة 588 ه(1) .
وقال شمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداوودي المالكي تلميذ عبد الرحمن السيوطي في « طبقات المفسرين » :
محمد بن علي بن شهرآشوب ابن أبي نصر ، أبو جعفر السروي المازندراني ، رشيد الدين ، أحد شيوخ الشيعة ، اشتغل بالحديث ، ولقي الرجال ، ثم تفقّه وبلغ النهاية في فقه أهل مذهبه ، ونبغ في الأصول حتى صار رحلة ، ثم تقدّم في علم القرآن والقراءات والتفسير والنحو ، وكان إمام عصره ، وواحد دهره ، أحسن الجمع والتأليف ، وغلب عليه علم القرآن والحديث ، وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي لأهل السنة في تصانيفه وتعليقات الحديث ورجاله ومراسيله ومتّفقه ومتفرّقه ، إلى غير ذلك من أنواعه ، واسع العلم ، كثير الفنون ، مات في شعبان سنة 588 ه .
قال ابن أبي طي : ما زال الناس بحلب لا يعرفون الفرق بين ابن بطة الحنبلي وابن بطة الشيعي حتى قدم الرشيد ، فقال : ابن بطة الحنبلي بالفتح ، والشيعي بالضمّ(2) .
وذكره السيوطي في « بغية الوعاة » في باب المحمدين ، وأثنى عليه ثناء حسنا(3) .
ص: 16
وذكره ابن حجر العسقلاني في « لسان الميزان(1) » نقلاً عن ابن أبي طي في تاريخه قائلاً : اشتغل بالحديث ولقي الرجال ، ثم تفقّه وبلغ النهاية في فقه أهل البيت عليهم السلام ، ونبغ في الأصول ، ثم تقدّم في القراءات والقرآن والتفسير والعربية ، وكان مقبول الصورة ، مليح العرض على المعاني ، وصنف في المتّفق والمفترق ، والمؤتلف والمختلف ، والفصل والوصل ، وفرق بين رجال الخاصة ورجال العامة - يعني أهل السنة والشيعة - كان كثير الخشوع ، مات في شعبان سنة 588 ه .
وذكره الشيخ الحر العاملي في « أمل الآمل » في باب المحمدين قائلاً : رشيد الدين ، محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني السروي ، كان عالما فاضلاً ثقة محدّثا محقّقا عارفا بالرجال والأخبار أديبا شاعرا جامعا للمحاسن ، له كتب . . .
وأورده الزركلي في الأعلام في باب المحمدين ، وكذا عمر كحالة في معجم المؤلفين ، وترجمه أيضا كلّ من الشيخ آغا بزرگ الطهراني في مؤلفاته ، الذريعة ، ومصفّى المقال ، والثقات والعيون في سادس القرون ، والشيخ عباس القمّي في سفينة البحار ، وفي الكنى والألقاب ، والشيخ ميرزا محمد الاسترآبادي في منهج المقال ، والشيخ أبو علي الحائر في منتهي المقال ، والسيد مصطفى التفريشي في نقد الرجال ، وذكر في « نامه دانشوران ناصري » ، وذكره محمد علي التبريزي المدرّس في ريحانةالأدب ، والخوانساري في روضات الجنات ، وغيرهم .
ص: 17
هاجر رحمه الله في أواخر عمره المبارك من العراق ، وسكن حلب من بلاد سوريا ، وذلك في عهد أمراء آل حمدان ، واشتغل هناك بالتأليف والوعظ والإرشاد والتدريس في علوم شتّى الى أن وافاه الأجل ، وتخرّج عليه جماعة من الأعلام .
حضر في مجلس درسه فطاحل العلماء في العراق وفي حلب ، واستفادوا من علمه الفيّاض ، واستجازوا منه الرواية ، وقد ذكرهم أرباب المعاجم ، ومن مشاهيرهم :
أبو حامد ، نجم الدين السيد محمد بن أبي القاسم عبد اللّه بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي ، المتوفى بعد سنة 585 ه ، وهو صاحب كتاب الأربعين الذي ألفه في حقوق الإخوان .
الشيخ جمال الدين ، أبو الحسن علي بن شعرة الحلّي الجامعاني ، وقد كتب له بخطّه إجازة برواية جميع مؤلفاته ، وتاريخ الإجازة « 15 جمادى الثانية سنة 581 ه » .
تلمّذ على كثير من علماء زمانه وأساتذتهم ، وأشهرهم :
جار اللّه الزمخشري المعتزلي المولود سنة 467 ه ، والمتوفى سنة 538 ه ، فقد قرأ عليه مؤلفاته التي منها « تفسير الكشاف » ، و« الفائق في غريبالحديث » و« ربيع الأبرار » ، وقد أجازه أستاذه المذكور بروايتها عنه .
ص: 18
أبو عبد اللّه ، محمد بن أحمد النطنزي ، صاحب كتاب « الخصائص العلوية على سائر البرية والمآثر العقلية لسيد الذرية » .
السيد ناصح الدين ، أبو الفتح عبد الواحد التميمي الآمدي ، المولود سنة 510 ه صاحب كتاب « غرر الحكم ودرر الكلم » .
ومن مشايخه الذين ذكرهم هو في « معالم العلماء » :
أبو منصور، أحمد بن علي بن طالب الطبرسي ، صاحب «الاحتجاج» .
أبو الحسين ، سعيد من هبة اللّه المعروف ب-« القطب الراوندي » ، المتوفى سنة 573 ه .
أبو علي ، الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي ، صاحب « مجمع البيان » ، المتوفّى سنة 548 ه .
الشيخ جمال الدين أبو الفتوح ، الحسين بن علي الرازي صاحب « تفسير روض الجنان وروح الجنان » الفارسي .
أبو علي ، محمد بن الحسن الفتال ، الواعظ النيشابوري ، صاحب كتاب « روضة الواعظين » ، المتوفى سنة 508 ه .
ومن مشايخه الذين روى عنهم وأجازوه :
الشيخ أبو منصور ، أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي صاحب« الاحتجاج » .
ص: 19
قال تلميذه ابن شهرآشوب في « معالم العلماء » : شيخي أحمد بن أبي طالب الطبرسي ، له الكافي في الفقه حسن ، الاحتجاج ، مفاخر الطالبية ، تاريخ الأئمة عليهم السلام ، فضائل الزهراء عليهاالسلام .
الشيخ أبو جعفر ، محمد بن الحسن الشوهاني نزيل مشهد الرضا عليه السلام ، فقيه صالح ، ذكره الشيخ منتجب الدين في الفهرست ، والحر العاملي في أمل الآمل .
الشيخ محمد بن علي بن المحسن الحلبي ، قال الشيخ الحر في « أمل الآمل » : كان فاضلاً ماهرا من مشايخ ابن شهرآشوب .
الشيخ ركن الدين، أبوالحسن، علي بن علي بن عبدالصمد السبزواري النيسابوري التميمي ، المحدّث ، وهو الذي تنتهي إليه رواية حرز الإمام الجواد عليه السلام المشهور ، ذكره الحر في « أمل الآمل » قائلاً : الشيخ أبو الحسن
علي بن عبد الصمد النيسابور التميمي ، فاضل عالم ، يروي عنه ابن شهرآشوب .
الشيخ محمد بن علي بن عبد الصمد النيسابوري ، ترجمه الحر العاملي في « أمل الآمل » قائلاً : فاضل جليل من مشايخ ابن شهرآشوب .
والده الشيخ علي بن شهرآشوب ، العالم الفاضل الفقيه المعروف ، قال في « أمل الآمل » : فاضل عالم يروى عنه ولده محمد ، وكان فقيها محدّثا ، وقد سمع من أبيه في صغره ، ما ذكره هو للسيد حيدر بن محمد زيد الحسيني الراوي عنه ، وذكره السيد حيدر في إجازته سنة 629 لتلميذهالشيخ حسن بن محمد بن يحيى .
ص: 20
جدّه الجليل شهرآشوب كما نصّ عليه في أول كتابه المناقب ، وجدّه هذا يروي عن الشيخ الطوسي شيخ الطائفة محمد بن الحسن المتوفي سنة 460 ه ، وعن الشيخ أبي المظفر عبد الملك السمعاني صاحب كتاب الفضائل المشهور ، كما يستفاد من كتابه « المناقب » .
الشيخ أبو الفتاح ، أحمد بن علي الرازي ، في « أمل الآمل » : كان عالما فاضلاً فقيها ، روى عنه ابن شهرآشوب .
الشيخ أبو سعيد ، عبد الجليل بن عيسى بن عبد الوهاب الرازي صاحب كتاب « مراتب الأفعال » نقض كتاب « التصفّح » لأبي الحسين .
الشيخ أبو المحاسن ، مسعود بن علي بن محمد الصواني ، ذكر ه في الأمل .
الشيخ أبو علي ، محمد بن الفضل الطبرسي .
الشيخ حسن بن أحمد بن طحال المقدادي ، ذكره الحر في « أمل الآمل » .
الشيخ أبو علي ، الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي المفسّر صاحب « تفسير مجمع البيان » .
الشيخ جمال الدين ، أبو الفتوح ، الحسين بن علي بن محمد بن أحمد الخزاعي الرازي النيسابوري ، المفسّر الأديب ، المعروف بأبي الفتوح الرازي .
الشيخ أبو الحسين ، سعيد بن هبة اللّه بن الحسن الراوندي المعروف ب-« القطب الراوندي » صاحب « الخرائج والجرائح » .
الأستاذ أبو جعفر بن كميح .الأستاذ أبو القاسم بن كميح .
ص: 21
قال في كتاب المناقب : وأمّا أسانيد كتب المفيد ، فعن أبي جعفر وأبي القاسم ابني كميح عن أبيهما عن ابن البراج عن الشيخ . .
وقد أورد ابن شهرآشوب في مقدّمة كتابه « المناقب » طرق رواياته لكتب أهل السنة الستة ، وغيرها من كتبهم ، كما أورد طرق رواياته لكتب علماء الشيعة كالشيخ المفيد ، والشيخ الطوسي ، والسيدين الشريفين الرضي المرتضى ، وابن بابويه الصدوق ، والكليني ، وابن شاذان ، وابن فضال ، وابن الوليد ، وابن الحاشر ، وعلي بن إبراهيم ، والحسن بن حمزة ، والصفواني ، والعبدكي ، والفلكي ، وغيرهم . .
ومن رجع إلى مقدّمة كتاب المناقب اطلع على كثير من مشايخ ابن شهرآشوب ، واتّضح له سعة اطلاعه على فنون العلم .
أورد ابن شهرآشوب رحمه الله أسماء مؤلفاته التي كان قد ألّفها قبل « معالم العلماء » في ترجمة نفسه في « باب الميم » وهي :
مناقب آل أبي طالب ، وهو هذا الكتاب ، وسيأتي الكلام عنه .
مثالب النواصب ، قال الشيخ في الذريعة « القسم المخطوط » : توجد نسخته المخطوطة في خزانة السيد ناصر حسين الهندي ، وهي بحجم مناقبه ، وتوجد نسخة أخرى مخطوطة في طهران في مكتبة السيد محمدالمحيط ، على ما في بعض الفهارس .
ص: 22
المخزون المكنون في عيون الفنون نقل عنه مؤلفه في كتابه المناقب .
الطرائق في الحدود والحقائق ، ذكره الشيخ في الذريعة بعنوان « إعلام الطرائق . . »
مائدة ، ذكره مؤلفه في بعض إجازاته ، كما ذكره الأفندي في « الرياض » .
المثال في الأمثال ، ذكره مؤلفه في بعض إجازاته ، كما ذكره الأفندي في « الرياض » .
معالم العلماء ، يتضمّن « 1021 » ترجمة ، وفي آخرها « فصل فيما جهل مصنّفه » ، و« باب في بعض شعراء أهل البيت عليهم السلام » ،
الأسباب والنزول على مذهب آل الرسول ، ذكره الشيخ في الذريعة .
الحاوي ، ذكره الشيخ في الذريعة .
متشابه القرآن ، طبع هذا التفسير بطهران 1369 ه بعنوان « متشابه القرآن ومختلفه » في جزأين .
الأوصاف ، ذكره الشيخ في الذريعة .
المنهاج ، ذكره الشيخ في الذريعة في القسم المخطوط .
الفصول في النحو ، ذكره له السيوطي في بغية الوعاة ، وكذا الفيروز آبادي في البلغة .
كتاب الجديدة ، ذكره الفيروزآبادي ، وقال : جمع فيه فوائد وفرائد جمّة .وغيرها من الكتب التي ذكرها المترجمون له .
ص: 23
قال التفريشي في كتاب « نقد الرجال » : إنّ ابن شهرآشوب : كان شاعرا بليغا منشئا(1) .
فهو كما يبدو من كتابه المناقب من الشعراء المقلّين وليس من المكثرين ، لأنّه كان مشغولاً عن الشعر بالعلوم الأخرى ، ويلاحظ أنّ شعره ليس من الطبقة العليا ، شأنه شأن سائر العلماء الذين لا يتّخذون الشعر ديدنا لهم ، فهم ليسوا من المتخصّصين فيه ، فلا يجيدوا كلّ الإجادة ، وستمرّ عليك نماذج من شعره منثورة في ثنايا كتابه هذا . .
عاش المؤلف رحمه الله في بغداد ، ثم هاجر في عهد أمراء آل حمدان الى حلب من بلاد سوريا ، وسكن بها الى أن توفي هناك في « 22 شهر شعبان سنة 588 ه 1192 م » وله من العمر تسع وتسعون سنة وشهران .
ودفن في سفح جبل هناك يسمّى « جوشن » ، وهي مقبرة دفن فيها كبار علماء الشيعة في حلب ، وهو مشهد « المحسن السقط » ابن الإمام أبي عبد اللّه الحسين ابن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام .
قال الحموي في معجم البلدان مادة « جوشن » :« جوشن » بالفتح ثم السكون وشين معجمة ونون . . جبل مطلّ على
ص: 24
حلب في غربيها في سفحه مقابر ومشاهد للشيعة ، وقد أكثر شعراء حلب من ذكره جدا . .
ثم قال : جوشن جبل في غربي حلب ، ومنه كان يحمل النحاس الأحمر وهو معدنه ، ويقال : إنّه بطل منذ عبر عليه سبي الحسين بن علي عليهماالسلام ونساؤ ، وكانت زوجة الحسين حاملا فأسقطت هناك فطلبت من الصناع في ذلك الجبل خبزا وماءا فشتموها ومنعوها ، فدعت عليهم فمن الان من عمل فيه لا يربح ، وفى قبلي الجبل مشهد يعرف بمشهد السقط ، ويسمى مشهد الدكة ، والسقط يسمّى « محسن بن الحسين »(1) .
ص: 25
ص: 26
قال الشيخ الآقا بزرگ الطهراني في الذريعة(1) :
« مناقب آل أبي طالب » في مجلدين طبع في سنة 1313 في بمبئي ، وفي خزانة الحاج علي محمد نسخة كتب عليها أنّ المستنسخ منها كان بخطّ أبى القاسم بن إسماعيل بن عنان الكتبي الوراق الحلّي في سنة 658 .
والكتاب للشيخ رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني ، المتوفى سنة ثمان وثمانين وخمسمائة 588 ، وقد أثنى عليه الصفدي في « الوافي » ، والفيروز آبادي في « البلغة » ، والسيوطي في « البغية » .
ويأتي منتخبه الموسوم ب-« نخب المناقب » .
أول المناقب : « الحمد للّه الذي خلقني فهو يهدين » .
وقد طبع كتاب المناقب في بمبي ، سنة 1313 في أربعة أجزاء طبعة رديئة جدّا ، ثم طبع في إيران مرّتين في جزءين سنة 1317 ه طبعة غير خالية من الأغلاط .
ص: 27
ثم بادر الشيخ محمد كاظم الكتبي رحمه الله فجدّد طبعه بمطبعته الحيدرية في ثلاثة أجزاء ، قام بتصحيحه ومقابلته على نسخ خطّية لجنة من أساتذة النجف الأشرف ، وذلك سنة 1375 ه سنة 1956 م ، وكانت أقرب النسخ المطبوعة الى النسخة المخطوطة ، ولذلك اعتمدناها في العمل كأصل . .
ثم طبع بعد ذلك عدّة مرّات في أجزاء في إيران وبيروت ، وكانت الطبعات كلّها لا تخلو من أغلاط مخلّة أحيانا .
كما أنّ الملاحظ في جميع الطبعات السابقة للكتاب أنّها أهملت التبويب وفرز العناوين وتمييز المطالب والمناقب الواردة في الكتاب ، فجاء الكتاب متداخلاً في مواضيعه ، مرتبكا في تصنيفه ، يصعب على من يرده أن يصل الى مراده بسهولة .
والذي يظهر من كلام المؤلف في مقدّمته حيث يقول : « وافتتحت ذلك بذكر سيد الأنبياء والمرسلين ، ثم بذكر الأئمة الصادقين عليهم السلام ، وختمته بذكر
الصحابة والتابعين » ، أنّ كتاب المناقب يتضمّن أحوال الإمام الحجّة المنتظر عليه السلام ، إلاّ أنّ الموجود منه في الأيدي هو في أحول الأئمة
عليهم السلام إلى الإمام العسكري عليه السلامفقط .
قال العلامة الميرزا النوري رحمه الله في خاتمة مستدرك الوسائل : « لم نعثر على أحوال الحجّة عليه السلام منه ، ولا نقله من تقدّمنا من سدنة الأخبار كالمجلسي والشيخ الحرّ وأمثالهما » .
وربما يتوهّم أنّه لم يوفق لذكر أحواله عليه السلام إلاّ أنّ عبارة المؤلف رحمه الله تؤكد أنّه ذكر أحوال الصحابة والتابعين أيضا حيث يقول : « وختمته
ص: 28
بذكر الصحابة والتابعين » ، وفي ذلك إشارة واضحة أنّه قد فرغ من ذكر الأئمة عليهم السلام جميعا والصحابة والتابعين ، كما هو ظاهر من قوله « ختمته » .
* * *
وقد امتاز الكتاب بمنهجيته وترتيبه إلاّ أنّ طبعاته السابقة كانت متداخلة متشابكة الى حدّ أفقدته ترتيبه وتسلسل المطالب فيه نتيجة عدم تقطيعها وفرزها .
وقد ذكر المؤلف في مقدّمته منهجه في الكتاب وأسانيده ومصادره وطريقة عمله بتفصيل أغنانا عن التعرّض لذلك في مقدّمتنا .
ونكتفي هنا بالإشارة الى أنّ الكتاب قائم على إلزام الخصم بما يلتزم ، فربما نقل فيه ما لا ينسجم مع عقائد الشيعة أحيانا ، أو لا ينسجم مع الذوق الشيعي الإمامي ، إلاّ أنّ حجّته فيه ما ذكرناه من المخاصمة والإلزام .
وقد تعرّضنا - في الغالب - الى تلك الموارد في الهامش بشكل مقتضب بمقدار الإشارة الى الحقّ ، وربما فاتنا شيء أو غفلنا عن التعليق على مورد رغم مخالفته للعقائد الحقّة ممّا ورد في ثنايا الكتاب من أخبار العامّة ، لضخامة العمل وقلّة البضاعة ، فما ورد في هذا الكتاب ممّا يرضي اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله والأئمة الطاهرين عليهم السلام ، فهو رضا لنا ، وما لم يرضهم ، فنحن والمؤلف منه براء .
* * *
ص: 29
أكّد المؤلف رحمه الله في كتابه « المناقب » على جانب الولاية ، واحتجّ للموالف
والمخالف على وجوب المودّة والتولّي لأهل بيت النبي صلى الله عليه و آله ، وترك الكلام عن الجانب الآخر للعقيدة ، وهو البراءة ، الى كتابه « المثالب » ، ولهذا قد ترى في بعض المواضع ما يتصوّره القارى ء نقصا في الكتاب ، بيد أنّه ليس نقصا ، وإنّما هو مراعاة لنظم الكتاب ومنهجه ، وتعويلاً على ما في كتابه المثالب .
* * *
كان المؤلف رحمه الله حافظا للقرآن منذ صباه ، وقد استفاد من هذه النعمة في كتابه ، حيث تراه غالبا ما يبدأ الباب أو الفصل أو الموضوع الذي يريد الدخول فيه بالآيات ، ثم يذكر الأخبار ، ثم الأشعار .
وربما وظّف عددا كبيرا من الآيات واسترسل في تلاوتها في كلّ المواضيع التي أراد الاستشهاد بها بطريقة تثير إعجاب القارى ء ، بل تفاجئه أحيانا ، كما سترى في استخراج أسماء النبي صلى الله عليه و آله من القرآن ، وغيره من المواضع .
ولمّا كان المؤلف رحمه الله يعتمد على حفظه للقرآن فربما استبدل الواو بالفاء أو الفاء بالواو في بداية الآية ، وربما استدلّ لكلامه بمجموع آيتين توحي للقارى ء كأنّها آية واحدة ، وقد ميّزنا ذلك وأمثاله من خلال حصر كلّ جزء بين قوسين منجمين ، ليبقى الكلام على ما هو عليه وفي نفس الوقت يتميّز كلّ جزء من أجزاء الآية عن الآية الأخرى ، ولعلّ المؤلف رحمه الله فعل ذلك غير أنّ يد النسّاخ أسقطته .
ص: 30
ثم إنّنا تركنا ارجاع الآيات ، وذكر مواضعها من القرآن الكريم ، وذلك لأنّنا حصرناها بين قوسين منجمين ، وميّزناها في نوع الخطّ ، وقد كثرت في هذه الأيام المعاجم والأقراص المضغوطة والفهارس القرآينة بحيث يسهل على كلّ راغب أن يصل الى الآية التي يريدها بسرعة .
ثم إنّنا لو استخرجناها وذكرنا ذلك في متن الكتاب بين معقوفتين سيظهر متن الكتاب مزدحما ، وإذا أنزلناها الى الهامش ، فستجعل الهامش مكتظّا ، إضافة الى ما تقتضيه من مساحات واسعة من الكتاب .
* * *
يجد القارى ء كمية ضخمة جدّا من الشعر ، وظّفها المؤلف رحمه الله أجمل توظيف في كلّ موضع احتاج فيه الى الاستشهاد به ، وغالبا ما يختم الفصول والمواضيع بما يناسبها من الأبيات .
وقد تركنا التدقيق في الشعر وتخريجه إلاّ في موارد خاصة ، وذلك لأنّ كتاب المناقب يعدّ مصدرا لها ، وما هو موجود في الدواوين منقول عنه ، أو لإنّنا لم نعثر على بعض الدواوين . . .
* * *
أكدّ المؤلف رحمه الله في مقدّمته على ذكر المصادر والأسانيد ليخرج كتابه عن حدّ المراسيل ، ويثق القارى ء بما يسمع منه ، ولكي يتحقّق مراده رحمه الله
ص: 31
حاولنا أن نخرّج ما رواه في الكتاب ، ونذكر المصادر تخريجا وتوثيقا ، ونذكر ذلك في الهامش ، والتزمنا أن لا نخرّج إلاّ من المصادر التي سبقت المؤلف رحمه الله ، أو من كتب المعاصرين له ، سوى بعض المواضع النادرة .
وكان التخريج صعبا شاقا لأنّ المؤلف رحمه الله لا يلتزم نقل النصّ حرفيا دائما ، وربما نقل بالمعنى أو المضمون .
ولا يخفى أنّ بعض مصارده مفقودة اليوم ، أو أنّها موجودة ولكنّها بعيدة المنال ، أو لم نوفق للوصول اليها مع إمكان الحصول عليه .
وقد حصلنا على بعض المصادر بعد أن أشرف عملنا على الانتهاء ، فتركنا مراجعتها للتسريع في إخراج العمل . . .
ثم إنّنا لم نكثر من التوثيق حتى لو وجدنا للخبر مصادر كثيرة .
وتركنا ترميم النصوص إلاّ في المواضع الضرورية التي تؤثر على فهم النصّ مثلاً ، وذلك لأنّنا لو شئنا ترميمها وتتميمها يلزم أن نضع كتابا أضعاف هذا الكتاب من جهة ، ومن جهة أخرى نخرج عن غرض المؤلف من تأليف الكتاب ، حيث لاحظنا أنّ أغلب الموارد التي اختصر فيها المؤلف ، أو نقل بالمعنى ، كان يهدف الى غرض ما ، كأن يكون الخبر يحتوي على ما لا يرتضيه المؤلف في عقيدته ، أو أنّ فيه ما يثير الخصم المخاطب إثارة تبعده عن التزام الحقّ ، وتقرّبه الى التعصّب للباطل ، أو ما شاكل ، ولعلّه يروي بالمضمون أحيانا لاعتماده على الذاكرة والحفظ .
* * *
ص: 32
كانت مواضيع الكتاب متداخلة بحكم الإخراج والطباعة في الطبعات السابقة ، وقد قطّعناها بحسب المواضيع والمطالب التي ذكرها المؤلف رحمه الله ونظمناها تحت عناوين أصلية وفرعية وضعناها بين معقوفتين [ ] ، وربما جعلنا لكلّ خبر أو موضوع عنوانا مستقلاً حتى لو كان سطرا واحدا ، بحيث صارت العناوين فهارس موضوعية للكتاب ، كما سترى ذلك من خلال تصفّح أجزاء الكتاب كلّه .
* * *
اعتمدنا على نسختين خطّيتين تفضّل بأحدهما سماحة العلامة السيد أحمد الأشكوري ، وكانت من درر مكتبه « ذخائر التراث » ، وهي من أنفس النسخ ، وقد تمّ الفراغ من استنساخها سنة « 589 ه » ، وقد تضمّنت الجزء الأول « نبوّة النبي صلى الله عليه و آله » والثاني « الإمامة وبداية إمامة أمير المؤمنين عليه السلام » حسب ترتيب الناسخ .
والنسخة الثانية تفضّل بها سماحة السيد حسن الموسوي البروجردي حفظه اللّه ورعاه ، وهي تشترك مع نسخة مكتبة الذخائر في الجزئين الأولين وتزيد عليها بباقي الأجزاء ، ولكنّها تختلف عنها في بقية الأجزاء بتاريخ النسخ ، وكان فيها شيء من الإرتباك في أرقام الصفحات ومطالب الكتاب تقديما وتأخيرا .
* * *
ص: 33
لم نلتزم بما ورد في الكتاب عند ذكر النبي صلى الله عليه و آله وآل البيت عليهم السلام بالصلوات والتسليم ، فهو قد يذكر النبي صلى الله عليه و آله بالسلام فقط ، وقد يذكر بعض الآل دون ذكر السلام .
* * *
حاولت جهد الإمكان أن يكون العمل جادّا يخرج الكتاب في حلّة جديدة ، تمتاز بالتوثيق والتحقيق والعناوين التي تسهّل على المراجع والقارى ء الوصول بيسر وسهولة الى ما يريده من الكتاب باعتباره مرجعا مهمّا ، ومصدرا ثرّا لا يكاد المؤلّف والمحقّق والخطيب والمثقّف وطالب الحقّ والباحث في مجال موضوع الكتاب يستغني عنه .
وقد استغرق العمل فيه سنوات عديدة ، والذي هوّن عليّ العمل وجعله سهلاً لذيذا أنّه تحليق في عالم المناقب ، وسماع لكرامات أفضل البشر أجمعين من الأولين والآخرين ، وهو أفضل العبادات ، كما وردت به الأخبار عن النبي الأمين صلى الله عليه و آله والأئمة المعصومين عليهم السلام .
وإنّما صرفت فيه سنوات من عمري رغبة في رضا الربّ الرحيم والرسول الكريم والأئمة المعصومين ، سيما سيدنا وحبينا سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة أجمعين ، الإمام الغريب والعطشان السليب ، الحسين الحبيب عليهم السلام .
ص: 34
وأقول كما قال المؤلف رحمه الله : « ونظمته للمعاد لا للمعاش ، وادخرته للدين لا للدنيا ، فأسأل اللّه - تعالى - أن يجعله سبب نجاتي ، وحطّ سيئاتي ، ورفع درجاتي ، إنّه سميع مجيب » .
* * *
أتقدّم بالشكر لأخي الأستاذ الحاج محمد صادق الكتبي - حفظه اللّه ورعاه - على ما بذله من اهتمام في سبيل طبع هذا الكتاب ، وليس ذلك بجديد عليه ، فقد ورث هذا الحظّ الوافر في نشر آثار آل محمد صلى الله عليه و آله من أبيه المرحوم الشيخ كاظم الكتبي الذي ساهم في نشر الكثير من تراثنا الثرّ ، وكانت الطبعة الأولى من كتاب المناقب في النجف الأشرف على يديه المباركتين ، جزاهم اللّه خيرا .
ثم أشكر ولدي وقرّة عيني السيّد حسن أشرف على ما بذله من جهد كبير في إخراج الكتاب بهذه الحلّة القشيبة الجميلة ، شكر اللّه سعيه ، وتقبّل منه ، وجعله ذخرا له في الدنيا والآخرة .
* * *
وأسأل اللّه الرؤوف الرحيم أن يتقبّل منّا هذا القليل - على ما فيه - ، ويرفعه الى سيدنا ومولانا وجدّنا سيد الخلق أجمعين ، وأخيه سيد الأوصياء أمير المؤمنين ، وأمّنا فاطمة الزهراء سيدة العالمين ، والأئمة المعصومين عليهم أفضل الصلوات أجمعين ، ويجعله لنا ولمن قرأه مؤمنا ذخرا يوم لا ينفع مال ولا بنون .
ص: 35
اللّهم لا تفرّق بيننا وبين سيد الشهداء الحسين عليه السلام في الدنيا والآخرة طرفة عين أبدا ، واجعل وجه الحسين عليه السلام آخر وجه نراه في الدنيا ، وأول وجه نراه في القبر ويوم يقوم الناس لربّ العالمين ، وارحمني به وأولادي وأزواجي ووالديّ ومن ولدهما ومن ولدا ، والمؤمنين والمؤمنات .
اللّهم وعجّل لوليّك الفرج والنصر والعافية ، واجعلنا من أعوانه وأنصاره والمسلّمين له والمستشهدين بين يديه ، واغفر لنا ولوالدينا ومن ولدوا ، « إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » .
السيّد علي السيّد جمال أشرف الحسيني
9/3/1431
ص: 36
[ المقدمة ]
ص: 37
ص: 38
[ وبه الثقة (1)]
الحمد للّه « الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ » .
وصلّى اللّه على سيدنا نبيه محمد صلى الله عليه و آله خاتم النبيين ، وعلى أخيه ووصيّه
وبعل ابنته أمير المؤمنين عليه السلام ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين .
هاربين ، وفي علومهم طاعنين ، ولمحبّتهم كارهين ، انتبهت من نومةالغافلين ، وصار لي ذلك لطفا إلى كشف الأحوال ، والنظر في اختلاف الأقوال ، فإذا هو ممّا روته العامة من أحاديث مختلفة ، وأخبار مضطربة ، عن الناكثين والقاسطين والمارقين ، والخاذلين والواقفين ، والضعفاء والمجروحين ، والخوارج والشاكين .
« وما آفة الأخبار إلاّ رواتها »
فإذا هم مجتمعون على إطفاء نور اللّه تعالى ، ألا ترى أنّ أزكاهم قد ألغى(1) حديث الخاتم ، وقصة الغدير ، وخبر الطير ، وآية التطهير(2) .
وأنّ أنصفهم قد كتم حديث الكهف ، والإجابة ، والتحف ، والارتقاء .
وأنّ خيرهم قد طعن في حديث : أنا مدينة العلم ، وحديث اللوح .
وأنّ أشهرهم قد توقّف عن حديث الوصية ، وتأويل : « يُوفُونَ بِالنَّذْرِ » ، ونعم المطية .
فقلت : « إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ » ، « أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ » ، « فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنّى تُصْرَفُونَ » .
ووجدت جماعة يؤولون الأخبار المجمع عليها نحو : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ » ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وإنّي تارك فيكم الثقلين « وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا » ، « وَما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ » .
ص: 40
وجماعة جعلوا مقابل كلّ حقّ باطلاً ، وبإزاء كلّ مقال قائلاً ، مثل :الحسن والحسين عليهماالسلام سيدا شباب أهل الجنة ، وكان أحبّ الناس إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله من الرجال علي عليه السلام ، ومن النساء فاطمة عليهاالسلام .
وغروا(1)(2) الجاهل بمقالات باطلة « وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ » و « قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً » « وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ » .
وجماعة زادوا في الأخبار أو نقصوا منها ، نحو : من كنت مولاه فعلي مولاه ، ولا يقولون ما بعده من الدعاء ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ، ولا يذكرون : ولو كان لكنت ، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، ولا يروون : وأبوهما خير منهما .
وروى بعضهم عن علي عليه السلام أنّه قال لعمر بن الخطاب : أما علمت أنّ القلم رفع عن المجنون حتى يفيق ، وعن الصبي حتى يدرك ، وعن النائم حتى يستيقظ(3) . فترك أول الحديث وهو :
إنّ عمرا همّ أن يقيم الحدّ على مجنونة زنت ، وترك الخبر ، وهو قول عمر : قد كدت أهلك بحدّ هذه المجنونة « فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ » .
ص: 41
وجماعة نقلوا مناقبهم إلى غيرهم ، كحديث سدّ الأبواب ، وصالحالمؤمنين ، والاسم المكتوب على العرش ، وتسليم جبرئيل عليه السلام .
يروي مناقب فضلها أعداؤها
أبدا ويسندها إلى أضدادها
« الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الآْخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ "وَيَبْغُونَها عِوَجاً" أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ » .
وجماعة يجرحون رواة المناقب ، ويطعنون في ألفاظها ، ويقدحون في معانيها ، ويعدّلون الخوارج فيما حملوا من فضائل أعدائهم ممّا لا يقبلها العقل ، ولا يضبطها النقل .
إذا ما روى الراوون ألف فضيلة
لأصحاب مولانا النبي محمد
يقولون هذا في الصحيحين مثبت
بخطّ الإمامين الحديث فسدّد
ومهما روينا في علي فضيلة
يقولون هذا من أحاديث ملحد
« سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ » .
وجماعة يذكرون أكثر المناقب ، مثل : حديث الحباب والثعبان والأسد والجان والسفرجل والرمان ، فيقولون : « هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ »و « بُهْتانٌ عَظِيمٌ » .
إذا في مجلس ذكروا عليا
وسبطيه وفاطمة الزكيه
يقول الحاضرون ذروا فهذا
سقيم من حديث الرافضيه
« وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللّهِ » .
ص: 42
وجماعة جعلت الأمّة من آل محمد صلى الله عليه و آله ، والصحابة من العترة ، والنساءمن أهل البيت ، وأنكرت أن يكون أولاد الرسول عليهم السلام ذريّته وآله .
قال الباقر عليه السلام : « فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا » في آل محمد صلى الله عليه و آله « قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ »(1) .
وزلّة العالم كانكسار السفينة تغرق وتغرق معها غيرها(2) ، بل إذا زلّ العالم يزلّ بزلّته العالم(3) .
وجماعة من السفساف(4) حملهم العناد على أن قالوا : كان أبو بكر أشجع من علي عليه السلام ، وأنّ مرحبا(5) قتله محمد بن مسلمة(6) ، وأنّ ذا الثدية(7) قتل بمصر ، وأنّ في أداء سورة براءة كان أبو بكر أميرا
ص: 43
ص: 44
على علي عليه السلام ! ! وربما قالوا : قرأها أنس بن مالك ، وأنّ محسنا ولدته فاطمة عليهاالسلام في زمن النبي صلى الله عليه و آله سقطا ، وأنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنونني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فلا آذن لهم إلاّ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم ، وأنّ صدقة النبي صلى الله عليه و آلهكانت بيد علي عليه السلام والعباس ، فمنعها علي عليه السلام عباسا ، فغلبه عليها .
ومن ركب الباطل زلّت قدمه(1) « وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْعَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ » .
وجماعة جاهروهم بالعداوة ، كما طعن النظّام(2) في أحكامه عليه السلام في كتابيه « الفتيا » و« النكت » .
وكقول الجاحظ : ليس إيمان علي بإيمان ، لأنّه آمن وهو صبي ، ولا شجاعته بشجاعة لأنّ النبي صلى الله عليه و آله قد أخبره أنّه يقتله ابن ملجم .
ونسبه جماعة إلى أنّ حروبه كانت خطأ ، وأنّه قتل المسلمين عمدا .
ص: 45
وقول هشيم(1) : كان لعلي ولد صغار وقد قتل الحسن عليه السلام ابن ملجم ولم ينتظر به .
وقول القتيبي : أول خارجي في الإسلام الحسين عليه السلام .
« فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ » .
ولعمري إنّ هذا لأمر عظيم ، وخطب في الإسلام جسيم ، بل هو كما قال اللّه تعالى : « إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ(2) الْمُبِينُ » ، فصار الغوغاء يزعقون(3) على المحدّثين والمذكرين في ذكرهم عليا عليه السلام حتى قال الشاعر :
إذا ما ذكرنا من علي فضيلة
رمينا بزنديق وبغض أبي بكر
وقال الآخر :وإن قلت عينا من علي تغامزوا
عليّ وقالوا قد سببت معاويه
« أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ » .
وبقي علماء الشيعة في أمورهم تائهين ، وعلى أنفسهم خائفين ، وفي الزوايا منحجرين ، بل حالهم كحال الأنبياء والمرسلين ، كما حكى اللّه - تعالى - عن الكافرين : « لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الُْمخْرَجِينَ » ، « لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ » ، « لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا » ،
ص: 46
« وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا » .
فقلت : « اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضّالِّينَ » .
فعلى من يعتمد ؟ والى رواية من يستند ؟ فالكفّ عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال(1) ، ولا خير في قوم ليسوا بناصحين ولا يحبّون الناصحين(2) ، ولا خير في الكذابين ، ولا العلماء الأفّاكين(3)(4) ، لقد قلّ من يوثق به(5) ، وعزّ من يؤخذ عنه .
فنظرت بعين الإنصاف ، ورفضت مذهب التعصب في الخلاف ، وكتبت على نفسي أن أميز الشبهة من الحجّة ، والبدعة من السنة ، وأفرق بينالصحيح والسقيم ، والحديث والقديم ، وأعرف الحقّ من الباطل ، والمفضول من الفاضل ، وأنصر الحقّ وأتبعه ، وأقهر الباطل وأقمعه ، وأظهر ما كتموا ، وأجمع ما فرّقوا ، وأذكر ما أجمعوا عليه واختلفوا فيه ، على ما أدّته الرواية ، وأشير إلى ما رواه الخاصة « أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ » .
ص: 47
فاستصوبت من عيون كتب العامة والخاصة معا ، لأنّه إذا اتفق المتضادان في النقل على خبر فالخبر حاكم عليهما ، وشاهد للمحقّ في اعتقاده منهما ، وإذا اعتقدت فرقة خلاف ما روت ، ودانت بضدّ ما نقلت وأخبرت ، فقد أخطأت ، وإلاّ فلم يروي الانسان ما هو كذب عنده ، ويشهد بما يعتقد فيه ضدّه ، وكيف يعترف بما يحتجّ به خصمه ، ويسطّر ما يخالفه علمه !
ولا عجب في رواياتهم ممّا هو حجّة عليهم ، فقد أنطقهم « اللّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ » ، وإن كان الشيطان يثبت غروره ، فقد « يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ » .
فوفقت في جمع هذا الكتاب ، مع أنّي أقول : مالي وللتصنيف والتأليف ؟ مع قلّة البضاعة ، وعظم شأن هذه الصناعة ، إلاّ أنّني في ذلك بمنزلة رجل وجد جوهرا منثورا ، فاتخذ له عقدا منظوما ، وكم دنف نجا ، وصحيح [قد ] هوى(1) ، وربما أصاب الأعمى قصده ، وأخطأ البصير رشده(2) .
وذلك بعد ما أذن لي جماعة من أهل العلم والديانة بالسماع والقراءة
ص: 48
والمناولة(1) والمكاتبة والإجازة ، فصحّت لي الرواية عنهم بأن أقول : حدّثني ، وأخبرني ، وأنبأني ، وسمعت ، واعترف لي بأنّه سمعه ورواه كما قرأته وناولني من طرق الخاصة .
وأمّا طرق العامة :
فقد صحّ لنا :
[ 1 ] إسناد البخاري عن أبي عبد اللّه محمد بن الفضل الصاعد الفراوي(2) ، وعن أبي عثمان سعيد بن عبد اللّه العيار الصعلوكي ، وعن الخبازي ، كلّهم عن أبي الهيثم الكشميهني عن أبي عبد اللّه محمد الفريري عن محمد بن إسماعيل بن المغيرة البخاري ، وعن أبي الوقت عبد الأول بن عيسى السجري عن الداودي عن السرخسي عن الفريري عن البخاري .[ 2 ] إسناد مسلم عن الفراوي(3) عن أبي الحسين عبد الغافر الفارسي النيسابوري عن أبي أحمد "بن" محمد بن عمرويه الجلودي عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفقيه عن أبي الحسين مسلم بن حجاج النيشابوري .
ص: 49
[ 3 ] إسناد الترمذي عن أبي سعيد محمد بن أحمد الصفار الأصفهاني عن أبي القاسم الخزاعي عن أبي سعيد بن كليب الشاشي عن أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي .
[ 4 ] إسناد الدارقطني عن أبي بكر محمد بن علي بن محمد بن ياسر الجبائي عن المنصوري عن أبي الحسن المهراني عن أبي الحسن علي بن مهدي الدارقطني .
[ 5 ] إسناد معرفة أصول الحديث عن عبد اللطيف بن أبي سعد(1) البغدادي الأصفهاني عن أبي علي الحداد عن الحاكم أبي عبد اللّه محمد بن عبد اللّه النيسابوري ابن البيع .
[ 6 ] إسناد الموطأ عن القعنبي وعن معن عن يحيى بن يحيى من طريق
محمد بن الحسن عن مالك بن أنس "الأصبحي" .
[ 7 ] إسناد مسند أبي حنيفة عن أبي القاسم بن صفوان الموصلي عن أحمد بن طوق عن نصر بن المرجى عن أبي القاسم الشاهد العدل البغار .
[ 8 ] إسناد مسند الشافعي عن الجياني عن أبي القاسم الصوفي عن محمد بن علي الساوي عن أبي العباس الأصم عن الربيع عن محمد بنإدريس الشافعي .
[ 9 ] [ 10 ] إسناد مسند أحمد والفضائل عن أبي سعد بن عبد اللّه الدجاجي عن الحسن بن علي المذهب عن أبي بكر بن مالك القطيفي عن عبد اللّه بن أحمد بن محمد بن حنبل عن أبيه .
ص: 50
[ 11 ] إسناد مسند أبى يعلى عن أبي القاسم الشحامي عن أبي سعيد
الكنجرودي عن أبي عمرو الحيري عن أبي يعلى أحمد بن المثنى الموصلي .
[ 12 ] إسناد تاريخ الخطيب عن عبد الرحمن بن بهريق القزاز البغدادي
عن الخطيب أبى بكر ثابت البغدادي .
[ 13 ] إسناد تاريخ الفسوي(1) عن أبي عبد اللّه المالكي عن محمد بن الحسين بن الفضل القطان عن درستويه النحوي عن يعقوب بن سفيان(2) الفسوي(3) .
[ 14 ] إسناد تاريخ الطبري عن القطيفي عن أبي عبد الرحمن السلمي
عن عمرو بن محمد بإسناده عن محمد بن جرير بن بريد الطبري .
[ 15 ] وهذا إسناد تاريخ أبي الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري .
[ 16 ] إسناد تاريخ علي بن مجاهد عن القطيفي عن السلمي عن أبي الحسن علي بن محمد دلوية القنطري عن المأمون بن أحمد عن عبد الرحمن بن محمد الدجاج عن ابن جريح عن مجاهد .
[ 17 ] [ 18 ] إسناد تاريخي أبي علي الحسن البيهقي السلامي وأبي علي مسلويه عن أبي منصور محمد بن حفدة العطاري الطوسي عن الخطيب أبي زكريا التبريزي بإسناده إليهما .
ص: 51
[ 19 ] [ 20 ] إسناد كتابي المبتدأ عن وهب بن منبه اليماني عن أبي حذيفة حدثنا القطيفي عن الثعلبي عن محمد بن الحسن الأزهري عن الحسن بن محمد العبدي عن عبد المنعم بن إدريس عنهما .
[ 21 ] إسناد الأغاني عن الفصيحي عن عبد القاهر الجرجاني عن عبد اللّه بن حامد عن محمد ابن محمد عن علي بن عبد العزيز اليماني عن أبي الفرج علي بن الحسين الأصفهاني .
[ 22 ] وهذا إسناد فتوح الأعثم الكوفي .
[ 23 ] إسناد سنن السجستاني عن أبي الحسن الأبنوسي عن أبي العباس بن علي التستري عن الهاشمي عن اللؤلؤي عن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني .
[ 24 ] اسناد سنن اللالكائي عن أبي بكر أحمد بن علي الطرثيثى عن أبي القاسم هبة اللّه بن الحسن(1) الطبري اللالكائي(2) .
[ 25 ] إسناد سنن ابن ماجة عن ابن الناصر البغدادي عن المقريالقزويني عن ابن [ أبي ] طلحة بن المنذر عن أبي الحسن القطان عن أبي عبد اللّه الرقي عن أبي القاسم ابن أحمد الخزاعي عن الهيثم بن كليب الشاشي عن أبي عيسى الترمذي .
ص: 52
[ 26 ] وهذا إسناد شرف المصطفى عن أبي سعيد الخركوشي .
[ 27 ] إسناد حلية الأولياء عن عبد اللطيف الأصفهاني عن أبي علي الحداد عن أبي نعيم "أحمد بن عبد اللّه الاصفهاني" .
[ 28 ] إسناد احياء علوم الدين عن أحمد [ بن محمد ] الغزالي عن أخيه أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي .
[ 29 ] إسناد العقد عن محمد بن منصور السرخسي عمن رواه عن ابن
عبد ربّه الأندلسي .
[ 30 ] إسناد فضائل السمعاني عن شهرآشوب بن أبي نصر بن أبي الجيش السروي جدّي عن أبي المظفر عبد الملك السمعاني .
[ 31 ] إسناد فضائل ابن شاهين عن أبي عمرو الصوفي عن القاضي عن
أبي محمد المرندي عن أبي حفص عمر بن شاهين المروزي .
[ 32 ] إسناد فضائل الزعفراني عن يوسف بن آدم المراغي مسندا إلى
محمد بن الصباح الزعفراني .
[ 33 ] إسناد فضائل العكبري عن أبي منصور ما شادة الأصفهاني عن مشيخته عن عبد الملك بن عيسى العكبري .
[ 34 ] إسناد مناقب ابن شاهين عن المنتهى بن أبي زيد بن كبابكي
الجثي(1) الجرجاني عن الأجل المرتضى الموسوي عن المصنف .[ 35 ] إسناد مناقب ابن مردويه عن الأديب أبي العلا عن أبيه أبى الفضل الحسن بن زيد عن أبي بكر مردويه الأصفهاني .
ص: 53
[ 36 ] إسناد أمالي الحاكم عن المهدي بن أبي حرب الحسني الجرجاني عن الحاكم النيسابوري .
[ 37 ] إسناد مجموع ابن عقدة أبى العباس أحمد بن محمد .
[ 38 ] ومعجم أبى القاسم سليمان بن أحمد الطبراني بحقّ روايتي عن أبي العلاء العطار الهمداني باسناده عنهما .
[ 39 ] [ 40 ] إسناد الوسيط وكتاب الأسباب والنزول عن أبي الفضائل محمد اليهيني عن أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي .
[ 41 ] إسناد معرفة الصحابة عن عبد اللطيف البغدادي عن والده أبي سعيد عن أبي يحيى ابن منده عن والده .
[ 42 ] [ 43 ] إسناد دلائل النبوة والجامع عن الحسين بن عبد اللّه المروزي عن أبي النصر العاصمي عن أبي العباس البغوي عن أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي .
[ 44 ] [ 45 ] إسناد أحاديث علي بن أحمد الجوهري وأحاديث شعبة بن
الحجاج عن محمد البغوي عن الحراجي عن المحبوي عن ابن عيسى عمّن رواها منهما .
[ 46 ] إسناد المغازي عن الكرماني عن أبي الحسن القدوسي عنالحسين بن صديق الزورعنجي عن محمد بن إسحاق الواقدي .
[ 47 ] [ 48 ] إسناد البيان والتبيين والغرة والفتيا عن الكرماني عن أبي سهل الأنماطي عن أحمد ابن محمد عن أبي عبد اللّه بن محمد الخازن عن علي بن موسى القمي عن عمرو بن بحر الجاحظ .
ص: 54
[ 49 ] إسناد غريب القرآن عن القطيفي عن أبيه عن أبي بكر محمد بن عزيز العزيزي السجستاني .
[ 50 ] إسناد شوف العروس عن القاضي عزيزي عن أبي عبد اللّه
الدامغاني .
[ 51 ] إسناد عيون المجالس عن القطيفي عن أبي عبد اللّه طاهر بن محمد بن أحمد الخربلوي .
[ 52 ] [ 53 ] [ 54 ] [ 55 ] إسناد المعارف وعيون الأخبار وغريب الحديث وغريب القرآن عن الكرماني عن أبيه عن جده عن محمد بن يعقوب عن أبي بكر المالكي عن عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة .
[ 56 ] إسناد غريب الحديث عن القطيفي عن السلمي عن أبي محمد
دعلج عن أبي عبد القاسم ابن سلام .
[ 57 ] وهذا إسناد كامل أبى العباس المبرد .
[ 58 ] إسناد نزهة القلوب عن القطيفي وشهرآشوب جدّي كليهما عن أبي إسحاق الثعلبي .
[ 59 ] إسناد أعلام النبوة عن عمر بن حمزة العلوي الكوفي عمّن رواهعن القاضي أبى الحسن الماوردي .
[ 60 ] [ 61 ] إسناد الإبانة وكتاب اللوامع عن مهدي بن أبي حرب الحسني عن أبي سعيد أحمد بن عبد الملك الخركوشي .
[ 62 ] [ 63 ] إسناد دلائل النبوة ، وكتاب جوامع الكلم عن عبد العزيز
ص: 55
عن أحمد الحلواني عن أبي الحسن بن محمد الفارسي عن أبي بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي .
[ 64 ] إسناد نزهة الأبصار عن شهرآشوب عن القاضي أبى المحاسن
الرؤياني عن أبي الحسين(1) علي بن مهدي المامطيري .
[ 65 ] إسناد المحاضرات من باب المفردات عن الهيثم الشاشي عن القاضي عزيزي عن أبي بكر بن علي الخزاعي عن أبي القاسم الراغب الأصفهاني .
[ 66 ] إسناد الإبانة عن الفراوي(2) عن أبي عبد اللّه الجوهري عن القطيفي عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن أبي عبد اللّه محمد بن بطة العكبري .
[ 67 ] إسناد قوت القلوب عن القطيفي عن أبيه عن أبي القاسم الحسن بن محمد عن أبي يعقوب يوسف بن منصور السياري .
[ 68 ] إسناد الترغيب والترهيب عن أبي العباس أحمد الأصفهاني عن
أبي القاسم الأصفهاني .
[ 69 ] إسناد كتاب أبى الحسن المدائني عن القطيفي عن أبي بكر محمد بن عمر بن حمدان عن إبراهيم بن محمد بن سعيد النحوي .
[ 70 ] [ 71 ] إسناد الدارمي واعتقاد أهل السنة عن أبي حامد محمد بن محمد عن زيد بن حمدان المنوجهري عن علي بن عبد العزيز الأشنهي .
ص: 56
[ 72 ] وحدثني محمود بن عمر الزمخشري بكتاب الكشف ، والفايق ، وربيع الأبرار .
[ 73 ] وأخبرني الكباشين وغير شهردار الديلمي بالفردوس .
[ 74 ] وأنبأني أبو العلاء العطار الهمداني بزاد المسافر .
[ 75 ] وكاتبني الموفق بن أحمد المكي خطيب خوارزم بالأربعين .
[ 76 ] وروى لي القاضي أبو السعادات الفضائل .
[ 77 ] وناولني أبو عبد اللّه محمد بن أحمد النطنزي الخصائص العلوية .
[ 78 ] وأجاز لي أبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي رواية كتاب ما نزل من القرآن في علي .
وكثيرا ما اسند(1) إليّ أبى العزيز كلاش العكبري ، وأبى الحسن العاصمي الخوارزمي ، ويحيى بن سعدون القرطي وأشباههم .
وأمّا أسانيد التفاسير والمعاني ، فقد ذكرتها في الأسباب والنزولوهي :
[ 79 ]تفسيرالبصري .
[ 80 ] والطبري .
[ 81 ] والقشيري .
ص: 57
[ 82 ]والزمخشري .
[ 83 ] والجبائي .
[ 84 ] والطائي .
[ 85 ] والسدي .
[ 86 ] والواقدي .
[ 87 ] والواحدي .
[ 88 ] والماوردي .
[ 89 ] والكلبي .
[ 90 ] والثعلبي .
[ 91 ] والوالبي .
[ 92 ] وقتادة .
[ 93 ] والقرطي .
[ 94 ] ومجاهد .
[ 95 ] والخركوشي .
[ 96 ] وعطاء بن رباح .
[ 97 ] وعطاء الخراساني .
[ 98 ] ووكيع .
[ 99 ] وابن جريح .
[ 100 ] وعكرمة .
[ 101 ] والنقاشي .
[ 102 ] وأبى العالية .
ص: 58
[ 103 ] والضحاك .
[ 104 ] وابن عيينة .
[ 105 ] وأبى صالح .
[ 106 ] ومقاتل .
[ 107 ] والقطان .
[ 108 ] والسمان .
[ 109 ] ويعقوب بن سفيان .
[ 110 ] والأصم .
[ 111 ] والزجاج .
[ 112 ] والفراء .
[ 113 ] وأبي عبيد .
[ 114 ] وأبى العباس .
[ 115 ] والنجاشي .
[ 116 ] والدمياطي .
[ 117 ] والعوفي .
[ 118 ] والنهدي .
[ 119 ] والثمالي[ 120 ] وابن فورك(1) .
[ 121 ] وابن حبيب .
ص: 59
فأمّا أسانيد كتب أصحابنا ، فأكثرها :
[ 122 ] عن الشيخ أبى جعفر الطوسي حدّثنا بذلك أبو الفضل الداعي بن
علي الحسيني السروي ، وأبو الرضا فضل اللّه بن علي الحسيني القاشاني ، وعبد الجليل بن عيسى بن عبد الوهاب الرازي ، وأبو الفتوح أحمد بن علي عالم الرازي(1) ، ومحمد وعلي ابنا علي بن عبد الصمد النيسابوري ، ومحمد بن الحسن الشوهاني ، وأبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي ، وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسن الحلبي ، ومسعود بن علي الصوابي ، والحسين بن أحمد بن طحال المقدادي ، وعلي بن شهرآشوب السروي والدي ، كلّهم عن الشيخين المفيدين أبى علي الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي ، وأبى الوفا عبد الجبار بن علي المقرى الرازي عنه .
وحدّثنا المنتهى بن أبي زيد بن كبابكي الحسيني الجرجاني ، ومحمد ابن الحسن الفتال النيسابوري ، وجدّى شهرآشوب عنه أيضا سماعا وقراءة ومناولة وإجازة بأكثر كتبه ورواياته .
[ 123 ] وأمّا أسانيد كتب الشريفين المرتضى والرضي ورواياتهما فعن السيد أبى الصمصام ذي الفقار بن معبد الحسني المروزي عن أبي عبد اللّه محمد بن علي الحلواني عنهما ، وبحقّ روايتي عن السيد المنتهى عن أبيه أبي زيد ، وعن محمد بن علي الفتال الفارسي عن أبيه الحسن كليهما عن المرتضى ، وقد سمع المنتهى والفتال بقراءة أبويهما عليه أيضا .
ص: 60
وما سمعنا من القاضي الحسن الاسترآبادي عن ابن المعافى بن قدامة عنه أيضا ، وما صحّ لنا من طريق الشيخ أبي جعفر عنه ، وروى السيد(1) المنتهى عن أبيه عن الشريف الرضي .
[ 124 ] وأمّا أسانيد كتب الشيخ المفيد فعن أبي جعفر وأبي القاسم ابني كميح عن أبيه عن ابن البراج عن الشيخ ، ومن طرق أبي جعفر الطوسي أيضا عنه .
[ 125 ] وأمّا أسانيد كتب أبي جعفر بن بابويه عن محمد وعلي ابني علي بن عبد الصمد عن أبيهما عن أبي البركات علي بن الحسين الحسيني الخوزي عنه ، وكذلك من روايات أبي جعفر الطوسي .
[ 126 ] وأمّا أسانيد كتب ابن شاذان .
[ 127 ] وابن فضال .
[ 128 ] وابن الوليد .
[ 129 ] وابن الحاشر .
[ 130 ] وعلي بن إبراهيم .
[ 131 ] والحسن بن حمزة .
[ 132 ] والكليني .
[ 133 ] والصفواني .
[ 134 ] والعبدكي .
ص: 61
[ 135 ] والفلكي ، وغيرهم ، فهو على ما نصّ عليها أبو جعفر الطوسي في الفهرست .
[ 136 ] وحدّثني الفتال بالتنوير في معاني التفسير وبكتاب روضة الواعظين وبصيرة المتعظين .
[ 137 ] وأنبأني الطبرسي بمجمع البيان لعلوم القرآن وبكتاب إعلام الورى بأعلام الهدى .
[ 138 ] وأجاز لي أبو الفتوح رواية روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن .
[ 139 ] وناولني أبو الحسن البيهقي حلية الأشراف .
[ 140 ] وقد أذن لي الآمدي في رواية غرر الحكم .
[ 141 ] ووجدت بخطّ أبي طالب الطبرسي كتابه الاحتجاج .
وذلك ممّا يكثر تعداده ، ولا يحتاج إلى ذكره لاجتماعهم عليه ، وما هذا إلاّ جزء من كلّ ، ولا أنا - علم اللّه تعالى - إلاّ معترف بالعجز والتقصير كما قال أبو الجوائز :
رويت وما رويت من الروايه
وكيف وما انتهيت إلى نهايه
وللأعمال غايات تناهى
وإن طالت وما للعلم غايه
وقد قصدت في هذا الكتاب من الاختصار على متون الأخبار ، وعدلت عن الإطالة والاكثار ، والاحتجاج من الظواهر والاستدلال
ص: 62
على فحواها ومعناها ، وحذفت أسانيدها لشهرتها ، ولإشارتي إلى رواتها وطرقها والكتب المنتزعة منها ، لتخرج بذلك عن حدّ المراسيل ، وتلحق بباب المسندات .
وربما تتداخل الأخبار بعضها في بعض ، أو نختصر منها موضع الحاجة ، أو نختار ما هو أقلّ لفظا ، أو جاءت غريبة من مظان بعيدة ، أو وردت مفردة محتاجة إلى التأويل ، فمنها ما وافقه القرآن ، ومنها ما رواه خلق كثير حتى صار علما ضروريا يلزمهم العمل به ، ومنها ما بقيت آثارها رؤية أو سمعا ، ومنها ما نطقت به الشعراء والشعرورة(1) لتبذّلها ، فظهرت مناقب أهل البيت عليهم السلام باجماع موافقيهم وإجماعهم حجّة على ما ذكر في غير موضع ، واشتهرت على ألسنة مخالفيهم على وجه الاضطرار ، ولا يقدرون على الانكار ، على ما أنطق اللّه به رواتهم وأجراها على أفواه ثقاتهم ، مع تواتر الشيعة بها ، وذلك خرق العادة ، وعظة لمن تذكّر ، فصارت الشيعة موفقة(2) لما نقلته ميسرة ، والناصبة مخيبة فيما حملته مسخرة ، لنقل هذه الفرقة ما هو دليل لها في دينها ، وحمل تلك ما هو حجّة لخصمها دونها ، وهذا كاف لمن « أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ »و « إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ » ، وتذكرة للمتذكّرين ، ولطف من اللّه
- تعالى - للعالمين .
ثم وشّحت هذه الأخبار بشواهد الأشعار ، وتوّجتها بالآيات .
ص: 63
فرحم اللّه امرءا اعتبر ، وأحسن لنفسه النظر ، فالرجوع إلى الحقّ خير من التمادي في الباطل(1) ، ولأن تكون تابعا في الخير خير من أن تكون متبوعا للشرّ(2) ، وخير العمل ما أصلحت به رشادك ، وشرّه ما أفسدت به معادك(3) .
وافتتحت ذلك بذكر سيد الأنبياء والمرسلين ، ثم بذكر الأئمة الصادقين عليهم السلام ، وختمته بذكر الصحابة والتابعين .
وسمّيته ب- :
« مناقب آل أبي طالب »
ونظمته للمعاد لا للمعاش ، وادخرته للدين لا للدنيا ، فأسأل اللّه - تعالى - أن يجعله سبب نجاتي ، وحطّ سيئاتي ، ورفع درجاتي ، إنّه سميع مجيب .
ص: 64
ص: 65
ص: 66
ص: 67
ص: 68
منها : بشائر موسى عليه السلام في السفر الأول .
وبشائر إبراهيم عليه السلام في السفر الثاني ، وفي السفر الخامس عشر ، وفي الثالث والخمسين من مزامير داود عليه السلام .
ومنها : بشائر عويديا(1) وحيقوق وحزقيل ودانيال وشيعا .
وقال داود عليه السلام في زبوره : اللّهم ابعث مقيم السنّة بعد الفترة .
وقال عيسى عليه السلام في الإنجيل : إنّ البرّ ذاهب والبار قليطا جاء من بعده ، وهو يخفّف الآصار ، ويفسّر كلم كلّ شيء ، ويشهد لي كما شهدت له ، أنا جئتكم بالأمثال ، وهو يأتيكم بالتأويل(2) .
يسمّونها « عروبة » ، فسمّاه كعب يوم « الجمعة » ، وكان يخطب فيه الناس ، ويذكر فيه خبر النبي صلى الله عليه و آله ، وآخر خطبته كلّما(1) خطب ، وبين موته والفيل خمسمائة وعشرون سنة ، فقال : أم - واللّه - لو كنت فيها ذا سمع وبصر ويد ورجل لتنصّبت(2)(3) فيها تنصّب الجمل ، ولأرقلت فيها إرقال(4) الفحل ، ثم قال :
يا ليتني شاهد فحوى(5) دعوته
يطلب الدين الحنيف ، فقال له راهب بالشام : إنّك لتسأل عن دين ذهبمن كان يعرفه ، ولكنّك قد أظلّك خروج نبي يأتي ملّة(1) إبراهيم الحنيفية ، وهذا زمانه .
فخرج سريعا حتى إذا كان بأرض لخم(2) عندوا(3) عليه فقتلوه .
وقال النبي صلى الله عليه و آله : زيد بن عمرو يبعث أمّة وحده .
ورثاه ورقة بن نوفل :
رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنّما
تجنبت تنّورا من اللّه حاميا
بدينك ربّا ليس ربّ كمثله
وتركك أوثان الطواغي كما هيا
وقد تدرك الإنسان رحمة ربّه
ولو كان تحت الأرض ستين واديا(4)
ص: 71
وكان تبع الأول من الخمسة التي كانت لهم الدنيا بأسرها ، فسار في الآفاق ، وكان يختار من كلّ بلدة عشرة أنفس من حكمائهم .
فلمّا وصل إلى مكة كان معه أربعة آلاف رجل من العلماء ، فلم يعظّمهأهل مكة ، فغضب عليهم وقال لوزيره « عميا ريسا » في ذلك ، فقال الوزير : إنّهم جاهلون ، ويعجبون بهذا البيت .
فعزم الملك في نفسه أن يخربها ويقتل أهلها ، فأخذه اللّه بالصدام ، وفتح من عينيه واُذنيه وأنفه وفمه ماءا منتنا عجزت الأطباء عنه ، وقالوا : هذا أمر سماوي ، وتفرّقوا .
فلمّا أمسى جاء عالم إلى وزيره وأسرّ إليه : إن صدق الأمير بنيّته عالجته ، فاستأذن الوزير له ، فلمّا خلا به قال له : هل أنت نويت في هذا البيت أمرا ؟ قال : كذا وكذا ، فقال العالم : تب من ذلك ولك خير الدنيا والآخرة ، فقال : قد تبت ممّا كنت نويت ، فعوفي في الحال(1) .
فآمن باللّه وبإبراهيم الخليل عليه السلام ، وخلع على الكعبة سبعة أثواب ، وهو أول من كسا الكعبة .
وخرج إلى يثرب ، ويثرب هي أرض فيها عين ماء ، فاعتزل من بين أربعة آلاف رجل عالم أربعمائة رجل عالم على أنّهم يسكنون فيها ، وجاؤا إلى باب الملك ، وقالوا : إنّا خرجنا من بلداننا ، وطفنا مع الملك
ص: 72
زمانا ، وجئنا إلى هذا المقام إلى أن نموت فيه ، فقال الوزير : ما الحكمة في ذلك ؟ قالوا : اعلم - أيّها الوزير - إنّ شرف هذا البيت بشرف محمد صلى الله عليه و آله صاحب القرآن والقبلة واللواء والمنبر ، مولده بمكة ، وهجرته إلى هاهنا ، وإنّا على رجاء أن ندركه أو يدركه أولادنا .فلمّا سمع الملك ذلك تفكّر أن يقيم معهم سنة ، رجاء أن يدرك محمدا صلى الله عليه و آله ، وأمر أن يبنوا أربعمائة دار ، لكلّ واحد دارا ، وزوج كلّ واحد منهم بجارية معتقة ، وأعطى لكلّ واحد منهم مالاً جزيلاً(1) .
ابن بابويه في كتاب النبوة : إنّه قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّ تبعا قال للأوس والخزرج : كونوا هاهنا حتى يخرج هذا النبي ، أمّا أنا لو أدركته لخدمته ، ولخرجت معه(2) .
وروي أنّه قال :
قالوا بمكّة بيت مال داثر
وكنوزه من لؤلؤ وزبرجد
بادرت أمرا حال ربّي دونه
واللّه يدفع عن خراب المسجد
فتركت فيه من رجالي عصبة
نجبا ذوي حسب وربّ محمد(3)
وكتب كتابا إلى النبي صلى الله عليه و آله يذكر فيه إيمانه وإسلامه ، وأنّه من أمّته فليجعله تحت شفاعته .
ص: 73
وعنوان الكتاب : « إلى محمد بن عبد اللّه خاتم النبيين ورسول ربّ العالمين من تبع الأول » .
ودفع الكتاب إلى العالم الذي نصح له ، ثم خرج منه وسار حتى مات ب-« غلسان » بلد من بلاد الهند .وكان بين موته ومولد النبي صلى الله عليه و آله ألف سنة .
ثم إنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا بعث وآمن به أكثر أهل المدينة أنفذوا الكتاب إليه على يد أبي ليلى ، فوجد النبي صلى الله عليه و آلهفي قبيلة بني سليم ، فعرفه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال له : أنت أبو ليلى ؟ قال : نعم ، قال : كتاب تبع الأول ؟ فتحيّر الرجل ، فقال صلى الله عليه و آله : هات الكتاب .
فأخرجه ودفعه إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فدفعه النبي صلى الله عليه و آله إلى علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فقرأه عليه .
فلمّا سمع النبي صلى الله عليه و آله كلام تبع قال : مرحبا بالأخ الصالح ، ثلاث مرات ، وأمر أبا ليلى بالرجوع إلى المدينة(1) .
إكمال الدين عن ابن بابويه ، وروضة الواعظين عن محمد الفتال : إنّه كان عند تربة النبي صلى الله عليه و آله جماعة ، فسأل أمير المؤمنين عليه السلام سلمان عن مبدأ أمره .
ص: 74
فقال : كنت من أبناء الدهاقين(1) بشيراز ، وكنت عزيزا على والدي ،
فبينا أنا سائر مع أبي في عيد لهم إذا بصومعة ، وإذا فيها رجل ينادي : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ عيسى روح اللّه ، وأنّ محمدا حبيب اللّه .قال : فرصف(2) حبّ محمد صلى الله عليه و آله في لحمي ودمي .
فلمّا انصرفت إلى منزلي إذا أنا بكتاب معلّق من السقف ، فسألت أمّي عنه ، فقالت : لا تقربه(3) ، فإنّه يقتلك أبوك .
فلمّا جنّ الليل أخذت الكتاب فإذا فيه : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، هذا عهد من اللّه إلى آدم ، أنّه خالق من صلبه نبيا يقال له « محمد » يأمر بمكارم الأخلاق ، وينهى عن عبادة الأوثان ، يا روزبه ، أنت وصي عيسى ، فآمن واترك المجوسية .
قال : فصعقت صعقة ، فأخذني أبي وأمّي ، وجعلاني في بئر عميقة(4) ، وقالا : إن رجعت وإلاّ قتلناك ، وضيّقوا عليّ الأكل والشرب .
فلمّا طال أمري دعوت اللّه بحقّ محمد صلى الله عليه و آله ووصيه أن يريحني ممّا أنا فيه ، فأتاني آت عليه ثياب بيض ، فقال : قم يا روزبه ، فأخذ بيدي وأتى بي الصومعة ، فقلت : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ عيسى روح اللّه ،
ص: 75
وأنّ محمدا حبيب اللّه ، فقال الديراني(1) : يا روزبه اصعد .
فصعدت إليه ، فخدمته حولين ، فقال : إنّي ميت ، أوصيك براهب أنطاكية ، فاقرأه منّي السلام ، وادفع إليه هذا اللوح ، وناولني لوحا .
فلمّا فرغت من دفنه أتيت الصومعة وقلت : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّعيسى روح اللّه ، وأنّ محمدا حبيب اللّه ، فقال : اصعد يا روزبه .
فصعدت إليه ، فخدمته حولين ، فقال : إنّي ميت ، قلت : على من تخلفني ؟ فقال : لا أعرف أحدا يقول بمقالتي هذه في الدنيا ، وإنّ ولادة محمد صلى الله عليه و آله قد حانت ، فإذا أتيته فاقرأه منّي السلام ، وادفع إليه هذا اللوح .
فلمّا فرغت من دفنه صحبت قوما ، [ ف- ]-لمّا أرادوا أن يأكلوا شدّوا على شاة فقتلوها بالضرب ، [ثم جعلوا بعضها كبابا ، وبعضها شواءا ، فامتنعت من الأكل] ، فقالوا : كل ، فقلت : إنّي غلام ديراني ، وإنّ الديرانيين لا يأكلون اللحم ، [فضربوني وكادوا يقتلونني ، فقال بعضهم : امسكوا عنه حتى يأتيكم شرابكم ، فإنّه لا يشرب ، فلمّا أتوا بالشراب] "فأتوني بالخمر" [قالوا : تشرب ؟] فقلت مثل ذلك ، فضربوني وكادوا يقتلونني ، فأقررت لواحد منهم بالعبودية .
فأخرجني وباعني بثلاثمائة درهم من [رجل] يهودي ، فسألني عن قصّتي ، فأخبرته وقلت له : ليس لي ذنب سوى حبّي محمدا ووصيه عليهماالسلام ، فقال اليهودي : وإنّي لأبغضك وأبغض محمدا !
ص: 76
ثم أخرجني إلى باب داره ، وإذا رمل كثير ، فقال : واللّه لئن أصبحت ولم تنقل هذا الرمل كلّه من هذا الموضع لأقتلنك .
قال : فجعلت أحمل طول ليلي ، فلمّا أجهدني التعب سألت اللّه - تعالى - الراحة منه ، فبعث اللّه ريحا ، فقلعت(1) "ذلك الرمل" .فلمّا أصبح نظر إلى الرمل ، فقال : أنت ساحر قد خفت منك ، فباعني من امرأة سلَمية لها حائط ، فقالت : افعل بهذا الحائط ما شئت .
فكنت فيه فإذا أنا بسبعة رهط تظلّهم غمامة ، فلمّا دخلوا كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام ، وأبو ذر والمقداد وعقيل وحمزة وزيد ، فأوردتهم طبقا من رطب ، فقلت : هذه صدقة ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : كلوا ،
وأمسك رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام .
ووضعت طبقا آخر ، فقلت : هذه هدية ، فمدّ يده وقال : بسم اللّه ، كلوا ، فقلت في نفسي : بدت ثلاث علامات .
وكنت أدور خلفه إذ التفت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : يا روزبه ، تطلب
خاتم النبوة ؟ وكشف عن كتفيه ، فإذا أنا بخاتم النبوة معجون بين كتفيه عليه شعرات .
فسقطت على قدميه اُقبلها ، فقال لي : ادخل على هذه المرأة وقل لها : يقول لك محمد بن عبد اللّه : تبيعينا(2) هذا الغلام .
ص: 77
فلمّا أخبرتها قالت : قل له : لا أبيعكه إلاّ بأربعمائة نخلة ، مائتي نخلة صفراء ، ومائتي نخلة حمراء ، فأخبرته بذلك ، فقال : ما أهون ما سألت ، قم يا علي واجمع هذا النوى كلّه ، فأخذه وغرسه ثم قال : اسقه ، فسقاه ، فلمّا بلغ آخره خرج النخل ، ولحق بعضه بعضا ، فقال : قل لها : خذي شيئك وادفعي الينا شيئنا .
فخرجت فقالت : واللّه لا أبيعكه إلاّ بأربعمائة نخلة كلّها صفراء ، فهبط جبرئيل عليه السلام ، فمسح جناحه على النخل ، فصار كلّه أصفر ، فنظرت وقالت : نخلة من هذه أحبّ إليّ من محمد ومنك !! فقلت لها : واللّه إنّ يوما من محمد صلى الله عليه و آله أحبّ إليّ منك ومن كلّ شئ أنت فيه .
فأعتقني رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وسمّاني « سلمان »(1) .
* * *
قال نصر بن المنتصر :
من غرس النخل فجاءت يانعه
مرضية لبوسها من النوى
* * *
وله أيضا :
ومن غرس النوى فأتت بنخل
لذيذ طعمها للذائقينا
ابن بابويه في تمام النعمة ، والثعلبي في نزهة القلوب عن ابن عباس :
ص: 78
لمّا ظفر سيف بن ذي يزن(1) بالحبشة ، واسترجع ملك أبيه وقومه - وذلك بعد مولد النبي صلى الله عليه و آله بسنتين - أتته وفد العرب وشعراؤها(2)[ بالتهنئة ] ، وفيهم عبد المطلب ، فقال :
أيّها الملك إنّ اللّه - تعالى - قد أحلّك محلاً رفيعا صعبا منيعا باذخا شامخا ، وأنبتك منبتا طابت أرومته وعزّت(3) جرثومته(4) ، ثبت أصله ، وبسق فرعه ، في أكرم معدن ، وأطيب موطن ، فأنت - أبيت اللعن(5) - ملك العرب الذي له تنقاد ، وعمودها الذي عليه العماد ، ومعقلها(6) الذي يلجأ إليه العباد ، سلفك خير سلف ، وأنت [ لنا ] منهم أفضل خلف ، فلن يجهل من أنت سلفه ، ولن يهلك من أنت خلفه .
ونحن - أيّها الملك - أهل حرم اللّه ، وسدنة بيته ، أشخصنا إليك الذي أبهجنا من كشفك الكرب الذي فدحنا ، فنحن وفد التهنئة لاوفد المرزئة(7).
ص: 79
قال سيف : من أيّهم(1) أنت أيّها المتكلّم ؟ قال : أنا عبد المطلب بن هاشم ، قال : ابن أختنا ؟ قال : نعم .
فأدناه وقرّب مجلسه ، ثم أقبل عليه وعلى القوم ، فقال : مرحبا وأهلاً ، وناقة ورحلاً ، ومستناخا سهلاً ، وملكا ونحلاً ، يعطى عطاءا جزيلاً ، قد سمع الملك مقالتكم ، وعرف قرابتكم ، وقبل وسيلتكم ، فأنتم أهل الليل(2)وأهل النهار ، لكم الكرامة ما أقمتم ، والحبا(3) إذا ظعنتم(4) .
ثم استنهضوا(5) إلى دار الضيافة ، فأقاموا شهرا .
ثم أرسل إلى عبد المطلب ليلاً فأخلاه ، وقال : إنّي مفوّض إليك من سرّ علمي ، فليكن عندك مطويّا حتى يأذن اللّه فيه ، فإنّ اللّه بالغ أمره ، فقال عبد المطلب : مثلك أيّها الملك من سرّ وبرّ ، فما هو فداك أهل الوبر زمرا بعد زمر ، فقال : إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة ، كانت له الإمامة ، ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة ، فقال : أيّها الملك قد أبت بخير ما آب بمثله وافد ، ولولا هيبة الملك واجلاله لسألته عن مساره إياي ما ازداد به سرورا ، قال : هذا حينه الذي يولد فيه ، أو قد ولد ، اسمه « محمد » ، يموت أبوه وأمّه ، ويكفله جدّه وعمّه ، وقد ولد سرارا ، واللّه باعثه جهارا ، وجاعل له منّا أنصارا . . إلى آخر كلام له .
ص: 80
فقال عبد المطلب : أيّها الملك دام ملكك ، وعلا كعبك ، فهل الملك ساري بافصاح ، فقد أوضح لي بعض الايضاح ، فقال سيف : والبيت ذي الحجب ، والعلامات على النصب ، إنّك يا عبد المطلب لجدّه(1) غير كذب ، فخرّ عبد المطلب ساجدا .
ثم إنّه "أعطى القوم ، و"أعطى عبد المطلب [ بعشرة ] أضعاف ذلك ، فكان عبد المطلب كثيرا ما يقول : [ يا معشر قريش ] ، لا يغبطني أحدبجزيل عطاء الملك وإن كثر ، فإنّه إلى نفاد ، ولكن يغبطني بما يبقى لي ولعقبي من بعدي ذكره [ وفخره ] وشرفه ، فإذا قيل له : ما ذاك ؟ يقول : ستعلمون « نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ »(2) .
* * *
قال ابن رزيك(3) :
محمد خاتم الرسل الذي سبقت
به بشارة قسّ وابن ذي يزن
وانذر النطقاء الصادقون بما
يكون من أمره والطهر لم يكن
ص: 81
الكامل الوصف في حلم وفي كرم
والطاهر الأصل من دام ومن درن
ظلّ الإله ومفتاح النجاة وين--
بوع الحياة وغيث العارض(1) الهتن(2)
فاجعله ذخرك في الدارين معتصما
به وبالمرتضى الهادي أبى الحسن
وتصوّر لعبد المطلب أنّ ذبح الولد أفضل قربة لما علم من حال إسماعيل ، فنذر أنّه متى رزق عشرة أولاد ذكور أن ينحر أحدهم للكعبة شكرا لربّه .
ص: 82
فلمّا وجدهم عشرة قال لهم : يا بني ، ما تقولون في نذري ؟ فقالوا : الأمر إليك ، ونحن بين يديك ، فقال : لينطلق كلّ واحد منكم إلى قدحه ، وليكتب عليه اسمه ، ففعلوا ، وأتوه بالقداح ، فأخذها وقال :
عاهدته والآن أوفي عهده
إذ كان مولاي وكنت عبده
نذرت نذرا لا أحبّ ردّه
ولا أحبّ أن أعيش بعده
فقدّمهم(1) ثم تعلّق بأستار الكعبة ونادى : اللّهم ربّ البلد(2) الحرام ، والركن والمقام ، وربّ المشاعر العظام ، والملائكة الكرام ، اللّهم أنتخلقت الخلق لطاعتك ، وأمرتهم بعبادتك لا حاجة منك . . في كلام له .
ثم أمر بضرب القداح وقال : اللّهم إليك أسلمتهم ولك أعطيتهم ، فخذ من أحببت منهم ، فإنّي راض بما حكمت ، وهب لي أصغرهم سنّا ، فإنّه أضعفهم ركنا ، ثم أنشأ يقول :
يا ربّ لا تخرج عليه قدحي
واجعل له واقية من ذبحي
فخرج السهم على عبد اللّه ، فأخذ الشفرة وأتى عبد اللّه حتى اضجعه في الكعبة ، وقال :
هذا بنيّ قد أريد نحره
واللّه لا يقدر شيء قدره
فإن تؤخّره تقبل عذره
وهمّ بذبحه ، فأمسك أبو طالب يده وقال :
كلاّ وربّ البيت ذيالأنصاب
ما ذبح عبد اللّه بالتلعاب
ص: 83
ثم قال : اللّهم اجعلني فديته وهب لي ذبحته ، ثم قال :
خذها إليك هدية يا خالقي
روحي وأنت مليك هذا الخافق
وعاونه أخواله من "بني" مخزوم .
وقال بعضهم :
يا عجبا من فعل عبد المطلب
وذبحه ابنا كتمثال الذهب
فأشاروا عليه بكاهنة بني سعد(1) ، فخرج في ثمانمائة رجل وهو يقول :
ص: 84
ص: 85
تعاورني(1) أمر فضقت به ذرعا
ولم أستطع ممّا تجللني دفعا
نذرت ونذر المرء دين ملازم
وما للفتى ممّا قضى ربّه منعا
وعاهدته عشرا إذا ما تكمّلوا
أقرب(2) منهم واحدا ماله رجعا
فأكملهم عشرا فلمّا هممت أن
أفي بذاك النذر ثار له(3) جمعا
يصدّونني عن أمر ربّي وإنّني
سأرضيه مشكورا ليكسبني(4) نفعا
ص: 86
فلمّا دخلوا عليها قال :
يا ربّ إنّي فاعل لما تود
إن شئت ألهمت الصواب والرشد
فقالت : كم دية الرجل عندكم ؟ قالوا : عشرة من الإبل ، قالت : فاضربوا على الغلام وعلى الإبل القداح ، فإن خرج القداح على الإبل فانحروها ، وإن خرج عليه فزيدوا في الإبل عشرة عشرة حتى يرضى ربّكم !!
فكانوا يضربون القداح على عبد اللّه وعلى عشرة ، فيخرج السهم علىعبد اللّه ، إلى أن جعلها مائة ، وضرب فخرج القدح على الإبل ، فكبّر عبد المطلب ، وكبّرت قريش ، ووقع عبد المطلب مغشيا عليه ، وتواثبت بنو مخزوم ، فحملوه على أكتافهم ، فلمّا أفاق من غشيته قالوا : قد قبل اللّه منك فداء ولدك .
فبينا هم كذلك ، فإذا بهاتف يهتف في داخل البيت ، وهو يقول : قبل الفداء ، ونفذ القضاء ، وآن ظهور محمد المصطفى .
فقال عبد المطلب : القداح تخطى ء وتصيب حتى أضرب ثلاثا !!!!! فلمّا ضربها خرج على الإبل ، فارتجز يقول :
دعوت ربّي مخلصا وجهرا
يا ربّ لا تنحر بني نحرا
فنحرها كلّها ، فجرت السنة في الدية بمائة من الإبل(1) .
ص: 87
أبو بكر البيهقي في دلائل النبوة أنّه قال راهب لطلحة في سوق بصرى(1) : هل ظهر أحمد(2) ؟ فهذا شهره الذي يظهر فيه(3) . . في كلام له .
وقال عفكلان الحميري لعبد الرحمن بن عوف : ألا أبشّرك ببشارة ، وهي خير لك من التجارة ؟ أنبئك بالمعجبة(4) ، وأبشرك بالمرغبة ، إنّ اللّه
قد بعث في الشهر الأول من قومك نبيا ارتضاه ، وصفيّا أنزل عليه كتابا ، جعل له ثوابا ينهى عن الأصنام ، ويدعو إلى أخفّ الوقفة ، وعجل الرجعة ، وكتب إلى النبي صلى الله عليه و آله :
أشهد باللّه ربّ موسى
إنّك أرسلت بالبطاح
فكن شفيعي إلى مليك
يدعو البرايا إلى الفلاح
فلمّا دخل على النبي صلى الله عليه و آله قال : أحملت إليّ وديعة ؟ أم أرسلك إليّ مرسل
برسالة ؟ فهاتها(5) !
ص: 88
وفيه يقول النبي صلى الله عليه و آله : رحم اللّه أوسا مات في الحنفية ، وحثّ على نصرتنا في الجاهلية(1) .
وبشّر قسّ بن ساعدة الأيادي(2) به وبأولاده(3) .
وكلام عبد المطلب وأبي طالب - رضي اللّه عنهما - لا يحصى في الإخبار عن النبي صلى الله عليه و آله ، والحثّ على نصرته(4) .
وأبو طالب قد بيّن في قصيدته اللامية من سيرته ، منها :
تطاع به الأعداء ودّوا لو أنّنا
يسدّ بنا أبواب ترك وكابل(5)
ومنها :
كذبتم وبيت اللّه إن حلّ ما نرى(6)
لتلتبسن أسيافنا بالأماثل(7)
ص: 90
وقوله عليه السلام لمّا استسقى وقال : حوالينا ولا علينا ، للّه درّ أبي طالب ، لو كان حيّا لقرّت عيناه ، من ينشدنا شعره ؟ يريد قوله :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
ربيع اليتامى عصمة للأرامل(1)
ص: 91
ص: 92
ص: 93
ص: 94
الخركوشي في شرف النبي صلى الله عليه و آله : إنّ أبا طالب قال : رأى عبد المطلب في منامه شجرة نبتت على ظهره ، قد نال رأسها السماء ، وضربت أغصانها الشرق والغرب ، ونورا يزهر بينها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا ، والعرب والعجم ساجدة لها ، وهي كلّ يوم تزداد عظما ونورا .
ورأى رهطا من قريش يريدون قطعها ، فإذا دنوا منها أخذهم شاب من أحسن الناس وجها ، وأنظفهم ثيابا ، فيأخذهم ويكسر ظهورهم ، ويقلع أعينهم .
فقصّ ذلك على كاهنة قريش !!! قالت : لئن صدقت ، ليخرجنّ من صلبك ولد يملك الشرق والغرب ، ويتنبأ في الناس(1) .
وقال العباس بن عبد المطلب : رأيت في منامي عبد اللّه كأنّه خرج من منخره طائر أبيض ، فطار فبلغ المشرق والمغرب ، ثم رجع وسقط على
ص: 95
بيت الكعبة ، فسجدت له قريش كلّها(1) ، فبينما الناس يتأمّلون إذ صار نورا بين السماء والأرض ، وامتدّ حتى بلغ المشرق والمغرب .
قال : فسألت كاهنة بني مخزوم ، فقالت : ليخرجنّ من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعا له(2) .
ذكر الماوردي(3) : أنّ عبد المطلب رأى في منامه كأنّه خرج من ظهره سلسلة بيضاء لها أربعة أطراف : طرف قد أخذ المغرب ، وطرف أخذ المشرق ، وطرف لحق بأعنان السماء ، وطرف لحق بثرى الأرض ، فبينما هو يتعجب إذ التفت(4) الأنوار ، فصارت شجرة خضراء مجتمعة الأغصان ، متدلية الأثمار ، كثيرة الأوراق ، قد أخذت(5) أغصانها أقطار الأرض في الطول والعرض ، ولها نور قد أخذ الخافقين ، وكأنّي قد جلست تحت الشجرة ، وبإزائي شخصان بهيان ، وهما نوح وإبراهيم عليهماالسلام ، قد استظلا به ، فقصّ ذلك على كاهن !!! ففسره بولادة النبي صلى الله عليه و آله(6) .
ص: 96
محمد بن إسحاق : كتب كسرى إلى النعمان بن المنذر ليوجه إليه عالما ، فوجّه إليه بعبد المسيح بن بقيلة(1) الغساني(2) ، فلمّا قصّ عليه رؤياه قال : علم ذلك عند خال لي في مشارق(3) الشام يقال له « سطيح » ، فوجهه إليه .
فلمّا أتاه وجده ، وقد أشرف(4) على الموت ، فأنشأ أبياتا في قدومه ، ففتح سطيح عينيه ، ثم قال : عبد المسيح ، على جمل مشيح(5) ، جاء إلى سطيح ، وقد وافى الضريح ، بعثك ملك بني ساسان ، لارتجاس الإيوان ، وخمود النيران، ورؤيا الموبدان(6) ، يا عبدالمسيح إذا كثرت التلاوة ، وظهر صاحب الهراوة(7) ، وفاض وادي سماوة(8) ، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس ، فليس الشام لسطيح شاما ، يملك منهم ملوك وملكات ، علىعدد الشرفات ، وكلّ ما هو آت .
ص: 97
ثم قضى [ سطيح ] مكانه .
فقدم عبد المسيح على كسرى ، وأخبره بما قال ، فقال : إلى أن يملك منّا أربعة عشر ملكا [ قد ] كانت أمور .
قال : فملك منهم عشرة في أربع سنين ، والباقون إلى أيام عثمان ، وكان سطيح ولد في سيل العرم ، فعاش إلى ملك « ذي نواس » أكثر من ثلاثين قرنا(1) .
الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : بعث اللّه إلى كسرى ملكا وقت الهاجرة(2) ، وقال : يا كسرى ، تسلم أو أكسر هذه العصا ؟ فقال : بهل بهل ، فانصرف عنه ، فدعا حراسه وقال : من أدخل هذا الرجل عليّ ؟ فقالوا : ما رأيناه .
ثم أتاه في العام المقبل ووقته ، فكان كما كان أولاً ، ثم أتاه في العام الثالث ، فقال : تسلم أو أكسر هذه العصا ؟ فقال : بهل بهل ، فكسر العصا ، ثم خرج ، فلم يلبث أن وثب عليه ابنه فقتله(3) .* * *
ص: 98
قال الأجل المرتضى(1) :
اطّرحوا النهج ولم يحفلوا
بما لكم في محكم الذكر
واستلبوا إرثكم منكم
من غير حقّ بيد العسر
كسرتم الدين ولم تعلموا
وكسرة الدين بلا جبر
فيا لها مظلمة أولجت
على رسول اللّه في القبر
وكان يرى النور في آباء النبي صلى الله عليه و آله خلفا عن خلف(2)(3) .
لمّا قصد أبرهة بن الصباح لهدم الكعبة أتاه عبد المطلب ليسترد منه إبله ، فقال : تكلّمني(4) في مائة بعير ، وتترك دينك ودين آبائك ؟ وقد جئت لهدمه ! فقال عبد المطلب : أنا ربّ الإبل ، وإنّ للبيت ربّا سيمنعه منك .فردّ إليه إبله ، فانصرف إلى قريش ، فأخبرهم الخبر ، وأخذ بحلقة الباب قائلاً :
ص: 99
يا ربّ لا أرجو لهم سواكا
يا ربّ فامنع منهم حماكا
إنّ عدو البيت من عاداكا
أمنعهم أن يخربوا(1) قراكا
* * *
وله أيضا :
لاهمّ إنّ المرء يمنع رحله فامنع رحالك
لا يغلبن صليبهم ومحالهم عدوا محالك(2)
فانجلى نوره على الكعبة ، فقال لقومه : انصرفوا - فو اللّه - ما انجلى من جبيني هذا النور إلاّ ظفرت ، والآن قد انجلى عنه .
وسجد الفيل له ، فقال للفيل : يا محمود ، فحرّك الفيل رأسه ، فقال له : تدري لم جاؤوا بك ؟ فقال الفيل برأسه : لا ، فقال : جاؤوا بك لتهدم بيت ربّك ، أفتراك فاعل ذلك ؟! فقال الفيل برأسه : لا(3) .
وكانت امرأة يقال لها « فاطمة بنت مرّة » قد قرأت الكتب ، فمرّ بها عبد اللّه بن عبد المطلب عليهماالسلام ، فقالت : أنت الذي فداك أبوك بمائة من الإبل ؟قال : نعم ، فقالت : هل لك أن تقع عليّ مرّة وأعطيك من الإبل مائة ، فنظر إليها وأنشأ :
ص: 100
أمّا الحرام فالممات دونه
والحلّ لا حلّ فاستبينه
فكيف بالأمر الذي تبغينه
ومضى مع أبيه ، فزوّجه أبوه آمنة ، فظلّ عندها يوما وليلة ، فحملت بالنبي صلى الله عليه و آله ، ثم انصرف عبد اللّه ، فمرّ بها فلم ير بها حرصا على ما قالت أولاً ، فقال لها عند ذلك مختبرا : هل لك فيما قلت لي ؟ فقلت : لا ، قالت : « قد كان ذلك مرّة فاليوم لا » ، فذهبت كلمتها مثلاً .
ثم قالت : أيّ شئ صنعت بعدي ؟ قال : زوجني أبي آمنة ، فبت عندها ، فقالت :
للّه ما زهرية سلبت ثو
بيك ما سلبت وما تدري
ثم قالت : رأيت في وجهك نور النبوة ، فأردت أن يكون فيّ ، وأبى اللّه إلاّ أن يضعه حيث يحبّ ، ثم قالت :
بني هاشم قد غادرت من أخيكم
أمينة إذ للباه يعتلجان(1)
كما غادر المصباح بعد خبّوه
فتائل قد ميثت له بدخان
وما كان مايحوى الفتى من نصيبه
بحرص ولا ما فاته بتواني
ويقال : أنّه مرّ بها وبين عينيه غرّة كغرّة الفرس(2) .
ص: 101
وكان عند الأحبار جبّة صوف بيضاء قد غمست في دم يحيى بن زكريا ، وكانوا قد قرأوا في كتبهم : إذا رأيتم هذه الجبّة تقطر دما ، فاعلموا أنّه قد ولد أبو السفاك الهتاك .
فلمّا رأوا ذلك من الجبّة اغتموا ، واجتمع خلق على أن يقتلوا عبد اللّه ، فوجدوا الفرصة منه لكون عبد المطلب في الصيد فقصدوه ، فأدرك وهب بن عبد مناف الزهري ، فجاز منه ، فنظر إلى رجال نزلوا من السماء ، وكشفوهم عنه ، فزوّج ابنته من عبد اللّه .
قال : فمتن من نساء قريش مائتا امرأة غيرة(1) .
عليهاالسلام يوم عرفة ]
ويقال : إنّ عبد اللّه كان في جبينه نور يتلألأ ، فلمّا قرب من حمل محمد صلى الله عليه و آله لم يطق أحد رؤيته ، وما مرّ بحجر ولا شجر إلاّ سجد له وسلّم عليه ، فنقل اللّه منه نوره يوم عرفة - وقت العصر وكان يوم الجمعة - إلى آمنة(2) .
وكانت السباع تهرب عن أبي طالب ، فاستقبله أسد في طريق الطائف ،
ص: 102
وبصبص(1) له ، وتمرّغ قبله ، فقال أبو طالب : بحقّ خالقك أن تبيّن لي حالك ؟ فقال الأسد : إنّما أنت أبو أسد اللّه ، ناصر نبي اللّه ومربّيه ، فازداد أبو طالب في حبّ النبي صلى الله عليه و آله والإيمان به(2) .
والأصل في ذلك أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : خلقت أنا وعلي من نور واحد ، نسبّح اللّه يمنة العرش ، قبل أن يخلق اللّه آدم بألفي عام(3) . . الخبر .
أنشد العباس في النبي صلى الله عليه و آله :
من قبلها طبت في الظلال وفى
مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر أنت
ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفير وقد
الجم نسرا وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم
إذا مضى عام بذا طبق
حتى احتوى بيتك المهيمن من
خندف علياء نحلتها(4) النطق
وأنت لمّا ولدت أشرقت الأرض
وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفى
النور وسبل الرشاد نخترق(5)
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا يفضض اللّه فاك(6) .
ص: 103
ص: 104
ص: 105
ص: 106
أبان بن عثمان رفعه بإسناده : قالت آمنة رضي اللّه عنها : لمّا قربت ولادة رسول اللّه صلى الله عليه و آله رأيت جناح طائر أبيض قد مسح على فؤادي ، فذهب الرعب عنّي ، وأُتيت بشربة بيضاء - وكنت عطشى - فشربتها ، فأصابني نور عال ، ثم رأيت نسوة كالنخل طوالاً تحدّثني ، وسمعت كلاما لا يشبه كلام الآدميين ، حتى رأيت كالديباج الأبيض قد ملأ بين السماء والأرض ، وقائل يقول : خذوه من أعزّ الناس ، ورأيت رجالاً وقوفا في الهواء بأيديهم أباريق ، ورأيت مشارق الأرض ومغاربها ، ورأيت(1) علما من سندس على قضيب من ياقوتة قد ضرب بين السماء والأرض في ظهر الكعبة .
فخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله رافعا إصبعه إلى السماء ، ورأيت سحابة بيضاء تنزل من السماء حتى غشيته ، فسمعت نداء : طوفوا بمحمد شرق الأرض وغربها والبحار ، لتعرفوه باسمه ونعته وصورته .
ثم انجلت عنه الغمامة(2) ، فإذا أنا به في ثوب أبيض من اللبن ،
ص: 107
وتحته حريرة خضراء ، وقد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب ، وقائل يقول : قبض محمد على مفاتيح النصرة والريح والنبوة .
ثم أقبلت سحابة أخرى ، فغيّبته عن وجهي أطول من المرّة الأولى ، وسمعت نداء : طوفوا بمحمد الشرق والغرب ، واعرضوه على روحاني الجنّ والإنس والطير والسباع ، وأعطوه صفاء آدم عليه السلام ، ورقّة نوح عليه السلام ، وخلّة إبراهيم عليه السلام ، ولسان إسماعيل عليه السلام ، وكمال يوسف
عليه السلام ، وبشرى يعقوب عليه السلام ، وصوت داود عليه السلام ، وزهد يحيى عليه السلام ، وكرم عيسى عليه السلام .
ثم انكشف عنه ، فإذا أنا به ، وبيده حريرة بيضاء قد طويت طيّا شديدا ، وقد قبض عليها ، وقائل يقول : قد قبض محمد صلى الله عليه و آله على الدنيا
كلّها ، فلم يبق شيء إلاّ حلّ في قبضته .
ثم إنّ ثلاثة نفر كأنّ الشمس تطلع من وجوههم ، في يد أحدهم إبريق فضة ، ونافجة(1) مسك ، وفي يد الثاني طست من زمردة خضراء ، لها أربع جوانب ، من كلّ جانب لؤلؤة بيضاء ، وقائل يقول : هذه الدنيا فاقبض
عليها يا حبيب اللّه ، فقبض على وسطها ، وقائل يقول : [ ا ] قبض الكعبة ، وفي يد الثالث حريرة بيضاء مطوية ، فنشرها ، فأخرج منها خاتما تحار أبصار الناظرين فيه ، فغسل بذلك الماء من الإبريق سبع مرات ، ثم ضرب الخاتم على كتفيه ، وتفل في فيه ، فاستنطقه فنطق ، فلم أفهم ما قال إلاّ أنّهقال : في أمان اللّه وحفظه وكلاءته ، قد حشوت قلبك إيمانا وعلما ويقينا
ص: 108
وعقلاً وشجاعة ، أنت خير البشر ، طوبى لمن اتبعك ، وويل لمن تخلّف عنك ، ثم ادخل بين أجنحتهم ساعة ، وكان الفاعل به هذا رضوان ، ثم انصرف وجعل يلتفت إليه ، ويقول : أبشر يا عزّ [ الدنيا ] والآخرة(1) .
ورأيت نورا يسطع من رأسه حتى بلغ السماء ، ورأيت قصور الشامات كأنّه شعلة نار نورا ، ورأيت حولي من القطا أمرا عظيما قد نشرت أجنحتها(2) .
عبد المطلب : لمّا انتصف تلك الليلة إذا أنا ببيت اللّه قد اشتمل بجوانبه الأربعة ، وخرّ ساجدا في مقام إبراهيم ، ثم استوى البيت مناديا : اللّه أكبر ربّ محمد المصطفى ، الآن قد طهرني ربّي من أنجاس المشركين ، وأرجاس الكافرين ، ثم انتفضت(3) الأصنام ، وخرت على وجوهها ، وإذا أنا بطير الأرض حاشرة إليها ، فإذا جبال مكة مشرفة عليها ، وإذا بسحابة بيضاء بإزاء حجرتها ، فأتيتها وقلت : أنا نائم أو يقظان ؟ قالت : بل يقظان ، قلت : فأين نور جبهتك ؟ قالت : قد وضعته ، وهذه الطير تنازعني أن أدفعه إليها ، فتحمله إلى أعشاشها ، وهذه السحاب تسألني كذلك ، قلت :هاتيه أنظر إليه ، قالت : حيل بينك وبينه إلى ثلاثة أيام .
ص: 109
فسللت سيفي وقلت : لتخرجنّه أو لأقتلنّك !!! قالت : شأنك وإياه .
فلمّا هممت أن ألج البيت بدر إليّ من داخل البيت رجل وقال لي : ارجع وراءك ، فلا سبيل لأحد من ولد آدم إلى رؤيته أو ان تنقضي زيارة الملائكة ، فارتعدت !! وخرجت(1) .
ابن إسحاق قالت آمنة : وسمعت في الضوء نداءا : إنّك ولدت سيد الناس ، فقولي : أعيذه بالواحد من شرّ حاسد ، وسمّيه « محمدا » ، وأتي به عبد المطلب ، فوضعه في حجره ، ثم قال :
الحمد للّه الذي أعطاني
هذا الغلام الطيب الأردان
قد ساد في المهد على الغلمان
عوّذه الإله بالأركان
[ حتى أراه مبلغ الغشيان
أعيذه من كلّ ذي شان
من حاسد ذي طرف العينان ]
وقال فيه أشعارا كثيرة(2) .
الصادق عليه السلام : أصحبت الأصنام على وجوهها ، وارتجس إيوانكسرى ، وسقط منه أربع عشرة شرافة ، وغاضت بحيرة ساوة ، وخمدت
ص: 110
نار فارس ، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، ولم يبق سرير لملك إلاّ أصبح منكوسا ، والملك مخرسا لا يتكلّم يومه ذلك ، وانتزع علم الكهنة ، وبطل سحر السحرة ، ولم تبق كاهنة في العرب إلاّ حجبت عن عن صاحبها(1) .
* * *
[ قال ] القيرواني(2) :
وصرح كسرى تداعى من قواعده
وانغاض(3) منكسر الأوداج ذا ميل
ونار فارس لم توقد وما خمدت
مذ ألف عام ونهر القوم لم يسل
خرّت لمبعثه الأوثان وانبعثت
ثواقب الشهب ترمي الجنّ بالشعل(4)
ص: 111
الصادق عليه السلام : ورأي الموبدان في تلك الليلة في المنام إبلاً صعابا تقود خيلاً عرابا حتى عبرت دجلة ، وانسربت في بلادهم ، وانقصم طاق كسرى من وسطه ، [ وانخرقت عليه دجلة (1)] ، وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ، ثم استطال حتى بلغ المشرق(2) .
علي بن إبراهيم بن هاشم عن رجاله قال : كان بمكة يهودي يقال له « يوسف » ، فلمّا رأى النجوم تقذف وتتحرّك ليلة ولد النبي صلى الله عليه و آله قال : نجد في كتبنا أنّه إذا ولد آخر الأنبياء رجمت الشياطين ، وحجبوا عن السماء .
فلمّا أصبح كان يتجسّس عن المولود ، فدلّ على عبد المطلب ، فأتاه ، فلمّا نظر إلى عينيه ، وكشف عن كتفيه ، وعليها شعرات ، وقع مغشيا عليه ، فقال : ذهبت النبوة عن بني إسرائيل .
فتعجبت(3) منه قريش ، وضحكوا منه ، فقال : هذا نبي السيف ليترنّكم(4)(5) .
ص: 112
الصادق عليه السلام : كان إبليس يخترق السماوات السبع ، فلمّا ولد عيسى عليه السلام حجب عن ثلاث سماوات ، وكان يخترق أربع سماوات .
فلمّا ولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله حجب عن السماوات كلّها ، ورميت الشياطين
بالنجوم ، وقالت قريش : هذا قيام الساعة الذي كنّا نسمع أهل الكتب يذكرونه ، فقال عمرو بن أمية(1) : إن كان رمى بما تهتدون بها ، فهو هلاك كلّ شيء ، وان كانت تثبت ورمى بغيرها ، فهو أمر حدث(2) .
كعب : بلغني أنّه ما بقي - يومئذٍ - جبل إلاّ نادى صاحبه بالبشارة ، وخضعت كلّها لأبي قبيس .
ولقد قدّست الأشجار أربعين يوما بأنواع أفنائها وثمارها .
ولقد ضرب بين السماء والأرض أربعين عمودا في أنواع الأنوار .
وإنّ الكوثر اضطرب في الجنة ، فرمى بسبعمائة ألف قصر من قصور الدر والياقوت نثارا له .
ولقد ضحكت الجنة ، فهي ضاحكة أبدا(1) .
الصادق عليه السلام : صاح إبليس في أبالسته ، فاجتمعوا له ، فقال : انظروا لقد حدث الليلة حدث ما حدث مثله "منذ" رفع عيسى .
فافترقوا ، ثم اجتمعوا إليه ، فقالوا : ما وجدنا شيئا ، فقال إبليس : أنا لهذا الأمر .
ثم انغمس في الدنيا ، فجالها حتى انتهى إلى الحرم ، فوجد الحرم محفوظا بالملائكة ، فذهب ليدخل فصاحوا به ، فقال له جبرئيل عليه السلام : ما وراك ؟ قال :حرف أسألك عنه ، ما هذا الحدث الليلة ؟ فقال : ولد محمد صلى الله عليه و آله ، فقال : هل لي فيه نصيب ؟ قال : لا ، قال : ففي أمّته ؟ قال : نعم ، قال : رضيت(2) .
ص: 114
وهب : ولقد ذمّ إبليس وغلّ ، والقي في الحصن أربعين يوما ، وغرق "عرشه" أربعين يوما ، ولقد تنكست الأصنام كلّها ، فصاحت وولولت ، ولقد سمعوا صوتا من الكعبة قال : يا قريش جاءكم النذير ، معه عزّ الأبد ، والربح الأكبر ، وهو خاتم الأنبياء(1) .
أمير المؤمنين عليه السلام : لمّا ولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ألقيت الأصنام في الكعبة على وجوهها .
فلمّا أمسى سمع صيحة من السماء : « جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً »(2) .
وورد أنّه أضاء تلك الليلة جميع الدنيا ، وضحك كلّ حجر ومدروشجر ، وسبح كلّ شئ في السماوات والأرض للّه - عزّ وجلّ - ، وانهزم الشيطان وهو يقول : خير الأمم ، "وخير الخلق" ، وأكرم العبيد ، وأعظم العالم محمد صلى الله عليه و آله .
ص: 115
المفضل بن عمر(1) : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : لمّا ولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله فتح لآمنة بياض فارس وقصور الشام ، فجاءت فاطمة بنت أسد إلى أبي طالب عليه السلام ضاحكة مستبشرة ، فأعلمته ما قالته آمنة ، فقال لها أبو طالب عليه السلام : وتتعجبين من هذا ؟! إنّك تحبلين وتلدين
بوصيّه ووزيره(2) .
وفي رواية ابن مسكان : فقال لها أبو طالب عليه السلام : اصبري لي سبتا آتيكبمثله إلاّ النبوة .
وقالوا : السبت ثلاثون سنة(3) .
* * *
ص: 116
[ قال ] أبو المظفر الأبيوردي(1) :
من دوحة بسقت لا الفرع مؤتشب
منها ولا عرقها في الحي مدخول
أتى بمكة إبراهيم والده
قرم على كرم الأخلاق مجبول
* * *
[ وقال ] غيره :
لقد طابت الدنيا بطيب محمد
وزيدت به الأيام حسنا على حسن
لقد فكّ أغلال العتاة محمد
وأنزل أهل الخوف في كنف الأمن
ص: 117
ص: 118
ص: 119
ص: 120
إبانة بن بطة قال : ولد النبي صلى الله عليه و آله مختونا مسرورا ، فحكى ذلك عند جدّه عبد المطلب ، فقال : ليكونن لابني هذا شأن(1) .
كافي الكليني : الصادق عليه السلام : لما ولد النبي صلى الله عليه و آله مكث أياما ليس له لبن فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه فأنزل اللّه فيه لبنا فرضع منه أياما حتى وقع أبو طالب على حليمة فدفعه إليها(2) .
ذكرت حليمة بنت أبي ذؤيب عبد اللّه بن الحرث من مضر - زوجة الحرث بن عبد العزى المضري - : إنّ البوادي أجدبت ، وحملنا الجهد على دخول البلد ، فدخلت مكة ، ونساء بنى سعد قد سبقن إلى مراضعهن ، فسألت مرضعا ، فدلّوني على عبد المطلب ، وذكر أنّ له مولودا يحتاج إلىمرضع له ، فأتيت إليه ، فقال : يا هذه ، عندي بني لي يتيم اسمه « محمد صلى الله عليه و آله » .
ص: 121
فحملته ، ففتح عينيه لينظر إليّ بهما ، فسطع منهما نور ، فشرب من ثديي الأيمن ساعة ، ولم يرغب في الأيسر أصلاً ، واستعمل في رضاعه عدلاً ، فناصف فيه شريكه ، واختار اليمين ، وكان ابني لا يشرب حتى يشرب رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فحملته على الأتان(1) ، وكانت قد ضعفت عند قدومي مكة ، فجعلت تبادر سائر الحمر إسراعا وقوة ونشاطا ، واستقبلت الكعبة ، وسجدت لها ثلاث مرات وقالت : برئت من مرضي ، وسلمت من غثّي ، وعليّ سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، وخير الأولين والآخرين .
فكان الناس يعجبون منها ، ومن سمني وبرائي ودرّ لبني .
فلمّا انتهينا إلى غار خرج رجل يتلألأ نوره إلى عنان السماء ، وسلّم عليه وقال : إنّ اللّه - تعالى - وكّلني برعايته .
وقابلنا ظباء وقلن : يا حليمة ، لا تعرفين من تربّين ! هو أطيب الطيّبين ، وأطهر الطاهرين ، وما علونا تلعة(2) ، ولا هبطنا واديا إلاّ سلّموا عليه .
فعرفنا(3) البركة والزيادة في معاشنا ورياشنا حتى أثرينا ، وكثرتمواشينا وأموالنا .
ص: 122
ولم يحدث في ثيابه ، ولم تبد(1) عورته ، ولم يحتج في يومٍ إلاّ مرّة ، وكان مسرورا مختونا ، وكنت أرى شابا على فراشه يعدّ له ثيابه .
فربّيته خمس سنين ويومين ، فقال لي يوما : أين يذهب إخواني كلّ يوم ؟ قلت : يرعون غنما ، فقال : إنّني اليوم أرافقهم .
فلمّا ذهب معهم أخذه ملائكة ، وعلوه على قلّة جبل ، وقاموا بغسله وتنظيفه ، فأتاني ابني وقال : أدركي محمدا ، فإنّه قد سلب .
فأتيته ، فإذا هو بنور ساطع في السماء ، فقبّلته وقلت : ما أصابك ؟ قال : لا تحزني ، إنّ اللّه معنا ، وقصّ عليها قصة ، فانتشر منه فوح مسك أذفر ، وقال الناس : غلبت عليه الشياطين ، وهو يقول : ما أصابني شيء ، وما عليّ من بأس .
فرآه كاهن وصاح وقال : هذا الذي يقهر الملوك ويفرّق العرب !!!
وروي عن حليمة أنّه جلس محمد صلى الله عليه و آله ، وهو ابن ثلاثة أشهر .
ولعب مع الصبيان ، وهو ابن تسعة .
وطلب منّي أن يسير مع الغنم يرعى ، وهو ابن عشرة .وناضل الغلمان بالنبل ، وهو ابن خمسة عشر .
وصارع الغلمان ، وهو ابن ثلاثين .
ص: 123
ثم أوردته إلى جدّه .
ابن عباس : إنّه كان يقرب إلى الصبيان يصبحهم فيختلسون ويكفّ ، ويصبح الصبيان غمصا(1) [ ورمصا (2)] ، ويصبح صقيلاً دهينا(3) .
ص: 124
ونادى شيخ على الكعبة : يا عبد المطلب ، إنّ حليمة امرأة عربية ، وقد فقدت ابنا اسمه(1) « محمد » ، فغضب عبد المطلب ، وكان إذا غضب خاف الناس منه ، فنادى : يا بني هاشم ويا بني غالب ، اركبوا فقد محمد ، وحلف أن لا أنزل حتى أجد محمدا ، أو أقتل ألف أعرابي ومائة قرشي ، وكان يطوف حول الكعبة ، وينشد أشعارا منها :
يا ربّ ردّ راكبي محمدا
ردّ إليّ واتخذ عندي يدا
يا ربّ إن محمدا لن يوجدا
تصبح قريش كلّهم مبدّدا
فسمع نداءا : إنّ اللّه لا يضيع محمدا ، فقال : أين هو ؟ قال : في وادي فلان تحت شجرة أم غيلان(2) .
قال ابن مسعود : فأتينا الوادي ، فرأيناه يأكل الرطب من أم غيلان ، وحوله شابان ، فلمّا قربنا منه ذهب الشابان ، وكانا(3) جبرائيل وميكائيل عليهماالسلام ، فسألناه من أنت ؟ وماذا تصنع ؟ قال : أنا ابن عبد اللّه بن
عبد المطلب .
ص: 125
فحمله عبد المطلب على عنقه ، وطاف به حول الكعبة ، وكانت النساء اجتمعن عند آمنة على مصيبته ، فلمّا رآها تمسّك بها ، وما التفت إلى أحد(1) .
وكان عبد المطلب أرسل رسول اللّه [ محمدا صلى الله عليه و آله ] إلى رعاية في إبل قد ندت(2) له بجمعها ، فلمّا أبطأ عليه نفذ(3) وراءه في كلّ طريق وكلّ شعب ، وأخذ بحلقة باب الكعبة وهو يقول : « يا ربّ إن صغوا تهلك آلك(4) إن تفعل فأمر ما بدا لك » .
فجاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالإبل ، فلمّا رآه أخذه فقبّله ، فقال : بأبي لا وجهتك بعد هذا في شيء ، فإنّي أخاف أن تغتال فتقتل(5) .
عكرمة : كان يوضع فراش لعبد المطلب في ظلّ الكعبة ، ولا يجلس عليه أحد إلاّ هو ، إجلالاً له ، وكان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج .
ص: 126
فكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يجلس عليه ، فيأخذه أعمامه ليؤخروه ، فقال لهم عبد المطلب : دعوا ابني ، فو اللّه إنّ له لشأنا عظيما ، إنّي أرى أنّه سيأتي عليكم [ يوم ] وهو سيّدكم ، [ إنّي أرى عزّته عزّة تسود الناس ] .
ثم يحمله فيجلسه معه ، ويمسح ظهره ويقبّله ، ويوصيه إلى أبي طالب(1) .
القاضي المعتمد(2) في تفسيره عن ابن عباس أنّه وقع بين أبي طالب وبين يهودي كلام ، وهو بالشام ، فقال اليهودي : لم تفخر علينا وابن أخيك بمكة يسأل الناس(3) !!!!!
فغضب أبو طالب عليه السلام ، وترك تجارته ، وقدم مكة ، فرأى غلمانا يلعبون ، ومحمد صلى الله عليه و آله فيهم مختلّ الحال(4) !!! فقال له : يا غلام ، من أنت ؟ ومن أبوك ؟ قال : أنا محمد بن عبد اللّه ، أنا يتيم ، لا أب لي ولا أم .
فعانقه أبو طالب عليه السلام وقبّله ، ثم ألبسه جبّة مصرية ، ودهن رأسه ، وشدّ دينارا في ردائه ، ونشر قبله تمرا ، فقال : يا غلمان ، هلمّوا فكلوا .
ص: 127
ثم أخذ أربع تمرات إلى أم كبشة ، وقصّ عليها ، فقالت : فلعله أبوك أبو طالب عليه السلام ، قال : لا أدري ، رأيت شيخا بارّا ، إذ مرّ أبو طالب عليه السلام ، فقالت : يا محمد ، كان هذا ؟ قال : نعم ، قالت : هذا أبوك أبو طالب عليه السلام .
فأسرع إليه النبي صلى الله عليه و آله وتعلّق به وقال : يا أبه ، الحمد للّه الذي أرانيك ، لا تخلّفني في هذه البلاد ، فحمله أبو طالب عليه السلام .
الأوزاعي(1) : كان النبي
صلى الله عليه و آله في حجر عبد المطلب ، فلمّا أتي عليه إثنان ومائة سنة ، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله ابن ثمان سنين ، جمع بنيه وقال : محمد بتيم فآووه ، وعائل فأغنوه ، احفظوا وصيّتي فيه ، فقال أبو لهب : أنا له ، فقال : كفّ شرّك عنه ، فقال العباس : أنا له ، فقال : أنت غضبان لعلك تؤذيه ، فقال أبو طالب عليه السلام : أنا له ، فقال : أنت له ، يا محمد أطع له ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا أبه ، لا تحزن ، فإنّ لي ربّا لا يضيّعني .
فأمسكه أبو طالب عليه السلام في حجره ، وقام بأمره يحميه بنفسه وماله وجاهه في صغره من اليهود المرصدة له بالعداوة ، ومن غيرهم من بني أعمامه ، ومن العرب قاطبة الذين يحسدونه على ما آتاه اللّه من النبوة .
وأنشأ عبد المطلب :
أوصيك يا عبد مناف بعدي
بموحد بعد أبيه فرد
ص: 128
وقال :
وصيت من كفيته بطالب
عبد مناف وهو ذو تجارب
يا بن الحبيب أكرم الأقارب
يا بن الذي قد غاب غير آيب
فتمثّل أبو طالب ، وكان سمع من الراهب وصفه !! :
لا توصني بلازم وواجب
إنّي سمعت أعجب العجائب
من كلّ حبر عالم وكاتب
بان بحمد اللّه قول الراهب(1)
أبو سعيد الواعظ(2) في كتاب شرف المصطفى : إنّه لمّا حضرت عبد المطلب الوفاة دعا ابنه أبا طالب ، فقال له : يا بني ، قد علمت شدّة حبّي لمحمد صلى الله عليه و آله ، ووجدي به ، انظر كيف تحفظني فيه ؟ قال أبو طالب :
يا أبه ، لا توصني بمحمد صلى الله عليه و آله ، فإنّه ابني وابن أخي .
فلمّا توفي عبد المطلب كان أبو طالب يؤثره بالنفقة والكسوة على نفسه وعلى جميع أهله .
ابن عباس : قال أبو طالب عليه السلام لأخيه : يا عباس ، أخبرك عن محمد صلى الله عليه و آله ، إنّي ضممته فلم أفارقه ساعة من ليل أو نهار ، فلم أأتمن أحدا ،
ص: 129
حتى نومته في فراشي ، فأمرته أن يخلع ثيابه وينام معي ، فرأيت في وجهه الكراهية ، فقال : يا عمّاه ، اصرف بوجهك عنّي حتى أخلع ثيابي وأدخل فراشي ، فقلت له : ولم ذاك ؟ فقال : لا ينبغي لأحد أن ينظر إلى جسدي !!
فتعجّبت من قوله ، وصرفت بصري عنه حتى دخل فراشه ، فإذا دخلت أنا الفراش إذا بينه وبيني ثوب ، واللّه ما أدخلته في فراشي ، فأمسّه فإذا هو ألين ثوب ، ثم شممته ، كأنّه غمس في مسك ، وكنت إذا أصبحت فقدت "الثوب" .
فكان هذا دأبي ودأبه ، وكنت كثيرا ما أفتقده في فراشي ، فإذا قمت لأطلبه بادرني من فراشي : ها أنا ذا يا عمّ ، فارجع إلى مكانك(1) .
وكان النبي صلى الله عليه و آله يأتي زمزم ، فيشرب منها شربة ، فربما عرض عليه أبو طالب عليه السلام الغدا ، فيقول : لا أريده أنا شبعان(2) .
وكان أبو طالب إذا أراد أن يعشي أولاده أو يغدّيهم يقول : كما أنتم حتى يحضر ابني ، فيأتي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فيأكل معهم فيبقى الطعام(3) .
ص: 130
القاضي المعتمد في تفسيره : قال أبو طالب عليه السلام : لقد كنت كثيرا ما أسمع
منه إذا ذهب من الليل كلاما يعجبني .
وكنّا لا نسمّي على الطعام ، ولا على الشراب ، حتى سمعته يقول : بسم اللّه الأحد ، ثم يأكل ، فإذا فرغ من طعامه قال : الحمد للّه كثيرا ، فتعجّبت منه !!
وكنت ربما أتيت غفلة ، فأرى من لدن رأسه نورا ممدودا قد بلغ السماء .
ثم لم أر منه كذبة قطّ ، ولا جاهلية قطّ ، ولا رأيته بضحك في [ غير (1)] موضع الضحك ، ولا "وقتا" مع الصبيان في لعب ، ولا التفت إليهم ، وكانت الوحدة أحبّ إليه والتواضع(2) .
وكان النبي صلى الله عليه و آله ابن سبع سنين ، فقالت اليهود : وجدنا في كتبنا : إنّ محمدا يجنّبه ربّه من الحرام والشبهات ، فجربوه .
فقدّموا إلى أبي طالب عليه السلام دجاجة مسمّنة ، فكانت قريش يأكلون منها ، والرسول صلى الله عليه و آله تعدل يده عنها ، فقالوا : مالك ؟ قال : أراها حرامايصونني ربّي عنها ، فقالوا : هي حلال ، فنلقمك ، قال : فافعلوا إن قدرتم .
ص: 131
فكانت أيديهم تعدل بها إلى الجهات ، فجاؤه بدجاجة أخرى قد أخذوها لجار لهم غائب على أن يؤدّوا ثمنها إذا جاء ، فتناول منها لقمة ، فسقطت من يده ، فقال صلى الله عليه و آله : وما أراها إلاّ من شبهة يصونني ربّي عنها ، فقالوا : نلقمك منها ، فكلّما تناولوا منها ثقلت "في" أيديهم ، فقالوا لهذا
شأن عظيم(1) .
ولمّا ظهر أمره صلى الله عليه و آله عاداه أبو جهل ، وجمع صبيان بنى مخزوم ، فقال : أنا أميركم .
وانعقد صبيان بني هاشم وبنى عبد المطلب على النبي صلى الله عليه و آله وقالوا : أنت
الأمير(2) .
قالت أم علي عليهماالسلام : وكان في صحن داري شجرة قد يبست وخاست(3) ، ولها زمان يابسة ، فأتى النبي صلى الله عليه و آله يوما إلى الشجرة ، فمسّهابكفّه ، فصارت من وقتها وساعتها خضراء ، وحملت الرطب .
ص: 132
فكنت في كلّ يوم أجمع له الرطب في دوخلة(1) ، فإذا كان وقت ضاحي النهار يدخل ، فيقول : يا أماه ، أعطيني ديوان العسكر ، فكان يأخذ الدوخلة ، ثم يخرج ويقسم الرطب على صبيان بني هاشم .
فلمّا كان بعض الأيام دخل وقال : يا أماه ، أعطيني ديوان العسكر ، فقلت : يا ولدي ، اعلم أنّ النخلة ما أعطتنا اليوم شيئا .
قالت : فوحقّ نور وجهه ، لقد رأيته وقد تقدّم نحو النخلة ، وتكلّم بكلمات ، وإذا بالنخلة قد انحنت حتى صار رأسها عنده ، فأخذ من الرطب ما أراد ، ثم عادت النخلة إلى ما كانت .
فمن ذلك اليوم قلت : اللّهم ربّ السماء ، ارزقني ولدا ذكرا يكون أخا لمحمد صلى الله عليه و آله ، ففي تلك الليلة واقعني أبو طالب عليه السلام ، فحملت بعلي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فرزقته ، فما كان يقرب صنما ، ولا يسجد لوثن ، كلّ ذلك ببركة محمد صلى الله عليه و آله(2) .
المفسرون عن عبد اللّه بن عباس في قوله تعالى « لإِِيلافِ قُرَيْشٍ »انه كانت لهم في كلّ سنة رحلتان باليمن والشام ، وكان من وقاية أبي طالبانه عزم على الخروج في ركب من قريش إلى الشام تاجرا سنة ثمان من مولده صلى الله عليه و آله أخذ النبي بزمام ناقته وقال : يا عم على من تخلفني ولا أب لي
ص: 133
ولا أم ؟ وكان قيل لي ما يفعل به في هذا الحر وهو غلام صغير فقال : واللّه لأخرجن به ولا أفارقه أبدا .
وفي رواية الطبري : ضبّ(1) به رسول اللّه
صلى الله عليه و آله فرقّ له أبو طالب ، فخشيت له خشية ، وكانوا ركبانا كثيرا ، فكان - واللّه - البعير الذي كان عليه محمد صلى الله عليه و آله أمامي ، ولا يفارقني ، ويسبق الركب كلّهم ، وكانت سحابة
بيضاء مثل الثلج تظلّه ، وربما أمطرت علينا أنواع الفواكه ، وكان يكثر الماء وتخضر الأرض ، وكان وقف جمال قوم ، فمشى إليها ومسح عليها فسارت .
فلمّا قربنا من بصرى إذا نحن بصومعة تمشي كما تمشي الدابة السريعة ، حتى إذا قربت منّا وقفت ، وإذا فيها راهب ، فلمّا نظر إلى النبي صلى الله عليه و آله قال : إن كان أحد فأنت أنت .
قال : فنزلنا تحت شجرة عظيمة قليلة الأغصان ليس لها حمل ، فاهتزت الشجرة ، وألقت أغصانها عليه ، وحملت ثلاثة أنواع ، فاكهتين للصيف وفاكهة للشتاء .
فجاء بحيراء بطعام يكفي النبي صلى الله عليه و آله وقال : من يتولّى أمر هذا الغلام ؟ فقلت : أنا ، قال : أي شيء تكون منه ؟ قلت : أنا عمّه ، فقال : له أعمام ،فأيّهم أنت ؟ قلت : أنا أخو أبيه من أم واحدة ، فقال : أشهد أنّه هو وإلاّ فلست بحيراء .
ص: 134
فأذن في تقريب الطعام ، فقلت : رجل أحبّ أن يكرمك فكل ، فقال : هو لي من دون أصحابي ؟ قال : هو لك خاصة ، فقال : فإنّي لا آكل دون هؤلاء ، فقال له : إنّه لم يكن عندي أكثر من هذا ، قال : أفتأذن أن يأكلوا معي ؟ قال بلى ، قال : كلوا بسم اللّه .
فأكل وأكلنا معه ، فواللّه لقد كنّا مائة وسبعين رجلاً ، فأكل كلّ واحد منّا حتى شبع وتجشأ ، وبحيراء على رأسه يذبّ عن النبي صلى الله عليه و آله ، ويتعجّب
من كثرة الرجال وقلّة الطعام ، وفي كلّ ساعة يقبّل يافوخه(1) ويقول : هو هو ، وربّ المسيح ، فقالوا له : إنّ لك لشأنا ! قال : إنّي لأرى ما لا ترون ، وأعلم ما لا تعلمون ، وإنّ تحت هذه الشجرة لغلاما لو أنتم تعلمون منه ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتى تردّوه إلى وطنه ، ولقد رأيت له - وقد أقبل - نورا أمامه ما بين السماء والأرض ، ولقد رأيت رجالاً في أيديهم مراوح الياقوت والزبرجد يروحونه ، وآخرين ينثرون عليه أنواع الفواكه ، ثم هذه السحابة لا تفارقه ، ثم صومعتي مشت إليه كما تمشي الدابة على رجلها ، ثم هذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الأغصان ، وقد كثرت أغصانها واهتزت وحملت ثلاثة أنواع من الفواكه ، ثم فاضت هذه الحياض بعد ما غارت في أيام الحواريين .ثم قال : يا غلام ، أسألك بحقّ اللاّت والعزى ! عن ثلاث ، فقال : واللّه ما أبغضت شيئا كبغضي إيّاهما ، فسأله باللّه عن حاله ونومه وهيئته .
ص: 135
ثم نظر إلى خاتم النبوة ، فجعل يقبّل رجليه ، فقال لأبي طالب عليه السلام : ما هو منك ؟ قال : ابني ، قال : ما هو بابنك ، ولا ينبغي أن يكون أبوه حيّا ، فقال : إنّه ابن أخي ، مات أبوه وهو صغير ، فقال : صدقت الآن ، فارجع به إلى بلده ، واحذر عليه اليهود ، واللّه لئن عرفوا منه ما عرفت ليقتلنه ، وإنّ لابن أخيك لشأنا عظيما ، فقال : إن كان الأمر كما وصفت ، فهو في حصن اللّه .
وفي ذلك يقول أبو طالب ، وقد أوردها محمد بن إسحاق :
إنّ ابن آمنة النبي محمدا
عندي بمثل منازل الأولاد
لمّا تعلّق بالزمام رحمته
والعيس قد قلصن بالأزواد(1)
فارفضّ من عيني دمع ذارف
مثل الجمان مفرد الافراد
راعيت فيه قرابة موصولة
وحفظت فيه وصيّة الأجداد
وأمرته بالسير بين عمومة
بيض الوجوه مصالت أنجاد
حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا
لاقوا على شرف من المرصاد
حبرا فأخبرهم حديثا صادقا
عنه وردّ معاشر الحساد(2)
* * *
ص: 136
بكر بن عبد اللّه الأشجعي : إنّ أبا المويهب الراهب سأل عبد مناف(1) بن كنانة ونوفل بن معاوية بالشام : هل قدم معكما "من قريش" غيركما [ من الشام ] ؟ قالا : نعم ، شاب من بني هاشم اسمه « محمد صلى الله عليه و آله » ، قال : إياه أردت ، قالوا : إنّه يتيم أبي طالب عليه السلام أجير خديجة عليهاالسلام ، فأخذ يحرك رأسه ويقول : هو هو ، فدلاني عليه .
فبينما هم في الكلام إذ طلع عليهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : هو هو ، فخلا به يناجيه ، ويقبّل بين عينيه ، وأخرج شيئا من كمّه ليعطيه ، والنبي صلى الله عليه و آله يأبى أن يقبله .
فلمّا فارقه قال : هذا نبي آخر الزمان ، سيخرج عن قريب .
ثم قال : هل ولد لعمّه أبي طالب علي عليهماالسلام ؟ فقلنا : لا ، فقال : هذه سنته ،
وهو أول من يؤمن به ، وإنّا لنجد صفته عندنا بالوصية ، كما نجد صفة محمد صلى الله عليه و آله بالنبوة(2) . . الخبر .
يعلى بن سيابه قال : حكى خالد بن أسيد بن أبي العاص وطليق بن أبي صفيان بن أمية : أنّهما كانا مع النبي صلى الله عليه و آله في سفر ، ولمّا قربنا من الشام
ص: 137
رأينا - واللّه - قصور الشامات كلّها قد اهتزت ، وعلا منها نور أعظم من نور الشمس ، فلمّا توسطنا الشام ما قدرنا أن نجوز السوق من ازدحام الناس ينظرون إلى النبي صلى الله عليه و آله .
فجاء حبر عظيم اسمه « نسطور » ، فجلس بحذائه ينظر إليه ، فقال لأبي طالب عليه السلام : ما اسمه ؟ قال : محمد بن عبد اللّه صلى الله عليه و آله ، فتغيّر لونه ، ثم قال : أريد أكشف ظهره .
فلمّا كشف رأى الخاتم ، فانكب عليه يقبّله ويبكي ، وقال : أسرع بردّه إلى موضعه ، فما أكثر عدوّه في أرضنا .
فلم يزل يتعاهدنا في كلّ يوم ، وأتاه بقميص فلم يقبله ، فأخذه أبو طالب عليه السلام مخافة أن يغتم الرجل(1) .
وزوّج أبو طالب خديجة من النبي صلى الله عليه و آله ، وذلك أنّ نساء قريش اجتمعن في المسجد في عيد ، فإذا هن بيهودي يقول : ليوشك أن يبعث فيكن نبي ، فأيّكن استطاعت أن تكون له أرضا يطأها فلتفعل ، فحصبنه(2) .
وقرّ ذلك القول في قلب خديجة عليهاالسلام ، وكان النبي صلى الله عليه و آله قد استأجرته خديجة عليهاالسلام على أن تعطيه بكرين(3) ، ويسير مع غلامها ميسرة إلى الشام .
ص: 138
فلمّا أقبلا في سفرها نزل النبي صلى الله عليه و آله تحت شجرة ، فرآه راهب يقال له « نسطور » ، فاستقبله ، وقبّل يديه ورجليه ، وقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لما رأى منه علامات ، وأنّه نزل تحت الشجرة .
ثم قال لميسرة : طاوعه في أوامره ونواهيه ، فإنّه نبي ، واللّه ما جلس هذا المجلس بعد عيسى عليه السلام أحد غيره ، ولقد بشّر به عيسى عليه السلام « وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ » ، وهو يملك الأرض بأسرها .
وقال ميسرة : يا محمد ، لقد جزنا(1) عقبات بليلة ، كنّا نجوزها بأيام
كثيرة ، وربحنا في هذه السفرة ما لم نربح من أربعين سنة ببركتك يا محمد ، فاستقبل بخديجة ، وأبشرها بربحنا .
وكانت - وقتئذٍ - جالسة على منظرة لها ، فرأت راكبا على يمينه ملك مصلت سيفه ، وفوقه سحابة معلّق عليها قنديل من زبرجدة ، وحوله قبّة من ياقوتة حمراء ، فظنت ملكا يأتي بخطبتها ، وقالت : اللّهم إليّ والى داري .
فلمّا أتى كان محمدا صلى الله عليه و آله ، وبشّرها بالأرباح ، فقالت : وأين ميسرة ؟قال : يقفو أثري ، قالت : فارجع إليه وكن معه ، ومقصودها لتستيقن حال السحابة ، فكانت السحابة تمرّ معه .
فأقبل ميسرة إلى خديجة عليهاالسلام ، وأخبرها بحاله ، وقال لها : إنّي كنت آكل معه حتى نشبع ويبقى الطعام بحاله كما هو ، وكنت أرى وقت الهاجرة
ص: 139
ملكين يظلّلانه ، فدعت خديجة عليهاالسلام بطبق عليه رطب ، ودعت رجالاً ورسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأكلوا حتى شبعوا ولم ينقص شيئا .
فأعتقت ميسرة وأولاده ، وأعطته عشرة آلاف درهم لتلك البشارة ، ورتبت الخطبة من عمرو بن أسد عمّها(1) .
قال الفسوي في تاريخه : أنكحه إياها أبوها خويلد بن أسد ، فخطب أبو طالب عليه السلام بما رواه الخركوشي في شرف المصطفى ، والزمخشري في ربيع الأبرار ، وفي تفسيره الكشاف ، وابن بطة في الإبانة ، والجويني(2) في السير عن الحسن ، والواقدي وأبى صالح والعتبي ، فقال :
الحمد للّه الذي جعلنا من زرع إبراهيم الخليل ، ومن ذرّية الصفيّ ،وضئضى ء(3) معد ، وعنصر مضر ، وجعلنا حضنة بيته ، وسوّاس حرمه ، وجعل مسكننا بيتا محجوجا ، وحرما آمنا ، وجعلنا الحكّام على الناس .
ثم ابن أخي هذا محمد بن عبد اللّه ، لا يوازن برجل من قريش إلاّ رجح به ، ولا يقاس بأحد منهم إلاّ عظم عنه ، وإن كان في المال مقلاًّ
ص: 140
فإنّ المال ورق حائل ، وظلّ زائل ، وله - واللّه - خطب عظيم ، ونبأ شائع ، وله رغبة في خديجة ، ولها فيه رغبة ، فزوجوه ، والصداق ما سألتموه من مالي عاجله وآجله .
فقال خويلد : زوّجناه ، ورضينا به(1) .
وروي أنّه قال بعض قريش : يا عجباه ! أيمهر النساء الرجال !
فغضب أبو طالب عليه السلام وقال : إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلى الأثمان ، وإذا كانوا أمثالكم لم يزوّجوا إلاّ بالمهر الغالي .
فقال "رجل" من قريش يقال له « عبد اللّه بن غنم » :
هنيئا مريئا يا خديجة قد جرت
لك الطير فيما كان منك بأسعد
تزوّجته خير البرية كلّها
ومن ذا الذي في الناس مثل محمد
وبشّر به المرءان عيسى بن مريم
وموسى بن عمران فيا قرب موعد
أقرّت به الكتّاب قدما بأنّه
رسول من البطحاء هاد ومهتدي(2)
ص: 141
ص: 142
ص: 143
ص: 144
"« يا أَيُّهَا النَّبِيُّ »" « إِنّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ » .
« هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ » .
« ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ » .
أرسله اللّه - تعالى - بعد أربعين سنة من عمره حين تكامل بها(1) ، واشتدّ قواه ، ليكون متهيبا ومتأهّبا لما أنذر به .
فكان في هذه المدّة مبشّرا غير مبعوث إلى الأمّة(1) .
والثالثة : حديث خديجة وورقة بن نوفل(2) .
والرابعة : أمره بتحديث النعم ، فأذن له في ذكره دون إنذاره قوله « وَأَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ » أي بما جاءك من النبوة(3) .
والخامسة : حين نزل عليه القرآن بالأمر والنهي ، فصار به مبعوثا ولم يؤمر بالجهر ، ونزل « يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ » ، فأسلم علي وخديجة
عليهماالسلام ، ثم زيد ، ثم جعفر(4) .
والسادسة : أمر بأن يعمّ بالإنذار بعد خصوصه ، ويجهر بذلك ، ونزل « فَاصْدَعْ بِما تُؤمَرُ » قال ابن إسحاق : وذلك بعد ثلاث سنين من مبعثه ، ونزل « وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَْقْرَبِينَ » فنادى : يا صباحاه(5) .
والسابعة : العبادات لم يشرع منها مدّة مقامه بمكة إلاّ الطهارة والصلاة ، وكانت فرضا عليه وسنّة لاُمّته ، ثم فرضت الصلوات الخمس بعد إسرائه ، وذلك [ في ] السنة التاسعة من نبوته(6) .
ص: 146
فلمّا تحوّل إلى المدينة فرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة في شعبان(1) ، وحوّلت القبلة(2) ، وفرض زكاة الفطر ، وشرع(3) فيها صلاة العيد ، وكان فرض الجمعة في أول الهجرة بدلاً من صلاة الظهر ، ثم فرضت زكاة الأموال ، ثم الحج والعمرة ، والتحليل والتحريم ، والحظر والإباحة ، والاستحباب والكراهة ، ثم فرض الجهاد ، ثم ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، ونزل « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » .
وأمّا كيفية نزول الوحي : فقد سأله الحارث بن هشام : كيف يأتيك الوحي ؟ فقال : أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس ، وهو أشدّه عليّ ، فيفصم(4) عنّي فقد وعيت ما قال ، وأحيانا يتمثّل لي الملك رجلاً ، فيكلمني
فأعي ما يقول(5) .
وروي أنّه كان إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه دوي كدويالنحل(6) .
ص: 147
وروي إنّه كان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه ، وإنّ جبينه ليتفصّد عرقا(1) .
وروي أنّه كان إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك ، ويربدّ وجهه ، ونكس رأسه ، ونكس أصحابه رؤوسهم [ منه (2)] ، ومنه يقال : برحاء(3) الوحي .
قال ابن عباس : كان النبي صلى الله عليه و آله إذا نزل عليه القرآن تلقّاه بلسانه وشفتيه ، كان يعالج من ذلك شدّة ، فنزل « لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ »(4) .
وكان إذا نزل عليه الوحي وجد منه ألما شديدا ، ويتصدّع رأسه ، ويجد ثقلاً ، قوله تعالى « إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً »(5) .
وسمعت مذاكرة : أنّه نزل جبرئيل عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ستين ألف مرّة .علي بن إبراهيم بن هاشم القمي في كتابه : إنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا أتى له سبع وثلاثون سنة كان يرى في نومه كأنّ آتيا أتاه فيقول : يا رسول اللّه ، فينكر ذلك !
ص: 148
فلمّا طال عليه الأمر كان يوما بين الجبال يرعى غنما لأبي طالب عليه السلام ، فنظر إلى شخص يقول : يا رسول اللّه ، فقال له : من أنت ؟ قال : أنا جبرئيل ، أرسلني اللّه إليك ليتّخذك رسولاً .
فأخبر النبي صلى الله عليه و آلهخديجة عليهاالسلام بذلك ، فقالت : يا محمد ، أرجو أن يكون كذلك !
فنزل عليه جبرئيل عليه السلام ، وأنزل عليه ماء من السماء ، [ و ]علّمه الوضوء والركوع والسجود .
فلمّا تمّ له أربعون سنة علّمه حدود الصلاة ، ولم ينزل عليه أوقاتها ، فكان يصلّي ركعتين ركعتين في كلّ وقت(1) .
أبو ميسرة وبريدة : إنّ النبي صلى الله عليه و آله كان إذا انطلق بارزا سمع صوتا : يا محمد ، فيأتي خديجة عليهاالسلام ، فيقول : يا خديجة ، قد خشيت أن يكون خالط عقلي شيء(2) !!! إنّي إذا خلوت أسمع صوتا وأرى نورا(3) .
ص: 149
محمد بن كعب وعائشة : أول ما بدأ به رسول اللّه صلى الله عليه و آله من الوحي الرؤيا الصادقة ، وكان يرى الرؤيا ، فتأتيه مثل فلق الصبح .
ثم حبّب إليه الخلا ، فكان يخلو بغار « حرى » ، فسمع نداء : يا محمد ، فغشى عليه .
فلمّا كان اليوم الثاني سمع مثله نداء ، فرجع إلى خديجة ، فقال زمّلوني زمّلوني ، فواللّه لقد خشيت على عقلي !!!! فقالت : كلا - واللّه - لا يخزيك اللّه أبدا !! إنّك لتصل الرحم ، وتحمل الكل(1) ، وتكسب المعدم(2) ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحقّ !!
فانطلقت خديجة عليهاالسلام حتى أتت ورقة بن نوفل !!! فقال ورقة : هذا واللّه الناموس الذي أُنزل على موسى وعيسى(3) !!!! وإنّي أرى في المنام ثلاث ليال أنّ اللّه أرسل في مكة رسولاً اسمه « محمد » !! وقد قرب وقته ، ولست أرى في الناس رجلاً أفضل منه .فخرج إلى حرى ، فرأى كرسيّا من ياقوتة حمراء مرقاة من زبرجد ومرقاة من لؤلؤ ، فلمّا رأى ذلك غشى عليه ، فقال ورقة : يا خديجة ، فإذا أتته الحالة فاكشفي عن رأسك ، فإن خرج فهو ملك ، وإن بقي فهو شيطان !!!!!
ص: 150
فنزعت خمارها ! فخرج الجائي(1) !
فلمّا اختمرت عاد !
فسأله ورقة عن صفة الجائي !!!
فلمّا حكاه قام ، وقبّل رأسه وقال : ذاك الناموس الأكبر ، الذي نزل على موسى وعيسى عليهماالسلام !!!
ثم قال : ابشر !! فإنّك أنت النبي !!! الذي بشّر به موسى وعيسى عليهماالسلام ، وإنّك نبي مرسل ! ستؤمر بالجهاد !!!
وتوجّه نحوها ، وأنشأ يقول :
فإن يك حقّا يا خديجة فاعلمي
حديثك إيانا فأحمد مرسل
وجبريل يأتيه وميكال معهما
من اللّه وحي يشرح الصدر منزل
يفوز به من فاز عزّا لدينه
ويشقى به الغاوي الشقي المضلّل
فريقان منهم فرقة في جنانه
وأخرى بأغلال الجحيم تغلل(2)* * *
ومن قصيدة له :
يا للرجال لصرف الدهر والقدر
وما لشيء قضاه اللّه من غير
ص: 151
حتى خديجة تدعوني لأخبرها
وما لنا بخفي العلم من خبر
فخبّرتني بأمر قد سمعت به
فيما مضى من قديم الناس والعصر
بأنّ أحمد يأتيه فيخبره
جبريل أنّك مبعوث إلى البشر(1)
* * *
ومن قصيدة له :
فخبّرنا عن كلّ خير بعلمه
وللحقّ أبواب لهنّ مفاتح
وإنّ ابن عبد اللّه أحمد مرسل
إلى كلّ من ضمّت عليه الأباطح
وظنّي به أن سوف يبعث صادقا
كما أرسل العبدان نوح وصالح
وموسى وإبراهيم حتى يرى له
بهاء ومنشور من الذكر واضح(2)
* * *
ص: 152
وروي أنّه نزل جبرئيل على جواد(1) أصفر ، والنبي
صلى الله عليه و آله بين علي وجعفر عليهماالسلام ، فجلس جبرئيل عند رأسه ، وميكائيل عند رجليه ، ولم ينبهاه إعظاما له ، فقال ميكائيل : إلى أيّهم بعثت ؟ قال : إلى الأوسط ، فلمّا انتبه أدّى إليه جبرئيل الرسالة عن اللّه تعالى .
فلمّا نهض جبرئيل ليقوم أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بثوبه ، ثم قال : ما اسمك ؟ قال : جبرئيل .
ثم نهض النبي صلى الله عليه و آله ليلحق بقومه ، فما مرّ بشجرة ولا مدرة إلاّ سلّمت
عليه وهنأته .
ثم كان جبرئيل يأتيه ولا يدنو منه إلاّ بعد أن يستأذن عليه ، فأتاه يوما وهو بأعلى مكة ، فغمز بعقبه بناحية الوادي ، فانفجر عين ، فتوضأ جبرئيل ، وتطهّر الرسول ، ثم صلّى الظهر ، وهي أول صلاة فرضها اللّه تعالى ، وصلّى أمير المؤمنين عليه السلام مع النبي .
ورجع رسول اللّه صلى الله عليه و آله من يومه إلى خديجة عليهاالسلام ، فأخبرها ، فتوضأتوصلّت صلاة العصر من ذلك اليوم(2) .
وروي أنّ جبرئيل أخرج قطعة ديباج فيه خطّ فقال : اقرأ ، قلت :
ص: 153
كيف أقرأ ولست بقارئ ؟ إلى ثلاث مرات ، فقال في المرّة الرابعة : « اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ » إلى قوله « ما لَمْ يَعْلَمْ » .
ثم أنزل اللّه جبرئيل وميكائيل عليهماالسلام ، ومع كلّ واحد منهما سبعون ألف ملك ، وأتى بالكراسي ، ووضع تاج على رأس محمد صلى الله عليه و آله ، وأعطى لواء الحمد بيده ، فقال : اصعد عليه واحمد اللّه .
فلمّا نزل عن الكرسي توجه إلى خديجة ، فكان كلّ شيء يسجد له ، ويقول بلسان فصيح : السلام عليك يا نبي اللّه .
فلمّا دخل الدار صارت الدار منورة ، فقالت خديجة : وما هذا النور ؟! قال : هذا نور النبوة ، قولي : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه ، فقالت : طال ما
قد عرفت ذلك ، ثم أسلمت .
فقال : يا خديجة ، إنّى لأجد بردا ، فدثرت عليه ، فنام ، فنودي « يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ » الآية ، فقام وجعل إصبعه في اُذنه ، وقال : اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، فكان كلّ موجود يسمعه يوافقه(1) .
وروي أنّه لمّا نزل قوله « وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَْقْرَبِينَ » صعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم الصفا ، فقال : يا صباحاه(2) .
ص: 154
فاجتمعت إليه قريش ، فقالوا : ما لك ؟ قال : أرأيتكم إن أخبرتكم أنّ العدو مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصدقونني ؟ قالوا : بلى ، قال : فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : تبّا لك ! ألهذا دعوتنا ، فنزلت سورة « تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ »(1) .
قتادة(2) : إنّه خطب ، ثم قال : أيّها الناس ، إنّ الرائد لا يكذب أهله ، ولو كنت كاذبا لما كذبتم ، واللّه الذي لا إله إلاّ هو ، إنّي رسول اللّه إليكم حقّا خاصة ، والى الناس عامّة ، واللّه لتموتون كما تنامون ، ولتبعثون كما تستيقظون ، ولتحاسبون كما تعملون(3) ، ولتجزون بالإحسان إحسانا ،وبالسوء سوءا ، وإنّها الجنة أبدا ، والنار أبدا ، وإنّكم أول من أنذرتم(4) .
ثم فتر الوحي ، فجزع لذلك النبي صلى الله عليه و آله جزعا شديدا ، فقالت له خديجة عليهاالسلام : لقد قلاك ربّك !! فنزلت سورة الضحى(5) .
فقال لجبرئيل عليه السلام :
ما يمنعك أن تزورنا في كلّ يوم ؟ فنزل
ص: 155
« وَما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا »(1).
ابن جبير : توجه النبي صلى الله عليه و آله تلقاء مكة ، وقام بنخلة في جوف الليل
يصلّي ، فمرّ به نفر من الجن ، فوجدوه يصلّي صلاة الغداة ويتلو القرآن ، فاستمعوا إليه(2) .
وقال آخرون : أمر رسول اللّه
صلى الله عليه و آله أن ينذر الجن ، فصرف اللّه إليه نفرا من الجن من نينوى ، قوله « وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ » .
وكان بات في وادي الجن ، وهو على ميل من المدينة ، فقال : إنّي أمرت أن أقرأ على الجن الليلة ، فأيّكم يتبعني ؟ فاتبعه ابن مسعود .
فلمّا دخل "شعب" الحجون من مكة خطّ لي خطّا ، ثم أمرني أن أجلسفيه ، [ وقال : لا تخرج منه حتى أعود إليك ، ثم انطلق حتى قام ] ، فافتتح القرآن فغشيته أسود كثيرة [ حتى حالت بيني وبينه حتى لم أسمع صوته ثم انطلقوا ] ، ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب .
وفرغ النبي صلى الله عليه و آله مع الفجر ، فقال لي : هل رأيت شيئا ؟ فوصفتهم ، فقال : أولئك جن نصيبين(3)(4) .
ص: 156
الكلبي(1) قال ابن مسعود : لم أكن مع النبي صلى الله عليه و آله ليلة الجن ، وودت أنّي كنت معه(2) ، وهو الصحيح .
روي عن ابن عباس : إنّهم كانوا سبعة نفر من جن نصيبين ، فجعلهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله رسلاً إلى قومهم(3) .
وقال زر بن حبيش : كانوا سبعة منهم زوبعة(4) .
وقال غيره : وهم مسار ويسار "وبشار" ولارد وخميع .
محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللّه قال : لمّا قرأ النبي صلى الله عليه و آله سورةالرحمن على الناس سكتوا ، فلم يقولوا شيئا ، فقال صلى الله عليه و آله : للجن(5) كانوا أحسن جوابا منكم ، لمّا قرأت عليهم « فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ » قالوا : لا بشيء من آلائك ربّنا نكذب(6) .
علي بن إبراهيم : فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه و آله فآمنوا به ، وعلّمهم النبي صلى الله عليه و آله شرائع الإسلام ، وأنزل « قُلْ أُوحِيَ » إلى آخر السورة ، وكانوا يفدون إلى النبي صلى الله عليه و آله في كلّ وقت ومكان(7) .
ص: 157
قال خزيمة بن حكيم البهزي(1) :
ويعلو أمره حتى تراه
يشير إليه أعظم ما مشير
وهذا عمه سيذب عنه
وينصره بمشحوذ بتور
وتخرجه قريش بعد هذا
إذا ما العم صار إلى القبور
وينصره بيثرب كلّ قرم(2)
بنو أوس وخزرج الأثير
سيقتل من قريش كلّ قوم
وكبشهم سينحر كالجزور
وهو الذي قال له النبي صلى الله عليه و آله : مرحبا بالمهاجر الأول(3) .
ص: 158
ص: 159
ص: 160
[ رسالة ] الفائق : إنّه لمّا اعترض أبو لهب على رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند إظهار الدعوة ، قال له أبو طالب عليه السلام : يا أعور ما أنت وهذا ؟
قال الأخفش : الأعور الذي خيب .
وقيل : يا ردي ، ومنه الكلمة العوراء .
وقال ابن الأعرابي : الذي ليس له أخ من أبيه وأمّه(1) .
ابن عباس : إنّ الوليد بن المغيرة أتى قريشا ، فقال : إنّ الناس يجتمعون غدا بالموسم ، وقد فشا أمر هذا الرجل في الناس ، وهم يسألونكم عنه ، فما تقولون ؟ فقال أبو جهل : أقول : إنّه مجنون !! وقال أبو لهب : أقول : إنّه شاعر ! وقال عقبة بن أبي معيط : أقول : إنّه كاهن ! فقال الوليد : بل أقول : هو ساحر يفرّق [ بين ] الرجل والمرأة ، وبين الرجل وأخيه وأبيه(2) .
ص: 161
فأنزل اللّه تعالى « ن وَالْقَلَمِ » الآية ، وقوله « وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ » الآية .
وكان النبي صلى الله عليه و آله يقرأ القرآن ، فقال أبو سفيان والوليد وعتبة وشيبة للنضر بن الحرث : ما يقول محمد ؟ فقال : أساطير الأولين مثل ما كنت أحدّثكم عن القرون الماضية .
فنزل « وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً »(1) الآية .
الكلبي : قال النضر بن الحرث وعبد اللّه بن أمية : يا محمد ، لن نؤمن بك حتى تأتينا بكتاب من عند اللّه ، ومعه أربعة أملاك يشهدون عليه أنّه من عند اللّه ، وأنّك رسوله .
فنزل « وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ »(2) .
وقالت قريش مكة أو يهود المدينة : إنّ هذه الأرض ليست بأرض الأنبياء ، وإنّما أرض الأنبياء الشام ، فائت الشام .
فنزل « وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَْرْضِ »(3) .
ص: 162
وقال أهل مكة : تركت ملّة قومك ، وقد علمنا أنّه لا يحملك على ذلك إلاّ الفقر ، فإنّا نجمع لك من أموالنا حتى تكون من أغنانا .
فنزل : « أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا »(1) .
وكان المشركون « إِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ » على محمد صلى الله عليه و آله ؟ « قالُوا أَساطِيرُ الأَْوَّلِينَ » .
فنزل « إِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ »(2) الآية .
ابن عباس : قالت قريش : إنّ القرآن ليس من عند اللّه ، وإنّما يعلّمه « بلعام » ، وكان قينا بمكة روميا نصرانيا ، وقال الضحاك : أرادوا به « سلمان » ، وقال مجاهد : عبدا لبني الحضرمي يقال له « يعيش » .
فنزل « وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ »(3) . . الآية ، وقوله
« وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاّ إِفْكٌ افْتَراهُ » محمد
صلى الله عليه و آله ، واختلقه من تلقاءنفسه ، « وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ » يعنون « عداسا » مولى خويطب ،
ص: 163
ويسار غلام العلاء بن الحضرمي ، وحبرا(1) مولى عامر ، وكانوا [ من ] أهل الكتاب .
فكذبهم اللّه تعالى ، فقال « فَقَدْ جاؤ ظُلْماً وَزُوراً »(2) الآيات .
قال علم الهدى والباصر(3) للحقّ في رواياتهم : إنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا بلغ إلى قوله « أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَالْعُزّى وَمَناةَ الثّالِثَةَ الأُْخْرى » ألقى الشيطان في تلاوته ( تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهن لترتجى ) ، فسرّ بذلك المشركون ، فلمّا انتهى إلى السجدة سجد المسلمون والمشركون معا .
إن صحّ هذا الخبر ! فمحمول على أنّه كان يتلو القرآن ، فلمّا بلغ إلى هذا الموضع قال بعض المشركين ذلك ، فألقى في تلاوته ، فأضافه اللّه إلى الشيطان ، لأنّه إنّما حصل باغرائه ووسوسته(4) .
وهو الصحيح ، لأنّ المفسرين رووا في قوله « وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاّ مُكاءً » ، كان النبي صلى الله عليه و آله في المسجد الحرام ، فقام رجلانمن عبد الدار عن يمينه يصفّران(5) ، ورجلان عن يساره يصفّقان
ص: 164
بأيديهما ، فيخلطان(1) عليه صلاته ، فقتلهم اللّه جميعا ببدر ، قوله « فَذُوقُوا الْعَذابَ »(2) .
وروي في قوله « وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا » أي قال رؤوساؤوهم من قريش لأتباعهم لمّا عجزوا عن معارضة القرآن [ أن ] « لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ » أي عارضوه باللغو والباطل والمكاء ورفع الصوت بالشعر « لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ » باللغو « فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا »(3) .
* * *
قال البحتري(4) :
وأقمت الصلاة في غلف
لا يعرفون الصلاة إلاّ مكاء
الكلبي : أتى أهل مكة إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فقالوا : ما وجد اللّه رسولاً
ص: 165
غيرك ؟! ما نرى أحدا يصدّقك فيما تقول ! ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى ، فزعموا أنّه ليس لك عندهم ذكر ، فأرنا من يشهد أنّك رسول اللّه كما تزعم .
فنزل « قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً »(1) الآية .
وقالوا : العجب أنّ اللّه - تعالى - لم يجد رسولاً يرسله إلى الناس إلاّ يتيم
أبي طالب .
فنزل « الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ أَكانَ لِلنّاسِ »(2) . الآيات .
وقال الوليد بن المغيرة : واللّه لو كانت النبوة حقّا لكنت أولى بها منك ، لأنّني أكبر منك سنّا ، وأكثر منك مالاً(3) .
وقال جماعة : لم لم يرسل رسولاً من مكة أو من الطائف عظيما - يعنيأبا جهل وعبد نائل - .
فنزل « وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ »(4) .
ص: 166
وقال أبو جهل : زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا : منّا نبي يوحى إليه ، واللّه لا نؤمن به ولا نتبعه أبدا إلاّ أن يأتينا
وحي كما يأتيه .
فنزل « وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤمِنَ حَتّى نُؤتى مِثْلَ ما أُوتِيَ »(1) الآية .
وقال الحرث بن نوفل بن عبد مناف : إنّا لنعلم أنّ قولك حقّ ، ولكن يمنعنا أن نتبع الذي معك ونؤمن بك مخافة أن يتخطّفنا العرب من أرضنا ، ولا طاقة لنا بها .
فنزلت « وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا » ، فقال اللّه تعالى رادا عليهم : « أَوَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً »(2) .
والواحدي في أسباب نزول القرآن ، والثمالي(1) في تفسيره ، واللفظ له : أنّه قال عثمان لابن سلام : نزل على محمد صلى الله عليه و آله « الَّذِينَ آتَيْناهُمُ
الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ » ، فكيف هذه ؟ قال : يعرف
نبي اللّه بالنعت الذي نعته اللّه إذا رأيناه فيكم ، كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه بين الغلمان ، وأيم اللّه ، لأنا بمحمد أشدّ معرفة منّي بابني ، لأنّي عرفته بما نعته اللّه في كتابنا ، وأمّا ابني ، فإنّي لا أدري ما أحدثت أمّه(2) .
ابن عباس قال : كانت اليهود يستنصرون على الأوس والخزرج برسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل مبعثه ، فلمّا بعثه اللّه - تعالى - من العرب دون بني إسرائيل كفروا به .فقال لهم بشر بن معرور ومعاذ بن جبل : اتقوا اللّه وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه و آله ونحن أهل الشرك ، وتذكرون أنّه مبعوث ، فقال سلام بن مسلم - أخو بني النظير - : ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنّا نذكركم .
ص: 168
فنزل « وَلَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ »(1)(2) .
قالوا في قوله « وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ » الآية : وكانت اليهود إذا أصابتهم شدّة من الكفار يقولون : اللّهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان ، الذي نجد نعته في التوراة .
فلمّا قرب [ وقت ] خروجه صلى الله عليه و آله قالوا : قد أظلّ زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا ، « فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكافِرِينَ »(3) ، وهو المروي عن الصادق عليه السلام .
وكان لأحبار اليهود طعمة(4) ، فحرّفوا صفة النبي
صلى الله عليه و آله في التوراة من الممادح إلى المقابح ، فلمّا قالت عامة اليهود : كان محمدا هو المبعوث في آخر الزمان ، قالت الأحبار : كلاّ وحاشا ، وهذه صفته في التوراة .
وأسلم عبد اللّه بن سلام وقال : يا رسول اللّه ، سل اليهود عنّي ، فإنّهم يقولون : هو أعلمنا ، فإذا قالوا ذلك ، قلت لهم : إنّ التوراة دالة على نبوتك ، وإنّ صفاتك فيها واضحة .
فلمّا سألهم ، قالوا كذلك ، فحينئذٍ أظهر ابن سلام إيمانه ، فكذبوه(5) .
ص: 169
فنزل « قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ » الآية .
الكلبي ، قال كعب بن الأشرف ، ومالك بن الضيف ، ووهب بن يهودا ، وفنحاص ابن عازورا : يا محمد ! إنّ اللّه عهد الينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، فإن زعمت أنّ اللّه بعثك الينا ، فجئنا به نصدقك(1) .
فنزلت « وَلَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ » الآية ، وقوله « قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي » أراد زكريا ويحيى عليهماالسلام ، وجميع من قتلهم اليهود .
الكلبي : كان النضر بن الحرث يتّجر ، فيخرج إلى فارس فيشتري(2)أخبار الأعاجم ، ويحدّث بها قريشا ، ويقول لهم : إنّ محمدا يحدّثكم بحديث عاد وثمود ، وأنا أحدثكم بحديث اسفنديار ورستم ، فيستملحون حديثه ، ويتركون استماع القرآن(3) .
فنزل « وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ » .
ص: 170
القشيري : إنّ بعض المسلمين كتبوا شيئا من كتب أهل الكتاب .
فنزل « أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ » .
وقال النبي صلى الله عليه و آله : جئتكم بها بيضاء نقية(1) .
السدي : إنّه قيل للوليد بن المغيرة : ما هذا الذي يقرأ محمد سحر أم كهانة أم خطب ؟ فاستنظهرهم(2) ، وقال للنبي
صلى الله عليه و آله : إقرأ عليّ ، فقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم ، فقال : تدعو إلى رجل باليمامة يسمى الرحمن ؟! قال : لا ، ولكنّي أدعو إلى اللّه ، وهو الرحمن الرحيم .
ثم افتتح « حم السجدة » ، فلمّا بلغ « فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ » اقشعر جلده ، وقامت كلّ شعرة عليه ،وحلّفه أن يكفّ .
ثم مضى إلى داره ، فقيل له : قد صبا إلى دين محمد صلى الله عليه و آله ، فقال : لا ، ولكنّي سمعت كلاما صعبا ، تقشعر منه الجلود ، قال : قولوا : هو سحر ، فإنّه آخذ بقلوب الناس .
فنزل « ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً » إلى قوله « عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ »(3) .
ص: 171
عكرمة : إنّه سمع الوليد بن المغيرة من النبي صلى الله عليه و آله قوله « إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِْحْسانِ » الآية ، فقال : واللّه إنّ له لحلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة(1) ، وإنّ أعلاه لمثمر ، وإنّ أسفله لمغدق(2) ، وما يقول هذا بشر(3) .
ابن عباس ومجاهد في قوله : وقال الذين كفروا « لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً » كما أنزلت التوراة والإنجيل ، فقال اللّه - تعالى - : « كَذلِكَ » متفرّقا « لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤ'c7دَكَ » .
وذلك أنّه كان يوحى [ إليه ] في كلّ حادثة ، ولأنّها نزلت على أنبياء يكتبون ويقرؤن ، والقرآن نزل على نبي أمّي ، ولأنّ فيه ناسخا ومنسوخا ، وفيه ما هو جواب لمن سأله عن أمور ، وفيه ما هو إنكار لماكان ، وفيه ما هو حكاية شيء جرى(4) .
ولم يزل صلى الله عليه و آله يريهم الآيات ويخبرهم بالمغيبات ، فنزل « وَلا تَعْجَلْ
بِالْقُرْآنِ » الآية ، ومعناه لا تعجل بقراءته عليهم حتى أنزل عليك التفسير في أوقاته ، كما أنزل عليك التلاوة (5) .
ص: 172
باع خباب بن الأرت سيوفا من العاص بن وائل ، فجاءه يتقاضاه ، فقال : أليس يزعم محمد صلى الله عليه و آله : أنّ في الجنة ما ابتغى أهلها من ذهب وفضة
وثياب وخدم ؟ قال : بلى ، قال : فانظرني أقضك هناك حقّك ، فواللّه لا تكون هنالك وأصحابك عند اللّه آثر منّي .
فنزل « أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا » إلى قوله « فَرْداً »(1) .
وتكلّم النضر بن الحارث مع النبي صلى الله عليه و آله ، فكلّمه رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى أفحمه ، ثم قال : « إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ »الآية .
فلمّا خرج النبي صلى الله عليه و آله قال ابن الزبعرى : أما - واللّه - لو وجدته في المجلس لخصمته ، فاسألوا محمدا أكلّ ما يعبد من دون اللّه في جهنم مع من عبده ، فنحن نعبد الملائكة ، واليهود تعبد عزيرا ، والنصارى تعبد عيسى عليه السلام .
فأخبر النبي صلى الله عليه و آله فقال : يا ويل أمّه ! أما علم أنّ « ما » لما لا يعقل ، و« من » لمن يعقل ، فنزلت « إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ »(2) . . الآية .
ص: 173
وقالت اليهود : ألست لم تزل نبيا ؟ قال : بلى ، قالت : فلم لم تنطق في المهد كما نطق عيسى عليه السلام ؟
فقال : إنّ اللّه - عزّ وجلّ - خلق عيسى عليه السلام من غير فحل ، فلولا أنّه نطق في المهد لما كان لمريم عليهاالسلامعذر ، إذ أخذت بما يؤخذ به مثلها ، وأنا ولدت بين أبوين(1) .
واجتمعت إليه قريش ، فقالوا : إلى ما تدعونا يا محمد صلى الله عليه و آله ؟ قال : إلى شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وخلع الأنداد كلّها ، قالوا : ندع ثلاثمائة وستين إلها ،ونعبد إلها واحدا ! فنزل : « وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ » إلى قوله
« عَذابِ »(2) .
نزل أبو سفيان وعكرمة وأبو الأعور السلمي على عبد اللّه بن أبي عبد اللّه بن أبي سرح ، فقالوا : يا محمد ، ارفض ذكر آلهتنا ، وقل : إنّ لها شفاعة لمن عبدها ، وندعك وربّك .
ص: 174
فشقّ ذلك على النبي صلى الله عليه و آله ، فأمر وأخرجوا من المدينة ، ونزل « وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ » من أهل مكة « وَالْمُنافِقِينَ » من أهل المدينة(1) .
ابن عباس : عيّروا النبي صلى الله عليه و آله بكثرة التزوّج ، وقالوا : لو كان نبيا لشغلته النبوة عن تزوّج النساء ، فنزل « وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ »(2) .
ابن عباس ، والأصم : كان النبي
صلى الله عليه و آله يصلّي عند المقام ، فمرّ به أبو جهل ،فقال : يا محمد ، ألم أنهك عن هذا ؟! وتوعّده .
فأغلظ له رسول اللّه صلى الله عليه و آله وانتهره ، فقال : يا محمد ، بأيّ شيء تتهدّدني ؟ أما - واللّه - إنّي لأكبر هذا الوادي ناديا ، فنزل « أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى » إلى قوله « فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ » .
فقال ابن عباس : لو نادى ، لأخذته الزبانية بالعذاب مكانه(3) .
القرطي : قالت قريش : يا محمد ، شتمت الآلهة ، وسفّهت الأحلام ،
ص: 175
وفرقت الجماعة ! فإن طلبت مالاً أعطيناك ، أو الشرف سوّدناك ، أو كان بك علّة داويناك ؟!
فقال صلى الله عليه و آله : ليس شيء من ذلك ، بل بعثني اللّه إليكم رسولاً ، وأنزل
كتابا ، فإن قبلتم ما جئت به ، فهو حظكّم في الدنيا والآخرة ، وإن تردّوه أصبر حتى يحكم اللّه بيننا .
قالوا : فسل ربّك أن يبعث ملكا يصدّقك ، ويجعل لنا كنوزا وجنانا وقصورا من ذهب ، أو يسقط علينا السماء كما زعمت « أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً » .
فقال عبد اللّه بن أمية المخزومي : واللّه ، لا أؤمن بك حتى تتّخذ سلما إلى السماء ، ثم ترقى فيه ، وأنا أنظر .فقال أبو جهل : إنّه أبى إلاّ سبّ الآلهة ، وشتم الآباء ، وإنّي أعاهد اللّه لأحملن حجرا ، فإذا سجد ضربت به رأسه .
فانصرف النبي صلى الله عليه و آله حزينا ، فنزل « وَقالُوا لَنْ نُؤمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا »(1) .
الكلبي : قالت قريش : يا محمد ، تخبرنا عن موسى وعيسى وعاد وثمود ، فات بآية حتى نصدّقك ، فقال صلى الله عليه و آله : أيّ شيء تحبّون أن آتيكم به ؟
ص: 176
قالوا : اجعل لنا الصفا ذهبا ، وابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم عنك ، وأرنا الملائكة يشهدون لك ، أو ائتنا « بِاللّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً » ، فقال صلى الله عليه و آله : فان فعلت بعض ما تقولون أتصدّقونني ؟ قالوا : واللّه ، لو فعلت لنتّبعنك أجمعين .
فقام صلى الله عليه و آله يدعو أن يجعل الصفا ذهبا ، فجاء جبرئيل عليه السلام ، فقال : إن شئت أصبح الصفا ذهبا ، ولكن إن لم يصدّقوا عذّبتهم ، وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم ، فقال صلى الله عليه و آله : بل يتوب تائبهم .
فنزل « وَأَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ »(1) .وروي : أنّ قريشا كانوا يلعنون اليهود والنصارى بتكذيبهم الأنبياء ، ولو أتاهم نبي لنصروه، فلمّا بعث اللّه النبي صلى الله عليه و آله كذبوه، فنزلت هذه الآية(2).
وكانوا يشيرون إليه بالأصابع بما حكى اللّه عنهم : « وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ
كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً » يقول بعضهم لبعض : « أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ » ، وذلك قوله : إنّها جماد لا تنفع ولا تضرّ « وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ »(3) .
ص: 177
ومشش(1) أبي بن خلف بعظم رميم ففتّه في يده ، ثم نفخه، فقال: أتزعم أنّ ربّك يحيي هذا بعد ما ترى ، فنزل « وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً »(2) . . السورة .
وذكروا أنّه كان إذا قدم على النبي
صلى الله عليه و آله وفد ؟ ليعلموا علمه انطلقوا بأبي لهب إليهم ، وقالوا له : اخبر عن ابن أخيك ، فكان يطعن فيالنبي
صلى الله عليه و آله ، وقال الباطل ، وقال : إنّا لم نزل نعالجه من الجنون ، فيرجع القوم ولا يلقونه(3) .
طارق المحاربي : رأيت النبي
صلى الله عليه و آله في سوق ذي المجاز(4) عليه حلّة حمراء ، وهو يقول : يا أيّها الناس ، قولوا : « لا إله إلاّ اللّه تفلحوا » ، وأبو لهب يتبعه
ويرميه بالحجارة ، وقد أدمى كعبه وعرقوبيه ، وهو يقول : يا أيّها الناس ! لا تطيعوه ، فإنّه كذاب(5) !
ص: 178
كتاب الشيصبان : روى أبو أيوب الأنصاري : أنّ النبي صلى الله عليه و آله وقف بسوق ذي المجاز ، فدعاهم إلى اللّه ، والعباس قائم يسمع الكلام ، فقال : أشهد أنّك كذّاب ، ومضى إلى أبي لهب وذكر ذلك ، فأقبلا يناديان : إنّ ابن أخينا هذا كذّاب ! فلا يغرّنّكم عن دينكم .
قال : واستقبل النبي صلى الله عليه و آله أبو طالب عليه السلام ، فاكتنفه وأقبل على أبي لهب والعباس ، فقال لهما : ما تريدان تربت أيديكما ، واللّه إنّه لصادق القيل .
ثم أنشأ أبو طالب عليه السلام :
أنت الأمين أمين اللّه لا كذب
والصادق القيل(1) لا لهو ولا لعب
أنت الرسول رسول اللّه نعلمه
عليك تنزل من ذي العزّة الكتب(2)
مقاتل : إنّه رفع أبو جهل يوما بينه وبين رسول اللّه صلى الله عليه و آله [ ثوبا ] ، فقال : يا محمد ، أنت من ذلك الجانب ، ونحن من هذا الجانب ، فاعمل أنت على دينك ومذهبك ، وإنّنا عاملون على ديننا ومذهبنا .
فنزل « وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ »(3) « أَنْ يَفْقَهُوهُ » .
ص: 179
ابن عباس : كان جماعة إذا صحّ جسم أحدهم ، ونتجت فرسه ، وولدت امرأته غلاما ، وكثرت ماشيته رضى بالإسلام ، وإن أصابه وجع أو سوء قال : ما أصبت في هذا الدين إلاّ سوء .
فنزل « وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ »(1) .
ونهى أبو جهل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الصلاة وقال : إن رأيت محمدا يصلّي لأطأن عنقه .
فنزل « فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً »(2) .
ابن عباس في قوله « وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ » .
قال وفد ثقيف : نبايعك على ثلاث : لا ننحني ، ولا نكسر إلها بأيدينا ، وتمتعنا باللاّت سنة .
فقال صلى الله عليه و آله: لاخير في دين ليس فيه ركوع وسجود ، فأمّا كسر أصنامكم بأيديكم ، فذاك لكم ، وأمّا الطاغية اللاّت ، فإنّي غير ممتّعكم بها .
ص: 180
قالوا : أجّلنا سنة حتى نقبض ما يهدى لآلهتنا ، فإذا قبضناها كسرناها وأسلمنا ، فهمّ بتأجيلهم ، فنزلت هذه الآية(1) .
قال قتادة : فلمّا سمع قوله « ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً » قال : اللّهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا(2) .
وكان النبي صلى الله عليه و آله يطوف ، فشتمه عقبة بن أبي معيط ، وألقى عمامته في عنقه ، وجرّه من المسجد ، فأخذوه من يده(3) .
فقد أتاهم بحقّ غير ذي عوج
ومنزل من كتاب اللّه معلوم
من العزيز الذي لا شيء يعدله
فيه مصاديق من حقّ وتعظيم
فإن يكونوا له ضدّا يكن لكم
ضدّا بغلباء مثل الليل علكوم
فآمنوا بنبيّ لا أبا لكم
ذي خاتم صاغه الرحمن مختوم
* * *
ص: 182
ص: 183
ص: 184
تاريخ الطبري والبلاذري(1) : إنّه لمّا نزل « فَاصْدَعْ بِما تُؤمَرُ » صدع النبي صلى الله عليه و آله ونادى قومه بالإسلام .
فلمّا نزل « إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ » الآيات ، أجمعوا على خلافه ، فحدب عليه أبو طالب عليه السلامومنعه ، فقام عتبة والوليد وأبو جهل والعاص إلى أبي طالب عليه السلام ، فقالوا : إنّ ابن أخيك قد سبّ آلهتنا ، وعاب ديننا ، وسفّه أحلامنا ، وضلّل آباءنا ، فأمّا أن تكفّه عنّا ، وأمّا أن تخلّي بيننا وبينه ، فقال لهم أبو طالب عليه السلام قولاً رقيقا ، وردّهم ردّا جميلاً .
فمضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله على ما هو عليه يظهر دين اللّه ، ويدعو إليه ، وأسلم بعض الناس ، فانهمشوا(2) إلى أبي طالب عليه السلام مرّة أخرى ، فقالوا : إنّ لك سنّا وشرفا ومنزلة ، وإنّا قد اشتهيناك أن تنهى ابن أخيك فلم ينته ، وإنّا - واللّه - لا نصبر على هذا من شتم آباءنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفّه عنّا أو ننازله في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين .
ص: 185
فقال أبو طالب عليه السلام للنبي صلى الله عليه و آله : ما بال أقوامك يشكونك ؟ فقال صلى الله عليه و آله : إنّي أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب ، وتؤدّي إليهم بها العجم الجزية ، فقالوا : كلمة واحدة ؟ نعم(1) وأبيك عشرا ، قال أبو طالب عليه السلام : وأيّ كلمة هي يا بن أخي ؟ قال : لا إله إلاّ اللّه .
فقاموا ينفضون ثيابهم ويقولون : « أَجَعَلَ الآْلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا
لَشَيْءٌ عُجابٌ » . ."الى قوله « عَذابِ »"(2) .
قال ابن إسحاق : إنّ أبا طالب قال له في السرّ : لا تحملني "من الأمر"
ما لا أطيق !!! فظنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قد بدا لعمّه !! وأنّه خاذله !!! [ وأنّه ]
قد ضعف عن نصرته !!! فقال : يا عمّاه ، لو وضعت الشمس في يميني ، والقمر في شمالي ، ما تركت هذا القول حتى أنفذه أو أقتل دونه ، ثم استعبر فبكى ، ثم قام يولّي ، فقال أبو طالب عليه السلام : امض لأمرك ، فو اللّه لا(3) أخذلك أبدا(4) .
وفي رواية أنّه قال صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه - تعالى - أمرني أن أدعو إلى دينه
ص: 186
الحنيفية ، وخرج من عنده مغضبا !! فدعاه أبو طالب عليه السلام ، وطيّب قلبه ، ووعده بالنصر ، ثم أنشأ يقول :
واللّه لن يصلوا إليك بجمعهم
حتى أوسّد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة
وابشر(1) بذاك وقرّ منك عيونا
ودعوتني وزعمت أنّك ناصح
فلقد صدقت وكنت قبل أمينا
وعرضت دينا قد عرفت بأنّه
من خير أديان البريّة دينا
لولا المخافة أن يكون معرّة
لوجدتني سمحا بذاك مبينا(2)
الطبري والواحدي بإسنادهما عن السدّي ، وروى ابن بابويه في كتاب النبوة عن زين العابدين عليه السلام : أنّه اجتمعت قريش إلى أبي طالب
عليه السلام ورسول اللّه صلى الله عليه و آله عنده ، فقالوا : نسألك من ابن أخيك النصف ، قال : وما النصف منه ؟ قالوا : يكفّ عنّا ونكفّ عنه ، فلا يكلّمنا ولا نكلّمه ، ولا يقاتلنا ولا نقاتله ، إلاّ أن هذه الدعوة قد باعدت بين القلوب ، وزرعت الشحناء ، وأنبتت البغضاء !!
فقال : يا بن أخي ، أسمعت ؟ قال : يا عمّ ، لو أنصفني بنو عمّي لأجابوا دعوتي ، وقبلوا نصيحتي ، إنّ اللّه - تعالى - أمرني أن أدعوا إلى دينه
ص: 187
الحنيفية ، ملّة إبراهيم ، فمن أجابني فله عند اللّه الرضوان والخلود في الجنان ، ومن عصاني قاتلته حتى يحكم اللّه بيننا ، وهو خير الحاكمين .
فقالوا : قل له يكفّ عن شتم آلهتنا ، فلا يذكرها بسوء ، فنزل « قُلْ أَفَغَيْرَ اللّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ » .
قالوا : إن كان صادقا ، فليخبرنا من يؤمن منّا ومن يكفر ؟ فإن وجدناه صادقا آمنّا به ، فنزل « ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤمِنِينَ » .
قالوا : واللّه لنشتمنّك وإلهك ، فنزل « وَانْطَلَقَ الْمَلأَُ مِنْهُمْ » .
قالوا : قل له : فليعبد ما نعبد ، ونعبد ما يعبد ، فنزلت سورة الكافرين .
فقالوا : قل له : أرسله اللّه الينا خاصة أم إلى الناس كافة ؟ قال : بل أرسلت إلى الناس كافة ، إلى الأبيض والأسود ، ومن على رؤوس الجبال ، ومن في لجج البحار ، ولأدعونّ - السنة - فارس والروم « قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً » .
فتجبّرت قريش واستكبرت ، وقالت : واللّه لو سمعت بهذا فارس والروم لاختطفتنا من أرضنا ، ولقلعت الكعبة حجرا حجرا ، فنزل « وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ » ، وقوله « أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ » .
فقال مطعم بن عدي : واللّه - يا أبا طالب - لقد أنصفك قومك ، وجهدوا على أن يتخلّصوا ممّا تكرهه ، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا .
فقال أبو طالب عليه السلام : واللّه ، ما أنصفوني ، ولكنّك قد أجمعت(1) على خذلاني ومظاهرة القوم عليّ ، فاصنع ما بدا لك .
ص: 188
فوثبت كلّ قبيلة على ما فيها من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم والاستهزاء بالنبي صلى الله عليه و آله ، ومنع اللّه رسوله بعمّه أبي طالب منهم .
وقد قام أبو طالب عليه السلام حين رأى قريشا تصنع ما تصنع في بني هاشم ، فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والقيام دونه ، إلاّ أبا لهب كما قال اللّه : « وَلَيَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ »(1) .
وقدم قوم من قريش من الطائف ، وأنكروا ذلك ووقعت فتنة ، فأمر النبي صلى الله عليه و آله المسلمين أن يخرجوا إلى أرض الحبشة(2) .
ابن عباس : دخل النبي صلى الله عليه و آله الكعبة وافتتح الصلاة ، فقال أبو جهل : من يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته ؟ فقام ابن الزبعرى ، وتناول فرثا ودما ، وألقى ذلك عليه .
فجاء أبو طالب عليه السلام ، وقد سلّ سيفه ، فلمّا رأوه جعلوا ينهضون ، فقال : واللّه ، لئن قام أحد جلّلته بسيفي .
ثم قال : يا بن أخي من الفاعل بك هذا ؟ قال : عبد اللّه ، فأخذ أبو طالب عليه السلام فرثا ودما ، وألقى عليه(3) .
ص: 189
وفي روايات متواترة : أنّه أمر عبيدة أن يلقوا السلا(1) عن ظهره ، ويغسلوه ، ثم أمرهم أن يأخذوه ، فيمرّوا على أسبلة(2) القوم بذلك(3) .
وفي رواية البخاري : إنّ فاطمة أماطته(4) ، ثم أوسعتهم(5) شتما ، وهم يضحكون ، فلمّا سلّم النبي صلى الله عليه و آلهقال : اللّهم عليك الملأ من قريش ، عليك
أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف .
فواللّه الذي لا إله إلاّ هو ما سمّى النبي صلى الله عليه و آله - يومئذٍ - أحدا إلاّ وقد رأيته يوم بدر ، وقد أخذ برجله يجرّ إلى القليب(6) مقتولاً إلاّ أمية ، فإنّه كان متنفخا في درعه ، فتزايل من جرّه ، فأقروه وألقوا عليه الحجر(7) .
محمد بن إسحاق : وقف النبي صلى الله عليه و آله على قليب بدر ، فقال : بئس عشيرة
ص: 190
الرجل كنتم لنبيكم ، كذّبتموني وصدّقني الناس ، وأخرجتموني وآواني الناس ، وقاتلتموني ونصرني الناس .
ثم قال : هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّا ؟ فقد وجدت ما وعدني ربّي حقّا(1) .
ثم قال : إنّهم يسمعون ما أقول(2) .
فقال حسان(3) :
يناديهم رسول اللّه لمّا
قذفناهم كباكب(4) في القليب
ألم تجدوا حديثي كان حقّاوأمر اللّه يأخذ بالقلوب(5)
الطبري والبلاذري والضحاك(6) قال : لمّا رأت قريش حميّة قومه له ، وذبّ عمّه أبو طالب عليه السلام عنه جاؤوا إليه وقالوا : جئناك بفتى قريش جمالاًوجودا وشهامة « عمارة بن الوليد » ندفعه إليك يكون نصره وميراثه لك ،
ص: 191
ومع ذلك من عندنا مال(1) ، وتدفع الينا ابن أخيك الذي فرّق جماعتنا ، وسفّه أحلامنا ، فنقتله !!
فقال : واللّه ، ما أنصفتموني ، أتعطونني ابنكم أغذوه لكم ، وتأخذون ابني تقتلونه ؟! هذا - واللّه - ما لا يكون أبدا ، أتعلمون أنّ الناقة إذا فقدت ولدها لا تحنّ إلى غيره ، ثم نهرهم .
فهمّوا باغتياله ، فمنعهم أبو طالب عليه السلام من ذلك(2) ، وقال فيه :
حميت الرسول رسول الإله
ببيض(3) تلألأ مثل البروق
أذبّ وأحمي رسول الإله
حماية عمّ عليه شفيق(4)
* * *
وأنشد [ أيضا ] :
يقولون لي دع نصر من جاء بالهدى
وغالب لنا غلاّب كلّ مغالب
وسلّم الينا أحمدا واكفلن لنا
بنيا ولا تحفل بقول المعاتب
فقلت لهم اللّه ربّي وناصري
على كلّ باغ من لؤّ بن غالب(5)
ص: 192
مقاتل : لمّا رأت قريش يعلو أمره قالوا : لا نرى محمدا يزداد إلاّ كبرا وتكبرا !! وإن هو إلاّ ساحر أو مجنون ، وتوعّدوه ، وتعاقدوا لئن مات أبو طالب عليه السلام ليجمعنّ قبائل قريش كلّها على قتله .
وبلغ ذلك أبا طالب عليه السلام ، فجمع بني هاشم وأحلافهم من قريش ، فوصّاهم برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقال : إنّ ابن أخي كما يقول ، أخبرنا بذلك آباؤنا وعلماؤنا : إنّ محمدا نبي صادق ، وأمين ناطق ، وإنّ شأنه أعظم شأن ، ومكان من ربّه أعلى مكان ، فأجيبوا دعوته ، واجتمعوا على نصرته ، وارموا عدوّه من وراء حوزته ، فإنّه الشرف الباقي لكم على(1) الدهر .
وأنشأ يقول :
أوصي بنصر النبي الخير مشهده
عليا ابني وعمّ الخير عباسا
وحمزة الأسد المخشي صولته
وجعفرا أن تذودوا دونه الناسا
وهاشما كلّها أوصي بنصرته
أن يأخذوا دون حرب القوم أمراسا(2)
ص: 193
كونوا فداء لكم نفسي وما ولدت
من دون أحمد عند الروع(1) أتراسا
بكلّ أبيض مصقول عوارضه
تخاله في سواد الليل مقباسا(2)(3)
وحضّ(4) أخاه حمزة على اتباعه(5) ، إذ أقبل حمزة متوشحا بقوسه راجعا من قنص له ن فوجد النبي صلى الله عليه و آله في دار أخته محموما ، وهي باكية ، فقال : ما شأنك ؟ قالت(6) : ذلّ الحي(7) يا أبا عمارة ، لو لقيت ما لقي ابن أخيك محمد - آنفا - من أبى الحكم بن هشام ، وجده هاهنا جالسا ، فآذاه وسبّه(8) ، وبلغ منه ما يكره .
فانصرف ودخل المسجد ، وشجّ رأسه شجّة منكرة ، فهمّ أقرباؤهبضربه ، فقال أبو جهل : دعوا أبا عمارة لكيلا يسلم .
ص: 194
ثم عاد حمزة إلى النبي صلى الله عليه و آله وقال : عزّ بما صنع بك ، ثم أخبره بصنيعه ، فلم يهشّ النبي صلى الله عليه و آله وقال : يا عمّ ، لأنت منهم !! فأسلم حمزة .
فعرفت قريش أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد عزّ ، وأنّ حمزة سيمنعه(1) .
قال ابن عباس : فنزل « أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ »(2) ، وسرّ أبو طالب بإسلامه ، وأنشأ يقول :
صبرا أبا يعلى على دين أحمد
وكن مظهرا للدين وفقت صابرا
وحط(3) من أتى بالدين من عند ربّه
بصدق وحقّ لا تكن حمز كافرا
فقد سرّني إذ قلت أنّك مؤمنفكن لرسول اللّه في اللّه ناصرا
فناد قريشا بالذي قد أتيتهجهارا وقل ما كان أحمد ساحرا(4)
وقال لابنه طالب :
ص: 195
أبنيّ طالب إنّ شيخك ناصح
فيما يقول مسدّد لك راتق(1)
فاضرب بسيفك من أراد مساءة
حتى تكون لدى المنية ذائق
هذا رجائي فيك بعد منيّتي
لا زلت فيك بكلّ رشد واثق
فاعضد قواه يا بني وكن له
إنّى بجدّك لا محالة لاحق
آها أردّد حسرة لفراقه
إذ لم أراه قد تطاول باسق
أترى أراه واللواء أمامه
وعلي ابني للواء معانق
أتراه يشفع لي ويرحم عبرتي
هيهات إنّي لا محالة زاهق
وكتب إلى النجاشي « تعلم أبيت اللعن أنّ محمدا » الأبيات ، فأسلم النجاشي ، وكان قد سمع مذاكرة جعفر وعمرو بن العاص(2) ، ونزل فيه « وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ » إلى قوله « جَزاءُ الُْمحْسِنِينَ »(3) .
عكرمة وعروة بن الزبير وحديثهما : لمّا رأت قريش أنّه يفشو أمره في القبائل ، وأنّ حمزة أسلم ، وأنّ عمرو بن العاص ردّ في حاجته عندالنجاشي ، فأجمعوا أمرهم ومكرهم على أن يقتلوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله علانية .
ص: 196
فلمّا رأى ذلك أبو طالب عليه السلام جمع بني عبد المطلب ، فأجمع لهم أمرهم على أن يدخلوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله شعبهم .
فاجتمع قريش في دار الندوة ، وكتبوا صحيفة على بني هاشم : أن لا يكلّموهم ، ولا يزوّجوهم ، ولا يتزوّجوا إليهم ، ولا يبايعوهم ، أو يسلّموا إليهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وختم عليها أربعون خاتما ، وعلّقوها في جوف
الكعبة - وفي رواية : عند زمعة بن الأسود - .
فجمع أبو طالب عليه السلام بني هاشم وبني عبد المطلب في شعبه ، وكانوا أربعين رجلاً(1) ، مؤمنهم وكافرهم ، ما خلا أبا لهب وأبا سفيان ، فظاهراهم عليه ، فحلف أبو طالب عليه السلام : لئن شاكت محمدا شوكة لآتين عليكم يا بني هاشم .
وحصّن الشعب ، وكان يحرسه بالليل والنهار(2) ، وفي ذلك يقول :
ألم تعلموا أنّا وجدنا محمدا
نبيا كموسى خطّ في أول الكتب
أليس أبونا هاشم شدّ أزره
وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
وأنّ الذي علّقتم من كتابكم
يكون لكم يوما كراعية السقب(3)
ص: 197
أفيقوا أفيقوا قبل أن يحفر الثرى
ويصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنب(1)
* * *
وله أيضا :
وقالوا خطّة جورا وحمقا
وبعض القول أبلج مستقيم
لتخرج هاشم فيصير منها
بلاقع بطن مكة والحطيم
فمهلاً قومنا لا تركبونا
بمظلمة لها أمر وخيم
فيندم بعضكم ويذلّ بعض
وليس بمفلح أبدا ظلوم
فلا والراقصات بكلّ خرق(2)
إلى معمور مكة لا يريم(3)
طوال الدهر حتى تقتلونا
ونقتلكم وتلتقي الخصوم
ويعلم معشر قطعوا وعقّوا
بأنّهم هم الجلد(4) الظليم
أرادوا قتل أحمد ظالموه
وليس لقتله فيهم زعيم
ودون محمد فتيان قوم
هم العرنين والعضو الصميم(5)
* * *
ص: 198
وكان أبو جهل والعاص بن وائل والنضر بن الحرث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط يخرجون إلى الطرقات ، فمن رأوا معه ميرة(1) نهوه أن يبيع من بني هاشم ، ويحذّرونه من النهب !
فأنفقت خديجة عليهاالسلام على النبي صلى الله عليه و آله فيه مالاً كثيرا(2) .
ومن قصيدة لأبي طالب عليه السلام :
فأمسى ابن عبد اللّه فينا مصدّقا
على ساخط من قومنا غير معتب
فلا تحسبونا خاذلين محمدا
لدى غربة منّا ولا متقرّب
ستمنعه منّا يد هاشمية
مركّبها في الناس خير مركّب
فلا والذي تخدى له كلّ نضوة
طليح بجنبي نخلة(3) فالمحصب
يمينا صدقنا اللّه فيها ولم نكن
لنحلف كذبا بالعتيق المحجّب
نفارقه حتى نصرّع حوله
وما نال تكذيب النبي المقرّب(4)
* * *
ص: 199
وكان النبي صلى الله عليه و آله إذا أخذ مضجعه ، ونامت العيون ، جاءه أبو طالب عليه السلام ، فأنهضه عن مضجعه ، واضجع عليا عليه السلام مكانه ، ووكّل عليه ولده وولد أخيه .
فقال علي عليه السلام : يا أبتاه إنّي مقتول ذات ليلة ، فقال أبو طالب
عليه السلام :
اصبرن يا بني فالصبر أحجى
كلّ حيّ مصيره لشعوب
قد بلوناك والبلاء شديد
لفداء النجيب وابن النجيب
لفداء الأغرّ(1) ذي الحسب الثاقب
والباع والفناء الرحيب
ان تصبك المنون بالنبل تبرئ
فمصيب منها وغير مصيب
كلّ حيّ وإن تطاول عمرا
آخذا من سهامها بنصيب
فقال علي عليه السلام :
أتأمرني بالصبر في نصر أحمد
وواللّه ما قلت الذي قلت جازعا
ص: 200
ولكنّني أحببت أن ترتضونني
وتعلم أنّي لم أزل لك طائعا
وسعيي لوجه اللّه في نصر أحمد
نبي الهدى المحمود طفلاً ويافعا(1)
* * *
وكانوا لا يأمنون إلاّ في موسم العمرة في رجب ، وموسم الحج في ذي الحجة ، فيشترون ويبيعون فيهما(2) .
وكان النبي صلى الله عليه و آله في كلّ موسم يدور على قبائل العرب ، فيقول لهم : تمنعون لي جانبي حتى أتلو عليكم كتاب ربّي ، وثوابكم على اللّه الجنة ، وأبو لهب في أثره يقول : إنّه ابن أخي ، وهو كذاب ساحر ! فأصابهم الجهد(3) .
وبعثت قريش إلى أبي طالب : ادفع الينا محمدا حتى نقتله ونملكك علينا(4) .
فأنشأ أبو طالب عليه السلام اللامية التي يقول فيها : « وأبيض يستسقى الغمامبوجهه » ، فلمّا سمعوا هذه القصيدة آيسوا منه .
ص: 201
فكان أبو العاص بن الربيع ، وهو ختن رسول اللّه صلى الله عليه و آله يجيء بالعير(1) بالليل عليها البرّ والتمر إلى باب الشعب، ثم تصبح بها، فحمد النبي صلى الله عليه و آلهفعله .
فمكثوا بذلك أربع سنين(2) . وقال ابن سيرين : ثلاث سنين .
وفي كتاب شرف المصطفى : فبعث اللّه على صحيفتهم الأرضة فلحستها ، فنزل جبرئيل عليه السلام ، فأخبر النبي صلى الله عليه و آله بذلك ، فأخبر النبي صلى الله عليه و آله أبا طالب عليه السلام .
فدخل أبو طالب عليه السلام على قريش في المسجد ، فعظّموه وقالوا : أردت مواصلتنا ، وأن تسلّم ابن أخيك الينا ؟ قال : [ لا ] واللّه ما جئت لهذا ، ولكن ابن أخي أخبرني ، ولم يكذبني : إنّ اللّه قد أخبره بحال صحيفتكم ، فابعثوا إلى صحيفتكم ، فإن كان حقّا فاتقوا اللّه وارجعوا عمّا أنتم عليه من الظلم وقطيعة الرحم ، وإن كان باطلاً دفعته إليكم .
فأتوا بها ، وفكّوا الخواتيم ، فإذا فيها « باسمك اللّهم » واسم « محمد صلى الله عليه و آله »فقط .
ص: 202
فقال لهم أبو طالب عليه السلام : اتقوا اللّه ، وكفّوا عمّا أنتم عليه ، فسكتوا وتفرقوا(1) .
فنزل « ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ » قال : كيف أدعوهم ، وقد صالحوا على ترك الدعوة ؟ فنزل « يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ » .
فسأل النبي صلى الله عليه و آله أبا طالب عليه السلام الخروج من الشعب ، فاجتمع سبعة نفر من قريش على نقضها ، وهم : مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، الذي أجار النبي صلى الله عليه و آله لمّا انصرف من الطائف ، وزهير بن أمية المخزومي
ختن أبي طالب عليه السلام على ابنته عاتكة ، وهشام بن عمرو بن لوي بن غالب ، وأبو البختري بن هشام ، وزمعة بن الأسود بن المطلب(2) .
ص: 203
وقال هؤلاء السبعة : أخرقها اللّه ، وعزموا أن يقطعوا يمين كاتبها ، وهو منصور بن عكرمة بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار ، فوجدوهاشلاء ، فقالوا : قطعها اللّه ، فأخذ النبي صلى الله عليه و آله في الدعوة(1) .
ص: 204
وفي ذلك يقول أبو طالب عليه السلام :
ألا هل أتى نجدينا صنع ربّنا
على نأيهم واللّه بالناس أرود
فيخبرهم أنّ الصحيفة مزّقت
وأنّ كلّ ما لم يرضه اللّه يفسد
يراوحها أفك وسحر مجمع
ولم تلق سحر آخر الدهر يصعد(1)
* * *
وله أيضا :
وقد كان من أمر الصحيفة عبرة
متى ما يخبر غائب القوم يعجب
محى اللّه منها كفرهم وعقوقهم
وما نقموا من ناطق الحقّ معرب
وأصبح ما قالوا من الأمر باطلاً
ومن يختلق ما ليس بالحقّ يكذب
وأمسى ابن عبد اللّه فينا مصدقا
على سخط من قومنا غيرمعتب(2)
* * *
وله :
تطاول ليلي بهم نصب
ولعب قصي بأحلامها
وهل يرجع الحلم بعد اللعب
ونفي قصي بني هاشم
كنفي الطهاة لطاف الحطب
ص: 205
وقول لأحمد أنت امرى ء
خلوق الحديث ضعيف النسب
ألا إنّ أحمد قد جاءهم
بحقّ ولم يأتهم بالكذب
على أنّ إخواننا وازروا
بني هاشم وبني المطلب
هما أخوان كعظم اليمين
أمرّا علينا كعقد الكرب(1)
فيا لقصي ألم تخبروا
بما قد خلا من شؤون العرب
فلا تمسكن بأيديكم
بعيد الأنوق لعجب الذنب(2)
ورمتم بأحمد ما رمتم
على الآصرات وقرب النسب
فإنّي وما حجّ من راكب
وكعبة مكة ذات الحجب
تنالون أحمد أو تصطلوا
وتفترقوا بين أبنائكم
صدور العوالي وخيلاً العصب(5)(6)
* * *
ص: 206
ص: 207
ص: 208
الزهري في قوله : « وَلَقَدْ مَكَّنّاكُمْ » الآيات ، قال : لمّا توفي أبو طالب عليه السلام
لم يجد النبي صلى الله عليه و آله ناصرا ، ونثروا على رأسه التراب .
قال : ما نال منّي قريش شيئا حتى مات أبو طالب عليه السلام(1) .
وكان يستتر من الرمي بالحجر الذي عند باب البيت من يسار من يدخل ، وهو ذراع وشبر في ذراع ، إذا جاءه من دار أبي لهب ودار عدي بن حمران(2) .
ولمّا نزلت « تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ » جاءت أم جميل عمّة معاوية إلى النبي صلى الله عليه و آله وبيدها فهر(3) ، ولها ولولة ، وهي تقول :
مذمّما أبينا
ودينه قلينا
وأمره عصينا
ص: 209
والنبي صلى الله عليه و آله في المسجد ، فقيل : يا رسول اللّه ! قد أقبلت أم جميل ، وإنّا نخاف أن تراك ، فقال : إنّها لن تراني .
فوقفت على المسجد، وقالت : [ قد ] بلغني أنّ صاحبكم هجاني ، فقالوا:
لا - وربّ هذا البيت - ما هجاك ، فولّت وهي تقول : قد علمت قريش إنّي بنت سيّدها(1) .
الزهري في قوله تعالى : « فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ » الآية ، لمّا توفي أبو طالب عليه السلام ، واشتدّ عليه البلاء عمد إلى ثقيف بالطائف رجاء أن يؤوه سادتها : عبد نائل ومسعود وحبيب بنو عمرو بن نمير الثقفي ، فلم يقبلوه ، وتبعه سفهاؤهم بالأحجار ، ودمّوا رجليه ، فخلص منهم ، واستظلّ في ظلّ حبلة(2) منه ، وقال : اللّهم إنّي أشكو إليك من ضعف قوتي ، وقلّة حيلتي وناصري ، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين .
فأنفذ عتبة وشيبة ابنا ربيعة إليه بطبق عنب على يدي غلام يدعى « عداسا » ، وكان نصرانيا .
فلمّا مدّ يده وقال : بسم اللّه ، فقال : إنّ أهل هذا البلد لا يقولونها ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : من أين أنت ؟ قال : من بلدة « نينوى » ، فقال صلى الله عليه و آله : من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى ! قال : وبما تعرفه ؟ قال : أنا رسول اللّه ،
ص: 210
واللّه أخبرني خبر يونس ، فخرّ عداس ساجدا لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وجعل يقبّل قدميه ، وهما يسيلان الدماء .
فقال عتبة لأخيه : قد أفسد عليك غلامك ، فلمّا انصرف عنه سئل عن مقالته ، فقال : واللّه إنّه نبي صادق ، فقالوا : إنّ هذا رجل خدّاع لا يفتننّك عن نصرانيتك(1) !!
وقالوا : لو كان محمد صلى الله عليه و آله نبيا لشغلته النبوة عن النساء(2) ، ولأمكنه جميع الآيات ، ولأمكنه منع الموت عن أقاربه ، ولمّا مات أبو طالب وخديجة عليهماالسلام ، فنزل « وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ »(3) .
وروي عن الحسن العسكري عليه السلام في خبر إنّ أبا جهل كتب إلى النبي
صلى الله عليه و آله بالمدينة : إنّ الحيوط(4) التي في رأسك هي التي ضيّقت عليك مكة ، ورمت بك إلى يثرب ، وإنّها لا تزال "بك" تنفرك . . . إلى آخره .
ص: 211
فكان جواب النبي صلى الله عليه و آله : إنّ أبا جهل بالمكاره والعطب يتهدّدني ، وربّ العالمين بالنصر والظفر [ عليه ]يعدني ، وخبر اللّه أصدق ، والقبول من اللّه أحقّ ، لن يضرّ محمدا من خذله أو يغضب عليه بعد أن ينصره [ اللّه ] ، ويتفضّل بجوده وكرمه .
قل له : يا أبا جهل ، إنّك راسلتني بما ألقاه في جلدك الشيطان ، وأنا أجيبك بما ألقاه في خاطري الرحمن : إنّ الحرب بيننا وبينك كافية إلى تسعة وعشرين ، وإنّ اللّه سيقتلك فيها بأضعف أصحابي ، وستلقى أنت وعتبة وشيبة والوليد وفلان وفلان - وذكر عددا من قريش في قليب مقتّلين - أقتل منكم سبعين ، وأوسر منكم سبعين أحملهم على الفدا أو القتل .
ثم نادى : ألا تحبّون أن أريكم مصرع كلّ واحد من هؤلاء ، هلمّوا إلى
بدر فإنّ هناك الملتقى والمحشر ، وهناك البلاء الأكبر ، فلم يجبه إلاّ علي عليه السلام ،
وقال : نعم بسم اللّه .
فقال لليهود : اخطوا خطوة واحدة ، فإنّ اللّه يطوي الأرض لكم ويوصلكم إلى هناك .
فخطى القوم خطوة ثم الثانية ، فإذا هم عند بئر بدر ، فقال : هذا مصرع عتبة ، وذاك مصرع الوليد ، إلى أن سمّى تمام سبعين ، وسيؤسر فلان وفلانإلى أن ذكر سبعين منهم .
ص: 212
فلمّا انتهوا إلى آخرها قال : هذا مصرع أبي جهل ، يجرحه(1) فلان الأنصاري ، ويجهز عليه عبد اللّه بن مسعود أضعف أصحابي .
ثم قال : إنّ ذلك لحقّ كائن بعد ثمانية وعشرين يوما(2) .
* * *
كم درّ جهل أبي جهل بمجهلة
وشاب شيبة قبل الموت من وجل
* * *
[ وقال ] حسان بن ثابت :
متى يبد في الليل البهيم جبينه
يلوح كمصباح الدجى المتوقد
فمن كان أو من ذا يكون كأحمد
نظاما لحقّ أو نكالاً لملحد(3)
* * *
[ وقال ] بجير بن زهير(4) :
أتانا نبي بعد يأس وفترة
من اللّه والأوثان في الأرض تعبد
وشقّ له من اسمه لجلاله
فذو العرش محمود وهذا محمد
وأشركه في ذكره جلّ ذكره
تخلد في الجنات فيمن تخلدوا
أغرّ عليه للنبوة خاتم
من اللّه مشهود يلوح ويشهد(5)
ص: 213
[ وقال ] غيره :
محمد خير من يمشي على قدم
ممّن برى اللّه من إنس ومن جان
هو الذي قدر اللّه القضاء له
ألا يكون له في خلقه ثان
هو الذي امتحن اللّه القلوب به
عمّا تجمجم(1) من كفر وإيمان
* * *
[ وقال ] آخر :
لبست رداء الفخر في صلب آدم
فما تنتهي إلاّ إليك المفاخر
وللّه بدر في السماء منور
وأنت لنا بدر على الأرض زاهر
* * *
ص: 214
ص: 215
ص: 216
جابر بن عبد اللّه : إنّ النبي صلى الله عليه و آله نزل تحت شجرة ، فعلّق بها سيفه ، ثم نام ، فجاء أعرابي فأخذ السيف وقام على رأسه ، فاستيقظ النبي صلى الله عليه و آله ،
فقال : يا محمد ، من يعصمك الآن منّي ؟ قال : اللّه تعالى ، فرجف وسقط السيف من يده(1) .
وفي خبر آخر : أنّه بقي جالسا زمانا ، ولم يعاقبه النبي(2) صلى الله عليه و آله .
الثمالي في تفسير قوله : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ » إنّ القاصد إلى النبي صلى الله عليه و آلهكان دعثور بن الحارث ، فدفع جبرئيل عليه السلامفي صدره ، فوقع السيف من يده ، فأخذه رسول اللّه
صلى الله عليه و آله وقام على رأسه ، فقال : ما يمنعك منّي ؟ فقال : لا أحد ، وأنا أعهد أن لا أقاتلك أبدا ، ولا أعين عليك عددا(3) ، فأطلقه .
فسئل بعد انصرافه عن حاله؟ قال: نظرت إلى رجل طويل أبيض دفع في صدري ، فعرفت أنّه ملك .
ويقال : إنّه أسلم ، وجعل يدعو قومه إلى الإسلام(4) .
ص: 217
حذيفة وأبو هريرة : جاء أبو جهل إلى النبي صلى الله عليه و آله ، وهو يصلّي ليطأ على رقبته ، فجعل ينكص على عقبيه ، فقيل له : ما لك ؟ قال : إنّ بيني وبينه خندقا من نار مهولاً ، ورأيت ملائكة ذوي أجنحة .
فقال النبي صلى الله عليه و آله : لو دنا منّي لاختطفته الملائكة عضوا عضوا ، فنزل « أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى »(1) الآيات .
ابن عباس : إنّ قريشا اجتمعوا في الحجر ، فتعاقدوا باللاّت والعزّى ومناة ، لو رأينا محمدا لقمنا مقام رجل واحد ولنقتلنّه .
فدخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه و آله باكية ، وحكت مقالهم ، فقال : يا بنيه ،
ادني وضوءا ، فتوضأ ، ثم خرج إلى المسجد .
فلمّا رأوه قالوا : ها هو ذا ، وخفضت رؤوسهم ، وسقطت أذقانهم في صدورهم ، فلم يصل إليه رجل منهم ، فأخذ النبي صلى الله عليه و آله قبضة من التراب فحصبهم(2) بها ، وقال : شاهت الوجوه ، فما أصاب رجلاً منهم إلاّ قتليوم بدر(3) .
ص: 218
محمد بن إسحاق : لمّا خرج النبي صلى الله عليه و آله مهاجرا تبعه سراقة بن جعشم(1) مع خيله ، فلمّا رآه رسول اللّه صلى الله عليه و آله دعا ، فكأن قوائم فرسه ساخت حتى تغيّبت .
فتضرّع إلى النبي صلى الله عليه و آله حتى دعا ، وصار إلى وجه الأرض ، فقصد كذلك ثلاثا والنبي صلى الله عليه و آله يقول : يا أرض خذيه ، وإذا تضرّع قال : دعيه ، فكفّ بعد الرابعة أن لا يعود إلى ما يسوؤه(2) .
وفي رواية : واتبعة دخان حتى استغاثه ، فانطلق الفرس(3) ، فعذله أبو جهل .
وقال سراقة :
أبا حكم واللاّت لو كنت شاهدا
لأمر جوادي إذ تسيخ قوائمه
عجبت ولم تشكك بأنّ محمدا
نبي وبرهان فمن ذا يكاتمه
عليك فكفّ الناس عنه فإنّني
أرى أمره يوما ستبدو معالمه(4)
* * *
[ وقال ] خطيب منيح :ومن أخذت سراقة حين أهوى
إليه الأرض أخذة قاطنينا
فصاح به وناداه أقلني
فلست لمثلها في العايدينا
ص: 219
[ وقال ] نصر بن المنتصر :
من قال للأرض خذي فأخذت
عدوّه لمّا رآه قد طغا
* * *
[ وقال ] غيره(1) :
وفي سراقة آيات مبينة
إذ ساخت الحجر في وحل بلا وحل
وكان صلى الله عليه و آله مارا في بطحاء مكة ، فرماه أبو جهل بحصاة ، فوقفت الحصاة
معلّقه سبعة أيام ولياليها ، فقالوا : من يرفعها ؟ قال : يرفعه « الَّذِي رَفَعَ
السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها »(2)
عكرمة : لمّا غزا يوم حنين قصد إليه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عن يمينه ، فوجد عباسا ، فأتى عن يساره ، فوجد أبا سفيان(3) بن الحارث ، فأتىمن خلفه ، فوقعت بينهما شواظ من نار ، فرجع القهقرى ، فرجع النبي صلى الله عليه و آله
إليه وقال : يا شيب ، يا شيب ، ادن منّي ، اللّهم اذهب عنه الشيطان .
ص: 220
قال : فنظرت إليه ، ولهو أحبّ إليّ من سمعي وبصري ، فقال : يا شيب ، قاتل الكفار .
فلمّا انقضى القتال دخل عليه ، فقال : الذي أراد اللّه بك خير ممّا أردته لنفسك ، وحدّثه بجميع ما زوى في نفسه ، فأسلم(1) .
ابن عباس في قوله « وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ » قال عامر بن الطفيل لأربد
بن قيس : قد شغلته عنك مرارا ، أفلا ضربته(2) ؟ - يعني النبي
صلى الله عليه و آله - ، فقال أربد : أردت ذلك مرّتين ، فاعترض لي في أحدهما حائط من حديد ، ثم رأيتك الثانية بيني وبينه ، أفأقتلك(3)(4) ؟
وفي رواية الكلبي : أنّه لمّا اخترط من سيفه شبرا لم يقدر على سلّه ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : اللّهم اكفنيهما بما شئت(5) .
وفي رواية : إنّ السيف لصق به(6) .
وفي الروايات كلّها : أنّه لم يصل واحد منهما إلى منزله :
ص: 221
أمّا عامر ، فغدّ(1) في ديار بني سلول ، فجعل يقول : أغدّة كغدّة البعير ، وموتا في بيت السلولية(2) .
وأمّا أربد ، فارتفعت له سحابة ، فرمته بصاعقة فأحرقته(3) ، وكان أخا لبيد لاُمّه ، فقال يرثيه :
فجعني البرد والصواعق بال-
-فارس يوم الكريهة النجد
أخشى على أربد الحتوف ولا
أرهب نوء السماك والأسد(4)
وفي رواية : كان النبي صلى الله عليه و آله جالسا في ظلّ شجرة ، وبين يديه علي عليه السلام يكتب الصلح ، وهم ثلاثون شابا ، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه و آله ، فأخذ اللّه بأبصارهم حتى أخذناهم ، فخلّى سبيلهم .
فنزل « وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ »(1) .
ابن جبير وابن عباس ومحمد بن ثور(2) في قوله : « فَاصْدَعْ بِما تُؤمَرُ »
الآيات :
كان المستهزؤون به جماعة مثل : الوليد بن المغيرة المخزومي ، والأسود بن عبد يغوث الزهري ، وأبو زمعة الأسود بن المطلب ، والعاص بن وائل السهمي ، والحرث بن قيس(3) السهمي ، وعقبة بن أبي معيط ، وفيهلة(4)بن عامر الفهري ، والأسود بن الحرث ، وأبو أجيحة سعيد بن العاص ، والنضر بن الحرث العبدري ، والحكم بن العاص بن أمية ، وعتبة بن ربيعة ، وطعيمة بن عدي ، والحرث بن عامر بن نوفل ، وأبو البختري العاص بن هاشم بن أسد ، وأبو جهل ، وأبو لهب(5) .
ص: 223
وكلّهم قد أفناهم اللّه بأشدّ نكال ، وكانوا قالوا له : يا محمد ، ننتظر بك إلى الظهر ، فإن رجعت عن قولك وإلاّ قتلناك .
فدخل صلى الله عليه و آله منزله وأغلق عليه بابه ، فأتاه جبرئيل عليه السلام ساعته ، فقال له : يا محمد ، السلام يقرأ عليك السلام ، وهو يقول : « فَاصْدَعْ بِما تُؤمَرُ » وأنا معك ، وقد أمرني ربّي بطاعتك(1) .
فلمّا أتى(2) البيت رمى الأسود بن المطلب في وجهه بورقة خضراء ، فقال : اللّهم اعم بصره واثكله ولده ، فعمى وأثكله اللّه ولده(3) .
وروي : أنّه أشار إلى عينه فعمي ، وكان يضرب رأسه على الجدار حتى هلك(4) .ثم مرّ به الأسود بن عبد يغوث ، فأومى إلى بطنه ، فاستسقى ماء ، ومات حبنا(5)(6) .
ص: 224
ومرّ به الوليد ، فأومى إلى جرح اندمل في بطن رجله من نبل ، فتعلّقت به شوكة فنن فخدشت ساقه ، ولم يزل مريضا حتى مات(1) .
ونزل فيه « سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً » ، وأنّه يكلّف أن يصعد جبلاً في النار من صخرة ملساء ، فإذا بلغ أعلاها لم يترك أن يتنفّس ، فيجذب إلى أسفلها ، ثم يكلّف مثل ذلك(2) .
ومرّ به العاص فعابه ، فخرج من بيته ، فلفحته السموم ، فلمّا انصرف إلى داره لم يعرفوه فباعدوه ، فمات غمّا(3) .
وروي : أنّهم غضبوا عليه فقتلوه(4) .
وروي : أنّه وطأ على شبرقة(5) ، فدخلت في أخمص رجله ، فقال :لدغت ، فلم يزل يحكّها حتى مات(6) .
ومرّ به الحارث ، فأومى إلى رأسه ، فتقيأ قيحا(7) .
ويقال : أنّه لدغته الحيّة .
ويقال : خرج إلى كداء فتدهده(8) عليه حجر فتقطع ، واستقبل
ابنه في سفر ، فضرب جبرئيل عليه السلامرأسه على شجرة ، وهو يقول :
ص: 225
يا بني أدركني ، فيقول : لا أرى أحدا حتى مات(1) .
وأمّا الأسود بن الحارث أكل حوتا ، فأصابه العطش ، فلم يزل يشرب الماء حتى انشقت بطنه(2) .
فأمّا فيهلة(3) بن عامر ، فخرج يريد الطائف ، ففقد ولم يوجد .
وأمّا عقبة(4) فاستسقى فمات .
ويقال : أتى بشوك فأصاب عينيه ، فسالت حدقته على وجهه .
وأمّا أبو لهب ، فإنّه سأل أبا سفيان عن قصّة بدر ، فقال : إنّا لقيناهمفمنحناهم أكتافنا ، فجعلوا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاؤوا ، وأيم اللّه مع ذلك ما مكث الناس ، لقينا رجالاً بيضا على خيل بلق بين السماء ، والأرض لا يقوم لها شيء .
فقال أبو رافع لأم الفضل بنت العباس : تلك الملائكة ، فجعل يضربني ، فضربت أم الفضل على رأسه بعمود الخيمة ، فقلقت رأسه شجّةً منكرةً ، فعاش سبع ليال ، وقد رماه اللّه بالعدسة(5) ، ولقد تركه أبناه ثلاثا لا يدفنانه ، وكانت قريش تتقي العدسة ، فدفنوه بأعلى مكة على جدار ، وقذفوا عليه الحجارة حتى واروه(6) .
ص: 226
ونزل قوله تعالى « لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ » الآيات ، في أبى جهل ، وذلك أنّه كان حلف لئن رأى محمدا صلى الله عليه و آلهيصلّي ليرضخنّ رأسه ، فأتاه وهو يصلّي ومعه حجر ليدمغه ، فلمّا رفعه أثبتت يده على عنقه ، ولزق الحجر بيده ، فلمّا عاد إلى أصحابه وأخبرهم بما رأى سقط الحجر من يده .
فقال رجل من بني مخزوم : أنا أقتله بهذا الحجر ، فأتاه وهو يصلّي ليرميه بالحجر ، فأغشى اللّه بصره ، فجعل يسمع صوته ولا يراه ، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم ، حتى نادوه ما صنعت ؟ فقال : ما رأيته ، ولقد سمعت صوته ، وحال بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه لو دنوت منه لأكلني(1) .
ابن عباس في قوله « وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا » إنّ قريشا اجتمعت فقالت : لئن دخل محمد لنقومنّ إليه قيام رجل واحد .
فدخل النبي صلى الله عليه و آله ، فجعل اللّه من بين أيديهم سدّا ومن خلفهم سدّا ،
فلم يبصروه ، فصلّى صلى الله عليه و آله ، ثم أتاهم فجعل ينثر على رؤوسهم التراب ،
وهم لا يرونه .
فلمّا جلى عنهم رأوا التراب ، فقالوا : هذا ما سحركم ابن أبي كبشة(2) .
ص: 227
ولمّا نزلت الأحزاب على المدينة عبأ أبو سفيان سبعة آلاف رامٍ كوكبة واحدة ، ثم قال : ارموهم رشقا واحدا ، فوقع في أصحاب النبي صلى الله عليه و آله سهام كثيرة .
فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فلوّح إلى السهام بكمّه ، ودعا بدعوات ، فهبّت ريح عاصفة ، فردّت السهام إلى القوم ، فكلّ من رمى سهما عاد السهم إليه فوقع في جرحه ، بقدرة اللّه وبركة رسوله صلى الله عليه و آله .
ودخل النبي صلى الله عليه و آله مع ميسرة إلى حصن من حصون اليهود ليشتروا خبزا وأدما ، فقال يهودي : عندي مرادك .
ومضى إلى منزله ، وقال لزوجته : اطلعي إلى [ أ ]عالي الدار ، فإذا دخل هذا الرجل فارمي هذه الصخرة عليه ، فأردت(1) المرأة الصخرة ، فهبط جبرئيل عليه السلام فضرب الصخرة بجناحه ، فخرقت الجدار ، وأتت تهتزّ كأنّها صاعقة ، فاحتاطت بحلق الملعون ، وصارت في عنقه كدور الرحى ، فوقع كأنّه المصروع .
فلمّا أفاق جلس ، وهو يبكي ، فقال له النبي صلى الله عليه و آله : ويلك ما حملك على هذا الفعال ؟ فقال : يا محمد ! لم يكن لي في المتاع حاجة ، بل أردت قتلك ،
ص: 228
وأنت معدن الكرم وسيّد العرب والعجم ، اعف عنّي ، فرحمه النبي صلى الله عليه و آله ، فانزاحت الصخرة عن عنقه(1) .
جابر وابن عباس : قال رجل من قريش : لأقتلن محمدا ، فوثب به فرسه ، فاندقت رقبته(2) .
واستغاث الناس إلى معمر بن يزيد ، وكان أشجع الناس ، ومطاعا في بني كنانة ، فقال لقريش : أنا أريحكم(3) منه ، فعندي عشرون ألف مدجّج ، فلا أرى هذا الحيّ من بني هاشم يقدرون على حربي ، فإن سألوني الديّة أعطيتهم عشر ديّات ، ففي مالي سعة ، وكان يتقلّد بسيف طوله عشرة أشبار في عرض شبر ، فأهوى إلى النبي صلى الله عليه و آله بسيفه ، وهو ساجد في الحجر ، فلمّا قرب منه عثر بدرعه فوقع ، ثم قام وقد أدمى وجهه بالحجارة ، وهو يعدو أشدّ العدو حتى بلغ البطحاء .
فاجتمعوا إليه وغسلوا الدم عن وجهه ، وقالوا : ماذا أصابك ؟ فقال : المغرور - واللّه - من غررتموه ، قالوا : ما شأنك ؟ قال : دعوني
ص: 229
تعد إليّ نفسي ، ما رأيت كاليوم ، قالوا : ماذا أصابك ؟ قال : لمّا دنوت منه وثب إليّ من عند رأسه شجاعان(1) أقرعان ينفخان بالنيران(2) .
وروي أنّ كلدة بن أسد رمى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمزراق(3) ، وهو بين دار عقيل وعقال ، فعاد(4) المزراق إليه ، فوقع في صدره ، فعاد فزعا وانهزم .وقيل له : ما لك ؟ قال : ويحكم ، أما ترون الفحل خلفي ! قالوا : ما نرى شيئا ، قال : ويحكم ، فإنّي أراه ، فلم يزل يعدو حتى بلغ الطائف .
الواقدي : خرج النبي صلى الله عليه و آله للحاجة في وسط النهار بعيدا ، فبلغ إلى أسفل ثنية الحجون ، فاتبعه النضر بن الحارث يرجو أن يغتاله .
فلمّا دنا منه عاد راجعا ، فلقيه أبو جهل ، فقال : من أين جئت ؟ قال : كنت طمعت أن أغتال محمدا ، فلمّا قربت منه ، فإذا أساود(5) تضرب بأنيابها على رأسه فاتحة أفواهها ، فقال أبو جهل : هذا بعض سحره(6) .
ص: 230
وقصد إليه رجل بفهر(1) ، وهو ساجد ، فلمّا رفع يده ليرمي به يبست يده على الحجر .
ابن عباس : كان النبي صلى الله عليه و آله يقرأ في المسجد فيجهر بقراءته ، فتأذى به ناس من قريش ، فقاموا ليأخذوه ، وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم ،وإذا هم عمي لا يبصرون ، فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه و آله فقالوا : ننشدك اللّه والرحم .
فدعا النبي صلى الله عليه و آله ، فذهب ذلك عنهم ، فنزلت « يس » إلى قوله « فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ »(2) .
أبو ذر : كان النبي صلى الله عليه و آله في سجوده ، فرفع أبو لهب حجرا يلقيه عليه ، فثبتت يده في الهواء ، فتضرّع إلى النبي صلى الله عليه و آله ، وعقد الأيمان لو عوفي
لا يؤذيه .
فلمّا برأ قال : لأنت ساحر حاذق ، فنزل « تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ » .
ص: 231
وكان أبو جهل يطلب غرّته(1) ، فوجده يوما في سجوده ، فرفع صخرة
عظيمة يدفعها عليه ، فأمسكت من يده ، وصار عبرة للناس ، فتضرّع إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فدعا له بفرج ، فزالت(2) .
وتكمّن نضر بن الحرث بن كلدة لقتل النبي صلى الله عليه و آله ، فلمّا سلّ سيفه رؤي خائفا مستجيرا ، فقيل : يا نضر ، هذا خير لك ممّا أردت يوم حنين ممّا حال اللّه بينك وبينه(3) .
* * *
[ قال ] الببياري :
يا قومنا للمصطفى سالموا
لا تنصبوا جهلاً له حربكم
واتلوا من القرآن ما قاله
يا أيّها الناس أعبدوا ربّكم
* * *
و[ قال ] غيره :
يقرّ له بالفضل من لا يؤوده
ويقضي له بالحكم من لا ينجم(4)
ص: 232
ص: 233
ص: 234
سار النبي صلى الله عليه و آله إلى بني شاجعة(1) ، فجعل يعرض عليهم الإسلام ، فأبوا وخرجوا عليه في خمسة آلاف فارس ، فتبعوا النبي صلى الله عليه و آله ، فلمّا لحقوا به عاجلهم بدعوات ، فهبّت عليهم ريح فأهلكتهم عن آخرهم .
ولمّا سار إلى قتال المقفع بن الهميسع النبهاني(2) كان في طريق المسلمين جبل عظيم هائل تتعب فيه المطايا ، وتقف فيه الخيل .
فلمّا وصل المسلمون شكوا أمره إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وما يلقون فيه من التعب والنصب ، فدعا النبي صلى الله عليه و آله بدعوات ، فساخ الجبل في الأرض ، وتقطّع قطعا .
ص: 235
ورمى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ابن قمية بقذافة ، فأصاب كعبه حتى بدر السيف عن يده في يوم أحد ، وقال : خذها منّي وأنا ابن قمية ، فقال النبي صلى الله عليه و آله :
أذلّك اللّه وأقمأك(1) .
فأتى ابن قمية تيس ، وهو نائم ، فوضع قرنه في مراقه(2) ، ثم دعسه ، فجعل ينادي : وا ذلاّه ، حتى أخرج قرنيه من ترقوته(3) .
وكانت الكفار في حرب الأحزاب عشرة آلاف رجل ، وبنو قريظة قائمون بنصرتهم ، والسحابة في أزل شديد(4) ، فرفع يديه وقال : انزل(5) الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب ، فجاءتهم ريح عاصف تقلع خيامهم ، فانهزموا بإذن اللّه - تعالى - وأيدهم بجنود لم يروها(6) .
وأخذ [ النبي صلى الله عليه و آله ] يوم بدر كفّا من التراب ، ويقال : حصى وترابا ،
ص: 236
فرمى به في وجوه القوم ، فتفرّق الحصى في وجوه المشركين ، فلم يصب من ذلك أحدا إلاّ قتل أو أسر ، وفيه نزل « وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ »(1) .
* * *
[ قال ] القيرواني :
أعميت جيشا بكفّ من حصى فجثوا
وعقّلوا عن حراك النفل بالنفل
* * *
[ وقال ] نصر بن المنتصر :
ومن رمى كفّ حصاة في الوغى
فهزم القوم العدى لمّا رمى
* * *
[ وقال ] خطيب منيح :
ومن نثر الحصى في يوم بدر
فصاح بهم فولّوا هاربينا
ومن نصرته إمدادا عليهم
ملائكة السماء مسموّمينا
ابن المهدي المامطيري في مجالسه : إنّ النبي صلى الله عليه و آله كتب إلى كسرى :
من محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى كسرى بن هرمزد ، أمّا بعد : فأسلم تسلم ، وإلاّ فأذن بحرب من اللّه ورسوله ، والسلام على من اتبع الهدى .
ص: 237
فلمّا وصل إليه الكتاب(1) مزّقه واستخفّ ، وقال : من هذا الذي يدعوني إلى دينه ، ويبدأ باسمه قبل اسمي ؟ وبعث إليه بتراب .
فقال صلى الله عليه و آله : مزّق اللّه ملكه كما مزّق كتابي ، أما إنّه ستمزّقون ملكه ، وبعث إليّ بتراب ، أما إنّكم ستملكون أرضه ، فكان كما قال(2) .
الماوردي في أعلام النبوة : إنّ كسرى كتب في الوقت إلى عامله باليمن « باذان(3) » ويكنّى « أبا مهران » أن احمل إلي هذا الذي يذكر أنّه نبي ! وبدأ باسمه قبل اسمي ، ودعاني إلى غير ديني .
فبعث إليه فيروز الديلمي في جماعة مع كتاب يذكر فيه ما كتب به كسرى ، فأتاه فيروز بمن معه ، فقال له : إنّ كسرى أمرني أن أحملك إليه ، فاستنظره ليلة .
فلمّا كان من الغد حضر فيروز مستحثا(4) ، فقال النبي
صلى الله عليه و آله : أخبرني ربّي أنّه قتل ربّك البارحة ، سلّط اللّه عليه ابنه شيرويه على سبع ساعات من الليل ، فامسك حتى يأتيك الخبر .
فراع ذلك فيروز وهاله ، وعاد إلى باذان فأخبره ، فقال له باذان :
ص: 238
كيف وجدت نفسك حين دخلت عليه ؟ فقال : واللّه ما هبت أحدا كهيبة هذا الرجل .
فوصل الخبر بقتله في تلك الليلة من تلك الساعة ، فأسلما .
وظهر العنسي وما افتراه(1) من الكذب ، فأرسل
صلى الله عليه و آله إلى فيروز : اقتله قتله اللّه ، فقلته(2) .
والفرس أخبرها عن قتل صاحبها
پرويز إذ جاءه فيروز في شغل
جابر بن عبد اللّه : لمّا قتل العرنيون راعي النبي صلى الله عليه و آله دعا عليهم ، فقال : اللّهم عمّ عليهم الطريق ، قال : فعمى عليهم حتى أدركوهم وأخذوهم(3) .
روت العامة عن الصادق عليه السلام وعن ابن عباس أنّه لمّا نزل « وَالنَّجْمِ » قال عتبة بن أبي لهب : كفرت بالنجم إذا هوى ، وبالنجم إذا تدلّى(4) .
وفي رواية : أنّه أتاه ، وطلّق ابنته ، وتفل في وجهه ، وقال : كفرت بالنجم ، وربّ النجم ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : اللّهم سلّط عليه كلبا من كلابك .
ص: 239
فخرج في سفر الشام مع قريش ، فلمّا نزلوا تحت دير حذّرهم الديراني من الأسود ، فقال أبو لهب : يا معشر قريش ، أعينوني الليلة ، فإنّي أخاف على ابني دعوة محمد .
فجعلوه في وسطهم ، فأتى أسد معه زئير ، وقال : هذا عتبة بن أبي لهب خرج من مكة مستخفيا زعم أنّه يقتل محمدا ، فافترسه ولم يأكله .
وفي ذلك يقول حسان بن ثابت :
سائل بني الأشعر إذ جئتهم
ما كان أنباء بني واسع
لا وسّع اللّه له قبره
بل ضيّق اللّه على القاطع
رمى رسول اللّه من بينهم
دون قريش رمية القاذع
فاستوجب الدعوة منهم بما
بيّن للناظر والسامع
أن سلّط اللّه به كلبه
يمشي الهوينا مشية الخادع
حتى أتاه وسط أصحابه
وقد علتهم سنة الهاجع
فالتقم الرأس بيافوخه
والنخر منه فغرة الجائع
ثم علا بعد بأنيابه
منعفرا وسط دم ناقع
من يرجع العام إلى أهله
فما أكيل السبع بالراجع
قد كان هذا لكم عبرة
للسيد المتبوع والتابع(1)
* * *
ص: 240
وحكى الحكم بن العاص مشية رسول اللّه صلى الله عليه و آله مستهزءا ، فقال صلى الله عليه و آله : فلتكن ، ولم يزل يرتعش حتى مات(1) .
وخطب صلى الله عليه و آله امرأة ، فقال أبوها : إنّ بها برصا ، إمتناعا من خطبته ، ولم يكن بها برص ، فقال صلى الله عليه و آله : فلتكن كذلك ، فبرصت ، وهي أم شبيب البرصاء(2) الشاعر(3) .
الأغاني : إنّ النبي صلى الله عليه و آله نظر إلى زهير بن أبي سلمى ، وله مائة سنة ، فقال : اللّهم أعذني من شيطانه ، فما لاك بيتا حتى مات(4) .
ونهي النبي صلى الله عليه و آله أن ينقر الرجل لحيته في الصلاة ، فرأى رجلاً ينقر شعره ، فقال : فتح اللّه شعرك ، فصلع مكانه(5) .
ص: 241
سلمة بن الأكوع عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و آله : أنّه رأى رجلاً يأكل بشماله ، فقال : كل بيمينك ، فقال : لا أستطيع ، فقال صلى الله عليه و آله : لا أستطعت ، فما نالت يمينه فاه بعد(1) .
الواقدي : كتب النبي صلى الله عليه و آله إلى بنى حارثة بن عمرو يدعوهم إلى الإسلام ، فأخذوا كتاب النبي صلى الله عليه و آلهفغسلوه ورقعوا به أسفل دلوهم .
فقال النبي صلى الله عليه و آله : ما لهم أذهب اللّه عقولهم ، فقال : فهم أهل رعدة(2) وعجلة وكلام مختبط وسفه(3) .
وخاف النبي صلى الله عليه و آله من قريش ، فدخل بين الأراك ، فنفرت الإبل ، فجاء أبو ثروان إليه وقال : من أنت ؟ قال : رجل استأنس إلى إبلك .قال : أراك صاحب قريش ، قال : أنا محمد رسول اللّه .
ص: 242
قال : قم - واللّه - لا تصلح إبل أنت فيها ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : اللّهم أطل شقاه وبقاه .
قال عبد الملك : إنّي رأيته شيخا كبيرا يتمنّى الموت فلا يموت ، فكان يقول له القوم : هذا بدعوة النبي صلى الله عليه و آله(1) .
ابن عباس ومجاهد في قوله تعالى : « وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً » جاء خباب بن الإرث فقال : يا رسول اللّه ، ادع ربّك أن
يستنصر لنا على مضر ، فقال : إنّكم لتعجلون(2) .
ثم قال بعد كلام له : اللّهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعل عليها سنين كسني يوسف .
وفي خبر : اللّهم سبعا كسني يوسف .
فقطع اللّه عنهم المطر حتى مات الشجر ، وذهب الثمر ، وأجدبت الأرض ، وماتت المواشي ، واشتووا القد ، وأكلوا العلهز(3) .
ص: 243
فعطفوه وعطف ، ورغب إلى اللّه ، فمطروا وامطر أهل المدينة مطرا خافوا الغرق ، وانهدام البنيان ، فشكوا ذلك إليه ، فقال : اللّهم حوالينا ولا علينا ، فأطاف بها حولها مستديرا ، وهي في فجوته كالدارة(1) .
ولمّا كلّم النبي صلى الله عليه و آله في سبي هوازن ردّوا عليهم سبيهم إلاّ رجلين ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : خيّروهما ، أمّا أحدهما قال : إنّي اتركه ، وأمّا الآخر ، فقال : لا اتركه .
فلمّا أدبر الرجل قال النبي صلى الله عليه و آله : اللّهم اخس سهمه .
فكان يمرّ بالجارية البكر والغلام فيدعه ، حتى مرّ بعجوز فقال : إنّي آخذ هذه ، فإنّها أم حيّ ، فيفادونها منّي بما قدروا عليه .
فقال عطية السعدي : عجوز - يا رسول اللّه - سبيّة بتراء ما لها أحد ، فلمّا رأى أنّه لا يعرفها أحد تركها(2) .
ص: 244
واسأل بني الحسحاس تخبر أنّه
كاد الوصي برشق سهم مقصد
فدعا عليه المصطفى في قومه
بدعاء محمود الدعاء مؤيد
فتعطّلت يمنى يديه عقوبة
وأتى عشيرته بوجه أسود
يعني دعا النبي صلى الله عليه و آله عليه ، وهو كان عزم على الرمي غيلة(1) لعلي بنأبي طالب .
* * *
ص: 246
[ قال ] العباس بن مرداس(1) :
يا خاتم النبأ إنّك مرسل
بالحقّ كلّ هدى السبيل هداكا
إنّ الإله بنى عليك محبّة
في خلقه ومحمدا سمّاكا(2)
* * *
ص: 247
وأمّا من دعا له صلى الله عليه و آله ، فمثل :
ما روى مرّة بن جعيل الأشجعي قال : غزوت مع النبي صلى الله عليه و آله في بعض غزواته ، فقال لي : سر يا صاحب الفرس ، فقلت : يا رسول اللّه ! هي عجفاء ضعيفة ، قال : فضربها بشيء في يده وقال : اللّهم بارك له فيها .
فواللّه لقد رأيتني أمسك رأسها أن تقدم على الناس ، ولقد بعت من بطنها(1) بإثني عشر ألفا(2) .
وفي حديث جابر : إنّ امرأة من المسلمين قالت : أريد ما تريد المسلمة .
فقال النبي صلى الله عليه و آله : عليّ بزوجها .
ص: 248
فجيء به ، فقال له في ذلك ، ثم قال لها : أتبغضينه ؟ قالت : نعم ، والذي أكرمك بالحقّ ، فقال : أدنيا رؤوسكما .
فأدنيا ، فوضع جبهتها على وجهه ، ثم قال : اللّهم ألّف بينهما ، وحبّب أحدهما إلى صاحبه .
ثم رآها النبي صلى الله عليه و آله تحمل الأدم(1) على رقبتها وعرفته ، فرمت الأدم ، ثم قبّلت رجليه ، فقال صلى الله عليه و آله : كيف أنت وزوجك ؟ فقالت : والذي أكرمك بالحقّ ما في الزمان أحد(2) أحبّ إليّ منه(3) .
وكان عند خديجة عليهاالسلام امرأة عمياء ، فقال صلى الله عليه و آله : لتكونن عيناك صحيحتين ، فصحتا .
فقالت خديجة عليهاالسلام : هذا دعاء مبارك ، فقال « وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً » .
ودعا صلى الله عليه و آله لقيصر ، فقال : ثبّت اللّه ملكه كما كان ، ودعا على كسرى : مزّق اللّه ملكه ، فكان كما قال(4) .
ص: 249
سلمان : إنّه مرض أبو طالب عليه السلام ، فعاده الرسول صلى الله عليه و آله ، فقال : سل ربّك أن يعافيني ، فقال : اللّهم اشف عمّي .
فقام أبو طالب عليه السلام كأنهّ أُنشط من عقال(1) .
واستسقى صلى الله عليه و آله عمرو بن أخطب ، فأتاه بجمجمة(2) فيها ماء ، وفيها شعرة ، فأخذها(3) ، وقال : جمّلك اللّه .
فرأي بعد ثلاث وتسعين سنة أسود الرأس والجسد(4) .
جعفر بن نسطور الرومي : كنت مع النبي صلى الله عليه و آله في غزوة تبوك ، فسقط من يده السوط ، فنزلت عن جوادي ، فرفعته ودفعته إليه ، فنظر إليّ وقال : يا جعفر ، مدّ اللّه في عمرك مدّا ، فعاش ثلاثمائة وعشرين سنة(5) .
ص: 250
وقوله صلى الله عليه و آله للنابغة ، وقد مدحه : لا يفضض اللّه فاك ، فعاش مائة وثلاثين سنة كلّما سقطت له سنّ نبتت له أخرى أحسن منها(1) .
ذكره المرتضى في الغرر .
وعن ميمونة : أنّ عمرو بن الحمق سقى النبي صلى الله عليه و آله لبنا ، فقال : اللّهم أمتعة بشبابه ، فمرّت عليه ثمانون سنة لم ير شعرة بيضاء(2) .
ومرّ النبي صلى الله عليه و آله بعبد اللّه بن جعفر ، وهو يصنع شيئا من طين من لعب الصبيان ، فقال : ما تصنع بهذا ؟ قال : أبيعه ، قال : وما تصنع بثمنه ؟ قال : أشتري رطبا فآكله ، فقال له النبي صلى الله عليه و آله : اللّهم بارك له في صفقة يمينه .
فكان يقال ما اشترى شيئا قطّ إلاّ ربح فيه ، فصار أمره إلى أن يمثّل به ، فقالوا : عبد اللّه بن جعفر الجواد ، وكان أهل المدينة يتداينون(3) بعضهم من بعض إلى أن يأتي عطاء عبد اللّه بن جعفر(4) .
ص: 251
أبوهريرة: أتيت النبي صلى الله عليه و آله بتميرات ، فقلت : ادع لي بالبركة فيهنّ ، فدعا ، ثم قال : اجعلهن في المزود(1) ، قال : فلقد حملت منها كذا وكذا وسقا(2) .
وقوله صلى الله عليه و آله في ابن عباس : اللّهم فقهه في الدين(3) . . الخبر ، فخرج بحرا في العلم !! وحبرا للأمّة !!
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : بعثني رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى اليمن ، فقلت : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله تبعثني وأنا حدث السنّ ، ولا علم لي بالقضاء !!!!! قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : فانطلق ، فإنّ اللّه سيهدي قلبك ، ويثبّت لسانك .
قال علي عليه السلام : فما شككت في قضاء بين إثنين(4) .
ص: 252
في نزهة الأبصار : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لسعد : اللّهم سدّد رميته ، وأجب دعوته(1) !! وذلك أنّه كان يرمي ، فيقال : إنّه تخلّف يوم القادسية عن الوقعة لفترة عرضت له ، فقال فيه الشاعر :
ألم تر أنّ اللّه أظهر دينه
وسعد بباب القادسية معصم
رجعنا وقد آمت نساء كثيرة
ونسوة سعد ليس فيهن أيّم(2)
فبلغ ذلك سعدا ، فقال : اللّهم أخرس لسانه ، فشهد حربا ، فأصابته رمية ، فخرس من ذلك لسانه(3) .
ورأي سعد رجلاً بالمدينة راكبا على بعير يشتم عليا عليه السلام ، فقال : اللّهم إن كان هذا الشيخ وليّا من أوليائك(4) ، فأرنا قدرتك فيه ، فنفر به بعير فألقاه ، فاندقت رقبته(5) .
وسمع النبي صلى الله عليه و آله في مسيره إلى خيبر سوق عامر بن الأكوع بقوله :
ص: 253
لاهمّ لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فقال صلى الله عليه و آله : يرحمة اللّه ، قال رجل : وجبت يا رسول اللّه ، لولا أمتعتنا به ، وذلك أنّ النبي صلى الله عليه و آله ما استغفر قطّ لرجل يخصّه إلاّ استشهد(1) .
وكان الناس يحفرون الخندق وينشدون سوى سلمان ، فقال النبي
صلى الله عليه و آله : اللّهم أطلق لسان سلمان ، ولو على بيتين من الشعر .
فأنشأ سلمان :
ما لي لسان فأقول شعرا
أسأل ربّي قوّة ونصرا
على عدوّي وعدوّ الطهرا
محمد المختار حاز الفخرا
حتى أتاك في الجنان قصرا
مع كلّ حوراء تحاكي البدرا
فضجّ المسلمون ، وجعل كلّ قبيلة تقول : سلمان منّا .
فقال النبي صلى الله عليه و آله : سلمان منّا أهل البيت(2) .
ص: 254
[ قال ] أمير المؤمنين عليه السلام :
ألم تر أنّ اللّه أبلى رسوله
بلاء عزيز ذي اقتدار وذي فضل
وقد أنزل الكفار دار مذلّة
فلاقوا هوانا من أسار ومن قتل
فأمسى رسول اللّه قد عزّ نصره
وكان أمين اللّه أرسل بالعدل
فجاء بفرقان من اللّه منزل
مبينة آياته لذوي العقل
فآمن أقوام بذاك فأيقنوا
فامسوا بحمد اللّه مجتمعي الشمل
وأنكر أقوام فزاغت قلوبهم
فزادهم ذو العرش خبلاً على خبل
وحكّم فيهم يوم بدر رسوله
وقوما كماة فعلهم أحسن الفعل(1)
* * *
ص: 255
ص: 256
ص: 257
ص: 258
إذا أسلم السعدان يصبح بمكة(1)
محمد لا يخشى خلاف المخالف
فلمّا أصبحوا قال أبو سفيان : من السعدان ؟ [ قيل ] : سعد بكر وسعد تميم .
ثم سمع في الليلة الثانية :
أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا
ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إلى داع الهدى وتمنّيا
على اللّه في الفردوس خير زخارف
فلمّا أصبحوا قال أبو سفيان : هو سعد بن معاذ وسعد بن عبادة(2) .
قال تميم الداري : أدركني الليل في بعض طرقات الشام ، فلمّا أخذت مضجعي قلت : أنا الليلة في جوار هذا الوادي ، فإذا مناد يقول : عذ باللّه ، فإنّ الجنّ لا تجير أحدا على اللّه ، قد بعث نبي الأميين رسول اللّه
صلى الله عليه و آله ، وقد صلّينا خلفه بالحجون ، وذهب كيد الشياطين ، ورميت بالشهب ، فانطلق إلى محمد صلى الله عليه و آله رسول ربّ العالمين .
ص: 260
سعد بن جبير قال : قال سواد بن قارب : نمت على جبل من جبال السراة ، فأتاني آت ، وضربني برجله وقال :
قم يا سواد بن قارب
أتاك رسول من لوي بن غالب
فلمّا استويت أدبر ، وهو يقول :
عجبت للجنّ وأرجاسها
ورحلها العيس بأحلاسها(1)
تهوي إلى مكة تبغي الهدى
ما صالحوها مثل أنجاسها
فعدت فنمت ، فضربني برجله ، فقال مثل الأول ، فأدبر قائلاً :
عجبت للجنّ وتطلابها
ورحلها العيس بأقتابها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى
ما صادقوها مثل كذابها(2)
فعدت فنمت ، فضربني برجله ، فقال مثل الأول ، فلمّا استويت أدبر وهو يقول :
عجبت للجنّ وأشرارها
ورحلها العيس بأكوارها(3)
تهوي إلى مكة تبغي الهدى
ما مؤمنوها مثل كفارها
قال : فركبت ناقتي ، وأتيت مكة عند النبي
صلى الله عليه و آله ، وأنشدته :
أتاني جنّ قبل هدء ورقدة
ولم يك فيما قد أتانا بكاذب
ص: 261
ثلاث ليال قوله كلّ ليلة
أتاك رسول من لوي بن غالب
فأشهد أنّ اللّه لا ربّ غيره
وأنّك مأمون على كلّ غائب(1)
وكان لبني عذرة صنم يقال له « حمام » فلمّا بعث النبي صلى الله عليه و آله سمع من جوفه يقول :
يا بني هند بن حزام
ظهر الحقّ وأودى حمام
ودفع الشرك الإسلام
ثم نادى بعد أيام لطارق يقول : يا طارق يا طارق ، بعث النبي الصادق ، جاء بوحي ناطق ، صدع صادع بتهامة ، لناصريه السلامة ، ولخاذليه الندامة ، هذا الوداع منّي ، إلى يوم القيامة ، ثم وقع الصنم لوجهه فتكسّر .
قال زيد بن ربيعة : فأتيت النبي صلى الله عليه و آله فأخبرته بذلك ، فقال : كلام الجنّ
المؤمنين ، فدعانا إلى الإسلام(2) .
وسمع صوت الجنّ بمكة ليلة خرج النبي صلى الله عليه و آله :
جزى اللّه ربّ الناس خير جزائه
رسولاً أتى في خيمتي أم معبد
فيا لقصيّ ما زوى اللّه عنكم
به من فعال لا يجازى بسؤدد
ص: 262
فأجابه حسان بقوله :
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم
وقد سرّ من يسري إليه ويقتدي
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله
ويتلو كتاب اللّه في كلّ مشهد
وإن قال في يوم مقالة غائب
فتصديقها في ضحوة العيد أو غد(1)
وهتف من جبال مكة يوم بدر :
أذلّ الحنيفيون بدرا بوقعة
سينقض منها ملك كسرى وقيصرا
أصاب رجالاً من لوي وجرّدت
حرائر يضربن الجرائد حسّرا
ألا ويح من أمسى عدو محمد
لقد ذاق خزيا في الحياة وخسرا
وأصبح في هامي العجاجة معفرا
تناوله الطير الجياع وتنقرا
فعلموا الواقعة وظهر الخبر من الغد(2) .
ص: 263
ودخل العباس بن مرداس السلمي على وثن يقال له « الضمير » ، فكنس ما حوله ومسحه وقبّله ، فإذا بصائح يصيح : يا عباس بن مرداس .
قل للقبائل من سليم كلّها
هلك « الضمير » وفاز أهل المسجد
هلك الضمير وكان يعبد مرّة
قبل الكتاب إلى النبي محمد
إنّ الذي جا بالنبوة(1) والهدى
بعد ابن مريم من قريش مهتد
فخرج ثلاثمائة راكب من قومه إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فلمّا رآه النبي صلى الله عليه و آلهتبسّم ،
ثم قال : يا عباس بن مرداس ، كيف كان إسلامك ؟ فقصّ عليه القصّة ، فقال : صدقت ، وسرّ بذلك(2) .
وفي حديث سيار الغساني لمّا قال له عمر : أكاهن أنت ؟ فقال : قد هدى اللّه بالإسلام كلّ جاهل ، ودفع بالحقّ كلّ باطل ، وأقام بالقرآن كلّمائل . . القصّة ، فأخذت ظبية بذي العسف ، فإذا بهاتف :
ص: 264
يا أيّها الراكب السراع الأربعه
خلّوا سبيل الظبية المروعه
فخلّيتها ، فلمّا جنّ الليل ، فإذا أنا بهاتف يقول :
خذها ولا تعجل وخذها عن ثقه
فإنّ شرّ السير سير الحقحقه(1)
هذا نبي فائز من حققه(2)
وقال عمرو بن جبلة الكلبي : عترنا عتيرة ل-« عمرة » - اسم صنم - ، فسمعنا من جوفه يخاطب(3) سادنه : [ يا ] عصام ، يا عصام ، جاء الإسلام ، وذهبت الأصنام ، وحقنت الدماء ، ووصلت الأرحام ، ففزعت من ذلك(4) .
ثم عترنا أخرى ، فسمعناه يقول لرجل اسمه بكر : يا بكر بن جبل ، جاء النبي المرسل ، يصدّقه المطعمون في المحل ، أرباب يثرب ذات(5) النخل ، ويكذبه أهل نجد وتهامة ، وأهل فلح واليمامة .
فأتيا إلى النبي صلى الله عليه و آله وأسلما ، وأنشد عمرو :أجبت رسول اللّه إذ جاء بالهدى
فأصبحت بعد الجحد(6) للّه أوحدا
ص: 265
تكلّم شيطان من جوف هبل بهذه الأبيات :
قاتل اللّه رهط كعب بن فهر
ما أضلّ العقول والأحلاما
جاءنا تايه يعيب علينا
دين آباءنا الحماة الكراما
فسجدوا كلّهم ، وتنقّصوا النبي صلى الله عليه و آله ، وقال : هلمّوا غدا نسمع أيضا ، فحزن النبي صلى الله عليه و آله من ذلك ، فأتاه جنّي مؤمن وقال : يا رسول اللّه ، أنا قتلت مسعرا الشيطان المتكلّم في الأوثان ، فأحضر المجمع لأجيبه .
فلمّا اجتمعوا ودخل النبي صلى الله عليه و آله خرّت الأصنام على وجوهها ، فنصبوها ، وقالوا : تكلّم ، فقال :
أنا الذي سمّاني المطهرا
أنا قتلت ذا الفجور مسعرا
إذا طغى لمّا طغى واستكبرا
وأنكر الحقّ ورام المنكرا
بشتمه نبيّنا المطهّرا
قد أنزل اللّه عليه السورا
من بعد موسى فاتبعنا الأثرا
فقالوا : إنّ محمدا يخادع اللاّت كما خادعنا(1) .
تاريخ الطبري : إنّه روى الزهري في حديث جبير بن مطعم عن أبيه قال : كنّا جلوسا قبل أن يبعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله بشهر ونحرنا جزورا ،
ص: 266
فإذا صائح يصيح في جوف الصنم : اسمعوا العجب ، ذهب استراق الوحي ويرمى بالشهب ، لنبي بمكة اسمه « محمد صلى الله عليه و آله » مهاجرته إلى يثرب(1) .
الطبري في حديث ابن إسحاق والزهري عن عبد اللّه بن كعب مولى عثمان أنّه قال عمر : لقد كنّا في الجاهلية نعبد الأصنام ، ونعتنق الأوثان ، حتى أكرمنا اللّه بالإسلام ، فقال الأعرابي : لقد كنت كاهنا في الجاهلية ، قال : فأخبرنا ما أعجب ما جاءك به صاحبك ؟ قال : جاءني قبل الإسلام ، جاء فقال : ألم تر إلى الجن وأبالسها وإياسها من دينها ولحاقها(2) بالقلاص وأحلاسها .
فقال عمر : إنّي - واللّه - لعند وثن من أوثان الجاهلية في معشر من قريش قد ذبح له رجل من العرب عجلاً ، فنحن ننظر قسمه ليقسم لنا منه ، إذ سمعت من جوف العجل صوتا ما سمعت صوتا قطّ أنفذ منه ، وذلك قبل الإسلام بشهر أو سنة يقول : يا آل ذريح ، أمر نجيح ، رجلفصيح يقول : لا إله إلاّ اللّه (3) .
ومنه حديث الخثعمي وحديث سعد بن عمرو الهذلي .
ص: 267
ص: 268
ص: 269
ص: 270
أمير المؤمنين عليه السلام : كنت أخرج مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أسفل مكة وأشجارها ، فلا يمرّ بحجر ولا شجر إلاّ قالت : السلام عليك يا رسول اللّه ، وأنا أسمع(1) .
علقمة وابن مسعود : كنّا نجلس مع النبي صلى الله عليه و آله ، ونسمع الطعام يسبّح ، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله يأكل(2) .
وأتاه مكرز العامري وسأله آية ، فدعا بتسع حصيات ، فسبّحن في يده .
ص: 271
وفي حديث [ أبي ] : فوضعهن على الأرض ، فلم يسبّحن وسكتن ، ثم عاد وأخذها من فسبّحن(1) .
ابن عباس قال : قدم ملوك حضر موت على النبي صلى الله عليه و آله ، فقالوا : كيف نعلم أنّك رسول اللّه ؟!
فأخذ كفّا من حصى ، فقال : هذا يشهد أنّي رسول ، فسبّح الحصا في يده ، وشهد أنّه رسول اللّه (2) .
النبي صلى الله عليه و آله قال : إنّي لأعرف حجرا بمكة ما مررت عليه إلاّ سلّم عليّ(3) .
أبو هريرة ، وجابر الأنصاري ، وابن عباس ، وأبي بن كعب ، وزين العابدين عليه السلام : إنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يخطب بالمدينة إلى بعض الأجذاع ، فلمّا كثر الناس ، واتخذوا له منبرا ، وتحوّل إليه حنّ كما تحنّ الناقة .
فلمّا جاء(4) إليه والتزمه كان يئن أنين الصبي الذي يسكّت(5) .
ص: 272
وفي رواية : فاحتضنه رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : لو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة(1) .
وفي رواية : فدعاه النبي
صلى الله عليه و آله ، فأقبل يخدّ الأرض والتزمه ، وقال : عد إلى مكانك ، فمرّ كأحد(2) الخيل(3) .
وفي مسند "الأنصار عن" أحمد قال أبي بن كعب : قال النبي صلى الله عليه و آله : أسكن أسكن ، إن تشأ غرستك في الجنة فيأكل منك الصالحون ، وإن تشأ أعيدك كما كنت رطبا ، فاختار الآخرة على الدنيا(4).
وفي سنن ابن ماجة : إنّه لمّا هدم المسجد أخذ أبي بن كعب الجذع الحنّانة ، وكان عنده في بيته حتى بلى ، فأكلته الأرضة وعاد رفاتا(5)!!
* * *
قال خطيب منيح :
ومن أضحى عليه الجذع لمّا
تولّى منه مكتئبا حزينا
وحنّ إليه من كلف وشوق
فأظهر معلنا منه الحنينا(6)* * *
ص: 273
[ وقال ] غيره :
والجذع حنّ لئن فارقته أسفا
حنين ثكلى شجتها لوعة الثكل
ماصبر من صار من عين على أثر
وحال من حال عن حال إلى عطل
أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ اليهود اجتمعت عند امرأة يقال لها « عبدة » على أن تسمّه في هذه الشاة ، فشوتها ، ثم اجتمعت الرؤوساء في بيتها ، فأتت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقالت : يا محمد ! قد علمت ما توجب لي من حقّ الجوار ، وقد حضرني رؤوساء اليهود ، فزينّي بأصحابك ، فقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ،
ومعه علي عليه السلاموأبو دجانة وأبو أيوب وسهل بن حنيف .
وفي خبر : وسلمان ، والمقداد ، وعمار ، وصهيب ، وأبو ذر ، وبلال ، والبراء بن معرور .
فلمّا دخلوا ، وأخرجت الشاة سدّوا آنافهم بالصوف ، وقاموا على أرجلهم ، وتوكؤا على عصيّهم ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : اقعدوا ، فقالوا : إنّا إذا زارنا نبي لا نقعد ، وكرهنا أن تصل إليه أنفاسنا .
فلمّا وضعت الشاة بين يديه تكلّم كتفها ، فقالت : مه يا محمد ، لا تأكل منّي ، فإنّي مسمومة .فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله « عبدة » ، فقال لها : ما حملك على ما صنعت ؟
قالت : قلت : إن كان نبيا لا يضرّه ، وإن كان كذابا أرحت قومي منه .
فهبط جبرئيل عليه السلام ، فقال : السلام يقرئك السلام ويقول : قل بسم اللّه
ص: 274
الذي يسمّيه به كلّ مؤمن ، وبه عزّ مؤمن ، وبنوره الذي أضاءت به السماوات والأرض ، وبقدرته التي خضع لها كلّ جبار عنيد ، وانتكس كلّ شيطان مريد ، من شرّ السمّ والسحر واللمم ، بسم العلي الملك الفرد الذي لا إله إلاّ هو « وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إِلاّ خَساراً » .
فقال النبي صلى الله عليه و آله ذلك ، وأمر أصحابه ، فتكلّموا به ، ثم قال : كلوا ، ثم أمرهم أن يحتجموا(1) .
وفي خبر : إنّ البراء بن معرور أخذ منه لقمة أول القوم فوضعها في فيه ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : لا نتقدّم(2) رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، في كلام له . . جاءت به هذه - وكانت يهودية - ولسنا نعرف حالها ، فإن أكلته بأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فهو الضامن لسلامتك منه ، وإذا أكلته بغير إذنه وكلك إلى نفسك ، فنطق الذراع ، وسقط البراء ومات(3) .
وروي أنّها كانت زينب بنت الحرث زوجة سلام بن مسلم ، والآكلكان بشر بن البراء بن معرور ، وأنّه دخلت أمّه على النبي صلى الله عليه و آله عند وفاته ، فقال : يا أم بشر ، ما زالت أكلة خيبر التي أكلت مع ابنك تعاودني ، فهذا أوان قطعت أبهري ، ولذلك يقال : إنّ النبي صلى الله عليه و آله مات شهيدا(4) .
ص: 275
وعن عروة بن الزبير : إنّ النبي صلى الله عليه و آله بقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي مات فيه .
وفي رواية : أربع سنين ، وهو الصحيح .
* * *
[ قال ] نصر بن المنتصر :
ومن يناديه الذراع أنّني
مسمومة قد سمّنى القوم العدى
* * *
[ وقال ] ابن حماد :
وأبصر الناس منه كلّ معجزة
ومعجب بين مراء ومستمع
مثل الذراع التي سمّت ليأكلها
فكلّمته وكلّ للكلام يعي
* * *
وله [ أيضا ] :
وكلّمته الذراع إذ سمّ فيها
يا رسول الإله دع عنك أكلي
تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام في قوله تعالى « ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ » قالت اليهود : زعمت أنّ الأحجار ألين من قلوبنا وأطوع للّه منّا ، فاستشهد هذه الجبال على تصديقك .
ص: 276
فأمر صلى الله عليه و آله فتحرك الجبل وتزلزل ، وفاض منه الماء ، ونادى : أشهد أنّك رسول ربّ العالمين وسيد الخلق أجمعين .
ثم أمره أن ينقطع نصفين ، وترتفع السفلى وتنخفض العليا ، وتباعد صلى الله عليه و آله إلى فضاء واسع ، ثم نادى : أيّها الجبل بحقّ محمد وآله الطيبين ، في كلام له ، فتزلزل الجبل وسار كالقارح الهملاج(1) حتى وقف بين يديه ، فقالوا : رجل مبخوت .
وفيه : إنّه رمت قريش بالأحجار على محمد وعلي - عليهما السلام - فرأوا كلّ حجر منها يسلّم عليهما ، فوجموا ، فقال عشرة من مردتهم : ما هذه الأحجار تكلّمهما ، ولكنّهم رجال في حفرة بحضرة الأحجار قدخبأهم محمد صلى الله عليه و آله تحت الأرض ، فتحلّق عشرة أحجار ، ورضت رؤوس المتكلّمين بهذا الكلام .
فجاء عشائرهم يبكون ويضجون ويقولون : قتل محمد صلى الله عليه و آله أصحابنا بسحره ، فأنطق اللّه جنائزهم : صدق محمد صلى الله عليه و آله وكذبتم ، واضطربت
ص: 277
الجنائز ، وأسقطت من عليها ونادت : ما كنّا لنحمل أعداء اللّه ، فقال أبو جهل : إنّ ذلك سحر عظيم .
ثم دعيا اللّه - تعالى - فنشروا ثم نادى المحيّون : إنّ لمحمد وعلي عليهماالسلامشأن عظيم في الممالك التي كنّا فيها(1) .
وفيه : في تفسير قوله تعالى « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ » ، أنّه قال مالك بن الصيف : أريد أن يشهد بساطي بنبوتك ، وقال أبو لبابة بن عبد المنذر : أريد أن يشهد سوطي بها ، وقال كعب بن الأشرف : أريد أن يؤمن بك هذا الحمار .
فأنطق اللّه البساط فقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّك - يا محمد - عبده ورسوله ، وأشهد أنّ علي بن أبي طالب وصيك .
فقالوا : ما هذا إلاّ سحر مبين ، فارتفع البساط ، ونكس مالكا وأصحابه .
ثم نطق سوط أبي لبابة بالنبوة والإمامة ، ثم انجذب من يده ، وجذب أبالبابة فخرّ لوجهه ، ثم قال : لا أزال أجذبك حتى أثخنك ، ثم أقتلك أو تسلم ، فأسلم أبو لبابة .
وجاء كعب يركب حماره ، فشبّ به الحمار ، وصرعه على رأسه ، ثم قال : بئس العبد أنت ، شاهدت آيات اللّه وكفرت بها .
ص: 278
فقال النبي صلى الله عليه و آله : حمارك خير منك ، قد أبى أن تركبه ، فلن تركبه(1) أبدا ، فاشتراه منه ثابت بن قيس(2) .
وفيه : إنّه أتاه الحارث بن كلدة الثقفي ، وسأل معجزة وقال : فادع لي تلك الشجرة ، فدعاها النبي صلى الله عليه و آله ، فجعلت تخدّ في الأرض أخدودا عظيما
كالنهر ، حتى وقفت بين يديه ، ونادت : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أنّك - يا محمد - عبده ورسوله ، وأشهد أنّ عليا ابن عمّك ، هو أخوك في دينك ، فأسلم الحارث(3) .
ص: 279
إنّه كان النبي صلى الله عليه و آله يبني مسجدا في المدينة ، فدعا شجرة من مكة ، فخدّت الأرض حتى وقفت بين يديه ، ونطقت بالشهادة على نبوته ، صلوات اللّه وسلامه عليه .
* * *
ومن دعا الدوحة(1) إذ قال لها
ألا أقبلي فأقبلت لمّا(2) دعا
* * *
[ وقال ] عبد اللّه بن رواحة(3) :
لو لم تكن فيك آيات مبينة
كانت بديهته(4) تنبئك بالخبر
* * *
ص: 280
[ وقال ] قطن بن حارثة العليمي(1) :
رأيتك يا خير البرية كلّها
ثبت(2) نضارا في الأُرمة من كعب
أغرّ كأنّ البدر غرّة وجهه
إذا ما بدا للناس في حلل العصب
أقمت سبيل الحقّ بعد اعوجاجها
ورشت(3) اليتامى في السغابة والجدب(4)
ص: 281
ص: 282
ص: 283
ص: 284
أبو هريرة وعائشة : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه و آله ، وفي يده ضبّ ، فقال : يا محمد ! لا أسلم حتى تسلم هذه الحيّة .
فقال النبي صلى الله عليه و آله : من ربّك ؟ فقال : الذي في السماء ملكه ، وفي الأرض
سلطانه ، وفي البحر عجائبه ، وفي البرّ بدائعه ، وفي الأرحام علمه .
ثم قال : يا ضبّ من أنا ؟ قال : أنت رسول ربّ العالمين ، وزين الخلق يوم القيامة أجمعين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، قد أفلح من آمن بك وأسعد .
فقال الأعرابي : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثم ضحك وقال : دخلت عليك وكنت أبغض الخلق إليّ ، وأخرج
وأنت أحبّهم إليّ .
فلمّا بلغ الأعرابي منزله اسجتمع أصحابه(1) ، وأخبرهم بما رأى ، فقصدوا نحو النبي صلى الله عليه و آله بأجمعهم ، فاستقبلهم النبي
صلى الله عليه و آله .
فأنشأ الأعرابي :
ألا يا رسول اللّه إنّك صادق
فبوركت مهديّا وبوركت هاديا
ص: 285
شرعت لنا دين الحنيفي بعدما
عبدنا كأمثال الحمير الطواغيا
فيا خير مدعو ويا خير مرسل
إلى الإنس ثم الجنّ لبيك داعيا
أتيت ببرهان من اللّه واضح
فأصبحت فينا صادق القول راضيا
فبوركت في الأقوام حيّا وميتا
وبوركت مولودا وبوركت ناشيا(1)
وروي إنّ اسم الأعرابي سعد بن معاذ السلمي ، فسرّ النبي صلى الله عليه و آله بإسلامهم ، وأمر الأعرابي عليهم(2) .
زيد بن الأرقم ، وأنس ، وأم سلمة ، والصادق عليه السلام : إنّه مرّ بظبية مربوطة بطنب خيمة يهودي ، فقالت : يا رسول اللّه ، إنّي أم خشفين(3) عطشانين ، وهذا ضرعي قد امتلأ لبنا ، فخلّني حتى أرضعهما ، ثم أعود
ص: 286
فتربطني ، فقال : أخاف ألا تعودي ، قالت : جعل اللّه عليّ عذاب العشارين إن لم أعد ، فخلّى سبيلها .
فخرجت وحكت لخشفيها ما جرى ، فقالا : لا نشرب الّلبن وضامنك رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أذى منك .
فخرجت مع خشفيها إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأثنت عليه ، وجعلا يمسحان
رؤوسهما برسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فبكى اليهودي وأسلم وقال : قد أطلقتها ، واتخذ هناك مسجدا .
فخنق رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أعناقها بسلسلة ، وقال : حرّمت لحومكم على
الصيادين ، ثم قال : لو أنّ البهائم يعلمون من الموت [ ما تعلمون أنتم ما أكلتم منها سمينا (1)] ، الخبر .
وفي رواية زيد : فأنا - واللّه - رأيتها تسبح في البرية ، وهي تقول : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه .
وروي : أنّ الرجل اسمه : أهيب بن سماع(2) .
جابر الأنصاري وعبادة بن الصامت قالا : كان في حائط بني النجار جمل قطم(3) لا يدخل الحائط أحد إلاّ شدّ عليه ، فدخل النبي صلى الله عليه و آله الحائط
ص: 287
ودعاه ، فجاءه ووضع مشفره على الأرض ، ونزل بين يديه ، فخطمه ، ودفعه إلى أصحابه .
فقيل : البهائم يعرفون نبوتك ؟ فقال : ما من شيء إلاّ وهو عارف بنبوتي سوى أبي جهل وقريش ، فقالوا : نحن أحرى بالجسود لك من البهائم ، قال : إنّي أموت ، فاسجدوا للحيّ الذي لا يموت(1) .
وجاء جمل آخر يحرّك شفتيه ، ثم أصغى إلى الجمل وضحك ، ثم قال : هذا يشكو قلّة العلف وثقل الحمل ، يا جابر ، اذهب معه إلى صاحبه فأتني به ، قلت : واللّه ، ما أعرف صاحبه ، قال : هو يدلّك .
قال : فخرجت معه إلى بعض بني حنظلة ، وأتيت به إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : بعيرك هذا يخبرني بكذا وكذا ، قال : إنّما كان ذلك لعصيانه ، ففعلنا به ذلك ليلين .
فواجهه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : انطلق مع أهلك ، فكان يتقدّمهم متذلّلاً ، فقالوا : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أعتقناه لحرمتك ، فكان يدور في الأسواق ، والناس يقولون : هذا عتيق رسول اللّه صلى الله عليه و آله(2) .
ص: 288
[ قال ] نصر بن المنتصر :
ومن شكا البعير ظلم أهله
له إليه ثقل حمل وخوى
* * *
[ وقال ] ابن حماد :
ودعاه البعير أن يا رسول اللّه
أشكو إليك جفوة أهلي
وفي خبر : بينما هو جالس إذا هو بجمل قد أقبل له رغاء ، فقال صلى الله عليه و آله : أتدرون ما يقول ؟ يقول : إنّي لآل فلان - الحي من الخزرج - استعملوني وكدّوني حتى كبرت وضعفت ، فلمّا لم يجدوا فيّ حيلة يريدون نحري ، وأنا مستغيث بك منه .
فأوقفه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إذ جاء أصحابه يطلبونه ، فحكى النبي صلى الله عليه و آله ، فقالوا : فشأنك به يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : فسرّحوه يرتع حيث شاء .
قال : فسرّحوه ، فتباعد الجمل قليلاً ، ثم خرّ لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ساجدا ، فقالت الصحابة : هذه بهيمة سجدت لك ، فنحن أحقّ بالسجود منه ، فقال صلى الله عليه و آله : لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد ، ولو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، لعظم حقّه عليها(1) .* * *
ص: 289
[ قال ] خطيب منبج :
ومن قدم البعير إليه يشكو
فآمنه شفار الجازرينا
* * *
[ وقال ] ابن حماد :
وكالبعير الذي وافاه مشتكيا
والذئب والضبّ واليربوع والسبع
أمير المؤمنين عليه السلام : ولقد كنّا معه صلى الله عليه و آله ، فإذا نحن بأعرابي قد أتى بأعرابي ، وقال : إنّه سرق ناقتي ، وهو يسوقها ، وقد استسلم للقطع لما زوّر عليه الشهود ، فقالت الناقة : يا رسول اللّه ، إنّ فلانا منّي بريء ، وإنّ الشهود شهدوا بالزور ، وإنّ سارقي فلان اليهودي(1) .
عروة بن الزبير : إنّه لمّا فتح خيبر كان في سهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله أربعة أزواج ثقالاً ، وأربعة أزواج خفافا ، وعشرة أواقي ذهبا وفضة ، وحمارأقمر(2) ، فلمّا ركبه رسول اللّه صلى الله عليه و آله نطق وقال : يا رسول اللّه ، أنا « عفير »
ص: 290
ملكني ملك اليهود ، وكنت عضوضا جموحا غير طائع ، فقال له : هل لك من أبّ ؟ قال : لا ، لأنّه كان منّا سبعون مركبا للأنبياء ، والآن نسلنا منقطع لم يبق غيري ، ولم يبق غيرك من الأنبياء ، وبشّرنا بذلك زكريا عليه السلام .
فكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يبعثه إلى باب الرجل ، فيأتي الباب فيقرعه برأسه ، فإذا خرج إليه صاحب الدار أومى ء إليه أن أجب رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فلمّا قبض النبي صلى الله عليه و آله أتلف نفسه في بئر لأبي هيثم بن التيهان ، فصار قبره(1) .
وروى أبو جعفر نحوا منه في علل الشرائع(2) .
عبد الرحمن العنبري : خطب النبي صلى الله عليه و آله يوم عرفة ، وحثّ على الصدقة ، فقال رجل : يا رسول اللّه ، إنّ إبلي هذه للفقراء ، فنظر النبي صلى الله عليه و آلهإليها ، فقال : اشتروها لي ، فاشتريت .
فأتت ليلة إلى حجرة النبي صلى الله عليه و آله ، وسلّمت ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : بارك اللّه فيك ، قالت : كنت حاميا ، فاستعرت من صاحبي فشردت منهم ، وكنتأرعى ، فكان النبات يدعوني ، والسباع تصيح عليّ إنّه لمحمد صلى الله عليه و آله ، فسألها النبي صلى الله عليه و آله عن اسم مولاها ، فقالت : عضبا ، فسمّاها « عضباء » .
ص: 291
قال عمر بن الخطاب : فلمّا حضر النبي صلى الله عليه و آله الوفاة قالت : لمن توصي بي بعدك ؟ قال : يا عضباء ، بارك اللّه فيك ، أنت لابنتي فاطمة عليهاالسلام تركبك في الدنيا والآخرة .
فلمّا قبض النبي صلى الله عليه و آله أتت إلى فاطمة عليهاالسلام ليلاً ، فقالت : السلام عليك - يا بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله - قد حان فراقي الدنيا ، واللّه ما تهنأت بعلف ولا شراب بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وماتت بعد النبي صلى الله عليه و آله بثلاثة أيام .
أنس في خبر : دخل النبي صلى الله عليه و آله حائطا لبعض الأنصار ، وفي الحائط عنز ، فسجدت لرسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فقال أبو بكر : نحن أحقّ بالسجود لك من هذه العنز ، فقال صلى الله عليه و آله إنّه لا ينبغي السجود لأحد ، ولو كان ينبغي أن يسجد أحد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها(1) .
محمد بن المنكدر في حديثه عن سفينة مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : كنت في البحر في سفينة فانكسرت ، فركبت لوحا منها ، فطرحني في أجمة فيها الأسد ، فقلت : يا أبا الحارث ، أنا مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فطأطأ رأسه ،
ص: 292
ثم غمزني بمنكبه يسعى ، فما زال يغمزني حتى وضعني على الطريق ، ثم همهم ، فظننت أنّه يودّعني(1) .
الخدري : كان أبو ذر في « بطن مر » يرعى غنما له ، فانتزع الذئب منه شاة ، فهجهج(2) به حتى استنقذ منه شاته ؟ فأقعى الذئب مستثفرا بذنبه مقابلاً له ، ثم قال : أما اتقيت اللّه ؟ حلت بيني وبين شاة رزقنيها اللّه تعالى ، فقال أبو ذر : تاللّه ، ما سمعت أعجب من ذلك ، فقال الذئب : وأعجب من ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آلهبين الحرّتين في النخلات يحدّث الناس بما خلا ، ويحدّثهم بما هو آت ، وأنت تتبع غنمك ، فقال أبو ذر : يا لك من هو كه ؟ من يرعى غنمي حتى أخرج إليه ، وأومن به ؟ فقال الذئب : أنا .
فجاء إلى مكة ، فإذا هو بحلقة مجتمعين يشتمون النبي صلى الله عليه و آله ، فأقبل أبو طالب عليه السلام ، فقالوا : كفّوا عنه ، فقد جاء عمّه .
فتبعه أبو ذر ، فالتفت إليه ، فقال : ما حاجتك ؟ قال : هذا النبي صلى الله عليه و آلهالمبعوث فيكم ، قال : وما حاجتك إليه ؟ قال : أؤمن به وأصدقه ، ولا يأمرني بشيء إلاّ أطعته ، فقال : تشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه ؟ قال : نعم .
ص: 293
فدلّه إلى جعفر ، فلمّا عرف جعفر حاجته دلّه إلى حمزة ، فلمّا عرف حمزة حاجته دلّه إلى علي عليه السلام ، فلمّا عرف علي عليه السلام حاجته رفعه إلى بيت فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فلمّا دخل عليه قال الرسول صلى الله عليه و آله : ما حاجتك ؟ قال : هذا النبي صلى الله عليه و آله المبعوث فيكم ، قال : وما حاجتك ؟ قال : أؤمن به وأصدقه ، ولا يأمرني بشيء إلاّ أطعته ، فقال : تشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه ؟ قال : نعم ، قال : أنا رسول اللّه ، يا أبا ذر انطلق إلى بلادك ، فإنّك تجد ابن عمّ لك قد مات ، فخذ ماله ، وكن بها حتى يظهر أمري .
ثم دعاه وقال : كفاك اللّه همّ دنياك وعقباك ، فصار أربعين يوما ماء زمزم غسلاً له ، فما اشتهى شيئا آخر ، وانطلق إلى بلاده فوجده كما قال(1) .
وأتى أبو ذر إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فقال : إنّ لي غنيمات ، وأكره أن أفارق حضرتك ، فقال صلى الله عليه و آله : إنّك فيها
فلمّا كان في اليوم السابع جاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا أبا ذر، فقال : لبيك يا رسول اللّه ، قال : ما فعلت غنيماتك ؟ فقال : يا رسول اللّه ، إنّ لها قصّة عجيبة ، قال: وما هي ؟ قال : يا رسول اللّه ، بينا أنا في صلاتي إذ عدا الذئب علىغنمي، فقلت : يا ربّ صلاتي ، يا ربّ غنمي ، فآثرت صلاتي على غنمي ، فأخطر الشيطان ببالي : يا أبا ذر ، أين أنت إن عدت الذئاب على غنمك وأنت تصلّي فأهلكتها كلّها ، وما يبقى لك في الدنيا ما تتعيش به ؟ فقلت للشيطان : يبقى لي توحيد اللّه تعالى ، والإيمان بمحمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وموالاة أخيه سيد الخلق بعده علي بن أبي طالب عليه السلام ، وموالاة الأئمة الهادين الطاهرين من ولده عليهم السلام ، ومعاداة أعدائهم ، وكلّما فات من الدنيا بعد ذلك جلل .(1)تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 74 ، القصص للراوندي : 305 ، الخرائج : 2/504 .
تفسير الإمام عليه السلام : إنّ ذئبين كلّما راعيا ، وحثّاه على الإسلام ، فأتى الراعي إلى النبي صلى الله عليه و آله ، وحكى له كلامهما .
فأتى النبي صلى الله عليه و آله إلى القطيع ، وقال : أحيطوا بي حتى لا يراني الذئبان ،فأحاطوا به ، فقال للراعي : قل للذئب من محمد ؟ فجاءا يتفحّصان عنه حتى دخلا في وسطهم ، فدخلا إلى النبي صلى الله عليه و آله ، وقالا : السلام عليك يا رسول ربّ العالمين ، وسيّد الخلق أجمعين ، ووضعا خدودهما على التراب ، ومرغاها بين يديه .
ص: 295
فقال النبي صلى الله عليه و آله : أحيطوا بعلي عليه السلام ، ففعلوا ، فنادى يا أيّها الذئبان عيّنا عليا عليه السلام .
فجاءا يتخلّلان القوم ، ويتأملان الوجوه والأقدام حتى بلغا عليا عليه السلام ، فمرغا في التراب أبدانهما ، ووضعا بين يديه خدودهما ، وقالا : السلام عليك يا حليف الندى ، ومعدن النهى ، ومحل الحجى ، وعالما بما في الصحف الأولى ، ووصيّ المصطفى(1) .
ويقال : كان اسم الراعي « عمير الطائي » - ويقال : « عقبة »(2) - فبقي له شرف يفتخرون على العرب ويقول مفتخرهم : أنا ابن مكلّم الذئب(3) .
* * *
[ قال ] خطيب منيح :
وخبرنا بأنّ الذئب أمسى
بمبعثه من المتكلمينا(4)* * *
[ وقال ] غيره :
الذئب قد أخبر الراعي بمبعثه
فجاء يشهد بالإسلام في العجل
* * *
ص: 296
[ وقال ] آخر :
ومنطق الذئب بالتصديق معجزة
مع الذراع ونطق العير والجمل
لمّا سار النبي صلى الله عليه و آله إلى وادي حنين للحرب إذا بالطلائع قد رجعت والأعلام والألوية قد وقفت ، فقال لهم النبي صلى الله عليه و آله : يا قوم ما الخبر ؟ فقالوا : يا رسول اللّه ، حيّة عظيمة قد سدّت علينا الطريق ، كأنّها جبل عظيم ، لا تمكننا(1) من المسير .
فسار النبي صلى الله عليه و آله حتى أشرف عليها ، فرفعت رأسها ، ونادت : السلام عليك يا رسول اللّه ، أنا الهيثم بن طاح بن إبليس ، مؤمن بك ، قد سرت إليك في عشرة آلاف من أهل بيتي حتى أعينك على حرب القوم ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : انعزل عنّا ، وسر بأهلك عن أيماننا ، ففعل ذلك ، وسار المسلمون .
محمد بن إسحاق : مرّت امرأة من المشركين شديدة القول في النبي صلى الله عليه و آله ، ومعها صبي لها ابن شهرين ، فقال الصبي : السلام عليك يا رسول اللّه ! محمد بن عبد اللّه .
ص: 297
فأنكرت الأم ذلك من ابنها ، فقال له النبي صلى الله عليه و آله : يا غلام ، من أين تعلم أنّي رسول اللّه ، وأنّي محمد بن عبد اللّه ؟ قال : أعلمني ربّي ربّ العالمين والروح الأمين ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : من الروح الأمين ؟ قال : جبرئيل ، وها هو قائم على رأسك ينظر(1) إليك .
فقال له النبي
صلى الله عليه و آله : ما اسمك يا غلام ؟ فقال : عبد العزّى ، وأنا كافر به ، فسمّني ما شئت يا رسول اللّه ، قال : أنت عبد اللّه ، فقال : يا رسول اللّه ّ ادع
اللّه أن يجعلني من خدمك في الجنة .
فدعا له ، فقال : سعد من آمن بك ، وشقي من كفر بك ، ثم شهق شهقة ، فمات(2) .
شمر بن عطية : إنّه أتي النبي صلى الله عليه و آله بصبي قد شبّ ، ولم يتكلّم قطّ ، فقال :ادن منّي ، فدنا ، فقال : من أنا ؟ قال : أنت رسول اللّه (3) .
الواقدي عن المطلب بن عبد اللّه قال : بينما رسول اللّه صلى الله عليه و آله جالس بالمدينة في أصحابه ، إذ أقبل ذئب ، فوقف بين يدي النبي صلى الله عليه و آله يعوي ،
ص: 298
فقال النبي صلى الله عليه و آله : هذا وفد السباع إليكم ، فإن أحببتم أن تفرضوا له شيئا لا يعدوه إلى غيره ، وإن أحببتم تركتموه وأحرزتم منه ، فما أخذ فهو رزقه ، فقالوا : يا رسول اللّه ، ما تطيب أنفسنا له بشيء ، فأومى ء النبي
صلى الله عليه و آله بأصابعه الثلاثة ، أي خالسهم ، فولّى وله عسلان(1)(2) .
وفى حكاية عمرو بن المنتشر : أنّه سأل النبي صلى الله عليه و آله أن يدفع الحيّة عن الوادي ، ويردّ النخلة [ من ساعتها (3)] .
فخرج النبي صلى الله عليه و آله ، فإذا الحيّة تجرجر وتكشكش(4) كالبعير الهائج ،وتخور كما يخور الثور ، فلمّا نظرت إلى النبي صلى الله عليه و آله قامت وسلّمت عليه .
ثم وقف على النخلة ، وأمرّ يده عليها ، وقال : بسم اللّه الذي قدّر فهدى ، وأمات وأحيى ، فصارت بطول النبي صلى الله عليه و آله ، وأثمرت ونبع الماء من أصلها .
ص: 299
وفي حديث خزيم بن فاتك الأسدي : أنّه وجد إبله بأبرق العزل . . القصّة ، فسمع هاتفا :
هذا رسول اللّه ذو الخيرات
جاء بياسين وحاميمات
فقلت : من أنت ؟ قال : أنا مالك "بن مالك" بعثني رسول اللّه
صلى الله عليه و آله إلى حيّ نجد ، قلت : لو كان لي من يكفيني إبلي لأتيته فآمنت به ، فقال : أنا .
فعلوت بعيرا منها ، وقصدت المدينة - والناس في صلاة الجمعة - ، فقلت في نفسي : لا أدخل حتى تنقضي صلاتهم ، فأنا أنيخ راحلتي ، إذ خرج إليّ رجل ، قال : يقول لك رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ادخل ، فدخلت .
فلمّا رآني قال : ما فعل الشيخ الذي ضمن لك أن يؤدي إبلك إلى أهلك ؟ قلت : لا علم لي به ، قال : إنّه أداها سالمين(1) ، قلت : أشهد أن لاإله إلاّ اللّه ، وأنّك رسول اللّه (2) .
ص: 300
ص: 301
ص: 302
أبو هريرة ، وأبو سعيد ، وواثلة بن الأسقع ، وعبد اللّه بن عاصم ، وبلال ، وعمر بن الخطاب ، قالوا : أصاب الناس مجاعة في تبوك ، فقالوا : إن أذنت لنا نحرنا نواضحنا(1) ، فدعا(2) بالنطع(3) ، فبسطه ، ثم دعا بفضل أزوادهم(4) ، فجعل الرجل يجيء بكفّ الذرة ، والآخر بكفّ التمر ، والآخر بالكسرة ، حتى اجتمع على النطع شيء من ذلك ، ثم دعا له بالبركة .
ثم قال : خذوا في أوعيتكم .
قال : فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلاّ وملؤوه ، وأكلوا حتى شبعوا ، وفضلت فضلة .
ص: 303
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّي رسول اللّه ، لا يقولها أحد إلاّ حرّمه اللّه على النار(1) .
ورأي صلى الله عليه و آله عمرة بنت رواحة تذهب بتميرات إلى أبيها يوم الخندق ، فقال : اجعليها على يدي ، ثم جعلها على نطع ، فجعل يربو حتى أكل منه ثلاثة آلاف رجل(2) .
[ يا ] رسول اللّه تكرمني بكذا وكذا ، فقال : لا ترفع القدر من النار ، ولا الخبز من التنّور .
ثم قال : يا قوم ، قوموا إلى بيت جابر ، فأتوا ، وهم سبعمائة رجل .
وفى رواية : ثمانمائة .
وفى رواية : ألف رجل .
فلم يكن موضع الجلوس ، فكان يشير إلى الحائط ، والحائط يبعد ، حتى تمكّنوا ، فجعل يطعمهم بنفسه حتى شبعوا ، ولم يزل يأكل ويهدي إلى قومنا أجمع .
فلمّا خرجوا أتيت القدر ، فإذا هو مملو ، والتنّور محشو(1) .
روى أنس : أنّه أرسلني أبو طلحة إلى النبي صلى الله عليه و آله لمّا رأى فيه أثر الجوع ، فلمّا رآني قال : أرسلك أبو طلحة ؟ قلت : نعم ، قال لمن معه : قوموا .
فقال أبو طلحة : يا أم سليم ، قد جاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالناس ، وليس عندنا من الطعام ما يطعمهم ، فقال صلى الله عليه و آله : يا أم سليم ، هلمّي بما عندك .
ص: 305
فجاءت بأقراص من شعير ، فأمر به ففتّ ، وعصرت أم سليم عكّة سمن ، فأخذها النبي صلى الله عليه و آله ، ثم وضع يده على رأس الثريد ، وكان يدعو بعشرة عشرة ، فأكلوا حتى شبعوا ، وكانوا سبعين - أو ثمانين - رجلاً(1) .
وروى أبو هريرة في أصحاب الصفة ، وقد وضعت بين أيديهم صحفة ، فوضع النبي صلى الله عليه و آله يده فيها ، فأكلوا ، وبقيت ملأى فيها أثر الأصابع(2) .
ومثله حديث ثابت [ بن أسلم ] البناني عن أنس في عرس زينب بنت جحش(3) .
وروي : أنّ أم شريك أهدت إلى النبي صلى الله عليه و آله عكّة فيها سمن ، فأمر
ص: 306
النبي صلى الله عليه و آله الخادم ، ففرّغها وردّها خالية ، فجاءت أم شريك ، فوجدت العكّة ملأى ، فلم تزل تأخذ منها السمن زمانا طويلاً ، وأبقى لها شرفا(1) .
وأعطى صلى الله عليه و آله لعجوز قصعة فيها عسل ، فكانت تأكل ولا تفنى ، فيوما
من الأيام حوّلت ما كان فيها إلى إناء آخر ، ففنى سريعا .
فجاءت إلى النبي صلى الله عليه و آله وأخبرته بذلك ، فقال صلى الله عليه و آله : إنّ الأول كان من فعل اللّه وصنعه ، والثاني كان من فعلك .
وقال جابر : إنّ رجلاً أتى النبي صلى الله عليه و آله يستطعمه ، فأطمعه وسق [ من ]
شعير ، فما زال الرجل يأكل منه ، وامرأته ووصيفهما(2) ، حتى كاله ، فأتى النبي صلى الله عليه و آله فأخبره ، فقال : لو لم تكيلوه لأكلتم منه ، ولقام بكم(3) .
وقال أبو هريرة : أتيت إلى النبي صلى الله عليه و آله بتميرات ، فقلت : ادع اللّه لي
ص: 307
بالبركة يا رسول اللّه ، قال : فوضعهن في يده ثم دعا بالبركة قال فجعلتها في جراب فلم نزل نأكل منه ونطعم وكان لا يفارقني ، فلمّا قتل عثمان كان على حقوي ، فسقط وذهب ، وكنت عنه في شغل(1)(2) .
جابر بن عبد اللّه ، والبراء بن عازب ، وسلمة بن الأكوع ، والمسور بن مخزمة : فلمّا نزل النبي صلى الله عليه و آلهبالحديبية في ألف وخمسمائة ، وذلك في حرّ
شديد ، قالوا : يا رسول اللّه ، ما بها من ماء ، والوادي يابس ، وقريش في « بلدح »(3) في ماء كثير .
فدعا بدلو من ماء ، فتوضأ من الدلو ، ومضمض فاه ، ثم مجّ فيه ، وأمر أن يصبّ في البئر ، فجاشت ، فسقينا واستقينا(4) .
وفي رواية : فنزع سهما من كنانته ، فألقاه في البئر ، ففارت بالماء حتى جعلوا يغترفون بأيديهم منها ، وهم جلوس على شفتها(5) .
ص: 308
أبو عوانة وأبو هريرة : أنّه صلى الله عليه و آله أعطى ناجية بن عمرو(1) نشابة ، وأمر أن يقعرها في البئر ، فامتلأ البئر ماءا ، فأتته امرأة ، فأنشأت :
يا أيّها الماتح(2) دلوي دونكا
إنّي رأيت الناس يحمدونكا
يثنون خيرا ويمجّدونكاأرجوك للخير كما يرجونكا
فأجابها ناجية :
قد علمت جارية يمانيه
إنّي أنا الماتح واسمي ناجيه
وطعنة ذات رشاش واهيه
طعنتها تحت صدور العاتيه(3)
وفي رواية : أنّه دفعها إلى البراء بن عازب ، وقال : اغرز هذا السهم في بعض قُلب(4) الحديبية .
فجاءت قريش ، ومعهم سهيل بن عمرو ، فأشرفوا على القليب والعيون تنبع تحت السهم ، فقالت : ما رأينا كاليوم قطّ ، وهذا من سحرمحمد ( صلى الله عليه و آله) قليل !
ص: 309
فلمّا أمر الناس بالرحيل ، قال : خذوا حاجتكم من الماء ، ثم قال للبراء : اذهب فردّ السهم .
فلمّا فرغوا وارتحلوا أخذ السهم ، فجفّ الماء كأنّه لم يكن هناك ماء(1) .
وشكا أصحابه إليه في غزوة تبوك من العطش ، فدفع سهما إلى رجل ، فقال : انزل فاغرزه في الركي(1) ، ففعل ، ففار الماء ، فطمى(2) إلى أعلى الركي ، فارتوى منه ثلاثون ألف رجل في دوابهم(3) .
ووضع صلى الله عليه و آله يده تحت وشل(4) بوادي المشفق ، فجعل ينصب في يديه ، فانخرق الماء حتى سمع له حسّ كحسّ الصواعق ، فشرب الناس واستقوا منه .
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لئن بقيتم ، أو بقي منكم أحد ، ليسمعن بهذا الوادي ، وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه .
قيل : وهو إلى اليوم كما قاله صلى الله عليه و آله(5) .
وفى رواية أبي قتادة : كان يتفجّر الماء من بين أصابعه لمّا وضع
ص: 311
يده فيها حتى شرب [ الماء ] الجيش العظيم ، وسقوا وتزوّدوا في غزوة بني المصطلق(1) .
وفى رواية علقمة بن عبد اللّه : أنّه وضع يده في الإناء ، فجعل الماء يفور من بين أصابعه ، فقال : حيّ على الوضوء والبركة من اللّه ، فتوضأ القوم كلّهم(2) .
وفى حديث أبي ليلى : شكونا إلى النبي صلى الله عليه و آله من العطش ، فأمر بحفرة فحفرت ، فوضع عليها نطعا ، ووضع يده على النطع ، وقال : هل من ماء ، فقال لصاحب الإداوة : صبّ الماء على كفّي ، واذكر اسم اللّه ، ففعل .
فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى روى القوم ، وسقوا ركابهم(3) .
وشكا إليه الجيش في بعض غزواته صلى الله عليه و آله فقدان الماء ، فوضع يده
ص: 312
في القدح ، فضاق القدح عن يده ، فقال للناس : اشربوا ، فشرب الجيش ، وأسقوا ، وتوضأوا ، وملأوا المزاود .
* * *
ومنه حديث معاد(1) .
* * *
وانبع الماء عذبا من أنامله
من غير ما صخرة كانت على وشل
* * *
وأنشد :
أنت الذي أنبع في راحته
من حجر ماءا معينا فجرى
* * *
وأنشد [ أيضا ] :
ومن فاضت أنامله بماء
سقاء لواردين وصادرينا
وقرّب جفنة صنعت لعشر
على قدر فأطعمها مئينا
وعادت بعد أكل القوم ملأى
يفور عليهم لحما سمينا(2)* * *
ص: 313
ص: 314
ص: 315
ص: 316
مثل ما أخبر به عن اللّه - تعالى - في القرآن « وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ » .
وقوله « وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا » .
وقوله « فَإِذا جاءَ وَعْدُ الآْخِرَةِ » .
وقوله « حَتّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ » .
وقوله « إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ » ، وأمثالها .
أبو رجاء العطاردي قال : أول ما أنكرنا عند مبعث النبي صلى الله عليه و آلهانقضاض الكواكب(1) .
قال الزجاج في قوله « اسْتَرَقَ السَّمْعَ » « فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ » الشهاب من معجزات نبينا صلى الله عليه و آله ، لأنّه لم ير قبل زمانه .
والدليل عليه : إنّ الشعراء كانوا يمثّلون في السرعة بالبرق والسيل ، ولم يوجد في أشعارها بيت واحد فيه ذكر الكواكب المنقضّة ، فلمّا حدثت بعد مولده صلى الله عليه و آله استعملت .
ص: 317
قال ذو الرمة(1) :
كأنّه كوكب في إثر عفرية
مسوّم(2) في سواد الليل منقضب(3)(4)
الضحاك في قوله « فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ » الآيات ، كان الرجل لما به من الجوع يرى بينه وبين السماء كالدخان ، وأكلوا الميتة والعظام ، ثم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه و آله وقالوا : يا محمد ، جئت تأمر بصلة
الرحم ، وقومك قد هلكوا ، فاسأل اللّه - تعالى - لهم الخصب والسعة ، فكشف اللّه عنهم ، ثم عادوا إلى الكفر(5) .
الزبيري والشعبي : إنّ قيصر حارب كسرى ، فكان هوى المسلمين معقيصر ، لأنّه صاحب كتاب وملّة ، وأشدّ تعظيما لأمر النبي صلى الله عليه و آله ، وكان
ص: 318
وضع كتابه على عينه ، وأمر كسرى بتمزيقه ، حين أتاهما كتابه يدعوهما إلى الحقّ .
فلمّا كثر الكلام بين المسلمين والمشركين ، قرأ الرسول صلى الله عليه و آله «الم غُلِبَتِ
الرُّومُ » ، ثم حدّد الوقت في قوله « بِضْعِ سِنِينَ » ، ثم أكّده في قوله « وَعْدَ اللّهِ » ، فغلبوا يوم الحديبية ، وبنوا الرومية(1) .
وروي عنه صلى الله عليه و آله : لفارس نطحة أو نطحتان ، ثم [ قال : ] لا فارس بعدها أبدا، والروم ذات القرون ، كلّما ذهب قرن خلف قرن هبهب(2) إلى آخر الأبد(3) .
قتادة وجابر بن عبد اللّه في قوله « وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤمِنُ »
نزل في النجاشي ، لمّا مات نعاه جبرئيل إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فجمع الناس في البقيع ، وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة ، فأبصر سرير النجاشي وصلّى عليه .
فقالت المنافقون في ذلك ، فجاءت الأخبار من كلّ جانب أنّه مات في ذلك اليوم في تلك الساعة ، وما علم هرقل بموته إلاّ من تجّار رأوا "من"المدينة(4) .
ص: 319
الكلبي في قوله « فَشُدُّوا الْوَثاقَ » ، ثم نزلت في العباس لمّا أسر في يوم بدر .
فقال له النبي صلى الله عليه و آله : افد نفسك وابني أخيك - يعني عقيلاً ونوفلاً - وحليفك - يعنى عتبة بن أبي جحدر - فإنّك ذو مال ، فقال : إنّ القوم استكرهوني ، ولا مال عندي .
قال : فأين المال الذي وضعته بمكّة عند أم الفضل حين خرجت ، ولم يكن معكما أحد ، وقلت : إن أصبت في سفري فللفضل كذا [ وكذا ] ، ولعبد اللّه كذا ، وقثم كذا .
قال : والذي بعثك بالحقّ نبيا ما علم بهذا أحد غيرها ، وإنّي لأعلم أنّك لرسول اللّه .
ففدى نفسه بمائة أوقية ، وكلّ واحد بمائة أوقية ، فنزل « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَْسْرى »(1) الآية .
فكان العباس يقول : صدق اللّه وصدق رسوله صلى الله عليه و آله ، فإنّه كان معي عشرون أوقية ، فأخذت ، فأعطاني اللّه مكانها عشرين عبدا ، كلّ منهم يضرب بمال كثير ، أدناهم يضرب بعشرين ألف درهم(2) .
ص: 320
وقال أبو جعفر عليه السلام : بينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المسجد ، إذ قال : قم يا فلان ، قم يا فلان ، حتى أخرج خمسة نفر ، فقال : اخرجوا من مسجدنا ، لا تصلّون فيه وأنتم لا تزكّون(1) .
وحكمه « لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ » . وفيه حديث عمر(2) .
ص: 321
ومثل : النعاس الذي غشى أصحابه في الحرب قوله : « إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ » .
ومثل : حكمه على اليهود أنّهم لن يتمنوا الموت ، فعجزوا عنه(1) ، وهم مكلّفون مختارون ، ويقرأ هذه الآية في سورة يقرأ بها في جوامع الإسلام يوم الجمعة جهرا تعظيما للآية التي فيها .
وحكمه على أهل نجران أنّهم لو باهلوا لأضرم الوادي عليهم نارا ، فامتنعوا وعلموا صحّة قوله(2) .
ونحو قوله : « فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً » .
وقوله : « يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى » .
وروي أنّهم كانوا على تبوك ، فقال لأصحابه : الليلة تهبّ ريح عظيمة شديدة ، فلا يقومنّ أحدكم الليلة .
ص: 322
فهاجت الريح ، فقام رجل من القوم ، فحملته الريح ، فألقته بجبل طي(1) .
وأخبر - وهو بتبوك - بموت رجل بالمدينة عظيم النفاق .
فلمّا قدموا المدينة وجدوه وقد مات في ذلك اليوم(2) .
وكان يوما جالسا بين أصحابه ، فقال : وقعت الواقعة ، أخذ الراية زيد بن حارثة ، فقتل ومضى شهيدا ، وقد أخذها بعده جعفر بن أبي طالب وتقدّم ، فقتل ومضى شهيدا .
ثم وقف صلى الله عليه و آله وقفة ، لأنّ عبد اللّه كان توقف عند أخذ الراية ، ثم قال : أخذ الراية عبد اللّه بن رواحة وتقدّم ، فقتل ومات شهيدا ، ثم قال : أخذ الراية خالد بن الوليد ، فكشف العدو عن المسلمين !!
ثم قام من وقته ، ودخل إلى بيت جعفر ، ونعاه إلى أهله ، واستخرج ولده(1) .
ونظر صلى الله عليه و آله إلى ذراعي سراقة بن مالك دقيقين أشعرين ، فقال : كيف بك- يا سراقة - إذا ألبست بعدي سواري كسرى .
فلمّا فتحت فارس دعاه عمر ، وألبسه سواري كسرى(2) .
ص: 324
وقوله صلى الله عليه و آله لسلمان : [ أن ] سيوضع على رأسك تاج كسرى ، فوضع التاج على رأسه عند الفتح .
وقوله صلى الله عليه و آله لأبي ذر : كيف تصنع إذا أخرجت منها(1) . . الخبر .
وذكر صلى الله عليه و آله يوما زيد بن صوحان ، فقال : زيد ؟! وما زيد ؟! يسبقه عضو منه إلى الجنة ، فقطعت يده في يوم « نهاوند » في سبيل اللّه (2) .
وقال : إنّكم ستفتحون مصر ، فإذا فتحتموها فاستوصوا بالقبط خيرا ، فإنّ لهم رحما وذمّة ، يعني : أنّ أم إبراهيم منهم(3) .
ص: 325
وقوله : إنّكم تفتحون رومية ، فإذا فتحتم كنيستها الشرقية [ فاجعلوها ]مسجدا ، وعدّوا سبع بلاطات ، ثم ارفعوا البلاطة الثامنة ، فإنّكم تجدون تحتها عصى موسى عليه السلام ، وكسوة إيليا(1) .
وأخبر صلى الله عليه و آله بأنّ طوائف من أمّته يغزون في البحر ، وكان كذلك(2) .
وخرج الزبير إلى ياسر بخيبر مبارزا ، فقالت أمّه صفيّة : ياسر يقتل ابني يا رسول اللّه ؟ قال : لا ، بل ابنك يقتله إن شاء اللّه ، فكان كما قال(3) .
وفي شرف المصطفى عن الخركوشي أنّه قال لطلحة : إنّك ستقاتل عليا عليه السلام وأنت ظالم .
ص: 326
وقوله المشهور للزبير : إنّك تقاتل عليا عليه السلام وأنت ظالم(1) .
الخركوشي في شرف النبي صلى الله عليه و آله : أنّه قال للأنصار : إنّكم سترون بعدي إثرة .
فلمّا تولى معاوية عليهم منع عطاياهم ، فقدم عليهم فلم يتلقّوه ، فقال لهم : ما الذي منعكم أن تلقوني ؟ قالوا : لم يكن لنا ظهور نركبها ، فقال لهم : أين كانت نواضحكم ؟! فقال أبو قتادة : عقرناها يوم بدر في طلب أبيك .
ثم رووا له الحديث ، فقال لهم : ما قال لكم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قالوا : قال لنا : اصبروا حتى تلقوني ، قال : فاصبروا إذا .
فقال في ذلك عبد الرحمن ابن حسان(1) :
ألا أبلغ معاوية بن صخر
أمير المؤمنين بنا كلامي
فإنّا صابرون ومنظروكم
إلى يوم التغابن والخصام(2)
السدي : قال النبي صلى الله عليه و آله لأصحابه : يدخل عليكم الآن رجل من ربيعة
يتكلّم بكلام الشيطان .
فدخل الحطيم بن هند وحده ، فقال : إلى ما تدعو يا محمد ؟ فأخبره ، فقال : انظرني ، فلي من أشاوره ، ثم خرج .
ص: 330
فقال النبي صلى الله عليه و آله : دخل بوجه كافر ، وخرج بعقب غادر ، فذهب وأخذ سرح المدينة(1)(2) .
أبو هريرة : قال صلى الله عليه و آله : ليرعفن جبّار من جبابرة بني أميّة على منبري هذا .
فرأى عمرو بن سعيد بن العاص سال رعافه(3) .
أنس : قال صلى الله عليه و آله : لا تسألوني عن شيء إلاّ بيّنته .
فقام رجل من بني سهم يقال له : « عبد اللّه بن حذاقة » ، وكان يطعن في نسبه ، فقال : يا نبي اللّه ، من أبي ؟ قال : أبوك حذاقة بن قيس .
فنزلت « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ »(1) .
قوله : « سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً » ، ووصفه بيت المقدس ،وتعديده أبوابه وأساطينه ، وحديث العير التي مرّ بها ، والجمل الأحمر الذي يقدمها ، والغرارتين عليه(2) .
واستأسر بنو لحيان خبيب(3) بن عدي الأنصاري ، وباعوه من أهل مكّة ، فأنشد حبيب :
ص: 332
لقد جمع الأحزاب حولي وألّبوا
قبائلهم واستجمعوا كلّ مجمع
وقد حشدوا أولادهم ونساءهم
وقرّبت من جذع طويل ممنّع
فذا العرش صبّرني على ما يراد بي
فقد ياس منهم بعد يومي ومطمعي
وتاللّه ما أخشى إذا كنت ذا تقى
على أيّ جمع كان للّه مصرعي
فلمّا صلب ، قال : السلام عليك يا رسول اللّه .
وكان النبي صلى الله عليه و آله في ذلك الوقت بين أصحابه بالمدينة ، فقال : وعليك السلام ، ثم بكى ، وقال : هذا خبيب يسلّم عليّ حين قتلته قريش(1) .
وكتب صلى الله عليه و آله عهدا لحيّ سلمان بكازرون :
هذا كتاب من محمد بن عبد اللّه رسول اللّه ، سأله الفارسي سلمان وصية بأخيه مهاد بن فروخ بن مهيار ، وأقاربه وأهل بيته ، وعقبه من بعده ، ما تناسلوا ، من أسلم منهم ، وأقام على دينه سلام اللّه .
ص: 333
أحمد اللّه إليكم ، إنّ اللّه - تعالى - أمرني أن أقول : لا إله إلاّ اللّه ، وحده لا شريك له ، أقولها وآمر الناس بها ، والأمر كلّه للّه ، خلقهم وأماتهم ، وهو ينشرهم ، واليه المصير .
ثم ذكر فيه من إحترام سلمان . .
إلى أن قال : وقد رفعت عنهم جزّ الناصية ، والجزية ، والخمس ، والعشر ، وسائر المؤن والكلف ، فإن سألوكم فاعطوهم ، وإن استغاثوا بكم فأغيثوهم ، وإن استجاروا بكم فأجيروهم ، وإن أساؤوا فاغفروا لهم ، وإن أسيء إليهم فامنعوا عنهم ، وليعطوا من بيت مال المسلمين في كلّ سنة مائتي حلّة ، ومن الأواقي مائة ، فقد استحقّ سلمان ذلك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ثم دعا لمن عمل به ، ودعا على من آذاهم ، وكتب علي بن أبي طالب(1) .والكتاب إلى اليوم في أيديهم ، ويعمل القوم برسم النبي صلى الله عليه و آله ، فلولا ثقته بأنّ دينه يطبق الأرض لكان كتبه هذا السجل مستحيلاً .
وكتب صلى الله عليه و آله للعباس : الحيرة من الكوفة ، والميدان من الشام ، والخطّ من هجر ، ومسيرة ثلاثة أيام من أرض اليمن .
فلمّا افتتح ذلك أتى به إلى عمر ، فقال : هذا مال كثير . . القصّة .
ومن العجائب الموجودة تدبيره صلى الله عليه و آله أمر دينه بأشياء قبل حاجته إليها مثل :
وضعه المواقيت للحجّ ، ووضع غمرة والمسخ وبطن العقيق ميقاتا لأهل العراق ، ولا عراق يومئذٍ ، والجحفة لأهل الشام ، وليس به من يحجّيومئذٍ .
ومن أصغى إلى ما نقل عنه علم أنّ الأولين والآخرين يعجزون عن أمثالها ، وإنّ ذلك لا يتصوّر إلاّ أن يكون من الوحي والتنزيل .
فصدق خبره ، فقد ملكهم من أول المشرق إلى آخر المغرب من بحر الأندلس وبلاد البربر ، ولم يتسعوا في الجنوب ، ولا في الشمال ، كما أخبر صلى الله عليه و آله سواء بسواء .
وقوله صلى الله عليه و آله لعدي بن حاتم : لا يمنعك من هذا الدين الذي ترى من جهد أهله ، وضعف أصحابه ، وكأنّهم(1) بيضاء المدائن ، وقد فتحت عليهم ،وكأنّهم بالظعينة تخرج من الحيرة حتى تأتي مكة بغير خفار ، ولا تخاف إلاّ اللّه ، فأبصر عدي ذلك كلّه(2) .
وقوله صلى الله عليه و آله لخالد بن الوليد ، وقد بعثه إلى كيدر بن عبد الملك - ملك كنده - وكان نصرانيا : ستجده يصيد البقر .
فخرج حتى كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة صائفة ، وهو على سطح له ، ومعه امرأة ، فبانت البقرة تخدّ بقرونها باب القصر ، فقالت :
ص: 336
هل رأيت مثل ذلك قطّ ؟ قال : لا واللّه ، قالت : فمن [ يترك مثل (1)] هذا ؟ قال : لا أحد .
فنزل ، وركب على فرسه ، ومعه نفر من أهل بيته ، فيهم أخ يقال له « حسان » ، "فقتلوا أخاه حسان" ، وبعث به إلى رسول اللّه
صلى الله عليه و آله .
وأنشد في ذلك رجل من بني طي :
تبارك سائق البقرات أنّي
رأيت اللّه يهدي كلّ هاد
فمن يك حائدا عن ذي تبوك
فإنّا قد أمرنا بالجهاد(2)
وقوله لكنانة زوج صفية والربيع : أين آنيتكما التي كنتما تعيرانها أهل مكّة ؟ قالا : هزمنا ، فلم تزل تضعنا أرض ، وتقلّنا أرض أخرى ، وأنفقناها .
فقال لهما : إنّكما إن كتمتما شيئا فاطلعت عليه استحللت دماءكما وذراريكما ، قالا : نعم .
فدعا رجلاً من الأنصار ، وقال : اذهب إلى قراح(3) كذا وكذا ، ثم ائت
ص: 337
النخيل ، فانظر نخلة عن يمينك وعن يسارك ، وانظر نخلة مرفوعة ، فأتيني بما فيها .
فانطلق ، وجاء بالآنية والأموال ، فضرب عنقهما(1) .
وقال جارود بن عمرو العبدي وسلمة بن العباد الأزدي : إن كنت نبيا فحدثنا عمّا جئنا نسألك عنه ، فقال صلى الله عليه و آله : أمّا أنت - يا جارود - فإنّك جئت تسألني عن دماء الجاهلية ، وعن حلف الإسلام ، وعن المنيحة ،قال : أصبت .
فقال صلى الله عليه و آله فإنّ دماء الجاهلية موضوع ، وحلفها لا يزيده الإسلام إلاّ
شدّة ، ولا حلف في الإسلام ، ومن أفضل الصدقة أن تمنح أخاك ظهر الدابة ، ولبن الشاة .
وأمّا أنت - يا سلمة بن عباد - فجئتني تسألني عن عبادة الأوثان ، ويوم السباسب(2) ، وعقل الهجين(3) .
أمّا عبادة الأوثان ، فإنّ اللّه - جلّ وعزّ - يقول « إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ » ، وأمّا يوم السباسب ، فقد أبدلك اللّه - عزّ وجلّ - ليلة القدر
ص: 338
[ ويوم العيد ] لمحة تطلع الشمس لا شعاع لها ، وأمّا عقل الهجين ، فإنّ أهل الإسلام تتكافأ دماؤهم ، ويجير أقصاهم على أدناهم ، وأكرمهم عند اللّه أتقاهم .
قالا : نشهد باللّه أنّ ذلك كان في أنفسنا(1) .
وفي حديث أبي جعفر عليه السلام : إنّ النبي صلى الله عليه و آله صلّى ، وتفرّق الناس ، فبقي أنصاري وثقفي ، فقال لهما : قد علمت أنّ لكما حاجة تريدان أن تسألانيعنها ، فإن شئتما أخبرتكما بحاجتكما قبل أن تسألاني ، وإن شئتما فاسألا .
فقالا : نحبّ أن تخبرنا بها قبل أن نسألك ، فإنّ ذلك أجلى للعماء ، وأثبت للإيمان .
فقال صلى الله عليه و آله : يا أخا الأنصار ، إنّك من قوم يؤثرون على أنفسهم ، وأنت قروي ، وهذا بدوي ، أفتؤثره بالمسألة ؟ قال : نعم .
قال : أمّا أنت - يا أخا ثقيف - فإنّك جئت تسألني عن وضوئك وصلاتك ، وما لك على ذلك من الأجر ، فأخبره بذلك .
وأمّا أنت - يا أخا الأنصار - فجئت تسألني عن حجّك وعمرتك ، وما لك فيهما ، فأخبره بفضلهما(2) .
ص: 339
أنس : أنّه صلى الله عليه و آله قال لرجل اسمه أبو بدر : قل : لا إله إلاّ اللّه ، فسأله حجّة ، قال : في قلبك من أربعة أشهر كذا وكذا ، فصدّقه وأسلم .
أتى سائل إلى النبي
صلى الله عليه و آله ، وسأله شيئا ، فأمره بالجلوس ، فأتاه رجل بكيس ووضع قبله ، وقال : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، هذه أربعمائة درهم أعطها
المستحق ، فقال : يا سائل ، خذ هذه الأربعمائة دينار ، فقال صاحب المال : يا رسول اللّه ! ليس بدينار ، وإنّما هو درهم ، فقال
صلى الله عليه و آله : لا تكذبني ،فإنّ اللّه صدّقني .
وفتح رأس الكيس ، فإذا هو دينار ، فعجب الرجل ، وحلف أنّه شحنها من الدراهم .
قال : صدقت ، ولكن لمّا جرى على لساني الدنانير جعل اللّه الدراهم دنانير .
واستأذن أبو ذر رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يكون في مزينة(1) مع ابن أخيه ، فقال : إنّي أخشى أن تغير عليك خيل من العرب ، فتقتل ابن أخيك ،
ص: 340
فتأتيني شعثا ، فتقوم بين يدي متكئا على عصى ، فتقول : قتل ابن أخي ، وأخذ السرح ، ثم أذن له ، فخرج .
ولم يلبث إلاّ قليلاً حتى أغار عليه عيينة بن حصن ، وأخذ السرح ، وقتل ابن أخيه ، وأخذت امرأته .
فأقبل أبو ذر يشتدّ(1) حتى وقف بين "يدي" رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وبه طعنة جائفة(2) ، فاعتمد على عصاه ، وقال : صدق اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله ، أخذ السرح ، وقتل ابن أخي ، وقمت بين يديك على عصاي .فصاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المسلمين ، فخرجوا بالطلب ، فردّوا السرح(3) .
وكتب صلى الله عليه و آله إلى ابن جلندي ، وأهل عمان وقال : أما أنّهم سيقبلون كتابي ، ويصدّقوني ، ويسألكم ابن جلندي : هل بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله معكم بهدية ؟ فقولوا : لا ، فسيقول : لو كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعث معكم بهدية ، لكانت مثل المائدة التي نزلت على بني إسرائيل ، وعلى المسيح ، فكان كما قال(4) .
ص: 341
وفي حديث حريز بن عبد اللّه البجلي وعبدة بن مسهر لمّا قال له : أخبرني عمّا أسألك ؟ وما أحرت ؟ وما أبصرت - يريد في المنام - ؟
فقال صلى الله عليه و آله : أمّا ما أحرت فسيفك الحسام ، وابنك الهمام ، وفرسك عصام ، ورأيت في المنام ، في غلس الظلام ، أنّ ابنك يريد الغزل ، فلقيه أبو ثعل ، على سفح الجبل ، مع إحدى نساء بني ثعل ، فقتله نجدة بن جبل ، ثم أخبره بما يجري ، وما يجب أن يعمل .
قال أبو شهم : مرّت بي جارية بالمدينة ، فأخذت بكشحها(1) .
قال : وأصبح الرسول صلى الله عليه و آله يبايع الناس ، قال : فأتيته فلم يبايعني ، فقال : صاحب الخبندة(2) ! قلت : واللّه لا أعود ، قال : فبايعني(3) .
* * *
وأمثلة ذلك كثيرة ، فصار مخبرات مقاله على ما أخبر به صلى الله عليه و آله .
ص: 342
ص: 343
ص: 344
محمد بن المنكدر : سمعت جابرا يقول : جاء رسول اللّه
صلى الله عليه و آلهيعودني ، وأنا مريض لا أعقل ، فتوضأ وصبّ عليّ من وضوئه ، فعقلت(1) . . الخبر .
وشكى إليه طفيل العامري الجذام ، فدعا بركوة ، ثم تفل فيها ، وأمره أن يغتسل به ، فاغتسل وعاد صحيحا .
وأتاه صلى الله عليه و آله حسان بن عمرو الخزاعي مجذوما ، فدعا له بماء ، فتفل فيه ، ثم أمره فصبّه على نفسه ، فخرج من علّته ، فأسلم قومه .
أبو بكر القفال في دلائل النبي صلى الله عليه و آله : إنّ البراء - ملاعب الأسنة - كان به استسقاء ، فبعث إليه لبيد بن ربيعة ، وأهدى إليه فرسين ونجائب ، فقال صلى الله عليه و آله : لا أقبل هدية مشرك ، قال : فإنّه يستشفيك من الاستسقاء .
فأخذ بيده حثوة(1) من الأرض ، فتفل عليها ، وأعطاه ، ثم قال : دفها بماء ، ثم اسقه إياه .
فلمّا شربها البراء برأ من مرضه(2) .
محمد بن خاطب : انكب القدر على ساعدي في الصغر ، فأتت بي أمّي إلى النبي صلى الله عليه و آله .
قالت : فتفل في في ، ومسح على ذراعي ، وجعل يقول "ويتفل" : اذهب الباس ربّ الناس ، واشف أنت الشافي ، لا شافي إلاّ أنت شفاء ، لا يغادر سقما .
فبرأ بإذن اللّه (3) .
ص: 346
الفائق : إنّ النبي صلى الله عليه و آله مسح على رأس غلام ، وقال : عش قرنا .
فعاش مائة(1) .
وإنّ امرأة أتته بصبي لها للتبرّك ، وكانت به عاهة ، فمسح يده على رأسه الصبي ، فاستوى شعره ، وبرأ داؤه .
وروى ابن بطة : إنّ الصبي كان المهلب .
وبلغ ذلك أهل اليمامة ، فأتت امرأة مسيلمة بصبي لها ، فمسح رأسه فصلع ، وبقى نسله إلى يومنا هذا(2) .
وقطع يد أنصاري - وهو عبد اللّه بن عتيك - في حرب أحدا ، فألزقها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ونفخ عليه ، فصار كما كان(3) .
ص: 347
ومنّا الذي سالت على الخدّ عينه
فردّت بكفّ المصطفى أحسن الردّ
فعادت كما كانت لأحسن حالها
فيا طيب ما عين ويا طيب ما يد(1)
* * *
وأصيبت رجل بعض أصحابه ، فمسحها بيده ، فبرأت من حينها(2) .
وأصاب محمد بن مسلمة يوم قتل كعب بن الأشرف مثل ذلك في عيني ركبتيه ، فمسحه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيده ، فلم تبن من أختها(3) .
وأصاب عبد اللّه بن أنيس مثل ذلك في عينه ، فمسحها ، فما عرفت من الأخرى(4) .
ص: 349
عروة بن الزبير عن زنيرة(1) قال : أسلمت(2) ، فأصيب بصرها ، فقالوا لها : أصابك اللاّت والعزى ، فردّ صلى الله عليه و آله عليها بصرها ، فقالت قريش :
لو كان ما جاء محمد خيرا ما سبقتنا(3) إليه زنيرة(4) .
فنزل « وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ »(5) .
وأنفذ النبي صلى الله عليه و آله عبد اللّه بن عتيك إلى حصن أبي رافع اليهودي ، فدخل فيه بغتة ، فإذا أبو رافع في بيت مظلم لا يدري أين هو ، فقال : أنا رافع ، قال : من هذا ؟ فأهوى نحو الصوت ، فضربه ضربة وخرج ، فصاح أبو رافع .
ثم دخل عليه ، فقال : ما هذا الصوت يا أبا رافع ؟ فقال : إنّ رجلاً في البيت ضربني ، فضربه ضربة أخرى ، وكان ينزل ، فانكسر ساقهفعصبها .
ص: 350
فلمّا انتهى إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فحدّثه قال : ابسط رجلك ، فبسطها ، فمسحها
فبرأت(1) .
وكان أبيّ بن(2) خلف يقول : عندي رمكة(3) أعلفها كلّ يوم فرق(4) ذرة ، أقتلك عليها ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : أنا أقتلك إن شاء اللّه .
فطعنه النبي صلى الله عليه و آله يوم أحد في عنقه ، وخدشه خدشة ، فتدهدى(5) عن فرسه ، وهو يخور كما يخور الثور .
فقالوا له في ذلك ، فقال : لو كانت الطعنة بربيعة ومضر لقتلهم ، أليس قال لي : أقتلك ؟ فلو بزق عليّ بعد تلك المقالة قتلني ، فمات بعد يوم(6) .
فقال حسان :
لقد ورث الضلالة عن أبيه
أبيّ حين بارزه الرسول
أتيت إليه تحمل منه عضوا
وتوعده وأنت به جهول
وقد قتلت بنو النجار منكم
أمية إذ يغوث يا عقيل(7)
ص: 351
وفي لطائف القصص : إنّ قوما شكوا إليه ملوحة مائهم ، فجاء معهم ، وتفل في بئرهم ، فانفجرت بالماء العذب الفرات ، فها هي تتوارثها أهلها .
وكان ممّا أكد اللّه به صدقه أن قوم مسيلمة سألوه مثلها ، فتفل في بئر فعادت ملحا أجاجا كبول الحمار ، وهي إلى اليوم بحالها معروفة المكان(1) .
وروي أنّ النبي صلى الله عليه و آله تفل في بئر معطلة ، ففاضت حتى سقي منها بغير دلو ولا رشاء(2) .
وكانت امرأة متبرّزة وفيها وقاحة ، فرأت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يأكل ، فسألت لقمة من فلق فيه فأعطاها ، فصارت ذات حياء بعد ذلك(3) .
وروي أنّ جرهدا أتى النبي صلى الله عليه و آله وبين يديه طبق ، فمدّ يده الشمال ليأكل ،
ص: 352
وكانت اليمين مصابة ، فقال له النبي صلى الله عليه و آله : كلّ باليمين ، فقال : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّها مصابة ، فنفث عليها فما اشتكاها(1) .
أبو هريرة قال : انصرف النبي صلى الله عليه و آله ليلة من العشاء ، فأضاءت له برقة ، فنظر إلى قتادة بن النعمان فعرفه ، فقال : يا نبي اللّه ، كانت ليلة مطيرة ، فأحببت أن أصلّي معك ، فأعطاه النبي عرجونا وقال : خذها تستضئ به ليلتك(2) . . الخبر .
وأعطى صلى الله عليه و آله عبد اللّه بن طفيل الأزدي نورا في جبينه ، ليدعو به قومه ، فقال : يا رسول اللّه ، هذه مثلة !!
فجعله رسول اللّه صلى الله عليه و آله في سوطه ، واهتدى به ! أبو هريرة(3) .
وروى أبو هريرة: إنّ الطفيل بن عمرو نهته قريش عن قرب النبي صلى الله عليه و آله،
ص: 353
فدخل المسجد محشوّا أذنيه بكرسف(1) لكيلا يسمع صوته ، فكان يسمع ، فأسلم ، وقال :
يحذّرني محمّدها قريش
وما أنا بالهيوب لدى الخصام
فقام إلى المقام وقمت منه
بعيدا حيث أنجو من ملام
وأسمعت الهدى وسمعت قولاً
كريما ليس من سجع الأنام
وصدّقت الرسول وهان قوم
عليّ رموه بالبهت العظام
ثم قال : يا رسول اللّه ، إنّي امرئ مطاع في قومي ، فادع اللّه أن يجعل لي آية تكون لي عونا على ما أدعوهم إلى الإسلام ، فقال صلى الله عليه و آله :
اللّهم اجعل له آية .
فانصرف إلى قومه ، إذ رأى نورا في طرفه سوطه ، كالقنديل(2) .
فأنشأ قصيدة منها :
ألا أبلغ لديك بني لوي
على الشنآن والغضب المرد
بأنّ اللّه ربّ الناس فردا
تعالى جدّه عن كلّ جدّ
وأنّ محمدا عبد رسول
دليل هدى وموضح كلّ رشد
رأيت له دلائل أنبأتني
بأنّ سبيله للفضل يهدي
أبو عبد اللّه الحافظ قال : خطّ النبي صلى الله عليه و آله عام الأحزاب أربعين ذراعا
ص: 354
بين كلّ عشرة ، فكان سلمان وحذيفة يقطعون نصيبهم ، فبلغوا ندبا عجزوا عنه ، فذكر سلمان للنبي صلى الله عليه و آله ذلك ، فهبط وأخذ معوله ، وضرب ثلاث ضربات في كلّ ضربة لمعة ، وهو يكبّر ، ويكبّر الناس معه ، فقال : يا أصحابي ، هذا ما يبلغ اللّه شريعتي الأفق(1) .
وفي خبر : بالأولى اليمن ، وبالثانية الشام والمغرب ، وبالثالثة المشرق .
فنزل « لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ »(2) الآيات .
وروي أنّ عكاشة انقطع سيفه يوم يدر ، فناوله رسول اللّه
صلى الله عليه و آله خشبة وقال : قاتل بها الكفار ، فصارت سيفا قاطعا يقاتل به ، حتى قتل به طليحة في الردّة(1) .
وأعطى عبد اللّه بن جحش يوم أحد عسيبا(2) من نخل ، فرجع في يده سيفا(3) .
وروى في ذي الفقار مثله رواية(4) .
وأعطى صلى الله عليه و آله يوم أحد لأبي دجانة سعفة نخل ، فصارت سيفا .
فأنشأ أبو دجانة :
نصرنا النبي بسعف النخيل
فصار الجريد حساما صقيلا
وذا عجبا من أمور الإله
ومن عجب اللّه ثم الرسولا
ومن هزّ الجريدة فاستحالت
رهيف الحدّ لم يلق الغلولا(5)(6)
* * *
ص: 356
وأتاه قوم من عبد القيس بغنم لهم ، فسألوه أن يجعل لها علامة يذكر بها ، فغمز إصبعه في أصول آذآنها، فابيضت ، فهي إلى اليوم معروفة النسل ظاهرة الأثر .
وأكل النبي صلى الله عليه و آله يوما رطبا كان في يمينه ، وكان يحفظ النوى في يساره ، فمرّت شاة فأشار إليها بالنوى ، فجعلت تأكل في كفّه اليسرى ، وهو يأكل بيمينه حتى فرغ ، وانصرفت الشاة(1) .
وروي انه صلى الله عليه و آله قال : اعطني يا علي كفّا من الحصى ، فرماها ، وهو يقول : « جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ » .
قال الكلبي : فجعل الصنم ينكبّ لوجهه إذا قال ذلك ، وأهل مكةيقولون : ما رأينا رجلاً أسحر من محمد(2) .
ص: 357
أبو هريرة : إنّ رجلاً أهدى إليه قوسا عليه تمثال عقاب ، فوضع يده عليه ، فأذهبه اللّه (1) .
وكان خباب بن الأرت في سفر ، فأتت بنيّته إلى الرسول صلى الله عليه و آله وشكت نفاد النفقة ، فقال أوديني(2) بشوية لكم ، فمسح يده على ضرعها ، فكانت تدرّ إلى انصراف خباب(3) .
أمالي الطوسي عن زيد بن أرقم في خبر طويل : إنّ النبي صلى الله عليه و آله أصبح طاويا ، فأتى فاطمة عليهاالسلام فرأى الحسن والحسين عليهماالسلام يبكيان من الجوع ،وجعل يزقّهما بريقه حتى شبعا وناما .
فذهب مع علي عليه السلام إلى دار أبي الهيثم ، فقال : مرحبا برسول اللّه
صلى الله عليه و آله ما كنت أحبّ أن تأتيني وأصحابك إلاّ وعندي شيء ، وكان لي شيء ففرّقته
ص: 358
في الجيران ، فقال : أوصاني جبرئيل بالجار حتى حسبت أنّه سيورّثه .
قال : فنظر النبي صلى الله عليه و آله إلى نخلة في جانب الدار ، فقال : يا أبا الهيثم ، تأذن في هذه النخلة ؟ فقال : يا رسول اللّه ، إنّه لفحل ، وما حمل شيئا قطّ ، شأنك به .
فقال : يا علي ، اتيني بقدح ماء ، فشرب منه ، ثم مجّ فيه ، ثم رشّ على النخلة ، فتملّت أعذاقا من بسر ورطب ما شئنا ، فقال : ابدؤا بالجيران .
فأكلنا وشربنا ماءا باردا حتى شربنا وروينا ، فقال : يا علي ، هذا من النعيم الذي يسألون عنه يوم القيامة ، يا علي تزود لمن وراك لفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام .
قال : فما زالت تلك النخلة عندنا نسميها « نخلة الجيران » حتى قطعها يزيد عام الحرّة(1) .
هند بنت الجون ، وحبيش بن خالد ، وأبو معبد الخزاعي : إنّ النبي صلى الله عليه و آله عند الهجرة نزل على أم معبد الخزاعية ، وسألوها شيئا ليشتروه ، فلميصيبوا ، فإذا شاة في كسر البيت جرباء ضعيفة ، فدعا بها ، فمسح يده على ضرعها ، وقال : اللّهم بارك لها(2) في شأنها .
ص: 359
فتفاجت(1) ، ودرّت وأخبزت(2) ، فدعا النبي صلى الله عليه و آله بإناء لها يربض الرهط(3) ، فحلبها وشرب هو وأصحابه ، والمرأة وأصحابها(4) .
ولم يشرب حتى شربوا بجمعهم ، ثم قال : ساقي القوم آخرهم شربا ، ثم حلب لها عودا بعد بدء(5) .
* * *
قال خطيب منيح :
ومن حلب الضئيلة وهي نضو
فأسبل درّها للحالبينا
وكانت حائلاً فغدت وراحت
بيمن المصطفى الهادي لبونا(6)
* * *
[ وقال ] غيره :والشاة لمّا مسحت الكفّ منك على
جهد الهزال بأوصال لها قحل(7)
ص: 360
سحت(1) بدرة سكر الضرع(2) حافلة
فروّت الركب بعد النهل بالعلل(3)(4)
* * *
وسمع صوت :
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها
فإنّكم إن تسألوا الناس تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلّبت
له بصريح صرّة الشاة مزبد(5)
فلمّا أصبح الناس اخذوا نحو المدينة حتى لحقوا به(6) .
ومسح صلى الله عليه و آله ضرع شاة حائل لا لبن لها ، فدرّت ، فكان ذلك سببإسلام ابن مسعود(7) .
ص: 361
أمالي الحاكم : إنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يوما قائظا ، فلمّا انتبه من نومه دعا بماء ، فغسل يديه ، ثم مضمض ماء ومجّه إلى عوسجة ، فأصبحوا وقد غلظت العوسجة وأثمرت ، وأينعت بثمر أعظم ما يكون في لون الورس ، ورائحة العنبر ، وطعم الشهد .
واللّه ما أكل منها جائع إلاّ شبع ، ولا ظمآن إلاّ روى ، ولا سقيم إلاّ برء ، ولا أكل من ورقها حيوان إلاّ درّ لبنها ، وكان الناس يستشفون من ورقها ، وكان يقوم مقام الطعام والشراب ، ورأينا النماء والبركة في أموالنا .
فلم يزل كذلك حتى أصبحنا ذات يوم ، وقد تساقط ثمرها ، وصغر ورقها ، فإذا قبض النبي صلى الله عليه و آله ، فكانت بعد ذلك تثمر دونه في الطعم والعظم
والرائحة .
وأقامت على ذلك ثلاثين سنة ، فأصبحنا يوما ، وقد ذهبت نضارة عيدآنها، فإذا قتل أمير المؤمنين عليه السلام ، فما أثمرت بعد ذلك قليلاً ولا كثيرا .
فأقامت بعد ذلك مدّة طويلة ، ثم أصبحنا ، وإذا بها قد نبع من ساقهادم عبيط ، وورقها ذابل(1) يقطر ماء كماء اللحم ، فإذا قتل الحسين عليه السلام(2) .
ص: 362
أجمع المفسّرون والمحدّثون سوى عطا والحسين والبلخي في قوله « اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ » إنّه [ قد ] اجتمع المشركون ليلة بدر إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فقالوا : إن كنت صادقا ، فشقّ لنا القمر فرقتين .
قال : إن فعلت تؤمنون ؟ قالوا : نعم .
فأشار إليه بإصبعه ، فانشق شقتين ، رؤي حرى(1) بين فلقيه .
وفي رواية : نصفا على أبى قبيس ، ونصفا على قعيقعان(2) .
وفى رواية : نصف على الصفا ، ونصف على المروة .
فقال صلى الله عليه و آله : اشهدوا ، اشهدوا ، فقال ناس : سحرنا محمد ، فقال رجل : إن كان سحركم ، فلم يسحر الناس كلّهم .
وكان ذلك قبل الهجرة ، وبقى قدر ما بين العصر إلى الليل ، وهم ينظرون إليه ويقولون : هذا « سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ » ، فنزل « وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا » الآيات .وفى رواية : أنّه قدم السفار من كلّ وجه ، فما من أحد قدم إلاّ أخبرهم أنّهم رأوا مثل ما رأوا(3) .
* * *
ص: 363
قال نصر بن المنتصر :
والقمر البدر المنير شقّه
فقيل سحر عجب لما رأى(1)
وغرس صلى الله عليه و آله نوى فنبت نخلاً ، وحملت الذهب الذي دفعه إلى سلمان ، وبارك فيه ، ووفى بكلّ ما كان عليه ، وما نقص منه ، وأرطبت في وقت واحدا(2) .
ص: 364
ص: 365
ص: 366
كان النبي صلى الله عليه و آله قبل المبعث موصوفا بعشرين خصلة من خصال الأنبياء ، لو انفرد واحد بأحدها لدلّ على جلاله ، فكيف من اجتمعت فيه ، كان نبيا :
[ 1 ] أمينا .
[ 2 ] صادقا .
[ 3 ] حاذقا .
[ 4 ] أصيلاً .
[ 5 ] نبيلاً .
[ 6 ] مكينا .
[ 7 ] فصيحا .
[ 8 ] عاقلاً .
[ 9 ] فاضلاً .
[ 10 ] عابدا .
[ 11 ] زاهدا .
[ 12 ] سخيا .
[ 13 ] كميا .
ص: 367
[ 14 ] قانعا .
[ 15 ] متواضعا .
[ 16 ] حليما .
[ 17 ] رحيما .
[ 18 ] غيورا .
[ 19 ] صبورا .
[ 20 ] موافقا مرافقا .
لم يخالط منجما ، ولا كاهنا ، ولا عيافا(1) .
ولمّا قالت قريش : إنّه ساحر علمنا أنّه قد أراهم ما لم يقدروا على مثله .
وقالوا : هذا مجنون لمّا هجم منه على شيء لم يفكر في عاقبته منهم .
وقالوا : هو كاهن ، لأنّه أنبأ بالغائبات .
وقالوا : معلم ، لأنّه قد أنبأهم بما يكتمونه من أسرارهم .
فثبت صدقه من حيث قصدوا تكذيبه .
وكان فيه خصال الضعفاء ، ومن كان فيه بعضها لا ينظم أمره .
ص: 368
كان يتيما ، فقيرا ، ضعيفا ، وحيدا ، غريبا ، بلا حصار ولا شوكة ، كثير الأعداء .
ومع جميع ذلك تعالى مكانه ، وارتفع شأنه ، فدلّ على نبوته .
وكان البدوي يرى وجهه الكريم ، فيقول : واللّه ما هذا وجه كذاب(1) .
وكان ثابتا في الشدائد وهو مطلوب ، وصابرا على البأساء والضراء وهو مكروب محروب ، وكان زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة ، فثبت له الملك .
ص: 369
وكان يشهد كلّ عضو منه على معجزة :
نوره :
كان إذا مشى في ليلة ظلماء بدا له نور ، كأنّه قمر(1) .
عائشة : فقدت إبرة ليلة ، فما كان في منزلي سراج ، فدخل النبي صلى الله عليه و آله ، فوجدت الإبرة بنور وجهه(2) .
حمزة بن عمر الأسلمي قال : نفرنا مع النبي صلى الله عليه و آله في ليلة ظلماء ، فأضاءت أصابعه(3) .
عرفه(4) :
جابر بن عبد اللّه : إنّه كان لا يمرّ في طريق فيمرّ فيه إنسان بعد يومين إلاّ عرف أنّه عبر فيه(5) .
مسلم : كان النبي صلى الله عليه و آله يقيل(6) عند أم سلمة ، فكانت تجمع عرقه ،
ص: 370
وتجعله في الطيب(1) .
عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال : أتي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بدلو من ماء فشرب ، ثم توضأ ، فتمضمض ثم مجّ مجّة في الدلو ، فصار مسكا أو أطيب من المسك(2) .
ظلّه :
لم يقع ظلّه على الأرض ، لأنّ الظلّ من الظلمة .
وكان إذا وقف في الشمس والقمر والمصباح نوره يغلب أنوارها(3) .
قامته :
كلّ ما مشى مع أحد كان أطول منه برأس ، وإن كان طويلاً .
رأسه :
كان يظلّه سحابة من الشمس ، وتسير لمسيرة ، وتركد لركوده ، ولا يطير الطير فوقه(4) .
عينه :
كان يبصر من ورائه كما يبصر من أمامه ، ويرى من خلفه كما يرى من قدامه(5) .
ص: 371
أنفه :
لم يشمّ به منذ خلقه اللّه - تعالى - رائحة كريهة .
فمه :
كان يمجّ في الكوز والبئر فيجدون له رائحة أطيب من المسك .
لسانه :
كان ينطق بلغات كثيرة(1) .
محاسنه :
كانت فيه سبع عشرة طاقة نور تتلألأ في عوارضه .
أُذنه :
كان يسمع في منامه كما يسمع في انتباهه ، ويسمع كلام جبرئيل عليه السلام عند الناس ولا يسمعونه(2) .
ربيع الأبرار : إنّه دخل أبو سفيان على النبي صلى الله عليه و آله وهو مقاد(3) ، فأحس بتكاثر الناس ، فقال في نفسه : واللات والعزى ، يا ابن أبي كبشة ، لأملأنّها عليك خيلاً ورجلاً ، وإنّى لأرجو أن أرقى هذه الأعواد ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : أو يكفينا اللّه شرّك يا أبا سفيان(4) .
صدره :
لم يكن على وجه الأرض أعلم منه .
ص: 372
ظهره :
كان بين كتفيه ختم(1) النبوة ، كلّما أبداه غطى(2) نوره نور الشمس ،
مكتوب عليه : « لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له توجه حيث شئت فأنت منصور »(3) .
في حديث جابر بن سمرة : رأيت خاتمة غضروف كتفيه مثل بيض الحمامة(4) .
وسئل الخدري عنه ، فقال : بضعة ناشزة(5) .
أبو زيد الأنصاري : شعر مجتمع على كتفيه(6) .
السائب بن يزيد : مثل زر الحجلة(7)(8) .
ولمّا شكّ في موت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفيه ، فقالت : قد توفي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قد رفع الخاتم(9) .
ص: 373
بطنه :
كان يشدّ عليه الحجر من الغرث(1) ، فتشبع .
قلبه :
كان تنام عيناه ولا ينام قلبه(2) .
يداه :
فار الماء من بين أصابعه(3) ، وسبح الحصى في كفّه(4) .
ركبه :
ولد مسرورا مختونا(5) ، وما احتلم قطّ ، لأنّ ذلك من الشيطان ، وكان له شهوة أربعين نبيا(6) .
جلوسه :عائشة: قلت: يا رسول اللّه، إنّك تدخل الخلاء، فإذا خرجت دخلت على أثرك فما أرى شيئا ، إلاّ أنّى أجد رائحة المسلك ؟ فقال : إنّا معشر الأنبياء تنبت أجسادنا على أرواح الجنة ، فما يخرج منه شيء إلاّ ابتلعته الأرض(7) .
ص: 374
وتبعه رجل علم صلى الله عليه و آله مراده ، فقال : إنّا معاشر الأنبياء لا يكون منّا ما يكون من البشر .
أم أيمن : أصبح رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : يا أم أيمن ، قومي فاهرقي ما في الفخارة - يعني البول - قلت : واللّه شربت ما فيها وكنت عطشى .
قالت : فضحك حتى بدت نواجذه ، ثم قال : أما إنّك لا تنجع بطنك أبدا(1) .
ومنه حديث دم الفصد(2) .
فخذه :
كلّ دابة ركبها النبي صلى الله عليه و آله بقيت على سنّها لا تهرم قطّ(3) .
رجلاه :
أرسلهما في بئر ماؤه أجاج فعذب(4) .
قوته :
كان لا يقاومه أحد .
إسحاق بن بشار : إنّ ركانة بن عبد بن زيد بن هاشم كان من أشدّ قريش فحلاً ، فقال له النبي صلى الله عليه و آله في وادي أصم : يا ركانة ، ألا تتّقي اللّه
ص: 375
وتقبل ما أدعوك إليه ، قال : إنّي لو أعلم أنّه حقّ لا تبعتك ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : أفرأيت إن صرعتك أتعلم أنّ ما أقول حقّ ؟ قال : نعم ، قال : قم حتى أصارعك .
قال : فقام إليه ركانة فصارعه ، فلمّا بطش به رسول اللّه صلى الله عليه و آله اضجعه .
قال : فعد ، فعاد فصرعه ، فقال : إنّ ذا العجب يا قوم ، إنّ صاحبكم أسحر أهل الأرض(1) .
حرمته :
كان القمر يحرّك مهده في حال صباه(2) ، وكان لا يمرّ على شجرة إلاّ سلّمت عليه(3) ، ولم يجلس عليه الذباب(4) ، ولم تدن منه هامة ولا سامة(5) .مشيه :
كان إذا مشى على الأرض السهلة لا يبين لقدمه أثر ، وإذا مشى على الصلبة بان أثرها(6) .
هيبته :
كان عظيما مهيبا في النفوس حتى ارتاعت رسل كسرى ، مع أنّه كان
ص: 376
بالتواضع موصوفا ، وكان محبوبا في القلوب حتى لا يقليه مصاحب ، ولا يتباعد عنه مقارب .
قال السدي : في قوله « سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ » لمّا ارتحل أبو سفيان والمشركين يوم أحد متوجهين إلى مكة قالوا : ما صنعنا ، قتلناهم حتى لم يبق منهم إلاّ الشريد ، وتركناهم إذ هموا ، وقالوا : ارجعوا فاستأصلوهم .
فلمّا عزموا على ذلك ألقى اللّه في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عمّا همّوا(1) .
وروي : أنّ الكفار دخلوا مكة كالمنهزمين مخافة أن يكون له الكرّة عليهم .
وقال صلى الله عليه و آله : نصرت بالرعب مسيرة شهر(2) .
قوله تعالى : « وَكَفَّ أَيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ » ، وذلك أنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا قصد خيبر ، وحاصر أهلها همّت قبائل من أسد وغطفان أن يغيروا على أهل المدينة ، فكفّ اللّه عنهم بإلقاء الرعب في قلوبهم(3) ، قوله تعالى : « هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ » .
وقال صلى الله عليه و آله : لم نخل من(4) ظفر ، أمّا في ابتداء الأمر ، وأمّا في انتهائه(5) .
ص: 377
وكان جميل بن معمر الفهري حفيظا لما يسمع ، ويقول : إنّ في جوفي لقلبين أعقل بكلّ واحد منهما أفضل من عقل محمد صلى الله عليه و آله !! فكانت قريش تسمّيه « ذا القلبين » .
فتلقّاه أبو سفيان يوم بدر ، وهو آخذ بيده إحدى نعليه ، والأخرى في رجله ، فقال له : يا أبا معمر ، ما الخبر ؟ قال : انهزموا ، قال : فما حال نعليك ؟ قال : ما شعرت إلاّ أنّها في رجلي لهيبة محمد صلى الله عليه و آله ، فنزل « ما جَعَلَ اللّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ »(1) .
* * *
أمير المؤمنين عليه السلام :
وينصر اللّه من لاقاه إنّ له
نصرا يمثل بالكفار إذ(2) عندوا* * *
ص: 378
ومن أوضح الدلالات على نبوته صلى الله عليه و آله
استيقان كافتهم بحدوده ، وتمكّن موجباتها في غوامض صدورهم حتى أنّهم يشتمون بالفسوق من خرج عن حدّ من حدوده ، وبالجهل من لم يعرفه ، وبالكفر من أعرض عنه ، ويقيمون الحدود ، ويحكمون بالقتل والضرب والأسر لمن خرج عن شريعته ، ويتبرأ الأقارب بعضهم من بعض في محبّته .
وإنّه بقي في نبوته نيفا وعشرين سنة بين ظهراني قوم ما يملك من الأرض إلاّ جزيرة العرب ، فاتسقت دعوته برّا وبحرا منذ خمسمائة وسبعين سنة ، مقرونا باسم ربّه ينادى بأقصى الصين والهند والترك والخرز والصقالبة والشرق والغرب والجنوب والشمال في كلّ يوم خمس مرات بالشهادتين بأعلى صوت بلا أجرة ، وخضعت الجبابرة لها ، ولا تبقى لملك نوبته بعد موته .
ص: 379
وعلى ذلك فسّر الحسن ومجاهد قوله تعالى « وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ » ما يقول المؤذنون على المنابر ، والخطباء على المنابر .
* * *
قال الشاعر :
وضمّ الإله اسم النبي إلى اسمه
إذا قال في الخمس المؤذن أشهد(1)
ومن تمام قوّته أنّها تجذب العالم من أدنى الأرض وأقصى أطرافها في كلّ عام إلى الحجّ حتى تخرج العذراء من خدرها ، والعجوز في ضعفها ، ومن حضرته وفاته يوصي بأدائه .
وقد نرى الصائم في شهر رمضان يتلهّب عطشا حتى يخوض الماء إلى حلقه ، ولا يستطيع أن يجرع منه جرعة .
وكلّ يوم خمس مرات يسجدون خوفا وتضرّعا ، وكذلك أكثر الشرائع .
وقد تخرب الناس في محبّته حتى يقول كلّ واحد : أنا على الحقّ وأنت لست على دينه .
* * *
ص: 380
[ قال ] الفرزدق(1) :
جعلت لأهل العدل عدلاً ورحمة
وبرء لآثار الجروح الكواتم
كما بعث اللّه النبي محمدا
على فترة والناس مثل البهائم
* * *
[ وقال ] البيياري :
اللّه قد أيّد بالوحي
محمدا ذا الأمر والنهى
يأمر بالعدل وينهى عن
الفحشاء والمنكر والبغي
* * *
ص: 381
ص: 382
مقدّمة المحقّق··· 5
المؤلف··· 15
تلامذته··· 18
أساتذته··· 18
مشايخ الرواية··· 19
مؤلفاته··· 22
شعره··· 24
وفاته··· 24
الكتاب وعملنا فيه··· 27
منهج الكتاب··· 29
الآيات··· 30
الشعر··· 31
التخريج والتوثيق··· 31
العناوين··· 33
النسخ··· 33
ختاما··· 34
وأخيرا··· 35
ص: 383
سبب تأليف الكتاب··· 39
طرق المؤلف··· 48
طرق العامة··· 49
أسانيد التفاسير والمعاني··· 57
أسانيد كتب الشيعة··· 60
منهج التأليف··· 62
اسم الكتاب والغرض من تأليفه··· 64
فصل 1 : في البشائر بنبوته
( 67 - 92 )
بشائر الأنبياء··· 69
خبر كعب بن لؤي بن غالب··· 69
خبر زيد بن عمرو بن نفيل··· 70
خبر تبع الأول··· 72
خبر سلمان الفارسي··· 74
خبر سيف بن ذي يزن··· 78
قصة ذبح عبد اللّه عليه السلام··· 82
راهب يبشّر طلحة في سوق بصرى··· 88
عفكلان الحميري يبشّر ابن عوف··· 88
كاهنة تبشر عثمان··· 89
بشائر بشر بن أوس وقس بن ساعدة··· 89
بشائر عبد المطلب وأبي طالب
عليهماالسلام··· 90
ص: 384
فصل 2 : في المنامات والآيات
( 93 - 104 )
رؤيا عبد المطلب عليه السلام··· 95
رؤيا العباس بن عبد المطلب··· 95
رؤيا أخرى لعبد المطلب عليه السلام··· 96
رؤيا كسرى يؤولها سطيح··· 97
ملك يهدد كسرى··· 98
النور في آباء النبي
صلى الله عليه و آله··· 99
نوره في جبين عبد المطلب
عليه السلام··· 99
نوره في وجه أبيه عبد اللّه
عليه السلام··· 100
قطّر دم يحيى عند مولده
صلى الله عليه و آله··· 102
انتقل نوره صلى الله عليه و آله الى آمنة عليهاالسلام يوم عرفة··· 102
كلام الأسد مع أبي طالب في شأن علي والنبي عليهم السلام··· 102
شعر العباس في النبي
صلى الله عليه و آله··· 103
فصل 3 : في مولده صلى الله عليه و آله
( 105 - 118 )
مشاهدات أمّه آمنه عليهاالسلام عند ولادته··· 107
مشاهدات عبد المطلب عند ولادته··· 109
عوّذه الإله بالأركان··· 110
حوادث عند الولادة··· 110
ص: 385
أحداث عند الفرس··· 112
إذا ولد آخر الأنبياء رجمت الشياطين··· 112
حجب إبليس عن السماوات كلّها··· 113
علّة النجوم التي ترمى بها··· 113
إستبشار المخلوقات بمولده
صلى الله عليه و آله··· 114
صيحة إبليس في أبالسته··· 114
سمعوا صوتا من الكعبة··· 115
تنكست الأصنام وسمعوا صيحة من السماء··· 115
أضاءت الدنيا وضحك الجماد وسبّح كلّ شيء··· 115
اصبري لي سبتا آتيك بمثله إلاّ النبوة··· 116
فصل 4 : في منشئه صلى الله عليه و آله
( 119 - 142 )
ولد مختونا مسرورا··· 121
رضع أياما من أبي طالب··· 121
رضاعه صلى الله عليه و آله··· 121
نمّوه··· 123
النبي صلى الله عليه و آله مع عبد المطلب وأبي طالب عليهماالسلام··· 125
إنّ اللّه لا يضيع محمدا
صلى الله عليه و آله··· 125
إنّي أخاف أن تغتال فتقتل··· 126
دعوا ابني فو اللّه إنّ له لشأنا عظيما··· 126
ص: 386
أبو طالب يحمل النبي من المدينة··· 127
عبد المطلب يوصي بالنبي··· 128
أبو طالب لم يفارقه في ليل أو نهار··· 129
اهتمامه بطعام النبي··· 130
مشاهدات أبي طالب··· 131
امتناعه صلى الله عليه و آله عن أكل الحرام··· 131
أمّره صبيان بني هاشم منذ الصغر··· 132
معجزة النخلة اليابسة في بيت أبي طالب··· 132
سفره الى الشام مع عمّه ولقاء بحيرا··· 133
لقاء أبي الميهب الراهب··· 137
لقاء نسطور··· 137
خروج ميسرة مع النبي ولقاء نسطورا··· 138
خطبة خديجة··· 140
فصل 5 : في مبعث النبي صلى الله عليه و آله
( 143 - 158 )
درجات بعثته··· 145
كيفية نزول الوحي··· 147
ورقة يعرف جبرئيل ويخبر النبي بنبوته !!··· 150
نزول جبرئيل على جواد أصفر··· 153
نزول جبرئيل وميكائيل ومعهم الملائكة والكراسي والتاج··· 153
ص: 387
نزول سورة تبت يدا أبي لهب··· 154
خطبة النبي ونزول سورة الضحى··· 155
إنذار الجن··· 156
قول خزيمة بن حكيم في النبي··· 158
فصل 6 : فيما لاقى النبي من الكفار
( 159 - 182 )
ردّ أبي طالب على أبي لهب··· 161
افتراءات القرشيين ونزول ن والقلم··· 161
نزول القرآن ردّا على قول النضر بن الحرث··· 162
الردّ على من قال للنبي أخرج الى الشام··· 162
الردّ على من أراد أغراه بالمال··· 163
الردّ على من قال أساطير الأولين··· 163
الردّ على من قال إنّما يعلّمه بشر··· 163
الردّ على قول الغرانيق العلى··· 164
لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ··· 165
الردّ على من قال ما وجد اللّه رسولاً غيرك ؟!··· 165
الردّ على من تعجب من إرسال يتيم أبي طالب··· 166
الردّ على من قال أنّه أولى بالنبوة من النبي··· 166
الردّ على أبي جهل··· 167
الردّ على خاف أن يتخطّفه الناس إن آمن··· 167
ص: 388
كان اليهود يستنصرون به ويعرفونه ثم أنكروه··· 167
إسلام ابن سلام ومحاججته اليهود··· 169
الردّ على طلب اليهود قربان تأكله النار··· 170
تحديث النضر بأخبار العجم··· 170
كتابة بعض المسلمين كتب أهل الكتاب··· 171
فرية الوليد بن المغيرة وقوله في القرآن··· 171
الردّ على من قال لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً··· 172
لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ··· 172
الردّ على إنكار العاص للمعاد··· 173
محاججة ابن الزبعرى··· 173
محاججة مع اليهود··· 174
استهزاؤهم بالتوحيد··· 174
طلب الاعتراف بالآلهة··· 174
عيّروا النبي بكثرة التزوّج··· 175
تهديد أبي جهل··· 175
موقف قريش وتحدياتهم··· 175
قريش تطلب الآيات··· 176
إستهزاؤهم بالنبي··· 177
إنكار أبي بن خلف المعاد··· 178
حرب أبي لهب والعباس مع النبي ودفاع أبي طالب··· 178
يعبدون اللّه على حرف··· 180
تهديد أبي جهل··· 180
ص: 389
مساومتهم على الدين··· 180
عقبة يشتم النبي ويجرّه··· 181
أبو جهل يشتم النبي··· 181
أبيات لحمزة عليه السلام··· 181
فصل 7 : في استظهاره صلى الله عليه و آله بأبي طالب
( 183 - 206 )
تهديد أبي طالب··· 185
واللّه لن يصلوا إليك بجمعهم··· 186
موقف أبي طالب من مطالب قريش··· 187
حرب الفرث والدم··· 189
خطاب النبي لأهل قليب بدر··· 190
مقايضتهم النبي بعمارة··· 191
تبييت قريش ووصية أبي طالب··· 193
حضّ حمزة على اتباع النبي··· 194
قوله لابنه طالب··· 195
كتابه الى النجاشي يدعوه الى الإسلام··· 196
المحاصرة في الشعب··· 196
من قصيدة له··· 199
أبو طالب يفدي النبي ببنيه··· 200
مقايضة أخرى مع أبي طالب··· 201
ص: 390
ميرة أبي العاص الى الشعب··· 202
مدّة المكث في الشعب··· 202
خبر الصحيفة··· 202
الخروج من الشعب··· 203
فصل 8 : فيما لقيه صلى الله عليه و آله من قومه بعد موت عمّه
( 207 - 214 )
ما نال منّي قريش شيئا حتى مات أبو طالب··· 209
أم جميل تحمل على النبي··· 209
خروج النبي الى الطائف بعد وفاة أبي طالب··· 210
قولهم عند وفاة أبي طالب وخديجة··· 211
كتاب أبي جهل الى النبي
صلى الله عليه و آله وردّ النبي عليه··· 211
فصل 9 : في حفظ اللّه - تعالى - له من المشركين وكيد الشياطين
( 215 - 232 )
محاولة إغتيال النبي··· 217
لو دنا منّي لاختطفته الملائكة··· 218
تعاقدوا على قتله فقتلهم اللّه ··· 218
يا أرض خذيه··· 219
رماه أبو جهل بحصاة فوقفت الحصاة معلّقه··· 220
يا شيب قاتل الكفار··· 220
ص: 391
اللّهم اكفنيهما بما شئت··· 221
دعا عليهم النبي فأخذ اللّه بأبصارهم··· 222
عاقبة المستهزئين··· 223
أرادوا قتله فأعماهم اللّه ··· 227
كلّ من رمى سهما عاد السهم إليه··· 228
محاولة يهودي إغتيال النبي
صلى الله عليه و آله ودفاع جبرئيل عنه··· 228
هدد النبي فوثب به فرسه فاندقت رقبته··· 229
شجاعان أقرعان يثبان على معمر بن يزيد··· 229
رجوع المزراق على كلدة بن أسد··· 230
حيلولة الأساود بينه وبين النضر بن الحارث··· 230
رفع يده ليرمي النبي بحجر فيبست يده··· 231
قاموا ليأخذوه فجمعت أيديهم إلى أعناقهم··· 231
أراد أبو لهب ضرب النبي بالحجر فثبتت يده في الهواء··· 231
أراد أبو جهل ضرب النبي بالحجر فأمسكت من يده··· 232
تكمّن نضر بن الحرث لقتل الني فخاف··· 232
فصل 10 : في استجابة دعواته صلى الله عليه و آله
( 233 - 256 )
من دعا عليهم··· 235
دعاؤه على بني شجاعة··· 235
دعا فساخ الجبل··· 235
ص: 392
دعاؤه على ابن قمية··· 236
دعاؤه على الأحزاب··· 236
وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ··· 236
دعاؤه على كسرى··· 237
رواية الماوردي لدعوة كسرى الى الإسلام··· 238
اللّهم عمّ عليهم الطريق··· 239
اللّهم سلّط عليه كلبا من كلابك··· 239
دعا على الحكم فلم يزل يرتعش حتى مات··· 241
دعا عليها فبرصت··· 241
اللّهم أعذني من شيطانه··· 241
فتح اللّه شعرك··· 241
دعا على رجل فما نالت يمينه فاه بعد··· 242
دعاؤه على بني حارثة بن عمرو··· 242
اللّهم أطل شقاه وبقاه··· 242
دعاؤه على مضر··· 243
اللّهم أخس سهمه··· 244
دعاؤه على من كاد الوصي برمية··· 245
من دعا لهم··· 248
دعاؤه للفرس··· 248
اللّهم ألّف بينهما··· 248
دعاؤه للمرأة العمياء··· 249
دعاؤه لقيصر··· 249
ص: 393
دعاؤه لأبي طالب··· 250
دعاؤه لعمرو بن أخطب··· 250
دعاؤه لجعفر بن نسطور الرومي··· 250
دعاؤه للنابغة··· 251
دعاؤه لعمرو بن الحمق··· 251
دعاؤه لعبد اللّه بن جعفر··· 251
دعاؤه لتميرات أبي هريرة··· 252
دعاؤه لابن عباس··· 252
دعاؤه لأمير المؤمنين عندما وجهه الى اليمن··· 252
دعاؤه لسعد !!!··· 253
دعاؤه لعامر بن الأكوع··· 253
اللّهم أطلق لسان سلمان··· 254
أبيات لأمير المؤمنين··· 255
فصل 11 : في الهواتف في المنام أو من الأصنام
( 257 - 268 )
( لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا )··· 259
صنم عتيرة··· 259
هاتف على أبي قبيس··· 259
هاتف في بعض طرقات الشام··· 260
آت أتى سواد بن قارب··· 261
ص: 394
صوت الجنّ بمكة ليلة خروج النبي صلى الله عليه و آله··· 262
هاتف من جبال مكة يوم بدر··· 263
هاتف يصيح بعباس بن مرداس··· 264
هاتف يكلّم سيار الغساني··· 264
هاتف من جوف صنم··· 265
كلام شيطان من جوف هبل··· 266
صائح يصيح في جوف الصنم··· 266
سمع عمر صوتا من جوف العجل المذبوح للوثن··· 267
فصل 12 : في نطق الجمادات
( 269 - 282 )
( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ )··· 271
أمير المؤمنين يسمع تسليم الأشجار والأحجار على النبي··· 271
الطعام يسبّح والنبي يأكل··· 271
تسبيح الحصى في يده··· 271
حجر ما مرّ عليه النبي إلاّ سلّم عليه··· 272
حنين الجذع اليه··· 272
الذراع المسمومة تكلّم النبي··· 274
أمر الجبل فشهد له··· 276
رموا النبي وعلي عليهماالسلام بالحجارة··· 277
فكلّمتهما وأنطق اللّه الجنائز لتشهد لهما··· 277
ص: 395
تكلّم البساط والسوط والحمار··· 278
شهادة الشجرة بالتوحيد والنبوة والولاية··· 279
تكملة اللطائف··· 280
شجرة من مكة نطقت بالشهادة على نبوته··· 280
فصل 13 : في كلام الحيوانات
( 283 - 300 )
استنطق الضبّ فشهد الشهادتين··· 285
ظبية مربوطة تطلب من النبي أن يخلّيها··· 286
انقياد الجمل القطم··· 287
جمل يشكو اليه قلّة العلف وثقل الحمل··· 288
جمل يستغيث به من أصحابه··· 289
ناقة تشهد عنده على سارقها··· 290
تكلّم الحمار « عفير » معه
صلى الله عليه و آله··· 290
قصّة ناقته العضباء··· 291
عنز يسجد للنبي وأبو بكر ينوي الإقتداء به··· 292
قصّة سفينة مولى النبي والأسد··· 292
ذئب يخبر أبا ذر ببعثة النبي··· 293
ذئبان يحثّان الراعي على الإسلام ويكلّمان النبي وعلي··· 295
حيّة عظيمة عرّفت نفسها للنبي··· 297
صبي ابن شهرين يسلّم على النبي بالرسالة··· 297
ص: 396
صبي شبّ لم يتكلّم فسأله النبي فتكلّم··· 298
وافد السباع يطلب من النبي رزقه··· 298
دفع الحية عن الوادي وردّ النخلة من ساعتها··· 299
أنا مالك بعثني رسول اللّه
صلى الله عليه و آله··· 300
فصل 14 : في تكثير الطعام والشراب
( 301 - 314 )
( وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً )··· 303
أصاب الناس مجاعة في تبوك··· 303
تميرات أكل منها ثلاثة آلاف رجل··· 304
طبخ له ضلعا وقت بيعة العشيرة··· 304
أطعم القوم بيت جابر بجدي وصاع شعير··· 304
يا أم سليم هلمّي بما عندك··· 305
صحفة أصحاب الصفة··· 306
في عرس زينب بنت جحش··· 306
عكة أم شريك··· 306
أعطى لعجوز قصعة فيها عسل··· 307
أطعم رجلاً وسق شعير··· 307
جراب أبي هريرة··· 307
جاشت البئر فاغترفوا وهم جلوس على شفتها··· 308
أيّها الماتح دلوي دونكا··· 309
ص: 397
اغرز السهم في بعض قُلب الحديبية··· 309
وضع يده ويد علي في التنّور فنبع الماء··· 310
نبع الماء من بين أصابعه يوم الشجرة··· 310
غرز سهما في ركي ففار الماء··· 311
وضع يده تحت وشل فانخرق الماء··· 311
تفجّر الماء من بين أصابعه في غزوة بني المصطلق··· 311
وضع يده في الإناء ففار الماء من بين أصابعه··· 312
نبع الماء من بين أصابعه حتى روى القوم··· 312
وضع يده في القدح فشرب الجيش··· 312
فصل 15 : في معجزات أقواله صلى الله عليه و آله
( 315 - 342 )
الآيات··· 317
انقضاض الكواكب··· 317
كشف اللّه عنهم بدعاء النبي ثم عادوا كفارا··· 318
ما قاله صلى الله عليه و آله عن فارس والروم··· 318
إخباره بموت النجاشي··· 319
إخباره عمّه العباس بماله الذي خبّأه في مكة··· 320
إخباره جماعة أنّهم لا يزكون··· 321
حكمه لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ واعتراض عمر··· 321
النعاس الذي غشى أصحابه في الحرب··· 322
ص: 398
حكمه على اليهود أنّهم لن يتمنوا الموت··· 322
حكمه على أهل نجران··· 322
إخباره بهبوب ريح عظيمة··· 322
إخباره بموت رجل عظيم النفاق··· 323
إخباره بمقتل الأسود العنسي··· 323
إخباره بانتصار العرب على العجم··· 323
إخباره بشهادة اللواء في مؤتة··· 324
إخباره سراقة أنّه سيلبس سواري كسرى··· 324
إخباره سلمان أنّه سيلبس تاج كسرى··· 325
إخباره أبا ذر أنّه يُخرج من المدينة··· 325
إخباره بقطع يد زيد بن صوحان··· 325
إخباره بفتح مصر··· 325
إخباره بفتح رومية··· 326
إخباره عن طوائف من أمّته تغزو في البحر··· 326
إخباره أنّ الزبير يقتل ياسرا··· 326
إخباره طلحة والزبير أنّهما سيقاتلان عليا وهما ظالمان··· 326
إخباره عائشة أنّها ستنبح عليها كلاب الحوأب··· 327
إخباره فاطمة أنّها أول أهله لحوقا به··· 327
إخباره عليا أنّه سيعطى الراية غدا··· 327
إخباره عليا أنّه يقاتل الطوائف الثلاث··· 328
إخباره أنّهم لن ينالوا مثلها أبدا··· 328
إخباره بقتل علي والحسنين وعمار··· 328
ص: 399
إخباره أنّهم يغزون ولا يُغزون··· 328
إخباره بارتداد أحد أصحابه··· 329
إخباره بإحراق سمرة··· 329
إخباره بقتل أبي بن خلف··· 329
إخباره الأنصار أنّهم سيرون بعده إثرة··· 330
إخباره بدخول رجل من ربيعة يتكلّم بكلام الشيطان··· 330
إخباره أنّ أحد جبابرة بني أمية سيرعف على منبره··· 331
إخباره أنّ الأئمة من قريش··· 331
إخباره بنسب رجل من بني سهم··· 332
إخباره بما جرى في الإسراء
عليهاالسلام··· 332
إخباره بمقتل خبيب في مكة وردّ سلامه··· 332
إخباره أنّ دينه يطبّق الأرض··· 333
كتب عهدا يوصي بحيّ سلمان « كازرون »··· 333
كتابه لأهل تميم الداري··· 334
كتابه للعباس··· 335
عجائب تدبيره أمر دينه··· 335
إخباره بما سيبلغ ملك أمّته··· 335
إخباره عدي بن حاتم ببعض الفتوحات··· 336
إخباره عن ملك كندة··· 336
إخباره كنانة والربيع بموضع آنيتهما··· 337
إخباره بما في نفس الجارود وسلمة··· 338
إخباره بما في نفس الأنصاري والثقفي··· 339
ص: 400
إخباره بما في نفس أبي بدر··· 340
تحويل كيس الدراهم الى دنانير··· 340
إخباره أبا ذر بقتل ابن أخيه··· 340
إخباره بما يقوله الجلندي··· 341
إخباره السائل بما رأى في المنام··· 342
إخباره أبا شهم بما جرى له مع الجارية··· 342
فصل 16 : في معجزات أفعاله صلى الله عليه و آله
( 343 - 364 )
شفاء جابر··· 345
شفاء الطفيل من الجذام··· 345
شفاء حسان الخزاعي من الجذام··· 345
شفاء قيس اللخمي من البرص··· 345
شفاء البراء ملاعب الأسنة من الإستسقاء··· 346
شفى ساعد محمد بن خاطب··· 346
دعاؤه لغلام أن يعيش قرنا··· 347
شفاء صبي من عاهته··· 347
لزق يد عبد اللّه بن عتيك المقطوعة··· 347
نفخ في عين علي فصحّ من الرمد··· 348
ردّ العين التي فقئت··· 348
مسح على رجل وركبة وعين أصيبت فعادت سالمة··· 349
ص: 401
ردّ على زهرة بصرها··· 350
شفاء رجل عبد اللّه بن عتيك··· 350
قتل أبيّ بن خلف بخدشة··· 351
تفل في بئر فعذب ماؤها··· 352
تفل في بئر ففاضت··· 352
إمرأة متبرزة أكلت من فلق فيه فصارت ذات حياء··· 352
نفث على يمين جرهد فما اشتكاها··· 352
أعطى قتادة عرجونا يستضيء به··· 353
أعطى عبد اللّه بن الطفيل نورا في سوطه··· 353
أسمع الطفيل وقد حشى أذنيه بكرسف وجعل له آية في سوطه··· 353
ضرب ثلاث ضربات في كلّ ضربة لمعة··· 354
نضح الماء على الكذانة فعادت كالكندر··· 355
صار الجريد حساما صقيلاً··· 356
غمز أصول آذان الغنم فابيضت··· 357
أكلت الشاة النوى من يده··· 357
رمى الأصنام بكفّ من حصى ناوله علي فانكبت لوجهها··· 357
وضع يده على تمثال العقاب فأذهبه اللّه ··· 357
مسح على ضرع شويهة خباب فدرّت··· 358
قصّة نخلة الجيران··· 358
شاة أم معبد الخزاعية··· 359
مسح ضرع شاة حائل فدرّت··· 361
ص: 402
قصة العوسجة المباركة··· 362
شقّ القمر شقّتين··· 363
غرس نوى فنبت نخلاً··· 364
فصل 17 : في معجزاته في ذاته
( 365 - 382 )
أوصاف الأنبياء فيه قبل المبعث··· 367
ثبت صدقه من حيث قصدوا تكذيبه··· 368
خصال دلّت على نبوته··· 368
خصال أثبتت له الملك··· 369
شهادة كلّ عضو منه على معجزة··· 370
أوضح الدلالات على نبوته صلى الله عليه و آله··· 379
استيقان كافتهم بحدوده··· 379
انتشار دعوته واقتران اسمه باسم ربّه··· 379
الاستجابة للحجّ والصوم وباقي العبادات··· 380
الفهرست··· 383
ص: 403
عنوان و نام پديدآور:مناقب آل ابی طالب/ تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب. تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.
مشخصات نشر:قم: المکتبه الحیدریه، 1432ق = 1390.
مشخصات ظاهری:12ج
وضعیت فهرست نویسی:در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)
يادداشت:ج.9. (چاپ اول)
شماره کتابشناسی ملی:2481606
ص: 1
مناقب آل أبي طالب
المؤلف: رشيد الدين أبي عبد اللَّه محمد بن علي بن شهرآشوب
المحقّق: السيّد علي السيّد جمال أشرف الحسيني
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحيم
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
علي بن إبراهيم بن هاشم : ما زال أبو كرز الخزاعي يقفو أثر النبي صلى الله عليه وآله ، فوقف على باب الحجر - يعني الغار - فقال : هذه قدم محمد صلى الله عليه وآله ، واللَّه أخت القدم التي في المقام ، وقال : هذه قدم أبي قحافة أو ابنه ، وقال : ما جازوا هذا المكان ، إمّا أن يكونوا صعدوا في السماء ، أو دخلوا في الأرض .
* * *
وجاء فارس من الملائكة في صورة الإنس ، فوقف على باب الغار وهو يقول لهم : اطلبوه في هذه الشعاب ، فليس ها هنا(1) .
* * *
وتبعه القوم ، فعمّى [ اللَّه ] أثره ، وهو نصب أعينهم ، وصدّهم عنه ، وهم دهاة العرب(2) .
* * *
وكان الغار ضيّق الرأس ، فلمّا وصل إليه النبي صلى الله عليه وآله اتسع بابه ، فدخل بالناقة ، فعاد الباب وضاق كما كان في الأول .
* * *
ص: 7
الواقدي : لمّا خرج النبي صلى الله عليه وآله إلى الغار ، فبلغ الجبل وجده مصمتاً(1) ، فانفرج حتى دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله الغار .
* * *
زيد بن أرقم ، وأنس ، والمغيرة : أمر اللَّه شجرة [ صغيرة ] ، فنبتت في وجه الغار ، وأمر العنكبوت فنسجت في وجهه ، وأمر حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار(2) .
* * *
وروي أنّه أنبت اللَّه - تعالى - على باب الغار ثمامة ، وهي شجرة صغيرة(3) .
* * *
الزهري : ولمّا قربوا من الغار بقدر أربعين ذراعاً تعجّل بعضهم لينظر من فيه ، فرجع إلى أصحابه ، فقالوا له : ما لك لا تنظر في الغار ؟ قال : رأيت حمامتين بفم الغار ، فعلمت أن ليس فيه أحد ، وسمع النبي صلى الله عليه وآله ما قال ، فدعا لهن ، وفرض جزاهن ، فاتخذن في الحرم(4) .
* * *
ص: 8
ورأى أبو بكر واحداً يبول قبلهم ، فقال : قد أبصرونا ! فقال النبي صلى الله عليه وآله : لو أبصرونا لمّا استقبلونا بعوراتهم(1) .
* * *
[ قال ] الحميري :
حتى إذا قصدوا لباب مغارة
ألفوا عليه نسج غزل العنكب
صنع الإله "له" فقال فريقهم
ما في المغار لطالب من مطلب
ميلوا فصدّهم المليك ومن يرد
عنه الدفاع مليكه لم يعطب(2)
* * *
وله [ أيضاً ] :
فصدّهم عن غاره عنكب له
على بابه سدّى ووشى فجودا
فقال زعيم القوم ما فيه مطلب
ولم يظفر الرحمن منهم به يدا
* * *
[ وقال ] القيرواني :
حمت لديك حمام الوحش جاثمة
كيداً بكلّ غويّ القلب مختبل
والعنكبوت أجادت حوك حلّتها
فما تخاف خلال النسج من خلل
قالوا وجاءت إليه سرحة سترت
وجه النبي بأغصان لها هدل(3)
* * *
ص: 9
وفى خطبة القاصعة عن أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ النبي صلى الله عليه وآله قال : أيّتها الشجرة ، إن كنت تؤمنين باللَّه واليوم الآخر ، وتعلمين أنّي رسول اللَّه ، فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يدي بإذن اللَّه .
فواللَّه الذي بعثه بالحقّ ، لانقلعت بعروقها ، وجاءت ولها دويّ شديد ، وقصف كقصف أجنحة الطير ، حتى وقفت بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مرفرفة ، وألقت بغصنها الأعلى على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وببعض أغصانها على منكبي ، وكنت عن يمينه .
فلمّا نظر القوم إلى ذلك ، قالوا علوّاً واستكباراً : فمرها فليأتك نصفها ، "ويبقى نصفها" .
فأمرها بذلك ، فأقبل إليه نصفها كأعجب(1) إقبال ، وأشدّه دويّاً ، فكانت تلتف برسول اللَّه صلى الله عليه وآله .
فقالوا كفراً وعتوّاً : فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه .
فأمره صلى الله عليه وآله ، فرجع ، فقال القوم : ساحر كذّاب ، عجيب "السحر" ، خفيف فيه(2) .
ابن عباس عن أبيه : قال أبو طالب عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله : يا بن أخ ، أللَّه
ص: 10
أرسلك(1) ؟ قال : نعم ، قال : فأرني آية ، ادع لي تلك الشجرة ، فدعاها حتى سجدت بين يديه ، ثم انصرفت .
فقال أبو طالب عليه السلام : أشهد أنّك صادق رسول ، يا علي صل جناح ابن عمّك(2) .
ابن عباس : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسأله آية ، فدعا النبي صلى الله عليه وآله العذق ، فجاء العذق ينزل من النخلة حتى سقط في الأرض ، فجعل ينقز(3) حتى أتى النبي صلى الله عليه وآله ، فقال له : عد إلى مكانك ، فعاد إلى مكانه ، فأسلم الأعرابي(4) .
وفى رواية : فدعا العذق ، فلم يزل يأتي ويسجد حتى انتهى إلى النبي صلى الله عليه وآله يتكلّم .
* * *
ص: 11
وفي دعائك للأشجار حين أتت
تمشي بأمرك في أغصانها الدلل
وقلت عودي فعادت في منابتها
تلك العروق بإذن اللَّه لم تمل(1)
وكان أبو جهل يقول : ليت لمحمد صلى الله عليه وآله إليّ حاجة ، فأسخر منه وأردّه ، إذ اشترى أبو جهل من رجل طارى ء(2) بمكة إبلاً ، فلواه حقّه(3) ، فأتى نادي قريش مستجيراً بهم، فأحالوه إلى النبي صلى الله عليه وآله استهزاءاً به، لقلّة منعته عندهم.
فأتى الرجل مستجيراً به ، فمضى صلى الله عليه وآله معه ، وقال : قم يا أبا جهل وأدّ إلى الرجل حقّه، وإنّما كنّاه(4) أبا جهل ذلك اليوم، وكان اسمه «عمرو بن هشام».
فقام مسرعاً وأدّى حقّه ، فقال بعض أصحابه : فعل ذلك فرقاً من محمد صلى الله عليه وآله ، قال : ويحكم اعذروني ، إنّه لمّا أقبل رأيت عن يمينه رجالاً بأيديهم حراب تتلألأ ، وعن يساره ثعبانان تصطك(5) أسنانهما ، وتلمع النيران من أبصارهما ، فلو امتنعت لم آمن أن يبعجوا بالحراب بطني ، ويقضمني الثعبانان(6) .
ص: 12
ابن مسعود : لمّا دخل النبي صلى الله عليه وآله الطائف رأى عتبة وشيبة جالسين على سرير ، فقالا : هو يقوم قبلنا .
فلمّا قرب النبي صلى الله عليه وآله منهما خرّ السرير ، ووقعا على الأرض ، فقالا : عجز سحرك عن أهل مكة فأتيت الطائف !
* * *
والسرح بالشام لمّا جئتها سجدت
شمّ الذوائب من أفنانها الخضل
وكان النبي صلى الله عليه وآله يخبر بالسرائر ، وكان المنافقون لا يخوضون في شي ء من أمره إلّا أطلعه اللَّه عليه ، حتى كان بعضهم يقول لصاحبه : اسكت وكفّ ، فواللَّه لو لم يكن عنده إلّا الحجارة ، لأخبرته حجارة البطحاء(1) .
وقال أبو سفيان في فراشه مع هند : العجب ! يرسل يتيم أبي طالب "ولا" أرسل ! فقصّ عليه النبي صلى الله عليه وآله من غده .
فهمّ أبو سفيان بعقوبة هند لإفشاء سرّه ، فأخبره النبي صلى الله عليه وآله بعزمه في عقوبتها ، فتحيّر أبو سفيان .
ص: 13
قتادة : قال أبيّ بن خلف الجمحي - وفي رواية غيره : صفوان بن أمية المخزومي - لعمير بن وهب الجمحي : عليّ نفقاتك ونفقات عيالك ما دمت حيّاً إن سرت إلى المدينة وقتلت محمداً في نومه ، فنزل جبرئيل عليه السلام بقوله « سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ » الآية .
فلمّا رآه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال : لم جئت ؟ فقال : لفداء أسرى عندكم ، قال : وما بال السيف ؟ قال : قبحها اللَّه ، وهل أغنت من شي ء ؟ قال : فماذا شرطت لصفوان بن أمية في الحجر ؟ قال : وماذا شرطت ؟ قال : تحمّلت له بقتلي على أن يقضي دينك ، ويعول عيالك ، واللَّه حائل بيني وبينك .
فأسلم الرجل ، ثم لحق بمكة ، وأسلم معه بشر ، وحلف صفوان لا يكلّمه أبداً(1) .
فقال صلى الله عليه وآله : واللَّه ، إنّي لا أعلم إلّا ما علّمني ربّي ، وقد أخبرني أنّها في وادي كذا متعلّق زمامها بشجرة ، فكان كما قال(1) .
* * *
وأخبر الناس عمّا في ضمائرهم
مفصّل بجواب غير محتمل
الصادق عليه السلام في خبر : إنّه ذكر قوة اللحم عند رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فقال : ما ذقته منذ كذا ، فتقرّب إليه فقير بجدي كان له فشواه ، وأنفذه إليه ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : كلوه ولا تكسروا عظامه .
فلمّا فرغوا أشار إليه ، وقال : انهض بإذن اللَّه ، فأحياه ، فكان يمرّ عند صاحبه كما يساق(2) .
وأتي أبو أيوب بشاة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في عرس فاطمة عليها السلام ، فنهاه جبرئيل عليه السلام عن ذبحها ، فشقّ ذلك عليه ، فأمر صلى الله عليه وآله لزيد بن جبير الأنصاري ، فذبحها بعد يومين .
ص: 15
فلمّا طبخ أمر ألّا يأكلوا إلّا باسم اللَّه ، وأن لا يكسروا عظامها ، ثم قال : إنّ أبا أيوب رجل فقير ، إلهي أنت خلقتها ، وأنت أفنيتها ، وإنّك قادر على إعادتها ، فأحيها يا حي لا إله إلّا أنت .
فأحياها اللَّه ، وجعل فيها بركة لأبي أيوب ، وشفاء المرضى في لبنها ، فسمّاها أهل المدينة « المبعوثة » .
وفيها قال عبد الرحمن بن عوف أبياتاً منها :
ألم ينظروا شاة ابن زيد وحالها
وفي أمرها للطالبين مزيد
وقد ذبحت ثم استجزاها بها
وفضلها فيما هناك يزيد
وأنضج منها اللحم والعظم والكلى
فهلهله بالنار وهو هريد
فأحيى له ذو العرش واللَّه قادر
فعادت بحال ما يشاء يعود(1)
وفي خبر عن سلمان : أنّه لمّا نزل صلى الله عليه وآله دار أبي أيوب لم يكن له سوى جدي ، وصاع من شعير ، فذبح [ له ] الجدي وشواه ، وطحن الشعير وعجنه وخبزه ، وقدّم بين يدي النبي صلى الله عليه وآله ، فأمر بأن ينادى : ألا من أراد الزاد فليأت دار أبي أيوب .
فجعل أبو أيوب ينادي ، والناس يهرعون كالسيل ، حتى امتلأت الدار ، فأكل الناس بأجمعهم ، والطعام لم يتغيّر ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : اجمعوا العظام .
ص: 16
فجمعوها ، فوضعها في إهابها ، ثم قال : قومي بإذن اللَّه تعالى ، فقام الجدي ، فضجّ الناس بالشهادتين(1) .
أمير المؤمنين عليه السلام قال : لمّا غزونا خيبر ، ومعنا من يهود فدك جماعة ، فلمّا أشرفنا على القاع إذا نحن بالوادي والماء يقلع الشجر ، ويدهده الجبال .
قال : فقدّرنا الماء ، فإذا هو أربع عشرة قامة ، فقال بعض الناس : يا رسول اللَّه ، العدو من ورائنا ، والوادي قدّامنا !
فنزل النبي صلى الله عليه وآله ، فسجد ودعا ، ثم قال : سيروا على اسم اللَّه .
قال : فعبرت الخيل والإبل والرجال(2) .
عن الحسين : إنّ رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول اللَّه ، إنّي قدمت من سفر لي ، فبينما بنية خماسية تدرج حولي في حليّها ، فأخذت بيدها ، وانطلقت بها إلى وادي فلان ، فطرحتها فيه ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : انطلق معي فأرني الوادي .
ص: 17
فانطلق معه ، فأراه الوادي ، فقال النبي صلى الله عليه وآله لاُمّها : ما كان اسمها ؟ قالت : فلانة ، فقال صلى الله عليه وآله : يا فلانة ، أجيبيني بإذن اللَّه .
فخرجت الصبية وهي تقول : لبيك - يا رسول اللَّه - وسعديك ، فقال لها : إنّ أبويك قد أساءا ، فإن أحببت أن أردّك عليهما ؟ فقالت : يا رسول اللَّه ، لا حاجة لي فيهما ، وجدت اللَّه خيراً لي منهما(1) .
وقالت قريش لأبي لهب : إنّ أبا طالب هو الحائل بيننا وبين محمد صلى الله عليه وآله ، ولو قتلته لم ينكر أبو طالب ، وأنت برئ من دمه ، ونحن نؤدّي الديّة ، وتسود قومك ، قال : فإنّي أكفيكموه .
فنزل أبو لهب إليه ، وتسلقت امرأته الحائط حتى وقفت على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فصاح به أبو لهب ، فلم يلتفت إليه ، وهما كانا لا ينقلان قدماً ، ولا يقدران على شي ء حتى انفجر الصبح .
وفرغ النبي صلى الله عليه وآله من الصلاة ، فقال أبو لهب : يا محمد ، أطلقنا ، قال : لا أطلق عنكما أو تضمنا لي أنّكما لا تؤذياني ، قالا : قد فعلنا ، فدعا ربّه ، فرجعا .
جابر : خرج النبي صلى الله عليه وآله إلى المسلمين وقال : جدّوا في الحفر ، فجدّوا
ص: 18
واجتهدوا ، ولم يزالوا يحفرون حتى فرغ الحفر ، والتراب حول الخندق تلّ عال ، فأخبرته بذلك ، فقال : لا تفزع - يا جابر - فسوف ترى عجباً من التراب .
قال : وأقبل الليل ، ووجدت عند التراب جلبة ، وضجّة عظيمة ، وقائل يقول :
انتسفوا التراب والصعيدا
واستودعوه بلداً بعيدا
وعاونوا محمد الرشيدا
قد جعل اللَّه له عميدا
أخاه وابن عمّه الصنديدا
فلمّا أصبحت لم أجد من التراب كفّاً واحداً .
* * *
[ قال ] أمير المؤمنين عليه السلام :
إنّ الذي قد اصطفى محمدا
وأظهر الأمر به وأيّدا
وسرّ من والى واكبا الحسّدا
وأحسن الذخر له ومهّدا
وجاء بالنور المضئ المحمدا
وناصح اللَّه وخاف الموعدا
* * *
ص: 19
ص: 20
ص: 21
ص: 22
سلمان قال : لمّا قدم النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة تعلّق الناس بزمام الناقة ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا قوم، دعوا الناقة، فهي مأمورة ، فعلى باب من بركت فأنا عنده .
فأطلقوا زمامها ، وهي تهف(1) في السير حتى دخلت المدينة ، فبركت على باب أبي أيوب الأنصاري(2) ، ولم يكن في المدينة أفقر منه ، فانقطعت(3) قلوب الناس حسرة على مفارقة النبي صلى الله عليه وآله .
فنادى أبو أيوب : يا أماه ، افتحي الباب ، فقد قدم سيد البشر ، وأكرم ربيعة ومضر ، محمد المصطفى صلى الله عليه وآله والرسول المجتبى .
فخرجت وفتحت الباب ، وكانت عمياء ، فقالت : وا حسرتى ، ليت كان لي عين أبصر بها إلى وجه سيدي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله .
فكان أول معجزة النبي صلى الله عليه وآله في المدينة أنّه وضع كفّه على وجه أم [ أبي ] أيوب ، فانفتحت عيناها(4) .
ص: 23
محمد بن إسحاق ، في خبر طويل عن كثير بن عامر : إنّه طلع من الأبطح راكب ، ومن ورائه سبع عشرة ناقة محمّلة ثياب ديباج ، على كلّ ناقة عبد أسود يطلب النبي صلى الله عليه وآله الكريم ، ليدفعها إليه بوصية أبيه ، فأومى ابن أبي البختري إلى أبي جهل ، وقال : هذا صاحبك ، فلمّا دنا منه قال : ما أنت بصاحبي .
فما زال يدور حتى رأى النبي صلى الله عليه وآله ، فسعى إليه ، وقبّل يديه ورجليه ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : ألست أنت ملجأ ناجي بن المنذر السكاسكي(1) ؟ قال : بلى يا رسول اللَّه .
قال صلى الله عليه وآله : فأين السبع عشرة ناقة محمّلة ذهباً وفضة ودرّاً وياقوتاً وجواهراً ووشياً وملحماً(2) وغير ذلك ؟ قال : هي ورائي مقبلة .
فقال : هي سبع عشرة ناقة ، على كلّ ناقة عبد أسود ، عليهم أقبية الديباج ، ومناطيق الذهب ، وأسماؤهم : محرز ومنعم وبدر وشهاب ومنهاج وفلان وفلان ؟ قال : بلي يا رسول اللَّه .
قال : سلّم المال ، وأنا محمد بن عبد اللَّه ، فأورد المال بجملته إلى النبي صلى الله عليه وآله .
فقال أبو جهل : يا آل غالب ، إن لم تنصفوني وتنصروني عليه لأضعن سيفي في صدري ، وهذا المال كلّه للكعبة .
ص: 24
وركب فرسه ، وجرّد سيفه ، ونفرت مكّة أقصاها وأدناها ، حتى أجابت أبا جهل سبعون ألف مقاتل .
وركب أبو طالب عليه السلام في بني هاشم وبني عبد المطلب ، وأحاطوا بالنبي صلى الله عليه وآله ، ثم قال أبو طالب عليه السلام : ما الذي تريدون ؟ قال أبو جهل : إنّ ابن أخيك قد جنى علينا جنايات عظيمة ، ويحقّ للعرب أن تغضب ، وتسفك الدماء ، وتسبي النساء ، قال أبو طالب عليه السلام : وما ذاك ؟
فذكر قصّة الغلام ، وأنّ محمداً صلى الله عليه وآله سحره ، وردّه إلى دينه ، وأخذ منه المال ، وهو شي ء مبعوث للكعبة ، فقال : قف ، حتى أمضي إليه ، وأسأله عن ذلك .
فلمّا أتى النبي صلى الله عليه وآله ، وسأله ردّ ذلك ، وقال : لا أعطيه حبّة واحدة ، قال : خذ عشرة واعطه سبعة ، فأبى .
ثم أمر صلى الله عليه وآله أن توقف الهدية بين يديه ، وتناديها سبع مرات ، فإن كلمتها ، فالهديّة هديّتها ، وإن كلمتها أنا وأجابتني ، فالهديّة هديّتي .
فأتى أبو طالب عليه السلام ، وقال : إنّ ابن أخي قد أجابك إلى النصفة ، وذكر مقال النبي صلى الله عليه وآله ، والميعاد غداً عند طلوع الشمس .
فأتى أبو جهل إلى الكعبة ، وسجد لهبل ، ورفع رأسه ، وذكر القصّة ، ثم قال : أسألك أن تجعل النوق تخاطبني ، ولا يشمت بي محمد ، وأنا أعبدك من أربعين سنة ، وما سألتك حاجة ، فإن أجبتني هذه لأضعن لك قبّة من لؤلؤ أبيض ، وسوارين من الذهب ، وخلخالين من الفضّة ،
ص: 25
وتاجاً مكلّلاً بالجوهر ، وقلادة من العقيان(1) .
ثم إنّ النبي صلى الله عليه وآله حضر ، وكان منه المعجزات أن أجابته(2) كلّ ناقة سبع مرات ، وشهدت بنبوته بعد عجز أبي جهل ، فأخذ المال(3) .
يعلى بن سبابة قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وآله في مسيرة ، فأراد أن يقضي حاجته ، فأمر نخلتين أن تنضمّ إحداهما إلى الأخرى ، ثم أمرهما بعد انقضاء حاجته أن يرجعا إلى منبتهما ، فرجعتا(4) .
ومرّ صلى الله عليه وآله في غزوة الطائف في كثير من طلح وسدر ، فمشى وهو وسن من النوم ، فاعترضته سدرة ، فانفرجت له بنصفين ، فمرّ بين نصفيها ، وبقيت منفرجة على ساقين إلى زماننا هذا يتبرك بها كلّ مارّ ، ويسمونها « سدرة النبي صلى الله عليه وآله »(5) .
ص: 26
وصيد سمكة ، فوجد على إحدى اُذنيها : لا إله إلّا اللَّه ، وعلى الأخرى : محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله .
كتاب شرف المصطفى : إنّه أتي بسخلة منقشة ، فنظرت إلى بياض شحمة أذنيها ، فإذا في إحداهما : لا إله إلّا اللَّه ، محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله .
وطعن صلى الله عليه وآله أبيّاً في جربان الدرع(1) بعنزة في يوم أحد ، فاعتنق فرسه ، فانتهى إلى عسكره ، وهو يخور خوار الثور ، فقال أبو سفيان : ويلك ، ما أجزعك ؟! إنّما هو خدش ليس بشي ء ! فقال : طعنني ابن أبي كبشة ، وكان يقول أقتلك .
فكان يخور الملعون حتى صار إلى النار(2) .
وكان بلال إذا قال : أشهد أنّ محمداً رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، كان منافق يقول كلّ مرّة : حرق الكاذب - يعني النبي صلى الله عليه وآله - .
ص: 27
فقام المنافق ليلة ليصلح السراج ، فوقعت النار في سبابته ، فلم يقدر على إطفائها حتى أخذت كفّه ، ثم مرفقه ، ثم عضده حتى احترق كلّه(1) .
البخاري : إنّ النبي صلى الله عليه وآله قال لمديون مرّ عليه ، والدائنون يطلبونه بالديون : صنف تمرك كلّ شي ء على حدته ، ثم جاء فقعد عليه ، وكال لكلّ رجل حتى استوفى ، وبقي التمر كما هو كأن لم يمس(2) .
واستند النبي صلى الله عليه وآله على شجرة يابسة ، فأورقت وأثمرت(3) .
ونزل النبي صلى الله عليه وآله بالجحفة تحت شجرة قليلة الظلّ ، ونزل أصحابه حوله ، فتداخله شي ء من ذلك ، فأذن اللَّه - تعالى - لتلك الشجرة الصغيرة حتى ارتفعت ، وظلّلت الجميع .
ص: 28
فأنزل اللَّه - تعالى ذكره - « أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً »(1) .
وقال أعرابي للنبي صلى الله عليه وآله : يا محمد ، إنّني كنت وأخ لي خلف هذا الجبل نحتطب حطباً ، فرأينا الجموع قد زحف بعضها إلى بعض .
فقلت لأخي : اقعد حتى ننظر لمن تكون الغلبة ؟ وعلى من تدور الدائرة ؟
فإذا قد كشف اللَّه عن أبصارنا ، فرأينا خيولاً قد نزلت من السماء إلى الأرض ، أرجلها في الأرض ، وأعناقها في السماء ، وعليها قوم جبارين ، ومعهم ألوية(2) ، قد سدّت ما بين الخافقين ، فأمّا أخي فإنّه انشقت مرارته ، فمات من وقته وساعته ، وأمّا أنا فقد جئتك .
ثم أسلم .
ومثل الملائكة الذين ظهروا على الخيل البلق بالثياب البيض يوم بدر يقدمهم جبرئيل عليه السلام على فرس يقال له « حيزوم »(3) .
ص: 29
معرض بن عبد اللَّه عن أبيه عن جدّه يتقدمهم معي(1) : أتي بصبي في خرقة إلى النبي صلى الله عليه وآله في حجّة الوداع ، فوضعه في كفّه ، ثم قال له : من أنا يا صبي ؟
فقال : أنت محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فقال : صدقت يا مبارك .
فكنّا نسميه « مبارك اليمامة »(2) .
وأتى عامر بن كريز يوم الفتح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بابنه عبد اللَّه بن عامر ، وهو ابن خمس أو ستّ ، فقال : حنّكه يا رسول اللَّه ، فقال : إنّ مثله لا يحنّك ، وأخذه وتفل في فيه ، فجعل يتسوّغ ريق رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ويتلمّظه ، فقال صلى الله عليه وآله : إنّه لمستقى .
فكان لا يعالج أرضاً إلّا ظهر له الماء ، وله سقايات معروفة ، وله : « النباح » ، و« الجحفة » ، و« بستان ابن عامر »(3) .
ص: 30
ابن عباس والضحاك في قوله « وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ » نزلت في عقبة بن أبي معيط وأبي بن خلف ، وكانا توأمين(1) في الخلّة .
فقدم عقبة من سفره ، وأولم لجماعة الأشراف ، وفيهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : لا آكل طعامك حتى تقول : لا إله إلّا اللَّه ، وأنّي رسول اللَّه ، فشهد الشهادتين ، فأكل طعامه .
فلمّا قدم أبي بن خلف عذله ، وقال : صبأت ؟ فحكى قصّته ، فقال : إنّي لا أرضى عنك أو تكذبه !
فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله ، وتفل في وجهه(2) ، فانشقت التفلة شقّتين ، وعادتا إلى وجهه ، فأحرقتا وجهه ، وأثرتا ، ووعده النبي صلى الله عليه وآله حياته ما دام في مكة ، فإذا خرج قتل بسيفه .
فقتل عقبة يوم بدر ، وقتل النبي صلى الله عليه وآله بيده أبيّاً(3) .
ابن عباس : إنّ النبي صلى الله عليه وآله خلع خفّيه وقت المسح ، فلمّا أراد أن يلبسهما تصوب عقاب من الهواء وسلبه ، وحلّق في الهواء ، ثم أرسله ، فوقعت من بينه حيّة .
ص: 31
فقال النبي صلى الله عليه وآله : أعوذ باللَّه من شرّ ما يمشي على بطنه ، ومن شرّ من يمشي على رجلين ، ثم نهى أن يلبس إلّا أن يستبرأ .
أنس : إنّ النبي صلى الله عليه وآله سمع صوتاً من قلّة جبل : اللّهم اجعلني من الأمّة المرحومة المغفورة .
فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فإذا بشيخ أشيب(1) قامته ثلاثمائة ذراع ، فلمّا رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عانقه ، ثم قال : إنّني آكل في كلّ سنة مرّة واحدة ، وهذا أوانه ، فإذا هو بمائدة أنزلت من السماء فأكلا ، وكان إلياس عليه السلام(2) .
وكان أهل المدينة في جدب ، فلمّا أتى النبي صلى الله عليه وآله استسقوه فرفع يديه واستسقى ، فما ردّ يده إلى نحره حتى أتى المطر .
وكان يمطر أسبوعاً ، فضجروا وقالوا له في كثرته .
فقال صلى الله عليه وآله : حوالينا ولا علينا ، فانجاب السحاب عن السماء ، وظهرت الشمس في المدينة ، وكان يمطر في حواليها ، فظهرت البركات من قدومه .
ص: 32
فقال صلى الله عليه وآله : للَّه درّ أبي طالب ، لو كان حيّاً لقرّت به عيناه ، من ينشدنا قوله ؟ فقال عمر : لعلّك أردت :
وما حملت من ناقة فوق رحلها
أبرّ وأوفى ذمّة من محمد
فقال : هذا من قول حسان .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لعلك أردت يا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
.. الأبيات ، فقال : أجل .
والسبب في ذلك أنّه كان قحط في زمن أبي طالب عليه السلام ، فقالت قريش : اعتمدوا اللّات والعزى ، وقال آخرون : اعتمدوا مناة الثالثة الأخرى ، فقال ورقة بن نوفل: أنّى تؤفكون ؟ وفيكم بقية إبراهيم، وسلالة إسماعيل ، أبو طالب ، فاستسقوه .
فخرج أبو طالب عليه السلام وحوله أغيلمة من بني عبد المطلب ، وسطهم غلام كأنّه شمس دجنة(1) تجلّت عنها غمامة ، فأسند ظهره إلى الكعبة ولاذ بإصبعه ، وبصبصت الأغيلمة حوله ، فأقبل السحاب في الحال ، فأنشأ أبو طالب عليه السلام اللامية(2) .
ص: 33
ص: 35
ص: 36
قدم حي بن أخطب المدينة ، وكان ملك خيبر ، وحضر عند النبي صلى الله عليه وآله وقال : عجبت لمن يدخل في دينك ، فإنّ مدّة ملكك أحد وسبعون سنة .
فسئل عن ذلك ، فقال : ( ألم ) بحساب الجمل : الألف واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، فذلك أحد وسبعون سنة ، فقال : يا محمد ، هل غيرها ؟
قال : ( المص ) ، فقال : هذا أثقل ، فالألف واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون، والصاد تسعون، فذلك مائة وأحد وستون سنة ، فقال : هل غيرها؟
قال : ( الر ) ، فقال : هذا أطول ، فهل غيرها ؟
قال : ( المر ) ، فقال : هل غيرها ؟
قال : نعم ( كهيعص ) و( حمعسق ) (طسم) ، فقال حي : قد التبس علينا أمرك(1) .
وقال المأمون للحكيم « إيزدخواه ما شاء اللَّه » لمّا صحّح عنده أحكاماً :
ص: 37
لم لا تؤمن بنبينا ، وأنت بهذا المحل من العلم والكياسة ؟ فقال : كيف أومن وأصدق كاذباً ، وأنا أعلم كذبه ، والنبي لا يكذب ، فقال المأمون : كيف ؟
قال : قوله أنا آخر نبي ، وخاتم الأنبياء ، ولا يكون بعدي نبي أبداً ، وهذا الذي قال في علمي كذب لا محالة ، لأنّه ولد بالطالع الذي لو ولد فيه مولود لابد أن يكون نبياً ، فظهر لي "بهذا" كذبه ، إذ قال : لا نبي بعدي ، فكيف أومن به وأصدقه ؟
فخجل المأمون من ذلك ، وتحيّر الفقهاء ، فقال متكلّم : من هاهنا قلنا أنّه صادق ، وأنّه خاتم الأنبياء ، لأنّ الحكماء كلّهم اجتمعوا على أن نجمه عليه السلام كان المشتري وعطارد والزهرة والمريخ ، ولا يولد بها ولد إلّا ويموت من ساعته ، وإن عاش فيموت لا محالة ، ولا يجاوز اليوم السابع ، وهو قد عاش وبقى ثلاثاً وستين سنة ، فصحّ أنّه آية ، وقد أتى من المعجزات الباهرة بما لم يأت بمثله أحد قبله ولا بعده ، فأقرّ ايزدخواه وأسلم ، فسمّي « ما شاء اللَّه » الحكيم .
فمن نظر المشتري له : العلم ، والحكمة ، والفطنة ، والسياسة ، والرياسة .
ومن نظر عطارد : اللطافة ، والظرافة، والملاحة، والفصاحة، والحلاوة .
ومن نظر الزهرة : الصباحة ، والهشاشة ، والبشاشة ، والحسن ، والطيب ، والجمال ، والبهاء ، والغنج ، والدلال .
ومن نظر المريخ : السيف ، والجلادة ، والقتال ، والقهر ، والغلبة ، والمحاربة ، فجمع اللَّه فيه جميع المدائح .
ص: 38
وقال بعض المنجمين : مواليد الأنبياء السنبلة والميزان ، وكان طالع النبي صلى الله عليه وآله الميزان .
وقال صلى الله عليه وآله : ولدت بالسماك .
وفي حساب المنجمين أنّه السماك الرامح(1) .
وروي : أنّه أخذ بلال جمانة ابنة الزحاف الأشجعي ، فلمّا كان في وادي النعام هجمت عليه ، وضربته ضربة بعد ضربة ، ثم جمعت ما كان يعزّ عليها من ذهب وفضة في سفرة ، وركبت حجرة(2) من خيل أبيها ، وخرجت من العسكر تسير على وجهها إلى شهاب بن مازن الملقب ب« الكوكب الدري » ، وكان قد خطبها من أبيها .
ثم إنّه أنفذ النبي صلى الله عليه وآله سلمان وصهيباً إليه لإبطائه ، فرأوه ملقى على وجه الأرض ميتاً ، والدم يجري من تحته .
فأتيا النبي صلى الله عليه وآله وأخبراه بذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : كفّوا عن البكاء ، ثم صلّى ركعتين ، ودعا بدعوات ، ثم أخذ كفّاً من الماء فرشّه على بلال ، فوثب قائماً ، وجعل يقبّل قدم النبي صلى الله عليه وآله .
فقال له النبي صلى الله عليه وآله : من هذا الذي فعل بك هذه الفعال يا بلال ؟ فقال : جمانة بنت الزحاف ، وإنّي لها عاشق ! فقال : أبشر - يا بلال -
ص: 39
فسوف أنفذ إليها ، وآتي بها .
فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا أبا الحسن ، هذا أخي جبرئيل عليه السلام يخبرني عن ربّ العالمين : أنّ جمانة لمّا قتلت بلالاً مضت إلى رجل يقال له « شهاب بن مازن » ، وكان قد خطبها من أبيها ولم ينعم له بزواجها ، وقد شكت حالها إليه ، وقد سار بجموعه يروم حربنا ، فقم واقصده بالمسلمين ، فاللَّه - تعالى - ينصرك عليه ، وها أنا راجع إلى المدينة .
قال : فعند ذلك سار الإمام بالمسلمين ، وجعل يجدّ في السير ، حتى وصل إلى شهاب وجاهده ، ونصر المسلمون ، فأسلم شهاب ، وأسلمت جمانة ، والعسكر، وأتى بهم الإمام إلى المدينة، وجدّدوا الإسلام على يدي النبي صلى الله عليه وآله.
فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا بلال ، ما تقول ؟ : فقال : يا رسول اللَّه ، قد كنت محبّاً لها ، فالآن شهاب أحقّ بها منّي .
فعند ذلك وهب شهاب لبلال جاريتين وفرسين وناقتين .
وفي مسلم عن جابر : إنّ أم مالك كانت تهدي إلى النبي صلى الله عليه وآله في عكّة لها سمناً ، فيأتيها بنوها ، فيسألون الأدم ، وليس عندهم شي ء ، فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيها للنبي صلى الله عليه وآله ، فتجد فيها سمناً .
فما زال تقيم لها أدم بيتها حتى عصرتها ، فأتت النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : عصرتها ؟ قالت : نعم ، قال : لو تركتها ما زالت مقيمة(1) .
ص: 40
ص: 41
ص: 42
في حديث خزيمة بن أوس سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي ، وهذه الشيماء بنت نفيلة الأزدية على بغلة شهباء ، معتجرة بخمار أسود .
فقلت : يا رسول اللَّه ، إن نحن دخلنا الحيرة ، فوجدناها كما تصف ، فهي لي ؟ قال : نعم هي لك .
قال : فلمّا فتحوا الحيرة تعلّق بها ، وشهد له محمد بن مسيلمة ومحمد بن بشير الأنصاريان بقول النبي صلى الله عليه وآله ، فسلّمها إليه خالد ، فباعها من أخيها بألف دينار(1) .
أبو هريرة قال : إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لينفقن كنوزهما في سبيل اللَّه(2) .
ص: 43
« البصرة » ، وعنده نهر يقال له : « دجلة » يكون لهم عليها جسر ، ويكثر أهلها ، ويكون من أمصار المهاجرين(1) . . الخبر .
فضالة بن أبي فضالة الأنصاري ، وعثمان بن صهيب أنّه قال لعلي عليه السلام في خبر : أشقى الآخرين الذي يضربك على هذه ، وأشار إلى يافوخه(2) .
أنس بن الحارث قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : إنّ ابني هذا - يعني الحسين عليه السلام - يقتل بأرض من العراق ، فمن أدركه منكم فلينصره .
قال : فقتل أنس مع الحسين عليه السلام(3) .
وفيه حديث القارورة التي أعطى أم سلمة(4) .
وحديث الحسن بن علي عليهما السلام إنّه سيصلح اللَّه به فئتين(5) .
ص: 45
وحديث فاطمة الزهراء عليها السلام وبكائها وضحكها عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله(1) .
وحديث كلاب الحوأب(2) .
وحديث عمار تقتلك الفئة الباغية(3) .
حذيفة قال : لو أحدثكم بما سمعت من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لرجمتموني ، قالوا : سبحان اللَّه ، نحن نفعل ؟!
قال : لو أحدّثكم : إنّ بعض أمّهاتكم تأتيكم في كتيبة كثير عددها شديد بأسها تقاتلكم صدّقتم ؟ قالوا : سبحان اللَّه ، ومن يصدّق بهذا ؟
ص: 46
ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وآله : أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب(1) يقتل حولها قتلى كثيرة [ ثم تنجو ] بعد أن كادت(2) .
حكى القعبي : إنّ أبا أيوب الأنصاري رأى عند خليج قسطنطينة ، فسئل عن حاجته ، قال : أمّا دنياكم فلا حاجة لي فيها ، ولكن إن متّ ، فقدّموني ما استطعتم في بلاد العدو ، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : يدفن عند سور القسطنطينة رجل صالح من أصحابي ، وقد رجوت أن أكونه ، ثم مات .
فكانوا يجاهدون والسرير يحمل ويقدّم ، فأرسل قيصر في ذلك ، فقالوا : صاحب نبينا ، وقد سألنا أن ندفنه في بلادك ، ونحن منفذون وصيته .
قال : فإذا وليتم أخرجناه إلى الكلاب ، فقالوا : لو نبش من قبره ما ترك بأرض العرب نصراني إلّا قتل ، وكنيسة [ إلّا ] هدمت .
فبنى على قبره قبّة يسرج فيها إلى اليوم ، وقبره إلى الآن يزار في جنب
ص: 50
القسطنطينة(1) .
ابن عباس في قوله « كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ » إنّ الصحابة فزعوا لمّا فات عير أبي سفيان ، وأدركهم القتال ، فباتوا ليلتهم .
فحلموا ولم يكن لهم ماء ، فوقعت الوسوسة في نفوسهم لذلك ، فأنزل اللَّه المطر ، قوله : « إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ » ، فرأى النبي صلى الله عليه وآله في منامه قلّة قريش ، قوله : « إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً » .
فلمّا التقى الجمعان استحقر كلّ جيش صاحبه ، قوله « إِذِ الْتَقَيْتُمْ » ، وكان المسلمون يخافون ، فنزل : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً » ، وقوله « فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَْدْبارَ » .
فزعم أبو جهل أنّهم جزر سيوفهم .
وكان النبي صلى الله عليه وآله يحزن وعلي عليه السلام يقول : لا يخلف اللَّه الميعاد ، فنزل « يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ » ، وقوله « إِذْ يُوحِي رَبُّكَ » ، فساعدهم إبليس على صورة سراقة .
فلمّا أدرك جبرئيل وميكائيل وإسرافيل مع الملائكة «نَكَصَ » إبليس « عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكُمْ » ، فكانت الملائكة يضربون فوق الأعناق وفوق البنان بعمدهم .
ص: 51
ورمى النبي صلى الله عليه وآله بقبضة من الحصى في وجوههم ، وقال : شاهت الوجوه ، فأصاب عين كلّ واحد منهم ، فانهزموا ، فنزل « وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ » .
ووجد ابن مسعود أبا جهل مصروعاً من ضربة معاذ بن عمرو بن عفرا ، فكان يجزّ رأسه ، وهو يقول : يا رويعي الغنم لقد ارتكبت(1) مرتقى صعباً(2) .
نزل النبي صلى الله عليه وآله على فدك يحاربهم ، ثم قال لهم : وما يأمنكم أن تكونوا آمنين في هذا الحصن ، وأمضي إلى حصونكم فأفتحها ، فقالوا : إنّها مقفلة ، وعليها ما يمنع عنها ، ومفاتيحها عندنا ، فقال صلى الله عليه وآله : إنّ مفاتيحها دفعت إليّ ، ثم أخرجها وأراها القوم .
فاتّهموا ديانهم أنّه صبا إلى دين محمد صلى الله عليه وآله ، ودفع المفاتيح إليه ، فحلف أنّ المفاتيح عنده ، وأنّها في سفط في صندوق في بيت مقفل عليه .
فلمّا فتّش عنها ففقدت ، فقال الديان : لقد أحرزتها ، وقرأت عليها من التوراة ، وخشيت من سحره ، وأعلم الآن أنّه ليس بساحر ، وأنّ أمره لعظيم .
فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وقالوا : من أعطاكها ؟ قال : أعطاني - الذي
ص: 52
أعطى موسى عليه السلام الألواح - جبرئيل ، فتشهّد الديان .
ثم فتحوا الباب ، وخرجوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وأسلم من أسلم منهم ، فأقرّهم في بيوتهم ، وأخذ منهم أخماسهم .
فنزل : « وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ » قال : وما هو ؟ قال : اعط فاطمة عليها السلام فدكاً ، وهي من ميراثها من أمّها خديجة عليها السلام ، ومن أختها هند بنت أبي هالة(1) .
فحمل إليها النبي صلى الله عليه وآله ما أخذ منه ، وأخبرها بالآية ، فقالت : لست أحدث فيها حدثاً وأنت حيّ ، أنت أولى بي من نفسي ، ومالي لك ، فقال : أكره أن يجعلوها عليك سبة ، فيمنعوك إيّاها من بعدي ، فقالت : أنفذ فيها أمرك .
فجمع الناس إلى منزلها ، وأخبرهم أنّ هذا المال لفاطمة عليها السلام ، ففرّقه فيهم ، وكان كلّ سنة كذلك ، وتأخذ منه قوتها ، فلمّا دنت وفاته صلى الله عليه وآله دفعه إليها عليها السلام(2) .
ص: 53
ص: 54
ص: 55
ص: 56
فارق صلى الله عليه وآله جماعة النبيين بمائة وخمسين خصلة ، منها :
في باب النبوة : قوله « وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ » .
وقوله : أعطيت جوامع الكلم(1) .
وقوله : أرسلت إلى الخلق كافة(2) .
وبقاء دولته « لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ » .
والعجز عن الإتيان بمثل كتابه « قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِْنْسُ وَالْجِنُّ » .
وكان ممنوعاً من الشعر وروايته « وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ » .
وتسهيل شريعته « وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ » .
واضعاف ثواب الطاعة « مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها » .
ورفع العذاب « وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ » .
وفرض محبّة أهل بيته « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً » .
ص: 57
وفي باب أمّته : « كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ » ، « هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ » ، « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ » ، « الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا » ، « هُوَ اجْتَباكُمْ » ، « اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا » ، « هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ » ، « وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا » يعني الملائكة .
وإفشاء السلام «وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ».
وفي باب الطهارة : كمال الوضوء ، والتيمم ، والاستنجاء بالحجارة ، وأنّ الماء مزيل للنجاسات ، وأن لا يؤثر النجاسة في الماء الكثير .
وقوله : جعلت لي الأرض مسجداً ، وترابها طهوراً(1) .
وكان ينام ، ثم يصلّي ويقول : تنام عيني ولا ينام قلبي(2) .
ويقال : فرض عليه السواك ، وهو قد سنّه لنا .
وفي باب الصلاة : الأذان ، والإقامة ، والجمعة ، والجماعة ، والركوع ، والسجدتين ، والتشهد ، والسلام ، وصلاة الليل ، والوتر ، وصلاة الكسوفين ، والاستسقاء ، وصلاة العشاء الآخرة .
ص: 58
وفي باب الزكاة : حرّم عليه الزكاة ، والصدقة ، وهدية الكافر ، وأحلّ له الخمس ، والأنفال ، والغنيمة ، وجعل زكاة المال ربع الخمس لا ربع المال .
وفي باب الصيام : « شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ » ، وليلة القدر ، والعيدين ، وتحليل الطعام والشراب واللمس ليالي الصيام إلى وقت الصبح ، وحرّم صوم الوصال ، وقالوا : أبيح له الوصال في الصوم .
وكتب له الأضحية ، وسنّها لنا ، وكذلك الفطرة على وجه .
وفي باب الحج : يقال : أحلّ له دخول مكة بغير إحرام ، وعقد النكاح وهو محرم .
وفى باب الجهاد : « يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ » .
وقوله : نصرت بالرعب ، وأحلّت لي الغنائم(1) ، وكان إذا لبس لامته
ص: 59
لم ينزعها حتى يقاتل(1) ، ولا يرجع إذا خرج ، ولا ينهزم إذا لقى العدو ، وإن كثروا عليه(2) ، وإنّه أفرس العالمين(3) ، وخصّ بالحمى(4) .
وفي باب النكاح : حرم عليه نكاح الإماء والذمّيات ، والإمساك بمن كرهت نكاحه ، وحرّم أزواجه على الخلق ، وخصّ باسقاط المهر ، والعقد بلفظ الهبة ، والعدد ما شاء بعد التخيير ، والعزل عمّن أراد ، وكان طلاقه زائداً على طلاق أمّته ، والواحدة من نسائه إذا أتت بفاحشة ضعّف لها العذاب .
أبو عبد اللَّه عليه السلام في قوله « لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ » يعني قوله « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ »(5) الآية .
الفضيحة(1) ، وتيسير التوبة بغير القتل(2) ، وستر المعصية على المذنب ، ورفع الخطأ والنسيان وما استكره عليه(3) ، والتخيير بين القصاص والدية والعفو(4) ، والفرق بين الخطأ والعمد(5) ، والتوبة من الذنب دون إبانة العضو(6) ، وتحليل مجالسة الحائض ، والإنتفاع بما نالته(7) ، وتحليل تزويج نساء أهل الكتاب لاُمّته(8) .
وكان له "من" المعجزات "ما" لم يكن لغيره ، وذكر أنّ له أربعة آلاف وأربعمائة وأربعين معجزة ، ذكرت منها ثلاثة آلاف تتنوّع أربعة أنواع ، ما كان قبله وبعد ميلاده وبعد بعثته وبعد وفاته .
وأقواها وأبقاها القرآن ، لوجوه :
أحدها :
إنّ معجز كلّ رسول موافق للأغلب من أحوال عصره ، كما بعث اللَّه موسى عليه السلام في عصر السحرة بالعصى ، « فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ » ، وفلق البحر يبساً ، وقلب العصى حيّة ، فأبهر كلّ ساحر ، وأذل كلّ كافر .
وقوم عيسى عليه السلام أطباء ، فبعثه اللَّه بإبراء الزمنى ، وإحياء الموتى ، بما دهش كلّ طبيب ، وأذهل كلّ لبيب .
وقوم محمد صلى الله عليه وآله بلغاء فصحاء ، فبعثه اللَّه بالقرآن في إيجازه وإعجازه بما عجز عنه الفصحاء ، وأذعن له البلغاء ، وتبلّد فيه الشعراء ، ليكون العجز عنه أقهر ، والتقصير فيه أظهر .
والثاني :
إنّ المعجز في كلّ قوم بحسب أفهامهم ، وعلى قدر عقولهم وأذهانهم ،
ص: 63
وكان في بني إسرائيل من قوم موسى وعيسى عليهما السلام بلادة وغباوة ، لأنّه لم ينقل عنهم من كلام جزل ، أو معنى بكر ، وقالوا لنبيهم حين مرّوا على قوم يعكفون على أصنام لهم : اجعل لنا إلهاً .
والعرب أصحّ الناس أفهاماً ، وأحدّهم أذهاناً ، فخصّوا بالقرآن بما يدركونه بالفطنة دون البديهة ، لتخصّ كلّ أمّة بما يشاكل طبعها .
والثالث :
إنّ معجز القرآن أبقى على الأعصار ، وأنشر في الأقطار ، وما دام إعجازه ، فهو أحجّ ، وبالاختصاص أحقّ ، فانتشر ذلك بعده في أقطار العالم شرقاً وغرباً ، قرنا بعد قرن ، عصراً بعد عصر ، وقد انقرض القوم وهذه سنة سبعين وخمسمائة من مبعثه ، فلم يقدر أحد على معارضته .
* * *
[ وقال ] القيرواني :
أعجزت بالوحي أرباب البلاغة في
عصر البيان فضلّت أوجه الحيل
سألتهم سورة من مثل محكمه
فثلهم(1) عنه حين العجز حين تلي
* * *
[ وقال ] ابن حماد :
فمن آياته القرآن يهدى كلّ من فكّر
ولو لم يك من آياته إلّا الفتى حيدر
ص: 65
ص: 66
ص: 67
أمّا آدابه ، فقد جمعها بعض العلماء والتقطها من الأخبار :
كان النبي صلى الله عليه وآله أحكم الناس ، وأحلمهم ، وأشجعهم ، وأعدلهم ، وأعطفهم .
لم تمسّ يده يد إمرأة لا تحلّ .
وأسخى الناس ، لا يثبت عنده دينار ولا درهم ، فإن فضل ولم يجد من يعطيه ، ويجنّه الليل لم يأو إلى منزله حتى يتبرأ منه إلى من يحتاج إليه .
لا يأخذ ممّا أتاه اللَّه إلّا قوت عامه فقط ، من يسير ما يجد من التمر والشعير ، ويضع سائر ذلك في سبيل اللَّه ، ولا يُسأل شيئاً إلّا أعطاه ، ثم يعود إلى قوت عامه ، فيؤثر منه حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام ، إن لم يأته شي ء .
وكان يجلس على الأرض ، وينام عليها ، ويأكل عليها .
وكان يخصف النعل ، ويرقع الثوب ، وبفتح الباب ، ويحلب الشاة ، ويعقل البعير ويحلّه(1) ، ويطحن مع الخادم إذا أعيى ، ويضع طهوره
ص: 68
بالليل بيده ، ولا يتقدّمه مطرق(1) ، ولا يجلس متكئاً ، ويخدم في مهنة أهله ، ويقطع اللحم .
وإذا جلس على الطعام جلس محقّراً .
وكان يلطع أصابعه ، ولم يتجشأ قطّ .
ويجيب دعوة الحر والعبد ولو على ذراع أو كراع ، ويقبل الهدية ، ولو أنّها جرعة لبن ، ويأكلها ولا يأكل الصدقة .
ولا يثبت بصره في وجه أحد .
يغضب لربّه ولا يغضب لنفسه .
وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع ، يأكل ما حضر ، ولا يردّ ما وجد .
لا يلبس ثوبين ، يلبس برداً حبرة يمنية ، وشملة جبّة صوف ، والغليظ من القطن والكتان ، وأكثر ثيابه البياض .
ويلبس العمامة تحت العمامة ، يلبس القميص من قبل ميامنه .
وكان له ثوب للجمعة خاصة .
وكان إذا لبس جديداً أعطى خلق ثيابه مسكيناً .
وكان له عباء يفرش له حيث ما ينقل ، تثنى ثنيتين .
يلبس خاتم فضّة في خنصره الأيمن .
يحبّ البطيخ ، ويكره الريح الرديّة ، ويستاك عند الوضوء .
ص: 69
ويردف خلفه عبده أو غيره ، [ و ]يركب ما أمكنه من فرس أو بغلة أو حمار ، ويركب الحمار بلا سرج ، وعليه العذار ، ويمشي راجلاً وحافياً بلا رداء ، ولا عمامة ، ولا قلنسوة .
ويشيع الجنائز ، ويعود المرضى في أقصى المدينة .
يجالس الفقراء ويواكل المساكين ، ويناولهم بيده ، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم ، ويتألّف أهل الشرف بالبرّ لهم .
يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلّا بما أمر اللَّه .
ولا يجفو على أحد ، يقبل معذرة المعتذر إليه .
وكان أكثر الناس تبسّماً ما لم ينزل عليه قرآن ، ولم تجر عظة ، وربما ضحك من غير قهقهة .
لا يرتفع على عبيده وإمائه في مأكل ، ولا في ملبس .
ما شتم أحداً بشتمة ، ولا لعن إمرأة ولا خادماً بلعنة ، ولا لاموا أحداً إلّا قال دعوه .
ولا يأتيه أحد حرّاً وعبداً وأمة إلّا قام معه في حاجته .
لا فظّ ، ولا غليظ ، ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يغفر ويصفح .
ويبدأ من لقيه بالسلام ، ومن رامه بحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ، وما أخذ أحد يده فيرسل يده حتى يرسلها ، وإذا لقى مسلماً بدأه بالمصافحة .
وكان لا يقوم ولا يجلس إلّا على ذكر اللَّه .
ص: 70
وكان لا يجلس إليه أحد ، وهو يصلّي إلّا خفّف صلاته وأقبل عليه ، وقال : ألك حاجة ؟
وكان أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعاً .
وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس .
وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة .
وكان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط ثوبه ، ويؤثر الداخل بالوسادة التي تحته .
وكان في الرضا والغضب لا يقول إلّا حقّاً .
وكان يأكل القثاء بالرطب وبالملح .
وكان أحبّ الفواكه الرطبة إليه البطيخ والعنب ، وأكثر طعامه الماء والتمر .
وكان يتمجّع(1) اللبن بالتمر ، ويسميهما الأطيبين .
وكان أحبّ الطعام إليه اللحم ، ويأكل الثريد باللحم .
وكان يحبّ القرع .
وكان يأكل لحم الصيد ولا يصيده .
وكان يأكل الخبز والسمن .
وكان يحبّ من الشاة الذراع والكتف ، ومن القدر الدبا ، ومن الصباغ الخلّ ، ومن التمر العجوة ، ومن البقول الهندبا والبادروج والبقلة اللينة(2) .
ص: 71
وكان يمزح ولا يقول إلّا حقّاً .
وكان له عبد أسود في سفر ، فكان كلّ من أعيى ألقى عليه بعض متاعه ، حتى حمل شيئاً كثيراً ، فمرّ به النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : أنت سفينة ، فاعتقه(1) .
وقال رجل : احملني يا رسول اللَّه ، فقال : إنّا حاملوك على ولد ناقة ، فقال : ما أصنع بولد ناقة ؟ قال صلى الله عليه وآله : وهل تلد الإبل إلّا النوق(2) .
زيد بن أسلم : أنّه قال لإمرأة ، وذكرت زوجها : أهذا الذي في عينيه بياض ؟
فقالت : لا ، ما بعينيه بياض .
وحكت لزوجها ، فقال : أما ترين بياض عيني أكثر من سوادها(1) .
وقال صلى الله عليه وآله للحسين :
حبقة(1) حبقه
ابن عباس : أنّه صلى الله عليه وآله كسى بعض نسائه ثوباً واسعاً ، فقال لها : البسيه واحمدي اللَّه ، وجرّي منه ذيلاً كذيل العروس(4) .
وقالت عجوز من الأنصار للنبي صلى الله عليه وآله : ادع لي بالجنة .
فقال : إنّ الجنة لا يدخلها العجز ، فبكت المرأة ، فضحك النبي صلى الله عليه وآله وقال : أما سمعت قول اللَّه تعالى : « إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً »(5) .
ص: 75
وقال صلى الله عليه وآله للعجوز الأشجعية : يا أشجعية ، لا تدخل العجوز الجنة ، فرآها بلال باكية ، فوصفها للنبي صلى الله عليه وآله فقال : والأسود كذلك ، فجلسا يبكيان ، فرأهما العباس فذكرهما له ، فقال : والشيخ كذلك .
ثم دعاهم ، وطيّب قلوبهم ، وقال : ينشئهم اللَّه كأحسن ما كانوا ، وذكر أنّهم يدخلون الجنة شباباً منوّرين ، وقال : إنّ أهل الجنة جرد مرد مكحّلون(1) .
وقال صلى الله عليه وآله لرجل حين قال :
أنت نبي اللَّه حقّاً نعلمه
ودينك الإسلام ديناً نعظمه
نبغي مع الإسلام شيئاً نقضمه
ونحن حول هذا ندندن ، يا علي ، اقض حاجته .
فأشبعه علي عليه السلام ، وأعطاه ناقة وجلّة تمر(2) .
وجاء أعرابي فقال : يا رسول اللَّه ، بلغنا أنّ المسيح - يعني الدجال -
ص: 76
يأتي الناس بالثريد ، وقد هلكوا جميعاً جوعاً ، أفترى - بأبي أنت وأمّي - أن أكفّ من ثريده تعفّفاً وتزهّداً ؟!
فضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ثم قال : "بل" يغنيك اللَّه بما يغني به المؤمنين .
وقبّل جدّ خالد القسري امرأة ، فشكت إلى النبي صلى الله عليه وآله ، فأرسل إليه ، فاعترف وقال : إن شئت أن تقتص فلتقص .
فتبسم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وأصحابه ، فقال : أو لا تعود ؟ فقال : لا - واللَّه - يا رسول اللَّه ، فتجاوز عنه .
ورأي صلى الله عليه وآله صهيباً يأكل تمراً ، فقال : أتأكل التمر وعينك رمدة ؟ فقال : يا رسول اللَّه ، إنّي أمضغه من هذا الجانب ، وتشتكي عيني من هذا الجانب(1) .
ونهى صلى الله عليه وآله أبا هريرة عن مزاح العرب ، فسرق نعل النبي صلى الله عليه وآله ، ورهنه بتمر ، وجلس بحذائه يأكل ، فقال صلى الله عليه وآله : يا أبا هريرة ، ما تأكل ؟ فقال : نعل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله .
ص: 77
وقال سويبط المهاجري لنعيمان البدري : أطعمني ، وكان عليّ الزاد في سفر ، فقال : حتى يجئ الأصحاب .
فمرّوا بقوم ، فقال لهم سويبط : تشترون منّي عبداً لي ؟ قالوا : نعم ، قال : إنّه عبد له كلام ، وهو قائل لكم إنّي حرّ ، فإن سمعتم مقاله تفسدوا عليّ عبدي ، فاشتروه بعشرة قلائص(1) .
ثم جاؤوا ، فوضعوا في عنقه حبلاً ، فقال نعيمان : هذا يستهزئ بكم ، وإنّي حرّ ، فقالوا : قد عرفنا خبرك ، وانطلقوا به حتى أدركهم القوم وخلّصوه .
فضحك النبي صلى الله عليه وآله من ذلك حيناً(2) .
* * *
وكان نعيمان هذا أيضاً مزّاحاً ، فسمع محرمة بن نوفل - وقد كفّ بصره - يقول : ألا رجل يقودني حتى أبول ، فأخذ نعيمان بيده فلمّا بلغ مؤخر المسجد قال : هاهنا فبل ، فبال ، فصيح به ، فقال : من قادني ؟ قيل : نعيمان ، قال : للَّه عليّ أن أضربه بعصاي هذه .
فبلغ نعيمان ، فقال : هل لك في نعيمان ؟ قال : نعم ، قال : قم .
ص: 78
فقام معه ، فأتى به عثمان ، وهو يصلّي ، فقال : دونك الرجل ، فجمع يديه بالعصا ، ثم ضربه ، فقال الناس : أمير المؤمنين ! فقال : من قادني ؟ قالوا : نعيمان ، قال : لا أعود إلى نعيمان أبداً(1) .
* * *
ورأى نعيمان مع أعرابي عكّة عسل ، فاشتراها منه ، وجاء بها إلى بيت عائشة في يومها ، وقال : خذوها ، فتوهّم !! النبي صلى الله عليه وآله أنّه أهداها له .
ومرّ نعيمان والأعرابي على الباب ، فلمّا طال قعوده قال : يا هؤلاء ، ردّوها عليّ إن لم تحضروا قيمتها .
فعلم !! رسول اللَّه صلى الله عليه وآله القصّة ، فوزن له الثمن ، فقال لنعيمان : ما حملك على ما فعلت ؟ فقال : رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يحبّ العسل ، ورأيت الأعرابي معه العكّة .
فضحك النبي صلى الله عليه وآله ، ولم يظهر له نكراً(2) .
ص: 79
ص: 80
ص: 81
سمّاه في القرآن بأربعمائة اسم :
العالم « وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ » .
الحاكم « فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ » .
الخاتم « وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ » .
العابد « وَاعْبُدْ رَبَّكَ » .
الساجد « وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ » .
الشاهد « إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً » .
المجاهد « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ » .
الطاهر «طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ » .
الشاكر «شاكِراً لأَِنْعُمِهِ اجْتَباهُ » .
الصابر «وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ » .
الذاكر «وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ » .
القاضي « إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ » .
ص: 82
الراضي «لَعَلَّكَ تَرْضى » .
الداعي «وَداعِياً إِلَى اللَّهِ » .
الهادي « إِنَّكَ لَتَهْدِي » .
القاري « اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ » .
التالي « يَتْلُوا عَلَيْهِمْ » .
الناهي « وَما نَهاكُمْ عَنْهُ » .
الآمر « وَأْمُرْ أَهْلَكَ » .
الصادع «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ » .
الصادق « ص وَالْقُرْآنِ » .
القانت « أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ » .
الحافظ « يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ » .
الغالب « وَإِنَّ جُنْدَنا » .
العائل « وَوَجَدَكَ عائِلاً » .
الضال : أي يهدي به الضال « وَوَجَدَكَ ضَالاًّ » .
الكريم « إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ » .
الرحيم « رَؤُفٌ رَحِيمٌ » .
العظيم « وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ » .
اليتيم « أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً » .
المستقيم « فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ » .
ص: 83
المعصوم « وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ » .
البشير « إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً » .
النذير « وَنَذِيراً » .
العزيز « لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ » .
الشهيد « وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً » .
الحريص « حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ » .
القريب « ق وَالْقُرْآنِ » .
الحبيب والمحبّ والمحبوب في سبع مواضع«حم » .
النبي « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ » .
القوي « ذِي قُوَّةٍ » .
الوحي «وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ » .
الأمّي « النَّبِيَّ الأُْمِّيَّ » .
الأمين «مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ » .
المكين «عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ » .
المبين «وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ » .
المذكّر « فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ » .
المبشّر « وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي » .
المنذر « إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ » .
المستغفر « وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ » .
ص: 84
المسبّح « فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ » .
المصلّي « فَصَلِّ لِرَبِّكَ » .
المصدّق « مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ » .
المبلّغ « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ » .
المحدّث « وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ » .
المؤمن « آمَنَ الرَّسُولُ » .
المتوكّل « وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ » .
المزمّل « يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ » .
المدثّر « يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ » .
المتهجّد « وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ » .
المنادي « سَمِعْنا مُنادِياً » .
المهتدي « وَهَداهُ إِلى صِراطٍ » .
الحقّ « قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ » .
الصدق « وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ » .
الذكر « قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً »(1) .
البرهان « قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ » .
الفضل « قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ » .
المرسل « إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ » .
ص: 85
المبعوث « هُوَ الَّذِي بَعَثَ » .
المختار «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ » .
المعفو « عَفَا اللَّهُ عَنْكَ » .
المغفور « لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ » .
المكفي « إِنَّا كَفَيْناكَ » .
المرفوع والرفيع « وَرَفَعْنا لَكَ » .
المؤيّد « هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ » .
المنصور « وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ » .
المطاع «مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ » .
الحسنى « وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى » .
الهدى « وَما مَنَعَ النَّاسَ » .
الرسول « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ » .
الرؤوف « بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ » .
النعمة « يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ » .
الرحمة « وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً » .
النور « قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ » .
الفجر « وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ » .
المصباح « الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ » .
السراج « وَسِراجاً مُنِيراً » .
ص: 86
الضحى « وَالضُّحى وَاللَّيْلِ » .
النجم «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى » .
الشمس « ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ » .
البدر « طه » .
الظل « أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ » .
البشر « بَشَرٌ مِثْلُكُمْ » .
الناس « أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ » .
الإنسان «خَلَقَ الإِْنْسانَ » .
الرجل « عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ » .
الصاحب « ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ » .
العبد « أَسْرى بِعَبْدِهِ » .
المجتبى « وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي » .
المقتدى « فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ » .
المرتضى « إِلاَّ مَنِ ارْتَضى » .
المصطفى « اللَّهُ يَصْطَفِي » .
أحمد « يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ » .
محمد « مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ » .
« كهيعص » « يس » « طه » « حمعسق » كلّ حرف يدلّ على اسم له مثل : الكافي ، والهادي ، والعارف ، والسخي ، والطاهر ، وغير ذلك .
ص: 87
وأسماؤه في الأخبار :
العاقب ، وهو الذي يعقب الأنبياء .
الماحي ، الذي يمحى به الكفر ، ويقال : تمحى به سيئات من اتبعه ، ويقال : الذي لا يكون بعده أحد .
الحاشر ، الذي يحشر الناس على قدميه .
والمقفى ، الذي قفى النبيين جماعة .
الموقف ، يوقف الناس بين يدي اللَّه .
القثم ، وهو الكامل الجامع .
ومنه :
الناشر ، والناصح ، والوفي ، والمطاع ، والنجي ، والمأمون ، والحنيف ، والحبيب ، والطيب ، والسيد ، والمقترب ، والدافع ، والشافع ، والمشفع ، والحامد ، والمحمود ، والموجه ، والمتوكّل ، والغيث(1) .
وفي التوراة : ميذميذاي غفور رحيم .
وقيل : ميد ميداي محمد .
ص: 88
وقيل : مود مود .
وفي حكاية : إنّ اسمه فيها مرقوفا : أي المحمود .
وفي الزبور : قليطا مثل أبي القاسم ، فقالوا : بلقيطا ، وقالوا : فاروق ، وقالوا : محياثا .
وفي الإنجيل : طاب طاب : "أي" أحمد ، ويقال : يعني : طيب طيب .
وفي كتاب شعيا : نور الأمم ، ركن المتواضعين ، رسول التوبة ، رسول البلاء .
وفي الصحف : بلقيطا .
وفي صحف شيث : طاليثا .
وفي صحف إدريس : بهيائيل .
وفي صحف إبراهيم : مود مود .
وفي السماء الدنيا : المجتبي .
وفي الثانية : المرتضى .
وفي الثالثة : المزكّى .
وفي الرابعة : المصطفى .
وفي الخامسة : المنتجب .
وفي السادسة : المطهر والمجتبى .
وفي السابعة : المقرب والحبيب .
ص: 89
ويسميه المقرّبون : عبد الواحد .
والسفرة : الأول .
والبررة : الآخر .
والكروبيون : الصادق .
والروحانيون : الطاهر .
والأولياء : القاسم .
والرضوان : الأكبر .
والجنّة : عبد الملك .
والحور : عبد العطاء .
وأهل الجنّة : عبد الديان .
ومالك : عبد المختار .
وأهل الجحيم : عبد النجاة .
والزبانية : عبد الرحيم .
والجحيم : عبد المنان .
وعلى ساق العرش : رسول اللَّه .
وعلى الكرسي : نبي اللَّه .
وعلى طوبى : صفيّ اللَّه .
وعلى لواء الحمد : صفوة اللَّه .
وعلى باب الجنّة : خيرة اللَّه .
ص: 90
وعلى القمر : قمر الأقمار .
وعلى الشمس : نور الأنوار .
والشياطين : عبد الهيبة .
والجنّ : عبد الحميد .
والموقف : الداعي .
والميزان : الصاحب .
والحساب : الداعي .
والمقام : المحمود الخطيب .
والكوثر : الساقي .
والعرش : المفضّل .
والكرسي : عبد الكريم !!
والقلم : عبد الحقّ .
وجبرئيل : عبد الجبار .
وميكائيل : عبد الوهاب .
وإسرافيل : عبد الفتّاح .
وعزرائيل : عبد التواب .
والسحاب : عبد السلام .
والريح : عبد الأعلى .
والبرق : عبد المنعم .
والرعد : عبد الوكيل .
ص: 91
والأحجار : عبد الجليل .
والتراب : عبد العزيز .
والطيور : عبد القادر .
والسبع : عبد العطاء .
والجبل : عبد الرفيع .
والبحر : عبد المؤمن .
والحيتان : عبد المهيمن .
وأهل الروم : الحليم .
وأهل مصر : المختار .
وأهل مكة : الأمين .
وأهل المدينة : الميمون .
والزنج : مهمت(1) .
والترك : صانجي .
والعرب : الأمّي .
والعجم : أحمد(2) .
ص: 92
حبيب اللَّه ، صفي اللَّه ، نعمة اللَّه ، عبد اللَّه ، خيرة اللَّه ، خلق اللَّه .
سيد المرسلين ، إمام المتّقين ، خاتم النبيين ، رسول الحمادين ، رحمة العالمين ، قائد الغرّ المحجلين .
خير البريّة ، نبي الرحمة .
صاحب الملحمة ، محلّل الطيبات ، محرّم الخبائث ، مفتاح الجنّة .
دعوة إبراهيم عليه السلام ، بشرى عيسى عليه السلام ، خليفة اللَّه في الأرض .
زين القيامة ونورها وتاجها ، صاحب اللواء يوم القيامة .
واضع الإصر والاغلال .
أفصح العرب .
سيد ولد آدم، ابن العواتك، ابن الفواطم، ابن الذبيحين، ابن بطحا ومكة .
العبد المؤيد ، والرسول المسدّد ، والنبي المهذّب ، والصفي المقرّب ، والحبيب المنتجب ، والأمين المنتخب .
صاحب الحوض والكوثر ، والتاج والمغفر ، والخطبة والمنبر ، والركن والمشعر ، والوجه الأنور ، والخدّ الأقمر ، والجبين الأزهر ، والدين الأظهر ، والحسب الأطهر ، والنسب الأشهر ، محمد خير البشر صلى الله عليه وآله .
المختار للرسالة ، الموضّح للدلالة ، المصطفى للوحي والنبوة ، المرتضى للعلم والفتوة ، والمعجزات والأدلة .
ص: 93
نور في الحرمين ، شمس بين القمرين ، شفيع من في الدارين .
نوره أشهر ، وقلبه أطهر ، وشرائعه أظهر ، وبرهانه أزهر ، وبيانه أبهر ، وأمّته أكثر .
صاحب الفضل والعطاء ، والجود والسخاء ، والتذكرة(1) والبكاء ، والخشوع والدعاء ، والإنابة والصفاء ، والخوف والرجاء ، والنور والضياء ، والحوض واللواء ، والقضيب والرداء ، والناقة العضباء ، والبغلة الشهباء .
قائد الخلق يوم الجزاء ، سراج الأصفياء ، تاج الأولياء ، إمام الأتقياء ، خاتم الأنبياء .
صاحب المنشور والكتاب ، والفرقان والخطاب ، والحقّ والصواب ، والدعوة والجواب ، وقائد الخلق يوم الحساب .
صاحب القضيب العجيب ، والفناء الرحيب ، والرأي المصيب ، المشفق على البعيد والقريب ، محمد الحبيب صلى الله عليه وآله .
صاحب القبلة اليمانية ، والملّة الحنيفية ، والشريعة المرضيّة ، والأمّة المهديّة ، والعترة الحسنية والحسينية .
صاحب الدين والإسلام ، والبيت الحرام ، والركن والمقام ، والصلاة والصيام ، والشريعة والأحكام ، والحلّ والحرام .
صاحب الحجّة والبرهان ، والحكمة والفرقان ، والحقّ والبيان ، والفضل والإحسان ، والكرم والامتنان ، والمحبّة والعرفان .
ص: 94
صاحب الخلق الجلي ، والنور المضي ، والكتاب البهي ، والدين الرضي ، الرسول النبي الأمّي .
صاحب الخلق العظيم ، والدين القويم ، والصراط المستقيم ، والذكر الحكيم ، والركن والحطيم .
صاحب الدين والطاعة ، والفصاحة والبراعة ، والكرّ والشجاعة ، والتوكّل والقناعة ، والحوض والشفاعة .
صاحب الدين الظاهر ، والحقّ الزاهر ، والزمان الباهر ، واللسان الذاكر ، والبدن الصابر ، والقلب الشاكر ، والأصل الطاهر ، والآباء الأخاير ، والأمّهات الطواهر .
صاحب الضياء والنور ، والبركة والحبور ، واليمن والسرور ، واللّسان الذكور ، والبدن الصبور ، والقلب الشكور ، والبيت المعمور .
ص: 95
أبو القاسم ، وأبو الطاهر ، وأبو الطيب ، وأبو المساكين ، وأبو الدرّتين ، وأبو الريحانتين ، وأبو السبطين .
وفي التوراة : أبو الأرامل .
وكنّاه جبرئيل عليه السلام : بأبي إبراهيم لمّا ولد إبراهيم .
وإنّما يكنى بأبي القاسم بأوّل ولد يقال له « القاسم » .
ويقال : لأنّه يقسم الجنّة يوم القيامة .
راكب الجمل ، آكل الذراع ، قابل الهدية ، محرّم الميتة ، حامل الهراوة ، خاتم النبوة .
العربي ، التهامي ، الأبطحي ، اليثربي ، المكّي ، المدني ، القرشي ، الهاشمي ، المطّلبي .
فهو من جهة الأب هاشمي ، ومن جهة الاُم زهري ، ومن الرضاع سعدي ، ومن الميلاد مكّي ، ومن الإنشاء مدني .
ص: 96
ص: 97
ص: 98
ص: 99
محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب ، سمّي بذلك لأنّ مطلباً(1) دخل مكة ، وهو رديفه ، وعبد المطلب اسمه شيبة الحمد [ لبياض كان في شعره بعد ما تولد ] .
ابن هاشم ، سمّي بذلك ، لأنّه هشم الثريد للناس في أيام الغلاء ، وهو عمرو بن عبد مناف سمّي بذلك ، لأنّه علا وأناف ، واسمه المغيرة بن قصي ، واسمه زيد ، قصى عن دار قومه ، لأنّه حمل من مكة في صغره إلى بلاد ازدشوءة ، فسمّي قصياً ، ويلقب بالمجمع لأنّه جمع قبائل قريش بعد ما كانوا في الجبال والشعاب ، وقسم بينهم المنازل بالبطحاء .
ابن كلاب بن مرّة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ، وهو قريش ، وسمّي النضر ، لأنّ اللَّه - تعالى - اختاره ، والنضر النضرة .
ابن خزيمة ، وإنّما سمّي بذلك ، لأنّه خزم نور آبائه .
ابن مدركة ، لأنّهم أدركوا الشرف في أيامه وقتل لادراكه صيداً لأبيه ، وسمّي أخوه طابخة ، لطبخه لأبيه .
ص: 100
ابن إلياس النبي ، وسمّي بذلك لأنّه جاء على إياس وانقطاع .
ابن مضر ، وسمّي بذلك لأخذه بالقلوب ، ولم يكن يره أحد إلّا أحبّه .
ابن نزار ، واسمه عمرو ، وسمّي بذلك لأنّ معداً نظر إلى نور النبي صلى الله عليه وآله في وجهه ، فقرّب له قرباناً عظيماً ، وقال [ له ] : لقد استقللت هذا القربان ، وإنّه لقليل نزر ، ويقال : إنّه اسم أعجمي ، وكان رجلاً هزيلاً ، فدخل على يستانيف ، فقال : هذا نزار .
ابن معد ، وسمّي بذلك ، لأنّه كان صاحب حروب وغارات على اليهود ، وكان منصوراً .
ابن عدنان ، لأنّ أعين الحيّ كلّها كانت تنظر إليه .
وروي عنه صلى الله عليه وآله : إذا بلغ نسبي إلى عدنان فامسكوا .
وعنه صلى الله عليه وآله : كذب النسابون .
قال اللَّه تعالى « وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً »(1) .
قال القاضي عبد الجبار بن أحمد : المراد بذلك : إنّ اتصال الأنساب غير معلوم ، فلا يخلو إمّا أن يكون كاذباً ، أو في حكم الكاذب .
وقد روي أنّه انتسب إلى إبراهيم(2) .
أم سلمة : سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : معد بن عدنان بن أدد ، وسمّي أدد ، لأنّه كان ماد الصوت كثير العزّ ، ابن زيد بن ثرا بن أعراق الثرى .
ص: 101
قالت أم سلمة : زيد هميسع ، وثرا نبيت ، واعراق الثرى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام .
قالت : ثم قرأ صلى الله عليه وآله « وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ »(1) الآية .
واعتمد النسابة وأصحاب التواريخ : إنّ عدنان هو أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن نبت بن حمل بن قيدار بن إسماعيل(2) .
وقال ابن بابويه : عدنان بن أد بن أدد بن زيد بن يقدد بن يقدم بن الهميسع بن نبت بن قيدار(3) بن إسماعيل(4) .
وقال ابن عباس : عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع .
ويقال : ابن يامين بن يشخب بن منحر بن صابوغ بن الهميسع بن نبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم بن تارخ بن ناحور بن شروغ بن ارغو وهو هود .
ويقال : رقالغ بن عابر ، وهو هود بن ارفخشد بن متوشلخ بن سام بن نوح بن لمك بن أخنوخ .
ويقال : أخنوخ هو إدريس بن مهلائيل .
وقيل : مهائيل بن زياد ، ويقال : مارد .
ص: 102
ويقال : اياد بن قينان بن انوش .
ويقال : قينان بن أدد بن انوش بن شيث ، وهو هبة اللَّه بن آدم(1) .
أمّه : آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة(2) إلى آخر النسب .
ويقال : إنّه ينسب إلى آدم بتسعة وأربعين أباً .
ص: 103
الترمذي في الشمائل ، والطبري في التاريخ ، والزمخشري في الفائق ، والفتال في الروضة ، رووا صفة النبي صلى الله عليه وآله بروايات كثيرة ، منها :
عن أمير المؤمنين عليه السلام وابن عباس ، وأبي هريرة ، وجابر بن سمرة ، وهند بن أبي هالة :
إنّه كان صلى الله عليه وآله فخماً مفخماً في العيون(1) ، معظماً ، وفى القلوب مكرماً ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر(2) ليلة البدر ، أزهر منوّر اللون(3) ، مشرباً بحمرة ، لم تزريه مقلة ، ولم تعبه ثجلة(4) .
أغرّ ، أبلج(5) ، أحور ، أدعج ، أكحل ، أزج(6) ، عظيم الهامة ، رشيق القامة مقصداً ، واسع الجبين ، أقنى العرنين(7) ، أشكل العينين ، مقرون
ص: 104
الحاجبين ، سهل الخدين صلتهما(1) ، طويل الزندين(2) ، شبح الذراعين(3) ، عظيم مشاشة المنكبين ، طويل ما بين المنكبين ، شثن الكفين(4) ، ضخم القدمين ، عاري الثديين ، خمصان الأخمصين(5) ، مخطوط المتينين(6) . أهدب الأشفار(7) ، كثّ اللحية(8) ، ذا فروة ، وافر السبلة(9) ، أخضر(10) الشمط(11) ،
ص: 105
ضليع الفم(1) ، أشمّ أشنب(2) مفلج الأسنان ، سبط الشعر(3) ، دقيق المسربة(4) .
معتدل الخلق ، مفاض البطن ، عريض الصدر ، كأنّ عنقه جيد دمية(5) في صفاء الفضة ، سائل الأطراف(6) ، منهوش(7) العقب ، قصير الحنك ، دافى الجبهة ، ضرب اللحم بين الرجلين ، كأنّ في خاصرته انفتاق ، فعم(8) الأوصال ، لم يكن بالطويل البائن(9) ، ولا بالقصير الشائن(10) ، ولا بالطويل الممغط(11) ، ولا بالقصير المتردد ، ولا بالجعد القطط(12) ، ولا بالسبط(13) ،
ص: 106
ولا بالمطهم(1) ، ولا بالمكلثم(2) ، ولا بالأبيض الأمهق(3) ، ضخم الكراديس(4) ، جليل المشاش(5) ، أنور المتجرد(6) ، لم يكن في بطنه ولا في صدره شعر إلّا موصل ما بين اللبّة إلى السرّة كالخط ، جليل الكتد(7) ، أجرد ذا مسربة .
وكان أكثر شيبه في فودي(8) رأسه ، وكأنّ كفّه كفّ عطار مسّها بطيب ، رحب الراحة(9) ، سبط القصب(10)(11) .
وكان إذا رضى وسرّ فكأن وجهه المرآة ، وكأنّ فيه شي ء من صور .
ص: 107
يخطو تكفؤاً(1) ، ويمشي الهوينا(2) ، يبدوا القوم إذا سارع إلى خير ، وإذا مشى تقلّع(3) كأنّما ينحدر في صبب(4) .
إذا تبسّم يتبسّم عن مثل المنحدر عن بطون الغمام(5) ، وإذا افتر(6) افتر عن سنا البرق إذا تلألأ .
لطيف الخلق ، عظيم الخلق ، ليّن الجانب ، إذا طلع بوجهه على الناس رأوا جبينه كأنّه ضوء السراج المتوقّد ، كأنّ عرقه في وجهه كاللؤلؤ ، وريح عرقه أطيب من ريح المسك الأذفر ، بين كتفيه خاتم النبوة(7) .
أبو هريرة : كان يقبل جميعاً ، ويدبر جميعاً(8) .
جابر بن سمرة : كانت في ساقيه حموشة(9)(10) .
ص: 108
أبو جحيفة : كان قد شمط عارضاه(1) ، وعنفقته بيضاء(2) .
أم هاني : رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ذا ضفائر أربع(3) .
والصحيح أنّه كان له ذؤابتان ، ومبدأها من هاشم .
أنس : ما عددت في رأس رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ولحيته إلّا أربع عشرة شعرة بيضاء(4) .
ويقال : سبع عشرة .
ابن عمر : إنّما كان شيبه نحواً من عشرين شعرة بيضاء(5) .
البراء بن عازب : كان يضرب شعره كتفيه(6) .
أنس : له لمّة(7) إلى شحمة اذنيه(8) .
عائشة : كان شعره فوق الوفرة(9) ودون الجمة(10)(11) .
ص: 109
وفي نهج البلاغة : اختاره من شجرة الأنبياء ، ومشكاة الضياء ، وذوابة العلياء ، وسرّة البطحاء ، ومصابيح الظلمة ، وينابيع الحكمة(1) .
أرسله على حين فتره من الرسل ، وتنازع من الألسن ، فقفي به الرسل ، وختم به الوحي ، فجاهد في اللَّه المدبرين عنه ، والعادلين به(2) .
أرسله بالضياء ، وقدّمه في الاصطفاء ، فرتق به المفاتق ، وساور(3) به المغالب ، وذلّل به الصعوبة ، وسهّل به الحزونة ، حتى سرح الضلالة عن يمين وشمال(4) .
أرسله داعياً إلى الحقّ ، وشاهداً على الخلق ، فبلّغ رسالات ربّه غير وان ولا مقصر ، وجاهد في اللَّه أعداءه غير واهن ولا معذر ، إمام من اتّقى ، وبصر من اهتدى(5) .
وفي سحر البلاغة : صلّى اللَّه على خير مبعوث ، وأفضل وارث ومورث ، وخير مولود دعا إلى خير معبود ، بشير الرحمة والثواب ،
ص: 110
ومدبر السطوة والعقاب ، ناسخ كلّ ملّة مشروعة ، وفاسخ كلّ نحلة متبوعة ، جاء بأمّته من الظلمات إلى النور ، وأوفى بهم إلى الظلّ بعد الحرور ، قد افرد بالزعامة وحده ، وختم بأن لا نبي بعده ، أرسله اللَّه قمراً منيراً ، وقدراً مبيراً(1) .
ص: 111
ص: 112
ص: 113
كان لعبد المطلب عشر بنين : الحارث ، والزبير ، وحجل ، وهو الغيداق ، وضرار ، وهو نوفل ، والمقوم ، وأبو لهب ، وهو عبد العزى ، وعبد اللَّه ، وأبو طالب ، وحمزة ، والعباس ، وهو أصغرهم سنّاً .
وكانوا من أمّهات شتى إلّا عبد اللَّه وأبو طالب ، فإنّهما كانا ابني أم ، وأمّهما فاطمة بنت عمرو بن عايد .
وأعقب منهم البنون أربعة : أبو طالب ، وعباس ، والحارث ، وأبو لهب .
وعماته ستّة : عاتكة ، أميمة ، البيضاء ، وهي أم حكيم ، وصفية ، وهي أم الزبير ، وبرّة ، ويقال : وزيده .
وأسلم من أعمامه : أبو طالب ، وحمزة ، والعباس .
ومن عمّاته : صفية ، وأروى ، وعاتكة .
ص: 114
وآخر من مات من أعمامه : العباس ، ومن عمّاته : صفية(1) .
وجدّته لأبيه : فاطمة بنت عمرو المخزومي .
وجدّته لاُمّه : برّة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار .
وأخوه ووزيره ووصيه وختنه علي عليه السلام(1) .
وربيبه هند بن أبي هالة الأسدي من خديجة عليها السلام ، وعمرو بن أبي سلمة وزينب أخته من أم سلمة .
ص: 116
قال الصادق عليه السلام : تزوّج رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بخمس عشرة إمرأة ، ودخل بثلاث عشرة منهن ، وقبض عن تسع(1) .
المبسوط : أنّه قال أبو عبيدة : تزوج النبي صلى الله عليه وآله ثماني عشر إمرأة(2) .
وفي اعلام الورى ، ونزهة الأبصار ، وأمالي الحاكم ، وشرف المصطفى : إنّه تزوج بإحدى وعشرين امرأة(3) .
وقال ابن جرير وابن مهدي : واجتمع له إحدى عشرة امرأة في وقت(4) .
ترتيب أزواجه
تزوج بمكّة أولاً خديجة بنت خويلد عليها السلام ، قالوا : وكانت عند عتيق بن عايذ المخزومي ، ثم عند أبي هالة زرارة بن نباش الأسدي(5) .
ص: 117
وروى أحمد البلاذري ، وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما ، والمرتضى في الشافي ، وأبو جعفر في التلخيص : إنّ النبي صلى الله عليه وآله تزوّج بها وكانت عذراء ، يؤكد ذلك ما ذكر في كتابي الأنوار والبدع : أنّ رقية وزينب كانتا ابنتي هالة أخت خديجة(1) .
ص: 118
ص: 119
ص: 120
ص: 121
ص: 122
ص: 123
ص: 124
وسودة بنت زمعة بعد موتها بسنة ، وكانت عند سكران بن عمرو من مهاجري الحبشة ، فتنصّر ومات بها .
وعائشة بنت أبي بكر ، وهي ابنة سبع ، قبل الهجرة بسنتين ، ويقال : كانت ابنة ست ، ودخل بها بالمدينة في شوال وهي ابنة تسع ، ولم يتزوّج غيرها بكراً(1) ، وتوفي النبي صلى الله عليه وآله ، وهي ابنة ثمانية عشر سنة ، وبقيت إلى امارة معاوية ، وقد قاربت السبعين .
وتزوّج بالمدينة أم سلمة ، واسمها هند بنت أمية المخزومية ، وهي بنت عمّته عاتكة بنت عبد المطلب .
وكانت عند أبي سلمة بن عبد الأسد بعد وقعة بدر من سنة إثنتين من التاريخ .
ص: 125
وفي هذه السنة تزوّج بحفصة بنت عمر ، وكانت قبله تحت خنيس بن عبد اللَّه بن حذاقة السهمي ، فبقيت إلى آخر خلافة علي عليه السلام ، وتوفيت بالمدينة .
وزينب بنت جحش الأسدية ، وهي ابنة عمّتها أميمة(1) بنت عبد المطلب ، وكانت عند زيد بن حارثة وهي أول من ماتت من نسائه بعده في أيام عمر بعد سنتين من التاريخ .
وجويرية بنت الحارث بن ضرار المصطلقية .
ويقال : إنّه اشتراها ، فأعتقها وتزوّجها ، وماتت في سنة خمسين ، وكانت عند مالك بن صفوان بن ذي السفرتين .
وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، واسمها « رملة » ، وكانت عند عبد اللَّه بن جحش في سنة ستّ ، وبقيت إلى إمارة معاوية .
وصفية بنت حي بن أخطب النضري ، وكانت عند سلام بن مسلم ، ثم عند كنانة بن الربيع ، وكانت أتي بها "في الحال" ، وأسرّ بها في سنة سبع .
ص: 126
وميمونة بنت الحارث الهلالية خالة ابن عباس ، وكانت عند عمير بن عمرو الثقفي ، ثم عند أبي زيد بن عبد العامري ، خطبها للنبي صلى الله عليه وآله جعفر بن أبي طالب ، وكان تزويجها وزفافها وموتها وقبرها بسرف ، وهو على عشرة أميال من مكة في سنة سبع ، وماتت في سنة ستّ وثلاثين .
وقد دخل بهؤلاء .
والمطلقات ، أو من لم يدخل بهن ، أو من خطبها ولم يعقد عليها :
فاطمة بنت شريح ، وقيل : بنت الضحاك ، تزوّجها بعد وفاة ابنته زينب ، وخيّرها حين أنزلت عليه آية التخيير ، فاختارت الدنيا .
ففارقها ، فكانت بعد ذلك تلقط البعر ، وتقول : أنا الشقية ، اخترت الدنيا .
وزينب بنت خزيمة بن الحرث « أم المساكين » من عبد مناف ، وكانت عند عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب .
وأسماء بنت النعمان بن الأسود الكندي من أهل اليمن .
ص: 127
وأسماء بنت نعمان ، لمّا دخلت عليه قالت : أعوذ باللَّه منك ، فقال : أعذتك إلحقي بأهلك ، وكانت بعض أزواجه علّمتها وقالت : إنّك تحظين عنده .
وقتيلة أخت الأشعث بن قيس الكندي ، ماتت قبل أن يدخل بها .
ويقال : طلّقها ، فتزوّجها عكرمة بن أبي جهل ، وهو الصحيح .
وأم شريك ، واسمها غزية بنت جابر من بني النجار .
وسنا بنت الصلت من بني سليم .
ويقال : خولة بنت حكيم السلمي ، ماتت قبل أن تدخل عليه .
وكذلك سراف(1) أخت دحية الكلبي .
ولم يدخل :
بعمرة الكلابية .
وأميمة بنت النعمان الجونية .
والعالية بنت ظبيان الكلابية .
ومليكة الليثية .
ص: 128
وأمّا عمرة(1) بنت بريد رأى بها بياضاً فقال : دلستم علي ، فردّها .
وليلى بنت الحطيم الأنصارية ، ضربت ظهره وقالت : أقلني ، فأقالها ، فأكلها الذئب .
وعمرة من العرطا(2) ، وصفها أبوها حتى قال : إنّها لم تمرض قطّ ، فقال صلى الله عليه وآله : ما لهذه عند اللَّه من خير .
والتسع اللاتي قبض عنهن :
أم سلمة .
زينب بنت جحش .
ميمونة .
أم حبيبة .
صفية .
ص: 129
مبسوط الطوسي : إنّه اتخذ من الإماء ثلاثاً : عجميّتين وعربية ، فأعتق العربية ، واستولد إحدى العجميّتين(1) .
وكان له سريّتان يقسم لهما مع أزواجه : مارية القبطية ، وريحانة بنت زيد القرظية(2) ، أهداهما المقوقس صاحب الإسكندرية .
وكانت لمارية أخت اسمها « سيرين » ، فأعطاها حسان ، فولدت عبد الرحمن .
فتوفت مارية بعد النبي صلى الله عليه وآله بخمس سنين .
ويقال : إنّه أعتق ريحانة ، ثم تزوجها(3) .
تاج التراجم : إنّ النبي صلى الله عليه وآله اختار من سبي بني قريظة جارية اسمها « تكانة بنت عمرو » ، وكانت في ملكه ، فلمّا توفي صلى الله عليه وآله زوّجها العباس(4) .
ولد من خديجة عليها السلام : القاسم وعبد اللَّه ، وهما : الطاهر والطيب .
وأربع بنات : زينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، وهي آمنة ، وفاطمة عليها السلام ، وهي أم أبيها .
ولم يكن له ولد من غيرها إلّا إبراهيم من مارية ، ولد بعالية في قبيلة مازن في مشربة أم إبراهيم .
ويقال : ولد بالمدينة سنة ثمان من الهجرة ، ومات بها ، وله سنة وعشرة أشهر وثمانية أيام ، وقبره بالبقيع .
وفي الأنوار ، والكشف ، واللمع ، وكتاب البلاذري : إنّ زينب ورقية كانتا ربيبتيه من جحش .
فأمّا القاسم والطيب ، فماتا بمكّة صغيرين ، قال مجاهد : مكث القاسم سبع ليال .
وأمّا زينب ، فكانت عند أبي العاص القاسم بن الربيع ، فولدت أم كلثوم ، وتزوّج بها علي عليها السلام .
وكان أبو العاص أسر يوم بدر ، فمنّ عليه النبي صلى الله عليه وآله ، وأطلقه من غير فداء ، وأتت زينب الطائف ، ثم أتت النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة .
ص: 132
فقدم أبو العاص المدينة فأسلم .
وماتت زينب بالمدينة بعد مضى النبي صلى الله عليه وآله إليها بسبع سنين وشهرين .
وأمّا رقية ، فتزوجها عتبة ، وأم كلثوم تزوّجها عتيق ، وهما ابنا أبي لهب ، فطلّقاهما ، فتزوج عثمان رقية بالمدينة ، وولدت له عبد اللَّه صبيّاً لم يجاوز ستّ سنين ، وكان ديك نقره على عينه فمات ، وبعدها أم كلثوم .
كان علي عليه السلام يكتب أكثر الوحي ، ويكتب أيضاً غير الوحي .
وكان أبيّ بن كعب ، وزيد بن ثابت يكتبان الوحي .
وكان زيد وعبد اللَّه بن الأرقم يكتبان إلى الملوك .
وعلاء بن عقبة وعبد اللَّه بن أرقم يكتبان القبالات .
والزبير بن العوام وجهم بن الصلت يكتبان الصدقات .
وحذيفة يكتب صدقات التمر .
وقد كتب له عثمان ، وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، والحصين بن نمير ، والعلاء بن الحضرمي ، وشرحبيل بن حسنة الطانحي ، وحنظلة بن ربيع الأسدي(1) ، وعبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح ، وهو الخائن في الكتابة ، فلعنه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وقد ارتد(2) .
وفي تاريخ البلاذري : إنّه أنفذ النبي صلى الله عليه وآله ابن عباس إلى معاوية ليكتب له ، فقال : إنّه يأكل ، ثم بعث إليه ولم يفرغ من أكله ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : لا أشبع اللَّه بطنه(3) .
ص: 134
ومن كان يضرب أعناق الكفار بين يديه : علي عليه السلام ، والزبير ، ومحمد ابن مسلمة ، وعاصم بن(1) الأفلح ، والمقداد(2) .
وحرّاسه(3) : سعد بن معاذ حرسه يوم بدر ، وهو في العريش ، وقد حرسه ذكوان بن عبد اللَّه ، وبأحد محمد بن مسلمة ، وبالخندق الزبير ، وليلة بني نصيفة ، وهو بخيبر سعد بن أبي وقاص ، وأبو أيوب [ الأنصاري ] وبلال بوادي القرى ، وزياد بن أسد ليلة فتح مكة ، وكان [ سعد بن ] عباد يلي حرسه .
فلمّا نزل : « وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » ترك الحرس(4) .
[ من قدّمهم للصلاة ]
ومن قدّمهم للصلاة : فأمير المؤمنين عليه السلام كان يصلّي بالمدينة أيام تبوك ، وفي غزوة "تبوك" الطائف وفدك .
ص: 136
وسعد بن عبادة على المدينة في الأبواء وودان ، وسعد بن معاذ في بواط ، وزيد بن حارثة في صفوان وبني المصطلق إلى تمام سبع مرات ، وأبا سلمة المخزومي في ذي العشيرة ، وأبا لبابة في بدر القتال وبني قينقاع والسويق ، وعثمان في بني غطفان وذي امرة وذات الرقاع ، وابن أم مكتوم في قرقرة الكدر وبني سليم وأحد وحمراء الأسد وبني النظير والخندق وبني قريظة وبني لحيان وذي قرد وحجة الوداع والاكيدر ، وسباع بن عرفطة في الحديبية ودومة الجندل ، وأبا ذر في حنين وعمرة القضاء ، وابن رواحة في بدر الموعد ، ومحمد بن مسلمة ثلاث مرات .
وقدّم عبد الرحمن بن عوف ، ومعاذ بن جبل ، وأبا عبيدة ، وعايشة بن محصن ، ومرثد الغنوي(1) .
ولّى عمرو بن حزم الأنصاري نجران ، وزياد بن أسيد(2) حضرموت ، وخالد بن سعيد بن العاص صنعاء ، وأبا أمية المخزومي كندة والصدق ، وأبا موسى الأشعري زبيد ، وزمعة عدن والساحل ، ومعاذ بن جبل الجبلة والغضا من أعمال اليمن ، وعمرو بن العاص عمان ومعه أبو زيد الأنصاري ، ويزيد بن أبي سفيان على نجران ، وحذيفة دبا .
ص: 137
وبلالاً على صدقات الثمار ، وعباد بن البشير الأنصاري على صدقات بني المصطلق ، والأقرع بن حابس على صدقات بني دارم ، والزبرقان بن بدر على صدقات عوف ، ومالك بن نويرة على صدقات بني يربوع ، وعدي بن حاتم على صدقات طي وأسد ، وعيينة بن حصن على صدقات فزارة ، وأبا عبيدة بن الجراح على صدقات مزينة وهذيل وكنانة(1) .
بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ، وشجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن شمر ، ودحية الكلبي إلى قيصر ، وسليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي ، وعبد اللَّه بن حذاقة السهمي إلى كسرى ، وعمر بن أمية الضمري إلى النجاشي(2) .
الذي حلق رأسه يوم الحديبية خراش بن أمية الخزاعي ، وفي حجّته معمر بن عبد اللَّه بن حارثة بن نضر(1) .
كعب بن مالك(1) ، قوله :
وإنّي وإن عنّفتموني لقائل
فدا لرسول اللَّه نفسي وماليا(2)
أطعناه لم نعدله فينا بغيره
شهاباً لنا في ظلمة الليل هاديا(3)
* * *
وله :
وفينا رسول اللَّه نتّبع أمره
إذا قال فينا القول لا يتطلّع
تدلّى على الروح من عند ربّه
ينزل من جوّ السماء ويرفع(4)
وقال عبد اللَّه بن رواحة :
وكذاك قد ساد النبي محمد
كلّ الأنام وكان آخر مرسل(5)
ص: 141
وقال حسان بن ثابت :
ألم تر أنّ اللَّه أرسل عبده
ببرهانه واللَّه أعلى وأمجد
وشقّ له من اسمه ليجلّه
وذو العرش محمود وهذا محمد
نبي أتانا بعد بأس وفترة
من الرسل والأوثان في الأرض تعبد
تعاليت ربّ العرش من فاحش
فإياك نستهدي وإياك نعبد(1)
* * *
وأمره النبي صلى الله عليه وآله إن يجيب أبا سفيان ، فقال :
ألا أبلغ أبا سفيان عنّي
مغلغلة وقد برح الخفاء
بأنّ سيوفنا تركتك عبداً
وعبد الدار سادتها الإماء
أتهجوه ولست له بندّ
فشرّكما لخيركما الفداء
هجوت محمداً برّاً حنيفاً
أمين اللَّه شيمته الوفاء
أمن يهجو رسول اللَّه منكم
ويمدحه وينصره سواء
فإنّ أبي ووالدتي وعرضي
لعرض محمد منكم وقاء(2)
ص: 142
وقال كعب بن زهير(1) :
إنّ الرسول لنور(2) يستضاء به
مهند من سيوف اللَّه مسلول
في عصبة(3) من قريش قال قائلهم
ببطن مكة لمّا أسلموا زولوا
شمّ العرانين أبطال لبوسهم
من نسج داود في الهيجا سرابيل
مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة
القرآن فيه مواعيظ(4) وتفصيل
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم
أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل
نبّئت أنّ رسول اللَّه أوعدني
والعفو عند رسول اللَّه مأمول(5)
ثوى في قريش بضع عشرة حجّة
يذكّر من يلقى صديقاً مواتيا(1)
ويعرض في أهل المواسم نفسه
فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا
فلمّا أتاها أظهر اللَّه دينه
فأصبح مسروراً بطيبة راضيا
والقى صديقاً واطمأنت به النوى
وكان له عوناً من اللَّه باديا
يقصّ لنا ما قال نوح لقومه
وما قال موسى إذ أجاب المناديا(2)
[ وقال ] ابن الزبعرى(1) :
يا رسول المليك إنّ لساني
راتق ما فتقت إذ أنا بور
إذ أجاري الشيطان في سنن
الغيّ ومن مال ميله مثبور
شهد اللحم والعظام بربّي
ثم قلبي الشهيد أنت النذير(2)
يعتذر من الهجاء ، فأمر له النبي صلى الله عليه وآله بحلّة .
* * *
وله :
ولقد شهدت بأنّ دينك صادق
حقّاً وإنّك في العباد جسيم
واللَّه يشهد أنّ أحمد مصطفى
مستقبل في الصالحين كريم(3)
ص: 146
وله أيضاً :
فالآن أخضع للنبي محمد
بيد مطاوعة وقلب تائب
ومحمد أوفى البرية ذمّة
وأعزّ مطلوب وأظفر طالب
هادي العباد إلى الرشاد وقائد
للمؤمنين بضوء نور ثاقب
إنّي رأيتك يا محمد عصمة
للعالمين من العذاب الواصب
رأيتك يا خير البرية كلّها
نشرت كتاباً جاء بالحقّ معلما
سننت لنا فيه الهدى بعد جورنا
عن الحقّ لمّا أصبح الحقّ مظلما
ونوّرت بالبرهان أمراً مدمساً
واطفأت بالبرهان جمراً تضرّما
أقمت سبيل الحقّ بعد اعوجاجها
ودانت قديماً وجهها قد تهدّما(1)
وما حملت من ناقة فوق رحلها
أبرّ وأوفى ذمّة من محمد
ولا وضعت أنثى لأحمد مشبهاً
من الناس في التقوى ولا في التعبّد(1)
ما إن رأيت ولا سمعت بواحد
في الناس كلّهم شبيه محمد(1)
إنّ البيوت معادن فنجاره
ذهب وكلّ بيوته ضخم
عقم النساء فلا يلدن شبيهه
إنّ النساء بمثله عقم
متهلّل بنعم بلا متباعد
سيّان منه الوفر والعدم(1)
وأتى الأعشى مكّة .
فقالت قريش : إنّ محمداً صلى الله عليه وآله يحرّم الخمر والزنا ، فانصرف ، فسقط عن بعيره ومات(1) .
ويقال أنّه قال :
نبي يرى ما لا يرون وذكره
أغار لعمري في البلاد وأنجدا(2)
ومن هجاته :
ابن الزبعرى السهمي .
وهبيرة بن أبي وهب المخزومي .
وشافع بن عبد مناف الجمحي .
وعمرو بن العاص .
وأمية بن الصلت الثقفي(3) .
وأبو سفيان بن أبي الحرث ، ومن قوله :
ص: 152
فأصبحت قد راجعت حلمي وردّني
إلى اللَّه من طردت كلّ مطرد
أصدّ وأنأى جاهلاً عن محمد
وادعى وإن لم أنتسب من محمد
فضرب النبي صلى الله عليه وآله يده في صدره وقال : متى طردتني يا أبا سفيان(1) ؟
ص: 153
ص: 154
ص: 155
« الورد »
أهداه تميم الداري .
و« الطرب »
سمّي لبسوقه(1) وحسن صهيله ، ويقال هو « الطرف »(2) .
و« اللزاز »
وقد أهداه المقوقس سمّي بذلك لأنّه كان ملزّزاً(3) موثقاً .
و« اللحيف »
أهداه ربيعة بن أبي البراء ، وسمّي بذلك لأنّه كان كالمتلحف بعرفه(4) ، والصحيح أنّه « الورد » الذي أعطاه الداري ، وسمّاه النبي صلى الله عليه وآله « اللحيف » .
و« مرتجز »
وقد صحّفوه ، فقالوا : « المرتجز » ، وهو المشترى من الأعرابي الذي شهد فيه خزيمة .
ص: 156
وكان أول فرس ركبه ، وأول ما غزا عليه في أحد ، وكان ابتاعه من رجل من فزارة ، ويقال : اسمه « بريدة الملاح » .
اليعسوب ، والسبحة ، وذو العقاب ، والملاوح ، وقيل : مراوح(1) .
أهدى إليه المقوقس « دلدل » ، وكانت شهباء ، فدفعها إلى علي عليه السلام ، ثم كانت للحسن عليه السلام ، ثم للحسين عليه السلام ، ثم كبرت وعميت ، وهي أول بغلة ركبت في الإسلام .
وقال التاريخي : أهدى إليه فروة بن عمرو الجذامي بغلة يقال لها « فضّة »(2) .
أهدى له المقوقس « يعفور » مع « دلدل » .
ص: 157
وأعطاه فروة الجذامي « عفير » مع « فضة » .
« العضباء » ، وكانت لا تسبق .
و« الجدعاء » .
و« القصواء » ، ويقال : « القضواء » ، وهي ناقة اشتراها النبي صلى الله عليه وآله من أبي بكر بأربعمائة درهم ، وهاجر عليها ، ثم نفقت عنده .
و« الصهباء » .
ومنها :
« البغوم » ، و« الغيم » ، و« النوق » ، و« مروة » .
أصاب ثلاثاً من بني قينقاع(1) .
وكان له رمح يقال له « المستوفي »(2) .
وكان له عنزة يقال لها « المثنى » أنفذها النجاشي .
ويقال : إنّ النجاشي أعطى للزبير عنزة ، فلمّا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله أعطاه إياها ، فكان بلال يحملها بين يديه يوم العيد ، ويخرج بها في أسفاره ، فتركز بين يديه يصلّي إليها(3) ، ويقولون : هي التي يحمل المؤذنون بين يدي الخلفاء .
« البيضاء » وكانت من شوحط .
و« الصفراء » من نبع .
و« الروحاء » ، أصاب هذه الثلاثة من بني قينقاع(1) .
و« الكرع » ويقال : « كرار » .
وكان له ترس يقال له « الزلوق »(2) .
وترس فيه تمثال رأس كبش أذهبه اللَّه(3) .
وكان له جعبة يقال له « الكافورة »(4) .
ودخل مكة وعلى رأسه مغفر يقال له « السبوع »(5) .
ص: 162
وكان له قضيب يسمّى « الممشوق »(1) ، محجن ، ومخصرة تسمّى « العرجون »(2) .
ومنطقة من أديم منشور فيها ثلاث حلق من فضة ، والإبزيم(3) والطرف من فضّة(4) .
وكان له قدح مضبب بثلاث ضبات(5) فضّة(6) ، وتور(7) من حجارة يقال له « المخضب » ، وقدح من زجاج ، ومغتسل من صفر(8) ، وقطيفة ، وقصعة .
وخاتم فضّة نقشه « محمد رسول اللَّه » .
وأهدى له النجاشي خفّين أسودين ساذجين فلبسهما(9) .
ص: 164
وقالت عائشة : كان فراش النبي صلى الله عليه وآله الذي يرقد فيه من أدم حشوه ليف(1) ، وكانت ملحفته مصبوغة بورس أو زعفران(2) .
وكان يلبس يوم الجمعة برده الأحمر(3) ، ويعتم بالسحاب(4) .
ودخل مكة يوم الفتح عليه عمامة سوداء(5) .
وكانت له ربعة فيها مشط عاج ، ومكحلة ، ومقراض ، وسواك(6) .
ويقال : ترك يوم مات عشرة أثواب : ثوب حبرة ، وإزاراً عمانياً ، وثوبين صحاريين ، "وقميصاً صحارياً" ، وقميصاً سحولياً(7) ، وجبّة يمنية ، [ وخميصة (8)] ، وكساء أبيض ، وقلانس صغاراً لاطئة ثلاثاً أو أربعاً ، وإزاراً طوله ثلاثة أشبار(9) .
وتوفي في أزار غليظ من هذه اليمانية ، وكساء يدعى ب« الملبدة » .
ص: 165
وكان له سرير أعطاه أسعد بن زرارة(1) .
وكان منبره ثلاثة مراقي من الطرفاء(2) استعملت امرأة لغلام لها(3) نجار اسمه « ميمون »(4) .
وكان مسجده بلا منارة ، وكان بلال يؤذن على الأرض .
وكان شعار أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « يا منصور أمت » .
وقال لمزينة : ما شعاركم ؟ قالوا : « حرام » ، قال : شعاركم « حلال » .
وكان شعار المهاجرين يوم أحد : « يا بني عبد اللَّه » .
والخزرج : « يا بني عبد الرحمن » .
والأوس : « يا بني عبد اللَّه »(5) .
ص: 166
سلمان الفارسي .
وزيد بن حارثة وابنه أسامة .
وأبو رافع أسلم ، ويقال : اسمه « بندويه العجمي » ، وهبه العباس وأعتقه النبي صلى الله عليه وآله لما بشّر بإسلام العباس ، وزوّجه سلمى ، فولد له عبيد اللَّه كاتب أمير المؤمنين .
وبلال الحبشي .
وصهيب الرومي .
وسفينة اسمه « مفلح الأسود » ، ويقال : « رومان البلخي » ، وكان لاُم سلمة ، فأعتقته واشترطت عليه خدمة النبي صلى الله عليه وآله .
وثوبان الحميري اشتراه النبي صلى الله عليه وآله وأعتقته ، وبقى في خدمته وخدمة أولاده إلى أيام معاوية .
ويسار النوبي أسر في غزوة بني ثعلبة فأعتقه ، وهو الذي قتله العرنيون .
وشقران ، واسمه « صالح بن عدي الحبشي » ورثه عن أبيه ، ويقال : هو من أولاد دهاقين الري .
ومدعم الخثعمي ، وهو هدية فروة بنت عمرو الجذامي .
وأبو مويهبة من مولدي مزينة ، أعتقه النبي صلى الله عليه وآله .
وأبو كبشة ، واسمه « السليم » من مولدي أرض دوس أو مكة ، فاشتراه وأعتقه ، مات في أول يوم من جلوس عمر .
ص: 167
وأبو بكرة هشام ، واسمه « نقيع » تدلّى من الحصن على بكرة ، ونزل من حصن الطائف إلى النبي صلى الله عليه وآله فانعتق .
وأبو أيمن ، واسمه « رباح » ، وكان أسود ، وكان يستأذن على النبي صلى الله عليه وآله ، ثم صيّره مكان يسار حين قتل .
وأبو لبابة القرظي ، اشتراه النبي صلى الله عليه وآله فأعتقه .
وفضالة ، وهبه رفاعة بن زيد الجذامي ، وقتل بوادي القرى .
وانبسة بن كردي من العجم ، قتل في بدر ، وقيل : توفي في أيام أبي بكر .
وكركرة ، أهدي له فأعتقه ، ويقال : مات وهو مملوك .
وأبو ضمرة، كان ممّا أفاء اللَّه عليه من العرب، وهو أبو ضميرة، ويقال: اشترته أم سلمة للنبي صلى الله عليه وآله فأعتقه ، ويقال : هو « روح بن شيرزاد » من ولد كشتاسب الملك ، وبنيه من مولدي السراة .
وأسلم الأصفر الرومي .
وأنجشة الحبشي .
وماهر ، كان المقوقس أهداه إليه .
وأبو ثابت ، وأبو نيزر ، وأبو سلمى ، وأبو عسيب ، وأبو رافع الأصفر ، وأبو لقيط ، وأبو البشر ، ومهران ، وعبيد ، وأفلح ، ورفيع ، ويسار الأكبر(1) .
ص: 168
ص: 170
ص: 171
ص: 172
حملت به أمّه في أيام التشريق عند جمرة العقبة الوسطى(1) في منزل عبد اللَّه بن عبد المطلب(2) .
ولد بمكة عند طلوع الفجر من يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأول بعد خمس وخمسين يوماً من هلاك أصحاب الفيل(3) .
وقالت العامّة : يوم الإثنين الثامن أو العاشر منه لسبع بقين من ملك أنوشيروان(4) .
ويقال : في ملك هرمز لثمان سنين وثمانية أشهر مضت من ملك عمرو بن هند ملك العرب .
ووافق شهر الروم العشرين من شباط في السنة الثانية من ملك هرمز بن أنوشيروان .
ص: 173
وذكر الطبري : أنّ مولده كان لإثنتين وأربعين سنة من ملك أنوشيروان(1) ، وهو الصحيح ، لقوله صلى الله عليه وآله : ولدت في زمن الملك العادل أنوشيروان(2) .
قال الكليني : في شعب أبي طالب في دار محمد بن يوسف في الزاوية القصوى عن يسارك وأنت داخل الدار(3) .
وقال الطبري : في بيت من الدار التي تعرف اليوم بدار [ محمد بن ] يوسف ، وهو أخو الحجاج بن يوسف ، وكان قد اشتراها من عقيل وأدخل ذلك البيت في الدار حتى أخرجته خيزران ، واتخذته مسجداً يصلّي [ فيه الناس (4)] .
الزهرة عن أبي عبد اللَّه الطرابلسي : البيت الذي ولد فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في دار محمد بن يوسف .
الواقدي : وهو ابن سبعة أشهر(1) .
الطبري : توفي أبوه بالمدينة ، ودفن في دار النابغة(2) .
ابن إسحاق : توفي أبوه وأمّه حامل به(3) .
وماتت أمّه وهو ابن أربع سنين(4) .
الكلبي : وهو ابن ثمانية وعشرين شهراً(5) .
محمد بن إسحاق : توفيت أمّه بالأبواء منصرفة إلى مكة وهو ابن ست .
ورباه عبد المطلب ، وتوفي عنه وهو ابن ثمانية سنين وشهران وعشرة أيام ، فأوصى به إلى أبي طالب فربّاه(6) .
كتاب العروس وتاريخ الطبري : أنّه أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب
ص: 175
بلبن ابنها مسروح أياماً(1) ، فتوفّيت مسلمة سنة سبع من الهجرة ، ومات ابنها قبلها .
ثم أرضعته حليمة السعدية ، فلبثت فيهم خمس سنين ، وكانت أرضعت قبله الحمزة ، وبعده أبا سلمة المخزومي(2) .
وخرج مع أبي طالب في تجارته ، وهو ابن تسع سنين(3) ، ويقال : ابن إثنتي عشرة سنة(4) .
وخرج إلى الشام في تجارته لخديجة عليها السلام ، وله خمس وعشرون سنة ، وتزوّج بها بعد أشهر(5) .
قال محمد بن يعقوب الكليني : تزوّج خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة(6) ، ولبث بها أربع وعشرين سنة وأشهراً .
ص: 176
وبنيت الكعبة ورضيت قريش بحكمه فيها ، وهو ابن خمس وثلاثين سنة(1) .
ابن عباس وأنس : أوحى اللَّه إليه يوم الإثنين السابع والعشرين من رجب ، وله أربعون سنة(2) .
ابن مسعود : أحد وأربعون سنة(3) .
ابن المسيب وابن عباس : ثلاث وأربعون سنة(4) .
وكان لإحدى عشرة خلون من ربيع الأول ، وقيل : لعشر خلون من ربيع الأول .
وقيل : بعث في شهر رمضان لقوله : « شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ » أي ابتدأ إنزاله للسابع عشر أو الثامن عشر عن ابن عباس ، والرابع والعشرين(5) عن أبي الجليد .
ص: 177
قام صلى الله عليه وآله يدعو الناس ، وقام أبو طالب عليه السلام بنصرته ، فأسلم : خديجة عليها السلام وعلي عليه السلام وزيد .
وأسري به بعد النبوة بسنتين ، وقالوا : بسنة وستة أشهر بعد رجوعه من الطائف(1) .
الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال : اكتتم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بمكة مستخفياً خائفاً خمس سنين ، ليس يظهر ، وعلي عليه السلام معه وخديجة ، ثم أمره اللَّه أن يصدع بما يؤمر ، فظهروا وظهر أمره(2) .
وتوفي أبو طالب عليه السلام بعد نبوته بتسع سنين وثمانية أشهر ، وذلك بعد خروجه من الشعب بشهرين .
وزعم الواقدي : أنّهم خرجوا من الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين .
وفي هذه السنة توفي أبو طالب عليه السلام ، وتوفيت خديجة عليها السلام بعد بستة أشهر ، وله ست وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة وعشرون يوماً .
ص: 178
ويقال : وهو ابن سبع وأربعين سنة وستة أشهر وأياماً(1) .
أبو عبد اللَّه منده في كتاب المعرفة : إنّ وفاة خديجة عليها السلام بعد موت أبي طالب عليه السلام بثلاثة أيام(2) .
المعرفة عن الفسوي : توفيت خديجة عليها السلام بمكة قبل الهجرة من قبل أن تفرض الصلاة على الموتى(3) .
وسمّي هذا العام عام الحزن(4) .
ولبث بعدها بمكة ثلاثة أشهر ، فأمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة ، فخرج جماعة من أصحابه بأهاليهم ، وذلك بعد خمس من نبوته .
وكان حصار الشعب ، وكتابة الصحيفة أربع سنين ، وقيل : ثلاث سنين ، وقيل : سنتين .
فلمّا توفي أبو طالب عليه السلام خرج إلى الطائف ، وأقام فيه شهراً ، وكان معه
ص: 179
زيد بن الحارث ، ثم انصرف إلى مكة ، ومكث فيها سنة وستة أشهر في جوار مطعم بن عدي .
وكان يدعو القبائل في المواسم ، فكانت بيعة العقبة الأولى بمنى ، فبايعه خمسة نفر من الخزرج ، وواحد من الأوس في خفية من قومهم بيعة النساء ، وهم :
جابر بن عبد اللَّه ، وفطنة بن عامر بن حزام ، وعوف بن الحارث ، وحارثة بن ثعلبة ، ومرثد بن الأسد ، وأبو أمامة ثعلبة بن عمرو ، ويقال : هو أسعد بن زرارة .
فلمّا انصرفوا إلى المدينة ، وذكروا القصّة ، وقرأوا القرآن صدّقوه .
وفي السنة القابلة ، وهي العقبة الثانية أنفذوا معهم ستة آخرين بالسلام والبيعة ، وهم :
أبو الهيثم بن التيهان ، وعبادة بن الصامت ، وذكوان بن عبد اللَّه ، ونافع بن مالك بن العجلان ، وعباس بن عبادة بن نضلة ، ويزيد بن ثعلبة ، حليف له ، ويقال : مسعود بن الحارث ، وعويم بن ساعدة ، حليف لهم .
ص: 180
ثم أنفذ النبي صلى الله عليه وآله معهم "ابن عمّه" مصعب بن هاشم ، فنزل دار أسعد بن زرارة ، فاجتمعوا عليه ، وأسلم أكثرهم إلّا دار أمية بن زيد وحطمة ووائل وواقف ، فإنّهم أسلموا بعد بدر وأحد والخندق .
وفي السنة القابلة كانت بيعة الحارث ، كانوا من الأوس والخزرج سبعين رجلاً وامرأتين ، واختار صلى الله عليه وآله منهم إثني عشر نقيباً ليكونوا كفلاء قومه ، تسعة من الخزرج ، وثلاثة من الأوس .
فمن الخزرج : أسعد ، وجابر ، والبراء بن معرور ، وعبد اللَّه بن حزام ، وسعد بن عبادة ، والمنذر بن قمر ، وعبد اللَّه بن رواحة ، وسعد بن الربيع .
ومن القوافل : عبادة بن الصامت .
ومن الأوس : أبو هيثم ، وأسيد بن خضير ، وسعيد بن خيثمة(1) .
وبعث رسله إلى الآفاق في سنة عشر ، وبين فتح مكة ووفاته كانت الوفود ، منهم :
ص: 181
بنو سليم ، وفيهم العباس بن مرداس .
وبنو نهم ، وفيهم عطارد بن حاجب بن زرارة .
وبنو عامر بن الطفيل ، وأربد بن قيس .
وبنو سعد بن بكر ، وفيهم صام بن ثعلبة ، وعبد القيس ، والجارود بن عمرو .
وبنو حنيفة ، وفيهم مسيلمة الكذاب .
وطي ، وفيهم زيد الخيل ، وعدي بن حاتم .
وزبيد ، وفيهم عمرو بن معدي كرب .
وكندة ، وفيهم الأشعث بن قيس .
ونجران ، وفيهم السيد ، والعاقب ، وأبو الحارث .
والأزد .
وبعثت حمير إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بإسلامهم .
وبعث فروة الجذامي رسولاً باسمه .
وبنو الحارث بن كعب ، وفيهم قيس بن الحصين ، ويزيد بن عبد المدان .
وثقيف ، وسيدهم عبد نائل .
وبنو أسد ، وأسلم(1) .
ص: 182
وهاجر إلى المدينة ، وأمر أصحابه بالهجرة ، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة ، وكانت هجرته يوم الإثنين(1) .
وصار ثلاثة أيام في الغار ليخيب من قصد إليه(2) ، وروي : ستة أيام .
ودخل المدينة يوم الإثنين ، الثاني عشر من ربيع الأول ، وقيل : الحادي عشر .
وهي السنة الأولى من الهجرة ، فردّ التاريخ إلى المحرم(3) .
وكان نزل بقبا في دار كلثوم بن الهدم ، ثم بدار خيثمة الأوسي ثلاثة أيام ، ويقال : إثنا عشر يوماً إلى بلوغ علي عليه السلام وأهل البيت .
وكان أهل المدينة يستقبلون كلّ يوم إلى قبا وينصرفون ، فأسّس بقبا مسجدهم ، وخرج يوم الجمعة ، ونزل المدينة وصلّى في المسجد الذي ببطن الوادي(4) .
قال الفسوي في تاريخه : أول صلاة صلّاها في المدينة صلاة العصر .
ص: 183
ثم نزل على أبي أيوب ، فلمّا أتى لهجرته شهر وأيام تمّت صلاة المقيم .
وبعد ثمانية أشهر آخى بين المؤمنين .
وفيها شرع الأذان .
فلمّا أتى لهجرته سنة وشهران وإثنان وعشرون يوماً زوّج علياً عليه السلام من فاطمة عليها السلام ، وروي : إنّها كانت بعد سنة من مقدمه إليها(1) .
سئل الصادق عليه السلام : متى حوّلت القبلة ؟
قال : بعد رجوعه من بدر(1) .
قال أنس : وهم ركوع في صلاة الصبح فاستداروا(2) .
البخاري والواحدي : إنّ النبي صلى الله عليه وآله صلّى عند قدومه المدينة ستة عشر شهراً نحو بيت المقدس(3) .
البخاري : حجّ النبي صلى الله عليه وآله قبل النبوة وبعدها لا نعرف عددها ، ولم يحجّ بعد الهجرة إلّا حجّة الوداع(4) .
وعن جابر الأنصاري : إنّه حجّ ثلاثة حجج ، حجّتين قبل الهجرة ، وحجّة الوداع(5) .
العلاء بن رزين ، وعمرو بن يزيد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال : حجّ رسول اللَّه عشرين حجّة(6) .
ص: 185
الطبري عن ابن عباس : اعتمر النبي صلى الله عليه وآله أربع عمر : الحديبية ، والقضا ، والجعرانة ، والتي مع حجّته(1) .
معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام : اعتمر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ثلاث عمر متفرقات ، ثم ذكر الحديبية والقضاء والجعرانة(2) .
وأقام بالمدينة عشر سنين(3) .
ثم حجّ حجّة الوداع ، ونصب علياً عليه السلام إماماً يوم غدير خم(4) .
فلمّا دخل المدينة بعث أسامة بن زيد ، وأمره أن يقصد حيث قتل أبوه ، وجعل في جيشه وتحت رايته أبا بكر وعمر وأبا عبيدة ، وعسكر أسامة بالجرف .
فاشتكى شكواه التي توفي فيها ، فكان يقول في مرضه : نفّذوا جيش أسامة ، ويكرر ذلك(5) .
ص: 186
فلمّا دخل سنة إحدى عشر أقام بالمدينة المحرّم ، ومرض أياماً ، وتوفي في الثاني من صفر(1) ، يوم الإثنين(2) .
ويقال : يوم الجمعة ، لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول .
وكان بين قدومه المدينة ووفاته عشر سنين(3) ، وقبض قبل أن تغيب الشمس ، وهو ابن ثلاث وستين سنة .
فغسله علي عليه السلام بثوبيه بوصيّة منه ، وفي رواية : ونودي(4) بذلك .
وبقي غير مدفون ثلاثة أيام يصلّي عليه الناس .
وحفر له لحداً أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري ، ودفنه علي عليه السلام ، وعاونه العباس والفضل وأسامة .
فنادت الأنصار : يا علي ! نذكّرك اللَّه وحقّنا اليوم من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أن يذهب ! أدخل منّا رجلاً فيه ، فقال : ليدخل أوس بن خولي ، فلمّا دلّاه في حفرته قال له : اخرج ، وربّع قبره(5) .
ص: 187
ص: 188
ص: 189
ص: 190
الحمد للَّه العلي الأعلى ، الوفي الأوفى ، الولي الأولى ، ربّ الآخرة والأولى ، خالق السماوات العلى ، ومبدع الأرضين السفلى ، له الآخرة والأولى ، « الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى » .
بعث محمداً صلى الله عليه وآله ، ذي النعمة العظمى ، والمحبّة(1) الكبرى ، الهادي إلى الطريقة المثلى ، الداعي إلى الخليقة الحسنى ، وجعله خير الخلق ما بين الثريا والثرى ، ورفعه إلى السماء من أم القرى ، بقوله : «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَْقْصَى » .
اختلف الناس في المعراج :
فالخوارج ينكرونه .
ص: 191
وقالت الجهمية : عرج بروحه دون جسمه على طريق الرؤيا .
وقالت الإمامية والزيدية والمعتزلة : بل عرج بروحه وبجسمه إلى بيت المقدس ، لقوله تعالى : « إِلَى الْمَسْجِدِ الأَْقْصَى » .
وقال آخرون : بل عرج بروحه وجسمه إلى السماوات ، روي ذلك عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وأنس ، وعائشة ، وأم هاني .
ونحن لا ننكر ذلك إذا قامت الدلالة ، وقد جعل اللَّه معراج موسى عليه السلام إلى الطور « وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ » .
ولإبراهيم عليه السلام إلى السماء الدنيا « وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ » .
ولعيسى عليه السلام إلى الرابعة « بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ » .
ولإدريس عليه السلام إلى الجنة « وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا » .
ولمحمد صلى الله عليه وآله « فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى » ، وذلك لعلو همّته ، فلذلك يقال : المرء يطير بهمّته .
فتعجب اللَّه !! من عروجه «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى » ، وأقسم بنزوله «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى » ، فيكون عروجه ونزوله بين تأكيدين(1) .
السدي والواقدي: الإسراء قبل الهجرة بستة أشهر بمكّة، في السابع عشر من شهر رمضان ليلة السبت بعد العتمة من دار أم هاني بنت أبي طالب .
ص: 192
وقيل : من بيت خديجة عليها السلام .
وروي : من شعب أبي طالب عليه السلام .
الحسن وقتادة : كان من نفس المسجد .
ابن عباس : هي ليلة الإثنين في شهر ربيع الأول بعد النبوة بسنتين ، فالأول معراج العجائب ، والثاني معراج الكرامة(1) .
ابن عباس في خبر : إنّ جبرئيل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وآله وقال : إنّ ربّي بعثني إليك ، وأمرني أن آتيه بك ، فقم فإنّ اللَّه يكرمك كرامة لم يكرم بها أحد قبلك ولا بعدك ، فأبشر وطب نفساً ، فقام وصلّى ركعتين ، فإذا هو بميكائيل وإسرافيل ، ومع كلّ واحد منهما سبعون ألف ملك ، فسلّم عليهم ، فبشّروه .
فإذا معهم دابة فوق الحمار ودون البغل ، خدّه كخدّ الإنسان ، وقوائمه كقوائم البعير ، وعرفه كعرف الفرس ، وذنبه كذنب البقر ، رجلاها أطول من يديها ، ولها جناحان من فخذيه ، خطوتها مدّ البصر ، وإذا عليها الجام من ياقوتة حمراء .
ص: 193
فلمّا أراد أن يركب امتنعت ، فقال جبرئيل عليه السلام : إنّه محمد صلى الله عليه وآله ، فتواضعت حتى لصقت بالأرض ، فأخذ جبرئيل بلجامها ، وميكائيل بركابها ، فركب .
فلمّا(1) هبطت ارتفعت يداها ، وإذا صعدت ارتفعت رجلاها ، فنفرت العير من دفيف البراق ، ينادي رجل في آخر العير : أن يا فلان إنّ الإبل قد نفرت ، وإنّ فلانة ألقت حملها ، وانكسرت يدها .
فلمّا كان ببطن البلقاء ، عطش فإذا لهم ماء في آنية فشرب منه ، والقى الباقي .
فبينا هو في مسيره إذ نودي عن يمين الطريق : يا محمد ، على رسلك ، ثم نودي عن يساره : على رسلك ، فإذا هو بامرأة استقبلته وعليها من الحسن والجمال ما لم ير لأحد ، وقالت : قف مكانك حتى أخبرك .
ففسّر له إبراهيم الخليل عليه السلام لما رآه جميع ذلك ، فقال : منادي اليمين داعية اليهود ، فلو أجبته لتهوّدت أمّتك ، ومنادي اليسار داعية النصارى ، فلو أجبته لتنصّرت أمّتك ، والمرأة المتزيّنة هي الدنيا تمثّلت لك ، لو أجبتها لاختارت أمّتك الدنيا على الآخرة !!
ص: 194
فجاء جبرئيل عليه السلام إلى بيت المقدس ، فرفعها فأخرج من تحتها ثلاثة أقداح : قدحاً من لبن ، وقدحاً من عسل ، وقدحاً من خمر ، فناوله من قدح اللبن فشرب ، فناوله قدح العسل فشرب ، ثم ناوله قدح الخمر فقال : قد رويت يا جبرئيل ، فقال : أما إنّك لو شربته ضلّت أمّتك(1) !! .
ابن عباس في خبر : وهبط مع جبرئيل عليه السلام ملك لم يطأ الأرض قطّ مع مفاتيح خزائن الأرض ، فقال : يا محمد ، إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول : هذه مفاتيح الأرض ، فإن شئت فكن نبياً عبداً ، وإن شئت فكن نبياً ملكاً ، فقال : بل أكون نبياً عبداً ، فإذا سُلّم من ذهب ، قوائمه من فضّة ، مركب باللؤلؤ والياقوت ، يتلألأ نوراً ، وأسفله على صخرة بيت المقدس ، ورأسه في السماء ، فقال له : اصعد يا محمد .
فلمّا صعد إلى السماء رأى شيخاً قاعداً تحت شجرة ، وحوله أطفال ، فقال جبرئيل عليه السلام : هذا أبوك آدم عليه السلام إذا رأى من يدخل الجنة من ذرّيته ضحك وفرح ، وإذا رأى من يدخل النار من ذرّيته حزن وبكى .
ورأى ملكاً باسر الوجه ، وبيده لوح مكتوب بخطّ من النور ، وخط من الظلمة ، فقال : هذا ملك الموت .
ص: 195
ثم رأى ملكاً قاعداً على كرسي ، فلم ير منه من البشر ما رأى من الملائكة ، فقال جبرئيل عليه السلام : هذا مالك خازن النار ، كان طلقاً بشراً ، فلمّا اطلع على النار لم يضحك بعد ، فسأله أن يعرض عليه النار ، فرأى فيها ما رأى .
ثم دخل الجنة ، ورأى ما فيها ، وسمع صوتاً : آمنّا برب العالمين ، قال : هؤلاء سحرة فرعون ، وسمع : لبيك اللّهم لبيك ، قال : هؤلاء الحجاج ، وسمع التبكير ، فقال : هؤلاء الغزاة ، وسمع التسبيح ، قال : هؤلاء الأنبياء .
فلمّا بلغ إلى سدرة المنتهى ، فانتهى إلى الحجب ، فقال جبرئيل عليه السلام : تقدّم يا رسول اللَّه ، ليس لي أجوز هذا المكان ، ولو دنوت أنملة لاحترقت(1) .
أبو بصير قال : سمعته يقول : إنّ جبرئيل احتمل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حتى انتهى به إلى مكان من السماء ، ثم تركه ، فقال له : ما وطأ نبي قطّ مكانك(2) .
وروي : إنّه رأى في السماء الثانية : عيسى ويحيى عليهما السلام ، وفي الثالثة :
ص: 196
يوسف ، وفي الرابعة : إدريس ، وفي الخامسة : هارون ، وفي السادسة : الكروبيين ، وفي السابعة : خلقاً والملائكة .
وفي حديث أبي هريرة: رأيت في السماء السادسة: موسى، وفي السابعة : إبراهيم(1) .
ابن عباس : ورأى ملائكة الحجب يقرؤن سورة النور ، وخزان الكرسي يقرؤن آية الكرسي ، وحملة العرش يقرؤن حم المؤمن .
قال : فلمّا بلغت قاب قوسين نوديت بالقرب .
وفي رواية : إنّه نودي ألف مرّة بالدنو ، وفي كلّ مرّة قضيت لي حاجة ، ثم قال لي : سل تعط ، فقلت : يا ربّ اتخذت إبراهيم خليلاً ، وكلّمت موسى تكليماً على بساط الطور ، وأعطيت سليمان ملكاً عظيماً ، فماذا أعطيتني ؟
فقال : اتخذت إبراهيم خليلاً ، واتخذتك حبيباً ، وكلّمت موسى تكليماً على بساط الطور ، وكلّمتك على بساط النور ، وأعطيت سليمان ملكاً فانياً ، وأعطيتك ملكاً باقياً في الجنة(2) .
ص: 197
وروي : أنا المحمود وأنت محمد ، شققت اسمك من اسمي ، فمن وصلك وصلته ، ومن قطعك بتلته ، انزل إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي إياك ، وإنّي لم أبعث نبياً إلّا جعلت له وزيراً ، وإنّك رسولي وإنّ علياً وزيرك(1) .
وروي : إنّه لمّا بلغ إلى السماء السابعة نودي : يا محمد ، إنّك لتمشي في مكان ما مشى عليه بشر ، فكلّمه اللَّه - تعالى - فقال : « آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ » ، فقال : نعم ، يا ربّ « وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ » ، فقال اللَّه : « لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً » الآية ، فقال : « رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا » السورة ، فقال : قد فعلت .
ثم قال : من خلّفت لأمّتك من بعدك ؟ فقال : اللَّه أعلم ، قال : إنّ علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ، [ فكانت إمامته مشافهة من اللَّه - جلّ ذكره - لنبيه صلى الله عليه وآله (2)] .
ويقال : أعطاه اللَّه في تلك الليلة أربعة رفع عنها علم الخلق :
« فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ » .
والمناجاة « فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ » .
والسدرة « إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ » .
وإمامة علي عليه السلام(3) .
ص: 198
وقالوا : المعراج خمسة أحرف :
فالميم : مقام الرسول عند الملك الأعلى .
والعين : عزّة عند شاهد كلّ نجوى .
والراء : رفعته عند خالق الورى .
والألف : انبساطه مع عالم السرّ وأخفى .
والجيم : جاهه في ملكوت العلى(1) .
وروي أنّه فقده أبو طالب عليه السلام في تلك الليلة ، فلم يزل يطلبه ، ووجّه إلى بني هاشم وهو يقول : يا لها من عظيمة ، إن لم أر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلى الفجر .
فبينا هو كذلك ، إذ تلقّاه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وقد نزل من السماء على باب أم هاني ، فقال له : انطلق معي ، فأدخل بين يديه المسجد ، فدخل بنو هاشم ، فسلّ أبو طالب عليه السلام سيفه عند الحجر ، ثم قال : أخرجوا ما معكم يا بني هاشم ، ثم التلفت إلى قريش .
فقال : واللَّه ، لو لم أره ما بقيت منكم عين تطرف ، فقالت قريش : لقد ركبت منّا عظيماً .
ص: 199
وأصبح صلى الله عليه وآله يحدّثهم بالمعراج ، فقيل له : صف لنا بيت المقدس ، فجاء جبرئيل عليه السلام بصورة بيت المقدس تجاه وجهه ، فجعل يخبرهم بما يسألونه عنه .
فقالوا : أين بيت فلان ؟ ومكان كذا ؟ فأجابهم في كلّ ما سألوه عنه ، فلم يؤمن منهم إلّا قليل ، وهو قوله « وَما تُغْنِي الآْياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ »(1) .
* * *
[ قال ] الحسن الباخرزي :
طلبت وصاله دهراً طويلاً
فولدها القضاء وراء ضدّه
فلمّا غبت عنه وغاب عنّي
أتاني طارقاً من بعد بعده
مضت فقضت حوائجنا خبالاً
فسبحان الذي أسرى بعبده
* * *
[ وقال ] غيره :
عجبت لمن أسرى الإله بعبده
من البيت ليلاً نحو بيت المقدس
* * *
[ وقال ] آخر :
دنى فتدلّى فاكتسى حلّة البها
فقال له سلني فأعطيك ما تشا
* * *
ص: 200
[ وقال ] الخبرزري :
قلت للبدر حين أعتَبَ(1) زرني
واسمت الوصل بالرضا لا التجافي
قال إنّي مع العشاء سآتي
فارتقبني ولا تخف من خلافي
قلت يا سيدي فهلّا نهاراً
فهو أعلى لرقبة الايتلاف
قال لي لا أريد تغيير رسم
إنّما البدر في الظلام يوافي(2)
* * *
ص: 201
ص: 202
ص: 203
ص: 204
كان النبي صلى الله عليه وآله يعرض نفسه على قبائل العرب في الموسم ، فلقى رهطاً من الخزرج ، فقال : ألا تجلسون أحدّثكم ؟ قالوا : بلى ، فجلسوا إليه ، فدعاهم إلى اللَّه ، وتلا عليهم القرآن .
فقال بعضهم لبعض : يا قوم تعلموا - واللَّه - أنّه النبي الذي كان يوعدكم به اليهود ، فلا يسبقنكم إليه أحد ، فأجابوه ، وقالوا له : إنّا قد تركنا قومنا ، ولا قوم بينهم من العداوة والشرّ مثل ما بينهم ، وعسى أن يجمع اللَّه بينهم بك ، فتقدم عليهم وتدعوهم إلى أمرك ، وكانوا ستة نفر .
قال : فلمّا قدموا المدينة ، فأخبروا قومهم بالخبر ، فما دار حول إلّا وفيها حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، حتى إذا كان العام المقبل أتى الموسم من الأنصار إثنا عشر رجلاً ، فلقوا النبي صلى الله عليه وآله فبايعوه على بيعة النساء : أن لا يشركوا باللَّه شيئاً ولا يسرقوا . . إلى آخرها ، ثم انصرفوا .
وبعث معهم مصعب بن عمير يصلّي بهم ، وكان بينهم بالمدينة يسمّى « المقري » ، فلم تبق دار في المدينة إلّا وفيها رجال ونساء مسلمون ، إلّا دار أمية وحطيمة ووابل ، وهم من الأوس .
ثم عاد مصعب إلى مكة ، وخرج من خرج من الأنصار إلى الموسم مع حجّاج قومهم ، فاجتمعوا في الشعب عند العقبة ثلاثة وسبعون رجلاً
ص: 205
وامرأتان في أيام التشريق بالليل ، فقال صلى الله عليه وآله : أبايعكم على الإسلام ، فقال له بعضهم : نريد أن تعرفنا - يا رسول اللَّه - ما للَّه علينا ، وما لك علينا ، وما لنا على اللَّه ؟
قال : أمّا للَّه عليكم ، فأن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً .
وأمّا ما لي عليكم ، فتنصروني مثل نساءكم وأبناءكم ، وأن تصبروا على عضّ السيف ، وأن يقتل خياركم .
قالوا : فإذا فعلنا ذلك ما لنا على اللَّه ؟ قال : أمّا في الدنيا فالظهور على من عاداكم ، وفي الآخرة الرضوان والجنة .
فأخذ البراء بن معرور بيده ، ثم قال : والذي بعثك بالحقّ ، لنمنعنّك بما نمنع به أزرنا ، فبايعنا - يا رسول اللَّه - فنحن - واللَّه - أهل الحرب ، وأهل الحلفة ، ورثناها كباراً عن كبار .
فقال أبو الهيثم : إنّ بيننا وبين الرجال حبالاً(1) ، وإنّا إن قطعناها أو قطعوها ، فهل عسيت إن فعلنا ذلك ، ثم أظهرك اللَّه أن ترجع إلى قومك وتدعنا ! فتبسّم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ثم قال : بل الدم الدم ، والهدم الهدم ، أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم .
ثم قال : أخرجوا لي منكم إثني عشر نقيباً ، فاختاروا ، ثم قال : أبايعكم كبيعة عيسى بن مريم للحواريين كفلاء على قومهم بما فيهم ، وعلى أن تمنعوني ممّا تمنعون منه نساءكم وأبناءكم ، فبايعوه على ذلك ،
ص: 206
فصرخ الشيطان في العقبة : يا أهل الجباجب هل لكم في محمد والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم .
ثم نفر الناس من منى ، وفشى الخبر ، فخرجوا في الطلب ، فأدركوا سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو ، فأمّا المنذر فأعجز القوم ، وأمّا سعد فأخذوه وربطوه بنسع رحله ، وادخلوه مكة يضربونه ، فبلغ خبره إلى جبير بن مطعم والحرث بن حرب بن أمية ، فأتياه وخلصاه(1) .
وكان النبي صلى الله عليه وآله لم يؤمر إلّا بالدعاء والصبر على الأذى والصفح عن الجاهل ، فطالت قريش على المسلمين .
فلمّا كثر عتوّهم أمر بالهجرة ، فقال صلى الله عليه وآله : إنّ اللَّه قد جعل لكم داراً وإخواناً تأمنون بها ، فخرجوا أرسالاً حتى لم يبق مع النبي صلى الله عليه وآله إلّا علي عليه السلام وأبو بكر ، فحذرت قريش خروجه ، وعرفوا أنّه قد أجمع لحربهم .
فاجتمعوا في دار الندوة - وهي دار قصي بن كلاب - يتشاورون في أمره ، فتمثّل إبليس في صورة شيخ من أهل نجد ، فقال : أنا ذو رأي حضرت لمؤازرتكم .
فقال عروة بن هشام : « نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ » .
ص: 207
وقال ابن البختري : أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه .
وقال العاص بن وائل وأمية وأبيّ ابنا خلف : نبني له علماً [ ونترك فرجاً ] نستودعه فيه ، فلا يخلص من الصباة إليه أحد .
وقال عتبة وشيبة وأبو سفيان : نرحّل بعيراً صعباً ، ونوثق محمداً عليه كتافاً وشدّاً ، ثم نقطّع(1) البعير بأطراف الرماح ، فيوشك أن يقطعه بين الدكادك إرباً إرباً .
فقال أبو جهل : أرى لكم أن تعمدوا إلى قبائلكم العشرة ، فتنتدبوا من كلّ قبيلة رجلاً نجداً ، ويأتونه بياتاً ، فيذهب دمه في قبائل قريش جميعاً ، فلا يستطيع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة قريش فيه ، فيرضون بالعقل .
فقال أبو مرّة : أصبت يا أبا الحكم ، هذا الرأي ، فلا نعدلن به رأياً ، فنزل « وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ »(2) الآية .
فجاء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال له : لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه ، فدعا علياً عليه السلام وقال : إنّ اللَّه - تعالى - أوحى إليّ أن أهجر دار قومي ، وأن انطلق إلى غار ثور تحت ليلتي ، وأنّه أمرني أن آمرك بالمبيت على مضجعي ، وأن اُلقي عليك شبهي ، فقال علي عليه السلام : أو تسلم بمبيتي هناك ؟ فقال صلى الله عليه وآله : نعم .
ص: 208
فتبسم علي ضاحكاً ، وأهوى إلى الأرض ساجداً ، فكان أول من سجد للَّه شكراً ، وأول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته .
فلمّا رفع رأسه قال له : امض لما أمرت ، فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي .
قال : فارقد على فراشي ، واشتمل بردي الحضرمي ، ثم إنّي أخبرك - يا علي - أنّ اللَّه - تعالى - يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه ، فأشدّ الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، وقد امتحنك - يا بن أمّ - وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم والذبيح إسماعيل ، فصبراً صبراً ، ف « إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الُْمحْسِنِينَ » ، ثم ضمّه إلى صدره(1) .
واستتبع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أبا بكر وهند بن أبي هالة وعبد اللَّه بن فهيرة ، ودليلهم أريقطة الليثي ، فأمرهم بمكان ذكره ، ولبث هو مع علي عليه السلام يوصيه ، ثم خرج في فحمة العشاء ، والرصد من قريش قد أطافوا به ينتظرون انتصاف الليل ، وكان يقرأ : « وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا » الآية ، وكانت بيده قبضة تراب ، فرمى بها في رؤوسهم ، ومضى حتى انتهى إليهم ، فمضوا معه حتى وصلوا إلى الغار ، وانصرف هند وعبد اللَّه ، فهجم الكفار على علي عليه السلام . . القصّة .
ص: 209
فركب في طلبه الصعب والذلول ، وامهل حتى إذا أعتم من الليلة القابلة انطلق هو وهند حتى دخلا على النبي صلى الله عليه وآله في الغار ، فأمر النبي صلى الله عليه وآله بأداء أمانته حتى أدّى الجميع ، فكان مقام رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فيه ثلاثاً ، ومبيت علي عليه السلام على فراشه أول ليلة(1) .
ولمّا ورد المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقبا ترصداً لعلي عليه السلام ، وكتب إليه يأمره بالمسير إليه على يدي أبي واقد الليثي ، فتهيأ للهجرة وأمر ضعفاء المؤمنين أن يتسلّلوا ويتخفّفوا إذا ملأ الليل بطن كلّ واد .
وخرج علي عليه السلام إلى ذي طوى بالفواطم وأيمن بن أم أيمن مولاة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وغير ذلك ، وأبو واقد يسوق الرواحل ، فأعنف بهم ، فقال : ارفق بالنسوة - أبا واقد - إنّهن من الضعائف ، قال : إنّي أخاف أن يدركنا الطلب ، فقال : أربع عليك ، إنّ النبي صلى الله عليه وآله قال لي : يا علي ، إنّهم لن يصلوا من الآن إليك بأمر تكرهه .
ثم جعل علي عليه السلام يسوق بهنّ سوقاً رفيقاً ، ويرتجز :
وليس إلّا اللَّه فارفع ظنّكا
يكفيك ربّ الناس ما أهمّكا
فلمّا شارف ضجنان أدركه الطلب بثمانية فوارس ، فأنزل النسوة واستقبلهم منتضياً سيفه ، فأقبلوا عليه ، فقالوا : ظننت - يا غدار ! -
ص: 210
أنّك ناج بالنسوة ؟! ارجع لا أبالك ، قال : فإن لم أفعل ؟ أترجعون راغمين ؟ ودنوا من النسوة ، فحال بينهم وبينها ، وقتل جناحاً ، وكان يشدّ على قومه شدّ الأسد على فريسته ، وهو يقول :
خلّوا سبيل الجاهد المجاهد
آليت لا أعبد غير الواحد
فانتشروا عنه ، فسار ظاهراً قاهراً حتى نزل ضجنان ، فتلوّم(1) بها قدر يومه وليلته .
ويروى أنّه لحق به نفر من المستضعفين ، فصلّى ليلته تلك هو والفواطم يذكرون اللَّه قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم حتى طلع الفجر ، فصلّى بهم صلاة الفجر .
ثم سار لوجهه حتى قدم المدينة ، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم : « الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً » إلى قوله : « أَوْ أُنْثى » ، فالذكر علي عليه السلام والأنثى فاطمة عليها السلام « بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ » يقول : علي عليه السلام من الفواطم ، وهنّ من علي عليه السلام « فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ » إلى قوله : « حُسْنُ الثَّوابِ » .
وتلا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى » الآية ، ثم قال : يا علي ، أنت أول هذه الأمّة إيماناً باللَّه ورسوله ، وأوّلهم هجرة إلى اللَّه ورسوله ، وآخرهم عهداً برسوله ، لا يحبّك - والذي نفسي بيده - إلّا مؤمن قد امتحن اللَّه قلبه بالإيمان ، ولا يبغضك إلّا منافق أو كافر(2) .
ص: 211
وروي أنّه كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله يستقبلونه وينصرفون عند الظهيرة ، فدخلوا يوماً فقدم النبي صلى الله عليه وآله ، فأول من رآه رجل من اليهود ، فلمّا رآه صرخ بأعلى صوته : يا بني قيله ، هذا جدّكم قد جاء .
فنزل النبي صلى الله عليه وآله على كلثوم بن هدم ، وكان يخرج فيجلس للناس في بيت سعد بن خيثمة ، وكان قيام علي عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله ثلاث ليال ، ثم لحق برسول اللَّه صلى الله عليه وآله فنزل معه على كلثوم ، وكان أبو بكر في بيت حبيب بن إساف .
فأقام النبي صلى الله عليه وآله بقبا يوم الإثنين والأربعاء والخميس ، وأسّس مسجده ، وصلّى يوم الجمعة في المسجد الذي في بطن الوادي - وادي « رافوقا » - فكانت أول صلاة صلّاها بالمدينة(1) .
ثم أتاه غسان بن مالك وعباس بن عبادة في رجال من بني سالم ، فقالوا : يا رسول اللَّه ، أقم عندنا في العدد والعدّة والمنعة ، فقال : خلّوا سبيلها ، فإنّها مأمورة ، يعني ناقته .
ثم تلقّاه زياد بن لبيد وفروة بن عمرو في رجال من بني بياضة ، فقال كذلك .
ص: 212
ثم اعترضه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة .
ثم اعترضه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبد اللَّه بن رواحة في رجال من بني الحارث بن الخزرج .
فانطلقت حتى إذا وازت دار بني مالك بن النجار بركت على باب مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وهو - يومئذٍ - مربد(1) لغلامين يتيمين من بني النجار ، فلمّا بركت ورسول اللَّه صلى الله عليه وآله لم ينزل ، وثبت فسارت غير بعيد ، ورسول اللَّه صلى الله عليه وآله واضع لها زمامها لا يثنيها به ، ثم التفت إلى خلفها ، فرجعت إلى مبركها أول مرّة فبركت ، ثم تجلجلت ورزمت ووضعت جرانها ، فنزل عنها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، واحتمل أبو أيوب رحله ، فوضعه في بيته ، ونزل النبي صلى الله عليه وآله في بيت أبي أيوب(2) .
وسأل عن المربد ، فأخبر أنّه لسهل وسهيل يتيمين لمعاذ بن عفراء ، فأرضاهما معاذ ، وأمر النبي صلى الله عليه وآله ببناء المسجد ، وعمل فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بنفسه ، فعمل فيه المهاجرون والأنصار ، وأخذ المسلمون يرتجزون وهم يعملون ، فقال بعضهم :
لئن قعدنا والنبي يعمل
لذاك منّا العمل المضلّل
ص: 213
والنبي صلى الله عليه وآله يقول : لا عيش إلّا عيش الآخرة . . اللّهم ارحم الأنصار والمهاجرة ، وعلي بن أبي طالب عليه السلام يقول :
لا يستوي من يعمل المساجدا
يدأب فيها قائماً وقاعدا
ومن يرى عن الغبار حائدا
ثم انتقل من بيت أبي أيوب إلى مساكنه التي بنيت له .
وقيل : كان مدّة مقامه بالمدينة إلى أن بنى المسجد وبيوته من شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة القابلة(1) .
ص: 214
ص: 215
ص: 216
لمّا كان بعد سبعة أشهر من الهجرة نزل جبرئيل عليه السلام بقوله : « أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ » الآية ، وقلّد في عنقه سيفاً - وفي رواية : لم يكن له غمد - فقال له : حارب بهذا قومك حتى يقولون : « لا إله إلّا اللَّه »(1) .
أهل السير : إنّ جميع ما غزا النبي صلى الله عليه وآله بنفسه ستّ وعشرون غزوة على هذا النسق :
[ 1 ] الأبواء .
[ 2 ] بواط
[ 3 ] العشيرة .
[ 4 ] بدر الأولى .
[ 5 ] بدر الكبرى .
[ 6 ] السويق .
[ 7 ] ذي امرة .
[ 8 ] أحد .
ص: 217
[ 9 ] نجران .
[ 10 ] بنو سليم .
[ 11 ] الأسد .
[ 12 ] بنو النضير .
[ 13 ] ذات الرقاع .
[ 14 ] بدر الآخرة .
[ 15 ] دومة الجندل .
[ 16 ] الخندق .
[ 17 ] بنو قريظة .
[ 18 ] بنو لحيان .
[ 19 ] بنو قرد .
[ 20 ] بنو المصطلق .
[ 21 ] الحديبية .
[ 22 ] خيبر .
[ 23 ] الفتح .
[ 24 ] حنين .
[ 25 ] الطائف .
[ 26 ] تبوك(1) .
ويلحق بها بنو قينقاع(2) .
ص: 218
قاتل في تسع وهي :
[ 1 ] بدر الكبرى .
[ 2 ] وأحد .
[ 3 ] والخندق .
[ 4 ] وبني قريظة .
[ 5 ] وبني المصطلق .
[ 6 ] وبني لحيان .
[ 7 ] وخيبر .
[ 8 ] والفتح .
[ 9 ] وحنين .
[ 10 ] والطائف(1) .
ص: 219
وأمّا سراياه ، فست وثلاثون :
أوّلها : سرية حمزة ، لقى أبا جهل بسيف البحر في ثلاثين من المهاجرين .
وفي ذي القعدة بعث سعد بن أبي وقاص في طلب عير .
ثم عبيدة بن الحارث بعد سبعة أشهر في ستين من المهاجرين نحو الجحفة إلى أبي سفيان فتراموا بالاحياء .
ابن إسحاق : وغزا في ربيع الآخر إلى قريش وبني ضمرة وكرز بن جابر الفهري حتى بلغ بواط(1) ،
ص: 220
في صفر غزا ودان حتى بلغ الأبواء .
وفي ربيع الآخر غزوة العشيرة من بطن ينبع .
ووادع فيها بني مدلج وضمرة .
وأغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة ، فاستخلف على المدينة زيد بن حارثة وخرج حتى بلغ وادي سفوان .
بدر الأولى ، وحامل لوائه علي عليه السلام .
ثم بعث في آخر رجب عبد اللَّه بن جحش في أصحابه ليرصد قريشاً ، فقتل واقد بن عبد اللَّه التميمي عمرو بن الجموح الحضرمي ، وهرب الحكم بن كيسان وعثمان بن عبد الدار وأخوه ، واستأمن الباقون ، واستاقوا العير إلى النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : واللَّه ، ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام ، وذلك تحت النخلة ، فسمى « غزوة النخلة » .
ص: 221
فنزل : « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ » الآية ، فأخذ العير ، وفدى الأسيرين .
ثم غزا بدر الكبرى ، وهو يوم الفرقان ، كما في قوله : « كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ » . . السورة ، وقوله : « قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ » .
وبدر ما بين مكة والمدينة ، وقال الشعبي والثمالي : بئر منسوبة إلى بدر الغفاري ، وقال الواقدي : هو اسم الموضع .
وذلك : أنّ النبي صلى الله عليه وآله خرج سابع عشر شهر رمضان - ويقال : ثالثه - في ثلاثمائة وسبعة عشر رجلاً في عدّة أصحاب طالوت ، منهم ثمانون راكباً ، أو سبعون .
ويقال : سبعة وسبعين رجلاً من المهاجرين ، ومائتي وثلاثين رجلاً من الأنصار .
وكان المقداد فارساً فقط ، يعتقب النفر على البعير الواحد ، وكان بين النبي صلى الله عليه وآله وبين أبي مرثد الغنوي بعير ، ويقال : فرس ، وكان معهم من السلاح ستة أدرع وثمانية سيوف .
قاصداً إلى أبي سفيان وعتبة بن أبي ربيعة في أربعين من قريش أو سبعين ، فأخبروا بالنبي صلى الله عليه وآله ، فأخذوا على الساحل ، واستصرخوا إلى أهل مكة على لسان ضمضم بن عمرو الغفاري(1) .
ص: 222
قال عروة : رأت عاتكة بنت عبد المطلب في منامها راكباً أقبل حتى وقف بالأبطح وصرخ : انفروا يا آل عدي إلى مصارعكم ، ثم نادى على ظاهر الكعبة ، ثم نادى على أبي قبيس ، ثم أرسل صخرة ، فارفضت(1) ، فما بقي في مكة دار إلّا دخل منها فلذة(2) .
قال ابن قتيبة : خرجوا تسعمائة وخمسين ، ويقال : ألف ومائتان وخمسون ، ويقال : ثلاثة آلاف ، ومعهم مائتا فارس يقودونها ، والقيان يضربن بالدفوف ، ويتغنين بهجاء المسلمين ، ولم يكن من قريش بطن إلّا خرج منهم ناس إلّا من بني زهرة وبني عدي بن كعب ، وأخرج فيهم طالب كرها ، فلم يوجد في القتلى والأسرى .
وشاور النبي صلى الله عليه وآله أصحابه في لقائهم أو الرجوع ، فقال أبو بكر وعمر كلاماً فأجلسهما ، ثم قال المقداد وسعد بن معاذ كلاماً فدعا لهما وسرّ ، ونزل «سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ » .
وأصابهم المطر ، فبعثوا عمير بن وهب الجمحي حتى طاف على عسكر النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : نواضح يثرب ، فنزل « وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها » ، فبعث النبي صلى الله عليه وآله إليهم وقال : يا معشر قريش ، إنّي أكره أن أبدأ بكم ، فخلّوني والعرب وارجعوا .
ص: 223
فقال عتبة : ما ردّ هذا قوم فأفلحوا ، فقال أبو جهل : جبنت وانتفخ سحرك(1) .
فلبس عتبة درعه وتقدّم هو وأخوه شيبة وابنه الوليد ، وقال : يا محمد ، أخرج الينا أكفاءنا من قريش ، فتطاولت الأنصار لمبارزتهم ، فدفعهم وأمر علياً عليه السلام وحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب - وهو ابن سبعين سنة - بالبراز وقال : قاتلوا على حقّكم الذي بعث اللَّه به نبيكم ، إذ جاؤوا بباطلهم ليطفئوا نور اللَّه ، فلمّا رأوهم قالوا : أكفاء كرام .
فقتل علي عليه السلام الوليد وحمزة عتبة ، وأصابت فخذ عبيدة ضربة ، فحمله علي عليه السلام وحمزة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فقال : يا رسول اللَّه ، ألست شهيداً ؟ قال : بلى ، أنت أول شهيد من أهل بيتي ، فمات بالصفراء(2) .
الكلبي وأبو جعفر وأبو عبد اللَّه عليه السلام : كان إبليس في صفّ المشركين أخذ بيد الحارث بن هشام ، فنكص على عقبيه ، فقال له الحارث : يا سراق ، أين ؟ أتخذلنا على هذه الحالة ! فقال له : « إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ » ، فقال : واللَّه ما نرى إلّا جعاسيس(3) يثرب ، فدفع في صدر الحارث وانطلق وانهزم الناس .
ص: 224
فلمّا قدموا مكة قالوا : هزم الناس سراقة ، فبلغ ذلك سراقة ، فقال : واللَّه ، ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم ، فقالوا : إنّك أتيتنا يوم كذا ، فحلف لهم ، فلمّا أسلموا علموا أنّ ذلك كان الشيطان(1) .
السدى والكلبي : إنّهم تثبّطوا خوفاً من بني بكر ، فتبدّا لهم إبليس في صورة سراقة بن جشعم المدلجي وقال : «إِنِّي جارٌ لَكُمْ » ، فلمّا رأى الملائكة « نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَ قالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكُمْ » ، الآية .
وقال النبي صلى الله عليه وآله في العريش : اللّهم إنّك إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد بعد اليوم ، فنزل « إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ » ، فخرج يقول : « سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ » الآية .
فأمدّه اللَّه بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين ، وكثّرهم في أعين المشركين ، وقلّل المشركين في أعينهم ، فنزل « وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى » من الوادي خلف العقنقل(2) ، والنبي صلى الله عليه وآله بالعدوة الدنيا عند القليب(3) .
وقال علي عليه السلام وابن عباس في قوله : « مُسَوِّمِينَ » : كان عليهم عمائم بيض أرسلوها بين أكتافهم .
وقال عروة : كانوا على خيل بلق عليهم عمائم صفر(4) .
ص: 225
الحسن وقتادة : كانوا اعلموا بالصوف في نواصي الخيل وأذنابها(1) .
ابن عباس : وسمع غفاري في سحابة حمحمة الخيل ، وقائل يقول : أقدم حيزوم(2) .
البخاري : قال النبي صلى الله عليه وآله : يوم بدر هذا جبرئيل أخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب(3) .
الحسن : قال رجل : يا رسول اللَّه ، إنّي رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك ، فقال صلى الله عليه وآله : ذاك ضرب الملائكة(4) .
ابن عباس : لم يقاتل الملائكة إلّا يوم بدر ، وإنّما أتوا بالمدد في غيرها(5) .
الثعلبي وسماك ابن حرب عن عكرمة عن ابن عباس في قوله « وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ » : إنّ النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام : ناولني كفّاً من حصباء ، فناوله ، فرمى في وجوه القوم ، فما بقي أحد إلّا امتلأت عينه من الحصباء(6) .
وفي رواية غيره : وأفواههم ومناخرهم(7) .
ص: 226
قال أنس : رمى بثلاث حصيات في الميمنة والميسرة والقلب(1) .
قال ابن عباس : « وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً » يعني : وهزم الكفار ليغنم النبي والوصي - عليهما السلام - .
فقتل علي عليه السلام خلقاً .
وقتل حمزة عتبة بن ربيعة ، والأسود بن عبد الأسود المخزومي ، وعبيدة بن سعيد بن عامر .
وقتل عمار أمية بن خلف .
وضرب معاذ بن عمرو الجموح الأنصاري أبا جهل فصرعه .
وقطع ابنه عكرمة يمين معاذ ، فعاش إلى زمن عثمان(2) .
وأخذ الفداء من كلّ مشرك أربعين أوقية ، ومن العباس مائة ، وقالوا : كان أكثر من أربعة آلاف درهم .
فنزل عتاباً في الفداء والأسرى « ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى » ، وقد كان كتب في اللوح المحفوظ « لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ » .
وكان القتال بالسابع عشر من شهر رمضان(1) .
وكان لوائه مع مصعب بن عمير ، ورأيته مع علي عليه السلام(2) ، ويقال : رايته مع علي عليه السلام ، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة(3) .
* * *
قال كعب بن مالك :
وعدنا أبو سفيان بدراً ولم نجد
لميعاده صدقاً وما كان وافيا
فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا
لأبت ذميماً وافتقدت المواليا
تركنا به أوصال عتبة وابنه
وثم أبا جهل تركناه ثاويا(4)
* * *
ص: 228
ولمّا رجع إلى المدينة غزا بعد سبع ليال بني سليم حتى بلغ ماء لهم يقال له « الكدر » ، وأقام عليه ثلاث ليال(1) .
وفي ذي الحجة غزا غزوة السويق ، وهو بدر الصغرى ، ماء لكنانة ، وكان موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها في كلّ عام ثمانية أيام .
وقيل : غزوة السويق لأنّ أبا سفيان كان نذر أن لا يمسّ رأسه من جنابة حتى يغزوا محمداً صلى الله عليه وآله ، فخرج في مائة راكب ، وأتى بني النضير ليلاً ، فلم يفتح له حي بن أخطب ، ثم أتى إلى سلام بن مسلم وسارّه ، ثم أتى إلى العريض ، فقتل أنصاريين .
فتبعهم النبي صلى الله عليه وآله إلى قرقرة الكدر ، فخشي أبو سفيان منه ، فألقى ما معه من الزاد والسويق ، فسمّيت غزوة السويق ، ووافق السوق ، وكانت لهم تجارات(2) .
ص: 229
في صفر غزوة غطفان ، وأنمار و« ذي أمر »(1) ، وذلك لمّا بلغه أنّ دعثور بن الحارث خرج في أربعمائة رجل وخمسين رجلاً ، ليصيب من أطراف المدينة نزل النبي صلى الله عليه وآله « ذا أمر(2) » وعسكر به ، وأصابهم مطر كثير ، وبلّ ثياب النبي صلى الله عليه وآله ، فنزعها فنشرها لتجفّ ، فقصده دعثور بسيفه(3) .. القصّة .
ثم كانت سرية زيد بن حارثة ، وتدعى غزوة القردة - ماء من مياه نجد - لمّا بعثه إلى عير قريش فيها أبو سفيان ، وقد سلكوا طريق العراق ، واستأجروا فرات بن حيان ، فأصابها زيد ، فهربت قريش ، وفيها قتل كعب بن الأشرف(4) .
وفي يوم السبت النصف من شوال على رأس شهرين من الهجرة غزوة بني قينقاع ، وهي سوق في نواحي المدينة .
ص: 230
ابن عباس : نزل قوله « قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ » .
الواقدي : نزل قوله « فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ » الآيتان .
فلمّا أتاهم النبي صلى الله عليه وآله قال لليهود : احذروا من اللَّه مثل ما نزل بقريش من قوارع اللَّه ، فأسلموا ، فإنّكم قد عرفتم - يعني صفتي في كتابكم - ، فجاروه في ذلك ، فكانت تقع بينهم المشاجرة ، فنزل « قَدْ كانَ لَكُمْ » الآية إلى قوله : « أُولِي الأَْبْصارِ » .
فحاصرهم النبي صلى الله عليه وآله ستة أيام حتى نزلوا على حكمه ، فتركهم بشفاعة عبد اللَّه بن أبي سلول ، ونزل في عبد اللَّه وناس من بني الخزرج « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ » إلى قوله « نادِمِينَ »(1) .
وفي شوال غزوة أحد ، وهو يوم المهراس .
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع والسدي وابن إسحاق : نزل قوله : « وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ » ، وهو المروي عن أبي جعفر(2) عليه السلام .
زيد بن وهب « إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ » فقالوا : لم انهزمنا وقد وعدنا بالنصر ، فنزل « وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ »(3) .
ص: 231
ابن مسعود والصادق عليه السلام : لمّا قصد أبو سفيان في ثلاثة آلاف من قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله ، ويقال : في ألفين منهم مائتا فارس ، والباقون ركب ، ولهم سبعمائة درع ، وهند ترتجز :
نحن بنات طارق
نمشي على النمارق
والمسك في المفارق
والدرّ في المخانق
وكان استأجر أبو سفيان يوم أحد ألفين من الأحابيش(1) يقاتل بهم النبي صلى الله عليه وآله ، قوله : « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ » .
فرأى النبي صلى الله عليه وآله أن يقاتل الرجال على أفواه السكك ، والضعفاء من فوق البيوت ، فأبوا إلّا الخروج .
فلمّا صار على الطريق قالوا : نرجع ، فقال : ما كان لنبي إذا قصد قوماً أن يرجع عنهم ، وكانوا ألف رجل - ويقال : سبعمائة - فانعزل عنهم عبد اللَّه بن أبي بثلث الناس ، فهمّت بنو حارثة وبنو سلمة بالرجوع ، وهو قوله « إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ » ، قال الجبائي : همّا به ، ولم يفعلاه .
فنزلوا دور بني حارثة ، فأصبح وتجاوز يسيراً .
وجعل على راية المهاجرين علياً عليه السلام ، وعلى راية الأنصار سعد بن عبادة ، وقعد في راية الأنصار ، وهو لابس درعين .
ص: 232
وأقام على الشعب عبد اللَّه بن جبير في خمسين من رماة الأنصار ، وقال : لا تبرحوا مكانكم هذا وإن قتلنا عن آخرنا ، فإنّما نؤتى من موضعكم ، وقام بإزائهم خالد بن الوليد ، وصاحب لواء قريش كبش الكتيبة طلحة بن أبي طلحة ، فضربه علي عليه السلام على مقدّم رأسه .
وروى الطبري عنه عليه السلام :
أفاطم هاك السيف غير ذميم
فلست برعديد ولا بلئيم
لعمري لقد جاهدت في نصر أحمد
وطاعة ربّ بالعباد رحيم
وسيفي بكفّي كالشهاب أهزّه
وأجذبه من عاتق وصميم
فما زلت حتى فضّ ربّي جمعهم
وحتى تشفّت نفس كلّ حليم
فانكب المسلمون على الغنائم ، فترك أصحاب الشعب رئيسهم في إثني عشر رجلاً للغنائم ، وحمل عليه خالد فقتله ، وجاء من ظهر النبي صلى الله عليه وآله وقال : دونكم هذا الطليق الذي يطلبونه ، فشأنكم به ، فحملوا عليه حملة رجل واحد حتى قتل منهم خلقاً ، وانهزم الباقون في الشعب .
وأقبل خالد بخيل المشركين كما قال : « إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ » ، ورسول اللَّه صلى الله عليه وآله يدعوهم في أخراهم : يا أيّها الناس ! إنّي رسول اللَّه ، إنّ اللَّه قد وعدني بالنصر ، فأين الفرار ؟ .
وكان النبي صلى الله عليه وآله يرمي ويقول : اللّهم اهد قومي فإنّهم لا يعلمون ، فرماه ابن قمئة بقذافة(1) فأصاب كفّه ، ورماه عبد اللَّه بن شهاب
ص: 233
بقلاعة(1)، فأصاب مرفقه، وضربه عتبة بن أبي وقاص أخو سعد على وجهه فشجّ رأسه ، فنزل من فرسه ، ونهبه ابن قمئة ، وقد ضربه على جنبه ، وصاح إبليس من جبل أحد ألا إنّ محمداً قد قتل ، فصاحت فاطمة عليها السلام ووضعت يدها على رأسها ، وخرجت تصرخ ، وكلّ هاشمية وقرشية . . القصّة .
فلمّا حمله علي عليه السلام إلى أحد نادى العباس - وكان جهوري(2) الصوت - فقال : يا أصحاب سورة البقرة ! أين تفرون ؟ إلى النار تهربون ؟ .
وقال وحشي : قال لي جبير بن مطعم : إنّ علياً قتل عمّي يوم بدر ، فإن قتلت محمداً ، أو حمزة ، أو علياً ، فأنت حرّ .
وفي مغازي الواقدي : إنّ هنداً رأت وحشياً الحبشي يعدو قبلها ، فقالت له : إنّما ينفذ حكمك عليّ إذا ثأرت بأبي وأخي وعمّي من علي ، أو حمزة ، أو محمد ، فقال : لا أطمع بمحمد لشوكته ، ولا في علي لبسالته وبصارته ، ولعلّي أصيب من حمزة غرّة فأزرقه(3) ، فقالت : إن تقتله فقد أدركت ثاري .
وقد كان علّم رمي الحراب بالحبشة ، وكان حمزة يحمل حملاته كالليوث ، ثم يرجع إلى موقفه ، فكمن وحشي تحت شجرة .
ص: 234
قال الصادق عليه السلام : فزرقه وحشي فوق الثدي ، فسقط ، وشدّوا عليه فقتلوه ، فأخذ وحشي الكبد ، فشدّ بها إلى هند ، فأخذتها فطرحتها في فيها ، فصارت مثل الداغصة(1) فلفظتها ، ويقال : صارت حجراً .
ورأي الحليس بن علقمة أبا سفيان وهو يشدّ الرمح في شدق حمزة ، فقال : انظروا إلى من يزعم أنّه سيد قريش ما يصنع بعمّه الذي صار لحماً ، وأبو سفيان يقول : ذق يا عقق(2) .
وأتت هند وجدعت أنفه واذنه ، وجعلت في مخنقتها بالذريرة مدّة .
فوجدوا سبعين شهيداً .
فلمّا رأى النبي صلى الله عليه وآله حمزة خنقته العبرة وقال : لأمثلن بسبعين من قريش ، فنزل « وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا » ، فقال صلى الله عليه وآله : بل أصبر .
وفيه ضربت يد طلحة فشلت(3) .
* * *
وأنشأ أمير المؤمنين عليه السلام :
الحمد للَّه ربّي الخالق الصمد
فليس يشركه في حكمه أحد
هو الذي عرف الكفار منزلهم
والمؤمنون سيجزيهم بما وعدوا
ص: 235
وينصر اللَّه من والاه إنّ له
نصراً ويمثل بالكفار إذ عندوا
قومي وقوا لرسول اللَّه واحتسبوا
شمّ العرانين منهم حمزة الأسد(1)
وأنشأ عليه السلام :
رأيت المشركين بغوا علينا
ولجّوا في الغواية والضلال
وقالوا نحن أكثر إذ نفرنا
غداة الروع بالأسل الطوال
فان يبغوا ويفتخروا علينا
بحمزة وهو في الغرف العوالي
فقد أودى بعتبة يوم بدر
وقد أبلى وجاهد غير آل
وقد غادرت كبشهم جهاراً
بحمد اللَّه طلحة في المجال
فخرّ لوجهه ورفعت عنه
ثم كانت غزوة حمراء الأسد ، قوله « الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ » الآية .
ذكر الفلكي المفسر عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وعن أبي رافع : إنّها نزلت في علي عليه السلام ، وذلك أنّه نادى يوم الثاني من أحد في المسلمين ، فأجابوه ، وتقدّم علي عليه السلام براية المهاجرين في سبعين رجلاً
ص: 236
حتى انتهى إلى حمراء الأسد ليرهب العدو ، وهي سوق على ثلاثة أميال من المدينة ، ثم رجع إلى المدينة "يوم الجمعة" .
وخرج أبو سفيان حتى انتهى إلى الروحاء ، فرأى معبد الخزاعي ، فقال : ما وراك ؟ فأنشده :
كادت تهدّ من الأصوات راحلتي
إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
تردى بأسد كرام لا تنابلة(1)
عند اللقاء ولا خرق معاذيل(2)
فقال أبو سفيان لركب من عبد القيس : أبلغوا محمداً ! أنّي قتلت صناديدكم ، وأردت الرجعة لأستأصلكم ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : حسبنا اللَّه ونعم الوكيل .
قال أبو رافع م قال ذلك علي عليه السلام ، فنزل « الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ »(3) الآية .
ورجع النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة يوم الجمعة .
ثم كانت غزوة الرجيع - ماء لهذيل - ، وذلك أنّه قدم على البني صلى الله عليه وآله من عضل والديش ، وقالوا : ابعث معنا نفراً يعلموننا القرآن ويفقهوننا
ص: 237
في الدين ، فبعث مرثد بن أبي مرثد الغنوي - حليف حمزة - في ستة نفر ، وهم : خالد بن بكر ، وعاصم بن ثابت الأفلح ، وجنيب بن عدي ، وزيد بن دثنه ، وعبد اللَّه بن طارق .
فلمّا بلغوا بطن الرجيع قاتلوا القوم ، فقالوا : لكم عهد اللَّه وميثاقه ألّا نقتلكم ، فلم يزل مرثد وخالد وعاصم يقاتلون حتى قتلوا ، وكان عاصم يقول :
أبو سليمان رضيع المقصد
ومخبأ(1) من جلد ثور أجلد
وأمّا زيد وجنيب وعبد اللَّه أعطوا بأيديهم ، فخرجوا إلى مكة ، فانتزع عبد اللَّه يده واستأخر عنهم ، فرموه بالحجارة حتى قتلوه ، وأمّا زيد فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه ، وأمّا جنيب فابتاعه حجم بن إهاب التميمي لعقبة بن الحراث ليقتله بأبيه ، فلمّا أحسّ قتله قال : ذروني أصلّي ركعتين ، فتركوه ، فصلّى سجدتين ، فجرت سنّة لمن قتل صبراً أن يصلّي ركعتين .
ثم قال :
وذلك في ذات الإله ولم يشا
يبارك في أوصال شلو ممزّق
وبعث محمد بن مسلمة في نفر ، فقتلهم المشركون إلّا محمداً ظنّوا أنّه قتل(2) .
ص: 238
كانت غزوة بئر معونة ، ونزل في شهدائهم « الَّذِينَ قالُوا لإِِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا » .
محمد بن إسحاق : قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر - ملاعب الأسنة - ، وكان سيد بني عامر بن صعصعة على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله المدينة ، وأهدى له هدية ، فقال له : يا أبا براء ، لا أقبل هدية مشرك ، فقال : فلو بعثت رجالاً إلى أهل نجد لأجابوك .
قال : أخشى عليهم ، قال : أنا لهم جار ، فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك .
فبعث المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة في سبعين رجلاً من خيار المسلمين ، منهم : الحارث بن الصمة ، وحزام بن ملحان ، وعروة بن أسماء السلمي ، ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وعامر بن فهيرة ، والمنذر بن عمرو الساعدي .
فخرج حزام بن ملحان بكتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلى عامر بن الطفيل ، فلم ينظر عامر إليه ، فقال حزام : يا أهل بئر معونة ، إنّي رسول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إليكم ، وإنّي أشهد أن لا إله إلّا اللَّه ، وأنّ محمداً رسول اللَّه ، فآمنوا باللَّه ورسوله ، فطعنه رجل .
ثم استصرخ عامر بن الطفيل بني عامر على المسلمين ، فلم يجيبوه ،
ص: 239
وقالوا : لن نخفر(1) أبا براء ، وعقد لهم عقوداً وجواراً ، فاستصرح عليهم قبائل بني سليم عصية ورعلاً وذكوان ، فأجابوه .
فخرج حتى غشوا القوم فقاتلوهم حتى قتلوا عن آخرهم إلّا كعب بن زيد ، فإنّهم تركوه وبه رمق ، فارتث من بين القتلى ، فعاش حتى قتل يوم الخندق .
وكان رجلان في سرح القوم ، فرأيا الطير تحوم حول العسكر ، فأقبلا لينظرا إليه ، فإذا القوم في دمائهم والخيل واقفة ، فقاتلهم الأنصاري حتى قتل ، وأخذوا عمرو بن أمية أسيراً ، فلمّا أخبرهم أنّه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل ، وجزّ ناصيته وأعتقه .
فقدم عمرو على النبي صلى الله عليه وآله ، وأخبره الخبر ، فقال : هذا عمل أبي براء .
فقال حسان :
بني أم البنين ألم يرعكم
وأنتم من ذوائب أهل نجد
تهكّم عامر بأبي براء
ليخفره وما خطأ كعمد
وقال كعب بن مالك :
لقد طارت شعاعاً(2) كلّ وجه
خفارة ما أجار أبو براء
فلمّا بلغ قولهما إليه حمل على عامر بن الطفيل ، فطعنه فخرّ عن فرسه ، فقال : هذا عمل أبي براء ، فإن متّ فدمي لعمّي ، وإن عشت فسأرى فيه رأيي .
ص: 240
قال : وأنزل اللَّه في شهداء بئر معونة قرآناً « بلّغوا عنّا قومنا إنّا قد لقينا ربّنا ، فرضي عنّا ورضينا عنه » ، ثم نسخت ورفعت ، ونزل « وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ » الآية(1) .
مجاهد : في قوله « وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا » الآية ، نزلت في بني قريظة وبني النضير ، لمّا دخل النبي صلى الله عليه وآله المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يكونوا له ولا عليه .
فلمّا غزا قالوا : واللَّه إنّه للنبي الذي وجدنا نعته في التوراة ، فلمّا هزم المسلمون في أحد ارتابوا ونقضوا العهد .
واجتمع كعب بن الأشرف في أربعين ، وأبو سفيان في أربعين ، وتعاهدا بين الأستار والكعبة ، فنزل جبرئيل عليه السلام بسورة الحشر ، فبعث النبي صلى الله عليه وآله محمد بن مسلمة بقتله ، فقتله بالليل .
ثم قصد صلى الله عليه وآله إليهم ، وعمد على حصارهم ، فضرب قبّتة في بني حطمة من البطحاء ، فلمّا أقبل الليل أصاب القبّة سهم ، فحوّلت القبّة إلى السفح ، وحوتها الصحابة .
فلمّا أمسوا فقدوا علياً عليه السلام ، فقالوا في ذلك ، فقال صلى الله عليه وآله : أراه في بعض ما يصلح شأنكم ، فلم يلبث أن جاء رأس الرامي ، وهو غرور اليهودي ،
ص: 241
وأخذ من النبي صلى الله عليه وآله عشرة ، فيهم : أبو دجانة ، وسهل بن حنيف ، فما لبث أن جاء بتسعة رؤوس ، فطرح في آبارهم .
وفي تلك الليلة قتل كعب بن الأشرف .
ثم حاصرهم نيفاً وعشرين يوماً ، وأمر بقطع نخلات ، قوله « ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً » .
وهي البويرة في قول حسان :
وهان على سراة بني لؤيّ
حريق بالبويرة مستطير
ثم أمسك عن قطعها بمقالهم ، واصطلحوا أن يخرجوا ، قوله : « هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا » ، فخرجوا إلى أذرعات وأريحا وخيبر وحيرة ، وجعل لكلّ ثلاثة منهم بعيراً ، واصطفى أموالهم ، وكانت أول صافية قسمها بين المهاجرين الأولين ، وهم ثلاثة : أبو دجانة ، وسهل بن حنيف ، وحارث بن الصمة .
وأمر علياً عليه السلام فحاز للنبي صلى الله عليه وآله ، فجعله صدقة ، وكان في يده حال حياته ، وفي يد علي عليه السلام بعده ، وهو الذي في أيدي ولد فاطمة عليها السلام إلى اليوم(1) .
في جمادى الأولى ، وكان بينهما الرمي بالحجارة ، وصلّى فيها صلاة الخوف بعسفان .
ص: 242
ويقال : في ذات الرقاع مع غطفان ، سمّيت بذلك ، لأنّه جبل يقع فيه حمرة وسواد وبياض .
ويقال : لأنّ ستة نفر من أصحاب الصفة كانوا حفاة ، وكانوا يلفون الخرق على أقدامهم من شدّة الطريق ، وتسقط منهم الرقاع والخرق .
وكان ذلك بعد النضير بشهرين(1) .
قال البخاري : بعد خيبر(2) ، ولم يكن حرب .
ص: 243
في شوال ، غزوة الخندق ، وهي الأحزاب ، قوله « إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ » أي من قبل المشرق « وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ » أي من المغرب ، إلى قوله « غُرُوراً » .
فخرج إليه أبو سفيان بقريش ، والحارث بن عوف في بني مرّة ، ووبرة بن طريف ومسعود بن جبلة في أشجع ، وطليحة بن خويلد الأسدي في بني أسد ، وعيينة بن حصن الفزاري في غطفان وبني فزارة ، وقيس بن غيلان وأبو الأعور السلمي في بني سليم ، ومن اليهود حي بن أخطب ، وكنانة بن الربيع وسلام بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس الوالبي في رجالهم ، فكانوا ثمانية عشر ألف رجل ، والمسلمون في ثلاثة آلاف .
فلمّا سمع النبي صلى الله عليه وآله باجتماعهم استشار أصحابه ، فاجتمعوا على المقام بالمدينة ، وحربهم على أنقابها(1)(2) ، وأشار سلمان بالخندق ، فأقاموا بضعاً وعشرين ليلة لم يكن بينهم حرب إلّا مرامات .
فلمّا رأى النبي صلى الله عليه وآله ضعف قومه استشار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة
ص: 244
في المصالحة على ثلث ثمار المدينة لعيينة بن حصن والحارث بن عوف فأبيا ، فقال صلى الله عليه وآله : إنّ اللَّه - تعالى - لن يخذل نبيه ، ولن يسلمه حتى ينجز له ما وعده ، فقام صلى الله عليه وآله يدعوهم إلى الجهاد ، ويعدهم النصر .
وكان الكفار على الخمر والغناء والمدد والشوكة ، والمسلمون كأنّ على رؤوسهم الطير لمكان عمرو ، والنبي صلى الله عليه وآله جاث على ركبتيه ، باسط يديه ، باكية عيناه ، ينادي بأشجى صوت : يا صريخ المكروبين ، يا مجيب دعوة المضطرين ، اكشف همّي وكربي ، فقد ترى حالي .
عبد اللَّه بن أوفى : ودعا عليهم وقال : اللّهم منزل الكتاب ، سريع الحساب ، اهزم الأحزاب .
فابتدر للبراز عمرو بن عبد ود ، وعكرمة بن أبي جهل المخزومي ، وضرار بن أبي الخطاب ، ومرداس الفهري - قال الواقدي : ونوفل بن عبد اللَّه بن المغيرة - ، حتى وقفوا على الخندق ، وقالوا : واللَّه هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها .
فقال عمرو :
يا لك من مكيدة ما أنكرك
لابد للملهوب(1) من أن يعبرك
ثم زعق على فرسه في مضيق ، فقفز به إلى السبخة بين الخندق وسلع .
ص: 245
قال الطبري : فخرج علي عليه السلام في نفر من المسلمين حتى أخذ الثغرة وسلّمها إليهم ، ثم بارز عمروا وقتله .
فبعث المشركون إلى النبي صلى الله عليه وآله يشترون جيفة عمرو بعشرة آلاف ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : هو لكم لا نأكل ثمن الموتى .
ابن إسحاق : قتل فيه ستة من المسلمين ، وثلاثة من المشركين ، فنزل : « اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ » السورة .
فأرسل النبي صلى الله عليه وآله حذيفة ليأتيه بخبرهم .
قال حذيفة : فخرجت ، فإذا أنا بنيران القوم قد طفيت وخمدت ، وأقبل جند اللَّه الأعظم ريح شديد فيها الحصى ، فما ترك لهم نارا إلّا أخمدها ، ولا خباء إلّا طرحها ، ولا رمحاً إلّا ألقاها ، حتى جعلوا يتترّسون من الحصى ، وكنت أسمع وقع الحصى في الترسه ، فصاحوا : النجاء النجاء ، وذهبوا .
أبو الحسين المدائني : لمّا نعي إلى خنساء قالت : من الذي اجترى عليه ؟ قالوا : علي عليه السلام .
قالت : قتل الأبطال ، وبارز الأقران ، وكانت منيّته على يد كريم قومه ، ما سمعت أفخر من هذا يا بني عامر .
ثم أنشأت :
لو كان قاتل عمرو غير قاتله
لكنت أبكي عليه آخر الأبد
لكن قاتله من لا يعاب به
من كان يدعى قديماً بيضة البلد
ص: 246
وروي عن أختيه كبشة وعمرة ، وعن ابنته أم كلثوم :
أسدان في ضيق المكر تصاولا
وكلاهما كفو كريم باسل
فتخالسا مهج النفوس كلاهما
وسط المذاذ مخاتل ومقاتل
وكلاهما حضرا(1) القراع حفيظة
لم يثنه من ذاك شغل شاغل
فاذهب علي فما ظفرت بمثله
قول سديد ليس فيه تحامل
فالثار عندي يا علي وليتني
أدركته والعقل منّي كامل
ذلّت قريش بعد مقتل فارس
فالذلّ مهلكها وخزي شامل
ثم قالت : واللَّه لا ثأرت قريش بأخي ما حنت النيب(2)(3) .
وأنزل « الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ » إلى قوله « قَدِيراً » كانت في ذي القعدة ، وكانوا نقضوا العهد مع النبي صلى الله عليه وآله .
الزهري وعروة : لمّا دخل النبي صلى الله عليه وآله المدينة ، وجعلت فاطمة عليها السلام تغسل رأسه ، إذ قال له جبرئيل عليه السلام : رحمك ربّك ، وضعت السلاح ولم يضعه أهل السماء ، ما زلت أتبعهم حتى بلغت الروحاء ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : لا تصلّوا العصر إلّا في بني قريظة ، وسأل صلى الله عليه وآله : هل مرّ بكم الفارس آنفاً ؟
ص: 247
قالوا : نعم ، فقالوا : مرّ بنا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج ، فقال صلى الله عليه وآله : ليس ذلك بدحية ، ولكنّه جبرئيل عليه السلام أرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم ، ويقذف في قلوبهم الرعب .
ثم قدّم علياً عليه السلام وقال : سر على بركة اللَّه ، فإنّ اللَّه قد وعدكم أرضهم وديارهم ، ومعه المهاجرون وبنو النجار وبنو الأشهل ، وجعل يسرب(1) إليه الرجال .
فلمّا رأوا علياً عليه السلام قالوا : أقبل عليكم قاتل عمرو ، فقال علي عليه السلام : الحمد للَّه الذي أظهر الإسلام ، وقمع الشرك .
فحاصرهم النبي صلى الله عليه وآله خمساً وعشرين ليلة ، فقال كعب بن أسد : يا معشر اليهود نبايع هذا الرجل ، وقد تبيّن أنّه نبي مرسل ، قالوا : لا ، قال : فنقتل أبناءنا ونساءنا ، ونخرج إليه مصلتين ، قالوا : لا ، قال : فنثب عليه وهو يأمن علينا ، لأنّها ليلة السبت ، قالوا : لا .
فاتفقوا على أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ .
وكان سعد أصاب أكحله نبلة في الأحزاب ، فقال : اللّهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فابقني لحربهم ، وإن كنت دفعتها فاجعلها لي شهادة ، ولا تمتني حتى تقرّ عيني من بني قريظة .
ص: 248
قال الصادق عليه السلام : فحكم فيهم - يعني سعداً - بقتل الرجال ، وسبي الذراري والنساء ، وقسمة الأموال ، وأن يجعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار .
فقال النبي صلى الله عليه وآله : لقد حكمت فيهم بحكم اللَّه فوق سبعة أرقعة(1)(2) .
وفيه يقول الحميري :
قال الجوار من الكثير بمنزل
يجري لديه كنيسة المتنسب
فقضى بما رضي الإله لهم به
بالقتل والحرب المسل المحرب
قتل الكهول وكلّ مرء منهم
وسقى عقائل بدّناً كالربرب
وقضى عقارهم لكلّ مهاجر
دون الأولى نصروا ولم يتهيّب
فقتل منهم أربعمائة وخمسين رجلاً ، وقسم الأموال ، واسترق الذراري ، وحبسوا الأسرى في دار من دور بني النجار .
فخرج النبي صلى الله عليه وآله إلى موضع هو السوق اليوم ، فخندق فيها خنادقاً ، وأمر بهم فأخرجوا أرسالاً ، وكانوا سبعمائة رجل ، فقتل علي عليه السلام عشراً ، وقتل الزبير عشراً ، وقلّ رجل من الصحابة إلّا قتل رجلاً أو رجلين .
الواقدي : وكانت بنانة أرسلت إلى خلال بن سويد بن ثعلبة حجراً ،
ص: 249
فأمر النبي صلى الله عليه وآله بقتلها ، ولم يقتل فيه من المسلمين غير الخلال ، واصطفى النبي صلى الله عليه وآله عمرة ، ثم بعث صلى الله عليه وآله عبد اللَّه بن عتيك إلى خيبر ، فقتل أبا رافع بن أبي الحقيق(1) .
بنو المصطلق من خزاعة - وهو المريسيع - غزاهم علي عليه السلام في شعبان ، ورأسهم الحارث بن أبي ضرار ، وأصيب - يومئذٍ - ناس من بني عبد المطلب ، فقتل علي عليه السلام مالكاً وابنه ، فأصاب النبي صلى الله عليه وآله سبياً كثيراً ، وكان سبى علي عليه السلام جويرة بنت الحارث بن أبي ضرار ، فاصطفاها النبي صلى الله عليه وآله .
فجاء أبوها إلى النبي صلى الله عليه وآله بفداء ابنته ، فسأله النبي صلى الله عليه وآله عن جملين خبأهما في شعب كذا ، فقال الرجل : أشهد أن لا إله إلّا اللَّه ، وأنّك لرسول اللَّه ، واللَّه ما عرفهما أحد سواي .
ثم قال : يا رسول اللَّه ، إنّ ابنتي لا تسبى ، إنّها إمرأة كريمة ، قال : فاذهب فخيرها ، قال : قد أحسنت وأجملت .
وجاء إليها أبوها ، فقال لها : يا بنية ، لا تفضحي قومك ، فقالت : قد اخترت اللَّه ورسوله صلى الله عليه وآله ، فدعا عليها أبوها ، فأعتقها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وجعلها في جملة أزواجه .
ص: 250
فلمّا سمع القوم ذلك أرسلوا ما كان في أيديهم من بنى المصطلق ، فما علم امرأة أعظم بركة على قومها منها .
وفي هذه الغزاة نزلت « إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالإِْفْكِ » .
وفيها قال عبيد اللَّه بن أبي : « لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَْعَزُّ مِنْهَا الأَْذَلَّ »(1) .
ص: 251
في "شهر" ربيع الأول بعث عكاشة بن محصن في أربعين رجلاً إلى العمرة ، فهربوا وأصاب مائتي بعير(1) .
وغزوة زيد إلى العيص في جمادى الأولى(1) .
وغزوة بني قرد ، وذلك أنّ ناساً من الأعراب قدموا ، وساقوا الإبل ، فخرج إليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وقدّم أبا قتادة الأنصاري مع جماعة ، فاستردّها منهم(2) .
قال حسان :
أظنّ عتيبة إذ زارها
بأن سوف يهدم منها قصورا
فعفت المدينة إذ زرتها
وآنست للأسد فيها زئيرا(3)
وبعث محمد بن مسلمة إلى قوم من هوازن ، فكمن القوم لهم ، وأفلت محمد ، وقتل أصحابه(4) .
ص: 253
وهو حصن ، وذلك أنّ أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : إنّ لي نصيحة ، قال : وما نصيحتك ؟ قال : اجتمع بنو سليم بوادي الرمل عند الحرّة على أن يبيتوك بها(1) . . القصّة .
وفيها غزوة علي بن أبي طالب عليهما السلام إلى بنى عبداللَّه بن سعد من أهل فدك، وذلك أنّه بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنّ لهم جمعاً يريدون أن يمدّوا يهود خيبر(2) .
وفيها أخذت أموال أبي العاص بن الربيع ، وقد خرج تاجراً إلى الشام ومعه بضائع قريش فلقيته سرية لرسول اللَّه واستاقوا عيره وأفلت(1) .
وفيها غزوة الغاية(2) .
ثم اعتمر عمرة الحديبية في ألف ونيف رجل وسبعين بدنة ، فهمّت قريش في صدّه ، وبعثوا إليه مكرز بن حفص وخالد بن الوليد ، وصدّوا الهدي ، فبعث النبي صلى الله عليه وآله عثمان إليهم يرى أنّه معتمر ، فلمّا أبطأ أخذ صلى الله عليه وآله البيعة تحت شجرة السمرة على أن لا يفرّوا .
قال الزهري : فلمّا صار بذي الحليفة قلّد النبي صلى الله عليه وآله الهدي وأشعره ، وأحرم بالعمرة .
فلمّا بلغ غدير الاشطاط عند عسفان أتاه عتبة الخزاعي ، فقال : إنّ كعب بن لوي وعامر بن لوي جمعوا لك الجموع ، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت .
ص: 255
فقال صلى الله عليه وآله : روحوا ، فراحوا حتى إذا كان ببعض الطريق ، قال صلى الله عليه وآله : إنّ خالد بن الوليد بالغميم(1) طليعة ، فخذوا ذات اليمين .
وسار حتى إذا كان بالثنية بركت ناقته ، فقال : ما خلأت(2) القصوى ، ولكن حبسها حابس الفيل ، ثم قال : واللَّه لا يسألونني خطّة يعظمون فيها حرمات اللَّه إلّا أعطيتهم إياها .
قال : فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد . . القصّة .
فأتاهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة ، وكان(3) عيبة نصح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وقال كما قال الغير ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : إنّا لم نجئ لقتال أحد ، ولكنّا جئنا معتمرين ، في كلام له بين الصلح والحرب ، فقال بديل : سأبلغهم ما تقول .
فأتى قريشاً وقال : إنّ هذا الرجل يقول كذا وكذا ، فقال عروة بن مسعود الثقفي : إنّه قد عرض عليكم خطّة رشد فاقبلوها ، فقالوا : ائته ، فأتى النبي صلى الله عليه وآله ، وسمع منه مثل مقالته لبديل ، ورأى تعظيم الصحابة له صلى الله عليه وآله .
ص: 256
فلمّا رجع قال : أي قوم - واللَّه - لقد وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، واللَّه ما رأيت ملكاً قطّ يعظّمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله محمداً ، يقتتلون على وضوئه ، ويتبادرون لأمره ، ويخفضون أصواتهم عنده ، وما يحدّون إليه النظر تعظيماً له ، وإنّه قد عرض عليكم خطّة رشد فاقبلوه .
فقال رجل من بني كنانة : آته ، فلمّا أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وآله : هذا فلان ، وهو من قوم يعظّمون البدن ، فابعثوها ، فبعثت له واستقبله القوم يلبّون ، فلمّا رأى ذلك قال : سبحان اللَّه ، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدّوا عن البيت الحرام .
ثم جاء مكرز بن حفص ، فجعل يكلّم النبي صلى الله عليه وآله إذ جاء سهيل بن عمرو ، فقال صلى الله عليه وآله : قد سهل عليكم أمركم ، فجلس وضرع إلى النبي صلى الله عليه وآله في الصلح ، ونزل عليه الوحي بالإجابة إلى ذلك ، وأن يكتب علي عليه السلام ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : اكتب بسم اللَّه الرحمن الرحيم . . القصّة .
ثم كتب : باسمك اللّهم ، واصطلحا على وضع الحرب عن الناس سبع سنين ، يأمن فيهن الناس ، ويكفّ بعضهم عن بعض ، ويأمن المجتازين من الفريقين ، وأنّ العهد بيننا عيبة مكفوفة ، وأنّه لا إسلال ولا أغلال ، وأنّه من أحبّ أن يدخل في عقد محمد صلى الله عليه وآله وعهده دخل ، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه .
ص: 257
وعلى أن لا يستكره أحد على دينه ، وعلى أن يعبد اللَّه بمكة علانية ، وعلى أنّ محمداً ينحر الهدى مكانه ، وعلى أن يخلّيها له في قابل ثلاثة أيام ، فيدخلها بسلاح الراكب ، ويخرج قريشاً كلّها من مكة إلّا رجل واحد من قريش يخلفونه مع محمد صلى الله عليه وآله وأصحابه ، ومن لحق محمداً صلى الله عليه وآله وأصحابه من قريش ، فإنّ محمداً صلى الله عليه وآله يردّه عليهم ، ومن رجع من أصحابه إلى قريش فلا يردّون إليه .
فقال المسلمون في ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : من جاءهم منّا فأبعده اللَّه ، ومن جاءنا منهم رددناه إليهم ، فلو علم اللَّه الإسلام من قلبه جعل له مخرجاً .
إذ جاء أبو جندل بن سهل بن عمرو يرسف في قيوده ، فقال سهيل : هذا - يا محمد - أول ما أفاوضك عليه أن تردّه ، فقال صلى الله عليه وآله : إنّا لم نقض بالكتاب بعد ، قال : واللَّه ، لا أصالحك على شي ء أبداً ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : فأجره لي ، قال : ما أنا بمجيره لك ، قال مكرز : بلى أجرناه ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : إنّه ليس عليه بأس ، إنّما يرجع إلى أبيه وأمّه ، فإنّي أريد أن أتمّ لقريش شرطها ، فقال عمرو : واللَّه ما شككت منذ أسلمت . . القصّة .
فنزل « إِنَّا فَتَحْنا لَكَ » ، فنحر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بدنة ، وأمر بحلق شعره(1) .
* * *
ص: 258
قال الصادق عليه السلام : فما انقضت تلك المدّة حتى كاد الإسلام يستولي على أهل مكة .
* * *
ولمّا رجع صلى الله عليه وآله إلى المدينة انفلت أبو بصير بن أسيد بن حارثة الثقفي من المشركين ، فبعث الأخنس بن شريق في أثره رجلين ، فقتل أحدهما ، فأتى النبي صلى الله عليه وآله مسلماً مهاجراً ، فقال صلى الله عليه وآله : مسعر حرب لو كان معه أحد ، ثم قال : شأنك بسلب صاحبك ، واذهب حيث شئت .
فخرج أبو بصير وتبعه خمسة نفر أيضاً حتى كانوا بين العيص وذى المروة من أرض جهينة على طريق عيرات قريش ممّا يلي سيف البحر .
وانفلت أبو جندل في سبعين راكباً أسلموا ، فلحق بأبي بصير ، واجتمع إليهم ناس من غفار وأسلم وجهينة حتى بلغوا ثلاثمائة ، لا يمرّ بهم عير لقريش إلّا أخذوها وقتلوا أصحابها ، وأخذوا عيراً فيها أبو العاص صهر النبي صلى الله عليه وآله ، فخلّوا سبيله ، ولم يقتلوا أحداً منهم .
فأرسلت قريش أبا سفيان بن حرب إلى النبي صلى الله عليه وآله يتضرّعون إليه أن يبعث إليهم ، فتقدّموا عليه وقالوا : من خرج منّا إليك فامسكه غير حرج(1) .
ص: 259
قال الواقدي : فتح خيبر في المحرم ، لمّا دنى النبي صلى الله عليه وآله منها رفع يديه وقال : اللّهم ربّ السماوات السبع وما أظللن ، وربّ الأرضين السبع وما أقللن ، وربّ الشياطين وما أضللن ، أسألك خير هذه القرية ، وخير ما فيها ، وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها .
ولمّا رأت أهل خيبر عمل علي عليه السلام قال ابن أبي الحقيق للنبي صلى الله عليه وآله : انزل فأكلمك ، قال : نعم .
فنزل وصالح النبي صلى الله عليه وآله على حقن دماء من في حصونهم ، ويخرجون منها بثوب واحد(1) .
فلمّا سمع أهل فدك قصّتهم بعثوا محيصة بن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وآله يسألونه أن يسترهم بأثواب .
فلمّا نزلوا سألوا النبي صلى الله عليه وآله أن يعاملهم الأموال على النصف ، فصالحهم على ذلك ، وكذلك فعل بأهل خيبر(2) .
ص: 260
وبعث غالب بن عبد اللَّه الكلبي إلى أرض من بنى مرّة(1) .
وبعث عيينة بن حصين البدري إلى بني العنبر(2) .
وفى ذي القعدة اعتمر عمرة القضاء في جمع الحديبية ، ودخل مكة وطاف بالبيت على بعيره وبيده محجن(3) ، وعبد اللَّه بن رواحة آخذ بخطامه ويقول :
خلّوا بني الكفار عن سبيله
خلّوا فكلّ الخير في رسوله
قد نزل الرحمن في تنزيله
نضربكم ضرباً على تأويله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله
يا ربّ إنّي مؤمن بقيله
فأقام بها ثلاثة أيام(4) .
ص: 262
في جمادى الأولى « وقعة مؤتة » ، وهم ثلاثة آلاف .
في كتاب أبان : قال الصادق عليه السلام : إنّه استعمل عليهم جعفراً ، فإن قتل فزيد ، فإن قتل فابن رواحة ، ثم خرجوا حتى نزلوا معان(1) ، فبلغهم أنّ هرقل قد نزل بمأرب في مائة ألف من الروم ، ومائة ألف من المستعربة ، فانحازوا إلى أرض يقال لها « المشارف » ، ونسبت السيوف المشرفية إليها ، لأنّها طبعت لسليمان بن داود عليه السلام بها ، فاختلفوا في القتال أو في إخبار النبي صلى الله عليه وآله بكثرتهم ، فقال ابن رواحة : ما نقاتل الناس بكثرة ، وإنّما نقاتلهم بهذا الدين ، فلقوا جموعهم بقرى البلقاء ، ثم انحازوا إلى مؤتة .
فضيل بن يسار عن الباقر عليه السلام قال : أصيب - يومئذٍ - جعفر ، وبه خمسون جراحة ، خمس وعشرون منها في وجهه(1) .
محمد بن جرير : لمّا سقطت الراية أخذها رجل بالقربة لا بالإمرة ، فأخذها منه خالد ابن الوليد ، وجاء عبد الرحمن بن سمرة إلى النبي صلى الله عليه وآله بالخبر(2) .
* * *
محمد بن إسحاق : لمّا أقبل أهل مؤتة تلقّاهم النبي صلى الله عليه وآله ، فجعلت الصحابة يحثون عليهم التراب ويقولون : يا فرّار ، فررتم عن سبيل اللَّه ، فقال صلى الله عليه وآله : ليسوا بفرّار ، ولكنهم الكرّار(3) .
غزوة الفتح ، لليلتين مضتا من شهر رمضان ، وقيل : لثلاث عشرة خلت منه ، وذلك أنّه خرج في نحو من عشرة آلاف رجل وأربعمائة فارس ، وكان نزل « لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ » ، ثم نزل « إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ » ، ونزل « إِنَّا فَتَحْنا لَكَ » ، واستصرخته خزاعة ، فأجمع على المسير إليها وقال : اللّهم خذ العيون عن قريش حتى نأتيها في بلادها ، وكان المؤتمن على هذا السرّ علي عليه السلام ، ثم نماه إلى جماعة من بعد .
ص: 264
قال أبان : لمّا انتهى الخبر إلى أبي سفيان ، وهو بالشام - مشاجرة كنانة وخزاعة - أقبل حتى دخل على النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : يا محمد ، احقن دماء قومك ، واحرس قريشاً ، وزدنا في المدّة ، قال : غدرتم ، يا أبا سفيان .
فلقي الشيخين فلم يؤجرا ، فدخل على أم حبيبة ، فذهب ليجلس على الفراش فطوته ، فقال : يا بنية ، أرغبت بهذا الفراش عنّي ! قالت : نعم ، هذا فراش رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ما كنت لتجلس عليه وأنت رجس مشرك .
ثم استجار فاطمة والسبطين عليهم السلام فلم يجب ، فقال لعلي عليه السلام : أنت أمس القوم بي رحماً ، وقد التبست عليّ فانصح لي ، قال : أنت شيخ قريش ، فقم فاستجر بين الناس ، ثم الحق بأهلك .
قال : فترى ذلك نافعي ؟ قال : لا أدري ، فقال : أيّها الناس ، إنّي استجرت بكم ، ثم ركب بعيره وانطلق .
فقدم على قريش ، فقالوا : ما وراك ؟ فقصّ عليهم ، فقالوا : فهل أجاز محمد صلى الله عليه وآله مقال علي عليه السلام ؟ قال : لا ، قالوا : لعب بك الرجل .
ثم سار صلى الله عليه وآله حتى نزل مرّ الظهران(1) ، فخرج في تلك الليلة أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء هل يسمعون خبراً ، وقد كان العباس يتلقى النبي صلى الله عليه وآله ومعه أبو سفيان بن الحارث وعبد اللَّه بن أمية ، وقد تلقاه بثنية العقاب ، والنبي صلى الله عليه وآله في فتية ، فدخل العباس عليه وقال : بأبي أنت وأمّي ، هذا ابن عمّك قد جاء تائباً ، وابن عمّتك ، قال : لا حاجة لي فيهما ،
ص: 265
إنّ ابن عمّي انتهك عرضي ، وأمّا ابن عمّتي ، فهو الذي يقول بمكة : « لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأَْرْضِ يَنْبُوعاً » .
وقالت أم سلمة فيهما ، فنادى أبو سفيان كن لنا كما قال العبد الصالح : « لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ » ، فدعا لهما ! وقبل منهما .
وقال العباس : هو - واللَّه - هلاك قريش إن دخلها عنوة ، فركب بغلة النبي صلى الله عليه وآله البيضاء ليطلب الخطابة ، أو صاحب لين يأمره أن يأتي قريشاً فيركبون إليه ، ويستأمنون إليه ، إذ سمع أبا سفيان يقول لبديل وحكيم : ما هذه النيران ؟ قال : هذه خزاعة ، قال : خزاعة أقلّ من هذه ، فلعلّ هذه تميم أو ربيعة .
فعرف العباس صوت أبي سفيان ، وناداه وعرّفه الحال ، قال : فما الحيلة ؟ قال : تركب في عجز هذه البغلة ، فأستأمن لك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ففعل ، فكان يجتاز على نار بعد نار ، فانتهى إلى عمر ، فسبقهما إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال : هذا أبو سفيان قد أمكنك اللَّه منه بغير عهد ، فدعني أضرب عنقه ، فقال العباس : يا رسول اللَّه ، أبو سفيان وقد أجرته ، قال : أدخله .
فدخل ، فقام بين يديه ، فقال : ويحك - يا أبا سفيان - أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلّا اللَّه ، وأنّي رسول اللَّه ، فتلجلج لسانه ، وعلي عليه السلام يقصده بسيفه ، والنبي صلى الله عليه وآله محدق بعلي عليه السلام ، فقال العباس : يضرب - واللَّه - عنقك الساعة أو تشهد الشهادتين ، فأسلم اضطراراً ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : عند من تكون الليلة ؟ قال : عند أبي الفضل ، فسلّمه إليه .
ص: 266
فلمّا أصبح سمع بلالاً يؤذن قال : ما هذا المنادي ؟ ورأي النبي صلى الله عليه وآله ، وهو يتوضأ ، وأيدي المسلمين تحت شعره يستشفون بالقطرات ، فقال : تاللَّه إن رأيت كاليوم كسرى وقيصر .
فلمّا صلّى النبي صلى الله عليه وآله قال : يا رسول اللَّه ، إنّي أحبّ أن تأذن لي أن أذهب إلى قومي ، فأنذرهم وأدعوهم إلى الحقّ ، فأذن له .
فقال العباس : إنّ أبا سفيان رجل يحبّ الفخر ، فلو خصصته بمعروف ، فقال صلى الله عليه وآله : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ثم قال : ومن أغلق بابه فهو آمن .
فلمّا ذهب أبو سفيان قال النبي صلى الله عليه وآله للعباس : ادركه واحبسه في مضايق الوادي حتى تمرّ به جنود اللَّه ، فرأى خالد بن الوليد في المقدّمة ، والزبير في جهينة ، وأشجع وأبا عبيدة في أسلم ومزينة ، والنبي صلى الله عليه وآله في الأنصار ، وسعد بن عبادة في يده راية النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : يا أبا حنظلة ،
اليوم يوم الملحمه
اليوم تسبى الحرمه
يا معشر الأوس والخزرج ، ثاركم يوم الجبل .
فأتى العباس إلى النبي صلى الله عليه وآله ، وأخبره بمقالة سعد ، فقال صلى الله عليه وآله : ليس بما قال سعد شي ء ، ثم قال لعلي عليه السلام : أدرك سعداً فخذ الراية منه ، وادخلها ادخالاً رفيقاً ، فقال سعد : لولاك لما أخذت منّي .
وقال أبو سفيان : يا أبا الفضل ، إنّ ابن أخيك قد كنف ملكاً عظيماً ! فقال العباس : ويحك هذه نبوة .
ص: 267
وأقبل أبو سفيان من أسفل الوادي يركض ، فاستقبلته قريش وقالوا : ما وراك ؟ وما هذا الغبار ؟ قال : محمد ! في خلق ، ثم صاح : يا آل غالب ، البيوت البيوت ، من دخل داري فهو آمن .
فعرفت هند فأخذت تطردهم ، ثم قالت : اقتلوا الشيخ الخبيث ، قبّح من وافد قوم وطليعة قوم ، قال : ويلك ، إنّي رأيت ذات القرون ، ورأيت فارس أبناء الكرام ، ورأيت ملوك كندة ، وفتيان حمير يسلمون آخر النهار ، ويلك اسكتي ، فقد - واللَّه - جاء الحقّ ! وذهبت البلية .
وكان قد عهد النبي صلى الله عليه وآله : أن لا يقتلوا فيها(1) إلّا من قاتلهم سوى عشرة : الجويرة بن نفيل بن كعب ، ومقيس بن ضبابة(2) ، وقرينة المغنية ، قتلهم أمير المؤمنين عليه السلام ، وعبد اللَّه بن حنظل ، قتله عمار ، أو بريدة أو سعيد بن خبيب المخزومي ، وصفوان بن أمية ، هرب إلى جدّة ، فاستأمنه عبد اللَّه بن وهب ، وأنفذ إليه عمامة النبي صلى الله عليه وآله ، وأسلم ، وعكرمة بن أبي جهل ، هرب إلى اليمن وأسلم ، وعبد اللَّه بن أبي سرح عرف أمير المؤمنين عليه السلام أنّه في دار عثمان ، فأتى عثمان إلى النبي صلى الله عليه وآله شافعاً فشفع ، فلمّا انصرف قال النبي صلى الله عليه وآله في قتله ، فقال سعد بن عبادة : لو رمزت ! فقال النبي صلى الله عليه وآله : لا رمز من النبي .
ص: 268
وسارة مولاة بني عبد المطلب وجدت قتيلة(1) ، وهند دخلت دار أبي سفيان ، فتكلّم أبو سفيان في بيعة النساء ، وعاونته أم الفضل ، وقرأت « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ » فقبل منهن البيعة .
وقريناً انفلتت ، واستؤمن لها ، فرمحها فرس في الأبطح في إمارة عمر .
قال أبو هريرة : رأى النبي صلى الله عليه وآله أوباش قريش ، فأمر بحصدهم ، فقتلنا منهم عدداً وانهزم الباقون .
واستشهد من المسلمين ثلاثة نفر ، دخلوا من أسفل مكة وأخطأوا الطريق ، فقتلوا .
بشير بن النبال مرفوعاً : قال النبي صلى الله عليه وآله : عند مَن المفتاح ؟ قالوا : عند أم شيبة ، فدعا شيبة ، فقال : اذهب إلى أمّك فقل لها ترسل بالمفتاح ، قالت له : قتلت مقاتلينا ، وتريد أن تأخذ منّا مكرمتنا ! فقال : لترسلنّ به أو لأقتلنك ، فوضعته في يد الغلام فأخذه .
ودعا عمر وقال : هذا تأويل رؤياي !
ثم قام ، ففتحه وستره ، فمن يومئذٍ يستر ، ثم دعا الغلام فبسط رداءه ، وجعل فيه المفتاح ، وقال : ردّه إلى أمّك .
وأخذ بعضادتي الباب ، ثم قال : لا إله إلّا اللَّه [ وحده وحده ] ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وأعزّ جنده ، وغلب الأحزاب وحده .
ص: 269
وكانت صناديد قريش يظنون أنّ السيف لا يرفع عنهم فأنّبهم ، ثم قال : ألا إنّ كلّ دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية ، فإنّها موضوعة تحت قدمي ، إلّا سدانة الكعبة وسقاية الحاج ، فإنّهما مردودتان إلى أهليهما .
ألا إنّ مكة محرّمة بتحريم اللَّه ، لم تحلّ لأحد كان قبلي ، ولم تحلّ لي إلّا ساعة من نهار ، فهي محرّمة إلى أن تقوم الساعة ، لا يختلى خلاها ، ولا يقطع شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تحلّ لقطتها إلّا لمنشد .
ثم قال : ألا بئس جيران النبي كنتم ، لقد كذّبتم ، وطردتم ، وأخرجتم ، وفللتم ، ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلوني ، فاذهبوا فأنتم الطلقاء .
فدخلوا في الإسلام ، وأذّن بلال على الكعبة فكره عكرمة ، وقال خالد بن الأسيد : الحمد للَّه الذي أكرم أبا عتاب من هذا اليوم ، وقال سهيل بن عمرو كلاماً ، وقال الحرث بن هشام : أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذناً ! فقال أبو سفيان : إنّي لا أقول شيئاً - واللَّه - لو نطقت لظننت أنّ هذه الجدر تخبر به محمداً صلى الله عليه وآله .
وبعث - صلوات اللَّه عليه - إليهم ، فأخبرهم بما قالوا ، فاستغفر عتاب وأسلم ، وولّاه النبي صلى الله عليه وآله مكة .
وكان فيها ثلاثمائة وستون صنماً بعضها مشدوداً ببعض بالرصاص ،
ص: 270
فأنفذ أبو سفيان من ليلته « مناة » إلى الحبشة ، ومنها إلى الهند ، فهيأوا لها داراً من مغناطيس ، فتعلّقت في الهواء إلى أيام محمود سبكتكين .
فلمّا غزاها أخذها وكسرها ، ونقلها إلى أصفهان ! وجعلت تحت مارّة الطريق ، فلمّا دخل النبي - صلّى اللَّه عليه وآله - قال : يا علي ، أعطني كفّاً من الحصى . . الخبر .
ثم بعث النبي صلى الله عليه وآله [ عمرو بن أمية ] إلى بني الديل(1) ، وبعبد اللَّه بن سهيل إلى بني محارب ، وبخالد بن الوليد إلى بني جذيمة بن عامر ، وكانوا بالغميصاء ، فشنّ عليهم بعد العهد ، فأسر منهم ، فتبرأ النبي صلى الله عليه وآله من فعله(2) .
في شوال لمّا أمر النبي صلى الله عليه وآله عتاب بن أسيد على مكة فات الحجّ من فساد هوازن في وادي حنين ، فخرج صلى الله عليه وآله في ألفين من مكة ، وعشرة آلاف كانوا معه ، وكان النبي صلى الله عليه وآله استعار من صفوان بن أمية مائة درع - وهو رئيس جشم - فعابهم أبو بكر لعجبه بهم ، فقال : لن نغلب اليوم عن قلّة ، فنزلت « وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ » الآية .
ص: 271
وأقبل مالك بن عوف النضري فيمن معه من قبائل قيس وثقيف ، وسمع عبد اللَّه بن أبي جدرم - عين رسول اللَّه صلى الله عليه وآله - ابن عوف يقول : يا معشر هوازن ، إنّكم أحد العرب وأعدّهم ، وإنّ هذا الرجل لم يلق قوماً يصدقونه القتال ، فإذا لقيتموه فاكسروا جفون سيوفكم ، واحملوا عليه حملة رجل واحد .
قال الصادق عليه السلام : كان مع هوازن دريد بن الصمة خرجوا به شيخاً كبيراً يتيمّنون به ، فلمّا نزلوا بأوطاس قال : نعم مجال الخيل ، لا حزن ضرس ، ولا سهل دهس ، ما لي أسمع روغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، وثغاء الشاة ، وخوار البقر ، فقال لابن عوف في ذلك ، فقال : أردت أن أجعل خلف كلّ رجل أهله وماله فيقاتل عنهم ، قال : ويحك ، لم تصنع شيئاً ، قدمت بيضة هوازن في نحور الخيل ، وهل يزد وجه المنهزم شي ء ، إنّها إن كانت لك لم ينفعك إلّا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ، ثم قال : حرب عوان ،
يا ليتني فيها جذع
أخبّ فيها واضع
قال : إنّك كبرت وذهب علمك .
قال جابر : كان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضايقه ، فما راعنا إلّا كتائب الرجال ، فانهزم بنو سليم ، وكانوا على المقدّمة ، وانهزم من وراءهم ، وبقى علي عليه السلام ومعه الراية .
فقال مالك بن عوف : أروني محمداً ! فأروه إياه ، فحمل عليه ، فلقيه أيمن بن عبيدة - وهو ابن أم أيمن - فالتقيا ، فقتله مالك .
ص: 272
قال الشاعر :
وثوى أيمن الأمين من القوم
شهيداً فاعتاض قرّة عين
فقال النبي صلى الله عليه وآله للعباس ، وكان جهورياً : ناد في القوم ، وذكّرهم العهد - يعني قوله - : « وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ » ، فنادى : يا أهل بيعة الشجرة ، إلى أين تفرون ؟ اذكروا العهد ، والقوم على وجوههم ، وذلك في أول ليلة من شوال .
قال : فنظر النبي صلى الله عليه وآله إلى الناس ببعض وجهه في الظلماء ، فأضاء كأنّه القمر ليلة البدر ، وكان علي عليه السلام بين الشعبين حتى لم يبق فيهما مقتول ، وعاونه بعض الأنصار .
فقام النبي صلى الله عليه وآله في ركاب سرجه حتى أشرف عليهم ، وقال : الآن حمى الوطيس . . أنا النبي لا كذب . . أنا ابن عبد المطلب .
وما زال المسلمون يقتلون المشركين ، ويأسرون منهم حتى ارتفع النهار ، فأمر النبي صلى الله عليه وآله بالكفّ .
الصادق عليه السلام : سبى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يوم حنين أربعة آلاف رأس ، وإثني عشر ألف ناقة ، سوى ما لا يعلم من الغنائم .
قال الزهري : ستة آلاف من الذراري والنساء ، ومن البهائم ما لا يحصى ولا يدرى(1) .
ص: 273
فأخذت ثقيف إلى الطائف ، والأعراب إلى أوطاس ، فبعث النبي صلى الله عليه وآله أبا عامر الأشعري إلى أوطاس ، فقاتل حتى قتل ، فأخذ الراية أبو موسى الأشعري ! وهو ابن عمّه ، ففتح عليه .
وبعث أبا سفيان إلى ثقيف ، فضربوه على وجهه ، فانهزم وتعلّل .
ثم سار النبي صلى الله عليه وآله بنفسه إلى الطائف ، فحاصرهم أياماً ، ثم أنفذ علياً عليه السلام في خيل ، فبرز شهاب بن عبيس ، فقام إليه علي عليه السلام ، فوثب أبو العاص بن الربيع زوج بنت النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : أنا كفؤه أيّها الأمير ، فقال : لا ، ولكن إن قتلت فأنت على الناس .
فبرز إليه علي عليه السلام فقتله ، ومضى حتى كسر الأصنام ، فلمّا انصرف إلى النبي صلى الله عليه وآله ناجاه(1) . . القصّة .
قال محمد بن إسحاق : كان حاصرهم ثلاثين ليلة ، فنزل منهم أبو بكرة والمبيعث وفدان في جماعة ، وأسلموا .
فلمّا قدم وفد الطائف قالوا : ردّ علينا رقيقنا الذين أتوك ، فقال : أولئك عتقاء اللَّه(2) .
ص: 274
في رجب نزل : « انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً » الآية ، فخطب صلى الله عليه وآله ورغب في المواساة لجيش العسرة ، فأنفق العباس وعثمان وعبد الرحمن وطلحة والزبير وغيرهم ، فنزل : « وَاسْتَفْزِزْ » ليعلم سائر الصحابة بشدّة القيظ ، وقلّة الماء ، واتساق الأمر بلا قتال .
فقصد نحو الروم إلى مدينة تبوك ، وقيل : هو من البوك ، لأنّهم كانوا يبوكون الأرض للماء ، حتى أنّ بعضهم كان يقتل فرسه ويمصّ أحشاه .
واستخلف علياً عليه السلام في أهله ، وقال : يا علي ، إنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك ، وذلك لشفقته عليها من أعدائها ، ونصّه عليه بالقيام بعده ، فعظم ذلك إلّا على الأنصار .
فضرب النبي صلى الله عليه وآله عسكره فوق ثنية الوداع ، فأبطأ أكثرهم ، فنزل : « إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ » ، فسار حتى نزل الجرف(1) .
ص: 275
فرجع عبد اللَّه بن أبي بغير إذن ، فقال : « هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ » الآية .
ويقال : إنّه حلف للتعذّر ، فنزل : « وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ » .
واستأذنه بعض بني غفار في التأخر ، فنزل : « وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ » إلى قوله : « كاذِبِينَ » .
واستأذنه جد بن قيس ومعتب بن قشير ، وأصحابهما من المنافقين ، وكانوا ثمانين رجلاً ، وكان جد بن قيس أظهر شبقه بالنساء ، فنزل « وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي » .
وقال منافق لصحبه : « لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ » ، فنزل : « قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا » .
وقال آخر : إنّه اغترّ بحرب العرب ، وليس الروم كذلك ، فنزل : « وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ » .
وأتاه البكاؤون ، وهم : معقل بن يسار ، وصخر بن خنسا ، وعبد اللَّه بن كعب ، وعلية بن زيد ، وسالم بن عمير ، وثعلبة بن عتمة ، وعبد اللَّه بن معقل ، وسألوا دواباً أو بغالاً أو خفافاً ، فلم يجد ، فانصرفوا وهم يبكون ، فنزل : « وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ » .
ص: 276
وقال الزهري : نزل في تخلّف عبد اللَّه بن كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن ربيعة « وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا » .
وكان النبي صلى الله عليه وآله نهى عن مكالمتهم « حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَْرْضُ بِما رَحُبَتْ » « ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ » .
فلمّا انتهى إلى الجرف لحقه علي عليه السلام ، وأخذ بغرز(1) رحله ، وقال : يا رسول اللَّه ! زعمت قريش إنّما خلفتني استثقالاً ومقتاً ، فقال صلى الله عليه وآله : طال ما آذت الأمم أنبياءها ، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى . . الخبر ، فقال : قد رضيت قد رضيت ، وقال : ارجع - يا أخي - إلى مكانك ، وإنّه لابدّ للمدينة منّي أو منك ، وأنفذ معه الضعفاء والمرضى ، لقوله : « لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ » .
وأخّر أبو ذر انتظار ناقته ، فمشى راجلاً بزاده وسلاحه ، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله في بعض المنازل أنّ راجلاً يتبعنا ، فقال : هو أبو ذر ، رحم اللَّه أبا ذر ، يعيش وحده . . الخبر .
ص: 277
فوصل إلى تبوك في شعبان يوم الثلاثاء ، وظهر النفاق في هذه السنة .
قال الخركوشي : كانوا ينوفون على ثلاثين ألفاً .
قال الواقدي : منهم عشرة آلاف فارس .
فأقام ثلاثة عشر يوماً ، فأتاه الرئيس ، وهو نجية بن رؤبه ، فأعطاه الجزية ، وقبل للمستقبل ، فكتب النبي صلى الله عليه وآله كتاباً ، وهو عندهم ، وكتب أيضاً لأهل جرباء(1) وأذرح .
وبعث سعد بن عبادة إلى أناس من بني سليم ، وجموع من بلى ، فلمّا قاربهم هربوا .
وبعث خالداً في ثلاثمائة رجل ، ثم عبد الرحمن بن عوف مع سبعمائة
ص: 278
رجلاً إلى الأكيدر ، وصاحب دومة الجندل ، وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وآله في ثمانمائة رأس ، وألفي بعير ، وأربعمائة درع ، وأربعمائة رمح ، وخمسمائة سيف ، فصالحه النبي صلى الله عليه وآله .
وبعث أبا عبيدة وزنباع بن روح الجذامي إلى جمع من جذام ، فأصاب منهم ، وكان آخر غزواته(1) صلى الله عليه وآله .
ص: 279
ص: 280
ص: 282
إن كان لآدم عليه السلام سجود الملائكة مرّة ، فلمحمد صلى الله عليه وآله صلوات اللَّه عليه والملائكة والناس أجمعين كلّ ساعة إلى يوم القيامة .
وإن كان آدم عليه السلام قبلة الملائكة ، فقد جعله اللَّه إمام الأنبياء ليلة المعراج ، فصار إمام آدم عليه السلام .
وإن خلق آدم عليه السلام من طين ، فإنّه خلق من النور ، قوله : كنت نبياً وآدم عليه السلام بين الماء والطين(1) .
ص: 283
وإن كان آدم عليه السلام أول الخلق ، فقد صار محمد صلى الله عليه وآله قبله ، قوله : إنّ اللَّه خلقني من نور ، وخلق ذلك النور قبل آدم عليه السلام بألف سنة(1) .
وإن كان آدم عليه السلام أبو البشر ، فمحمد صلى الله عليه وآله سيد النذر ، قوله صلى الله عليه وآله : آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة(2) .
وإن كان آدم عليه السلام أول الأنبياء ، فنبوة محمد صلى الله عليه وآله أقدم منه ، قوله : كنت نبياً وآدم منخول في طينته(3) .
وإن عجزت الملائكة عن آدم عليه السلام ، فأعطى القرآن الذي عجز عنه الأولون والآخرون .
وإن قيل لآدم عليه السلام « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ » ، فقال له : « لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ » .
وإن دخل آدم عليه السلام في الجنة ، فقد عرج به إلى « قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى » .
قوله : « وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا » أي السماء ، وللنبي صلى الله عليه وآله : « وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ » .
وناجى إدريس عليه السلام ربّه ، ونادى اللَّه محمداً صلى الله عليه وآله « فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ » .
وأطعم إدريس عليه السلام بعد وفاته ، وقد أطعمه اللَّه في حال حياته ، قوله : إنّي لست كأحدكم ، إنّي أبيت عند ربّي ويطعمني ويسقيني(4) .
جرت له السفينة على الماء ، وهي تجري للكافر والمؤمن ، ولمحمد صلى الله عليه وآله
ص: 284
جرى الحجر على الماء ، وذلك أنّه كان على شفير غدير ، ووراء الغدير تلّ عظيم ، فقال عكرمة بن أبي جهل : يا محمد ، إن كنت نبياً فادع من صخور ذلك التلّ حتى يخوض الماء فيعبر ، فدعا بالصخرة ، فجعلت تأتي على وجه الماء ، حتى مثلت بين يديه ، فأمرها بالرجوع ، فرجعت كما جاءت .
وأجيبت دعوته على قومه « لا تَذَرْ عَلَى الأَْرْضِ » ، فهطلت له السماء بالعقوبة ، وأجيبت لمحمد صلى الله عليه وآله بالرحمة حيث قال : حوالينا ولا علينا(1) ، فنوح رسول العقوبة ، ومحمد صلى الله عليه وآله رسول الرحمة « وَما أَرْسَلْناكَ إِلّا رَحْمَةً » .
دعا نوح عليه السلام لنفسه ولنفر يسير « رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ » ، ومحمد صلى الله عليه وآله دعا لاُمّته ، من ولد منهم ومن لم يولد « وَاعْفُ عَنَّا » .
وقال له : « وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ » ، وقال لمحمد صلى الله عليه وآله « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ » .
كانت سفينته سبب النجاة في الدنيا ، وذريّة محمد صلى الله عليه وآله سبب النجاة في العقبى ، قوله : مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح(2) . . الخبر .
ص: 285
وقال نوح عليه السلام : « إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي » ، فقيل له : « إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ » ، ومحمد صلى الله عليه وآله لمّا أعلنت من قومه المعاندة شهر عليهم سيف النقمة ، ولم ينظر إليهم بعين المقة(1) .
* * *
قال حسان :
وإن كان نوح نجا سالماً
على الفلك بالقوم لمّا نجا
فإنّ النبي نجا سالماً
إلى الغار في الليل لمّا دجى
انتصر من أعدائه بالريح ، قوله : « وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ » ، ومحمد صلى الله عليه وآله نصره اللَّه يوم الأحزاب والخندق بالريح والملائكة ، قوله : « بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها » ، فزاد اللَّه محمداً صلى الله عليه وآله على هود بثلاثة آلاف ملك .
وفضّله على هود عليه السلام بأنّ ريح عاد ريح سخط ، وريح محمد صلى الله عليه وآله ريح رحمة ، قوله : « اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ » الآية .
وصبر هود عليه السلام في ذات اللَّه ، وأعذر قومه إذ كذّب ، والنبي صلى الله عليه وآله صبر في ذات اللَّه ، وأعذر قومه إذ كذّب وشرّد وحصب بالحصاة ، وعلاه أبو جهل بسلا شاة ، فأوحى اللَّه إلى جاجائيل ملك الجبال أن شقّ الجبال وانته إلى
ص: 286
أمر محمد صلى الله عليه وآله ، فأتاه فقال له : قد أمرت لك بالطاعة ، فإن أمرت أطبقت عليهم الجبال فأهلكتهم بها ، قال : إنّما بعثت رحمة : اهد قومي فإنّهم لا يعلمون(1) .
خرجت لصالح عليه السلام ناقة عشراء من بين صخرة صماء ، وأخرج لنبينا صلى الله عليه وآله رجل من وسط الجبل يدعو له ، ويقول : اللّهم ارفع له ذكراً ، اللّهم أوجب له أجراً ، اللّهم احطط عنه(2) وزراً(3) .
وعقر ناقته ، وعقر أولاد محمد صلى الله عليه وآله .
قال أبو القاسم البارع :
لناقة صالح نادت أناس
وقد جسروا(4) على قتل الحسين
وكان صالح عليه السلام ينذر قومه ، فقيل له : يا صالح « ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ » ، ومحمد صلى الله عليه وآله نبي الرحمة ، قوله « وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً » .
والناقة لم تناطقه ، ولم تشهد له بالنبوة ، وقد تكلّمت مع النبي صلى الله عليه وآله نوق كثيرة .
* * *
ص: 287
[ قال ] الحميري :
بعث الإله إلى ثمود صالحاً
منه بنور سلامة لا يشكل
قالوا له أخرج لنا من صخرة
عشراء نحلبها إذا ما تنزل
فتصدّعت عن ناقة فتنوا بها
وقضاء ربّك ليس عنه مرحل
في حفل(1) درّتها لقاح خلفها
سقب(2) ويقدمها هناك وينزل
لما رأوها حافلاً حفّوا بها
ودعوا بأوعية وقالوا احملوا
حتى عتوا فتمرّدوا وسطوا بها
بطراً فأسرع في شواها(3) المنصل(4)
خضبوا فراسنها بقان معجل
فرغا هنالك بكرها فاستوصلوا
قبل الصباح بصيحة أخذتهم
بعد الرقاد سرى إليهم منهل
قال حسان بن ثابت :
وإن كان لوط دعا ربّه
على القوم فاستؤصلوا بالبلا
فإنّ النبي ببدر دعا
على المشركين بسيف الفنا
فناداه جبريل من فوقه
بلبيك لبيك سل ماتشا
* * *
ص: 288
نظر من الملك إلى الملكوت « وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ » ، والحبيب نظر من الملك إلى الملك « أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ » .
الخليل طالب ، قال : « إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي » ، والحبيب مطلوب « أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً » .
قال الخليل : « وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي » ، وقيل للحبيب : « لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ » .
وقال الخليل : «وَلا تُخْزِنِي » ، وللحبيب « يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ » .
وقال الخليل وسط النار : « حَسْبِيَ اللَّهُ » ، وقيل للحبيب « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ » .
قال الخليل : « وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ » ، وقيل للحبيب : « وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ » .
قال الخليل : « وَأَرِنا مَناسِكَنا » ، وقيل للحبيب : « لِنُرِيَهُ » .
قال الخليل : « وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ » ، وللحبيب : « وَلَلآْخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ » .
الخليل : « وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي » ، وللحبيب : « أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ » لأجلك .
الخليل بخل على أعدائه بالرزق « وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الَّثمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ » ، والحبيب سخى بها على الأعداء حتى عوتب « وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ » .
ص: 289
الخليل : أقسم باللَّه « وَتَاللَّهِ لأََكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ » ، واقسم اللَّه بالحبيب « لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ » .
واتخذ مقام الخليل قبلة « وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ » ، وجعل أحوال الحبيب وأفعاله وأقواله قبلة « لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ » .
الخليل كسر أصنام قومه غضباً للَّه ، والحبيب كسر عن الكعبة ثلاثمائة وستين صنماً ، وأذلّ من عبدها بالسيف .
اصطفى الخليل بعد الابتلاء « وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ » ، واصطفى الحبيب قبل الابتلاء « اللَّهُ يَصْطَفِي » .
الخليل بذل ماله لأجل الجليل ، وخلق الجليل العالم لأجل الحبيب .
مقام الخليل مقام الخدمة « وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ » ، ومقام الحبيب مقام الشفاعة « عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ » ، والشفيع أفضل من الخادم .
الخليل طلب ابتداء الوصلة « قالَ هذا رَبِّي » ، والحبيب طلب بقاء الوصلة « وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ » ، والبقاء أفضل من الابتداء .
صيّر اللَّه حرّ النار على الخليل برداً وسلاماً ، وصيّر السمّ في جوفه سلاماً حين سمّته الخيبرية ! ثم سخّر له نار جهنم التي كانت نار الدنيا كلّها جزءاً منها .
كان الخليل منادياً بالحجّ والقربان « وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ » ، والحبيب منادياً بالإسلام والإيمان « مُنادِياً يُنادِي لِلإِْيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ » .
قال للخليل : « أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ » ، وقال للحبيب : « آمَنَ الرَّسُولُ » .
قال الخليل: « فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي »، وقال للحبيب: لولاك لما خلقت الأفلاك.
ص: 290
وقيل للخليل : « وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ » ، والحبيب فُدي أبوه عبد اللَّه بمائه ناقة .
وبارك في أولاد الخليل حتى عفوا ، فأمر داود في أيامه باحصائهم ، فعجزوا عن ذلك ، فأوحى اللَّه - تعالى - إليه : لمّا أطاعني بذبح ولده كثّرت ذريّته ، والحبيب لمّا ابتلى أيضاً بذبح ابنه الحسين عليه السلام كثّرت أولاده .
وصل الخليل إلى الجليل بالواسطة « وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ » ، ووصل الحبيب بلا واسطة « ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى » .
أراد الخليل رضاء الملك في رفع الكعبة « وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ » ، وأراد اللَّه القبلة في رضاء الحبيب « فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها » .
كان الابتلاء للخليل أولاً ، والاجتباء آخراً « وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ » ، والحبيب ابتداؤه بشارة «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ » .
سأل الخليل « وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَْصْنامَ » ، وقال للحبيب : «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ » .
الخليل : من يخّاله ، والحبيب من تخّاله ، فلا جرم ( « وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى » .
الخليل : المريد ، والحبيب : المراد .
الخليل : عطشان ، والحبيب : ريّان .
* * *
قال صاحب العين : مخرج الحاء أقصى من مخرج الخاء بدرجة ، فإنّ الخاء من الحلق ، والحاء من الفؤاد .
ص: 291
فإذا ذكرت الخليل لم تملأ فاك ، لأنّه من الحلق ، وإذا ذكرت الحبيب ملأت فاك وقلبك ، لأنّه من الفؤاد .
* * *
قالوا : أظهر اللَّه الخليل ولم يظهر الحبيب ؟
الجواب : إنّه أظهر المحبّة لمتبعيه ، فكيف المتبوع ، قوله : « إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ » .
كان له إثنا عشر ابنا ، ومحمد صلى الله عليه وآله كان له إثنا عشر وصياً .
وجعل الأسباط من سلالة صلبه ، ومريم بنت عمران من بناته ، والهداية في ذريّته ، قوله « وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ » ، ومحمد صلى الله عليه وآله أرفع ذكراً من ذلك ، جعلت فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين من بناته ، والحسن والحسين عليهما السلام من ذريّته ، وأتاه الكتاب المحفوظ لا يبدل ولا يغير .
وصبر يعقوب عليه السلام على فراق ولده حتى كاد يحرض ، وصبر محمد صلى الله عليه وآله على وفاة إبراهيم ، وعلى ما علم من فحوى ما يجري على ذريّته .
إن كان له جمال ، فلمحمد صلى الله عليه وآله ملاحة وكمال ، قوله صلى الله عليه وآله : كان يوسف عليه السلام أحسن ، ولكنّني أملح .
ص: 292
وإن كان يوسف عليه السلام في الليل نورانياً ، فمحمد صلى الله عليه وآله في الدنيا والعقبى نوراني ، ففي الدنيا « يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ » ، وفي العقبى « انْظُرُونا نَقْتَبِسْ » .
يوسف عليه السلام دعا لمالك بن زعر ليكثر ماله وولده(1) ، قال النبي صلى الله عليه وآله : ستدرك ولداً لي يسمّى الباقر ، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام(2) .
وقال لأنس : اللّهم أطل عمره وأكثر ماله وولده(3) ، فبقي إلى أيام عمر بن عبد العزيز ، وله عشرون من الذكور ، وثمانون من الإناث ، وكانت شجراته كلّ حول ذوات ثمرتين(4) .
صبر يوسف عليه السلام في الجبّ والحبس والفرقة والمعصية ، ومحمد صلى الله عليه وآله قاسى من كثرة الغربة والفرقة ، وحبس في الشعب ثلاث سنين ، وفي الغار ثلاث ليال .
وكان ليوسف عليه السلام رؤياه ، ولمحمد صلى الله عليه وآله « لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ » .
أعطاه اللَّه إثنتا عشرة عيناً ، قوله : « فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً » ، ومحمد صلى الله عليه وآله أمر البراء بن عازب يغرس سهمه يوم الميضاة بالحديبية في قليب جافة ، فتفجّرت إثنتا عشرة عيناً حتى كفت ثمانية آلاف رجل .
ص: 293
وكان لموسى عليه السلام انفجار الماء من الحجر ، ولمحمد صلى الله عليه وآله انفجار الماء من بين أصابعه ، وهذا أعجب .
وأنزل اللَّه لموسى عليه السلام عموداً من السماء يضي ء لهم ليلتهم ، ويرتفع نهارهم ، ورسول اللَّه صلى الله عليه وآله أعطى بعض أصحابه عصى تضي ء أمامه وبين يديه ، وأعطى قتادة بن النعمان عرجوناً ، فكان العرجون يضي ء أمامه عشراً .
قوله : « وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ » ، قال ابن عباس والضحاك : اليد ، والعصا ، والحجر ، والبحر ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم(1) .
* * *
يروى أنّ النبي صلى الله عليه وآله استتر للوضوء في بعض أسفاره إلى الشام ، فأحاط به اليهود بالسيوف ، فأثار اللَّه من تحت رجله جراداً ، فاحترشتهم(2) ، وجعلت تأكلهم حتى أتت على جميعهم ، وكانوا مائتي نفر(3) .
* * *
وقال صلى الله عليه وآله : إنّ بين الركن والصفا قبور سبعين نبياً ، ما ماتوا إلّا بضرّ الجوع والقمل .
* * *
ص: 294
وتبعه قوم يوماً خالياً ، فنظر أحدهم إلى ثياب نفسه وفيها قمل ، ثم جعل بدنه يحكّه ، فأنف من أصحابه ، وانسل وأبصر آخر وآخر مثل ذلك حتى وجد كلّهم من نفسه ، ثم زاد ذلك عليهم حتى استولى ذلك عليهم ، فماتوا كلّهم من خمسة أيام إلى شهرين(1) .
* * *
وهمّ جماعة بقتله ، فخرجوا نحو المدينة من مكة ، فسلّط اللَّه على مزاودهم ورواياهم وسطائحهم الجرذان ، فخرقتها ونقبتها ، وسالت مياهها .
فلمّا عطشوا شعروا ، فرجعوا القهقرى إلى الحياض التي كانوا تزوّدوا منها تلك المياه ، وإذا الجرذان قد سبقتهم إليها ، فنقبت أصولها ، فسال في الحرّة مياهها ، فتماوتوا ولم ينفك منهم إلّا واحد لا يزال يقول : يا ربّ محمد وآل محمد ، قد تبت من أذاه ففرج عنّي بجاه محمد وآل محمد ، فوردت عليه قافلة فسقوه وحملوه ، وأمتعه القوم بالنبي صلى الله عليه وآله ، فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله له تلك الجمال والأموال(2) .
* * *
واحتجم النبي صلى الله عليه وآله مرّة ، فدفع الدم الخارج منه إلى أبي سعيد الخدري وقال : غيّبه ، فذهب فشربه ، فقال : ما ذا صنعت به ؟ قال : شربته ،
ص: 295
قال : أو لم أقل لك غيّبه ! فقال : قد غيّبته في وعاء حريز ، فقال : إياك أن تعود لمثل هذا ، ثم اعلم أنّ اللَّه قد حرّم لحمك على النار ودمك لما اختلط بلحمي ودمي(1) .
* * *
واستهزأ به أربعون نفراً من المنافقين ، فقال صلى الله عليه وآله : أما إنّ اللَّه يعذبهم بالدم ، فلحقهم الرعاف الدائم ، وسيلان دماء من أضراسهم ، فكان طعامهم وشرابهم يختلط بدمائهم ، فبقوا كذلك أربعين صباحاً ، ثم هلكوا(2) .
* * *
قوله : « اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ » .
وأعطي أفضل منه ، وهو أنّ نوراً كان عن يمينه حيث ما جلس ، وكان يراه الناس كلّهم ، وقد بقي ذلك النور إلى قيام الساعة(3) .
وكان يحبّ أن يأتيه الحسنان عليهما السلام فيناديهما هلمّا إليّ ، فيقبلان نحوه من البعد قد بلغهما صوته ، فيقول بسبابته هكذا يخرجهما من الباب ، فتضي ء لهما أحسن من ضوء القمر والشمس ، فيأتيان ، ثم تعود الإصبع كما كانت ، وتفعل في انصرافهما مثل ذلك(4) .
* * *
ص: 296
قوله : « أَنْ أَلْقِ عَصاكَ » .
وله صلى الله عليه وآله ما روي أنّ الزبير بن العوام انكسر سيفه في بعض الغزوات ، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله خشبته ، فمسحها من جانبيها ، فصارت سيفاً أجود ما يكون وأضربها ، فكان يقاتل به .
وإنّ اللَّه - تعالى - قلب جذوع سقوف يهود نازعوه أفاعي ، وهي أكثر من مائة جذع ، وقصدت نحوهم ، والتقمت متاع بيتهم ، فمات منهم أربعة ، وخبل جماعة ، وأسلم آخرون ، وقالوا : اللّهم بجاه محمد الذي اصطفيته ، وعلي الذي ارتضيته ، وأوليائهما الذين من سلّم لهم أمرهم اجتبيته ، فانشر اللَّه الأربعة .
* * *
قوله « اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ »(1) .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : خرجنا معه - يعني النبي صلى الله عليه وآله - إلى خيبر ، فإذا نحن بواد يشخب ، فقدّرناه ، فإذا هو أربعة عشرة قامة ، فقالوا : يا رسول اللَّه ، العدو من ورائنا ، والوادي أمامنا ، كما قال أصحاب موسى « إِنَّا لَمُدْرَكُونَ » .
فنزل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ثم قال : اللّهم إنّك جعلت لكلّ مرسل دلالة ، فأرني قدرتك ، وركب ، فعبرت الخيل لا تندى حوافرها ، والإبل لا تندى أخفافها ، فرجعنا فكان فتحها(2) .
ص: 297
وفي رواية أنس : أنّه مطرت السماء ثلاثة أيام ولياليها بوادي الخزاز ، فقالوا : يا رسول اللَّه ، هول عظيم ! فقال : أيّها الناس ، اتبعوني ، وكنت آخر الناس ، ولقد رأيت الماء ما بلّ أخفاف الإبل .
* * *
قوله : « وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ » .
وروي أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال : اللّهم العن رعلاً وذكوان ، اللّهم اشدد وطأتك على مضر ، اللّهم اجعل سنيّهم كسنيّ يوسف .
ففي الخبر : إنّ الرجل كان منهم يلحق صاحبه فلا يمكنه الدنو ، فإذا دنى منه لا يبصره من شدّة دخان الجوع ، وكان يجلب إليهم من كلّ ناحية ، فإذا اشتروه وقبضوه لم يصلوا به إلى بيوتهم حتى يتسوس وينتن، فأكلوا الكلاب الميتة والجيف والجلود ، ونبشوا القبور ، وأحرقوا عظام الموتى فأكلوها ، وأكلت المرأة طفلها ، وكان الدخان متراكماً بين السماء والأرض وذلك :
قوله : « فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ » ، فقال أبو سفيان ورؤوساء قريش : يا محمد ! أتأمرنا بصلة الرحم ؟ فأدرك قومك فقد هلكوا ، فدعا لهم ، وذلك قوله : « رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ » ، فقال اللَّه تعالى : « إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ » ، فعاد إليهم الخصب والدعة ، وهو قوله : « فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ »(1) .
* * *
ص: 298
انتقم اللَّه لموسى عليه السلام من فرعون ، وانتقم لمحمد صلى الله عليه وآله من الفراعنة(1) « سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ » .
كان لموسى عليه السلام عصا ، ولمحمد صلى الله عليه وآله ذو الفقار .
خلّف موسى هارون عليهما السلام في قومه ، وخلّف محمد صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام في قومه : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى(2) .
وكان لموسى عليه السلام إثنا عشر نقيباً ، ولمحمد صلى الله عليه وآله إثنا عشر إماماً .
كان لموسى عليه السلام انفلاق البحر في الأرض « فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ » ، ولمحمد صلى الله عليه وآله انشقاق القمر في السماء ، وذلك أعجب « اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ » .
العصا بلغت البحر فانفلق « اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ » ، وأشار صلى الله عليه وآله بالإصبع إلى القمر فانشق .
وقال موسى عليه السلام : « رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي » ، وقال اللَّه له صلى الله عليه وآله : « أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ » .
ص: 299
وقال لموسى وهارون عليهما السلام : « فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً » ، وقال لمحمد صلى الله عليه وآله : « وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ » « وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ » .
وأعطى اللَّه موسى عليه السلام المنّ والسلوى ، وأحلّ الغنائم لمحمد صلى الله عليه وآله ولاُمّته ، ولم يحلّ لأحد قبله(1) .
وقال في حقّ موسى عليه السلام : « وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ » يعني في التيه ، والنبي صلى الله عليه وآله كان يسير الغمام فوقه .
وكلّم اللَّه موسى عليه السلام تكليماً على طور سيناء ، وناجى اللَّه محمداً صلى الله عليه وآله عند سدرة المنتهى .
وكان واسطة بين الحقّ وبين موسى عليه السلام ، ولم يكن بين محمد صلى الله عليه وآله وربّه أحد « فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ » ، وليس من مشى برجليه كمن أسرى بسرّه ، وليس من ناداه كمن ناجاه ، ومن نودي من بعد كمن نوجي من قرب .
ولم يكلّم موسي عليه السلام إلّا بعد أربعين ليلة ، ومحمد صلى الله عليه وآله كان نائماً في بيت أم هاني ، فعرج به(2) .
ومعراج موسى عليه السلام بعد الموعود ، ومعراج محمد صلى الله عليه وآله بلا وعد .
واختار موسى عليه السلام قومه سبعين رجلاً ، واختير محمد صلى الله عليه وآله وهو فريد .
ولم يحتمل موسى عليه السلام ما رآه « وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً » ، واحتمل محمد صلى الله عليه وآله ذلك « لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ » .
معراج موسى عليه السلام نهاراً ، ومعراج محمد صلى الله عليه وآله ليلاً .
ص: 300
معراج موسى عليه السلام على الأرض ، ومعراج محمد صلى الله عليه وآله فوق السماوات السبع .
أخبر بما جرى بينه وبين موسى عليه السلام ، وكتم ما جرى بينه وبين محمد صلى الله عليه وآله « فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى » .
قوله : « وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا » ، كأنّه جاء من عند فرعون ، « لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ » كأنّه جاء من عند اللَّه .
وقال لموسى عليه السلام : « وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً » ، وأخرج النبي صلى الله عليه وآله من مسجده ما خلا العترة ، وفي هذا تبيان قوله : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى .
* * *
قال حسان :
لئن كلّم اللَّه موسى على
شريف من الطور يوم الندا
فإنّ النبي أبا قاسم
حبي بالرسالة فوق السما
وقد صار بالقرب من ربّه
على قاب قوسين لمّا دنا
وإن فجّر الماء موسى لهم
عيوناًمن الصخر ضرب العصا
فمن كفّ أحمد قد فجّرت
عيون من الماء يوم الظما
وإن كان هارون من بعده
حبي بالوزارة يوم الملا
فإنّ الوزارة قد نالها
علي بلا شكّ يوم الفدا(1)
* * *
ص: 301
وقال كعب بن مالك الأنصاري :
فإن يك موسى كلّم اللَّه جهرة
على جبل الطور المنيف المعظم
فقد كلّم اللَّه النبي محمداً
على الموضع الأعلى الرفيع المسوم
كان له سلسلة الحكومة ليميز الحقّ من الباطل ، ولمحمد صلى الله عليه وآله القرآن « ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ » ، وليست السلسلة كالكتاب ، والسلسلة قد فنيت ، والقرآن بقي إلى آخر الدهر .
وكان له النغمة ، ولمحمد صلى الله عليه وآله الحلاوة «وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ » .
وكان له ثلاثون ألف حرس ، وكان حارس محمد صلى الله عليه وآله هو اللَّه - تعالى - «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » .
وسبّحت له الوحوش والطيور والجبال ، فاللَّه - تعالى - وملائكته يشهدون بمحمد صلى الله عليه وآله ، « وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً » : « مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ » .
وقال له : « وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ » ، وألان قلب محمد صلى الله عليه وآله بالرحمة والشفاعة « فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ » ، وألان لهم الصمّ الصخور الصلاب وجعلها غاراً ، وكان يحلب الشاة المجهودة ، ويمسح ضرعها فيحلب منها كيف شاء .
وسخّر له الجبال فكنّ يسبّحنّ ، وأخذ النبي صلى الله عليه وآله أحجاراً فأمسكها فسبّحنّ في كفّه .
ص: 302
وله « . . الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ » ، ولمحمد صلى الله عليه وآله البراق .
وقال له : «وَشَدَدْنا مُلْكَهُ » ، وشدّد ملك محمد صلى الله عليه وآله حتى نسخ بشريعته سائر الشرائع .
وقال لداود عليه السلام : «لا تَتَّبِعِ الْهَوى » ، وقال لمحمد صلى الله عليه وآله : « ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ » .
* * *
[ قال ] حسان :
وإن كان داود قد أوّبت
جبال لديه وطير الهوا
ففي كفّ أحمد قد سبّحت
بتقديس ربّي صغار الحصى
سليمان عليه السلام
سخّرت له « الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ » ، يقال : إنّه غدا من العراق ، وقال(1) بمرو ، وأمسى ببلخ(2) ، وأكرم محمداً صلى الله عليه وآله بالبراق خطوته مدّ البصر(3) .
وقال « عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ » ، وروي أنّ الحمرة(4) فجعت بأحد ولدها ، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله ، وجعلت تدفّ على رأس رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ،
ص: 303
فقال : أيّكم فجع هذه ؟ فقال رجل من القوم : أنا أخذت بيضها ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : ارددها(1) .
ومنه كلام البعير والعجل والظبي والشاة والذئب والضبّ .
وسخّرت له الجنّ والشياطين ، وقال للنبي صلى الله عليه وآله : « قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ » ، وقوله : « وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ » ، وهم التسعة من أشراف الجنّ بنصيبين واليمن من بني عمرو بن عامر ، منهم : شصاه ، ومصاه ، والهملكان ، والمرزبان ، والمازمان ، ونضاه ، وهاضب ، وعمرو، وبايعوه على العبادات واعتذروا بأنّهم قالوا « عَلَى اللَّهِ شَطَطاً »(2).
وسليمان عليه السلام كان يصفدهم لعصيانهم ، ونبينا أتوه طائعين راغبين .
وسأل سليمان عليه السلام ملك دنيا « هَبْ لِي مُلْكاً » ، وعرض مفاتيح خزائن الدنيا على محمد صلى الله عليه وآله فردّها(3) ، فشتّان بين من يسأل وبين من يعطى فلا يقبل ، فأعطاه اللَّه الكوثر والشفاعة والمقام المحمود « وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى » .
وقال لسليمان عليه السلام : « فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ » ، وقال لنبينا : « وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » .
* * *
ص: 304
[ قال ] حسان بن ثابت :
وإن كانت الجنّ قد ساسها
سليمان والريح تجري رخا
فشهر غدو به رابيا
وشهر رواح به إن يشا
فإنّ النبي سرى ليلة
من المسجدين إلى المرتقى
* * *
[ وقال ] كعب بن مالك :
وإن تك نمل البر بالوهم كلّمت
سليمان ذا الملك الذي ليس بالعمى
فهذا نبي اللَّه أحمد سبحت
صغار الحصى في كفّه بالترنم
قال اللَّه - تعالى - له : « وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا » وكان في عصر لا جاهلية فيه ، ومحمد صلى الله عليه وآله أوتي الحكم والفهم صبياً بين عبدة الأوثان وحزب الشيطان(1) .
وكان يحيى أعبد أهل زمانه وأزهدهم ، ومحمد صلى الله عليه وآله أزهد الخلائق وأعبدهم حتى قيل : «طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ »(2) .
* * *
ص: 305
[ قال ] حسان بن ثابت :
وإن كان يحيى بكت عينه
صغيراً وطهّره في الصبى
فإنّ النبي بكى قائماً
حزيناً على الرجل خوف الرجا
فناداه أن طه أبا قاسم
ولا تشق بالوحي لما أتى
« وَأُبْرِئُ الأَْكْمَهَ وَالأَْبْرَصَ » ، ونبينا أتاه معاذ بن عفر فقال : يا رسول اللَّه ، إنّي قد تزوّجت وقالوا للزوجة : إنّ بجنبي بياضاً ، فكرهت أن تزفّ إليّ .
فقال : اكشف لي عن جنبك ، فكشف له عن جنبه ، فمسحه بعود فذهب ما به من البرص .
* * *
ولقد أتاه من جهينة أجذم يتقطّع من الجذام ، فشكا إليه ، فأخذ قدحاً من ماء ، فتفل فيه ثم قال : امسح به جسدك ، ففعل فبرأ .
وبرأ صاحب السلعة(1) .
* * *
وأتته امرأة ، فقالت : يا رسول اللَّه ، إنّ ابني قد أشرف على حياض الموت كلّما أتيته بطعام وقع عليه التثاؤب ، فقام وقمنا معه .
ص: 306
فلمّا أتيناه قال له : جانب يا عدو اللَّه ولي اللَّه ، فأنا رسول اللَّه ، فجانبه الشيطان ، فقام صحيحاً(1) .
* * *
وأتاه رجل وبه أدرة(2) عظيمة ، فقال : هذه الأدرة تمنعني من التطهير والوضوء ، فدعا بماء ، فبرك فيه ودعا وتفل فيه ، ثم أمره أن يفيض عليه ، ففعل الرجل ، وأغفى إغفاءة وانتبه ، فإذا هي قد تقلّصت .
* * *
وجاءت إمرأة ومعها عكّة سمن وأقطّ ، ومعها ابنة لها ، فقالت : يا رسول اللَّه ، ولدت هذه كمهاء ، فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عوداً ، فمسح به عينيها فأبصرتا .
* * *
ومنه حديث قتادة بن ربعي ومحمد بن مسلمة وعبد اللَّه بن أنيس قوله : « وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ » ، قال الكلبي : كان عيسى يحيي الأموات ب« يا حي يا قيوم » .
وقيل : إنّه أحيى أربعة أنفس ، وهم : عاذر(3) ، وابن العجوز ، وابنة العاشر ، وسام بن نوح(4) .
ص: 307
قال الرضا عليه السلام : لقد اجتمعت قريش إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فسألوه أن يحيي لهم موتاهم ، فوجّه معهم علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : اذهب إلى الجبانة ، فناد باسم هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك : يا فلان ، ويا فلان ، يقول لكم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قوموا بإذن اللَّه .
فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم .
فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم ، ثم أخبروهم أنّ محمداً صلى الله عليه وآله قد بعث نبياً ، فقالوا : وددنا أنّا أدركناه فنؤمن به(1) .
* * *
وأحيى صلى الله عليه وآله النفر الذين قتلوا يوم بدر ، فخاطبهم وكلّمهم وعيّرهم بكفرهم .
* * *
قوله : « وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ » ، ومحمد صلى الله عليه وآله كان ينبي ء بأشياء كثيرة .
منها : قصّة خاطب بن أبي بلتعة ، وانفاد كتابه إلى مكّة .
ومنها : قصّة عباس وسبب إسلامه .
* * *
ابن جريح في قوله « وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ » إنّ اللَّه - تعالى - أعطى عيسى عليه السلام تسعة أشياء من الحظّ ، والسائر الناس جزءاً .
ص: 308
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله : أوتيت القرآن ومثليه(1) .
أنشد :
وإن كان من مات يحيى لكم
يناديه عيسى بربّ العلى
فإنّ الذراع لقد سمّها
يهود لأحمد يوم القرى
فنادته إنّي مسمومة
فلا تقربنّي وقيت الأذى
* * *
ص: 309
ص: 310
ص: 311
ص: 312
اختير من أسمائه إثنا عشر اسماً :
اسمان عبارة : المزمّل والمدثّر .
واسمان إشارة : المذكّر والمنذر .
واسمان إشارة : البشير والنذير .
واسمان كرامة : النبي والرسول .
واسمان كناية : طه ويس .
واسمان علامة : محمد صلى الله عليه وآله وأحمد .
واختير أيضاً أربع :
الأول : « الشمس» :
لأنّ من أيام عيسى عليه السلام إلى أيامه كان العالم ظلمانياً من الكفر ، فبلغ شريعته شرقاً وغرباً أشرق من الشمس .
ص: 313
والثاني : « النجم » :
وهو هداية على البلاد ، والنبي صلى الله عليه وآله هداية إلى الرشاد .
والثالث : « السراج » :
فالبيت الظلماني يضي ء بنوره ، فكذلك محبّته تنوّر القلب ، وتوقد من سراج ألف سراج ، ولا تنتقص ، وكذلك استنار العالم من نوره ولم تنقص منه ، والضال في الظلمة يهدى به ، ويأمن أهل الدار .
والرابع : « طه » :
قيل : الطاء طوله ، والهاء هدايته(1) .
الحسن وقتادة قالا : طاء ابتداء اسمه طاهر ، هاء اسمه هادي(2) ، فوضع في ابتداء السورة حرفان من أسمائه حتى إذا قلت : طه ، جرى على لسانك اسمان من أسمائه .
وقالوا : الطاء تسعة ، والهاء خمسة ، فجعلها أربعة عشر كالبدر(3) ، والبدر إذا طلع تشرق الدنيا ، وتسمّى الليالي البيض ، والنبي صلى الله عليه وآله أشرقت به قلوب المؤمنين ووجوههم « يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ » ، وقالت الأنصار :
طلع البدر علينا
من ثنيّات الوداع
وجب الشكر علينا
ما دعا للَّه داع(4)
ص: 314
وسمّاه « النبي » في ثلاثة عشر موضعاً :
[ 1 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ » .
[ 2 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ » .
[ 3 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ » .
[ 4 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ » .
[ 5 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ » .
[ 6 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ » .
[ 7 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ » « إِنَّا جَعَلْناكَ »(1) .
[ 8 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ » .
[ 9 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ » .
[ 10 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ » .
[ 11 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ » .
[ 12 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْواجِكَ » .
[ 13 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ » .
ص: 315
وقد مدح اللَّه لإثني عشر من الأنبياء بإثني عشر نوعاً من الطاعة :
مدح إسحاق ويعقوب عليهما السلام بالطاعة « وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ » .
ولعيسى عليه السلام بالزهادة ، قيل له : لو اتخذت منزلاً ، أو اشتريت دابة ، فقال ما قال .
ولسليمان عليه السلام بالسخاء ، وكان يطعم كلّ يوم سبعمائة جريب من الحواري(1) ، وهو يأكل الحسكل(2) .
ولإبراهيم عليه السلام بالرحمة « إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ » ، وفيه قصّة المجوس الذين أسلموا من ضيافته .
لنوح عليه السلام بالصلابة « رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً » ، وأيضاً من موسى وهارون عليهما السلام « رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ » .
فبالغ نبينا صلى الله عليه وآله في هذه الخصال حتى نهاه عن ذلك :
الاستغفار « اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ » .
المجاهدة « وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ » .
العبادة «طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ » .
الزهد « لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ » ، وفيه حديث مارية ، وعرض عليه مفاتيح الدنيا فأبى .
ص: 316
السخاء « وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً » .
الرحمة « وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ » ، وقال « فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ » .
الصلابة « لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ » « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ » ، وفيه قصّة ابن مكتوم .
الإنذار « نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ » .
عيب آلهتهم « وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ » .
وإنّه - تعالى - أقسم لأجله بخمسة عشر قسماً :
[ 1 ] بهدايته «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى » .
[ 2 ] برسالته « يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ » .
[ 3 ] بوليّ عهده « وَالْعادِياتِ ضَبْحاً » .
[ 4 ] بمعراجه « لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ » .
[ 5 ] بشريعته « إِنَّ الإِْنْسانَ لَفِي خُسْرٍ » .
[ 6 ] بكتابه « ق وَالْقُرْآنِ الَْمجِيدِ » .
[ 7 ] بخلقه « لَقَدْ خَلَقْنَا الإِْنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ » .
[ 8 ] بخلقه « ن وَالْقَلَمِ » .
[ 9 ] بزيادة نوافله «طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ » .
[ 10 ] بطهارته « فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ » .
ص: 317
[ 11 ] ببلده « لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ » .
[ 12 ] بمحبّته « وَالضُّحى وَاللَّيْلِ » .
[ 13 ] بتهديد مؤذيه « كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ » .
[ 14 ] بعقوبة أعدائه « كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ » .
[ 15 ] بعمره « لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ » ، ومن شدّة فرط المحبّة أن يحلف بعمر حبيبه .
وكلّ ما سأل الأنبياء من اللَّه - تعالى - أعطاه بلا سؤال :
آدم عليه السلام « وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا » ، وله صلى الله عليه وآله « لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ » .
نوح عليه السلام « لا تَذَرْ عَلَى الأَْرْضِ » ، وله صلى الله عليه وآله « إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ » .
إبراهيم عليه السلام « وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ » ، وله صلى الله عليه وآله « يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ » .
شعيب عليه السلام « رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا » ، وله صلى الله عليه وآله « إِنَّا فَتَحْنا لَكَ » .
لوط عليه السلام « رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ » ، وله صلى الله عليه وآله « وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ » .
موسى عليه السلام « قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي » ، وله صلى الله عليه وآله « أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ » .
موسى عليه السلام « اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي » ، وله صلى الله عليه وآله « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ » .
ص: 318
وكان له إثنتان وعشرون خاصّية :
[ 1 ] كان أحسن الخلائق « الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ » .
[ 2 ] وأجملهم « لَقَدْ خَلَقْنَا الإِْنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ » .
[ 3 ] وأطهرهم «طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ » .
[ 4 ] وأفضلهم « وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً » .
[ 5 ] وأعزّهم « لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ » .
[ 6 ] وأشرفهم « إِنَّا أَرْسَلْناكَ » .
[ 7 ] وأظهر(1) المعجزة « قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِْنْسُ وَالْجِنُّ » .
[ 8 ] وأهيب الناس «سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ » .
[ 9 ] وأكملهم سعادة « عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ » .
[ 10 ] وأكرمهم كرامة «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى » .
[ 11 ] وأقربهم منزلة « ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى » .
[ 12 ] وأقواهم نصرة « وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً » .
[ 13 ] وأصحّهم رؤيا « لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا » .
[ 14 ] وأكملهم رسالة « اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ » .
[ 15 ] وأحسنهم دعوة « فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ » .
[ 16 ] وأعصمهم عصمة « وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ » .
[ 17 ] وأبعدهم صيتاً « وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ » .
ص: 319
[ 18 ] وأحسنهم خلقاً « وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ » .
[ 19 ] وأبقاهم ولاية « لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ » .
[ 20 ] وأعلاهم خاصّية « لَعَمْرُكَ » .
[ 21 ] وأجلّهم خليفة « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا » .
[ 22 ] وأطهرهم أولاداً «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ » .
[ وضع اللَّه ثلاثة أشياء على هوى الرسول صلى الله عليه وآله ]
وإنّ اللَّه - تعالى - وضع ثلاثة أشياء على هوى الرسول صلى الله عليه وآله :
[ 1 ] الصلاة «وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ » .
[ 2 ] والشفاعة « وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ » .
[ 3 ] والقبلة « فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً » ، كقول الناس : من حبّ فلان لفلان إنّه إن أمره بتحويل القبلة لحوّلها .
وإنّه شاركه مع نفسه في عشرة مواضع :
[ 1 ] « وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ » .
[ 2 ] « أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ » .
[ 3 ] « وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ » .
[ 4 ] « إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ » .
[ 5 ] «اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ » .
[ 6 ] « وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ » .
[ 7 ] « إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ » .
[ 8 ] « فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ » .
[ 9 ] « فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ » .
[ 10 ] « وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ » .
ومن جلالة قدره : إنّ اللَّه نسخ بشريعته سائر الشرائع ، ولم ينسخ شريعته .
ونهى الخلق أن يدعوه باسمه « لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً » .
وإنّما كان ينبغي أن يدعو له : « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ » « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ » .
ص: 321
ولم يأذن بالجهر عليه « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ » .
وإنّ اللَّه - تعالى - أرسل سائر الأنبياء إلى طائفة دون أخرى قوله : « وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ » .
كما قال : « إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ » « وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً » ، « وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً » قرية واحدة لم تكمل أربعين بيتاً ، « وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً » ، ولم تكمل أربعين بيتاً ، « ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ » إلى مصر وحدها ، وأرسل إبراهيم عليه السلام بكوثى ، وهي قرية من السواد ، وكان بعده لإسحاق ويعقوب عليهما السلام في أرض كنعان ، ويوسف عليه السلام في أرض مصر ، ويوشع عليه السلام إلى بني إسرائيل في البريّة ، وإلياس في الجبال(1) .
وأرسل نبينا صلى الله عليه وآله إلى الناس كافة قوله : « نَذِيراً لِلْبَشَرِ » ، والى الجنّ أيضاً .
قوله : « وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ » ، والى الشياطين أيضاً قال صلى الله عليه وآله : إنّ اللَّه أعانني على شيطان حتى أسلم على يدي(2) .
ص: 322
قوله : « وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً » ، وقال صلى الله عليه وآله : بعثت إلى الأحمر والأسود والأبيض(1) ، وقال صلى الله عليه وآله : بعثت إلى الثقلين(2) .
وإنّه علّق خمسة أشياء باتباعه :
[ 1 ] المحبّة « فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ » .
[ 2 ] [ المغفرة ] « وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ » .
[ 3 ] والفلاح « وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ »(3) « تُفْلِحُونَ » .
[ 4 ] والهداية « فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى » .
[ 5 ] والرحمة « فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ » . . الآية .
المقام أربعة :
مقام الشوق لشعيب عليه السلام حيث بكى من خوف اللَّه .
ومقام السلام لإبراهيم عليه السلام « إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » .
ص: 323
ومقام المناجاة لموسى عليه السلام « وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا » .
ومقام المحبّة للنبي صلى الله عليه وآله « فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ » .
وسمّى اللَّه - تعالى - نوحاً عليه السلام شكوراً « إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً » ، وإبراهيم عليه السلام حليماً « إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ » ، وموسى عليه السلام كليماً « وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً » .
وجمع له كما جمع لنفسه : فقال : « إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ » ، وله « بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ » .
قيل : هما واحد .
وقيل : الرؤوف شدّة الرحمة ، رؤوف بالمطيعين ، رحيم بالمذنبين ، رؤوف بأقربائه ، رحيم بأصحابه ، رؤوف بعترته ، رحيم بأمّته ، رؤوف بمن رآه ، رحيم بمن لم يره(1) .
وإنّه مدح كلّ عضو من أعضائه :
نفسه « لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ » .
رأسه « يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ » .
ص: 324
شعره « وَاللَّيْلِ إِذا سَجى » .
عينه « لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ » .
بصره « ما زاغَ الْبَصَرُ » .
اُذنه « وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ » .
لسانه « فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ » .
كلامه « وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى » .
وجهه « قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ » .
خدّه «وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ » .
فؤاده « ما كَذَبَ الْفُؤادُ » .
قلبه « عَلى قَلْبِكَ » .
صدره « أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ » .
ظهره « الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ » .
يده « وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ » .
قيامه « حِينَ تَقُومُ » .
صوته « فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ » .
رجله «طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ » يعني : طأ الأرض بقدميك(1) .
روحه « لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ » .
خلقه « وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ » .
ثوبه « وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ » .
ص: 325
علمه « وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ » .
صلاته « فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ » .
صومه «إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ » .
كتابه « وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ » .
دينه « دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ » .
أمّته « كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ » .
قبلته « فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً » .
بلده « لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ » .
قضاياه « إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً »
جنده « وَالْعادِياتِ ضَبْحاً » .
عزّته « وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ » .
عصمته «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ »
شفاعته « لَعَلَّكَ تَرْضى » .
صلابته « بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ » .
وصيّه « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ » .
أهل بيته « لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ » .
وإنّما سمّاه نوراً « قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ » ، وسمّاه ظلّا « أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ » ، فبنوره يضي ء البلاد ، وبظلّه يعيش العباد .
ص: 326
وقال لسائر الأنبياء : « فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ » ، وقال له : « وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا » .
قوله : « وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ » ، الملوك لهم عيش بلا دين ، والملائكة لهم دين بلا عيش ، فأعطاه اللَّه عيش الملوك ودين الملائكة .
قوله : « طسم » يقال : طا شجرة طوبى ، وسين سدرة المنتهى ، وميم محمد المصطفى(1) صلى الله عليه وآله .
وسئل : إنّ اللَّه - تعالى - سمّاه سراجاً منيراً ، والشمع أنور .
الجواب : إنّ الشمع للأغنياء ، والسراج للفقراء ، فلم يحرمهم من نوره .
والشمس للظاهر لا للباطن ، وتضي ء بالنهار دون الليل ، وتخفى يوم الغيم ، والسراج تعمّ ذلك .
ص: 327
قوله : « أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى » من كنت له أميناً فلا يكون يتيماً .
« أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ » ، وإن مات أبواك فأنا الحي الذي لا أموت ، أربيك كما "لا" يربيان « قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ » .
وأرزقك كما "لا" يرزقان « نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ » .
وهكذا للحفظ « وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » .
وللمدح « وَسِراجاً مُنِيراً » .
وللنصرة « هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ » .
وللتزويج « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ » .
وللمحبّة « ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ » .
وللقربة « ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى » .
وللعفو « لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ » .
وللآخرة « وَلَلآْخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُْولى » .
فأيّ الأبوين يقيم بجميع ذلك ؟ ومع هذا جعلت الدارين تحت ختمك « لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ » في الدنيا و « عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ » في العقبى .
قوله : « وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ » ، جابر وأبو هريرة : إنّ النبي صلى الله عليه وآله قال : وإنّما مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى داراً فأكملها وأحسنها إلّا موضع لبنة ،
ص: 328
فجعل الناس يدخلونها ويعجبون بها، ويقولون: هلّا وضعت هذه اللبنة ؟ فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين(1) .
قوله : « وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ » ، لأنّ كلّ نبي جاء بعقوبة ، كنوح وهود وشعيب وصالح عليهم السلام ، وإنّه جاء بالرحمة .
فبحرمته سلم الكافر من العقوبة ، والمنافق من السيف في الدنيا ، فلا غرو أن ينجو المؤمن من النار في العقبى « وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ » .
قوله : « النَّبِيَّ الأُْمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ » ، وقال صلى الله عليه وآله : نحن أمّة أميّة لا نكتب ولا نحسب .
وقيل : أمّي منسوبة إلى أمّته ، يعني جماعة عامّة ، والعامّة لا تعلم الكتابة .
ويقال : سمّى بذلك لأنّه من العرب ، وتدعى العرب الأمّيون ، قوله : « هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُْمِّيِّينَ » .
وقيل : لأنّه يقول يوم القيامة : أمّتي أمّتي .
ص: 329
وقيل : لأنّه الأصل ، وهو بمنزلة الاُم "التي" يرجع الأولاد إليها ، ومنه أمّ القرى .
وقيل : لأنّه لاُمّته بمنزلة الوالدة الشفيقة بولدها ، فإذا نودي في القيامة يوم « يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ » تمسّك بأمّته .
وقيل : منسوبة إلى أمّ ، وهي لا تعلم الكتابة ، لأنّ الكتابة من أمارات الرجال .
وقالوا : نسب إلى أمّه يعني الخلقة .
قال الأعشى :
وإنّ معاوية الأكرمين
حسان الوجوه طوال الأمم(1)
قال المرتضى في قوله : « وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ » . . الآية ، ظاهر الآية يقتضي نفي الكتابة والقراءة بما قبل النبوة دون ما بعدها ، ولأنّ التعليل في الآية يقتضي اختصاص النفي بما قبل النبوة ، لأنّهم إنّما يرتابون في نبوته لو كان يحسنها قبل النبوة ، فأمّا بعدها فلا تعلّق له بالريبة ، فيجوز أن يكون تعلّمها من جبرئيل عليه السلام بعد النبوة ، ويجوز أن لا يتعلّم فلا يعلم(2) .
قال الشعبي وجماعة من أهل العلم : ما مات رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حتى كتب وقرأ(3) .
ص: 330
وفي حديث محمد بن علي الرضا عليه السلام في قوله : « هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُْمِّيِّينَ » ، فكيف كان يعلّمهم ما لا يحسن ؟ واللَّه لقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقرأ ويكتب بإثنين وسبعين - أو قال : ثلاثة وسبعين - لساناً(1) .
وقد شهر في الصحاح والتواريخ قوله صلى الله عليه وآله : ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً .
قوله : « مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ » ، قد سمّاه بهذا الاسم في أربعة مواضع :
« وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ » .
« ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ » .
« وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ » .
و« مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ » .
وما اجتمع قوم قطّ في مشورة وفيهم رجل اسمه محمد فلم يدخلوه في مشورتهم إلّا لم يبارك فيهم(1) .
قال أهل الإشارات : « الميم » ميثاق اللَّه على الأنبياء لأجله ، قوله : « وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ » .
و« الحاء » حبّه في قلوب المرسلين ، وتقلّبه في أصلاب الطاهرين « الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ » .
و« الميم الثاني » مرتبته في كتب الأنبياء « النَّبِيَّ الأُْمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الإِْنْجِيلِ » .
و« الدال » دولته إلى الأبد .
قوله : أنا دعوة إبراهيم ، وبشارة عيسى ، ورؤيا أمّي(2) .
* * *
وقيل : « الميم الأول » فإنّه المعرفة ، أعطاه اللَّه المعرفة بعلم الأولين والآخرين .
وأمّا « الحاء » فإنّ اللَّه - تعالى - أحيى المسلمين على يديه من الكفر بالإسلام حيث قال : « وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ » .
ص: 332
و« الميم الثاني » أعطاه اللَّه مملكة لم يعط أحداً مثل ذلك .
وأمّا « الدال » فهو الدليل لجميع الخلائق إلى الفردوس .
* * *
وقيل : امح الشرائع ، ومدّ شريعتك .
و"قيل :" محى الشرك ومدّ الإسلام .
* * *
وقيل : « ميم » ملكه الممدود ، « حاء » حوضه المورود ، « ميم » مقامه المحمود ، « دال » دينه المشهود .
* * *
وقيل : لم يكن لموسى عليه السلام من اسمه إلّا حرفاً ، فسلم من الغرق ، ولا لنوح عليه السلام إلّا حرفاً ، فسلم من الطوفان ، ولا لسليمان عليه السلام إلّا حرفاً ، فوجد الملك ، ولا لداود عليه السلام إلّا حرفاً ، فوجد الملك ، فمن له كذا اسماً ألا ينجو من النار ، ولا يصل إلى الجنة ؟
* * *
الأمّة بأسرها وجدوا حرفاً من اسمه ، والإمامية وجدوا حرفين ، فأخذوا الشريعة بطرفيها .
* * *
وإنّ اللَّه خلق صورة بني آدم على صورة اسمه :
فالميم بمنزلة الرأس .
والحاء بمنزلة اليدين .
ص: 333
والميم بمنزلة البطن .
والدال بمنزلة الرجلين .
فلمّا خلق الخلق على صورة اسمه اليوم ، فيرجى أن يحشرهم في زمرته غداً ، ويرحمهم بشفاعته « وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى » .
* * *
قال سيبويه : أحمد على وزن « أفعل » يدلّ على فضله على سائر الأنبياء ، لأنّه ألف التفضيل(1) .
ومحمد على وزن « مفعل » ، والأنبياء محمودون ، فهو أكثر حمداً من المحمود ، والتشديد للمبالغة يدلّ على أنّه كان أفضلهم .
أنس : قال رجل في السوق : يا أبا القاسم ، فالتفت إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فقال الرجل : إنّما أدعو ذلك الرجل ، فقال صلى الله عليه وآله : سمّوا باسمي ، ولا تكنّوا بكنيتي(2) .
أبو هريرة : إنّه قال : لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي ، أنا أبو القاسم ، اللَّه يعطي(3) وأنا أقسم(4) .
ص: 334
وروي أنّ قريشاً لمّا بنت البيت ، وأرادت وضع الحجر ، تشاجروا في وضعه حتى كاد القتال يقع ، فدخل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقالوا : يا محمد الأمين قد رضينا بك .
فأمر بثوب فبسط ، ووضع الحجر في وسطه ، ثم أمر من كلّ فخذ من أفخاذ قريش أن يأخذ جانب الثوب ، ثم رفعوا ، فأخذه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بيده فوضعه(1) .
ويروى أنّه كان يسمّى الأمين قبل ذلك بكثير(2) ، وهو الصحيح .
وفي الحساب : سيد النبيين صلى الله عليه وآله : وزنه المصطفى محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، لأنّ عدد كلّ واحد منهما استويا في سبعمائة وأربعة عشر .
ص: 335
ص: 336
ص: 337
ص: 338
ابن عباس والسدي : لمّا نزل قوله تعالى : « إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ » قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : ليتني أعلم متى يكون ذلك ، فنزلت سورة النصر ، فكان يسكت بين التكبير والقراءة بعد نزولها فيقول : سبحان اللَّه وبحمده أستغفر اللَّه وأتوب إليه ، فقيل له في ذلك فقال : أما أنّ نفسي نعيت إليّ .
ثم بكى بكاءاً شديداً ، فقيل : يا رسول اللَّه ، أو تبكي من الموت وقد غفر اللَّه لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : فأين هول المطلع ؟! وأين ضيقة القبر وظلمة اللحد ؟! وأين القيامة والأهوال ؟!
فعاش بعد نزول هذه السورة عاماً(1) .
الأسباب والنزول عن الواحدي : أنّه روى عكرمة عن ابن عباس قال : لمّا أقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من غزوة حنين ، وأنزل اللَّه سورة الفتح ، قال : يا علي بن أبي طالب ويا فاطمة « إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ » إلى آخر السورة(2) .
ص: 339
وقال السدي وابن عباس : ثم نزلت « لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ » الآية ، فعاش بعدها ستة أشهر .
فلمّا خرج إلى حجّة الوداع نزلت عليه في الطريق : « يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ » الآية ، فسمّيت آية الصيف .
ثم نزلت عليه وهو واقف بعرفة : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » ، فعاش بعدها واحداً وثمانين يوماً .
ثم نزلت عليه آيات الربا .
ثم نزلت بعدها : «وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ » ، وهي آخر آية نزلت من السماء ، فعاش بعدها واحداً وعشرين يوماً .
قال ابن جريج : تسع ليال .
وقال ابن جبير ومقاتل : سبع ليال(1) .
وقال اللَّه - تعالى - تسلية للنبي صلى الله عليه وآله : « وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ » .
وقال : « وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ » .
ولمّا مرض النبي صلى الله عليه وآله مرضه الذي توفي فيه ، وذلك يوم السبت - أو يوم
ص: 340
الأحد - من صفر ، أخذ بيد علي عليه السلام ، وتبعه جماعة من أصحابه ، وتوجه إلى البقيع ، ثم قال :
السلام عليكم أهل القبور ، وليهنكم ما أصبحتم فيه ممّا فيه الناس ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع آخرها أوّلها ، إنّ جبرئيل كان يعرض عليّ القرآن كلّ سنة مرّة ، وقد عرضه عليّ العام مرّتين ، ولا أراه إلّا لحضور أجلي .
ثم خرج يوم الأربعاء معصوب الرأس ، متكئاً على علي عليه السلام بيمنى يديه ، وعلى الفضل باليد الأخرى ، فصعد المنبر ، فحمد اللَّه وأثنى عليه ، ثم قال :
أمّا بعد ، أيّها الناس ، فإنّه قد حان منّي خفوق من بين أظهركم ، فمن كانت له عندي عدة فليأتني أعطه إياها ، ومن كان له عليّ دين فليخبرني به .
فقام رجل ، فقال : يا رسول اللَّه ، إنّ لي عندك عدة ، إنّي تزوّجت فوعدتني أن تعطيني ثلاثة أواقي .
فقال إيماء : انحلها يا فضل ، ثم نزل(1) .
ص: 341
فلمّا كان يوم الجمعة صعد المنبر فخطب ، ثم قال :
معاشر أصحابي ، أيّ نبي كنت لكم ؟ ألم أجاهد بين أظهركم ؟ ألم تكسر رباعيتي ؟ ألم يعفر جبيني ؟ ألم تسل الدماء على حرّ وجهي ؟ ألم أكابد الشدّة والجهد مع جهال قومي ؟ ألم أربط حجر المجاعة على بطني ؟ .
فقالوا : بلى يا رسول اللَّه .
قال : إنّ ربّي حكم ، وأقسم ألا يجوزه ظلم ظالم ، فأنشدكم اللَّه أيّ رجل كانت له قبل محمد مظلمة إلّا قام ، فالقصاص في دار الدنيا أحبّ إليّ من القصاص في دار الآخرة على رؤوس الملائكة والأنبياء .
فقام إليه رجل يقال له « سوادة بن قيس » ، فقال : إنّك لمّا أقبلت من الطائف استقبلتك ، وأنت على ناقتك العضباء ، وبيدك القضيب الممشوق ، فرفعت القضيب ، وأنت تريد الراحلة ، فأصاب بطني ، فقال صلى الله عليه وآله لبلال : قم إلى منزل فاطمة عليها السلام ، فأتيني بالقضيب الممشوق .
فلمّا مضى إليها سألت فاطمة عليها السلام : وما يريد به ؟ قال : أما علمت أنّه يودّع أهل الدين والدنيا ، فصاحت وهي تقول : وا غمّاه لغمّك يا أبتاه .
فلمّا ورد إليه قال : أين الشيخ ؟ قال : ها أنا ذا يا رسول اللَّه ، بأبي أنت وأمّي ، فقال : فاقتص حتى ترضى ، فقال الشيخ : فاكشف لي عن بطنك ، ثم قال : أتأذن لي أن أضع فمي على بطنك ؟ فأذن له ، فقال : أعوذ بموضع القصاص من بطن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله .
فقال : اللّهم اعف عن سوادة بن قيس كما عفى عن نبيك محمد .
ص: 342
وقال صلى الله عليه وآله : لم يمت نبي قطّ إلّا خلّف تركة ، وقد خلّفت فيكم الثقلين : كتاب اللَّه ، وعترتي .
ثم دخل بيت أم سلمة قائلاً : ربّ سلّم أمّة محمد صلى الله عليه وآله من النار ، ويسّر عليهم الحساب(1) .
ابن بطّة والطبري ومسلم والبخاري واللفظ له : أنّه سمع ابن عباس يقول : يوم الخميس ! وما يوم الخميس ! ثم بكى حتى بلّ دمعه الحصى .
فقيل له : وما يوم الخميس ؟!
فقال : اشتدّ برسول اللَّه صلى الله عليه وآله وجعه يوم الخميس ، فقال : ائتوني بداوة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً .
فتنازعوا - ولا ينبغي عند نبي تنازع - فقالوا : هجر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله !!!
وفي رواية مسلم والطبري قالوا : إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يهجر(2) !!!
[ وقال ] يونس الديلمي(3) :
وصّى النبي فقال قائلهم
قد ظلّ يهجر سيد البشر(4)
ص: 343
البخاري ومسلم في خبر أنّه قال عمر : النبي صلى الله عليه وآله قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب اللَّه !!
فاختلف أهل ذلك البيت واختصموا ، منهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً .
ومنهم من يقول : القول ما قال عمر !!
فلمّا كثر اللغظ والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : قوموا .
فكان ابن عباس يقول : إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم(1) .
مسند أبي يعلى وفضائل أحمد عن أم سلمة في خبر : والذي تحلف به أم سلمة ، إنّه كان آخر الناس عهداً برسول اللَّه صلى الله عليه وآله علي عليه السلام ، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بعثه في حاجة غداة قبض ، فكان يقول : جاء علي ؟ ثلاث مرات .
قال : فجاء قبل طلوع الشمس ، فخرجنا من البيت لمّا عرفنا أنّ له إليه حاجة ، فأكبّ عليه علي عليه السلام ، فكان آخر الناس به عهداً ، وجعل يسارّه ويناجيه(2) .
ص: 344
الطبري في الولاية ، والدار قطني في الصحيح ، والسمعاني في الفضائل ، وجماعة من رجال الشيعة عن الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن ، وعبد اللَّه بن العباس ، وأبي سعيد الخدري ، وعبد اللَّه بن الحارث ، واللفظ للصحيح :
إنّ عائشة قالت : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله - وهو في بيتها - لمّا حضره الموت : ادعوا لي حبيبي ، فدعوت له أبا بكر ، فنظر إليه ، ثم وضع رأسه .
ثم قال : ادعوا لي حبيبي ، فدعوت له عمر ، فلمّا نظر إليه قال : ادعوا لي حبيبي .
فقلت : ويلكم ادعوا له علي بن أبي طالب ، فواللَّه ما يريد غيره .
فلمّا رآه أفرج له الثوب الذي كان عليه ، ثم أدخله فيه ، ولم يزل يحتضنه حتى قبض ، ويده عليه(1) .
أحمد في مسنده عن ابن عباس : لمّا مرض رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مرضه الذي مات فيه ، قال : ادعوا لي علياً .
قالت عائشة : ندعوا لك أبا بكر ؟
قالت حفصة : ندعوا لك عمر ؟
قالت أم الفضل : ندعوا لك العباس ؟
ص: 345
فلمّا اجتمعوا رفع رأسه ، فلم ير علياً عليه السلام ، فسكت .
فقال عمر : قوموا عن رسول اللَّه(1) . . الخبر .
ومن طريقة أهل البيت عليهم السلام : إنّ عائشة دعت أباها ، فأعرض عنه ، ودعت حفصة أباها ، فأعرض عنه ، ودعت أم سلمة علياً عليه السلام ، فناجاه طويلاً ، ثم أغمي عليه .
فجاء الحسن والحسين عليهما السلام يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وأراد علي عليه السلام أن ينحّيهما عنه ، فأفاق رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ثم قال : يا علي ، دعهما أشمّهما ويشمّاني ، وأتزوّد منهما ويتزوّدان منّي .
ثم جذب علياً عليه السلام تحت ثوبه ، ووضع فاه على فيه ، وجعل يناجيه(2) .
فلمّا حضره الموت قال له : ضع رأسي - يا علي - في حجرك ، فقد جاء أمر اللَّه ، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك ، وامسح بها وجهك ، ثم وجّهني إلى القبلة ، وتولّ أمري ، وصلّ عليّ أول الناس ، ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي ، واستعن باللَّه - عزّ وجلّ - .
وأخذ علي عليه السلام برأسه فوضعه في حجره ، وأغمي عليه ، فبكت فاطمة عليها السلام ، فأومى إليها بالدنو منه، فأسرّ إليها شيئاً تهلّل وجهها .. القصّة.
ص: 346
ثم قضى ، ويد أمير المؤمنين عليه السلام(1) اليمنى تحت حنكه ، ففاضت نفسه فيها ، فرفعها إلى وجهه ، فمسحه بها ، ثم وجّهه ، ومدّ عليه أزاره ، واستقبل بالنظر في أمره(2) .
وروى أنّه قال جبرئيل عليه السلام : إنّ ملك الموت يستأذن عليك ، وما استأذن أحداً قبلك ولا بعدك .
فأذن له ، فدخل وسلّم عليه ، وقال : يا أحمد ، إنّ اللَّه - تعالى - بعثني إليك لأطيعك ، أقبض أو أرجع ؟ فأمره فقبض(3) .
الباقر عليه السلام : لمّا حضرت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله الوفاة نزل جبرئيل عليه السلام ، فقال : يا رسول اللَّه ، تريد الرجوع إلى الدنيا ؟ قال : لا ، وقد بلّغت .
ثم قال له : يا رسول اللَّه ، تريد الرجوع إلى الدنيا ؟ قال : لا ، الرفيق الأعلى(4) .
ص: 347
الصادق عليه السلام : قال جبرئيل عليه السلام : يا محمد ، هذا آخر نزولي إلى الدنيا ، إنّما كنت أنت حاجتي منها(1) .
وروي : أنّه انسلّ(2) علي عليه السلام من تحت ثيابه ، وقال : عظّم اللَّه أجوركم في نبيكم .
فقيل له : ما الذي ناجاك به رسول اللَّه صلى الله عليه وآله تحت ثيابه ؟ فقال : علّمني ألف باب من العلم ، فتح لي من كلّ باب ألف باب ، وأوصاني بما أنا به قائم إن شاء اللَّه(3) .
أبو عبد اللَّه بن ماجة في السنن ، وأبو يعلى الموصلي في المسند : قال أنس : كانت فاطمة عليها السلام تقول لمّا ثقل النبي صلى الله عليه وآله : أتاه جبرئيل ينعاه ، فقالت فاطمة : يا أبتاه ! من ربّه ما أدناه ، يا أبتاه ! جنّة الفردوس مأواه ، يا أبتاه ! أجاب ربّاً دعاه(4) .
ص: 348
الكافي : اجتمعت نسوة بني هاشم ، وجعلن يذكرن النبي صلى الله عليه وآله ، فقالت فاطمة عليها السلام : اتركن التعداد ، وعليكن بالدعاء(1) .
وقال النبي صلى الله عليه وآله : يا علي ، من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي ، فإنّها من أعظم المصائب(2) .
وأنشأ أمير المؤمنين عليه السلام :
الموت لا والد يبقي ولا ولدا
هذا السبيل إلى أن لا ترى أحدا
هذا النبي ولم يخلد لأمّته
لو خلّد اللَّه خلقاً قبله خلدا
للموت فينا سهام غير خاطئة
من فاته اليوم سهم لم يفته غدا(3)
* * *
[ وقالت ] الزهراء عليها السلام :
إذا مات قرم(4) قلّ واللَّه ذكره
وذكر أبي مذ مات واللَّه أزيد
تذكرت لمّا فرّق الموت بيننا
فعزّيت نفسي بالنبي محمد
فقلت لها إنّ الممات سبيلنا
ومن لم يمت في يومه مات في غد
ص: 349
[وقال ] ديك الجن(1) :
تأمّل إذا الأحزان فيك تكاثرت
أعاش رسول اللَّه أم ضمّه القبر
* * *
[ وقال ] إبراهيم بن المهدي(2) :
اصبر لكلّ مصيبة وتجلّد
واعلم بأنّ المرء غير مخلّد
أو ما ترى أنّ الحوادث جمّة
وترى المنية للرجال بمرصد
فإذا ذكرت مصيبة تشجى بها
فاذكر مصابك بالنبي محمد(3)
* * *
ولغيره :
فلو كانت الدنيا يدوم بقاؤها
لكان رسول اللَّه فيها مخلّدا
ص: 350
تاريخ الطبري ، وإبانة العكبري ، قال ابن مسعود : قيل للنبي صلى الله عليه وآله : من يغسلك يا رسول اللَّه ؟ قال : أهلي الأدنى(1) .
حلية الأولياء ، وتاريخ الطبري : إنّ علي بن أبي طالب عليهما السلام كان يغسل النبي صلى الله عليه وآله ، والفضل يصبّ الماء عليه ، وجبرئيل يعينهما ، وكان علي عليه السلام يقول : ما أطيبك حيّاً وميتاً(2) .
مسند الموصلي في خبر عن عائشة : ثم خلّوا بينه وبين أهل بيته ، فغسله علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأسامة بن زيد(3) .
الصفواني في الإحن والمحن بإسناده عن إسماعيل بن عبد اللَّه عن أبيه عن علي عليه السلام قال : أوصاني رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : إذا أنا متّ ، فاغسلني بسبع قرب من بئري - بئر غرس(4) - .
إبانة ابن بطّة قال يزيد بن بلال : قال علي عليه السلام : أوصى النبي صلى الله عليه وآله أن لا يغسله أحد غيري ، فإنّه لا يرى أحد عورتي إلّا طمست عيناه .
ص: 351
قال : فما تناولت عضواً إلّا كأنّما كان يقلبه معي ثلاثون رجلاً حتى فرغت من غسله(1) .
وروي : أنّه لمّا أراد علي عليه السلام غسله استدعى الفضل بن عباس ليعينه ، وكان مشدود العينين ، وقد أمره علي عليه السلام بذلك إشفاقاً عليه من العمى(2) .
* * *
[ قال ] الحميري :
هذا الذي وليّته عورتي
ولو رأى عورتي سواه عمى
* * *
وله [ أيضاً ] :
من ذا تشاغل بالنبي وغسله
ورأى عن الدنيا بذاك عزاء
* * *
[ وقال ] العبدي(3) :
من ولى غسل النبي ومن
لفّفه من بعده في الكفن
* * *(4)
ص: 352
[ وقال ] السروجي(1) :
غسّله إمام صدق طاهر
من دنس الشرك وأسباب الغير
فأورث اللَّه علياً علمه
وكان من بعد إليه يفتقر
* * *
[ وقال ] غيره :
كان بغسل النبي مشتغلاً
فافتتنوا والنبي لم يقبر
ص: 353
وقال أبو جعفر عليه السلام : قال الناس : كيف الصلاة عليه ؟
فقال علي عليه السلام : إنّ رسول اللَّه إمام حيّاً وميتاً ، فدخل عليه عشرة عشرة .
فصلّوا عليه يوم الإثنين ، وليلة الثلاثاء حتى الصباح ، ويوم الثلاثاء ، حتى صلّى عليه الأقرباء والخواص(1) .
ولم يحضر أهل السقيفة !! وكان علي عليه السلام أنفذ إليهم بريدة ، وإنّما تمّت بيعتهم بعد دفنه(2) .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : إنّما نزلت هذه الآية في الصلاة عليّ بعد قبض اللَّه لي : « إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ »(3) . . الآية .
وسئل الباقر عليه السلام : كيف كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله ؟ فقال : لمّا غسله أمير المؤمنين عليه السلام وكفّنه سجّاه ، وأدخل عليه [ عشرة ] عشرة ، فداروا حوله ، ثم وقف أمير المؤمنين عليه السلام في وسطهم ، فقال : « إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ » . . الآية ، فيقول القوم مثل ما يقول ، حتى صلّى عليه أهل المدينة وأهل العوالي(4) .
ص: 354
واختلفوا أين يدفن ؟
فقال بعضهم : في البقيع .
وقال آخرون : في صحن المسجد .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ اللَّه لم يقبض نبيه إلّا في أطهر البقاع ، فينبغي أن يدفن في البقعة التي قبض فيها .
فاتفقت الجماعة على قوله ، ودفن في حجرته(1) .
تاريخ الطبري في حديث ابن مسعود : قلنا : فمن يدخلك قبرك يا نبي اللَّه ؟ قال : أهلي(2) .
وقال الطبري وابن ماجة : الذي نزل في قبر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب ، والفضل ، وقثم ، وشقران(3) .
ولهذا قال أمير المؤمنين عليه السلام : أنا الأول ، أنا الآخر(4) .
* * *
ص: 355
[ قال ] الحميري :
وكفاه تغسيله وحده أحمد
ميتاً ووضعه في اللحد
* * *
[ وقال ] العبدي :
من كان صنو النبي غير علي
من غسّل الطهر ثم واراه
* * *
[ وقال ] العوني(1) :
من غسل المرسل من أنزله
في لحده وعنه للدين قضى
* * *
وأنشأ أمير المؤمنين عليه السلام :
نفسي على زفراتها محبوسة
يا ليتها خرجت مع الزفرات
لا خير بعدك في الحياة وإنّما
أخشى مخافة أن تطول حياتي(2)
* * *
وله عليه السلام :
أمن بعد تكفين النبي ودفنه
بأثوابه آسى على هالك ثوى
ص: 356
رزئنا رسول اللَّه فينا فلن نرى
بذاك عديلاً ما حيينا من الورى
وكان لنا كالحصن من دون أهله
لهم معقل حرز حريز من العدى
وكنّا به شمّ الأنوف بنحوه
على موضع لا يستطاع ولا يرى
فيا خير من ضمّ الجوانح والحشا
ويا خير ميت ضمّه الترب والثرى
كأنّ أمور الناس بعدك ضمّنت
سفينة موج البحر والبحر قد طمى
وضاق فضاء الأرض عنهم برحبه
لفقد رسول اللَّه إذ قيل قد قضى
فيا حزناً أنّا رأينا نبينا
على حين تمّ الدين واشتدّت القوى
وكان الألى شبهته سفر ليلة
أضلّ الهدى لا نجم فيها ولا ضوى(1)
* * *
[ وله عليه السلام عند زيارة سيد الأنام :
ما غاض دمعي عند نائبة
إلّا جعلتك للبكا سببا
ص: 357
وإذا ذكرتك سامحتك به
منّي الجفون ففاض وانسكبا
إنّي أجلّ ثرى حللت به
عن أن أرى بسواه مكتئبا ]
* * *
[ وله عليه السلام :
فقد نزلت بالمسلمين مصيبة
كصدع الصفا لا شعب للصدع في الصفا
فلن يستقلّ الناس تلك مصيبة
ولن يجبر العظم الذي منهم وهى
وفي كلّ وقت للصلاة يهيجه
بلال ويدعو باسمه كلّما دعا
ويطلب أقوام مواريث هالك
وفينا مواريث النبوة والهدى ]
* * *
وله عليه السلام :
إلى اللَّه أشكو لا إلى الناس اشتكي
أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب
أخلاي لو غير الحمام أصابكم
عتبت ولكن ما على الموت معتب
* * *
ص: 358
وله [ أيضاً ] عليه السلام :
ألا طرق الناعي بليل فراعني
وأرّقني لمّا استقل مناديا
فقلت له لمّا سمعت الذي نعي
أغير رسول اللَّه إن كنت ناعيا
فخفق ما أشفقت منه فلم أجد
وكان خليلي عزّتي وجماليا
فواللَّه ما أنساك أحمد ما مشت
بي العيس في أرض وجاوزت واديا
وكنت متى اهبط من الأرض تلعة
أجد أثراً منه جديداً وباليا
شجاعاً تشطّ(1) الخيل عنه كأنّما
يزين به ليثاً عليهن عاديا
* * *
وله [ أيضاً ] عليه السلام :
ألا يا رسول اللَّه كنت رجائيا
وكنت بنا برّاً ولم تك جافيا
كأنّ على قلبي لذكر محمد
وما جاء من بعد النبي المكاويا
ص: 359
أفاطم صلّى اللَّه ربّ محمد
على جدث أمسى بيثرب ثاويا
فدى لرسول اللَّه أمّي وخالتي
وعمّي وزوجي ثم نفسي وخاليا
فلو أنّ ربّ العرش أبقاك بيننا
سعدنا ولكن أمره كان ماضيا
عليك من اللَّه السلام تحيّة
وأدخلت جنات من العدن راضيا
* * *
وقالت الزهراء عليها السلام:
قل للمغيّب تحت أطباق الثرى
إن كنت تسمع صرختي وندائيا
صبّت عليّ مصائب لو أنّها
صبّت على الأيام صرن لياليا
قد كنت ذات حمى بظلّ محمد
لا أخش من ضيم وكان جماليا
فاليوم أخشع للذليل واتقي
ضيمي وادفع ظالمي بردائيا
فإذا بكت قمرية في ليلها
شجناً على غصن بكيت صباحيا
فلأجعلن الحزن بعدك مؤنسي
ولأجعلن الدمع فيك وشاحيا
ماذا على من شمّ تربة أحمد
أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا(1)
* * *
ص: 360
ولها عليها السلام :
كنت السواد لمقلتي
يبكي عليك الناظر
من شاء بعدك فليمت
فعليك كنت أحاذر
* * *
ولها [ أيضاً ] عليها السلام :
نعت نفسها الدنيا اليكم(1) وأسرعت
ونادت ألا جدّ الرحيل وودعت
* * *
ولها عليها السلام وقد ضمنت أبياتاً وتمثّلت بها :
قد كنت لي جبلاً ألوذ بظلّه
فاليوم تسلمني لاجرد صاحي
قد كنت جار حميّتي ما عشت لي
واليوم بعدك من يريش جناحي
واغضّ من طرفي واعلم أنّه
قد مات خير فوارسي وسلاحي
حضرت منيته فأسلمني العزا
وتمكّنت ريب المنون جواحي
نشر الغراب عليّ ريش جناحه
فظللت بين سيوفه ورماحي
إنّي لأعجب من يروح ويغتدي
والموت بين بكوره ورواحي
فاليوم أخضع للذليل واتقي
ذلّي وادفع ظالمي بالراح
وإذا بكت قمرية شجناً بها
ليلاً على غصن بكيت صباحي
فاللَّه صيّرني على ما حلّ بي
مات النبي قد انطفى مصباحي
ص: 361
وقالت أم سلمة رضي اللَّه عنها :
فجعنا بالنبي وكان فينا
إمام كرامة نعم الإمام
وكان قوامنا والرأس منّا
فنحن اليوم ليس لنا قوام
ننوح ونشتكي ما قد لقينا
ويشكو فقدك البلد الحرام
فلا تبعد فكلّ فتى كريم
سيدركه وإن كره الحمام
* * *
[ وقالت ] صفية بنت عبد المطلب :
يا عين جودي بدمع منك منحدر
ولا تملّي وبكّي سيد البشر
بكّي الرسول فقد هدّت مصيبته
جميع قومي وأهل البدو والحضر
ولا تملّي بكاك الدهر معولة
عليه ما غرّد القمري في السحر
* * *
[ وقال ] سالم بن زهير المحاربي :
أفاطم بكّي ولا تسأمي
فقد فاتك الماجد الطيب
جوى حلّ بين الحشا والشغاف
فخيّم فيه فلا يذهب
فيا عين ويحك لا تهجعي
وما بال دمعك لا يسكب
فمن ذا لك الويل بعد الرسول
يبكي من الناس أو يندب
* * *
[ وقال ] كعب بن مالك :
ألا أنعى النبي إلى العالمينا
جميعاً ولا سيما المسلمينا
ألا أنعى النبي لأصحابه
وأصحاب أصحابه التابعينا
ص: 362
ألا أنعى النبي إلى من هدى
من الجن ليلة إذ يسمعونا
لفقد النبي إمام الهدى
وفقد الملائكة المنزلينا
* * *
[ وقال ] حسان بن ثابت :
إنّ الرزية لا رزية مثلها
ميت بطيبة مثله لم يفقد
ميت بطيبة أشرقت لحياته
ظلم البلاد لمتهم أو منجد
والكوكب الدري أصبح آفلاً
بالنور بعد تبلّج وتصعّد
للَّه ما ضمنت حفيرة قبره
منه وما فقدت سواري المسجد
* * *
وله [ أيضاً ] :
بطيبة رسم للرسوم ومعهد
أضحى تعفّيه الرسوم وتمهد
ولا تمتحي الآيات من دار حرمة
بها منبر الهادي الذي كان يصعد
وواضح آيات وباقي معالم
وربع له فيه مصلّى ومسجد
عرفت بها رسم الرسول وعهده
وقبراً بها واراه في الترب ملحد
وما فقد الماضون مثل محمد
ولا مثله حتى القيامة يفقد
* * *
ص: 363
ص: 365
ص: 366
[ تمّ الجزء الأوّل ويتلوه الجزء الثاني باب الإمامة إن شاء اللَّه ، والحمد للَّه ربّ العالمين ، وصلاته على سيّدنا محمد النبي وآله الطاهرين وسلّم تسليماً .
وافق الفراغ من نسخه يوم السبت سادس عشر شهر رجب من سنة تسعة وثمانين وخمس مائة ، كتبه العبد الفقير الى رحمة ربّه وشفاعة نبيه محمد صلى الله عليه وآله جعفر بن أحمد بن الحسين بن قمرويه الحائري ، حامداً للَّه ومثنياً عليه ، مصلّياً على نبيه صلى الله عليه وآله ، فرحم اللَّه من نظر فيه ، ودعا لكاتبه ، ومستكتبه بالمغفرة والرضوان . . ]
ص: 367
ص: 368
فصل 18 : في إعجازه صلى الله عليه وآله
( 5 - 20 )
معاجز في الغار7
إقبال الشجرة بأمره وإلقاؤها بأغصانها عليه وعلى علي10
سجود الشجرة بين يديه10
إقبال العذق وسجوده له11
خوف أبي جهل من النبي لما شاهده12
خرّ سرير عتبة وشيبة13
إخباره بالسرائر13
إخباره بما قال أبو سفيان لهند في الفراش13
إخباره بما بيّت له صفوان بن أمية14
إخباره بمكان ناقته14
إحياؤه جدي الفقير15
إحياؤه شاة أبي أيوب15
جدي آخر لأبي أيوب16
عبّرهم من ماء قدره أربع عشرة قامة17
ص: 369
كلامه مع الصبيّة الميتة17
حبس أبا لهب وامرأته حتى الفجر18
العجب من تراب الخندق18
فصل 19 : فيما ظهر من الحيوانات والجمادات
( 21 - 34 )
أول معجزة في المدينة23
أجابة النوق سبع مرات وشهدت له بالنبوة24
أمر نخلتين فانضمّتا فقضى حاجته26
سدرة النبي التي انفرجت له نصفين26
سمكة مكتوب عليها الشهادتين27
الشهادتان على شحمة أُذن سخلة27
خدش أبي فقتله27
إحتراق المنافق بالسراج27
أدّى دين المديون والتمر كما هو28
استند على شجرة يابسة فأثمرت28
شجرة الجحفة28
نزول الخيل من السماء لنصرة النبي29
مبارك اليمامة30
إخباره عامر بن كريز أنّ ابنه مستق30
عادت تفلة عقبة عليه فأحرقته31
عقاب يدفع الحيّة عن النبي31
ص: 370
إلياس يدعو أن يكون من الأمّة المرحومة32
استسقاؤه لأهل المدينة ومكة32
أتيناك وما لنا بعير يئط34
فصل 20 : في المفردات من المعجزات
( 35 - 40 )
مدّة ملك النبي بحساب الجمل37
الاستدلال بالنجوم على نبوته37
إحياؤه بلالاً بعد أن قتل39
عكّة أم مالك40
فصل 21 : فيما ظهر من معجزاته بعد وفاته صلى الله عليه وآله
( 41 - 54 )
الحيرة البيضاء قد رفعت لي43
لتنفقن كنوز كسرى وقيصر في سبيل اللَّه43
تبنى مدينة تجبى اليها خزائن الأرض44
ناس من أمّتي ينزلون البصرة44
أشقى الآخرين يضربك يا علي45
إخباره عن عدّة حوادث مهمّة45
إخباره بقتال عائشة46
إخباره عن أوّل زوجاته لحوقاً به48
يكون في ثقيف كذّاب ومبير48
ص: 371
أويس القرني49
يدفن على سور القسطنطنية رجل صالح من أصحابي50
المدد في معركة بدر51
فتح فدك وهبتها لفاطمة عليها السلام52
فصل 22 : فيما خصّه اللَّه تعالى به
( 55 - 66 )
فارق صلى الله عليه وآله جماعة النبيين بمائة وخمسين خصلة57
في النبوة57
في أمّته58
في الطهارة58
في الصلاة58
في الزكاة59
في الصيام59
في الحجّ59
في الجهاد59
في النكاح60
في الأحكام60
في الآداب61
في الآخرة62
معجزاته التي لم تكن لغيره63
معجزة القرآن أقوى من سائر معاجز الأنبياء63
ص: 372
فصل 23 : في آدابه ومزاحه صلى الله عليه وآله( 67 - 80 )
آدابه69
مزاحه73
يا أبا عمير ما فعل النغير73
إرفق بالقوارير73
أنت سفينة74
إنّا حاملوك على ولد ناقة74
من يشتري هذا العبد74
يا ذا الاُذنين74
في عين زوجك بياض75
تمشي الهريسة75
أم حبين75
ترق عين بقة76
جرّي ذيلاً كذيل العروس76
الجنة لا يدخلها العجّز76
لا يدخل الجنة عجوز ولا أسود ولا شيخ77
نحن حول هذا ندندن77
يغنيك اللَّه بما يغني به المؤمنين77
قبّل إمرأة وطالب بالقصاص78
أتأكل التمر وعينك رمدة78
أبو هريرة يأكل نعل النبي78
أخبار نعيمان79
ص: 373
فصل 24 : في أسمائه وألقابه( 81 - 98 )
أسماؤه83
أسماؤه في القرآن83
أسماؤه في الأخبار89
أسماؤه في الكتب السماوية والصحف89
أسماؤه في السماء90
أسماؤه عند أهل السماء وباقي الكائنات91
ألقابه صلى الله عليه وآله94
كناه وصفاته ونسبه97
كناه صلى الله عليه وآله97
صفاته97
نسبه97
فصل 25 : في نسبه وحليته صلى الله عليه وآله
( 99 - 112 )
أبوه101
أمّه104
عدد الآباء بينه وبين آدم104
صفة النبي صلى الله عليه وآله105
صفة شعره110
صفته في نهج البلاغة111
صفته في سحر البلاغة111
ص: 374
فصل 26 : في أقربائه وخدامه( 113 - 154 )
أعمامه115
عمّاته115
من أسلم من أعمامه وعمّاته115
آخر من مات من أعمامه وعمّاته116
جدّاته116
أخوته من الرضاعة116
خدامه116
أخوه في الجاهلية116
أخوه ووزيره ووصيه وختنه117
ربيبه117
أزواجه118
ترتيب أزواجه118
أزواجه في مكة118
أزواجه في المدينة126
نساؤه المطلقات128
من لم يدخل بهن129
من خطبهن ولم يعقد عليهن130
التسع اللاتي قبض عنهن130
الموهوبة131
نساؤه اللواتي متن قبله131
ص: 375
أفضل نسائه131
إماؤه132
مهر نسائه132
أولاده133
رفقاؤه134
كتّابه135
دعاؤه على معاوية : لا أشبع اللَّه بطنه135
حاجبه136
مؤذنه136
مناديه136
من يضرب أعناق الكفار بين يديه137
حرّاسه137
من قدّمهم للصلاة137
عماله138
رسله139
المشبهون به139
من هاجر معه140
خدّامه من الأحرار140
عيونه140
من حلق رأسه141
من حجمه141
ص: 376
شعراؤه142
كعب بن مالك142
عبد اللَّه بن رواحة142
حسان بن ثابت143
النابغة الجعدي144
كعب بن زهير145
قيس بن صرمة145
لبيد146
ابن الزبعرى147
أمية بن الصلت148
عباس بن مرداس148
طفيل الغنوي149
كعب بن نمط149
مالك بن عوف150
قيس بن بحر151
عبد اللَّه بن حرب151
أبو دهبل151
بحير بن أبي سلمى152
الأعشى153
هجاته !!!153
ص: 377
فصل 27 : في أمواله ورقيقه صلى الله عليه وآله( 155 - 170 )
أفراسه157
بغاله158
حمره158
إبله159
لقائحه159
منائحه160
حوائطه160
صفاياه161
إرثه161
سيوفه161
رماحه162
دروعه162
قسيّه163
رايته163
بعض ممتلكاته164
أثوابه165
سريره ومنبره166
شعار أصحابه166
مواليه167
إماؤه169
ص: 378
فصل 28 : في أحواله وتواريخه صلى الله عليه وآله( 171 - 188 )
حمله صلى الله عليه وآله173
تاريخ ولادته173
مكان ولادته174
وفاة أبيه174
وفاة أمّه175
كافله175
رضاعه صلى الله عليه وآله175
خروجه في التجارة176
زواجه صلى الله عليه وآله176
بناء الكعبة ورضا قريش بحكمه177
بعثته صلى الله عليه وآله177
ابتداء دعوته178
إسراؤه178
وفاة أبي طالب وخديجة وإعلان دعوته178
الهجرة الى الحبشة179
حصار الشعب وكتابة الصحيفة179
خروجه الى الطائف179
بيعة العقبة الأولى180
بيعة العقبة الثانية180
بيعة الحارث181
رسله والوفود181
ص: 379
هجرته الى المدينة183
أول مسجد وأول صلاة في المدينة183
أحداث سنوات الهجرة184
تزويج فاطمة وعلي عليهما السلام184
مدّة نزول القرآن184
تحويل القبلة185
حجّه وعمرته185
حجّة الوداع ويوم الغدير186
نفّذوا جيش أسامة186
وفاته وتجهيزه ودفنه صلى الله عليه وآله187
فصل 29 : في معراجه صلى الله عليه وآله
( 189 - 202 )
المقدّمة191
اختلاف الناس في المعراج191
الإسراء192
حديث المعراج193
صفة البراق193
في الطريق194
ما رآه في السماء195
عند سدرة المنتهى196
أنبياء كلّ سماء196
ما يقرأه الملائكة من القرآن197
ص: 380
لمّا بلغ قاب قوسين197
ما أعطاه اللَّه تلك الليلة198
معنى حروف المعراج199
موقف أبي طالب لمّا فقده تلك الليلة199
تكذيبهم بحديث المعراج200
فصل 30 : في هجرته صلى الله عليه وآله
( 203 - 214 )
بيعة العقبة205
إجتماع دار الندوة وحضور إبليس207
مبيت أمير المؤمنين على فراش النبي208
خروجه الى الغار209
هجرة أمير المؤمنين علي عليه السلام210
نزوله في قبا212
دخول النبي صلى الله عليه وآله المدينة212
بناء المسجد213
فصل 31 : في غزواته صلى الله عليه وآله
( 215 - 280 )
الأمر بالقتال217
مجموع غزواته217
الغزوات التي قاتل فيها219
ص: 381
سراياه220
السنة الأولى220
السنة الثانية221
غزوة النخلة221
غزوة بدر الكبرى222
غزوة بني سليم229
غزوة السويق229
سنة ثلاث230
غزوة غطفان230
غزوة القردة230
غزوة بني قينقاع230
غزوة أحد231
غزوة حمراء الأسد236
غزوة الرجيع237
سنة أربع239
غزوة بئر معونة239
غزوة بني النضير241
غزوة بني لحيان242
سنة خمس244
غزوة الخندق244
بنو قريظة247
المريسيع250
ص: 382
سنة ست252
بعث عكاشة252
بعث أبا عبيدة252
سرية زيد252
غزوة زيد253
غزوة بني قرد253
ذات السلاسل254
غزوة أمير المؤمنين254
سرية عبد الرحمن254
سرية العرنيين254
سرية لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله255
غزوة الغاية255
صلح الحديبية255
سنة سبع260
فتح خيبر260
فدك260
غزوة بني خزيمة261
غزوة قتل نجد261
بعث ابن رواحة261
بعث غلب الكلبي262
بعث عيينة262
عمرة القضاء262
ص: 383
سنة ثمان263
وقعة مؤتة263
غزوة الفتح264
حنين271
حرب أوطاس وخثعم وثقيف274
سنة تسع275
جيش العسرة275
إستخلاف أمير المؤمنين275
المعذّرون275
البكاؤون276
تخلّف الثلاثة277
أنت منّي بمنزلة هارون من موسى277
التحاق أبي ذر راجلاً277
وصولهم الى تبوك وظهور النفاق278
عدد الجيش278
إقامتهم وأخذ الجزية278
بعث سعد بن عبادة278
بعث خالد وعبد الرحمن278
بعث أبي عبيدة وزنباع279
ص: 384
فصل 32 : في اللطائف( 281 - 310 )
بين أبي الزهراء وباقي الأنبياء283
آدم عليه السلام283
إدريس عليه السلام284
نوح عليه السلام284
هود عليه السلام286
صالح عليه السلام287
لوط عليه السلام288
إبراهيم عليه السلام289
يعقوب عليه السلام292
يوسف عليه السلام292
موسى عليه السلام293
داود عليه السلام302
سليمان عليه السلام303
يحيى عليه السلام305
عيسى عليه السلام306
فصل 33 : في النكت والإشارات
( 311 - 336 )
أسماؤه313
أسماؤه المختارة313
ص: 385
أربع أسماء مختارة أيضاً313
المواضع التي سمّاه « النبي » في القرآن315
مدح اللَّه لإثني عشر من الأنبياء بإثني عشر نوعاً من الطاعة316
أقسم لأجله بخمسة عشر قسماً317
كلّ ما سأل الأنبياء من اللَّه أعطاه بلا سؤال318
كان له إثنتان وعشرون خاصّية319
وضع اللَّه ثلاثة أشياء على هوى الرسول صلى الله عليه وآله320
القرآن مكان الكتب السابقة320
شاركه مع نفسه في عشرة مواضع321
جلالة قدره321
أرسل نبينا الى الناس كافة322
علّق خمسة أشياء باتباعه323
له مقام المحبّة323
خصّ الأنبياء بخصال وجمع للنبي ما جمع لنفسه324
مدح كلّ عضو من أعضائه324
سمّاه نوراً وظلاً326
بينه وبين سائر الأنبياء327
عيش الملوك ودين الملائكة327
معنى طسم327
سمّاه سراجاً منيراً327
تعويض اليتم328
خاتم النبيين328
ص: 386
جاء الأنبياء بالعقوبة وجاء بالرحمة329
النبي الأمّي329
سمّي محمداً في أربعة مواضع من القرآن331
آثار اسم محمد331
لفظ « محمد » عند أهل الإشارات332
النهي عن جمع الاسم والكنية في غيره334
اسمه الأمين335
في الحساب335
فصل 34 : في وفاته صلى الله عليه وآله
( 337 - 368 )
نعيت اليه نفسه339
آخر ما نزل عليه من آيات القرآن339
تسلية النبي صلى الله عليه وآله340
خروجه الى البقيع340
خطبته يوم الأربعاء341
خطبة الجمعة ومطالبة سوادة بالقصاص والوصية بالثقلين342
ارتداد القوم ومنعهم من كتابة الوصية343
آخر الناس عهداً برسول اللَّه صلى الله عليه وآله علي عليه السلام344
ادعوا لي حبيبي345
فاضت نفسه صلى الله عليه وآله في يد علي عليه السلام346
ملك الموت يستأذن النبي347
ص: 387
جبرائيل يخيّر النبي ويعلن انقطاعه عن الأرض347
علّمني ألف باب من العلم348
فاطمة عليها السلام تندب أباها348
مصيبة النبي سلوة لكلّ مصيبة349
رثاء النبي349
تجهيز النبي صلى الله عليه وآله351
تغسيل النبي صلى الله عليه وآله351
الصلاة عليه صلى الله عليه وآله354
موضع دفنه صلى الله عليه وآله355
دفنه صلى الله عليه وآله355
زيارته صلى الله عليه وآله365
الفهرست369
ص: 388
عنوان و نام پديدآور:مناقب آل ابی طالب/ تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب. تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.
مشخصات نشر:قم: المکتبه الحیدریه، 1432ق = 1390.
مشخصات ظاهری:12ج
وضعیت فهرست نویسی:در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)
يادداشت:ج.9. (چاپ اول)
شماره کتابشناسی ملی:2481606
ص: 1
مناقب آل أبي طالب
تأليف الإمام الحافظ رشيد الدين أبي عبد اللّه محمد بن علي بن شهرآشوب
ابن أبي نصر بن أبي الجيش السروي المازندراني
المتوفى سنة 588 ه
الجزء الثالث
تحقيق السيد علي السيد جمال أشرف الحسيني
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
ص: 8
قوله : « إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً » بدأ بالخليفة قبل الخليقة ، والحكيم العليم يبدأ بالأهم قبل الأعم(1) .
وقوله : «فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ » دليل على أنّه لا يخلو كلّ زمان من حافظ للدين ، إمّا نبي أو إمام(2) .
الصادق عليه السلام : لا تخلو الأرض من عالم يفزع الناس إليه في حلالهم وحرامهم ، ثم فسر قوله : « اصْبِرُوا » على دينكم « وَصابِرُوا » عدوّكم ممّن خالفكم « وَرابِطُوا » إمامكم ، « وَاتَّقُوا اللّهَ » فيما أمركم به وفرض عليكم(3) .
ص: 9
سئل الرضا والصادق عليهماالسلام: تكون الأرض ولا إمام؟ قال: إذا لساخت(1).
قال ابن بابويه : كما جاء في قصّة الأنبياء : « إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ » ، « فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ » ، «وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ » ، وقال لنبينا : « وَما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ »(2) .
عن النبي صلى الله عليه و آله : في كلّ خلف(3) من أمّتي عدل من أهل بيتي ينفون من
هذا الدين تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين(4) .
أبو عبيدة : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله : « ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ » ، قال : عنى بالكتاب التوراة والإنجيل ، وبالإثارة من العلم ، فإنّما عنى بذلك علم أوصياء الأنبياء(5) .
أمير المؤمنين عليه السلام : لا تخلو الأرض من قائم بحجّة اللّه ، أمّا ظاهر
مشهور ، وأمّا خائف مغمور(6) .
وفي رواية : لا يزال في ولدي مأمور مأمور(7)(8) .
ص: 10
قال العوني :
ولولا حجّة في كلّ وقت
لأضحى الدين مجهول الرسوم
وحار الناس في طخياء(1) منها
نجونا بالأهلة والنجوم
* * *
وقال آخر :
كواكب دجن كلّما انقض كوكب
بدا وانجلت عنه الدجنة(2) كوكب(3)
ومن ألفاظ عن الرضا عليه السلام : الإمام(4) زمام الدين ، ونظام أمور المسلمين،
وعزّ المؤمنين ، وبوار الكافرين ، وأسّ الإسلام ، وصلاح الدنيا ، والنجم الهادي ، والسراج الزاهر ، والماء العذب على الظمأ ، والنور الدال على الهدى ، والمنجي من الردى ، والسحاب الماطر ، والغيث الهاطل ، والشمس الظليلة ، والأرض البسيطة ، والعين الغزيرة ، والأمين الرفيق ،
ص: 11
والوالد الشفيق ، والأخ الشقيق ، والأُم البرّة بالولد الصغير ، وأمين اللّه في خلقه ، وحجّته على عباده ، وخليفته في بلاده ، الداعي إلى اللّه ، والذابّ(1) عن حرم اللّه (2) .
النبي صلى الله عليه و آله : من مات ولم يعرف إمام زمانه ، فقد مات ميتة جاهلية(3) .
قال الحميري :
فمن لم يكن يعرف إمام زمانه
ومات فقد لاقى المنية بالجهل(4)
العيون والمحاسن : قال هشام بن الحكم : قلت لعمرو بن عبيد : لي سؤال ، قال : هات .
قلت : ألك عين ؟ قال : نعم .
ص: 12
قلت : فما ترى بها ؟ قال : الألوان والأشخاص .
قلت : فلك أنف ؟ قال : نعم .
قلت : فما تصنع به ؟ قال : أشمّ به الرائحة .
قلت : فلك فمّ ؟ قال : نعم .
قلت : فما تصنع به ؟ قال : أذوق به الطعم .
قلت : ألك قلب ؟ قال : نعم .
قلت : فما تصنع به ؟ قال : أميّز به كلّما ورد على هذه الجوارح .
قلت : ليس لها غنى عن القلب ؟ قال : لا ، قلت : وكيف ذاك ، وهي صحيحة سليمة ؟ قال : يا بني الجوارح إذا شكّت في شيء شمّته ، أو رأته ، أو ذاقته ، أو سمعته ، ردّته إلى القلب ، فيتقّن اليقين ، ويبطل الشكّ .
قلت : فإنّما أقامه اللّه لشكّ الجوارح ؟ قال : نعم ، قلت : فلابدّ من القلب وإلاّ لم تستيقن الجوارح ؟ قال : نعم .
قلت : يا أبا مروان ، إنّ اللّه لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماما يصحّح لها الصحيح ، ويتقّن لها ما شكّت فيه ، ويترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم وإختلافهم لا يقيم لهم إماما يردّون إليه شكّهم وحيرتهم ، ويقيم لك إماما لجوارحك يردّ إليه حيرتك وشكّك(1) !
* * *
على الملوك تصلح الجماعه
إن صلحوا أو لا فهم(2) كالضاعه
ص: 13
وقال متكلّم : لا يخلو من أربعة أوجه : إمّا أن علّم النبي صلى الله عليه و آله جميع أمّته الأولين والآخرين ، وجميع ما يحتاجون إليه في حياته حتى استغنوا بعد وفاته ، أو علمت الأمّة كلّها بعده ، أو استغنت عن مؤدب ومعلّم من اللّه ، أو رفع التكليف عن الأمّة بعده كالبهائم .
وكلّ ذلك باطل ، لأنّ التكليف لازم ، واللطف واجب ، والناس غير معصومين ، فلابد من حافظ شرع معصوم ، « لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ »(1) .
* * *
قال الأفوه الأودي(2) :
لايصلح القوم إلاّ في السراة(3) لهم
ولا سراة إذا جهّالهم سادوا
والبيت لا يبتنى إلاّ بأعمدةولا عماد إذا لم ترس أوتاد
ص: 14
فان تجمع أوتاد وأعمدةوساكن أدركوا الأمر الذي كادوا
تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحتفان تولت فبالأشرار تنقاد(1)
* * *
ص: 15
قوله : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ » .
أمرنا - سبحانه - أمرا مطلقا بالكون مع الصادقين من غير تخصيص ، وذلك يقتضي عصمتهم ، لقبح الأمر على هذا الوجه باتباع من لا يؤمن منه القبيح ، ومن حيث يؤدي ذلك الأمر بالقبيح .
وإذا ثبت في الإمامة ثبت تخصّصها بأمير المؤمنين وأولاده المعصومين عليهم السلام بالإجماع ، لأنّ أحدا من الأمّة لم يقل ذلك فيها إلاّ خصّها بهم ، ولأنّه لم تثبت هذه الصفات لغيرهم ، ولا ادعيت لسواهم(1) .
قوله « وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الأَْمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ » .
يدلّ على عصمتهم ، لأنّه أخبر أنّ العلم يحصل بالردّ إلى أولي الأمر ، كما يحصل بالردّ إلى الرسول ، والعلم لا يصحّ حصوله يقينا ممّن ليس
ص: 16
بمعصوم ، ولأنّه - تعالى - لا يجوز أن يأمر باستفتاء من لا يؤمن منه القبيح من حيث كان في ذلك أمره - تعالى - بالقبيح .
وإذا اقتضت الآية عصمة « أُولي الأمر » ثبتت إمامتهم ، لأنّ أحدا لم يفرّق بين الأمرين .
وإذا ثبت ذلك ثبت توجه الآية إلى آل محمد عليهم السلام ، وقد روي أنّها نزلت في الحجج الإثني عشر(1)(2) .
قوله « إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً » ، فقال إبراهيم عليه السلام من عظم خطر الإمامة عنده : « وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ »(3) .
وفي خبر أنّه قال : ومن الظالم من ولدي ؟
قال : من سجد لصنم من دوني ، فقال إبراهيم عليه السلام : « وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَْصْنامَ »(4) .
ص: 17
وقد ثبت أنّ النبي والوصي عليهماالسلام ما عبدا الأصنام(1) ، فانتهت الدعوة إليهما ، فصار محمد صلى الله عليه و آله نبيا ، وعلي عليه السلام وصيا .
ولمّا قال : « لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ » صار في الصفوة « وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ » إلى قوله « عابِدِينَ »(2) ، فلم يزل في ذريّته يرثها بعض عن بعض حتى ورثها النبي صلى الله عليه و آله فقال : « إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا » ، فكانت له صلى الله عليه و آله خاصة ، فقلّدها عليا عليه السلام بأمر اللّه على رسم ما فرضها اللّه ، فصارت في ذريّته الأصفياء الذين أوتوا العلم والإيمان ، قوله « وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِْيمانَ » ، فهي في ولد علي عليه السلامإلى يوم القيامة(3) .
عبد اللّه بن عجلان عن أبي جعفر عليه السلام في هذه الآية(4) : هم الأئمة ومن اتبعهم(5) .
قال إبراهيم : « وَمِنْ ذُرِّيَّتِي » ، ومن للتبعيض ، ليعلم أنّ فيهم من
ص: 18
يستحقّها ومن لا يستحقها ، ومستحيل أن يدعو إلاّ من هو مثله في الطهارة ، لقوله « لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ » ، وقال « فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي » ، فيجب أن يكونوا معصومين .
ولمّا سأل الرزق قال : « وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الَّثمَراتِ » سأل عاما ، ولمّا سأل الإمامة سأل خاصا ، قال « وَمِنْ ذُرِّيَّتِي »(1) .
قال الصادق عليه السلام في قوله : « وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ » أي الإمامة إلى يوم القيامة(2) .
قال السدّي : عقبه آل محمد(3) صلى الله عليه و آله .
* * *
قال العوني :
فقال من فرح يا ربّ عهدك في
ذرّيّتي هل تبقيه مؤنفه
فقال ليس ينال الظالمين معا
عهدي ووعدي فيه لست أخلفه
والشرك ظلم عظيم والعكوف على
الأصنام لا يلحق التأمين عكفه
فانظر إلى الرمز والإيماء كيف أتى
من لم يكن عبد الأصنام مصرفه
ص: 19
وله أيضا :
ألم يكن في حاله نبيا
ثم رسولاً منذرا رضيّا
ثم خليلاً صفوة صفيّا
ثم إماما هاديا مهديّا
وكان عند ربّه مرضيّا
فعندها قال ومن ذرّيتي
قال له لا لن ينال رحمتي
وعهدي الظالم من بريّتي
أبت لملكي ذاك وحدانيتي
سبحانه لا زال وحدانيا
قوله : إنّي مخلّف فيكم الثقلين(1)
الخبر يقتضي عصمة المذكورين ، لأنّه أمر من جهة الخبر بالتمسك بهم على الإطلاق ، فاقتضى ذلك عصمتهم ، وإلاّ أدّى إلى كونه - عزّ وجلّ - أمر بالقبيح .
ثم إنّه قطع بأمان المتمسّك بهم من الضلال ، وجواز الخطأ عليهم لا يؤمن معه ضلال المتمسّك بهم .
ثم إنّه قرن بينهم وبين الكتاب في الحجّة ، ووجوب التمسّك .
ثم إنّه أخبر أنّهم لا يفارقون الكتاب ، ووقوع الخطأ منهم يقتضي مفارقتهم له ، وذلك ينافي نصّه .
وإذا ثبتت عصمتهم ثبتت إمامتهم ، وإنّهم المعنيّون بالخبر(2) .
ص: 20
وقال أبو علي المحمودي لأبي الهذيل : أليس من دينك أنّ العصمة والتوفيق لا يكونان لك من اللّه إلاّ بعمل تستحقّهما به ؟
قال : نعم .
قال : فقوله « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » ؟ قال : قد أكمل لنا الدين ، فقال : ما تصنع بمسألة لا تجدها في الكتاب والسنة ، وقول الصحابة ، وحيلة الفقهاء ؟ قال : هات .
قال : خبّرني عن عشيرة كلّهم عنين ، وقعوا في طهر واحد بإمرأة ، وهم مختلفوا العنّة ، فمنهم قد وصل إلى بعض حاجته ، ومنهم من قارب بحسب الإمكان منه ، أفي خلق اللّه اليوم من يعرف حدّ اللّه في كلّ رجل منهم ، ومقدار ما ارتكب من الخطيئة ، فيقيم عليه الحدّ في الدنيا ، ويطهّره منه في الآخرة ؟ فافحم(1) .
لو لم يكن الإمام معصوما لم يكن بتقديم الكلّ موسوما .
من خرج من غمار المأمومين دخل في جملة المعصومين .
من افتقر البشر إليه كانت العصمة ثابتة عليه .
من ظهرت معجزته ثبتت عصمته .
ص: 21
أميرالمؤمنين عليه السلام قال النبي صلى الله عليه و آله : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا » قال : المودّة في قلوب المؤمنين هي العصمة .
* * *
قال الناشي(1) :
قد نصب اللّه لكم مسدّدا
بالرشد والعصمة مأمون الغلط
أحاط بالعلم ولا يصلح أن
يدعى إمام من بعلم لم يحط
ص: 22
من مثلكم يا آل طه ولكم
في جنة الفردوس والخلد خطط
حبّ سواكم نفل وحبّكم
فرض من اللّه علينا مشترط
يا طود أفضال بعيد المرتقى
وبحر علم ما له يحويه شط
كلّ الولا إلاّ ولاكم باطل
وكلّ جرم بولاكم منحبط
* * *
ص: 23
قال اللّه - تعالى - في آدم عليه السلام : « إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ » ، وفي موضع « إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً » .
وفي إبراهيم عليه السلام « وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا » ، وفي موضع « إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً » .
وفي موسى عليه السلام « إِنِّي
اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النّاسِ » ، وفي موضع « وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي » .
وفي طالوت « إِنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ » .
وفي سائر الأنبياء والأوصياء عليهم السلام « إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى » .
« اللّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النّاسِ » .
« وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَْخْيارِ » .
« وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ » .
« وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا » .
« مالِكَ الْمُلْكِ تُؤتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ » .
« يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ » .
« وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ » .
« وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ » .
ص: 24
« وَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ » .
« ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤتِيهِ مَنْ يَشاءُ » .
« قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ » .
« وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّهُ » .
« شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ » .
« وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ » .
« وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ » .
* * *
قال الحميري :
هبه وما وهب المليك لعبده
يبقى ومهما لم يهب لم يوهب
يمحو ويثبت ما يشاء وعنده
علم الكتاب وعلم ما لم يكتب
* * *
وقال العوني :
في النصّ آي من الفرقان منزلة
يقرّ طوعا بها من لا يحرّفه
منهن رمز وإيماء وتسمية
تلويح حقّ وتصريح تنقفه
الرضا والصادق وأمير المؤمنين عليهم السلام ، والحديث مختصر : إنّ آدم عليه السلام أوصى إلى ابنه شيث ، وأوصى شيث إلى شبّان ، وشبّان إلى مجلث ،
ص: 25
ومجلث إلى محوق ، ومحوق إلى عثميشا ، وعثميشا إلى أخنوخ ، وهو إدريس ، وإدريس إلى ناحور ، وناحور إلى نوح ، ونوح إلى سام ، وسام إلى عثامر ، وعثامر إلى برغيشا ، وبرغيشا إلى يافث ، ويافث إلى بره ، وبره إلى جفيسه ، وجفيسه إلى عمران ، وعمران إلى إبراهيم ، وإبراهيم إلى إسماعيل ، وإسماعيل إلى إسحاق ، وإسحاق إلى يعقوب ، ويعقوب إلى يوسف ، ويوسف إلى برثيا ، وبرثيا إلى شعيب ، وشعيب إلى موسى ، وموسى إلى يوشع ، ويوشع إلى داود ، وداود إلى سليمان ، وسليمان إلى آصف ، وآصف إلى زكريا ، وزكريا إلى عيسى ، وعيسى إلى شمعون ، وشمعون إلى يحيى ، ويحيى إلى منذر ، ومنذر إلى سلمة ، وسلمة إلى بردة عليهم السلام .
ثم قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ودفعها إليّ بردة ، وأنا أدفعها إليك يا علي ،
وأنت تدفعها إلى وصيك ، ويدفعها وصيك إلى أوصيائك من ولدك ، واحد بعد واحد ، حتى تدفع إلى خير أهل الأرض بعدك(1) .
لو لم يكن الإمام نصّا لم يكن بعلم اللّه مختصّا .
من حقّق إمامته بغير نصّ كان الناظر من غير فحص .
من ثبت النصّ عليه من أبيه كان مرضيّ ذويه .
* * *
ص: 26
قال ابن حماد :
رأيت النصّ يفضح جاحديه
ويلجئهم إلى ضيق الخناق
ولو كان اجتماع القوم رشدا
لما أدّى إلى طول افتراق
* * *
وقال الناشي :
ومن لم يقل بالنصّ منه معاندا
غدا غفلة بالرغم منه يحاوله
يعرفه حقّ الوصي وفضله
على الخلق حتى تضمحلّ بواطله
* * *
وقال البشنوي(1) :
يا مصرف النصّ جهلاً عن أبي حسن
باب المدينة عن ذي الجهل مقفول
مولى الأنام علي والولي معا
كما تفوه عن ذي العرش جبريل
وسأل حمران بن أعين يحيى بن أكثم عن قول النبي صلى الله عليه و آله حيث أخذ بيد علي عليه السلام وأقامه للناس ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، أبأمر من اللّه - تعالى - ذلك أم برأيه ؟ فسكت عنه حتى انصرف .
ص: 27
فقيل له في ذلك ، فقال : إن قلت : برأيه نصبه للناس خالفت قول اللّه - تعالى - « وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى » ، وإن قلت : بأمر اللّه - تعالى - ثبتت إقامته . قال : فلم خالفوه واتخذوا وليّا غيره ؟!
قال العوني :
فما ترك النبي الناس شورى
بلا هاد ولا علم مقيم
ولكن سوّل الشيطان أمرا
فأودى بالسوام وبالمسيم(1)
قال الصادق عليه السلام في قوله : « إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤدُّوا الأَْماناتِ إِلى أَهْلِها »يعني يوصي إمام إلى إمام عند وفاته(2) .
النبي صلى الله عليه و آله : من مات ولم يوص مات ميتة جاهلية(3) .
وقال صلى الله عليه و آله : الوصية حقّ على كلّ مسلم(4) .
وقال : من مات ولم يوص(5) فقد ختم عمله بمعصية(6) .
ص: 28
وقال ابن العودي النيلي :
وكلّ نبي جاء قبلي وصيّه
مطاع وأنتم للوصي عصيتم
ففعلكم في الدين أضحى منافيا
لفعلي وأمري غير ما قد أمرتم
وقلتم مضى عنّا بغير وصية
ألم أوص لو طاوعتم(1) وعقلتم
نصبت لكم بعدي إماما يدلّكمعلى اللّه فاستكبرتم وضللتم
وقد قلت في تقديمه وولائهعليكم بما شاهدتم وسمعتم
علي غدا منّي محلاًّ وقربةكهارون من موسى فلم عنه حُلتم
علي رسولي(2) فاتبعوه فإنّهوليّكم بعدي إذا غبت عنكم
أبو جعفر وأبو عبد اللّه عليهماالسلام في قوله : « وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ » الآية ، وذلك لمّا أمر اللّه رسوله أن يقيم عليا عليه السلام أن لا يشرك مع علي عليه السلام شريكا(3) .
* * *
ص: 29
قال الناشي :
ولو آمنوا بني الهدى
وباللّه ذي الطول ما خالفوكا
ولو أيقنوا بمعاد لما
أزالوا النصوص ولا مانعوكا
ولكنّهم كتموا الشكّ في
أخيك النبي وأبدوه فيكا
لهم خلف نصروا قولهم
ليبغوا عليك وما عاينوكا
إذا صحّح النصّ قالوا لنا
توانى عن الحقّ واستضعفوكا
فقلنا لهم نصّ خير الورى
يزيل الظنون وينفي الشكوكا
* * *
ص: 30
قد جاء في أخبار الإمامية : إنّ لإمام الهدى خمسين علامة :
[1 ] العصمة .
[2 ] والنصوص .
[3 ] وأن يكون أعلم الناس .
[4 ] وأفصحهم .
[5 ] وأحلمهم .
[6 ] وأحكمهم .
[7 ] وأتقاهم .
[8 ] وأشجعهم .
[9 ] وأشرفهم .
[10 ] وأنصحهم .
[11 ] وأوفاهم .
[12 ] وأصبرهم .
[13 ] وأزهدهم .
[14 ] وأسخاهم .
[15 ] وأعبدهم .
ص: 31
[16 ] وأشفقهم عليهم .
[17 ] وأشدّهم تواضعا للّه .
[18 ] وآخذهم بما يأمر اللّه به .
[19 ] وأكفّهم عمّا ينهى عنه .
[20 ] وأولى الناس منهم بأنفسهم .
[21 ] ويولد مختونا .
[22 ] ويكون مطهّرا .
[23 ] ويلي ولادته ووفاته معصوم .
[24 ] وتكون الأموال تحت أمره .
[25 ] ويرى من خلفه ومن بين يديه للفراسة الصادقة .
[26 ] ولا يكون له ظلّ ، لأنّه مخلوق من نور اللّه .
[27 ] وكلّ من ولد منه يكون مؤمنا .
[28 ] وإذا وقع على الأرض من بطن أمّه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين .
[29 ] ولا ينام قلبه .
[30 ] ويكون محدّثا .
[31 ] ويكون دعاؤه مستجابا .
[32 ] ولا يرى له حدث ، لأنّ اللّه - تعالى - وكّل الأرض بابتلاع ما يخرج منه .
ص: 32
[33 ] ولا يحتلم .
[34 ] ولا يتثاءب .
[35 ] ولا يتمطّى .
[36 ] وتكون رائحته أطيب من رائحة المسك .
[37 ] ويكون صاحب الوصية الظاهرة .
[38 ] ويكون له الدليل والمعجزة في خرق العادة واستجابة الدعوة .
[39 ] وإخباره بالحوادث التي تظهر قبل حدوثها بعهد معهود من النبي صلى الله عليه و آله .
[40 ] ويكون عنده سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وسيفه ذو الفقار ، ويستوي عليه درعه .
[41 ] ويكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة .
[42 ] وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة .
[43 ] وعنده الجامعة ، وهي صحيفة طولها سبعون ذراعا ، فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم ، إملاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخطّ أمير المؤمنين عليه السلام .
[44 ] ويكون عنده الجفر الأحمر ، وهو وعاء فيه سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
[45 ] ولن يخرج حتى يخرج قائمنا .
[46 ] والجفر الأبيض ، وهو وعاء فيه توراة موسى عليه السلام ، وإنجيل
عيسى عليه السلام ، وزبور داود عليه السلام ، وكتب اللّه المنزلة .
[47 ] ويكون له إلهام ، وسماع .
ص: 33
[48 ] ونقر في الأسماع ، ونكت في القلوب ، ويسمع الصوت مثل صوت السلسلة في الطشت .
[49 ] وربما تأتيه صورة أعظم من جبرئيل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام .
[50 ] وربما يعاين ويخاطب(1) .
وأئمتنا عليهم السلام خصّوا بالعلوم ، لأنّهم لم يدخلوا مكتبا ، ولا تعلّموا من من معلّم ، ولا تلمّذوا لفقيه ، ولا تلقّنوا من راو ، وقد ظهرت في فرق العالمين منهم العلوم ، ولم يعرف إلاّ منهم ، لأنّهم أخذوا عن النبي صلى الله عليه و آله .
وكذا كان حال جدّهم صلى الله عليه و آله حين علم منشأه بين قريش ، لم يدخل مكتبا ، ولا قرأ على معلم ، ولا استفاد من خبر ، وأتى الناس بالقرآن العظيم بما فيه من أسرار الأنبياء وأخبار المتقدّمين ، فعلم العقلاء أنّ ذلك من عند اللّه - تعالى - ، وليس من تلقاء نفسه .
فأولاده عليهم السلام قوم بنور الخلافة يشرقون ، وبلسان النبوة ينطقون ، وقد جمعوا ما رووا عنهم ، وسمّوا ذلك بالأصول ، سبعمائة أصل ، ويزيد على ذلك ، ويتضمّن علوم الدين والآداب والحكم والمواعظ ، وغير ذلك .
وأمّا من قلّ منهم الروايات مثل الحسن والحسين عليهماالسلام فلقلّة أيامهما ، وأمّا أبو الحسن وأبو محمد عليهماالسلام فقد كانا ممنوعين محبوسين بسر من رأى .
فإذا ثبت علوم هؤلاء التي لم يأخذوها عن رجال العامة ، ولا رأى أحد منهم يختلف إلى متقدّم من أهل العلم ، وأنّ كثيرا من فتاويهم يخالف ما عليه العامة ، ولم يدّع مدّع قطّ أنّهم اختلفوا إلى أحد من مخالفيهم ليتعلّموا منه ، والموافق لهم فمعلوم حاجته إليهم ، دلّ ذلك على أنّ اللّه - تعالى - أفردهم ليكشف عن استحقاقهم الإمامة ، وأنّهم أحقّ بالتقديم
ص: 35
لحاجة الناس إليهم ، وغنائهم عنهم ، وجروا في ذلك مجرى الرسول صلى الله عليه و آله
حين أغناهم اللّه بما علموا علمهم من أخبار سوالف الأمم ، وأحكام شرائع الأنبياء ، من غير أن لقى أحدا من علماء تلك الأديان ، وجعل ذلك إحدى الدلائل على نبوته .
قال اللّه تعالى : « أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى » .
وقال : « قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ » .
* * *
قال أبو تمام الطائي :
أما سأل القوم الأولى ملكا يكن
تسدّ به الجلّى ويطّلب(1) الوتر
فلمّا رأوا طالوت عدّوا سناهمعليه وما يغني السناء ولا الفخر
وما ذاك إلاّ أنّهم كرهوا القناوهجر وغى يتلوه من بعده هجر
عمى وارتيابا أوضحت مشكلاتهوقيعة يوم النهر إذ ورد النهر
* * *
ص: 36
وقال أمير المؤمنين عليه السلام :
فرض الإمامة لي من بعد أحمدنا
كالدلو علقت التكريب والوذما(1)
لا في نبوته كانوا ذووا ورعولا رعوا بعده إلاّ ولا ذمما
لو كان لي جابر(2) سرعان أمرهمخليت قومي فكانوا أمّة أمما
* * *
وله عليه السلام :
أنا علي صاحب الصمصامه
وصاحب الحوض لدى القيامه
أخو نبي اللّه ذي العلامه
قد قال إذ عممني العمامه
أنت أخي ومعدن الكرامه
ومن له من بعدي الإمامه
* * *
ص: 37
ص: 38
ص: 40
الاختيار عشرون بمشية اللّه تعالى :
« يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ » .
« يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً » .
« وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ » .
« وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً » .
« تُؤتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ » .
« وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ » .
« وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ » .
« وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ » .
« وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ » .
« ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤتِيهِ مَنْ يَشاءُ » .
و « يَفْعَلُ ما يَشاءُ » .
« وَاللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ » .
« وَلكِنَّ اللّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ » .
« يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ » .
ص: 41
« وَاللّهُ يُؤيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ » .
« وَلكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ » .
«نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ » .
« يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ » .
«وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ » .
نظيره :
« اللّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ » .
« وَما كانَ لِمُؤمِنٍ وَ لا مُؤمِنَةٍ إِذا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ » .
« أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ » . .الآية .
« فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ » إلى قوله « صادِقِينَ »(1) .
الاختيار في الإمامة مدعاة إلى عدم السلامة .
لو كانت الإمامة إلى الأمّة بطل التوقيف من النبوة .
لو جاز للأمّة نصب إمام صحّ منها وضع أحكام .
ص: 42
مختارنا للهلك ، ومختاره للسلك .
مختارنا للحريق ، ومختاره للرحيق .
مختارنا للسعير ، ومختاره للسرير .
مختارنا للجحيم ، ومختاره للنعيم .
مختارنا للملامة ، ومختاره للكرامة .
مختارنا للتبعيد ، ومختاره للتقريب .
محمد بن سنان عن الصادق عليه السلام في قوله : « يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ » ، قال : اختار محمدا وأهل بيته(1) .
أبو هاشم بإسناده عن الباقر عليه السلام قال : قال اللّه لمحمد صلى الله عليه و آله : إنّي اصطفيتك ، وانتجبت عليا ، وجعلت منكما ذريّة طيبة جعلت لها الخمس(2) .
ابن بطّة في الإبانة بإسناده إلى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ، وأبو صالح المؤذن في الأربعين ، والسمعاني في الفضائل بإسنادهما عن عبد الرزاق عن معمر عن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس ، واللّفظ له ، قال :
ص: 43
لمّا زوج النبي صلى الله عليه و آله فاطمة عليهاالسلام من علي عليه السلام قالت : زوّجتني لعائل لا مال له(1) ، فقال : يا فاطمة ، أما ترضين أنّ اللّه - تعالى - اطلع على أهل الأرض واختار منها رجلين : أحدهما أبوك ، والآخر بعلك(2) .
علي بن الجعد عن شعبة عن حماد بن مسلمة عن أنس قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه خلق آدم عليه السلام من طين كيف يشاء .
ثم قال : « وَيَخْتارُ » إنّ اللّه - تعالى - اختارني وأهل بيتي عن جميع الخلق ، فانتجبنا ، فجعلني الرسول ، وجعل علي بن أبي طالب عليهماالسلامالوصي .
ثم قال : « ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ » يعني : ما جعلت للعباد أن يختاروا ، ولكنّي اختار من أشاء ، فأنا وأهل بيتي صفوة اللّه وخيرته من خلقه .
ثم قال : « سُبْحانَ اللّهِ » يعني : تنزيها للّه « عَمّا يُشْرِكُونَ » به كفّار مكة .
ثم قال : « وَ رَبُّكَ » يا محمد « يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ » من بغض المنافقين لك ولأهل بيتك ، « وَما يُعْلِنُونَ » بألسنتهم من الحبّ لك ولأهل بيتك(3) .
* * *
ص: 44
قال ابن حماد :
تروم فساد دليل النصوص
ونصرا لإجماع ما قد جمع
ألم يستمع قوله صادقا
غداة الغدير بماذا صدع
ألا إنّ هذا وليّ لكم
أطيعوا فويل لمن لم يطع
وقال له أنت منّي أخي
كهارون من صنوه فاقتنع
وقال له أنت باب إلى
مدينة علمي لمن ينتجع
ويوم براءة نصّ الإله
جلّ عليه فلا تختدع
وسمّاه في الذكر نفس الرسول
في يوم باهل لمّا خشع
ففيم تخيّرتم غير من
تخيّره ربّكم واصطنع
اختار اللّه - تعالى - لموسى عليه السلام قوله « وَأَنَا اخْتَرْتُكَ » ، فصار نجيّا كليما ، « وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا » ، « وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكْلِيماً » .
« وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا » ، فصار اختياره واقعا على الأفسد دون الأصلح(1) .
* * *
ص: 45
قال الصاحب(1) :
بالنصّ فاعقد إن عقدت دينا(2)
كن باعتقاد الاجتبا رصينا(3)
مكّن لقول إلهنا(4) تمكيناواختار موسى قومه سبعينا
ص: 47
ابن جرير الطبري : لمّا كان النبي صلى الله عليه و آله يعرض نفسه على القبائل جاء إلى بني كلاب ، فقالوا : نبايعك على أن يكون لنا الأمر بعدك ، فقال : الأمر للّه ، فإن شاء كان فيكم ، أو في غيركم .
فمضوا فلم يبايعوه ، وقالوا : لا نضرب لحربك بأسيافنا ، ثم تحكم علينا غيرنا(1) .
الماوردي في اعلام النبوة : أنّه قال عامر بن الطفيل للنبي صلى الله عليه و آله
ص: 48
وقد أراد به غيلة : يا محمد ، ما لي إن أسلمت ؟ فقال صلى الله عليه و آله : لك ما للإسلام ، وعليك ما على الإسلام ، فقال : ألا تجعلني الوالي من بعدك ؟! قال : ليس لك ذلك ولا لقومك ، ولكن لك أعنّة الخيل تغزوا في سبيل اللّه (1) . . القصّة .
* * *
وجملة الأمر أنّ اللّه قدّمه
والأمر للّه ليس الأمر من قبلي
الخير أجمع فيما اختار خالقنا
وفي اختيار سواه اللّوم والشؤم(2)
الوليد بن صبيح قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّ هذا الأمر لا يدّعيه غير صاحبه إلاّ بتر اللّه عمره(1) .
وقال أبو الحسن الرفا لابن رامين الفقيه : لمّا خرج النبي صلى الله عليه و آله من المدينة ما استخلف عليها أحدا ؟ قال : بلى ، استخلف عليا عليه السلام .
قال : وكيف لم يقل لأهل المدينة اختاروا ، فإنّكم لا تجتمعون على الضلال ؟ قال : خاف عليهم الخلف والفتنة ، قال : فلو وقع بينهم فساد لأصلحه عند عودته ، قال : هذا أوثق .
قال : أفأستخلف أحدا بعد موته ؟ قال : لا ، قال : فموته أعظم من سفره ؟! فكيف أمن على الأمّة بعد موته ما خافه في سفره - وهو حيّ - عليهم ؟ فقطعه .
* * *
قال العبدي :
وقالوا رسول اللّه ما اختار بعده
إماما ولكنّا لأنفسنا اخترنا
أقمنا إماما إن أقام على الهدى
أطعنا وإن ضلّ الهداية قوّمنا
فقلنا إذا أنتم إمام إمامكم
بحمد من الرحمن تهتم ولا تهنا
ص: 50
ولكنّنا اخترنا الذي اختار ربّنا
لنا يوم خمّ ما اعتدينا ولا حلنا
سيجمعنا يوم القيامة ربّنا
فتجزون ما قلتم ونجزى الذي قلنا
هدمتم بأيديكم قواعد دينكم
ودين على غير القواعد لا يبنى
ونحن على نور من اللّه واضح
فيا ربّ زدنا منك نورا وثبتنا
نهج البلاغة : لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى يحضرها عامة الناس ما إلى ذلك سبيل ، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها ، ثم ليس للشاهد أن يرجع ، ولا للغائب أن يختار(1) .
* * *
قال يحيى بن الوزير المغربي :
إذا كان لا يعرف الفاضلين
إلاّ شبيههم في الفضيله
فمن أين للأمّة الاختيار
وما لعقولهم المستحيله(2)
* * *
وقال ابن هاني المغربي(3) :
ص: 51
عجبت لقوم أضلّوا السبيل
وقد بيّن اللّه أين الهدى
فما عرفوا الحقّ لمّا استبان
ولا أبصروا الرشد لما بدا
وما خفي الرشد لكنّما
أضلّ الحلوم اتباع الهوى
* * *
وقال غيره :
نور الهداية لا يخفى على أحد
لولا اتباع الهوى والغي والحسد
قد بين اللّه ما يرضى ويسخطه
منّا وفرق بين الغي والرشد
بأحمد المصطفى الهادي وعترته
من اهتدى بهداهم واستقام هدي
إنّ الإمامة ربّ العرش ينصبها
مثل النبوة لم تنقص ولم تزد
واللّه يختار من يرضاه ليس لنا
نحن اختيار كما قد قال فاقتصد
* * *
ص: 52
سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن قوله : « وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ » قال : كلّ من زعم أنّه إمام وليس بإمام .
قلت : وإن كان علويا فاطميا ؟ قال : وإن كان علويا فاطميا(1) .
أبو خالد القمّاط : أخبر أبا عبد اللّه عليه السلام : أنّ رجلاً قال لي : ما منعك أن تخرج مع زيد ؟ قلت له : إن كان أحد في الأرض مفروض الطاعة فالخارج والداخل موسع لهما(2) .
ص: 53
زرارة بن أعين : قال لي زيد بن علي عليه السلام عند الصادق عليه السلام : ما تقول في رجل من آل محمد صلى الله عليه و آله استنصرك ؟ فقلت : إن كان مفروض الطاعة نصرته ، وإن كان غير مفروض الطاعة فلي أن أفعل ، ولي أن لا أفعل .
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام لمّا خرج زيد : أخذته - واللّه - من بين يديه ومن
خلفه ، وما تركت له مخرجا(1) .
أبو مالك الأحمسي : قال زيد بن علي عليهماالسلام لصاحب الطاق : إنّك تزعم أنّ في آل محمد صلى الله عليه و آله إماما مفترض الطاعة معروفا بعينه ؟ قال : نعم ، وكان
أبوك أحدهم .
قال : ويحك ، فما كان يمنعه من أن يقول لي؟! فواللّه إن كان يؤتى بالطعام الحار فيقعدني على فخذه ، ويتناول المضغة فيبرّدها ، ثم يلقمنيها ، افتراه أنّه كان يشفق عليّ من حرّ الطعام ، ولا يشفق عليّ من حرّ النار ! فيقول لي : إذا أنا متّ فاسمع وأطع لأخيك محمد الباقر ابني ، فإنّه الحجّة عليك ، ولا يدعني أموت ميتة جاهلية ؟!
ص: 54
فقال: كره أن يقول لك فتكفر ، فيجب من اللّه عليك الوعيد ، ولا يكون له فيك شفاعة ، فتركك مرجيا للّه فيك المشيئة ، وله فيك الشفاعة .
ثم قال : أنتم أفضل أم الأنبياء ؟
قال : بل الأنبياء ، قال : يقول يعقوب ليوسف عليهماالسلام « لا تَقْصُصْ رُؤياكَ
عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً » لم لم يخبرهم حتى كانوا لا يكيدونه ، ولكن كتمهم ، وكذا أبوك كتمك لأنّه خاف منك على محمد عليه السلام ، إن هو أخبرك بموضعه من قلبه ، وبما خصّه اللّه به ، فتكيد له كيدا ، كما خاف يعقوب على يوسف عليهماالسلام من إخوته(1) .
فبلغ الصادق عليه السلام مقاله ، فقال : واللّه ما خاف غيره .
وقال زيد بن علي عليهماالسلام : ليس الإمام منّا من أرخى عليه ستره ، إنّما الإمام من أشهر سيفه .
فقال له أبو بكر الحضرمي : يا أبا الحسن ، أخبرني عن علي بن أبي طالب عليهماالسلام أكان إماما ، وهو مرخى عليه ستره ، أو لم يكن إماما ، حتى خرج وشهر سيفه ؟
فلم يجبه زيد ، فردّد عليه ذلك ثانيا وثالثا ، كلّ ذلك لا يجيبه بشيء ، فقال أبو بكر : إن كان علي بن أبي طالب عليهماالسلام إماما ، فقد يجوز أن يكون
ص: 55
بعده إمام ، وهو مرخى عليه ستره ، وإن كان علي عليه السلام لم يكن إماما ، وهو مرخى عليه ستره ، فأنت ما جاء بك هاهنا(1) ؟
وسأل زيدي الشيخ المفيد ، وأراد الفتنة ، فقال : بأيّ شيء استجزت إنكار إمامة زيد ؟
فقال : إنّك قد ظننت عليّ ظنّا باطلاً ، وقولي في زيد لا يخالفني فيه أحد من الزيدية .
فقال : وما مذهبك فيه ؟
قال : أثبت في إمامته ما ثبتته الزيدية ، وأنفي عنه من ذلك ما تنفيه ، وأقول كان إماما في العلم والزهد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأنفي عنه الإمامة الموجبة لصاحبها العصمة والنصّ والمعجز ، فهذا ما لا يخالفني عليه أحد(2) .
* * *
قال ابن الحجاج :
أهلاً وسهلاً بالأغرّ ابن الميامين الغرر
أهلاً وسهلاً بابن زمزم والمشاعر والحجر
ص: 56
بابن الذي لولاه ما اقتربت ولا انشق القمر
بابن الذي نزلت عليه المحكمات من السور
بابن الذي هو والنبي محمد خير البشر
ومن استجاز خلاف ذلك أو رواه فقد كفر
* * *
وقال الرضي :
إذا ذكروه للخلافة لم تزل
تطلع من شوق رقاب المنابر
إذا عدّدوا المجد التليد تنحّلوا
علاً تتبرّا من عقود الخناصر
حريّون إلاّ أن تهزّ رماحهم
ضنينون إلاّ بالعلى والمفاخر
* * *
ص: 57
موسى بن عبد اللّه بن حسن بن حسن ، ومعتب ومصادف موليا الصادق عليه السلام في خبر : إنّه لمّا دخل هشام بن الوليد المدينة أتاه بنو العباس ، وشكوا من الصادق عليه السلام أنّه أخذ تركات ماهر الخصي دوننا .
فخطب أبو عبد اللّه عليه السلام ، فكان ممّا قال : إنّ اللّه - تعالى - لمّا بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان أبونا أبو طالب المواسي له بنفسه ، والناصر له ، وأبوكم العباس ، وأبو لهب يكذبانه ، ويؤلّبان عليه شياطين الكفر ، وأبوكم يبغي له الغوائل ، ويقود إليه القبائل في بدر ، وكان في أول رعيلها وصاحب خيلها ورجلها المطعم - يومئذٍ - والناصب الحرب له .
ثم قال : فكان أبوكم طليقنا وعتيقنا ، وأسلم كارها تحت سيوفنا ، لم يهاجر إلى اللّه ورسوله هجرة قطّ ، فقطع اللّه ولايته منّا بقوله : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ » ، في كلام له .
ثم قال : هذا مولى لنا مات فحزنا تراثه ، إذ كان مولانا ، ولأنّا ولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأمّنا فاطمة عليهاالسلام أحرزت ميراثه .
ص: 58
واستدلّ الفضل بن شاذان بقوله : « وَأُولُوا الأَْرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ » إذ أوجب اللّه للأقرب برسول اللّه صلى الله عليه و آله الولاية، وحكم بأنّه أولى من غيره ، فإنّ عليا عليه السلام أولى بمقام النبي صلى الله عليه و آله من كلّ أحد ، لأنّ الإمامة فرع الرسالة .
فأمّا العباس ، فإنّ اللّه - تعالى - يذكر الأقرب به دون أن علّقه بوصف ، فقال : « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ » الآية ، فشرط في الأولى به الإيمان والهجرة ، ولم يكن العباس مهاجرا بالإجماع .
ثم إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان أقرب إلى النبي صلى الله عليه و آله من العباس ، وأولى بمقامه
إن ثبت أنّ المقام موروث ، وذاك أنّ عليا عليه السلام كان ابن عمّه لأبيه وأمّه ، والعباس عمّه لأبيه خاصة ، ومن يقرب بسببين كان أقرب ممّن يقرب بسبب واحد ، ولو لم تكن فاطمة عليهاالسلام موجودة بعد الرسول لكان علي عليه السلام
أحقّ بتركته من العباس، ولو ورث مع الولد غير الأبوين والزوج والزوجة، فكان أمير المؤمنين عليه السلام أحقّ بميراثه مع فاطمة عليهاالسلام من العباس ، لما قدّمت من انتظام القرابة من جهتين ، واختصاص العباس لها من جهة واحدة(1) .
وقال سعيد بن جبير لابن عباس : رجل مات وخلّف عمّه وابنته ؟ قال ابن عباس : المال بينهما نصفان .
ص: 59
قال سعيد : فما بال فاطمة عليهاالسلام أحرزت ميراث النبي صلى الله عليه و آله دون العباس ؟ قال : ما أحرزته دونه ، وقد ورثاه جميعا .
قال : فهل عندك سلاحه ولامته وسيفه وخاتمه وبغلته وقضيبه ، وغير ذلك من تراثه ؟ قال : أمّا هذا فلا .
قال : فما الذي ورث العباس من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟
وسأل المعتصم أحمد بن حنبل : كان أبو بكر أفضل الصحابة أم علي عليه السلام ؟ قال : أبو بكر أفضل الصحابة ، وعلي أفضل أهل البيت عليهم السلام .
قال : أترجّح ابن العمّ على العمّ ؟ قال : إنّ حمزة والعباس قالا ذلك لرسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم أمر بسدّ الأبواب .
وسأل الشيخ المفيد عباسي بمحضر أجلّتهم : من كان الإمام بعد النبي صلى الله عليه و آله ؟ قال : من دعاه العباس أن يمدّ يده لبيعته على حرب من حارب وسلم من سالم .
قال : ومن هذا ؟ قال : علي بن أبي طالب عليهماالسلام حيث قال له العباس في اليوم الذي قبض فيه النبي صلى الله عليه و آله بما اتفق عليه النقل : ابسط يدك يا بن أخي أبايعك ، فيقول الناس : عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بايع ابن عمّه ، فلا يختلف عليك إثنان .
ص: 60
قال : فما كان الجواب من علي عليه السلام ؟ قال : كان الجواب : إنّ النبي صلى الله عليه و آلهعهد إليّ أن لا أدعو أحدا حتى يأتوني ، ولا أجرّد سيفا حتى يبايعوني ، فإنّما أنا كالكعبة أُقصد ولا أقصد ، ومع هذا فلي برسول اللّه صلى الله عليه و آله شغل .
فقال العباسي : كان العباس إذا على خطأ في دعائه إلى البيعة ، قال : لم يخطئ العباس فيما قصد ، لأنّه عمل على الظاهر ، وكان عمل أمير المؤمنين عليه السلام على الباطن ، وكلاهما أصابا الحقّ .
قال : فإن كان علي عليه السلام هو الإمام بعد النبي صلى الله عليه و آله فقد أخطأ الشيخان ومن تبعهما ، قال : فإن استعظمت تخطئة من ذكرت ، فلابد لك من تخطئة علي عليه السلام والعباس من قبل ، إنّهما تأخّرا عن بيعة أبي بكر ، ولم يرضيا بتقدّمه عليهما ، ولا رآهما أبو بكر ولا عمر أهلاً أن يشاركاهما في شيء من أمورهما ، وخاصة ما صنعه عمر يوم الشورى ، لمّا ذكر عليا عابه ، ووصفه بالدعابة تارة ، وبالحرص على الدنيا أخرى ، وأمر بقتله إن خالف عبد الرحمن ، وجعل الحقّ في حيّز عبد الرحمن دونه ، وفضّله عليه ، وذكر من يصلح للإمامة في الشورى ، ومن يصلح للاختيار ، فلم يذكر العباس في أحد الطائفتين ، وقد أخذ من علي عليه السلاموالعباس ، وجميع بني هاشم الخمس ، وجعله في السلاح والكراع ، فإن كنت أيّها الشريف تنشط للطعن على علي عليه السلام والعباس بخلافهما للشيخين ، وتأخرّهما عن بيعتهما ، وترى من العقد ما سنّه الشيخان في التأخير لهما عن شريف المنازل ، والحطّ من أقدارهما ، فصر إلى ذلك ، فإنّه الضلال(1) .
ص: 61
قال أبو طالب المحسن الحسيني النصيبي :
وقد كان في الشورى من القوم ستة
ولم يك للعباس ثم دخول
نفاه أبو حفص ولم يرضه لها
أصاب أم أخطأ أيّ ذاك نقول
وجمع المكتفي بين هارون الشاري وأحمد القرمطي صاحب الدكة ، وقال : تناظرا في الإمامة .
فقال الشاري : من الإمام بعد النبي صلى الله عليه و آله ؟ قال : علي عليه السلام .
قال : بأيّ حجّة ؟ فإن كان بالوراثة فالعباس ، وإن كان بالإجماع فأبو بكر .
فقال القرمطي : أمّا أبو بكر ، ما اختلفوا في نزاعه ، وأنّه بايع بعد عراك ، ولم يبايع هو وأصحابه إلاّ بعد ما خشوا الفتنة ، فأمّا العباس فلا يؤم الطلقاء بالمهاجرين .
فقال الشاري : صدقت إلاّ أنّه أحدث ، ففرّق بينهما إلى محبسهما .
* * *
من ورث المصحف والبغلة
والسيف جميعا والردا
سوى علي المرتضى فطالب
العباس مولاي بذاك وادعى
فاحتكما إلى عتيق فرأى
إنّ الولاء لعلي فقضى
ص: 62
قال اللّه تعالى : « لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ » .
معقل بن يسار : قال النبي صلى الله عليه و آله : رجلان من أمّتي لا تنالهما شفاعتي : إمام ظلوم غشوم ، وغال في الدين مارق منه(1) .
الأصبغ ابن نباتة : قال أمير
المؤمنين عليه السلام : إنّي بريء من الغلاة كبراءة عيسى ابن مريم عليهماالسلام من النصارى ، اللّهم اخذلهم أبدا ولاتنصر منهم أحدا(2) .
الصادق عليه السلام : الغلاة شرّ خلق اللّه ، يصغّرون عظمة اللّه ، ويدّعون
الربوبية لعباد اللّه ، واللّه إنّ الغلاة لشرّ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا(3) .
* * *
للمؤلف :
فلا تدخلن في علا الأنبياء
وفي الأوصياء بجهل غلوا
ولا تنسين الذي قاله
جعلنا لكلّ نبي عدوا
ص: 63
وكان النبي صلى الله عليه و آله قد أخبر بذلك ، روى أحمد بن حنبل في المسند ، وأبو
السعادات في فضائل العشرة : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : يا علي ، مثلك في هذه الأمّة كمثل عيسى بن مريم ، أحبّه قوم فأفرطوا فيه ، وأبغضه قوم فأفرطوا فيه .
قال : فنزل الوحي « وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ »(1) .
أبو سعد الواعظ في شرف النبي صلى الله عليه و آله : لولا أنّي أخاف أن يقال فيك ما قالت النصارى في المسيح ، لقلت اليوم فيك مقالة ، لا تمرّ بملأ من المسلمين إلاّ أخذوا تراب نعليك ، وفضل وضوئك يستشفون به ، ولكن حسبك أن تكون منّي وأنا منك ، ترثني وأرثك(2) . . « الخبر » .
رواه أبو بصير عن الصادق(3) عليه السلام .
* * *
في الألفية :
لولا مخافة مفتر من أمّتي
ما في ابن مريم يفتري النصراني
ص: 64
أظهرت فيك مناقبا في فضلها
قلب الأريب يظلّ كالحيران
ولسارع الأقوام منك لأخذ ما
وطأته منك من الثرى العقيان
متبركين بذاك ترأمة لهم
شمّ المعاطس أيّ ما رئمان(1)
* * *
ولغيره :
فلو أبصر النساك(2) ما تحت ثوبه
لهاموا به من طيبه وتمسّحوا
عبد اللّه بن سنان : إنّ عبد اللّه بن سبأ كان يدّعي النبوة ، ويزعم أنّ أمير المؤمنين عليه السلام هو اللّه ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ، فدعاه وسأله ، فأقرّ بذلك وقال : أنت هو ، فقال له : ويلك ، قد سخر منك الشيطان ، فارجع عن هذا - ثكلتك أمّك - وتب .
فلمّا أبى حبسه واستتابه ثلاثة أيام ، فأحرقه بالنار(1) .
وروي : أنّ سبعين رجلاً من الزطّ أتوه عليه السلام بعد قتال أهل البصرة يدعونه إلها بلسانهم ، وسجدوا له ، قال لهم : ويلكم لا تفعلوا إنّما أنا مخلوق مثلكم .
فأبوا عليه ، فقال : فإن لم ترجعوا عمّا قلتم فيّ ، وتتوبوا إلى اللّه ، لأقتلنّكم .
قال : فأبوا ، فخدّ لهم أخاديد ، وأوقد نارا ، فكان قنبر يحمل الرجل بعد الرجل على منكبه فيقذفه في النار ، ثم قال :
إنّي إذا أبصرت أمرا منكرا
أوقدت نارا ودعوت قنبرا
ثم احتفرت حفرا فحفرا
وقنبر يخطم خطما منكرا(2)
ص: 66
وقال السيد الحميري :
قوم غلوا في علي لا أبا لهم
وجشموا أنفسا في حبّه تعبا
قالوا هو اللّه جلّ اللّه خالقنا
من أن يكون ابن أم أو يكون أبا
فمن أدار أمور الخلق بينهم
إذ كان في المهد أو في البطن محتجبا
ثم أحيى ذلك رجل اسمه محمد بن نصر النميري البصري ، زعم أنّ اللّه - تعالى - لم يظهر إلاّ في هذا العصر ، وأنّه علي عليه السلام وحده ، فالشرذمة النصيرية ينتمون إليه ، وهم قوم إباحية تركوا العبادات والشرعيات ، واستحلّوا المنهيات والمحرمات .
ومن مقالهم : إنّ اليهود على الحقّ ، ولسنا منهم ، وإنّ النصارى على الحقّ ، ولسنا منهم(1) .
* * *
قال المؤلف :
ذلّ قوم بنصير انتصروا
وعموا في أمرهم ما نظروا
أسرفوا في بغيهم وانهمكوا
ربحوا فيما ترى أم خسروا
فاقْرَأَن في حقّهم ما قاله
كيف يهدي اللّه قوما كفروا
ص: 67
اختلفت الأمّة بعد النبي صلى الله عليه و آله في الإمامة بين النصّ والاختيار ، فصحّ لأهل النصّ من طرق المخالف والمؤالف بأنّ الأئمة إثنا عشر ، ونبغت(1) « السبعية » بعد جعفر الصادق عليه السلام ، وادعوا دعوى فارقوا بها الأمّة بأسرها(2) .
وكان الصادق عليه السلام قد نصّ على ابنه موسى عليه السلام ، وأشهد على ذلك ابنيه إسحاق وعليا ، والمفضل بن عمر ، ومعاذ بن كثير ، وعبد الرحمن بن الحجاج ، والعيص بن المختار ، ويعقوب السراج ، وحمران بن أعين ، وأبا بصير ، وداود الرقي ، ويونس بن ظبيان ، ويزيد بن سليط ، وسليمان بن خالد ، وصفوان الجمال ، والكتب بذلك شاهدة(3) .
وكان الصادق عليه السلام أخبره بهذه الفتنة بعده ، وأظهر موت إسماعيل وغسله وتجهيزه ودفنه ، وتشيّع في جنازته بلاحذاء(4) ، وأمر بالحجّ عنه بعد وفاته(5) .
ص: 68
أنفذ أبو جعفر الباقر عليه السلام لعكاشة بن محصن الأسدي بصرّة إلى دار ميمون بشراء جارية من صفتها كذا للصادق عليه السلام .
فلمّا أتى النخاس قال : لا أبيعها إلاّ بسبعين ، فجعل يفتح الصرّة ، فقال : لا تفتح لا تكون حبّة أقلّ منه .
فلمّا فتح كان كذلك .
قال : فأورد بالجارية إلى الصادق عليه السلام ، فقال : ما اسمك ؟
قالت : حميدة .
فقال : حميدة في الدنيا ، ومحمودة في الآخرة ، حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب ، ما زالت الملائكة تحرسها حتى أدّيت إليّ ، كرامة من اللّه لي ، وللحجّة من بعدي .
ثم سألها : أبكر أنت أم ثيب ؟
قالت : بكر .
قال : وأنّى تكونين من أيدي النخاسين ؟!
قالت : لمّا كان همّ بي يأتيه شيخ ، وما زال يلطمه على حرّ وجهه حتى يتركني .
ولمّا اشتراها النخاس رأته إمرأة من أهل الكتاب ، وقالت : سيولد منك أعزّ الخلق على الأرض(1) .
ص: 69
ابن بابويه بالإسناد عن منصور بن حازم قال : كنت جالسا مع أبي عبد اللّه عليه السلام على الباب ، ومعه إسماعيل ، إذ مرّ علينا موسى
عليه السلام ، وهو غلام ، فقال إسماعيل : سبق بالخير ابن الأمة .
ابن بابويه بالإسناد عن الوليد بن صبيح قال : رأيت إسماعيل بن جعفر عليه السلام في قوم يشربون ، فخرجت مغموما ، فجئت الحجر ، فإذا
إسماعيل متعلّق بالبيت يبكي قد بلّ أستار الكعبة بدموعه ، فرجعت أسير ، فإذا إسماعيل جالس مع القوم ، فرجعت فإذا هو آخذ بأستار الكعبة قد بلّها بدموعه .
قال : قال : فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام ، فقال : لقد ابتلى ابني بشيطان يتمثّل في صورته(1) .
وقد روي أنّ الشيطان لا يتمثّل في صورة نبي ، ولا في صورة وصي(2) .
زرارة بن أعين قال : دعى الصادق عليه السلام داود بن كثير الرقي ، وحمران بن
ص: 70
أعين ، وأبا بصير ، ودخل عليه المفضل بن عمر ، وأتى بجماعة حتى صاروا ثلاثين رجلاً .
فقال : يا داود ، اكشف عن وجه إسماعيل ، فكشف عن وجهه .
فقال : تأمّله - يا داود - فانظره ، أحيّ هو أم ميت ؟
فقال : بل هو ميت .
فجعل يعرضه على رجل رجل حتى أتى على آخرهم ، فقال عليه السلام : اللّهم
اشهد .
ثم أمر بغسله وتجهيزه ، ثم قال : يا مفضل ، احسر عن وجهه ، فحسر عن وجهه فقال : أحيّ هو أم ميت ؟ انظروه أجمعكم ، فقال : بل هو - يا سيدنا - ميت ، فقال : شهدتم بذلك وتحقّقتموه ؟ قالوا : نعم ، وقد تعجبوا من فعله .
فقال : اللّهم اشهد عليهم .
ثم حمل إلى قبره ، فلمّا وضع في لحده ، قال : يا مفضل ، اكشف عن وجهه ، فكشف .
فقال للجماعة : انظروا أحيّ هو أم ميت ؟ فقالوا : بل ميت ، يا ولي اللّه .
فقال : اللّهم اشهد ، فإنّه سيرتاب المبطلون ، « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤا نُورَ اللّهِ » ، ثم أومى ء إلى موسى عليه السلام وقال : « وَاللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ » .
ثم حثوا عليه التراب ، ثم أعاد علينا القول ، فقال : الميّت ، المكفّن ، المحنّط ، المدفون في هذا اللحد من هو ؟ قلنا : إسماعيل ولدك .
ص: 71
فقال : اللّهم اشهد .
ثم أخذ بيد موسى عليه السلام فقال : هو حقّ ، والحقّ معه ومنه إلى أن يرث اللّه
الأرض ومن عليها(1) .
عنبسة العباد قال : لمّا توفي إسماعيل بن جعفر ، قال الصادق عليه السلام : أيّها الناس إنّ هذه الدنيا دار فراق ، ودار التواء لا دار استواء ، في كلام له . .
ثم تمثّل بقول أبي خراش :
فلا تحسبن أنّي تناسيت عهده
ولكن صبري يا أميم جميل(2)
كهمس في حديثه : حضرت موت إسماعيل وأبو عبد اللّه عليه السلام جالس
عنده .
ثم قال بعد كلام : كتب على حاشية الكفن : إسماعيل يشهد أن لا إله إلاّ اللّه (3) .
ص: 72
وروي عن الصادق عليه السلام أنّه استدعى بعض شيعته ، وأعطاه دراهم ، وأمره أن يحجّ بها عن ابنه إسماعيل ، وقال له : إنّك إذا حججت عنه لك تسعة أسهم من الثواب ، ولإسماعيل سهم واحد(1) .
* * *
أنشد داود بن القاسم الجعفري :
لمّا انبرى لي سائل لأجيبه
موسى أحقّ بها أم إسماعيل
قلت الدليل معي عليك وما على
ما تدّعيه للإمام دليل
موسى أطيل له البقاء فحازها
إرثا ونصّا والرواة تقول
إنّ الإمام الصادق ابن محمد
عزّي بإسماعيل وهو جديل
وأتى الصلاة عليه يمشي راجلاً
أفجعفر في وقته معزول
* * *
وقال غيره :
سألنا ملحدا إثبات دين
فعاندنا ومجمج(2) في دليله
وأرعد ثم أبرق ثم ولّىوبادر بالمقال إلى خليله
حكمت عليهم بالكفر حقّالقد كفروا وصدّوا عن سبيله
* * *
ص: 73
في حلية الأولياء قال أبو مجلز(1) : قال علي بن أبي طالب عليهماالسلام : عابوا عليّ بحكم الحكمين ، وقد حكم اللّه في طائر حكمين(2) .
إبانة أبي عبد اللّه بن بطّة : ناظر ابن عباس جماعة الحرورية ، فقال : ماذا نقمتم على أمير المؤمنين ؟
قالوا : ثلاثا : أنّه حكم الرجال في دين اللّه فكفر ، وأنّه قاتل ولم يغنم ، ولم يسب ، ومحا اسمه من إمرة المؤمنين .
فقال : إنّ اللّه حكم رجالاً في أمر اللّه مثل قتل صيدٍ ، فقال : « يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ » .
وفي الإصلاح بين الزوجين ، قال : « وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها » .
وأمّا أنّه قاتل ولم يسب ، ولم يغنم ، أفتسبون أمّكم عائشة ،
ص: 74
ثم تستحلّون منها
ما يستحلّ من غيرها ؟ فلئن فعلتم لقد كفرتم ، وهي أمّكم ، وإن قلتم ليست بأمّنا فقد كذبتم ، لقوله « وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ » .
وأمّا أنّه محا اسمه من إمرة المؤمنين ، لقد سمعتم بأنّ النبي صلى الله عليه و آله أتاه سهيل بن عمرو وأبو سفيان للصلح يوم الحديبية ، فقال اكتب : هذا ما صالح عليه محمد رسول اللّه . . القصة ، وواللّه لرسول اللّه صلى الله عليه و آله خير من علي عليه السلام ، وما خرج من النبوة بذلك .
فقال بعضهم : هذا من الذين قال اللّه - تعالى - : « بَلْ هُمْ قَوْمٌ
خَصِمُونَ » ، وقال « وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا » احتجاج قريش عليهم .
قال : ورجع منهم خلق كثير(1) .
وناظر عبد اللّه بن أباض هشام بن الحكم قبل الرشيد ، فقال هشام : إنّه لا مسألة للخوارج علينا .
فقال الأباضي : كيف ذاك ؟
قال : لأنّكم قوم قد اجتمعتم معنا على ولاية رجل وتعديله ، والإقامة بإمامته وفضله ، ثم فارقتمونا في عداوته والبراءة منه ، فنحن على إجماعنا وشهادتكم لنا ، وخلافكم لنا غير قادح في مذهبنا ، ودعواكم
ص: 75
غير مقبولة علينا ، إذ الاختلاف لا يقابل بالاتفاق ، وشهادة الخصم لخصمه مقبولة ، وشهادته عليه مردودة غير مقبولة .
فقال يحيى بن خالد : قد قربت قطعه ، ولكن جاره(1) شيئا .
فقال هشام : ربما انتهى الكلام إلى حدّ يغمض ويدقّ على الأفهام ، والإنصاف بالواسطة ، والواسطة إن كان من أصحابي لم يؤمن عليه العصبية لي ، وإن كان من أصحابك لم أجبه في الحكم عليّ ، وإن كان مخالفا لنا جميعا لم يكن مأمونا عليّ ولا عليك ، ولكن يكون رجلاً من أصحابي ، ورجلاً من أصحابك ، فينظران فيما بيننا ، قال : نعم .
فقال هشام : لم يبق معه شيء .
ثم قال : إنّ هؤلاء القوم لم يزالوا معنا على ولاية أمير المؤمنين عليه السلامحتى
كان من أمر الحكمين ما كان ، فاكفروه بالتحكيم ، وضلّلوه بذلك ، وهذا الشيخ قد حكم رجلين مختلفين في مذهبهما ، أحدهما يكفره ، والآخر يعدّله ، فإن كان مصيبا في ذلك ، فأمير المؤمنين عليه السلام أولى بالصواب ، وإن كان مخطئا ، فقد أراحنا من نفسه بشهادته بالكفر عليها ، والنظر في كفره وإيمانه أولى من النظر في إكفاره عليا عليه السلام .
فاستحسن الرشيد ذلك ، وأمر له بجائزة(2) .
ص: 76
قال مؤمن الطاق للضحاك الشاري لمّا خرج من الكوفة محكما، وتسمّى بإمرة المؤمنين : لم تبرأتم من علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، واستحللتم قتاله ؟
قال : لأنّه حكّم في دين اللّه .
قال : وكلّ من حكّم في دين اللّه استحللتم قتله ؟ قال : نعم .
قال : فأخبرني عن الدين الذي جئت به أناظرك عليه لأدخل فيه معك إن علت حجّتك حجّتي ؟
قال : فمن يشهد للمصيب بصوابه ، لابد لنا من عالم يحكم بيننا .
قال : لقد حكمت - يا هذا - في الدين الذي جئت أناظرك فيه ، قال : نعم .
فأقبل الطاقى على أصحابه ، فقال : إنّ هذا صاحبكم قد حكّم في دين اللّه فشأنكم به ، فضربوا الضحاك بأسيافهم(1) .
* * *
وقال القاضي التنوخي في جواب ابن المعتز :
وعبت عليا في الحكومة بينه
وبين ابن حرب في الطغام الأشائب(2)
وقد حكّم المبعوث يوم قريظةولا عيب في فعل الرسول لعايب
ص: 77
وقال ابن العوذي :
وقالوا علي كان في الحكم ظالما
ليكثر بالدعوى عليه التظلّم
وقالوا دماء الناس ظلما أراقها
وقد كان في القتلى برئ ومجرم
* * *
ص: 78
ص: 79
ص: 80
سئل الباقر عليه السلام : لأيّ علّة ترك أمير المؤمنين عليه السلام فدك لمّا ولى الناس ؟
فقال : للإقتداء برسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا فتح مكة ، وقد باع عقيل داره ! فقيل : ألا ترجع إلى دارك ؟ فقال : وهل ترك عقيل لنا دارا ، إنّا أهل بيت لا نسترجع شيئا يؤخذ منّا ظلما(1) .
وفى خبر : لأنّ الظالم والمظلومة قد كانا قدما على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأثاب اللّه المظلومة عليهاالسلام ، وعاقب الظالم(2) .
وقال ضرار لهشام بن الحكم : ألا دعا علي عليه السلام الناس عند وفاة النبي صلى الله عليه و آله إلى الائتمام به إن كان وصيّا ؟
قال : لم يكن واجبا عليه ، لأنّه قد دعاهم إلى موالاته والائتمام به النبي صلى الله عليه و آله يوم الغدير ويوم تبوك وغيرهما ، فلم يقبلوا منه ، ولو كان ذلك جائزا لجاز على آدم عليه السلام أن يدعو إبليس إلى السجود له بعد إذ دعاه ربّه إلى ذلك ، ثم إنّه صبر كما صبر أولوا العزم من الرسل .
ص: 81
وسأل أبو حنيفة الطاقي فقال : لم لم يطلب علي عليه السلام بحقّه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و آله إن كان له حقّ ؟
قال : خاف أن يقتله الجنّ كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة بن شعبة(1) !
وقيل لعلي بن ميثم : لم قعد عن قتالهم ؟
قال : كما قعد هارون عن السامري ، وقد عبدوا العجل .
قيل : فكان ضعيفا ؟
قال : كان كهارون عليه السلام حيث يقول «ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي » ، وكنوح عليه السلام إذ قال « أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ » ، وكلوط عليه السلام إذ قال : «لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ » ، وكموسى وهارون عليهماالسلام إذ قال موسى : « رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاّ نَفْسِي وَأَخِي »(2) .
* * *
وهذا المعنى قد أخذه من قول أمير المؤمنين عليه السلام لمّا اتصل به الخبر أنّه لم ينازع الأولين ، فقال عليه السلام : لي بستة من الأنبياء أسوة :
ص: 82
أوّلهم : خليل الرحمن ، إذ قال « وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ » ، فإن قلتم : إنّه اعتزلهم من غير مكروه ، فقد كفرتم ، وإن قلتم : إنّه اعتزلهم لمّا رأى المكروه منهم ، فالوصي أعذر .
وبلوط ، إذ قال « لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ » ، فإن قلتم : إنّ لوطا كانت له بهم قوة ، فقد كفرتم ، وإن قلتم : لم يكن له بهم قوّة ، فالوصي أعذر .
وبيوسف ، إذ قال « رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ » ، فإن قلتم : طالب بالسجن بغير مكروه يسخط اللّه ، فقد كفرتم ، وإن قلتم : إنّه دعي إلى ما يسخط اللّه ، فالوصي أعذر .
وبموسى ، إذ قال « فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ » ، فإن قلتم : إنّه فرّ من غير خوف فقد كفرتم ، وإن قلتم : فرّ منهم لسوء أرادوه به ، فأوصي أعذر .
وبهارون ، إذ قال لأخيه : « ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا
يَقْتُلُونَنِي » ، فإن قلتم : لم يستضعفوه ، ولم يشرفوا على قتله ، فقد كفرتم ، وإن قلتم : استضعفوه وأشرفوا على قتله ، فلذلك سكت عنهم ، فالوصي أعذر .
وبمحمد صلى الله عليه و آله ، إذ هرب إلى الغار ، وخلّفني على فراشه ، ووهبت مهجتي للّه ، فإن قلتم : إنّه هرب من غير خوف أخافوه ، فقد كفرتم ، وإن قلتم : إنّهم أخافوه فلم يسعه إلاّ الهرب إلى الغار ، فالوصي أعذر .
فقال الناس : صدقت يا أمير المؤمنين(1) .
ص: 83
قال العوني :
كم من نبي غدا مستضعفا وله
ربّ السماوات بالأملاك يردفه
للّه في الأرض مكر ليس يأمنه
إلاّ كفور شقي الجدّ مقرفه(1)
* * *
وفي نهج البلاغة : فنظرت فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي ، فظننت بهم عن الموت ، فأغضيت على القذى ، وشربت على الشجى ، وصبرت على أخذ الكظم ، وعلى أمرّ من طعم العلقم(2) .
وفي الخصال في آداب الملوك أنّه قال عليه السلام : ولي في موسى عليه السلام أسوة ، وفي خليلي قدوة ، وفي كتاب اللّه عبرة ، وفيما أودعني رسول اللّه صلى الله عليه و آلهبرهان ، وفيما عرفت تبصرة ، إن تكذّبوني فقد كذّبوا الحقّ من قبلي ، وإن ابتلى به ، فتلك سيرتي المحجّة البيضاء ، والسبيل المفضية لمن لزمها من النجاة ، لم أزل عليها ، لا ناكلاً ولا مبدّلاً ، لن أضيع بين كتاب اللّه وعهد ابن عمّي به . . في كلام له .
ثم قال :
لن أطلب العذر في قومي وقد جهلوا
فرض الكتاب ونالوا كلّما حرما
« حبل الإمامة لي من بعد أحمدنا »
الأبيات ...
ص: 84
ومن كلام له عليه السلام رواه محمد بن سلام : فنزل بي من وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آلهما لم تكن الجبال لو حمّلته لحملته ، ورأيت أهل بيته بين جازع لا يملك جزعه ، ولا يضبط نفسه ، ولا يقوى على حمل ما نزل به ، قد أذهب الجزع صبره ، وأذهل عقله ، وحال بينه وبين الفهم والإفهام ، وبين القول والإستماع .
ثم قال بعد كلام : وحملت نفسي على الصبر عند وفاته ، ولزمت الصمت ، والأخذ فيما أمرني به من تجهيزه(1) . . الخبر .
قوله - تعالى - « فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ » كان قتل واحدا على وجه الدفع ، فأصبح في المدينة خائفا « فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً » ، « فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ » ، « رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ » ، «رَبِّ إِنِّي أَخافُ » ، فكيف لا يخاف علي عليه السلام ، وقد وترهم بالنهب ، وأفناهم بالحصيد ، واستأسرهم ، فلم يدع قبيلة من أعلاها إلى أدناها إلاّ وقد قتل صناديدهم .
* * *
قال مهيار :
تركت أمرا ولو طالبته لدرت
معاطس راغمته كيف تجتدع
صبرت تحفظ أمر اللّه ما اطرحوا
ذبّا عن الدين فاستيقظت إذ هجعوا
ليشرقن بحلو اليوم مرّ غد
إذا حصدت لهم في الحشر ما زرعوا
ص: 85
قيل لأمير المؤمنين عليه السلام في جلوسه عنهم ، قال : إنّي ذكرت قول النبي صلى الله عليه و آله : إنّ القوم نقضوا أمرك ، واستبدّوا بها دونك ، وعصوني فيك ، فعليك بالصبر حتى ينزل الأمر ، فإنّهم سيغدرون بك(1) ، وأنت تعيش على ملّتي ، وتقتل على سنّتي ، من أحبّك أحبّني ، ومن أبغضك أبغضني ، وإنّ هذه ستخضب من هذا(2) .
* * *
وسئل الصادق عليه السلام : ما منع عليا عليه السلام أن يدفع أو يمتنع ؟
فقال : منع عليا عليه السلام من ذلك آية من كتاب اللّه تعالى : « لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً » أنّه كان للّه ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كفار ومنافقين ، فلم يكن علي عليه السلام ليقتل حتى تخرج الودائع ، فإذا خرج ظهر على من ظهر وقتله(3) .
* * *
قال ابن حماد :
أغرّك إمهال الإمام لمن بغى
عليه ومن شأن الإمام الرضى المهل
ولو شاء إرسال العذاب إليهم
لما صدّه عن ذاك خيل ولا رجل
ص: 86
ولكنّه أبقى عليهم لعترة
ولو هلك الآباء لانقطع النسل
* * *
زرارة بن أعين قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ما منع أمير
المؤمنين عليه السلام أن يدعو الناس إلى نفسه ، ويجرّد في عدوه سيفه ؟
فقال : لخوف أن يرتدوا فلا يشهدوا أنّ محمدا صلى الله عليه و آله رسول اللّه (1) .
* * *
قال الناشي :
إنّ الذي قبل الوصية ما أتى
غير الذي يرضي الإله وما اغتدى
أصلحت حال الدين بالأمر الذي
أضحى لحالك في الرياسة مفسدا
وعلمت أنّك إن أردت قتالهم
ولّوا عن الإسلام خوفك شردا
فجمعت شملهم بترك خلافهم
وإن اغتديت من الخلافة مبعدا
لتتمّ دينا قد أمرت بحفظه
وجمعت شملاً كاد أن يتبدّدا
ص: 87
وسأل صدقة بن مسلم عمر بن قيس الماصر عن جلوس علي عليه السلام في الدار ؟
فقال : إنّ عليا عليه السلام في هذه الأمّة كان فريضة من فرائض اللّه ، أدّاها نبي اللّه إلى قومه ، مثل الصلاة والزكاة والصوم والحجّ ، وليس على الفرائض أن تدعوهم إلى شيء ، إنّما عليهم أن يجيبوا الفرائض .
وكان علي عليه السلام أعذر من هارون لمّا ذهب موسى عليه السلام إلى الميقات ، فقال لهارون « اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ » ، فجعله رقيبا عليهم .
وإنّ نبي اللّه صلى الله عليه و آله نصب عليا عليه السلام لهذه الأمّة علما ، ودعاهم إليه ، فعلي عليه السلام في عذر ممّا جلس في بيته(1) ، وهم في حرج حتى يخرجوه ، فيضعوه في الموضع الذي وضعه فيه رسول اللّه (2) صلى الله عليه و آله، فاستحسن منه جعفر الصادق عليه السلام.
* * *
قال العوني :
تقول لِم لَم يقاتلهم هناك على
حقّ ليدفع عنه الضيم مرهفه
أم كيف أمهل من لو سلّ صارمه
في وجهه لرأيت الطير يخطفه
فقلت من ثبتت في العقل حكمته
فلا اعتراض عليه حين ينصفه
ص: 88
لِم عمّر اللّه إبليسا وسلّطه
على ابن آدم في الآفات يقرفه
لِم يمهل اللّه فرعونا يقول لهم
إنّي أنا اللّه محي الخلق متلفه
في مجلس لو أراد اللّه كان به
وبالأولى نصروه كان يخسفه
أملى لهم فتمادوا في غوايتهم
إنّ الغوي كذا الدنيا تسوّفه
وهل خلا حجّة للّه ويحك من
جبّار سوء على البأساء يعطفه
ومن كلام أمير المؤمنين عليه السلام وقد سئل عن أمرهما :
وكنت كرجل له على الناس حقّ ، فإن عجّلوا له ماله أخذه وحمدهم ، وإن أخّروه أخذه غير محمودين ، وكنت كرجل يأخذ بالسهولة ، وهو عند الناس محزون(1) ، وإنّما يعرف(2) الهدى بقلّة من يأخذه من الناس ، فإذا سكت فاعفوني(3) .
وقال عليه السلام لعبد الرحمن بن عوف يوم الشورى : إنّ لنا حقّا إن أعطيناه أخذناه ، وإن منعناه ركبنا أعجاز الإبل ، وإن طال "بنا" السرى(4) .
ص: 89
وسئل متكلّم : لِم لَم يقاتل الأولين على حقّه وقاتل الآخرين ؟
فقال : لِم لَم يقاتل رسول اللّه صلى الله عليه و آله على إبلاغ الرسالة في حال الغار ومدّة الشعب ، وقاتل بعدهما ؟
وقال أبان بن تغلب لعبد اللّه بن شريك : لمّا هزمهم أمير المؤمنين عليه السلام
يوم الجمل قال : لا تتبعوا مدبرا ، ولا تجهزوا على جريح ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، فلمّا كان يوم صفين قتل المدبر ، وأجهز على الجريح ، هذه سيرتان مختلفتان ؟
فقال : إنّ أهل الجمل قتلوا طلحة والزبير ، وإنّ معاوية كان قائما بعينه ، وهو قائدهم(1) .
أبو بكر الحضرمي : قال الصادق عليه السلام : لسيرة علي بن أبي طالب عليهماالسلام في أهل البصرة كان خيرا لشيعته ممّا طلعت عليه الشمس ، إنّه علم أنّ للقوم دولة ، فلو سباهم سبيت شيعته(2) .
ص: 90
وقال بعض النواصب لصاحب الطاق : كان علي عليه السلام يسلّم على الشيخين بإمرة المؤمنين ، أفصدق أم كذب ؟
قال : أخبرني أنت عن الملكين اللذين دخلا على داود ، فقال أحدهما : « إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ » كذب أم صدق ؟
فانقطع الناصبي .
ثم قال : وإن كان قاله ، فهو كقول إبراهيم عليه السلام « إِنِّي سَقِيمٌ » ، وكقوله « بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ » ، وكقول يوسف عليه السلام « أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ » .
وقال أبو عبيدة المعتزلي لهشام بن الحكم : الدليل على صحّة معتقدنا وبطلان معتقدكم كثرتنا وقلّتكم ، مع كثرة أولاد علي عليه السلام وادعائهم !
فقال هشام : لست إيانا أردت بهذا القول ، إنّما أردت الطعن على نوح عليه السلام حيث لبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاما يدعوهم إلى النجاة ليلاً ونهارا ، وما آمن معه إلاّ قليل .
وقال أمير
المؤمنين : سرت في أهل البصرة بسيرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أهل مكة(1) .
ص: 92
وأشار على الشيخين ؟ وقعد في الشورى ؟ زوّج عمر ابنته ؟ ]
وقيل لعلي بن ميثم : لم صلّى علي خلف القوم ؟
قال : جعلهم بمنزلة السواري .
* * *
قيل : فلم ضرب الوليد بن عقبة بين يدي عثمان ؟
قال : لأنّ الحدّ له وإليه ، فإذا أمكنه إقامته أقامه بكلّ حيلة .
* * *
قيل : فلم أشار على أبى بكر وعمر ؟
قال : طلبا منه أن يحيي أحكام اللّه ، وأن يكون دينه القيم ، كما أشار يوسف عليه السلام على ملك مصر نظرا منه للخلق ، ولأنّ الأرض والحكم فيها إليه ، فإذا أمكنه أن يظهر مصالح الخلق فعل ، وإن لم يمكنه ذلك بنفسه توصّل إليه على يدي من يمكنه طلبا منه لإحياء أمر اللّه .
* * *
قيل : لم قعد في الشورى ؟
قال : اقتدارا منه على الحجّة ، وعلما بأنّهم إن ناظروه وأنصفوه كان هو الغالب ، ومن كان له دعوى فدعى إلى أن يناظر عليه ، فإن ثبتت له الحجّة أعطته ، فإن لم يفعل بطل حقّه ، وأدخل بذلك الشبهة على الخلق ، وقد قال عليه السلام يومئذٍ : اليوم أدخلت في باب إذا أنصفت فيه وصلت إلى حقّي - يعني أنّ الأول استبد بها يوم السقيفة ولم يشاوره - .
ص: 93
قيل : فلم زوج عمر ابنته ؟
قال(1) : لإظهاره الشهادتين ، واقراره بفضل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وإرادته استصلاحه ، وكفّه عنه ، وقد عرض نبي اللّه لوط عليه السلام بناته على قومه - وهم كفّار - ليردّهم عن ضلالتهم ، فقال : « هؤلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ »(2) ، ووجدنا آسية بنت مزاحم تحت فرعون .
ونكح سبيهم ؟ وحكم في مجالسهم ؟ ]
وسئل الشيخ المفيد : لم أخذ عطاءهم ؟ وصلّى خلفهم ؟ ونكح سبيهم ؟ وحكم في مجالسهم ؟
فقال : أمّا أخذه العطاء فأخذ بعض حقّه .
وأمّا الصلاة خلفهم ، فهو الإمام من تقدّم بين يديه فصلاته فاسدة ، على أنّ كلاً مؤد حقّه .
وأمّا نكاحه من سبيهم :
فمن طريق الممانعة : إنّ الشيعة روت أنّ الحنفية زوجها أمير المؤمنين عليه السلام محمد بن مسلم الحنفي ، واستدلّوا على ذلك بأنّ عمر بن الخطاب لمّا ردّ من كان أبو بكر سباه لم يرد الحنفية ، فلو كانت من السبي لردّها .
ص: 94
ومن طريق المتابعة : أنّه لو نكح من سبيهم لم يكن لكم ما أردتم ، لأنّ الذين سباهم أبو بكر كانوا عندكم قادحين في نبوة رسول اللّه صلى الله عليه و آله كفارا ، فنكاحهم حلال لكلّ أحد ، ولو كان الذين سباهم يزيد وزياد ، وإنّما كان يسوغ لكم ما ذكرتموه إذا كان الذين سباهم قادحين في إمامته ، ثم نكح أمير المؤمنين عليه السلام .
وأمّا حكمه في مجالسهم ، فإنّه لو قدر أن لا يدعهم يحكمون حكما لفعل ، إذ الحكم إليه وله دونهم(1) .
وفي كتاب الكرّ والفرّ : قالوا : وجدنا عليا عليه السلام يأخذ عطاء الأول ، ولا يأخذ عطاء ظالم إلاّ ظالم ؟
قلنا : فقد وجدنا دانيال يأخذ عطاء بختنصر .
وقالوا : قد صحّ إنّ عليا عليه السلام لم يبايع ثم بايع ، ففي أيّهما أصاب أخطأ في الأُخرى ؟
قلنا : وقد صحّ إنّ النبي صلى الله عليه و آله لم يدع في حال ، ودعا في حال ، ولم يقاتل ، ثم قاتل(2) .
ص: 95
وقال رجل للمرتضى : أيّ خليفة قاتل ولم يسب ، ولم يغنم ؟
فقال : ارتد علاثة في أيام أبي بكر ، فقتلوه ، ولم يعرض أبو بكر لماله .
وروي مثل ذلك لمرتد قتل في أيام عمر ، فلم يعرض لماله ، وقتل علي مسورة العجلي ، ولم يعرض لماله ، فالقتل ليس بامارة على تناول المال(1) .
وقال رجل لشريك : أليس قول علي عليه السلام لابنه الحسين عليه السلام يوم الجمل : يا بني ، يودّ أبوك أنّه مات قبل هذا اليوم بثلاثين سنة ، يدلّ على أنّ في الأمر شيئا ؟
فقال شريك : ليس كلّ حقّ يشتهى أن يتعب فيه ، قد قالت مريم في حقّ لا يشكّ فيه « يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا »(2) .
ولمّا قيل لأمير المؤمنين عليه السلام في الحكمين : شككت ؟
ص: 96
قال : أنا أولى بأن لا أشكّ في ديني أم النبي صلى الله عليه و آله ، وما قال اللّه - تعالى - لرسوله صلى الله عليه و آله « قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ »(1) .
وسأل هشام بن الحكم جماعة من المتكلّمين ، فقال : أخبروني حين بعث اللّه محمدا صلى الله عليه و آله بعثه بنعمة تامة أو بنعمة ناقصة ؟
قالوا : بنعمة تامة .
قال : فأيّما أتمّ ، أن يكون في أهل بيت واحد نبوة وخلافة ، أو يكون نبوة بلا خلافة ؟
قالوا : بل يكون نبوة وخلافة .
قال : فلماذا جعلتموها في غيرها ، فإذا صارت في بني هاشم ضربتم وجوههم بالسيوف ، فأفحموا .
* * *
قال الصاحب :
من كالوصي علي عند سابقة
والقوم ما بين تضليل وتسفيه
من كالوصي علي عند مشكلة
وعنده البحر قد فاضت نواحيه
ص: 97
من كالوصي علي عند مخمصة
قد جاد بالقوت إيثارا لعافيه
يا يوم بدر تجشم ذكر موقعة
فاللوح يحفظه والوحي يمليه
وأنت يا أحد هل في الورى أحد
يطيق جحدا لما قد قلته فيه
براءة استرسلي في القوم وانبسطي
فقد لبست جمالاً من توليه
* * *
ص: 98
ص: 99
ص: 100
ص: 101
ص: 102
نسب إلى علم الهدى رحمه اللّه :
الحمد للّه بارئ النسم
مقدّر الرزق قاسم القسم
الواحد الماجد المفيض على
عباده من سوابغ النعم
ربّ توالت فنون نعمته
كما توالت هواطل الديم
نحمده شاكرين أنعمه
حيث هدانا لدينه القيم
وأرسل المرسلين قاطبة
بكتبه حجّة على الأمم
وابتعث المصطفى وفضّله
بأفضل الكتب أشرف الكلم
محمد خير من سعى ودعا
وحجّ بيتا بكعبة الحرم
صلّى عليه الإله ما زهرت
شوابك النجم في دجى الظلم
ثم علي المرتضى وزوجته
وابنيه ثم الإمام ذي الحرم
ثم على باقر وجعفر والكاظم
ثم الرضا ذوي الهمم
ثم ابنه والنقي والحسن
المسموم ثم الإمام ذي العلم
القائم العادل المجدّد دين
المصطفى الحبر سيد النسم
من يملأ الأرض بعد ما ملئت
بالجور والعدل خير مقتسم
هم عصمتي في الورى لأنّهم
خير قرين وخير معتصم
سهّل ويسّر لنا لقاءهم
في جنة الخلد بارئ النسم
واغفر لنا سيئاتنا وقنا
هول عذاب الجحيم والألم
ص: 103
ولعلي بن الهيصم :
الحمد للّه ذي الأفضال والكرم
ربّ البرايا وليّ الطول والنعم
أبدا صنائعه من غيب قدرته
تزهو بدائعها كالروض في الديم
يجري ممالكه سلطان حكمته
ما شاء يخرجه خلقا من العدم
انظر إلى القبة الخضراء عالية
قد زانها الأنجم الزهراء في الظلم
وانظر إلى الأرض فوق الماء طافية
محفوظة بالرواسي الشمّ والأمم
أما ترى شخصك الميمون أبدعه
من نطفة مكنت في ظلمة الرحم
نفسا عجيبا بلا عيب تعاوره
قدّا جميلاً مكين الساق والقدم
فالوجه والعين والأذنان ظاهرة
والقلب والروح والأحشاء في ظلم
فيها دمى حليف العقل مدكر
هذا لحيم أليف النطق والكلم
ص: 104
هذا مرتب أفعال ميسرة
هذا مفتح مخزون ومن كتم
هذا بعرفان محض القول في شرف
هذا بتوحيد ربّ العرش في نعم
سبحان منشئها سبحان مبدعها
أعجب بصنعه في كلّ ذي رقم
اختار من خلقه من شاء مغتنيا
حتى تعالى رفيع الشأن والعلم
واختار منهم رسول اللّه سيدنا
محمدا أفضل الأحياء والنسم
جلّت مناصبه عزّت مناسبه
فاحت أطايبه في الحلّ والحرم
صلّى عليه إله الخلق متصلاً
ما انهل وبل على القيعان(1) والأكم
ثم الصلاة على من بعده خلف
عنه الخليفة حقّا كاسر الصنم
أخو الرسول أميرالمؤمنين وليّ
اللّه خير عباد اللّه كلّهم
ص: 105
ثم الصلاة على نجل له فطن
أعني به الحسن المختار ذي الهمم
ثم الصلاة على نجل له ندس(1)
أعني الحسين كريم الخيم والشيم
ثم الصلاة على زين العباد رضا
أعني عليا علي الفضل والخيم
ثم الصلاة على المعصوم باقرنا
محمد بن علي سيد الأمم
ثم الصلاة على المأمول جعفرنا
الصادق الطاهر الخالي من التهم
ثم الصلاة على المنصوص كاظمنا
الكاظم الغيظ غيظ الخيل والخدم
ثم الصلاة على المظلوم سيدنا
علي بن موسى الرضا المحفاظ للذمم
ثم الصلاة على الصدر التقي ند
محمد بن علي عالم فهم
ثم الصلاة على البدر النقي به
نجل التقي إمام الخلق محتشم
ص: 106
ثم الصلاة على معصومنا الحسن
الزكي وافى الذمام الطاهر الحرم
ثم الصلاة على المهدي قائمنا
م ح م د بن الحسن الكشاف للغمم
عليهم صلوات اللّه زاكية
ما دامت المسكة الذفراء في اللمم
ولغيره خطبة :
الحمد للّه خالق السماوات والأرض ، وجعلها أطباقا ، بعضها فوق بعض ، خالق الرفع والخفض ، والإبرام والنقض ، المنزّه عن الطول والعرض ، « نُورُ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ » .
خالق المساء والصباح، فالق الإصباح ، منشر الرياح ، باعث الأرواح، أهل الجود والسماح ، « مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ » .
مخرج البيض من الدجاجه ، ومنزل الماء من المزن ، بعضها عذب وبعضها أجاجه ، وصف في قلوب المؤمنين سراجه ، فقال « الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ » .
ربّ العالمين ، عليم علي ، وفيما وعد للمؤمنين وفي ، ضرب لنا مثلاً ، ومثله سني ، فقال « كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ » .
ص: 107
يعطي الجزيل من الثواب غير ممنونة ، وأنزل التوراة والإنجيل في صحف مكنونة ، وأنزل القرآن في أوقات ميمونة ، « يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ » .
لا جوهرية ولا عرضية ، ولا سمائية ولا أرضية ، لا فوقية ولا تحتية ، « لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » .
فمن عرفه لم يلحقه إثم ولا عار ، ومن جحد صار إلى النار ، ومن هرب من عذابه لا تنجيه دار ولا غار ، وهو اللّه الواحد القهار ، النافع الضار ، « يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ » .
ومن جماله سرور في سرور ، ومن كماله حبور في حبور ، وفي جنانه قصور في قصور ، وفي كتابه « نُورٌ عَلى نُورٍ » .
إله العزّة والبهاء ، والقدرة والسناء ، « يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ » .
فمن عرفه رفع عنه العقوبة والبأس ، والقنوط واليأس ، « وَيَضْرِبُ
اللّهُ الأَْمْثالَ لِلنّاسِ » .
وهو الملك القديم ، الرحمن الرحيم ، وهو « بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » .
ص: 108
ص: 109
ص: 110
تظاهرت الروايات عن النبي صلى الله عليه و آله في قوله : « اللّهُ نُورُ السَّماواتِ » ، أنّه قال :
يا علي ، النور اسمي .
والمشكاة أنت يا علي .
« الْمِصْباحُ » الحسن والحسين عليهماالسلام .
« الزُّجاجَةُ » علي بن الحسين عليهماالسلام .
« كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ » محمد بن علي عليهماالسلام .
« يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ » جعفر بن محمد عليهماالسلام .
« مُبارَكَةٍ » موسى بن جعفر عليهماالسلام .
« زَيْتُونَةٍ » علي بن موسى عليهماالسلام .
« لا شَرْقِيَّةٍ محمد بن علي عليهماالسلام .
« وَلا غَرْبِيَّةٍ » علي بن محمد عليهماالسلام .
« يَكادُ زَيْتُها » الحسن بن علي عليهماالسلام .
« يُضِيءُ » القائم المهدي عليه السلام .
* * *
ص: 111
كتاب التوحيد عن ابن بابويه بإسناده عن الباقر عليه السلام في قوله : « كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ » قال : نور العلم في صدر النبي صلى الله عليه و آله ، « الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ » صدر علي عليه السلام صار علم النبي صلى الله عليه و آله إلى صدر علي عليه السلام ، علّم النبي صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام ، « يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » نور العلم ، « لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » لا يهودية ولا نصرانية ، « يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ »قال : يكاد العالم من آل محمد صلى الله عليه و آله يتكلّم بالعلم قبل أن يسأل ، « نُورٌ عَلى نُورٍ » أي إمام مؤيد بنور العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمد صلى الله عليه و آله ، وذاك من لدن آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة .
فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم اللّه خلفاءه في أرضه ، وحججه على خلقه ، لا تخلو الأرض في كلّ عصر من واحد منهم(1) .
* * *
وقالوا : الشجرة الرضوان ، والبيعة للنبي صلى الله عليه و آله وللصحابة « لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤمِنِينَ » ، وشجرة النور والمباركة ، وهي الأئمة الإثنى عشر « يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ » .
« وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ » بنو أمية ، عن الباقر وابن المسيب « وَما جَعَلْنَا
الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاّ فِتْنَةً »(2) الآية .
ص: 112
قال الحميري :
غرست نخيل من سلالة آدم
شرفا فطاب بفخر طيب المولد
زيتونة طلعت فلا شرقية
تلقى ولا غربية في المحتد(1)
مازال يشرق نورها من زيتهافوق السهول وفوق صمّ الجلمد(2)
وسراجها الوهّاج أحمد والذييهدى إلى نهج الطريق الأزهد
* * *
وقال الزاهي(3) :
فهم في الكتاب زيتونة النور
وفيها من غير نار وقود
وهم النخل باسقات كما قال
سوار لهن طلع نضيد
وبأسمائهم إذا ذكر اللّه
بأسمائه اقتران وكيد
ص: 113
جابر الجعفي عنه عليه السلام في تفسير قوله « وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ » ، يا جابر « وَالْفَجْرِ » جدّي ، « وَلَيالٍ عَشْرٍ » عشرة أئمة ، « وَالشَّفْعِ »
أمير المؤمنين عليه السلام« وَالْوَتْرِ » اسم القائم عليه السلام .
* * *
قال ابن الحجاج :
أقسمت بالشفع والوتر
والنجم والليل إذا يسري
إنّي إمرؤ قد ضقت ذرعا بما
أطوي من الهمّ على صدري
* * *
وقال الحميري :
الفجرفجرالصبح والشعر عشر
الفجر والشفع النجيان
محمد وابن أبي طالب
والوتر ربّ العزّة الثاني
مقاتل فسّر هذا كذى
تفسير ذي صدق وإيمان
أعني ابن عباس وكان إمرءا
صاحب تفسير وتبيان
الرضا في تفسير قوله « اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ » قال : هدى من في السماوات ، وهدى من في الأرض(1) .
ص: 114
وفى رواية : هاد لأهل السماوات ، وهاد لأهل الأرض(1) .
الصادق عليه السلام : هو مثل ضربه اللّه لنا(2) .
ويقال : أي مزيّنهما(3) .
وذكر صاحب مصباح الواعظ : إنّ اللّه - تعالى - زيّن كلّ شيء بإثني عشر شيئا :
السماء بالبروج « وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا » .
والسنة بالشهور «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ » .
والبحار بالجزائر ، وهي إثنا عشر .
والأرض بمكان الأئمة من أولاد علي وفاطمة عليهم السلام ، للحديث المروي عن زيد الرقاشي عن أنس قال : قال صلّى بنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلاة الفجر ، ولمّا انفتل من الصلاة أقبل علينا بوجهه الكريم ، فقال : معاشر الناس من افتقد الشمس فليستمسك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليستمسك بالزهرة ، ومن افتقد الزهرة فليستمسك بالفرقدين .
فسئل عن ذلك فقال : أنا الشمس ، وعلي القمر ، وفاطمة الزهرة ، والحسن والحسين الفرقدان(4) . ذكره النطنزي في الخصائص .
ص: 115
وفي رواياتنا روى القاسم عن سلمان الفارسي : فإذا فقدتم الفرقدين فتمسكوا بالنجوم الزاهرة(1) .
ثم قال : وأمّا النجوم الزاهرة فهم الأئمة التسعة من صلب الحسين عليهم السلام ، والتاسع مهديهم(2) . . الخبر .
وقد سمّى اللّه - تعالى - إثنى عشر شيئا نورا :
نفسه « اللّهُ نُورُ السَّماواتِ » .
ونبيّه « قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ » .
ووليّه « نُورٌ عَلى نُورٍ » .
والأئمة الإثني عشر « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤا نُورَ اللّهِ » .
والإيمان « مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ » .
والنهار « وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ » .
والقمر « وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً » .
والسعادة « يَسْعى نُورُهُمْ » .
والنار « مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي » .
والطاعة « لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ » .
ص: 116
والتوراة « إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ » .
والقرآن « وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي » .
والعدل « وَأَشْرَقَتِ الأَْرْضُ بِنُورِ رَبِّها » .
جابر الجعفي في تفسيره عن جابر الأنصاري ، قال : سألت النبي صلى الله عليه و آله عن قوله : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ » عرفنا اللّه ورسوله ، فمن « أُولِي الأَْمْرِ » ؟
قال : هم خلفائي - يا جابر - وأئمة المسلمين من بعدي ، أوّلهم علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، ثم الحسن عليه السلام ، ثم الحسين عليه السلام ، ثم علي بن الحسين عليهماالسلام ، ثم
محمد بن علي عليهماالسلام ، المعروف في التوراة ب-« الباقر » ، وستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد عليهماالسلام ، ثم موسى بن جعفر عليهماالسلام ، ثم علي بن موسى عليهماالسلام ، ثم محمد بن علي عليهماالسلام ، ثم علي بن محمد عليهماالسلام ، ثم الحسن بن علي عليهماالسلام ، ثم سمّيي وكنيي ، حجّة اللّه في أرضه ، وبقيته في عباده ، ابن الحسن بن علي عليهم السلام ، الذي يفتح اللّه على يده مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن شيعته غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلاّ من امتحن اللّه قلبه بالإيمان(1) .
ص: 117
أبو بصير عن الباقر عليه السلام في هذه الآية ، قال : الأئمة من ولد علي وفاطمة عليهماالسلام إلى أن تقوم الساعة(1) .
* * *
قال العوني :
نصّ على ستّ وستّ بعده
كلّ إمام راشد برهانه
صلّى عليه ذوالعلى ولم يزل
يغشاه منه أبدا رضوانه
جابر بن يزيد الجعفي عن الباقر في خبر طويل في قوله « فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ » الآية .
فقال : إنّ قوم موسى عليه السلام لمّا شكوا إليه الجدب والعطش استسقوا موسى عليه السلام ، فاستسقى لهم ، فسمعت ما قال اللّه له .
ومثل ذلك جاء المؤمنون إلى جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله قالوا : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، تعرّفنا من الأئمة بعدك ؟
فقال . . وساق الحديث إلى قوله : فإنّك إذا زوّجت عليا عليه السلام من فاطمة عليهاالسلام خلّفت منها أحد عشر إماما من صلب علي عليه السلام يكونون مع
ص: 118
علي عليه السلام إثنا عشر إماما ، كلّهم هداة لأمّتك ، يهتدون بهم ، كلّ أمّة بإمام منهم ، ويعلمون كما علم قوم موسى عليه السلام شربهم(1) .
قوله « وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ » « وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ » « وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً » .
الصادق عليه السلام قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه - تعالى - أخذ ميثاقي وميثاق إثني عشر إماما بعدي ، وهم حجج اللّه علي خلقه ، الثاني عشر منهم القائم عليه السلام ، الذي يملأ به الأرض قسطا وعدلاً ، كما ملئت ظلما وجورا .
قيس بن أبي حازم عن أم سلمة قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله في قوله : « أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ » أنا ، « وَالصِّدِّيقِينَ » علي ، « وَالشُّهَداءِ » الحسن والحسين ، « وَالصّالِحِينَ » حمزة ، « وَحَسُنَ أُولئِكَ
رَفِيقاً »الأئمة الإثنا عشر بعدي(2) .
ص: 119
الباقر عليه السلام في قوله « وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ(1) . . » المراد بالأنبياء
المصطفى صلى الله عليه و آله ، وبالصديقين المرتضى عليه السلام ، وبالشهداء الحسن والحسين عليهماالسلام ، وبالصادقين من أولاد الحسين عليهم السلام ، « وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » المهدي(2) .
كتاب النبوة عن ابن بابويه بإسناده عن المفضل بن عمر قال : سألت الصادق عليه السلام عن قوله « وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ » ما هذه الكلمات ؟
قال : التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه ، وهو أنّه قال : يا ربّ أسألك بحقّ محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام إلاّ تبت عليّ ، « فَتابَ »
اللّه « عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ » .
فقلت : ما يعني بقوله « فَأَتَمَّهُنَّ » ؟ قال : أتمّهن إلى القائم إثني عشر إماما(3) .
الباقر والصادق عليهماالسلام في قوله «وَالشَّمْسِ وَضُحاها » قالا : هو رسول اللّه صلى الله عليه و آله «وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها » علي بن أبي طالب عليهماالسلام «وَالنَّهارِ إِذا جَلاّها » الحسن والحسين وآل محمد عليهم السلام .
ص: 120
قالا عليهماالسلام : «وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها » عتيق وابن صهاك وبنو أمية ، ومن تولاّهما(1) .
الكافي : قال الصادق عليه السلام : الشمس رسول اللّه صلى الله عليه و آله به أوضح اللّه - عزّ وجلّ - للناس دينهم ، «وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها » ذاك أمير المؤمنين عليه السلام
تلا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ونقبه بالعلم نقبا(2) .
«وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها » ذاك أئمة الجور الذين استبدوا بالأمر دون الرسول صلى الله عليه و آله ، وجلسوا مجلسا كان الرسول صلى الله عليه و آله أولى به منهم ، فغشوا دين اللّه بالظلم والجور ، فحكى اللّه فعلهم ، فقال « وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها » .
« وَالنَّهارِ إِذا جَلاّها » ذاك الإمام من ذرية فاطمة عليهاالسلام ، يسأل عن دين رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فحكى اللّه - عزّ وجلّ - قوله ، فقال : « وَالنَّهارِ إِذا جَلاّها »(3).
كتاب كشف الحيرة : قال أمير المؤمنين عليه السلام : أنشدكم باللّه ، أتعلمون أنّ اللّه أنزل في سورة الحجّ « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ » . . السورة .
ص: 121
فقام سلمان فقال : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد ، وهم الشهداء على الناس ، الذين اجتباهم اللّه ، ولم يجعل عليهم في الدين من حرج ملّة إبراهيم ؟
قال النبي صلى الله عليه و آله : عنى بذلك ثلاثة عشر رجلاً خاصة دون هذه الأمّة .
قال سلمان : بيّنهم لنا يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟
قال صلى الله عليه و آله : أنا وأخي علي ، وأحد عشر من ولدي !
قالوا : اللّهم نعم(1) . . الخبر .
جابر بن يزيد الجعفي عن الباقر عليه السلام في قوله « إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ » الآية .
قال : قال : شهورها إثنا عشر ، وهو أمير المؤمنين عليه السلام ، وعدد الأئمة بعده عليهم السلام .
ثم قال بعد كلام طويل في قوله « مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ » : أربعة منهم باسم واحد : علي أمير المؤمنين ، وأبي علي بن الحسين ، وعلي بن موسى ، وعلي بن محمد عليهم السلام ، « فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ » أي قولوا بهم جميعا تهتدوا .
وفي خبر : أربعة حرم : علي والحسن والحسين والقائم عليهم السلام بدلالة قوله « ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ »(2) .
ص: 122
وقال سلمان القصري : سألت الحسن بن علي عليهماالسلام فقال : عددهم عدد شهور الحول(1) .
* * *
العمر أقصر أن يقضّى بالبطالة والسرور
فتروح بالخسران من دنياك في يوم النشور
فافزع إلى مولاك ذي الانعام والفضل الكبير
متوسلاً بالمصطفى ووصيه البرّ الطهور
السادة الأبرار والأنوار في عدد الشهور
فهم الهداة لنا على مرّ الليالي والدهور
يزيد بن عبد الملك عن زين العابدين عليه السلام أنّه قال في قول اللّه تعالى : « بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللّهُ بَغْياً » .
قال : من ولاية علي أمير المؤمنين عليه السلام والأوصياء من ولده(1) .
مسنم(2) بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السلام في خبر طويل في قوله « وَوالِدٍ وَما وَلَدَ » قال: أمّا الوالد فرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، « وَما وَلَدَ » يعني هؤلاء الأوصياء(3).
وروي في قوله « وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ » : هم الأئمة إماما بعد إمام(4) .
ص: 124
وحكي في قوله « وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ » إنّهم الأئمة الإثنا عشر(1) .
يوضّحه قول النبي صلى الله عليه و آله : النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض(2) . . الخبر ، فالضال في البريّة يهتدي بها ، والضال في الدين يهتدي بهم .
وجاء في تفسير قوله - تعالى - « أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ » . . الآية : إنّ صاحب البستان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والبستان شريعته ، والأشجار الأئمة عليهم السلام ، والأنهار علوم العلماء ، والكبر وصول الرسول إلى
اللّه - تعالى - ، والذرية أولاده ، والنار الفتن ، والأيتام الأمّة .
أبو القاسم الكوفي قال : روى في قوله « وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ
ص: 125
وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ » : إنّ الراسخون في العلم من قرنهم الرسول صلى الله عليه و آله بالكتاب ، وأخبر أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض .
وفي الّلغة : الراسخ : هو اللازم الذي لا يزول عن حاله ، ولن يكون كذلك إلاّ من طبعه اللّه على العلم في ابتداء نشوّه ، كعيسى عليه السلام في وقت ولادته « قالَ إِنِّي عَبْدُ اللّهِ آتانِيَ الْكِتابَ » الآية .
فأمّا من يبقى السنين الكثيرة لا يعلم ، ثم يطلب العلم فيناله من جهة غيره على قدر ، وما يجوز أن يناله منه ، فليس ذلك من الراسخين ، يقال : رسخت عروق الشجر في الأرض ، ولا يرسخ إلاّ صغيرا(1) .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا ، وحسدا لنا أن رفعنا اللّه - سبحانه - ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يستعطى الهدى ، ويستجلى العمى ، لا بهم(2) .
أبو الصباح الكناني وأبو بصير كلاهما عن الصادق عليه السلام ، وروى
الفضل بن يسار ويزيد بن معاوية العجلي كلاهما عن الباقر عليه السلام ، واللفظ للكناني :
ص: 126
نحن قوم فرض اللّه طاعتنا ، لنا الأنفال ، ولنا صفو المال ، ونحن الراسخون في العلم ، ونحن المحسودون الذين قال اللّه « أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ »(1) .
* * *
أقول بتوحيد ربّ العلى
وأنّ الأئمة إثنا عشر
* * *
ص: 127
ص: 128
ص: 129
ص: 130
الروايات في هذا الباب نوعان :
منها : المتناقل قبل آدم عليه السلام .
ومنها : المروي قبل شرع الإسلام .
ومنها : ما تظاهرت به الروايات عن النبي صلى الله عليه و آله ، وذلك نوعان :
منها : ما روته العامة .
ومنها : ما روته الخاصة .
فما جاء قبل آدم عليه السلام نحو حديث الميثاق ، وحديث الأصل ، وحديث الأسماء المكتوبة على العرش ، وحديث الكلمات ، وغير ذلك ، فلتؤخذ من مواضعها في هذا الكتاب .
ص: 131
وأمّا ما جاء قبل الإسلام : خبر الهاروني الذي سأل عمر بن الخطاب ، وهو خبر طويل ذكرنا بعضه فيه .
وحدّثني أبو علي الطبرسي في أعلام الورى قال : حدّثني من أثق به : كانت بشارة موسى بالنبي صلى الله عليه و آله في السفر الأول من التوراة :
« وليشتمعيل شمتنح هنه يرختي أتو وهفرتي أتو وهربتي أتو بمادماد شنيم عاسار نسئيم يولدون وأنا تيتولگري كادل وات برني هانيم » .
وتفسيره بالعربية : إسماعيل قبلت صلواته ، وباركت فيه ، وأنميته ، وكثّرت عدده بولد له اسمه « محمد » يكون إثنين وتسعين في الحساب ، وسأخرج إثني عشر إماما من نسله ، وأعطيه قوما كثير العدد(1) .
وقال القاضي الكراجكي في الاستبصار : هذا من التوراة العتيقة يوجد عند اليونايين(2) .
ص: 132
وروى الشيخ المفيد حديث الخضر عليه السلام ومجيئه(1) إلى أمير المؤمنين عليه السلام
وسؤاله عن مسائل(2) ، وأمره لولده الحسن عليه السلامبالإجابة عنها .
فلمّا أجاب أعلن الخضر عليه السلام بحضرة الجماعة ، فقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه - ولم أزل أشهد بها - وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله - ولم أزل أشهد بها - وأشهد أنّك وصي رسول اللّه صلى الله عليه و آله القائم بحجّته ، وأشار بيده إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، ولم أزل أشهد بها ، وأشهد أنّك وصيه ، والقائم بحجّته ، وأشار بيده إلى الحسن عليه السلام ، أنّه وصي أبيه ، والقائم بحجّته بعد ، وأشهد أنّ الحسين بن علي عليهماالسلام وصي أبيه ، والقائم بحجّته بعدك ، وأشهد على علي بن الحسين عليهماالسلام أنّه القائم بأمر الحسين عليه السلام ، وأشهد على محمد بن علي عليهماالسلام أنّه القائم بأمر علي بن الحسين عليهماالسلام ، وأشهد على جعفر بن محمد عليهماالسلام أنّه القائم بأمر محمد بن علي عليهماالسلام ، وأشهد على موسى بن جعفر عليهماالسلام أنّه القائم بأمر جعفر ، وأشهد على علي بن موسى عليهماالسلام أنّه القائم بأمر موسى عليه السلام ، وأشهد على محمد بن علي عليهماالسلام أنّه القائم بأمر علي بن موسى عليهماالسلام ، وأشهد على علي بن محمد عليهماالسلام أنّه القائم بأمر محمد بن علي عليهماالسلام ، وأشهد على الحسن بن علي عليهماالسلام أنّه القائم بأمر علي بن محمد عليهماالسلام ، وأشهد أنّ رجلاً من ولد الحسين عليه السلام ، لا يسمّى ، ولا يكنّى
ص: 133
حتى يظهر اللّه أمره ، فيملأها عدلاً كما ملئت جورا ، والسلام عليك يا أمير المؤمنين عليه السلام ، ورحمة اللّه وبركاته(1) .
وروى الكلبي عن الشرقي بن القطامي عن تميم بن وعلة المري عن الجارود بن المنذر العبدي ، وكان نصرانيا ، فأسلم عام الحديبية ، وأنشد :
يا نبي الهدى أتتك رجال
جابت البيد والمهامة(4) حتىغالها من طوى السرى ما غالا
أخبر الأولون باسمك فيناوبأسماء بعده تتتالا
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أفيكم من يعرف قس بن ساعدة الأيادي ؟
فقال الجارود : كلّنا يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله نعرفه ، غير أنّي من بينهم عارف بخبره ، واقف على أثره .
فقال سلمان : أخبرنا .
ص: 134
فقال: يا رسول اللّه ، لقد شهدت قسا ، وقد خرج من ناد من أندية أياد إلى ضحضح ذي قتاد ، وسمر وغياد ، وهو مشتمل بنجاد ، فوقف في أضحيان ليل كالشمس ، رافعا إلى السماء وجهه وإصبعه ، فدنوت منه ، فسمعته يقول : اللّهم ربّ السماوات والأرفعة ، والأرضين الممرعة ، بحقّ محمد والثلاثة المحاميد معه ، والعليين الأربعة ، وفاطم والحسنين الأبرعة ، وجعفر وموسى التبعة ، سمّي الكليم الصرعة ، أولئك النقباء الشفعة ، والطريق المهيعة(1) ، وراثته الأناجيل ، ومحاة الأضاليل ، ونفاة الأباطيل ، والصادقوا القيل ، عدد نقباء بني إسرائيل ، فهم أول البداية ، وعليهم تقوم الساعة، وبهم تنال الشفاعة، ولهم من اللّه فرض الطاعة، اسقنا غيثا مغيثا.
ثم قال : ليتني مدركهم ، ولو بعد لأي(2) من عمري ومحياي .
ثم أنشأ يقول :
أقسم قسّ قسما
ليس به مكتتما
حتى يلاقي أحمدا
والنجباء الحكما
يعمى الأنام عنهم
وهم ضياء للعمى
لو عاش ألفي سنة
لم يلق منها سلما
هم أوصياء أحمد
أفضل من تحت السما
لست بناس ذكرهم
حتى أحلّ الرجما
ص: 135
قال الجارود : فقلت : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أنبئني أنبأك اللّه بخبر هذه الأسماء التي لم نشهدها ، وأشهدنا قس ذكرها ؟
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا جارود ، ليلة أسري بي إلى السماء أوحى اللّه - عزّ وجلّ - إليّ أن سل من قد أرسلنا قبلك من رسلنا على ما بعثوا ، قلت : على ما بعثوا ؟
قال : بعثتهم على نبوتك ، وولاية علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، والأئمة منكما ، ثم عرّفني اللّه - تعالى - بهم وبأسمائهم .
ثم ذكر رسول اللّه صلى الله عليه و آله للجارود أسماءهم واحدا واحدا إلى المهدي عليهم السلام ، قال لي الربّ - تبارك وتعالى - : هؤلاء أوليائي ، وهذا المنتقم من أعدائي ، يعني المهدي .
فقال الجارود :
أتيتك يا بن آمنة رسولا
لكي بك اهتدى النهج السبيلا
فقلت وكان قولك قول حقّ
وصدق ما بدا لك أن تقولا
وبصرت العمى من عبد شمس
وكلاّ كان من شمس دليلا
وأنبأناك عن قس الأيادي
مقالاً أنت طلت به حديلا
وأسماء عمت عنّا فآلت
إلى علم وكنت بها جهولا(1)
وقد ذكر صاحب الروضة : إنّ هذا الاستسقاء كان قبل النبوة بعشر
سنين ، وشهادة سلمان الفارسي بمثل ذلك مشهور .
ص: 136
وقال الشعبي : قال لي عبد الملك بن مروان : وجد وكيلي في مدينة الصُفر(1) التي بناها سليمان بن داود على سورها أبياتا منها :
هذا مقاليد أهل الأرض قاطبة
والأوصياء له أهل المقاليد
هم الخلائف إثنا عشرة حججا
من بعده الأوصياء السادة الصيد(2)
حتى يقوم بأمر اللّه قائمهممن السماء إذا ما باسمه نودي
فقال عبد الملك للزهري : هل علمت من أمر المنادي باسمه من السماء شيئا ؟
قال الزهري : أخبرني علي بن الحسين عليهماالسلام : أنّ هذا المهدي من ولد فاطمة عليهاالسلام .
فقال عبد الملك : كذبتما ، ذاك رجل منّا !! يا زهري ، هذا القول لا يسمعه أحد منك(3) .
* * *
ص: 137
وإذا كانت النصوص على ساداتنا متناصرة ، والإخبار بعددهم قبل وجودهم متظاهرة ، وقد ذكرهم اللّه في الكتب السالفة ، وأعلمت الأنبياء بهم الأمم الماضية ، دلّ على كونهم أئمة الزمان ، وحجج اللّه على الإنس والجان ، قبل الحجج على جميع البشر ، الأئمة الإثنا عشر .
ص: 138
ص: 139
ص: 140
حدّثنا جماعة عن الكشميهني عن الفريري عن البخاري ، قال : حدّثنا محمد بن المثنى ، قال : حدّثنا غندر ، قال : حدّثنا شعبة عن عبد الملك ، قال : سمعت جابر بن سمرة ، قال :
سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول : يكون إثنا عشر أميرا ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي إنّه قال : كلّهم من قريش(1) .
أخرجه الخطيب في تاريخه(2) .
* * *
وحدّثني الفراوي عن أبي الحسين الفارسي عن أبي أحمد الجلودي عن أبي إسحاق الفقيه عن الحافظ مسلم عن قتيبة بن سعيد عن جرير عن حصين عن جابر بن سمرة قال :
دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه و آله ، فسمعته يقول : إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم إثنا عشر خليفة ، قال : ثم تكلّم بكلام خفي عليّ .
قال : فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : قال : كلّهم من قريش(3) .
ص: 141
وبهذا الإسناد قال مسلم : وحدّثني ابن أبي عمير عن سفيان عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال :
سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول : لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم إثنا عشر
رجلاً ، ثم تكلّم بكلمة خفيت عليّ ، فسألت أبي ماذا قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : قال : كلّهم من قريش(1) .
وبهذا الإسناد قال مسلم : وأخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدّثنا أبو عوانة عن سماك عن جابر بن سمرة مثله إلاّ أنّه لم يذكر : لا يزال أمر الناس ماضيا(2) .
* * *
وبهذا الإسناد قال مسلم : وحدّثنا هداب بن خالد الأزدي ، قال حدّثنا حماد بن خالد الأزدي ، قال حدّثنا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب ، قال سمعت جابر بن سمرة يقول :
سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : لا يزال الإسلام عزيزا إلى إثنتي عشر خليفة ، ثم قال كلمة لم أفهمها ، فقلت لأبي ، فقال : كلّهم من قريش(3) .
* * *
وبهذا الإسناد قال مسلم : وحدّثني أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدّثنا أبو معاوية عن داود عن الشعبي عن جابر بن سمرة قال :
ص: 142
قال النبي صلى الله عليه و آله : لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى إثنتي عشر خليفة ، ثم قال : تكلّم بشيء لم أفهمه ، فقال : فقلت لأبي ! قال : كلّهم من قريش(1) .
* * *
وبهذا الإسناد قال مسلم : وحدّثني قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدّثنا حاتم ، وهو ابن إسماعيل ، عن المهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال : كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلام(2) نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
قال : فكتب إليّ : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم الجمعة عشية رجم الأسلمي يقول : لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة ، ويكون عليكم إثنا عشر خليفة من قريش(3) .
أخرجه أبو يعلى الموصلي في المسند(4) .
* * *
وبهذا الإسناد قال مسلم : وحدّثني نصر بن علي الجهضمي ، قال : حدّثنا يزيد بن ذريع ، قال : حدّثنا ابن عورج ، وحدّثنا أحمد بن عثمان النوفلي ، واللّفظ له ، قال : حدّثنا أزهر ، قال : حدّثنا ابن عون عن الشعبي عن جابر بن سمره قال :
ص: 143
انطلقت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ومعي أبي ، فسمعته يقول : لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى إثني عشر خليفة ، فقال كلمة صمّنيها(1) الناس ، فقلت لأبي : ما قال ؟
قال : كلّهم من قريش(2) .
أخرجه السجستاني في السنن(3) .
* * *
وحدّثني أبو القاسم الشحام عن أبي سعيد الكنجرودي عن أبي عمرو الجبري عن أبي يعلى الموصلي في مسنده عن شيبان بن فروخ عن حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال :
كنّا جلوسا عند عبد اللّه بن مسعود ، فسأله رجل : يا أبا عبد الرحمن ، هل سألتم رسول اللّه صلى الله عليه و آله كم يملك أمر هذه الأمّة خلفه ؟
فقال ابن مسعود : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ، ثم قال : نعم ، فسألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : إثنا عشر مثل نقباء بني إسرائيل(4) .
أخرجه ابن بطّة في الإبانة ، وأحمد في مسنده عن ابن مسعود ، وقد
ص: 144
رواه عثمان بن أبي شيبة ، وأبو سعيد الأشج ، وأبو كريب ومحمود بن غيلان وعلي بن محمد وإبراهيم بن سعيد وعبد الرحمن بن أبي حاتم ، كلّهم جميعا عن أبي أسامة عن مجالد عن الشعبي .
* * *
وحدّثني الفراوي عن أبي عبد اللّه الجوهري عن القطيفي عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن أبي عبد اللّه بن بطّة العكبري مسندا إلى الإبانة عن علي بن الجعد عن زهير عن سماك بن حرب وزياد بن علاقة وحصين بن عبد اللّه ، كلّهم عن جابر بن سمرة :
إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : يكون بعدي إثنا عشر أميرا ، وتكلّم بكلمة ، فسألت أبي ، فقال : كلّهم من قريش(1) .
* * *
وبهذا الإسناد قال ابن بطّة : روى الثوري عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال :
قال النبي صلى الله عليه و آله : لا يزال أمر الناس صالحا حتى يقوم إثنا عشر أميرا من قريش .
* * *
وبهذا الإسناد عن عبد اللّه بن أمية - مولى مجاشع - عن يزيد الرقاشي عن أنس قال :
ص: 145
قال النبي صلى الله عليه و آله : لا يزال هذا الدين قائما إلى إثني عشر أميرا من قريش ، فإذا مضوا ساخت(1) الأرض بأهلها(2) .
* * *
وبهذا الإسناد عن أبي بكر بن أبي خيثمة عن علي بن الجعد عن زهير بن معاوية عن زياد بن خيثمة عن الأسود بن سعيد الهمداني عن جابر بن سمرة يقول :
سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : يكون بعدي إثنا عشر خليفة من قريش ، ثم يكون الهرج(3) .
* * *
وبهذا الإسناد عن سماك بن حرب وزياد بن علاقة وحصين ابن عبد الرحمن عن ابن سمرة عن النبي صلى الله عليه و آله قال :
قال : لا يزال أهل هذا الدين ينصرون على من ناواهم إلى إثني عشر خليفة ، كلّهم من قريش(4) .
* * *
ص: 146
وحدّثني عبد الرحمن بن زريق القزاز البغدادي عن أبي بكر بن ثابت الخطيب في تاريخ بغداد قال : حدّثنا حماد بن سلمة عن أبي الطفيل ، قال : قال لي عبد اللّه بن عمر :
يا أبا طفيل ، اعدد إثني عشر خليفة بعد النبي صلى الله عليه و آله ، ثم يكون بعده النقف(1) والنقاف(2) .
وفي رواية عبد اللّه بن أبي أوفى : ثم يكون دواره(3) .
* * *
وممّا رواه الليث بن سعد عن خالد بن بريد عن سعيد بن أبي هلال عن ربيعة بن سيف قال : كنّا عند شقيق الأصبحي فقال : سمعت عبد اللّه بن عمر قال :
سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : يكون بعدي إثنا عشر خليفة(4) .
* * *
وممّا رواه سهل بن حماد عن يونس بن أبي يعقوب قال : حدّثنا عوان بن أبي جحيفة عن أبيه قال :
ص: 147
كنّا عند النبي صلى الله عليه و آله فقال : لا يزال أمر أمّتي صالحا حتى يمضي إثنا عشر
خليفة ، كلّهم من قريش(1) .
* * *
وممّا رواه أبو الفرج محمد بن فارس الغوري المحدّث بإسناده عن أنس قال :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يكون منّا إثنا عشر خليفة ينصرهم اللّه على من
ناواهم ، ولا يضرّهم من عاداهم . . الخبر .
* * *
وروى عن أبي الطفيل أنّه سئل ابن عمر عن الخلفاء بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : إثنا عشر من بني كعب(2) .
* * *
وكاتبني أبو المؤيد المكي الخطيب بخوارزم بكتاب الأربعين بالإسناد عن الحسين بن علي عليهماالسلام قال :
سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول : من أحبّ أن يحيى حياتي ، ويموت ميتتي ، ويدخل الجنّة التي وعدني ربّي ، فليتولّ علي بن أبي طالب عليهماالسلام وذريّته الطاهرين أئمة الهدى ومصابيح الدجى من بعده ، فإنّهم لن يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة(3) .
ص: 148
وحدّثني أبو سعيد عبد اللطيف الأصفهاني عن ابن علي الحداد عن أبي نعيم الأصفهاني مسندا إلى حليته عن الشعبي عن جابر بن سمرة قال :
جئت إلى أبي إلى المسجد والنبي صلى الله عليه و آله يخطب ، فسمعته يقول : يكون من بعدي إثنا عشر خليفة ، ثم خفض صوته ، فلم أدر ما يقول ، فقلت لأبي : ما يقول ؟ قال : قال : كلّهم من قريش(1) .
* * *
وروى بإسناده عن السدي عن زيد بن أرقم ، وعن شريك عن الأعمش عن حبيب بن ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم ، وعن عكرمة ، وعن سلمة بن كهيل ، كليهما عن ابن عباس إنّه قال :
قال النبي صلى الله عليه و آله : من سرّه أن يحيى حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنّة
عدن التي غرسها ربّي ، فليوال عليا من بعدي ، وليوال وليّه ، وليقتد بالأئمة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، وزقّوا فهما وعلما ، ويل للمكذّبين بفضلهم من أمّتي ، القاطعين منهم صلتي ، لا أنالهم اللّه شفاعتي(2) .
* * *
وقد روى أحمد بن حنبل في مسنده(3) عن جابر بن سمرة بأربع وثلاثين
ص: 149
طريقا منهم : عامر بن سعد ، وسماك بن حرب ، والأسود بن سعيد الهمداني ، وعبد الملك بن عمير ، وعامر الشعبي ، وأبو خالد الوالبي ، مثل ما روينا من الصحيحين ! وغيرهما .
عبد اللّه بن محمد البغوي عن علي بن الجعد عن أحمد بن وهب بن منصور عن أبي قبيصة شريح بن محمد العنبري عن نافع عن عبد اللّه بن عمر قال :
قال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي ، أنا نذير أمّتي ، وأنت هاديها ، والحسن عليه السلام قائدها ، والحسين عليه السلام سائقها ، وعلي بن الحسين عليهماالسلام جامعها ، ومحمد بن علي عليهماالسلام عارفها ، وجعفر بن محمد عليهماالسلام كاتبها ، وموسى بن جعفر عليهماالسلام
محصيها ، وعلي بن موسى عليهماالسلام معبّرها ومنجيها وطارد مبغضيها ، ومدني مؤمنيها ، ومحمد بن علي عليهماالسلام قائدها وسائقها ، وعلي بن محمد عليهماالسلامسائرها وعالمها ، والحسن بن علي عليهماالسلام ناديها ومعطيها ، والقائم عليه السلامالخلف ساقيها
وناشدها وشاهدها ، « إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ »(1)(2) .
وقد روى ذلك جماعة عن جابر بن عبد اللّه عن النبي صلى الله عليه و آله .
* * *
ص: 150
الأعمش عن أبي إسحاق عن الحارث بن سعيد بن قيس عن علي بن أبي طالب وعن جابر الأنصاري ، كليهما عن النبي صلى الله عليه و آله قال :
أنا واردكم على الحوض ، وأنت - يا علي عليه السلام - الساقي ، والحسن عليه السلام الرائد ، والحسين عليه السلام الآمر ، وعلي بن الحسين عليهماالسلام الفارط ، ومحمد بن علي عليهماالسلام الناشر ، وجعفر بن محمد عليهماالسلام السائق ، وموسى بن جعفر عليهماالسلام
محصي المحبّين والمبغضين ، وقامع المنافقين ، وعلي بن موسى عليهماالسلام مزّين المؤمنين ، ومحمد بن علي عليهماالسلام منزل أهل الجنّة في درجاتهم ، وعلي بن محمد عليهماالسلامخطيب شيعتهم ، ومزوّجهم الحور ، والحسن بن علي عليهماالسلام سراج أهل الجنّة يستضيئون به ، والهادي المهدي عليه السلام شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن إلاّ لمن يشاء ويرضى(1) .
* * *
وروى محمد بن زكريا العلاني عن سليمان بن إسحاق بن سليمان بن علي بن عبد اللّه بن عباس قال : حدّثني أبي قال :
كنت عند الرشيد فذكر المهدي وعدله ، فقال الرشيد : إنّي أحسبكم تحسبونه أبي المهدي ، حدّثني عن أبيه عن جدّه عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال له : يا عمّ ، يملك من ولدي إثنا عشر خليفة ، ثم يكون أمور كريهة ، وشدّة عظيمة ، ثم يخرج المهدي من ولدي ، يصلح اللّه أمره في ليلة ، فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورا ، ويمكث في الأرض ما شاء اللّه ، ثم يخرج الدجال(2) .
ص: 151
وروى محمد بن أحمد بن عبيد اللّه الهاشمي قال : حدّثني أبو موسى عيسى بن أحمد بن عيسى عن المنصور ، قال : حدّثني أبو الحسن علي بن محمد العسكري عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن موسى عن آبائه عن علي عليهم السلام قال :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من سرّه أن يلقى اللّه - عزّ وجلّ - آمنا مطهّرا ، لا يحزنه الفزع الأكبر ، فليتولّك ، وليتولّ ابنيك الحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي عليهم السلام ، ثم المهدي عليه السلام ، وهو خاتمهم(1) . . الخبر .
ولو أشبعنا القول في هذا الباب لطال الكتاب ، فمن أراد الزيادة ، فليطلب إيضاح دفائن النواصب ممّا يتضمّن النصّ على الأئمة الإثني عشر ، فقد أوضح رسول اللّه صلى الله عليه و آله الأئمة الإثني عشر ، ونصّ على أسمائهم وعددهم ، وذكر استخلافهم ، وهو وإن لم يشتهر بين المخالفين ، ولا يتواتر على ألسنتهم ، فقد وافقوا فيه المتواترين فيه بمثله ، ووجبت المحبّة على ألسنة أعدائهم .
وإذا ثبت بهذه الأخبار هذا العدد المخصوص ثبتت إمامتهم ، لأنّ من خالفهم لا يقصر الإمامة على هذا العدد ، بل يجوّز الزيادة عليها ، وليس في الأمّة من ادعى هذا العدد سوى الإمامية ، وما أدّى على خلاف الإجماع يحكم بفساده .
ص: 152
ص: 153
ص: 154
وذلك نوعان :
منها : ما روى عن النبي صلى الله عليه و آله .
ومنها : ما نصّ الآباء على الأبناء ، وهذا إنّما يجيء في باب كلّ إمام إن شاء اللّه .
فأمّا ما روي عن النبي صلى الله عليه و آله ، فكفاك كتاب الكفاية في النصوص عن الخزاز القمّي ، نزيل الري ، وذلك أنّه روى مائة وخمسا وخمسين خبرا من طرق كثيرة من جهة أصحاب النبي صلى الله عليه و آله .
مثل ابن عباس : روى عنه سعيد بن جبير ، وأبو صالح ، ومجاهد ، وطاووس ، والأصبغ ، وعطاء .
ومثل ابن مسعود : روى عنه مثل عطاء بن السائب عن أبيه مسروق ، وقيس بن عابد ، وحنش بن المعتمر .
ومثل أبي سعيد الخدري : روى عنه عطية العوفي ، وأبو هارون العبدي ، وسعيد بن المسيب ، وأبو الصديق الناجي .
ص: 155
ومثل أبي ذر : روى عنه أبو الحارث حنش بن المعتمر ، وابن المسيب .
ومثل سلمان الفارسي : روى عنه سليم بن قيس الهلالي ، وأبو حازم ، والسائب بن أوفى ، وأبو مالك ، وأبو القاسم بن عليم الأزدي .
ومثل جابر الأنصاري : روى عنه جابر الجعفي ، وواثلة بن الأسقع ، والقاسم بن حسان ، ومحمد الباقر عليه السلام .
ومثل أبى أيوب الأنصاري : روى عنه أياس بن سلمة بن الأكوع ، ويزيد بن هارون عن مشيخته عنه .
ومثل عمار بن ياسر : روى عنه أبو الطفيل ، وأبو عبيدة ، ومحمد بن عمار .
ومثل حذيفة بن اليمان : روى عنه أحمد بن عبد اللّه بن يزيد بن سلام .
ومثل حذيفة بن أسيد : روى عنه أبو الطفيل ، وأبو جحيفة ، وهشام .
ومثل زيد بن أرقم : روى عنه محمد بن زياد ، ويزيد بن حسان ، وأبو الضحى .
ومثل واثلة بن الأسقع : روى عنه مكحول ، والأجلح ، وخالد بن معدان ، وأبو سليمان الضبي ، وإبراهيم ابن أبي عبلة ، والقاسم .
ومثل زيد بن ثابت : روى عنه القاسم بن حسان ، وأبو الطفيل .
ومثل أبي أمامة أسعد بن زرارة : روى عنه الأجلح الكندي ، والقاسم ، وأبو سليمان الضبي .
ومثل عمران بن حصين : روى عنه مطرف بن عبد اللّه ، والأصبغ ، وأبو عبد اللّه الشامي .
ومثل سعد بن مالك : روى عنه سعيد بن المسيب .
ص: 156
ومثل جابر بن سمرة : روى عنه زياد بن عقبة ، وعبد الملك بن عمير ، والشعبي ، وسماك بن حرب ، والأسود بن سعيد الهمداني .
ومثل أنس : روى عنه هشام ، ويزيد ، وأنس بن سيرين ، وأبو الغالية ، وحفصة بنت سيرين ، والحسن البصري .
ومثل أبي هريرة : روى عنه سعيد المقري ، وعبد الرحمن الأعوج ، وأبو صالح السمان ، وأبو مريم ، وأبو سلمة .
ومثل أبي قتادة : روى عنه .
ومثل عمر بن خطاب : روى عنه المفضل بن حصين ، وعبد اللّه بن مالك ، وعمرو بن عثمان بن عفان .
ومثل عائشة : روى عنها شعبة عن قتادة عن الحسن البصري عن أبي سلمه ، وروى هشام بن جابر عن أبي سلمة ، ومحمد بن إبراهيم عن أبي سلمة ، وأبو بشير محمد بن المنكدر عن أبي سلمة عنها .
ومثل فاطمة الزهراء عليهاالسلام : روى عنها زينب بنت علي صلى الله عليه و آله ، وأبو ذر ، وسهل الساعدي ، وجابر الأنصاري ، والحسين بن علي صلى الله عليه و آله ، وعباس بن سعد الساعدي .
ومثل أم سلمة : روى عنها عمار الدهني ، وابن جبير ، ومقلاص .
فما أخبرت منها :
ما رواه الأصبغ عن ابن عباس قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين عليهم السلام مطهّرون معصومون(1) .
ابن السائب عن ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه و آله : الأئمة بعدي إثنا عشر ، تسعة من صلب الحسين عليه السلام ، والتاسع مهديهم عليه السلام(2) .
* * *
حنش بن المعتمر عن ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه و آله : الأئمة بعدي إثنا عشر ، كلّهم من قريش(3) .
عطية العوفي عن الخدري : قال النبي صلى الله عليه و آله للحسين
عليه السلام : أنت الإمام ابن الإمام [ أخو الإمام ] ، تسعة من صلبك أئمة أبرار ، والتاسع قائمهم(4) .
أبو ذر قال النبي صلى الله عليه و آله : الأئمة بعدي إثنا عشر ، تسعة من صلب الحسين عليه السلام ، تاسعهم قائمهم عليه السلام .
ص: 158
ثم قال : ألا إنّ مثلهم فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجى ، ومن تخلّف عنها هلك ، ومثل باب حطّة في بني إسرائيل(1) .
سلمان الفارسي : قال النبي صلى الله عليه و آله : الأئمة بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل ، كانوا إثني عشر .
ثم وضع يده على صلب الحسين عليه السلام ، وقال : من صلبه تسعة أئمة أبرار ، والتاسع مهديهم عليه السلام ، يملأ الأرض قسطا وعدلاً ، كما ملئت جورا وظلما ، فالويل لمبغضيهم(2) .
جابر الأنصاري قال : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وجدت في التوراة : « إليا لقطوا(3) شبرا وشبيرا » ، فلم أعرف أساميهم ، فكم بعد الحسين عليه السلام من الأوصياء ؟ وما أساميهم ؟
فقال : تسعة من صلب الحسين عليه السلام ، والمهدي منهم(4)(5) . . الخبر .
المفضل بن حصين عن عمر بن الخطاب سمعت النبي صلى الله عليه و آله : الأئمة بعدي
إثنا عشر ، ثم أخفى صوته ، فسمعته يقول : كلّهم من قريش(6) .
ص: 159
أنس قال النبي صلى الله عليه و آله : الأئمة بعدي من عترتي .
فقيل : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فكم الأئمة بعدك ؟
فقال : عدد نقباء بني إسرائيل(1) .
فاطمة عليهاالسلام سألت أبيها عن قول اللّه تعالى « وَعَلَى الأَْعْرافِ رِجالٌ » ، قال : هم الأئمة بعدي : علي عليه السلام ، وسبطاي عليهماالسلام ، وتسعة من صلب الحسين عليهم السلام ، فهم رجال الأعراف ، لا يدخل الجنّة إلاّ من يعرفهم
ويعرفونه ، ولا يدخل النار إلاّ من أنكرهم وينكرونه ، لا يعرف اللّه - تعالى - إلاّ على سبيل معرفتهم(2) .
أبو أمامة قال النبي صلى الله عليه و آله : لمّا عرج بي إلى السماء رأيت مكتوبا على ساق العرش بالنور : « لا إله إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه ، أيّدته بعلي ، ونصرته بعلي ، ثم بعده الحسن والحسين » ، ورأيت عليا عليا عليا ، ورأيت محمدا محمدا مرّتين، وجعفرا، وموسى، والحسن، والحجّة، إثني عشر اسما مكتوبا بالنور.
فقلت : يا ربّ أسامي من هؤلاء الذين قرنتهم بي ؟
فنوديت : يا محمد صلى الله عليه و آله ، هم الأئمة بعدك ، والأخيار من ذرّيتك(3) .
ص: 160
وممّا ذكر أبو جعفر القمّي في إكمال الدين : عن سماعة بن مهران ، وأبو بصير عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام قالا : نحن إثنا عشر محدّثا(1) .
* * *
أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام : يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي عليهماالسلام ، تاسعهم قائمهم(2) .
* * *
سعيد بن جبير عن ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج اللّه على الخلق بعدي لإثنا عشر ، أوّلهم وآخرهم ولدي(3) . . الخبر .
* * *
ابن عباس عن سليم بن قيس الهلالي أنّه جرى بين عبد اللّه بن جعفر ومعاوية كلام ، فقال عبد اللّه : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ثم علي بن أبي طالب عليهماالسلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا استشهد علي عليه السلام ، فالحسن بن علي عليهماالسلام أولى بالمؤمنين
ص: 161
من أنفسهم ، ثم ابني الحسين عليه السلام بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا استشهد فابنه علي بن الحسين عليهماالسلام الأكبر أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ثم ابني محمد الباقر عليه السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وستدركه - يا جابر - ثم تكلّمه ، إثني عشر إماما ، تسعة من ولد الحسين عليهم السلام .
ثم استشهد الحسن والحسين عليهماالسلام ، وعبد اللّه بن عباس ، وعمر بن أبي سلمه ، وأسامة بن زيد ، فشهدوا له بذلك .
وروى ذلك أيضا سلمان وأبو ذر والمقداد(1) .
وذكر في كتاب مولد فاطمة عليهاالسلام أنّه أخبرني أبي سمع محمد بن موسى بن المتوكّل ، ومحمد بن علي ماجيلويه ، وأحمد بن علي بن إبراهيم ، والحسين بن إبراهيم بن تاتانه ، وأحمد بن زياد الهمداني بأسانيدهم عن جابر بن عبد اللّه قال للباقر عليه السلام : هنأت فاطمة عليهاالسلام بولادة الحسين عليه السلام ، وفي يديها لوح مكتوب فيه :
بسم اللّه الرحمن الرحيم
هذا كتاب من اللّه العزيز العليم لمحمد صلى الله عليه و آله نوره وسفيره وحجابه ودليله ، نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين :
ص: 162
عظّم - يا محمد صلى الله عليه و آله - أسمائي ، واشكر نعمائي ، ولا تجحد آلائي ، إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا ، فمن رجا غيري عذّبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، فإيّاي فاعبد ، وعليّ فتوكّل .
إنّي لم أبعث نبيا ، فأكملت أيامه ، وانقضت مدّته ، إلاّ جعلت له وصيّا ، وإنّي فضّلتك على الأنبياء ، وفضّلت عليا وصيّك على الأوصياء .
وأكرمتك بشبليك بعده وسبطيك « حسن وحسين عليهماالسلام » ، فجعلت حسنا معدن حكمي بعد انقضاء مدّة أبيه ، وجعلت حسينا خازن وحيي ، أكرمته بالشهادة ، فهو أكرم من استشهد ، وارفع الشهداء درجة ، جعلت كلمتي التامة معه ، والحجّة البالغة عنده ، بعترته أثيب وأعاقب .
أوّلهم علي سيد العابدين ، وزين أوليائي الماضين .
وابنه شبيه جدّه المحمود محمد صلى الله عليه و آله ، الباقر لعلمي ، والمعدن لحكمتي .
سيهلك المرتابون في جعفر عليه السلام ، الرادّ عليه كالرادّ عليّ ، حقّ القول منّي ، لأكرمن مثوى جعفر ، ولأقرّن عينه بأشياعه وأنصاره ومحبّيه ، اتيح(1) بعده فتنة عمياء حندس(2) ، لأنّ خيط فرضي لا ينقطع ، وحجّتي لا تخفى ، وإنّ أوليائي لا يشقون أبدا ، ألا ومن جحد منهم أحدا فقد جحد نعمتي ، ومن غيّر آية من كتابي فقد افترى عليّ .
ص: 163
ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدّة عبدي موسى وخيرتي ، إنّ المكذّب بالثلاثة مكذّب بكلّ أوليائي .
علي وليّي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوة ، وامتحنه بالاضطلاع، يقتله عفريت مستكبر ، يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح ذو القرنين إلى جنب شرّ خلقي .
حقّ القول منّي لأقرّن عينه بمحمد ابنه ، وارث علمه ، فهو معدن علمي ، وموضع سرّي ، وحجّتي على خلقي ، جعلت له الجنّة مثواه ، وشفّعته في سبعين من أهل بيته ، كلّ قد وجبت له النار .
واختم بالسعادة لابنه علي ، وليّي وناصري ، والشاهد في خلقي ، وأميني على وحيي .
أخرج منه الداعي إلى سبيلي ، والخازن لعلمي ، الحسن .
ثم أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين ابن الحسن ، عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيوب ، سيذلّ أعداؤه في زمانه ، ويتهادون رؤوسهم ، كما يتهادون رؤوس الترك والديلم ، فيقتلون ويحرقون ، ويكونون خائفين وجلين ، تصبغ الأرض بدمائهم ، ويفشو الويل والرنّة في نسائهم .
أولئك أوليائي حقّا ، بهم أرفع كلّ فتنة عمياء حندس ، وبهم أكشف الزلزال ، وأرفع الآصار والأغلال ، « أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ »(1) .
ص: 164
ثم روى أنّ الباقر عليه السلام جمع ولده ، وفيهم عمّهم زيد ، ثم أخرج إليهم كتابا
بخطّ علي ، وإملاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله مكتوب فيه حديث اللوح(1) .
* * *
ثم روى عن الصادق عليه السلام أنّه قال : وجدنا صحيفة بإملاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وخطّ علي ، وذكر مثله(2) .
وروى المفيد محمد بن النعمان ، وأبو جعفر الكليني ، والحسن بن حمزة العلوي عن الباقر عليه السلام عن جابر أنّه قال : دخلت على فاطمة عليهاالسلام ، وذكر حديث اللوح(3) .
ومن روايات الكليني :
عن ابن أذينة عن زرارة قال أبو جعفر عليه السلام : من آل محمد إثنا عشر إماما كلّهم محدّث ، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلي عليه السلامهما الوالدان(4) .
* * *
ص: 165
وعنه عن الخدري وأبى الطفيل أنّه : أتى هاروني إلى عمر يسأله عن مسائله ، فدلّه على علي عليه السلام ، فكان فيما سأله :
أخبرني عن أوصياء محمد صلى الله عليه و آله ، وعن منزله في الجنّة ، ومن معه فيها ؟
فقال عليه السلام : إنّ لهذه الأمّة إثني عشر إماما من ذرّية نبيّها ، وهم منّي ، وأمّا منزل نبيّنا صلى الله عليه و آله في الجنّة ، فهي أفضلها وأشرفها « جنّة عدن » ، وأمّا من معه في منزله ، فهؤلاء الإثنا عشر من ذريّته(1) . . الخبر .
* * *
وروى جلّ مشايخنا عن النبي صلى الله عليه و آله : الأئمة بعدي إثنا عشر ، أوّلهم أنت يا علي ، وآخرهم القائم الذي يفتح اللّه على يديه مشارقها ومغاربها .
* * *
الباقر عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال : آمنوا بليلة القدر ، فإنّه ينزل فيها أمر السنة ، وإنّ لذلك الأمر ولاة من بعدي علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وأحد عشر من ولده(2) .
* * *
وقد روى نحوا من ذلك جابر بن عبد اللّه عن النبي صلى الله عليه و آله ، وروى ابن عباس عن أمير المؤمنين عليه السلام قريبا منه(3) .
ص: 166
وقال ابن هاني المغربي :
فيه تنزّل كلّ وحي منزل
ولأهل بيت الوحي فيه سناء
* * *
على النبى صلى الله عليه و آله فيه الوصية لكلّ إمام ]
وقال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّ اللّه - تعالى - أنزل على عبده كتابا قبل وفاته ، فقال : يا محمد صلى الله عليه و آله ، هذه وصيّتك إلى النجيب من أهل بيتك ، فقال : يا
جبريل عليه السلام ، ومن النجيب من أهل بيتي ؟ فقال : علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
وكان على الكتاب خواتيم من ذهب ، فدفعه النبي صلى الله عليه و آله إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وأمره أن يفكّ خاتما منه ، ويعمل بما فيه ، ففكّه
وعمل بما فيه .
ثم دفعه إلى ابنه الحسن عليه السلام ، ففكّ خاتما .
ثم دفعه إلى الحسين عليه السلام ، ففكّ خاتما ، فوجد فيه : أن اخرج بقوم إلى الشهادة ، فلا شهادة لهم إلاّ معك ، وآثر نفسك للّه ، ففعل .
ثم دفعه إلى علي بن الحسين عليهماالسلام ، ففكّ خاتما ، فوجد فيه : أن اطرق واصمت ، والزم منزلك ، « وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ » .
ثم دفعه إلى ابنه محمد بن علي عليهماالسلام ، ففكّ خاتما ، فوجد فيه : حدّث الناس وافتهم ، ولا تخافنّ إلاّ اللّه ، فإنّه لا سبيل لأحد عليك .
ص: 167
ثم دفعه إلى ابنه جعفر عليه السلام ، ففكّ خاتما ، فوجد فيه : حدّث الناس ، وانشر علوم أهل بيتك ، وصدّق آبائك الصالحين ، ولا تخافنّ إلاّ اللّه ، وأنت في حرز وأمان ، ففعل ذلك .
وهو دافعه إلى موسى عليه السلام ، وكذلك يدفعه موسى عليه السلام إلى الذي بعده ، ثم كذلك أبدا إلى قيام المهدي(1) .
* * *
وقد روى نحو هذا الخبر أبو بكر بن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله(2) .
ورووا في حديث حبابة الوالبية أنّها قالت : قلت لعلي عليه السلام : يا أمير المؤمنين عليه السلام ، ما دلالة الإمامة ؟
قال : ائتيني بتلك الحصاة ، فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه ، ثم قال لي : يا حبابة ، إذا ادّعى مدّعي الإمامة ، فقدر أن يطبع كما رأيت ، فاعلمي أنّه إمام مفترض الطاعة ، والإمام لا يعزب عنه ما يريده .
فجئت إلى الحسن عليه السلام بعد وفاته، فقال لي: حبابة الوالبية؟ قلت: نعم، قال: هاتي ما معك ، فأعطيته الحصاة ، فطبع لي فيها كما طبع أمير المؤمنين عليه السلام .
ص: 168
ثم أتيت الحسين عليه السلام ، فقال لي : أتريدين دلالة الإمامة ؟ هاتي ما معك ، فناولته الحصاة ، فطبع لي فيها .
ثم رأيت علي بن الحسين عليهماالسلام ، وأنا أعدّ - يومئذٍ - مائة وثلاث عشرة سنة ، فرأيته يتعبّد ، فأومى ء إليّ بالسبابة ، فعاد إليّ شبابي ، ثم قال : هات ما معك ، فأعطيته الحصاة ، فطبع لي فيها .
ثم أتيت أبا جعفر عليه السلام ، فطبع لي فيها ، وهكذا إلى الرضا عليه السلام ، وعاشت بعد ذلك تسعة أشهر(1) .
فهذه نبذ ممّا نقلته الخاصة عن النبي صلى الله عليه و آله ، وهي في قسم التواتر لإتفاق معانيها ، وتماثل مدلولها ، وإن اختلفت ألفاظها .
ويوضح ذلك : إنّ هذه الأخبار متضمّنة أكثرها في كتب سلفهم المعروفة ب- « الأصول » عندهم ، ممّا قد أصاب مؤلفوها قبل الغيبة ، وكمال عدّة الأئمة ، وكان الأمر موافقا لما رووه من غير اختلاف ، والإخبار بالكائن قبل كونه لا يكون إلاّ من اللّه - تعالى - ، ولا يؤخذ إلاّ عن رسول صلى الله عليه و آله .
ص: 169
ص: 170
ص: 171
ص: 172
إنّ اللّه - تعالى - قد أشار إلى عددهم وأسمائهم بأشياء ، كما قال « سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآْفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ » .
من ذلك ما صرّح بذكرهم في الكتب .
ص: 173
ومنها ما أظهر عددهم في المخلوقات .
ومن أحبّ شيئا أكثر ذكره .
قوله « فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ » .
وقوله « سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً » .
وقال أنس قال النبي صلى الله عليه و آله في قوله « سُنَّةَ اللّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ » : وهي التي لا يجوز أن تغيّر ولا تبدّل(1) .
النبي صلى الله عليه و آله : كائن في أمّتي ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة(2) ، كان فيهم إثنا عشر نقيبا(3) .
قوله « وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً » .
ص: 174
سلمان ، وأبو أيوب ، وابن مسعود ، وواثلة ، وحذيفة بن أسيد ، وأبو قتادة ، وأبو هريرة ، وأنس : أنّه سئل النبي صلى الله عليه و آله : كم الأئمة من بعدك ؟ قال : عدد نقباء بني إسرائيل(1) .
* * *
وفى حديث الأعمش عن الحسين بن علي عليهماالسلام قال : فأخبرني - يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله - هل يكون بعدك نبي ؟
فقال : لا ، أنا خاتم النبيين ، لكن يكون بعدي أئمة قوّامون بالقسط بعدد نقباء بني إسرائيل(2) . . الخبر .
* * *
وفي حديث أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من أهل بيتي إثنا عشر نقيبا محدّثون مفهّمون ، منهم القائم بالحقّ ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورا(3) .
* * *
وقال اللّه - تعالى - « وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » .
وقد أخبرنا بأنّهم كانوا إثني عشر قوله « وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً » فيجب أن يكون عدد خلفائنا كذلك ، لأنّه - تعالى - شبّههم بهم بكاف التشبيه ، ولا شبهة أنّ النقباء هم الخلفاء .
ص: 175
مجالد عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه و آله : الخلفاء بعدي إثنا عشر ، كعدّة نقباء بني إسرائيل(1) .
وفيهم إثنا عشر حواريا :
قوله «إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى » .
هشام بن زيد عن أنس قال : سألت النبي صلى الله عليه و آله من حواريك ، يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟
فقال : الأئمة من بعدي إثنا عشر من صلب علي وفاطمة عليهماالسلام ، وهم
حواريي ، وأنصار ديني ، عليهم من اللّه التحيّة والسلام(2) .
وفيهم الأسباط أولاد يعقوب عليه السلام ، وهم إثنا عشر .
قوله «وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً » .
أبو صالح السمان عن أبي هريرة قال : خطبنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : معاشر الناس ، من أراد أن يحيى حياتي ، ويموت ميتتي ، فليتولّ علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وليقتد بالأئمة من بعده .
فقيل : فكم الأئمة بعدك ؟ فقال : عدد الأسباط(3) .
ص: 176
وانفجرت لموسى عليه السلام إثنتا عشرة عينا .
قوله « فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً » .
وقوله « إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ »ووقع التعبير على أن يقع له أحد عشر أخا للثاني عشر الذي هو يوسف عليه السلام .
وشعوب بني إسرائيل إثنا عشر شعبا ، وقوله « إِنّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَْسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ
وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكْلِيماً » .
ذكر فيها إثني عشر نبيا .
* * *
ص: 177
منصور بن حازم ، قال للصادق صلى الله عليه و آله : أكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يعرف الأئمة ؟
فقال : نعم ونوح ، ثم تلا « شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً »(1) الآية .
وقد جاء عددهم في القرآن رمزا ، كأنّه أقسم بأسمائهم ، كما أقسم بالنبي صلى الله عليه و آله في قوله « لَعَمْرُكَ » .
فقال تعالى : « وَالصَّافّاتِ » ، « وَالذّارِياتِ » ، « وَالْمُرْسَلاتِ » ، « وَالنّازِعاتِ » ، « وَالنَّجْمِ » ، « وَالطُّورِ » ، « وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ » ، « وَالسَّماءِ وَالطّارِقِ » ، « وَالْفَجْرِ » ، « وَالشَّمْسَ » ، « وَاللَّيْلِ » ، « وَالضُّحى » ، « وَالتِّينِ » .
* * *
قال الباقر عليه السلام : « وَالتِّينِ » الحسن عليه السلام ، « وَالزَّيْتُونِ » الحسين عليه السلام ، « وَطُورِ سِينِينَ » أمير المؤمنين عليه السلام ، « وَهذَا الْبَلَدِ الأَْمِينِ » ذاك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، « لَقَدْ خَلَقْنَا الإِْنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ » ، قال : حين أخذ اللّه ميثاقه لمحمد صلى الله عليه و آلهوأوصيائه بالولاية(2) .
ص: 178
وقد جاءت أسماؤهم في التوراة ، وهي : بمادماد إيليا فتدوران ابربيل مسطور مشموط وذور مرمشوذ هراز شمويد نشطور يوقش فيثمور .
* * *
وروى عبد اللّه بن عياش في المقتضب نوعا آخر ، وهو : وليشمعيل شمعتيخ هنه برختي أتو وهفرتي أتو وهربتي أتو بمادماد شنيم عاسار نسئيم يوالد وأنا تيتولگري گادل وات برني هاتيم(1) .
وأسماؤهم في الإنجيل من المقتضب أيضا : تفوبيث فيدوار بيرا مقشورا مشموعوا ذوموه مشؤ هداذ يثموا بطون نوقش فيذموا(2) .
وإنّ اللّه - تعالى - وضع كلمة التوحيد على إثني عشر حرفا ، وهي « لا إله إلاّ اللّه » .
* * *
ص: 179
قال العوني :
وفي أحرف التوحيد آيات حكمة
بهن عن التوحيد تنتفيان
فمن هنّ سبع وإثنتان وأربع
مثاني أصول أيدت بمثاني
وجملتها إثنا عشر وهي كواحد
أهاتيك في الأعداد يحتسبان
* * *
محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إثنا عشر حرفا .
* * *
قال اللّه - تعالى - « وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ » يعني إذا ذكرت ذكرت معي ، فالمنكر لآخرهم كالمنكر لأولهم .
* * *
وكلمتا الشهادتين لا نقطة على حرف منهما يدلّ على أنّه لا مثل لهم ، ولا يشبههم أحد .
أسماء اللّه - تعالى - على عددهم : الواحد القديم(1) ، الحليم العليم ، الرحمن الرحيم ، السميع البصير ، اللطيف الخبير ، خالق العالمين ، مالك يوم الدين ، المالك القادر ، الخالق الرازق ، المحيي المميت ، الدائم الباقي ، اللّه
لا إله إلاّ هو ، الحمد للّه شكرا ، الحمد للّه حقّا ، اللّه وليّ الدين ، توكّلت على اللّه ، حسبي اللّه وكفى ، وحده لا شريك له .
ص: 180
آيات على عددهم : « أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ » أي أولاده ، « وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ »أي بأولاده ، « وَعَلَّمَ آدَمَ الأَْسْماءَ » ، وذلك أنّه رأى أسماءهم مكتوبات على العرش ، « وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً » ، « فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ » ، « سَنُرِيهِمْ آياتِنا » ، « فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ » ، « اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ » .
مدح النبي صلى الله عليه و آله على عددهم : النبي المصطفى ، الولي المجتبى ، أفضل
العالمين ، خاتم النبيين ، البشير النذير ، السراج المنير ، الصادق المقال ، الشريف الخصال ، الحاكم بالعدل ، القاضي بالفصل ، الهادي المرشد ، الشفيع المنقذ .
* * *
محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، محمد صلى الله عليه و آله حبيب اللّه ، محمد صلى الله عليه و آله أمين اللّه ، محمد صلى الله عليه و آله جاء بالشرع ، محمد صلى الله عليه و آله خصّ بالوحي ، محمد صلى الله عليه و آله صاحب الحقّ ، محمد صلى الله عليه و آله صفوة الربّ ، محمد صلى الله عليه و آله سيد الرسل ، محمد صلى الله عليه و آله خير البشر ، محمد صلى الله عليه و آله سيد العرب ، محمد صلى الله عليه و آله نبي الهدى ، محمد صلى الله عليه و آله أبو القاسم .
أسماء الأنبياء على عددهم : آدم عليه السلام والد البشر ، آدم عليه السلام خليفة اللّه ، نوح عليه السلام ذو السفينة ، نوح عليه السلام ذو الطوفان ، إبراهيم عليه السلام الخليل .
ص: 181
آدم نوح إبراهيم ، موسى عيسى عليهم السلام محمد صلى الله عليه و آله .
موسى والتوراة ، موسى كليم اللّه .
عيسى والإنجيل ، عيسى كلمة اللّه .
محمد صلى الله عليه و آله والفرقان ، أولوا العزم خمسة خاتمهم أفضلهم .
ألقاب علي عليه السلام على عددهم : علي عليه السلام وصي الرسول صلى الله عليه و آله ، علي عليه السلامزوج البتول عليهاالسلام، علي عليه السلام قامع الشرك، علي عليه السلام دامغ الإفك، علي عليه السلام قالع الباب، علي عليه السلام ردّ الأحزاب ، علي عليه السلام عالم الأمّة ، علي عليه السلام أبو الأئمة ، علي عليه السلام
فارج الكرب ، علي عليه السلام خليفة الربّ ، علي عليه السلام ذو العجائب ، علي عليه السلام
ذو الغرائب ، علي عليه السلام خليفة اللّه ، حيدرة عليه السلام أبو تراب ، علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، أمير المؤمنين عليه السلام .
ذكر أئمتنا عليهم السلام على عددهم : الأئمة من قريش ، النبي والإمام ، علي وأولاده حقّ ، فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، الحسن والحسين عليهماالسلام ، الحسن المسموم عليه السلام ، الحسين الشهيد عليه السلام ، الحسين بن علي عليهماالسلام ، علي ذو الثفنات عليه السلام ، الإمام الباقر عليه السلام ، الإمام الصادق عليه السلام ، الإمام الكاظم عليه السلام ، الرضا وصي موسى عليهماالسلام ، أبو جعفر التقي عليه السلام ، البر الوصي النقي ، الحسن العسكري عليه السلام ، الحجّة المنتظر عليه السلام ، إثنا عشر خليفة ، إثنا عشر إماما ، إثنا عشر نقيبا ،
ص: 182
إثنا عشر أسباطا ، الحجج إثنا عشر ، الأئمة إثنا عشر ، أصحاب الأعراف ، ذرّية نبي الهدى ، أهل بيت الرسول ، العترة الزكية ، كتاب اللّه العترة ، المنصوص عليهم ، صلّى اللّه عليهم ، وليّهم في الجنّة ، عدوّهم في النار .
* * *
لقد أتانا خبر
بأنّهم إثنا عشر
وسيلتي في محشري
أئمتي إثنا عشر
كلمات حقّ على عددهم : إنّهم الصدّيقون ، الهدى دين الحقّ ، أئمة أمناء اللّه ، العقل حجّة اللّه ، الشرع دين اللّه ، الدين الإسلام ، النجاة الإيمان ، العماد القرآن ، الوعد والوعيد ، الحياة والموت ، البعث والنشور ، محاسبة العباد ، الجنّة والجحيم ، الثواب الدائم ، العقاب الدائم ، من تفقّه استبصر ، لا عمل إلاّ بنية ، الطهر وضوء وغسل ، الوضوء غسل ومسح ، الكعبة القبلة .
الصلوات الخمس ، الزكاة والصوم ، لا حجّ إلاّ بعمرة ، الصفا والمروة ، الطواف والسعي ، والمشعر الحرام .
استخراج أسمائهم من الحروف : يستخرج إثنا عشر من « حاء » محمد صلى الله عليه و آله ، ومن داله ، وكذلك من « دال » آدم عليه السلام و« حاء » حواء .
ص: 183
يؤخذ « باء » بسم ، و« الف » اللّه ، و« حاء » الرحمن ، و« الف » الرحيم ، فيكون إثنا عشر .
وفي بسم اللّه (1) ثلاث « ميمات » ، وفيهم ثلاث محمد .
وفيه أربع « لامات » ، وفيهم أربع علي .
وفيه « ياء » يدلّ على الحسين عليه السلام .
و« سين ونون » يدلّ على الحسن عليه السلام .
وفيه « راء » يدلّ على جعفر عليه السلام .
وفيه « سين » يدلّ على موسى عليه السلام .
* * *
خمس ميمات وعينان وفا
معها جيم وحاءان وحا
شفعائي يوم ألقا
هم ونعم الشفعا
وأعظم سورة الإخلاص ، وفيها عددهم أربع مرات .
وإنّ « ألم » و« حم » في القرآن إثنا عشر .
وقال المفسرون : حروف المعجم في أوائل السور سرّ اللّه .
ص: 184
وكذلك يستخرج من « كهيعص » اسم علي وفاطمة عليهماالسلام ، وفي « حم » ثلاثة أحرف من محمد ، وفي « طه » حرفان من فاطمة عليهاالسلام ، وفي « يس » حرفان من الحسن والحسين عليهماالسلام .
* * *
بأربعة كلّ يسمّى محمدا
وأربعة أسماؤهم كلّهم علي
وبالحسنين والحسين وجعفر
وموسى أجرني إنّني لهم ولي
وحروف أسمائهم إثنان وأربعون ، المكرّر منها ثمانية وعشرون ، وغير المكرّر إثنا عشر ، وهي علي حسن مجد رؤوف .
وحروف المنقّط من محمد إلى محمد إثنا عشر .
* * *
عليّان موسى جعفر حسنان
محمدان عليان الرضا والقائم
* * *
ص: 185
ومنها ما أظهر في العلوم :
الأعراض على ضربين :
أحدهما : فعل للّه - تعالى - .
والآخر : فعل لنا .
فأفعال اللّه - تعالى - إثنا عشر : حياة ، قدرة ، شهوة ، نفار(1) ، لون ، طعم ، رائحة ، حرارة ، برودة ، رطوبة ، يبوسة ، فناء .
ويدلّ ذلك على أنّ الإمامة من فعله نصّا ، ولا يكون اختيارا ، وأنّهم إثنا عشر .
بناء أصول الفقه إثنا عشر : الخطاب ، الأوامر ، النواهي ، العموم الخصوص ، المجمل البيان ، النسخ ، الأخبار ، الإجماع ، الأفعال ، القياس ، الاجتهاد ، الحظر ، الإباحة .
ص: 186
نحو : اسم ، فعل ، حرف ، و« يا » من حروف النداء ، وهي إثنا عشر .
لفظة « إثنتي عشر » من بين أخواتها معربة ، شرّفت على أخواتها ، كما شرفت الأئمة عليهم السلام بعد النبي صلى الله عليه و آله على سائر الخلق .
الثلاثي إثنا عشر بناء ، وذلك أنّ للفاء فتحة وضمّة وكسرة ، وللعين فتحة وضمّة وكسرة وسكون ، فهذه ثلاثة في أربعة ، فيكون إثني عشر .
فالفاء المفتوحة نضربها في الأربعة الأوجه في العين ، فتخرج « فِعْلٌ فعل فعل فعل » .
ثم تصرف ضمّة الفاء في الأربعة الأوجه في العين ، فتخرج « فعل فعل فعل فعل » .
وتكسر الفاء ، فتخرج « فعل فعل فعل فعل » ، عشرة مستعملة ، وإثنان مهملان ، وهما « فعل وفعل » .
وقال الأخفش : جاء الدئل ، وقال الليث : والوعل في الوعل ، فصار إحدى عشر مستعملاً ، وبقي واحد مهملاً ، وهو بمنزلة المنتظر عليه السلام .
تكبيرات الركعتين إثنا عشر ، وتكبيرات صلاة العيد إثنا عشر ، ووعد الجنّة بإثني عشر شرطا في قوله « وَعِبادُ الرَّحْمنِ » الآية .
وفرض الصلوات في اليوم والليلة سبع عشر ركعة ، فاثنتا عشرة منها تدلّ على المعصومين عليهم السلام ، وخمسة تدلّ على الأصول الخمس .
ص: 187
أعلام مكة إثنا عشر .
القارن والمفرد يحجّان من أربع جوانب البيت على إثني عشر ميلاً .
أبواب مسجد البني صلى الله عليه و آله إثنا عشر .
وكان لوح موسى
عليه السلام إثني عشر ذراعا .
وجاء في تفسير قوله - تعالى - « وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً » أنّه بقي مع النبي صلى الله عليه و آله إثنا عشر رجلاً ، وفي رواية ثمانية .
وسئل أمير
المؤمنين عليه السلام عن طول الكواكب وعرضها ، فقال : إثنا عشر فرسخا في إثني عشر فرسخا .
ويقال : يقطع المشتري الفلك في إثني عشر سنة .
وقالوا : الفرسخ إثنا عشر ميلاً ، وكلّ ميل ألف ذراع .
الجهات الأربع : الشرق ، والشمال ، والغرب ، والجنوب .
الرياح الأربع : الصبا ، والدبور ، والشمال ، والجنوب .
الحمل والمريخ ، الثور والزهرة ، الجوزا وعطارد ، السرطان للقمر ، الأسد بيت الشمس ، السنبلة وعطارد ، السابع للزهرة ، الثامن للمريخ ، القوس للمشتري ، العاشر بيت زحل ، برج الدلو لزحل ، الحوت للمشتري .
* * *
ص: 188
قال المعري(1) :
حسد من أربع يلحظه
سبعة دانية في إثني عشر
مستشار جائر في نصحه
وأمين ناصح لم يستشر
* * *
قوله « وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ » ، وهي : حمل ، ثور ، جوزا ، سرطان ، أسد ، سنبلة ، ميزان ، عقرب ، قوس ، جدي ، دلو ، حوت .
* * *
قال الناشي :
قوم نجوم في البروج منيرة
في برج ثاني العشر ظلّ قرانها
ومنازل القمر المنير عليهم
سعد السعود وغيرهم دبرانها
شرفت بوطئهم البقاع وإن علوا
قلل المنابر شرّفت عيدانها
سل عنهم الليل البهيم فإنّهم
في كلّ حندس ليلة رهبانها
حساب على عددهم :
ومن الحجّة على عباده بعد الرسل ؟
وزنه : علي بن أبي طالب عليهماالسلام إمامنا ، ووصي المصطفى بعده .
وعدد كلّ واحد منهما ثمانمائة وثلاثة .
ص: 189
ومن يكون القدوة القائم بالحجّة بعد علي بن أبي طالب ؟
وزنه : الحسن بن علي عليهماالسلام النقي .
عدد كلّ واحد واحد منهما ثمانمائة وإثنان وخمسون .
* * *
ومن الحجّة بعد النقي الحسن بن علي عليهماالسلام ؟
وزنه : البرّ المقتول الحسين بن علي عليهماالسلام .
وعدد كلّ واحد منهما ألف ومائة وواحد وسبعون .
* * *
ومن هو الحجّة بعد الحسين بن علي عليهماالسلام ؟
وزنه : الزكي علي بن الحسين بن علي عليهم السلام .
وعدد كلّ واحد منهما خمسمائة وواحد وخمسون .
* * *
ومن قام بعد السيد علي بن الحسين عليهماالسلام ؟
وزنه : أقيم القائم محمد بن علي عليهماالسلام .
وعدد كلّ واحد منهما سبعمائة وتسعة وثلاثون .
* * *
فمن قام بعد الباقر عليه السلام بحجّة ؟
وزنه : الصادق جعفر بن محمد عليهماالسلام .
وعدد كلّ واحد منهما سبعمائة وتسعة وثلاثون .
* * *
ص: 190
ومن هو الإمام القدوة القائم بالحجّة بعد الصادق عليه السلام ؟
وزنه : الأمين وصي الأوصياء موسى بن جعفر عليهماالسلام .
وعدد كلّ واحد منهما ثمانمائة وثمانية وتسعون .
* * *
ومن في الأرض بعد موسى عليه السلام حجّه ؟
وزنه : الرضا علي بن موسى عليهماالسلام حجّة .
وعدد كلّ واحد منهما ألف وثلاثمائة وستة وثلاثون .
* * *
من كان القائم بالحقّ بعد علي بن موسى عليهماالسلام الحجّة ؟
وزنه : محمد بن علي عليهماالسلام الثّقة .
وعدد كلّ واحد منهما ثمانمائة وواحد وتسعون .
* * *
فمن الحجّة بعد محمد بن علي عليهماالسلام ؟
وزنه : الولد الصالح الزكي علي بن محمد عليهماالسلام .
وعدد كلّ واحد منهما خمسمائة وسبعة وأربعون .
* * *
ومن القدوة من القائم بالحجّة بعد الناصح علي بن محمد عليهماالسلام ؟
وزنه : الخالص الحسن بن علي عليهماالسلام .
وعدد كلّ واحد منهما ألف ومائتان وستون(1) .
ص: 191
نوع آخر على الآيات :
« ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » ، يوافق ذلك : وذرية نبي اللّه من فاطمة وأمير المؤمنين عليهماالسلام ، وهم أحد عشر ، منهم مهديهم القائم بالحقّ .
حساب كلّ واحد منهما ثلاثة آلاف ومائة وسبعة وخمسون .
* * *
« وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ » ، يوافق ذلك : هؤلاء هم الأئمة الأمناء إثنا عشر ، العلماء أهل بيت المصطفى ، وأصحاب الأعراف يوم القيامة ، صلّى اللّه عليهم .
حساب كلّ واحد منهما ثلاثة آلاف وتسعة وتسعون .
* * *
« كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ » ، يوافق ذلك : وهم النبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والأئمة عليهم السلام الإثنا عشر ، أهل البيت ، أمناء اللّه ، سلام اللّه عليهم .
حساب كلّ واحد منهما ألفان وسبعمائة وواحد وأربعون .
* * *
« وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الأَْمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ » ، يوافق ذلك : هم العلماء من أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله الرسول ، الإثنا عشر العدول ، صلّى اللّه عليهم .
حساب كلّ واحد منهما ألفان وثمانمائة وتسعة عشر .
ص: 192
« يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ » ، يوافق ذلك : أولياء أمر الأمّة ، آل نبي الرحمة ، الإثنا عشر الأئمة .
حساب كلّ واحد منهما ألف وتسعمائة وأربعة وثمانون .
* * *
« فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤلاءِ شَهِيداً » ، يوافق ذلك : الشهود بعد النبي صلى الله عليه و آله على الأمّة إثنا عشر برّا .
حساب كلّ واحد منهما ألفان وسبعة وعشرون .
* * *
«إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ
الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » ، يوافق ذلك : علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام ، الذي يكون في عقبه أحد عشر إماما هاديا مهديا عليه السلام .
حساب كلّ واحد منهما ثلاثة آلاف وخمسمائة وسبعون .
* * *
« وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ » ، يوافق ذلك : وهم بعد نبينا إثنا عشر .
حساب كلّ واحد منهما ألف وثلاثمائة وإثنان .
* * *
« رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ » ، يوافق ذلك : الرسول وإثنا عشر برّا زكيّا بعده .
حساب كلّ واحد منهما ألف وسبعمائة وسبعون .
ص: 193
« إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » ، يوافق ذلك : أرباب الطهارة في الآية محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن ، وابنه الهادي المهدي ، صلوات اللّه عليهم .
حساب كلّ واحد منهما ألفان وسبعمائة وسبعة وسبعون .
* * *
« قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » ، يوافق ذلك : هو ودّ الإثني عشر .
حساب كلّ واحد منهما ألف ومائة وثلاثة وثمانون .
ص: 194
ومنها ما أظهر في الأزمان .
قوله « إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً » .
داود الرقي ، قال أبو عبد اللّه عليه السلام : يا سماعة بن مهران ، ائتني بتلك الصحيفة .
فأتاه بصحيفة بيضاء ، فدفعها إليّ وقال : اقرأ هذه ، فقرأتها ، فإذا فيها سطران :
السطر الأول : لا إله إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
والسطر الثاني : « إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأْرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ » علي بن أبي طالب ، والحسن بن علي ، والحسين بن علي . . إلى قوله : والخلف الصالح ، منهم الحجّة للّه .
ثم قال : يا داود ، أتدري أين كان ؟ ومتى كان مكتوبا ؟
قلت : يا بن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، اللّه أعلم ورسوله وأنتم .
قال : قبل أن يخلق آدم بألفي عام(1) .
ص: 195
إنّ اللّه - تعالى - قد ذكر فيها أنّها الدين القيم، والتديّن بها واجب، والتحوّل عنها كفر، ولاخلاف أنّ معرفة الشهور والسنين ليست بواجبه غير شهر رمضان، وذي الحجّة لمن وجب عليه الحجّ ، وإنّ من مات ولم يعرف الشهور والأعوام ليس يلحقه ذمّ ، ومن مات ولم يعرف الأئمة مات ميتة جاهلية(1) .
* * *
قال العبدي :
أئمتي سادة البرايا
عدّوا كما عدّت الشهور
* * *
ولغيره :
ذخيرتي للحشر والنشور
أئمّتي في عدد الشهور
* * *
قالوا : الشهور هلالية ، اليوم ، والليلة ، والصباح والمساء ، الأزمنة الأربعة : الشتاء ، والربيع ، والصيف ، والخريف .
روضة الواعظين : روى الصقر بن أبي دلف في خبر طويل . . : قلت لأبي الحسن العسكري عليه السلام : يا سيدي حديث يروى عن النبي صلى الله عليه و آله لا أعرف معناه ؟ قال : وما هو ؟
ص: 196
قلت : قوله : لا تعادوا الأيام فتعاديكم ، ما معناه ؟
فقال : نعم ، الأيام ما قامت السماوات والأرض :
فالسبت : اسم رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
والأحد : كناية عن أمير المؤمنين عليه السلام .
والإثنين : الحسن والحسين عليهماالسلام .
والثلاثاء : علي بن الحسين عليهماالسلام ، ومحمد بن علي عليهماالسلام ، وجعفر بن محمد عليهماالسلام .
والأربعاء : موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وعلي بن موسى عليهماالسلام ، ومحمد بن علي عليهماالسلام ، وأنا .
والخميس : ابني الحسن عليه السلام .
والجمعة : ابن ابني عليهماالسلام ، واليه تجمع عصابة الحقّ ، وهو الذي يملأها قسطا وعدلاً كما ملئت جورا وظلما .
فهذا معنى الأيام ، فلا تعادوهم في الدنيا ، فيعادوكم في الآخرة(1) .
عدد ساعات النهار إثنا عشر ، وعدد ساعات الليل إثنا عشر .
ص: 197
ومنها ما أظهر في الأفعال :
أنهار الجنّة إثنا عشر : « فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى » .
« وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً عَيْناً فِيها تُسَمّى سَلْسَبِيلاً » .
« إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ » .
« يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ » .
« وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ » .
« فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ » .
« فِيهِما عَيْنانِ نَضّاخَتانِ » .
وفي الخبر . . فقال جبرئيل عليه السلام : كيف لو رأيت إسرافيل عليه السلام ، وله إثنا عشر جناحا .
ص: 198
النور إثنا عشر نوعا : حجري ، شجري ، شمسي ، قمري ، نجمي ، جوهري ، برّي ، بحري ، شرقي ، غربي ، ظاهري ، باطني .
العناصر أربعة : ماء ، تراب ، ريح ، نار ، وهي إثنا عشر حرفا ، كأنّ اللّه خلقها على عددهم .
الجزائر الكبار إثنا عشر ، وهي معروفة .
أبو المضا عن الرضا عليه السلام في قوله « وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ » قال : الأوصياء .
ظاهر العالم على إثني عشر : حشيش ، بقول ، رياحين ، حبوب ، أشجار مثمرة، غير مثمرة، حشرات، سباحة، طيارة، سباع، بهائم، إنس.
ص: 199
للنوامي اثنتا عشرة حالة : زهرتها ، ورقها ، حملها ، قوتها ، نضجها ، رائحتها ، طعمها ، بيعها ، شراؤها ، أكلها ، استحالتها .
الأجساد إثنا عشر : ذهب ، فضة ، رصاص ، أسرب ، شبه ، صفر ، نحاس ، قير(1) ، كبريت ، زيبق ، حديد .
الجواهر الخلص إثنا عشر : لؤلؤ ، ياقوت ، لعل ، فيروزج ، عقيق ، بدخش ، جزع ، زمرد ، ألماس ، يشب ، بسذ ، لازورد .
أصول العطر إثنا عشر : عنبر ، مسك ، كافور ، عود ، ماء ، ورد ، ند ، غالية ، زعفران ، زباد ، مخلوطات .
أحسن الرياحين إثنا عشر : ورد ، نرجس ، سوسن ، بنفسج ، خيرى ، شنبليذ ، نيلوفر ، منثور ، ياسمين ، ريحان ، أذريون .
ص: 200
أصول الحلاوى إثنا عشر : قصب السكر ، عسل ، عنب ، تمر ، طرنجبين ، من ، كزنجبين ، فرصاد ، بطيخ ، موز ، خرنوب ، عناب .
ص: 201
ومنها ما أظهر في نفس بني آدم :
خلق الآدمي على إثني عشر طبقة : شعر ، ظفر ، جلد ، لحم ، شحم ، مخّ ، دم ، عروق ، عصب ، مني ، بول ، حدث ، « وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ » .
ونشؤنا من إثني عشر سلالة : علقة ، مضغة ، عظام ، لحم ، جنين ، رضيع ، فطيم ، صبي ، شاب ، كهل ، شيخ ، ميت ، « وَقَدْ ّخَلَقَكُمْ أَطْواراً » .
إثنا عشر عضوا يجمعها الجوف ، وهي : مجرى الهواء ، ومجرى الطعام ، والشراب ، والقلب ، والكبد ، والرئة ، والطحال ، والكليتان ، والمرارة ، والمثانة ، والمعدة العليا ، والمعدة السفلى .
الأعضاء المتّصلة إثنا عشر : قدم ، ساق ، فخذ ، يد ، بطن ، صدر ، ظهر ، عنق ، رأس ، وهو بمنزلة النبي صلى الله عليه و آله ، فجعله رئيسا لهم .
ص: 202
الأعضاء المنفصلة المزدوجة إثنا عشر : قدمان ، ساقان ، فخذان ، عضدان ، ذراعان ، كفّان .
المنافذ والخروق إثنا عشر : عينان ، أذنان ، منخران ، فم ، ثديان ، سرّة ، سوأتان(1) ، « نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ » يعني قوّينا منافذهم .
وفي الوجه إثنا عشر جزءا : جبهة ، حاجبان ، عينان ، خدّان ، أنف ، فم ، شفتان ، لسان ، « فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » .
عظام الأصابع من كلّ يد ورجل - سوى الأباهيم - إثنا عشر إثنا عشر ، والإبهام بمنزلة النبي صلى الله عليه و آله .
وإبهام خير المرسلين محمد
فصلّى عليه الواحد المتكبر
* * *
ص: 203
وخصال القلوب إثنا عشر : ذهن ، انتباه ، سرح ، حياة ، حياء ، بصر ، فهم ، يقين ، عقل ، معرفة ، خوف ، رجاء ، والقلب بمنزلة النبي صلى الله عليه و آله ، « إنّ في جسد ابن آدم لمضغة(1) » . . الخبر .
ص: 204
ص: 205
ص: 206
محمد صلى الله عليه و آله نبي الجبار ، علي عليه السلام كرار غير فرار ، الحسن عليه السلام مسموم الفجار ، الحسين عليه السلام قتيل الكفار ، السجاد عليه السلام شمس الأبرار ، الباقر عليه السلام
أنس الأخيار ، الصادق عليه السلام سيد الأحرار ، الكاظم عليه السلام خير الأخيار ، الرضا عليه السلام قدس الأسرار ، التقي عليه السلام المبرأ عن العار ، النقي عليه السلام الوليّ البارّ ، الزكي عليه السلام المطهّر من الشنار ، المهدي عليه السلام ولي الثأر .
محمد صلى الله عليه و آله خاتم الأنبياء ، علي عليه السلام سيد الأوصياء ، الحسن عليه السلام وليّ الأصفياء ، الحسين عليه السلام إمام الشهداء ، السجاد عليه السلام زين الأتقياء ، الباقر عليه السلام
علم الأولياء ، الصادق عليه السلام ظهير الفقراء ، الكاظم عليه السلام مؤنس الضعفاء ، الرضا عليه السلام معلّم الفقهاء ، التقي عليه السلام ميراث النقباء ، النقي عليه السلام مزيّن الأمراء ، الزكي عليه السلام وليّ الحنفاء ، المهدي عليه السلام آخر الخلفاء .
محمد صلى الله عليه و آله ركن الأعلام ، علي عليه السلام حصن الإسلام ، الحسن عليه السلام شرف الكرام ، الحسين عليه السلام زين الأيام ، السجاد عليه السلام فخر الأنام ، الباقر عليه السلام ذكر
ص: 207
الأعلام ، الصادق عليه السلام السيد الإمام ، الكاظم عليه السلام مزيّن المقام ، الرضا عليه السلام
البدر التمام ، التقي عليه السلام البلد الحرام ، النقي عليه السلام أفضل الصيام ، الزكي عليه السلامراشد
الأقوام ، المهدي عليه السلام الخلف للأقوام .
محمد صلى الله عليه و آله سراج الدين ، علي عليه السلام أمير المؤمنين ، الحسن عليه السلام مفتاح اليقين ، الحسين عليه السلام مصباح المتّقين ، السجاد عليه السلام زين العابدين ، الباقر عليه السلام
باقر علم النبيين ، الصادق عليه السلام مقتدى الصادقين ، الكاظم عليه السلامراحم المساكين ، الرضا عليه السلام مقدّم المنفقين ، التقي عليه السلام إمام المحقّقين ، النقي عليه السلام مولى المشتاقين ، الزكي عليه السلام رئيس السابقين ، المهدي عليه السلام خليفة اللّه في العالمين .
محمد صلى الله عليه و آله النبي ، علي عليه السلام الوصي ، الحسن عليه السلام الرضي ، الحسين عليه السلامالوفي ، السجاد عليه السلام الحيي ، الباقر عليه السلام السخي ، الصادق عليه السلام الوفي ، الكاظم عليه السلام
الولي ، الرضا عليه السلام العلي ، التقي عليه السلام الصفي ، النقي عليه السلام الجلي ، العسكري عليه السلام الزكي ، القائم عليه السلام المهدي .
اللّهم صلّ على السراج الوهاج ، والغيث الثجاج ، المكرم ليلة المعراج ، الداعي إلى أفضل شرع ومنهاج .
ص: 208
وصلّ على سيد العرب ، وحائز الفخر والحسب ، والهزبر الأغلب ، والأغرّ المهذب .
وصلّ على سليلة المصطفى ، وحليلة المرتضى ، ابنة رسول ربّ الأرض والسماء ، سيدة النساء ، فاطمة الزهراء عليهاالسلام .
وصلّ على الحجّة النبوي العلوي الفاطمي ، الإمام الرضي ، الحسن بن علي عليهماالسلام .
وصلّ على السيد الرشيد ، الفارس الصنديد ، ذي البأس الشديد ، الحسين عليه السلام الشهيد .
وصلّ على زين العباد ، وفخر الزهاد ، وأمان أهل البلاد ، المعروف بالسجاد عليه السلام .
وصلّ على محي سنن الأوصياء ، المصطفى بالنفس والآباء ، المرتضى للابتداء والانتهاء ، باقر علم الأنبياء عليه السلام .
وصلّ على النور المشرق ، والشجاع المطرق ، والعسل المروّق ، والكوكب المتألق ، أبي عبد اللّه جعفر الصادق عليه السلام .
وصلّ على الإمام المطهّر ، والليث الغضنفر ، السيد على البشر ، أبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام .
وصلّ على الطور الأشم ، والبحر الخضم ، السيد المحترم ، إمام العرب والعجم ، علي بن موسى عليهماالسلام المعظم .
وصلّ على الإمام الوفي ، والبطل الكمي ، ذي الحسب العلي ، محمد بن علي عليهماالسلام التقي .
ص: 209
وصلّ على العالم المؤيد ، والإمام المسدّد ، المعصوم المجرّد ، علي بن محمد عليهماالسلام .
وصلّ على السراج المضي ، والشرف العلي ، الإمام الزكي ، الحسن العسكري عليه السلام .
وصلّ على الإمام الحاكم ، العامل العالم ، الثائر المنتقم ، الحجّة القائم عليه السلام .
النذير المبين ، الصادق الأمين ، خاتم النبيين ، ورسول ربّ العالمين .
النجم الثاقب ، الرفيع المراتب ، الكثير المناقب ، غالب كلّ غالب ، علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
زوجته الغراء ، الإنسية الحوراء ، البتول العذراء ، المزوّجة في السماء ، فاطمة الزهراء عليهاالسلام .
السند المعصوم ، والسيد المسموم ، الرضا المؤتمن ، أبو محمد الحسن عليه السلام .
السيد الأمين ، الواضح الجبين ، الركن الركين ، المبرأ من كلّ شين ، أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام .
عصمة المسلمين ، وإمام الصابرين ، ورئيس البكائين ، و أفضل القانتين ، وسيد المجتهدين ، علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام .
القمر الباهر ، والنجم الزاهر ، والبحر الزاخر ، والنور الظاهر ، والإمام الطاهر ، محمد بن علي الباقر عليه السلام .
ص: 210
الفرع الباسق ، واللسان الناطق ، قامع كلّ مارق ، جعفر بن محمد الصادق عليه السلام .
السيد العالم ، والعادل الحاكم ، والسيف الصارم ، القادر القائم ، موسى بن جعفر عليهماالسلام الكاظم .
الشرف والحجى ، والضياء المستضا ، والنور المصفّى ، قتيل طوس بالقضا ، علي بن موسى عليهماالسلام الرضا .
النور المضي ، والبطل الكمي ، والفارس الجري ، والسمح الزكي ، والمهل الروي ، محمد بن علي عليهماالسلام التقي .
الإمامين العادلين ، وارثي المشعرين ، وإمامي الحرمين ، المدفونين بسر من رأى ، علي والحسن عليهماالسلام .
الخلف المفضال ، أكرم الأخيار ، ومبيد عصبة الكفار ، م ح م د بن الحسن الهادي المهدي عليه السلام .
اللّهم صلّ
على الدعوة النبوة ، والحجّة الحيدرية ، والأعلام الحسنية ، والصلابة الحسينية ، والعبادة السجادية ، والعلوم الباقرية ، والمآثر الجعفرية ، والأسرار الكاظمية ، والحجج الرضوية ، والأنوار المحمدية ، والشروح العلوية ، والهيبة العسكرية ، والخلافة الصالحة المنتظرية .
ص: 211
اللّهم بحقّ محمد صلى الله عليه و آله وأمّته ، وعلي عليه السلام وشيعته ، وفاطمة عليهاالسلام وعترتها ، والحسن عليه السلام ودعوته ، والحسين عليه السلام وشهادته ، والسجاد عليه السلام وزهادته ، والباقر عليه السلام وجلالته(1) ، والصادق عليه السلام واستقامته ، والكاظم عليه السلام وإنابته ، والرضا عليه السلام وآيته ، والتقي عليه السلام وجلالته ، والنقي عليه السلام وهدايته ، والزكي عليه السلام
ونهايته ، والمهدي عليه السلام وغيبته .
ص: 212
ص: 213
ص: 214
لأبي تمام :
ربّي اللّه والأمين نبيي
صفوة اللّه والوصي إمامي
ثم سبطا محمد تالياه
وعلي وباقر العلم خام
والتقي الزكي جعفر الطيب
مأوى له المقرّ والمقام
ثم موسى ثم الرضا علم الفضل
الذي طال سائر الأعلام
والمصفّى محمد بن علي
والمعّرى من كلّ سوء وذام
والزكي الإمام مع نجله القائم
مولى الأنام نور الظلام
أبرزت منه رأفة اللّه بالناس
لترك الظلام بدر التمام
فرع صدق نمى إلى الرتبة القصوى
وفرع النبي لا شكّ نام
فهو ماض على البديهة بالفيصل
من رأي هزبري همام
عالم بالأمور غارت فلم
تنجم وماذا يكون في الإنجام
هؤلاء الأولى أقام بهم حجّته
ذو الجلال والإكرام
* * *
ص: 215
وقال السيد الرضي :
سقى اللّه المدينة من محل
لباب الماء بالنطف العذاب
وجاد على البقيع وساكنيه
رخي الذيل ملآن الوطاب
وأعلام الغري وما استباحت
معالمها من الحسب اللباب
وقبر بالطفوف يضمّ شلوا
قضى ظمئا إلى برد الشراب
وبغداد وسامرا وطوس
هطول الودق منخرق العباب
قبور تنطف العبرات فيها
كما نطف الصبير(1) على الرواب
صلاة اللّه تخفق كلّ يومعلى تلك المعالم والقباب
* * *
وله أيضا :
معشر منهم رسول اللّه وال
كاشف الكرب إذا الكرب عرى
صهره الباذل عنه نفسه
وحسام اللّه في يوم الوغى
أوّل الناس إلى الداعي الذي
لم يقدّم غيره لمّا دعا
ثم سبطاه الشهيدان فذا
بحسا السمّ وهذا بالظبا
وعلي وابنه الباقر والصادق
القول وموسى والرضا
وعلي وأبوه وابنه
والذي ينتظر القوم غدا
يا جبال المجد عزّا وعلا
وبدور الأرض نورا وسنا
أنتم الشافون من داء العمى
وغدا ساقون من حوض الروا
ص: 216
وقال الحصفكي(1) :
حيدرة والحسنان بعده
ثم علي وابنه محمد
وجعفر الصادق وابن جعفر
موسى ويتلوه علي السيّد
أعني الرضا ثم ابنه محمد
ثم علي ابنه المسدّد
والحسن الثاني يتلو تلوه
م ح م د بن الحسن المفتقد
* * *
ص: 217
وقال الأمير أبو فراس(1) :
شافعي أحمد ومولاي في البعث
علي والبنت والسبطان
وعلي وباقر العلم والصادق
ثم الأمين ذي التبيان
وعلي والخيران علي
وعلى العسكري القريب الداني
والإمام المهدي في يوم لا
ينفع إلاّ غفران ذي الغفران
* * *
وله أيضا :
لست أرجو النجاة من كلّ ما
أخشاه إلاّ بأحمد وعلي
وببنت النبي فاطمة الطهر
وسبطيه والإمام علي
والتقي النقي باقر علم
اللّه فينا محمد بن علي
وابنه جعفر وموسى ومولاي
علي أكرم به من علي
وأبي جعفر سمّي رسول
اللّه ثم ابنه الزكي علي
وابنه العسكري والقائم المظهر
حقّي محمد وعلي
فبهم أرتجي بلوغ الأماني
يوم عرضي على الإله العلي
* * *
ص: 218
وقال حسام الدولة أبو الشوك فارس بن محمد :
بلّغ أمير المؤمنين تحيتي
واذكر له حبّي وصدق تودّدي
وزر الحسين بكربلاء وقل له
يا بن الرسول ويا سلالة أحمد
منّي السلام عليك يا بن محمد
أبدا يروح مع الزمان ويغتدي
وعلى أبيك وجدّك المختار
والثاوين منكم في بقيع الغرقد
وبأرض بغداد على موسى وفي
طوس على ذاك الرضاء المفرد
وبسر من رأى السلام على
النقي نجل التقى والسؤدد
بالعسكريين اعتصامي من لظى
وبقائم من آل أحمد في غد
* * *
ص: 219
وقال السوسي :
بهم يبيض يوم الحشر وجهي
واقبض باليمين على الكتاب
فأوّلهم أبو حسن إمامي
إمام هدى يرى مثل الشهاب
ومنهم من سقته العرس سمّا
فغصّ أبو محمد بالشراب
ومنهم ثاويا بالطفّ أضحى
قتيلاً بالصفائح والحراب
وزين العابدين معا علي
وباقر كلّ علم بالصواب
أبو عبد الإله به أرجّي
نجاتي في الحساب وفي الكتاب
ومنهم مخبر ما كان قدما
ومخبر ما يكون بلا ارتياب
أمير المعجزات ومن تبدّى
لنا بالعلم والعجب العجاب
وتاسعهم محمد ذو سناء
مقيم عند موسى في القباب
وعاشرهم أبو حسن رجائي
أبو حسن المرجّى للمآب
وحادي عشرهم حسن إمامي
أبو القمر المغيب في الحجاب
* * *
وله أيضا :
حبّي للغائب في كوفان
ولابنه المسموم بالديفان
والثالث المقتول بالعدوان
وبعده الساجد للمنان
وباقر العلوم ذي التبيان
وجعفر محيّر الأذهان
إمامنا موسى العظيم الشأن
وابنه الثامن في نوقان
ص: 220
وابنه التاسع في بغدان
والعسكري وابنه القرمان
متى يلوح البدر للعيان
متى يقوم قائم الزمان
* * *
وله أيضا :
الطيّبون الطاهرون الخيّرون
الفاضلون السادة الأمجاد
أهل الندى أهل الحجى
أهل التقى أهل النهى الزهّاد
أهل الرياسة والسياسة والنفاسة
والشراسة في الأولى شداد
السادة العلماء والحلماء
والفقهاء والحكماء والعبّاد
الأنجم الصبحاء والفصحاء
والرجحاء والسمحاء والنقّاد
أنتم عداد شهورنا ونجومنا
وبكم تصحّ وتستوي الأعداد
منكم علي والحسين وقبله
حسن أخوه ومنكم السجّاد
ومحمد منكم وجعفر وابنه
وكذاك موسى في العلى شيّاد
ثم الرضا ومحمد وعليّه
وأبو الذي الدنيا له تنقاد
ذاك المميت الجور بالعدل الذي
فيه لمن يبغي الرشاد رشاد
* * *
ص: 221
وقال عضد الدولة(1) :
إن كنت جئتك في الهوى متعمّدا
فرميت من قطب السماء بهاويه
وبرئت من حبّ ابن بنت محمد
وحشرت من قبري بحبّ معاويه
إنّ الأئمة بعد أحمد عندنا
إثنان ثم إثنان ثم ثمانيه
* * *
ص: 222
وقال البشنوي :
آليت ربّي بالهدى متمسّكا
بإثني عشر بعد النبي مراقبا
أبقى على البيت المطهر أهله
بيت قريش للديانة طالبا
* * *
ص: 223
وقال العوني ، وينسب إلى عياش :
سلام على خير الورى خاتم النذر
سلام على المستحفظ الطاهر الطهر
سلام وريحان وروح ورحمة
على علم الدين المتوّج بالفخر
سلام على بحر الندى لجّة الحجى
به نزل الأملاك بالخير والذكر
سلام على صنو النبي وصهره
أبي حسن أكرم به ذاك من صهر
سلام على الطهر الزكية فاطم
سلام على أولادها الأنجم الزهر
سلام على المعروف بالحلم والتقى
سلام على المقتول بالبيض والسمر
سلام على السجاد ثم على ابنه
محمد ذي العلم المشهر بالبَقْر
سلام على الطهر المطهّر جعفر
سلام على موسى إلى آخر الدهر
سلام وريحان وروح على الرضا
سلام على تاليه كالكوكب الدرّي
سلام على من أكمل العشر باسمه
سلام من الباري على الحادي العشر
سلام على الطهر المسمّى بجدّه
سلام حزين القلب عبرته تجري
سلام على من سر من رأى محلّه
سلام على المرجو في محكم الزبر
* * *
وله أيضا :
خليفة اللّه أبو الخلائف الشم
العرانين البهاليل الزهر
ذو النور في التفسير والنوران في
منسله الزاكي شبير وشبر
ص: 224
الأول المسموم والثاني الذي
بقتله رهط ملاعين كفر
واذكر عليا والذي أظهر في
الخلق علوما ثم أبدا ونشر
الراكع العابد والساجد حتى
قصّ من بين جبينه الدبر(1)
ثم اذكر الباقر للعلم ألايا حبّذا من باقر وما بقر
ثم اذكر الصادق أعني جعفرامثل أبي موسى بخير من ذكر
ثم الرضا أعني عليا خيرة اللّه بيمنه إلى المجد خبر
ثم اقتفاه في الهدى محمدثم علي فأتانا ما ذخر
من سبل الحقّ ومن بعدهمافالحسن المحبوب بالبرّ الطهر
السيد المهدي والقائم فيالأرض الذي غيّب فهو المنتظر
يملأها عدلاً كما قد ملئتجورا وذو العزّة يعطيه الظفر
* * *
ص: 225
وقال السيد الحميري :
على آل الرسول وأقربيه
سلام كلّما سجع الحمام
أليسوا في السماء هم نجوم
وهم أعلام عزّ لا يرام
فيا من قد تحيّر في ضلال
أمير
المؤمنين هو الإمام
رسول اللّه يوم غدير خم
أناف به وقد حضر الأنام
وثاني أمره الحسن المرجّى
له بيت المشاعر والمقام
وثالثه الحسين فليس يخفى
سنا بدر إذا اختلط الظلام
ورابعهم علي ذو المساعي
به للدين والدنيا قوام
وخامسهم محمد ارتضاه
له في المأثرات إذا مقام
وجعفر سادس النجباء بدر
ببهجته زها البدر التمام
وموسى سابع وله مقال
تقاصر عن أدانيه الكرام
علي ثامن والقبر منه
بأرض الطوس إن قحطوا رهام(1)
وتاسعهم طريد بني البغايامحمد الزكي له حسام
وعاشرهم علي وهو حصنيحنّ لفقده البلد الحرام
وحادي العشر مصباح المعاليمنير الضوء الحسن الهمام
وثاني العشر حان له القيامم ح م د الزكي به اعتصام
سيظهر عاجلاً نورا خفياوينساق الأمور به انتظام
أولئك في الجنان بهم مساعيوجيرتي الخوامس والسلام
ص: 226
وقال الخطيب الباهر ابن الفرار المطيري :
بدين المصطفى أرجو نجاتي
وحبّ المرتضى من يوم شين
بفاطمة البتول أتاك رشدا
وبالحسن الزكي وبالحسين
بزين العابدين وصلت حبلي
علي بن الحسين ومن كذين
وإنّ الباقر بن علي ركني
محمد وهو ركن الأمّتين
وكهفي جعفر الصادق علما
أفوز من الجنان بحلّتين
وكاظم غيظه الطهر موسى
إلى ربّي جعلت وسيلتين
وإنّي بالرضا علي بن موسى
وثقت بأن أتاك فضيلتين
كذاك وبالزكي أمنت يوما
محمد من أليم عقوبتين
وحسبي بالإمام علي وابن
له حسن قتلى العسكرين
نجاب(1) به وحبّ الكلّ جمعا
هو المهدي أرجى خصلتين
* * *
ص: 227
وقال ابن حماد :
صلّى الإله على علي ذي العلى
ما نال طيرا أو علا أغصانا
وسقى المدينة والبقيع ومشهدا
حلّ الغري الطهر من كوفانا
وسقى قبورا بالطفوف منيرة
وسقى قبورا ضمّنت بغدانا
وسقى مقابر سر من رأى والذي
من طوس أصبح ثاويا نوقانا
* * *
وله أيضا :
أنا مولى للسادة الأمجاد
أهل بيت التقى وباب الرشاد
أنا مولى لأحمد وعلي
ولسبطيهما وللسجاد
أنا مولى لباقر العلم و
الصادق ذيالفضل والتقى والسداد
أنا مولى لكاظم الغيظ موسى
وعلي الرضا ونعم الجواد
أنا مولى للعسكريين حقّا
ثم للقائم الإمام الهادي
معشر طاب مولدي بولاهم
وعليهم يوم المعاد اعتمادي
وموالاتهم نجاة من النار
وحصني من هول يوم المعاد
* * *
وله أيضا :
إلهي بحقّ الحقّ من آل هاشم
بصفوتك الصفوة الهداة الأكارم
بأحمد المختار بالقرم حيدر
بسبطيه بالطهر البتولة فاطم
بجاه علي ذي التقى بمحمد
بجعفر ربّ المعجزات العظائم
ص: 228
بموسى المصفّى بالرضا بمحمد
بحقّ علي ذي العلا والمكارم
وبالحسن الميمون والقائم الذي
غدا خير مأمول وأكرم قائم
بإثني عشر صفّيتهم وارتضيتهم
وطهّرتهم من نسل أولاد آدم
بحقّهم يا ذا المعارج نجّني
وجد لي بعفو من عظيم الجرائم
* * *
وله أيضا :
يا علي المرتضى لست أبغي عوضا
منك أو عنك ولاحاشاي بالمنحرف
أنا مولى حيدرة وبنيه العشرة
والإمام القائم المنتظر المستخلف
* * *
ص: 229
وقال أبو الفتح محمد بن السابوري :
سلام على الصفوة المصطفى
محمد ذي المنهج الأقوم
سلام على ابن أبي طالب
أخي الحرب والفارس المعلم
سلام من اللّه ما غرّدت
حمام على النبأ الأعظم
سلام على حرّة بعلها
سبيل النجاة لمن قد عمي
سلام على الحسن المرتجى
كنور بدا في دجى مظلم
سلام على من سقي بالطفوف
كؤوسا أمرّ من العلقم
سلام على ساجد عابد
حماه المهيمن عن مجرم
سلام على باقر علمه
يفجّر كالجدول المفعم
سلام على جعفر بعده
سلام كئيب به مغرم
سلام على كاظم نوره
توقّد كالسبعة الأنجم
سلام على مفرد قبره
بطوس وطوس به يحتمي
سلام على تاسع مجده
تألّق كالعلم المعلم
سلام على عاشر جوده
أسحّ من السيل بالمرزم
سلام على حادي عشرهم
سلام على القائم القيم
سلام عليكم بني أحمد
وأولاد حيدرة الأكرام
سلام عليكم بني فاطم
سلام محبّ لكم مكرم
* * *
ص: 230
وقال أبو عبيد اللّه الحسيني :
يا طيب نفح النسيم في سحر
عرج على طيبة بتغليس(1)
وزر بقيعا بما تخدّ بهرسما من الدين جدّ مطموس
واغزهما بالغري(2) رازمةتثلم أضحاكها بتعبيس
وطف بها بالطفوف مدلجاوحيّها ضحوة بتشميس
واقصد ببغدان من أزمّتهايرو صداها بطول تعريس
وخصّ سامرة بمرتجزيشوب تطبيقه بتبجيس(3)
وازحف إلى طوس واقض محتسباحقوق ذاك الغريب في طوس
مشاهدا روّحت مراقدهابرحمة نوّرت بتقديس(4)
* * *
ص: 231
وقال الصاحب :
يا زائرين اجتمعوا جموعا
وكلّهم قد أجمعوا الرجوعا
إذا حللتم تربة المدينه
بخير أرض وبخير طينه
فابلغوا محمدا الزكيّا
عنّي السلام طيبا زكيّا
حتى إذا عدتم إلى الغري
فسلّموا منّي على الوصي
وبعد بالبقيع في خير وطن
اهدوا سلامي نحو مولاي الحسن
وأبلغوا القتلى بأرض الطفّ
تحيتي ألفان بعد ألف
ثمّة عودوا ببقيع الغرقد
نحو علي بن الحسين سيدي
وباقر العلم أخا الذخائر
ومعدن العلياء والمفاخر
وكنز علم اللّه في الخلائق
جعفر الصادق أتقى صادق
فبلّغوهم من سلامي النامي
ما لا يزول مدّة الأيام
حتى إذا عدتم إلى بغدان
بمشهد الزكاء والرضوان
فبلّغوا منّي سلاما ذايبا
سلام من يرى الولاء واجبا
وواصلوا السير وزوروا(1) طوسا
نحو علي ذي العلى بن موسى
حيّوه عنّي ما أضاء كوكبوما أقام يذبل وكبكب(2)
ص: 232
وسلّموا بعد على محمدبأرض بغدان زكي المشهد
واعتمروا عسكر سامراءاهدوا سلامي أحسن الإهداء
نحو علي الطاهر المطهروالحسن المحسن نسل حيدر
* * *
وله أيضا :
يا زائرا قد قصد المشاهدا
وقاطع الجبال والفدافدا
فأبلغ النبي من سلامي
ما لا يبيد مدّة الأيام
حتى إذا عدت بأرض الكوفة
البقعة الطاهرة المعروفة
وصرت في الغري في خير وطن
سلّم على خير الورى أبى الحسن
ثمّة سر نحو بقيع الغرقد
مسلما على أبي محمد
وعد إلى الطف بكربلاء
اهد سلامي أحسن الإهداء
بخير من قد ضمّه الصعيد
ذاك الحسين السيد الشهيد
واجنب إلى الصحراء بالبقيع
فثمّ أرض الشرف الرفيع
هناك زين العابدين الأزهر
وباقر العلم وثمّ جعفر
أبلغهم عنّي السلام راهنا
قد ملأ البلاد والمواطنا
واجنب إلى بغداد بعد العيسا
مسلما على الزكي موسى
واعجل إلى طوس على أهدى سكن
مبلّغا تحيّتي أبا الحسن
وعد لبغداد بطير أسعد
سلّم على كنز التقى محمد
وأرض سامراء أرض العسكر
سلّم على علي المطهر
ص: 233
والحسن الرضي في أحواله
من منبع العلوم في أقواله
فإنّهم دون الأنام مفزعي
ومن إليهم كلّ يوم مرجعي
* * *
ص: 234
وأنشد المندب أبو طاهر القمّي لنفسه :
أقول إنّي عبد لا عتاق له
لآل ياسين قول الصادق الجاهر
محمد وعلي والبتولة والسبط-
-ين والسيد السجاد والباقر
وجعفر وابنه موسى وحافده
الرضا ونور(1) الورى محمد الطاهر
والعسكري علي وابنه الحسنالزاكي أرومته والحجّة الباهر
* * *
ص: 235
وأنشد أبو الرضا الحسيني لنفسه :
يا ربّ ما لي شفيع يوم منقلبي
إلاّ الذين إليهم ينتهي نسبي
المصطفى وهو جدّي ثم فاطمة
أمّي وشيخي علي الخير وهو أبي
والمجتبى الحسن الميمون غرّته
ثم الحسين أخوه سيد العرب
ثم ابنه سيّد العباد قاطبة
وباقر العلم مكشوف عن الحجب
والصادق البرّ في شيء يفوه به
والكاظم الغيظ فيمستوقد الغضب
ثم الرضا المرتضى في الخلق سيرته
ثم التقي نقيبا غير ما كذب
ثم النقي ابنه والعسكري وما
لي في شفاعة غير القوم من أرب
ثم الذي يملأ الدنيا بأجمعها
عدلاً وقسطا بإذن اللّه عن كثب
وتشرق الأرض من لألآء غرّته
كالبدر يطلع من داج(1) من السحب
* * *
وله أيضا :
محمد خير مبعوث وأفضل من
مشى على الأرض من حاف ومنتعل
من دينه نسخ الأديان أجمعها
ودور ملّته عفّى على الملل
ثم الإمامة مهداة مرتبة
من بعده لأمير المؤمنين علي
ص: 236
من بعده ابناه وابنا بنت سيدنا
محمد ثم زين العابدين علي
والباقر العلم عن أسرار حكمته
والصادق البرّ لم يكذب ولم يخل
والكاظم الغيظ لم ينقض مروته
ثم الرضا لم يفه واللّه بالزلل
ثم التقى فتى عاف الأنام معا
قولاً وفعلاً فلم يفعل ولم يقل
ثم النقي ابنه والعسكري ومن
يطهّر الأرض من رجس ومن دخل(1)
القائم العدل والحاكي بطلعتهطلوع بدر الدجى في دامس الطفل(2)
تنشق ظلمة ظلم الأرض من قمرإشراق دولته يأتي على الدول
* * *
ص: 237
ولنا :
ألا إنّ خير الناس بعد نبينا
علي ولي اللّه وابن المهذّب
به قام للدين الحنيف عموده
وصار رفيعا ذا رواق مطنّب
ومن بعده نجلاه سبطا محمد
وريحانتاه من أطائب طيّب
فسيدنا السجاد أكرم من مشى
على الأرض طرّا من تقي ومعرب
وباقر علم الدين والصادق الذي
به يهتدى في كلّ عمياء غيهب(1)
وموسى أمين اللّه ثم ابنه الرضازكيّ نجار(2) قد علا كلّ منصب
فسيد سادات الأنام محمدأبو جعفر الزاكي التقي المطيّب
وخير البرايا العسكريان بعدهإمامان مهديّان في كلّ مشعب
وقائمنا المهدي لابد قاتلعداة أبيه بالحسام المشطّب(3)
يقول على اسم اللّه قد حان أمرهفيملأ عدلاً كلّ شرق ومغرب
بهم أتولّى مؤمنا متيقّناوأشنأ من أعدائهم كلّ مذهب
* * *
ص: 238
وقال محمد بن حبيب الصبي :
صلّى الإله على النبي محمد
وعلت عليا نضرة ووسام
وكذا على الزهراء صلّى سرمدا
ربّ بواجب حقّها علاّم
وعليه صلّى ثم بالحسن ابتدى
وعلى الحسين لوجهه الإكرام
وعلى علي ذي التقى ومحمد
صلّى فكلّ سيد وهمام
وعلى المهذب والمطهر جعفر
أزكى الصلاة وإن أبى الأقوام
الصادق المأثور عنه علم ما
فيكم به يتمسّك الأقوام
وكذا على موسى أبيك وبعده
صلّى عليك وللصلاة دوام
وعلى محمد الزكي فضوعفت
وعلى علي ما استمر كلام
وعلى الرضاابن الرضاالحسن الذي
عمّ البلاد لفقده الإظلام
وعلى خليفته الذي لكم به
تمّ النظام فكان فيه تمام
فهو المؤمل أن يعود به الهدى
باق وإن يستوثق الأحكام
* * *
ص: 239
وقال غيره :
إلهي بحقّ المصطفى ووصيّه
وبفاطم الزهراء ابنة أحمد
يا ربّ بالحسن الزكي ومن ثوى
في كربلا والزاهد المتعبّد
وبباقر علم التقى وبجعفر
وبحقّ موسى والرضا ومحمد
وعلي الهادي وبالحسن النقي
والحجّة المهدي الإمام السيد
اغفر ذنوبي واعف عن جرمي غدا
فوسيلتي يا ربّ آل محمد
* * *
وقال آخر :
وعرفت قبلتي النبي محمدا
حسبي وذا ذخري وعند نزاعي
وعرفت مولاي عليا صنوه
علم الهدى ومذلّ كلّ شجاع
وعرفت بعد الصنو بالحسن التقى
وعرفت كيف حقيقة الإبداع
وعرفت مولاي الحسين مفوّها
أبدا بداء دوائه استرجاعي
وعرفت سجادا سجدت لنوره
أكرم به من ساجد ركّاع
وعرفت باقر علمهم والصادق ال
ميمون ثدي العالم الرضّاع
وعرفت موسى والرضا ومحمدا
وعلي والحسن الكريم الساعي
وعرفت مولاي الإمام القائم ال
قوّام قارع كلّ باب قراع
أشباح نور في هياكل حكمة
أرواح قدس في صدور سباع
* * *
ص: 240
وقال سلامة الجنيني(1) :
أنا مولى حيدر وابنيه
والعلم السجّاد مصباح العرب
وابنه الباقر والصادق
والمرتضى موسى الإمام المنتجب
ثم الرضا ثم أبي جعفر
والعسكريين وباق محتجب
* * *
ص: 241
وقال أبو العمر عبد الملك البعلبكي :
بمحمد ووصيه وابنيهما قسما غموسا
وبمن بحيدرة الوصي المرتضى أضحت عروسا
وعليّهم ومحمد وبجعفر أيضا وموسى
وبمن بطوس قبره بأبي وأمّي من بطوسا
وثلاثة من بعدهم وبرابع يأتي بعيسى
جد لي بعفوك يا إلهي واكفني يوما عبوسا
فلقد دعوتك بالذين جعلتهم فينا شموسا
كدعاء آدم إذ دعاك فلم يخف إذ ذاك بؤسا
إلاّ غفرت خطيئتي وكفيتني يوما عبوسا
* * *
ص: 242
وقال الصاحب :
بمحمد ووصيّه وابنيهما
وبعابد وبباقرين وكاظم
ثم الرضا ومحمد ثم ابنه
والعسكري المتّقي والقائم
أرجو النجاة من المواقف كلّها
حتى أصير إلى نعيم دائم
* * *
وله أيضا :
بمحمد ووصيّه وابنيهما
الطاهرين وسيد العباد
ومحمد وبجعفر بن محمد
وسمّي مبعوث بشاطئ الوادي
وعليّ الطوسي ثم محمد
وعليّ المسموم ثم الهادي
حسن واتبع بعده بإمامة
للقائم المبعوث بالمرصاد
* * *
وله أيضا :
قد تبرأت من الجبتين تيم وعدي
ومن الشيخ العتل المستحل الأموي
أنا لا أعرف إلاّ رهن قبر بالغري
وثمانا بعد سبطيه ومنصوصا خفي
* * *
وله أيضا :
نبي والوصي وسيّدان
وزين العبادين وباقران
وموسى والرضا والفاضلان
بهم أرجو خلودي في الجنان
ص: 243
وقال كشاجم(1) :
نبيي شفيعي والبتول وحيدر
وسبطاه والسجاد والباقر المجدي
بجعفر بموسى بالرضا بمحمد
بنجل الرضا والعسكريين والمهدي
* * *
ص: 244
وقال غيره :
علي وابناه وبحران واللجّه
وموسى وطهراه وبرّان والحجّه
أولئك آل المصطفى عترة الهدى
فأفعالهم وأقوالهم حجّه
* * *
وقال غيره :
أعوذ بذي العرش ممّا جنيت
ورحمته الجمّة الواسعه
وأهل العباء وآل الحسين
أولي الأمر والحجّة التاسعه
* * *
وقال آخر :
أعددت قوما لدنياي وآخرتي
هم النجاة فخلّ اللوم يا لائم
علي وابنيه موسى جعفرا حسنا
محمدا وعليا والرضا القائم
* * *
ص: 245
وقال محمد الموسوي :
آمنت باللّه وبالمصطفى
والمرتضى والعترة الطاهره
هم خمسة يتلوهم سبعة
حجّتهم باطنة ظاهره
ولنا :
ميلاد من والاهم ظاهر
وأمّ من عاداهم عاهره
ثلاثة أربعة خمسة
أعددت للدنيا وللآخره
ما لي إلى غيرهم حاجة
بعد نبي اللّه في الساهره
* * *
ص: 246
وقال الزاهي :
والد الأسباط أنوار قلبي
في مساي بهم وابتكاري
منهم المسموم إذ لذعوه
بذعاف السمّ لذع الشرار
وقتيل الطفوف يا لهف قلبي
لقتيل قلّ فيه اصطباري
والفتى السجاد والباقر الأمجد
والصادق خدن(1) الوقار
ثم مدفون ببغداد يغشىقبره منّي بطيب المزار
والرضا فارض به ثم زرهوابكه بالهاطلات الغزار
وسمّي المصطفى يا آل نجدطال حزني بعده وافتكاري
وعلى صاحب العسكر المفرج ليباب بفرط ادكاري
وأخو الإحسان أعني إماميحسنا والركن ذو المستجار
ثم مهدي إليه اشتياقيطال وجدي به وانتظاري
* * *
وله أيضا :
هم الآل آل اللّه والقطب التي
بها فلك التوحيد أصبح دائرا
أئمة حقّ خاتم الرسل جدّهم
ووالدهم من كان للحقّ ناصرا
علي أمير المؤمنين وسيد
إلى قرنه بالسيف ما زال باترا
وأمّهم الزهراء أكرم برّة
غدا قلبها مضنى على الوجد صابرا
ص: 247
ومنهم قتيل السمّ ظلما ومنهم
إمام له جبريل يكدح زائرا
قتيل بأرض الطفّ أروت دماؤه
رماح الأعادي والسيوف البواترا
ومنهم لدى المحراب سجّاد ليله
وقرم لفضل العلم أصبح باقرا
وسادسهم ياقوتة العقد جعفر
إمام هدى تلقاه بالعدل آمرا
وسابعهم موسى أبو العلم الرضا
ومن لم يزل بالعلم للخلق ناشرا
وثامنهم ثاو بطوس ومن به
طفقت حزينا للهموم مسامرا
وتاسعهم زين الأنام محمد
أبو علم للقوم أصبح عاشرا
ومنهم إمام سر من رأى محلّه
تمام لحادي العشر ظلّ مجاورا
وآخرهم مهدي دينك إنّه
إمام لعقد الفاطميين آخرا
* * *
ص: 248
وقال غيره :
يا إلهي على رضاك أعنّي
وتفضّل عليّ بالغفران
فشفيعي محمد وعلي
والبتول الزهراء والحسنان
وعلي والطاهران وموسى
والذي حلّ نازح الأوطان
وابنه واللذان في تربة العسكر
والقائم الخفي المكان
فبهم سيدي سألت فما لي
شافع غيرهم وغير القران
* * *
ص: 249
وقال محمد بن حمزة الحسيني :
بحبل رسول اللّه والبرّ حيدر
وشبليه والزهراء مفقودة العدل
وحبل علي وابنه ثم جعفر
وكاظمه ثم الرضا وابنه العدل
وحبل علي بن الزكي محمد
وبابن له المشهور بالحسن الكفل
وبالقائم المهدي من آل أحمد
سمّي لطه الطهر خاتمة الرسل
* * *
ص: 250
وقال ابن قرط أمير الموصلي :
إلهي بالميامين هداتي من بني هاشم
بأنوارك في خلقك والحجّة في العالم
بمن صيّرت جبريل لهم يا ذا العلى خادم
بخير الخلق ختّام النبيين أبي القاسم
وبالهادي علي وبحوراء النساء فاطم
وبالمسموم والمقتول ظلما لعن الظالم
وبالسجاد والباقر والصادق والكاظم
وبالمدفون في طوس علي وابنه العالم
بحقّ العسكريين وبالمنتظر القائم
* * *
ص: 251
وقال محمد بن أبي نعمان :
خليفة اللّه ربّي ليس ينكره
إلاّ جهول عمّي بادي الصمم
وفاطم خير نسوان بها فطمت
أشياعها من عظيم السخط والنقم
والصفوتان حسين قبله حسن
حبل متين وعقد غير منفصم
وتسعة كملت عدّ الشهور بهم
على بيان من القرآن منتظم
إذا قرأت براءة كنت واجده
في شرح معنى شهور الحلّ والحرم
وقبلها سورة الأعراف في قصص
الأنباء عن نقباء سادة بهم
كانوا لموسى نجيّ اللّه فاتفقت
أعدادهم عدّة الأبراج للنجم
وفي النساء إذا ما كنت تاليها
فرض لطاعتهم من بارئ النسم
وفي الحواميم أيضا ذكر ودّهم
وذكر فضلهم في النون والقلم
* * *
ص: 252
وقال غيره :
اللّه ربّي ثم أحمد شافعي
وعلي لي ذخري ليوم معاد
والحسن المسموم والمقتول
بالنهرين ظلما والفتى السجّاد
وبباقر للعلم دنت وجعفر
وبحبل موسى قد شددت عمادي
ثم الرضا ثم الإمام محمد
وعلي عاشر سادتي والحادي
والقائم المهدي الذي يحيي به
ربّ البرايا جمع كلّ بلاد
وجميعهم مثل النجوم أئمتي
ما مثلهم في حاضر أو باد
* * *
وقال آخر :
سألتك بالإله وبالنبي
وبالمدفون في أرض الغري
وبالزهراء سيدة البرايا
وبالمسموم في الماء الهني
وبالمقتول ظلما واعتداءا
وممنوعا من الماء الروي
وبالسجاد للرحمن طوعا
وباقر علمه البرّ التقيّ
بصادق عصره قسما يمينا
من الرحمن نور جعفري
بحرمة ابنه موسى كموسى
كليم اللّه حسبك من سميّ
وبالمدفون في أكناف طوس
وبالمسموم بالرطب الجنيّ
بحقّ عليّنا بدرا تلألأ
من الأشباح في الأفق العلي
وبالحسن المقيم بسرّ من
را
بسرداب حوى ابن العسكري
وبالمهدي قائم آل طاها
ودارس ذكر حقّهم المضي
ص: 253
وأنشد :
يا ذا المعارج والسماوات العلى
والأرض والفلك المطل الدائر
إنّي بأحمد والوصي وزوجه
وابنيهما وبزينهم والباقر
وبجعفر والقرم موسى والرضا
ومحمد البحر الخضم الزاخر
وبعسكريين النقي ونجله
الحسن الزكي وبالإمام الثائر
بالقائم الخلف المبارك والذي
نصّ الرسول عليه عين الطاهر
متوسّل بهم إليك ومهتد
في هديهم عن طيب أصل طاهر
* * *
ص: 254
وقال أبو الواثق العنبري :
شفيعي إليك اليوم يا خالق الورى
رسولك خير الخلق والمرتضى علي
وسبطاه والزهراء بنت محمد
ومن فاق أهل الأرض في زهده علي
وباقر علم الأنبياء وجعفر
وموسى وخير الناس في رشده علي
ومولاي من بعد الكرام إلى الورى
محمد المحمود ثم ابنه علي
وبالحسن الميمون تمت شفاعتي
وبالقائم المهدي ينمى إلى علي
أئمة رشد لا فضيلة بعدهم
سلالة خير الخلق أفضلهم علي
* * *
ص: 255
ولغيره :
أجرني فإنّي قد أتيتك صادقا
بحقّ النبي المصطفى خاتم الرسل
وبالسيّد المولى علي وفاطم
وبالحسنين المفردين عن المثل
وبالزاهد السجاد ثم محمد
وبالصادق المعروف بالعلم والفضل
بموسى بمولاي الرضا بمحمد
وبالعسكريين الإمامين بالكلّ
وبالخلف الباقي عليك بحقّهم
تفضّل بما قد جئت فيه بلا مطل
* * *
وقال آخر :
بحقّ جلال وجهك بالنبي
وحقّ الهاشمي الأبطحي
وبالقرآن إذ يوحى إليه
وحقّ وصيّه البطل الكميّ
وبالسبطين أعني ابني علي
وأمّهما ابنة البرّ الزكي
وحقّ أئمة سلفوا جميعا
على منهاج جدّهم النبي
وحقّ القائم المهدي لمّا
غفرت خطيئة العبد المسي
* * *
ص: 256
وقال زيد المرزكي :
منهم رسول اللّه أكرم من
وطأ الحصى وأجلّ من أصف
وعلي البطل الإمام ومن
وارى غرائب فضله النجف
وعلى الحسنين متّكلي
في الحشر يوم تنشر الصحف
وشفاعة السجاد تشملني
وبها من الآثام أكتنف
وبباقر العلم الذي علقت
كفّي بحبل ولائه الزلف
وبحبّ جعفر اقتوى أملي
ولشقوتي في ظلّه كنف
ووسيلتي موسى وعترته
أكرم بهم من معشر سلفوا
منهم علي وابنه وعلي
وابنه وم ح م د الخلف
صلّى الإله عليهم وسقى
مثواهم الهطالة الوكف
* * *
ص: 257
وقال ابن مكي(1) :
ومحمد يوم القيامة شافع
للمؤمنين وكلّ عبد مقنت
وعلي والحسنان ابنا فاطم
للمؤمنين الفائزين الشيعة
وعلي زين العابدين وباقر
علم التقى وجعفر هو منيتي
والكاظم الميمون موسى والرضا
علم الهدى عند النوائب عدّتي
ومحمد الهادي إلى سبل الهدى
وعلي المهدي جعلت ذخيرتي
والعسكريين الذين بحبّهم
أرجو إذا أبصرت وجه الحجّة
وقال غيره :
بسمّي المصطفى ثم سمّي المصطفى
ثم بالثالث شفّعه لذي العرش الولي
والمرجّى الحسن ثم المرجّى الحسن
وشفيع الخير مولاي الحسين بن علي
وبموسى ذي المساعي وأبيه جعفر
وعلي وعلي وعلي وعلي
ص: 258
شفعاي هم لعمري شفعائي في الورى
وبهم كربي لعمري سوف عنّي ينجلي
* * *
وقال آخر :
سألتك يا إله العالمينا
ويا محيي جميع الميتينا
بحرمة أحمد المبعوث فينا
بمولانا أمير المؤمنينا
بحقّ بتولة طهرت وطابت
فقد فاقت نساء العالمينا
وبالحسن الذي سمّوه ظلما
بنو هند تعدّوا ظالمينا
بمولانا الحسين شهيد طفّ
قتيل بني زياد المارقينا
بحقّ علي سجادٍ ونسك
وفضل محمد في الباقرينا
بحرمة جعفر وبفضل موسى
محلّ الحلم زين الكاظمينا
بمنزلة الرضا أعني عليا
بطوس شلوه أضحى دفينا
بحقّ محمد ثاوي قبورا
ببغداد يشوّقنا حنينا
بحرمة عسكريين أقاما
بسامرا مقام القاطنينا
بحقّ م ح م د المهدي بقوم
إلى الإيمان كانوا راغبينا
أجرني من عذابك يا إلهي
بهم وبجدّهم في السالفينا
* * *
ص: 259
قال إبراهيم بن السماك : سمعت ليلة عند دومة الجندل هاتفا يهتف من الجبال :
ناد من طيبة مثواه وفى طيبة حلاّ
أحمد المبعوث بالحقّ عليه اللّه صلّى
وعلى التالي له في الفضل والمخصوص فضلا
وعلى سبطيهما المسموم والمقتول قتلا
وعلى التسعة منهم محتدا طابوا وأصلا
هم منار الحقّ للخلق إذا ما الخلق ضلاّ
نادهم يا حجج اللّه على العالم كلاّ
كلمات اللّه تمّت بكم صدقا وعدلاً(1)
* * *
ص: 260
باب الإمامة : باب 1 : في إمامة علي أمير
المؤمنين عليه السلام
فصل 1 : الإمامة في شرائطها
( 7 - 38 )
إثباته-ا··· 9
الخليفة أهمّ من الخليقة··· 9
لا تخلو الأرض من حجّة··· 9
الإمام في ألفاظ الرضا عليه السلام··· 11
من مات ولم يعرف إمام زمانه··· 12
مناظرة هشام وابن عبيد في ضرورة الإمام··· 12
دليل المتكلّم··· 14
العصمة : إثباتها··· 16
وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ··· 16
وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الأَْمْرِ··· 16
لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ··· 17
حديث الثقلين··· 20
ص: 261
مناظرة أبي علي المحمودي وأبي الهذيل··· 21
كلمات في المعصوم··· 21
المودّة في قلوب المؤمنين هي العصمة··· 22
النصوص··· 24
توارث الوصيّة من لدن آدم عليه السلام··· 25
كلمات في الإمام المنصوص··· 26
مناظرة حمران مع ابن أكثم في ولاية أمير المؤمنين··· 27
الوصية حقّ··· 28
أمر اللّه رسوله أن يقيم عليا ولا يشرك معه أحد··· 29
صفات الأئمة عليهم السلام··· 31
خمسون علامة لإمام الهدى··· 31
قالوا في الإمام··· 34
خصائص أئمتنا··· 35
فصل 2 : في مفسداتها
( 39 - 78 )
الاختي-ار··· 41
بين اختيارنا واختياره··· 42
اختار اللّه محمدا وأهل بيته··· 43
اختار اللّه واختار موسى عليه السلام··· 45
إختيار الصحابة واختيار اللّه ··· 46
ص: 262
ردّ النبي شرط بني كلاب الولاية بعده··· 48
ردّ النبي مطلب ابن الطفيل في الولاية··· 48
تقديم المفضول على الفاضل خيانة··· 49
من ادعى هذا الأمر··· 50
مناظرة في الاستخلاف··· 50
أهلها يحكمون على من غاب عنها··· 51
الوصف : الردّ على الزيدية··· 53
من زعم الإمامة وليس بإمام··· 53
إحتجاج القمّاط على الزيدي··· 53
مناقشة زرارة مع زيد عليه السلام··· 54
مناقشة مؤمن الطاق مع زيد عليه السلام··· 54
مناقشة الحضرمي مع زيد عليه السلام··· 55
ردّ الشيخ المفيد على سؤال الزيدي··· 56
الميراث : الردّ على بني العباس··· 58
بين الإمام الصادق عليه السلام وبني العباس··· 58
مناقشة الفضل بن شاذان··· 59
مناظرة سعيد بن جبير مع ابن عباس··· 59
حوار بين المعتصم وابن حنبل··· 60
مناظرة بين الشيخ المفيد والرجل العباسي··· 60
مناظرة بين الشاري والقرمطي في محضر المكتفي··· 62
ص: 263
الرد على الغلاة··· 63
ذم الغلاة··· 63
إخبار النبي صلى الله عليه و آله··· 64
قول أمير المؤمنين في الغلاة··· 65
إحراق ابن سبأ··· 66
إحراق سبعين من الزطّ··· 66
النصيرية··· 67
الردّ على السبعية··· 68
نصّ الصادق على الكاظم عليهماالسلام وموت إسماعيل··· 68
البشارة بولادة الكاظم عليه السلام عند شراء أمّه··· 69
سبق بالخير ابن الأمة··· 70
الشيطان لا يتمثّل في صورة وصي··· 70
استشهاد الإمام الصادق عليه السلام على موت إسماعيل··· 70
خطبة الإمام الصادق عليه السلام عند وفاة إسماعيل··· 72
ما كتبه الصادق على كفن إسماعيل··· 72
أناب الصادق عليه السلام مؤمنا يحجّ عن إسماعيل··· 73
الردّ على الخوارج··· 74
حكم اللّه في طائر حكمين··· 74
مناظرة بين ابن عباس والحرورية··· 74
مناظرة بين ابن أباض وهشام بن الحكم··· 75
مناظرة بين مؤمن الطاق والضحاك الشاري··· 77
ص: 264
فصل 3 : في مسائل وأجوبة
( 79 - 100 )
علّة ترك أمير المؤمنين عليه السلام فدك لمّا ولى الناس··· 81
ألا دعا أمير المؤمنين الناس اليه بعد وفاة النبي ؟··· 81
لم لم يطلب علي عليه السلام بحقّه بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله ؟··· 82
لم قعد أمير المؤمنين عليه السلام عن قتالهم ؟··· 82
ما منع عليا عليه السلام أن يدفع أو يمتنع ؟··· 86
لم جلس الإمام علي عليه السلام في الدار ؟··· 88
كلام أمير المؤمنين عليه السلام وقد سئل عن أمرهما··· 89
كلامه عليه السلام لابن عوف يوم الشورى··· 89
لِم لَم يقاتل عليه السلام الأولين على حقّه وقاتل الآخرين ؟··· 90
سبب إختلاف سيرة الإمام علي عليه السلام في أهل الجمل وأهل صفين··· 90
سيرة أمير المؤمنين في أهل الجمل خير لشيعته··· 90
هل سلّم أمير المؤمنين على الشيخين بإمرة المؤمنين ؟··· 91
هل قال أمير المؤمنين لأبي بكر : يا خليفة رسول اللّه ؟··· 91
قلّة الشيعة دليل على بطلان معتقدهم ؟··· 92
بأيّ سيرة سار علي عليه السلام في أهل البصرة ؟··· 92
لم صلّى علي عليه السلام خلف القوم ؟ وأقام الحدّ أيام عثمان ؟ ...··· 93
لم أخذ عطاءهم ؟ وصلّى خلفهم ؟ ونكح سبيهم ؟ وحكم في مجالسهم ؟··· 94
كيف أخذ علي عليه السلام عطاء الأول وهو ظالم ؟··· 95
صحّ أنّ عليا لم يبايع ثم بايع ففي أيّهما أصاب ؟··· 95
ص: 265
أيّ خليفة قاتل ولم يسب ولم يغنم ؟··· 96
ما معنى تمني الإمام عليه السلام الموت قبل الجمل ؟··· 96
هل شكّ أمير المؤمنين عليه السلام في الحكمين ؟··· 96
هل أنّ اجتماع النبوة والخلافة في بيت واحد أتمّ للنعمة ؟··· 97
باب 2 : في إمامة الأئمة الإثني عشر عليهم السلام
فصل 1 : في الخطب
( 101 - 108 )
قصيدة علم الهدى··· 103
قصيدة علي بن الهيصم··· 104
خطبة··· 107
فصل 2 : في الآيات المنزلة فيهم
( 109 - 128 )
آية النور··· 111
الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ··· 112
آيات سورة الفجر··· 114
آية النور··· 114
زيّن اللّه كلّ شيء بإثني عشر شيئا··· 115
سمّى اللّه إثنى عشر شيئا نورا··· 116
ص: 266
أَطِيعُوا اللّهَ . . وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ··· 117
فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ ..··· 118
أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وقوله أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ··· 119
أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ ..··· 119
وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ··· 120
وَالشَّمْسِ وَضُحاها . .··· 120
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ . .··· 121
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ . .··· 122
وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ··· 123
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا . .··· 124
وَوالِدٍ وَما وَلَدَ··· 124
وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ··· 124
وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ··· 125
أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ··· 125
وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ··· 125
أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ··· 126
فصل 3 : في النصوص الواردة على ساداتنا
( 129 - 138 )
أنواع الروايات الواردة في هذا الباب··· 131
ما جاء قبل آدم عليه السلام··· 131
ص: 267
ما جاء قبل الإسلام··· 132
خبر الهاروني··· 132
بشارة موسى عليه السلام بالنبي صلى الله عليه و آله··· 132
إعلان الخضر عليه السلام أسماء الأئمة الإثني عشر:··· 133
استسقاء قس بن ساعدة بأسماء الأئمة قبل البعثة··· 134
اسم المهدي عليه السلام على سور مدينة بناها سليمان··· 137
فصل 4 : فيما روته العامة
( 139 - 152 )
الخلفاء إثنا عشر كلّهم من قريش··· 141
النصّ على أسمائهم··· 150
النتيجة··· 152
فصل 5 : فيما روته الخاصة
( 153 - 170 )
أنواع ما روته الخاصة··· 155
ما روي عن النبي صلى الله عليه و آله في كتاب الخزاز··· 155
النصوص··· 158
ما رواه الصدوق في إكمال الدين··· 161
ص: 268
حديث اللوح··· 162
ما رواه الكليني··· 165
حديث الكتاب المختوم النازل على النبى صلى الله عليه و آله فيه الوصية لكلّ إمام··· 167
حديث حصاة حبابة الوالبية··· 168
النتيجة··· 169
فصل 6 : في النكت والإشارات
( 171 - 204 )
أشار اللّه إلى عددهم وأسمائهم بأشياء··· 173
صرّح بذكرهم في الكتب··· 173
ما أظهر عددهم في المخلوقات··· 174
جريان سنّة بني إسرائيل في أمّة محمد صلى الله عليه و آله··· 174
فيهم إثنا عشر نقيبا··· 174
فيهم إثنا عشر حواريا··· 176
فيهم الأسباط··· 176
انفجرت لموسى عليه السلام إثنتا عشرة عينا··· 177
يوسف عليه السلام هو الأخ الثاني عشر··· 177
شعوب بني إسرائيل إثنا عشر شعبا··· 177
نوح عليه السلام يعرف أسماءهم··· 178
جاء عددهم في القرآن رمزا··· 178
ص: 269
جاءت أسماؤهم في التوراة··· 179
جاءت أسماؤهم في الإنجيل··· 179
كلمة التوحيد على إثني عشر حرفا··· 179
أسماء اللّه على عددهم··· 180
آيات على عددهم··· 181
مدح النبي صلى الله عليه و آله على عددهم··· 181
أسماء الأنبياء على عددهم··· 181
ألقاب علي عليه السلام على عددهم··· 182
ذكر أئمتنا على عددهم··· 182
كلمات حقّ على عددهم··· 183
استخراج أسمائهم من الحروف··· 183
في البسملة··· 184
في السور··· 184
حروف أسمائهم··· 185
ما أظهر في العلوم··· 186
الأعراض إثنا عشر··· 186
أصول الفقه إثنا عشر··· 186
النحو··· 187
الفقه··· 187
الفلك··· 188
ص: 270
حساب الجمل على عددهم··· 189
نوع آخر من الحساب على الآيات··· 192
ما أظهر في الأزمان··· 195
هم عدّة الشهور··· 195
هم الأيام··· 196
عدد ساعات النهار والليل··· 197
ما أظهر في الأفعال··· 198
أنهار الجنّة إثنا عشر··· 198
أجنحة إسرافيل إثنا عشر··· 198
النور إثنا عشر نوعا··· 199
حروف العناصر الأربعة إثنا عشر··· 199
الجزائر الكبار إثنا عشر··· 199
هم الجبال··· 199
ظاهر العالم على إثني عشر··· 199
للنوامي اثنتا عشرة حالة··· 200
الأجساد إثنا عشر··· 200
الجواهر الخلص إثنا عشر··· 200
أصول العطر إثنا عشر··· 200
أحسن الرياحين إثنا عشر··· 200
أصول الحلاوى إثنا عشر··· 201
ص: 271
ما أظهر في نفس بني آدم··· 202
خلق الآدمي على إثني عشر طبقة··· 202
نشؤنا من إثني عشر سلالة··· 202
إثنا عشر عضوا يجمعها الجوف··· 202
الأعضاء المتّصلة إثنا عشر··· 202
الأعضاء المنفصلة المزدوجة إثنا عشر··· 203
المنافذ والخروق إثنا عشر··· 203
في الوجه إثنا عشر جزءا··· 203
عدد عظام اليد والرجل إثنا عشر··· 203
خصال القلوب إثنا عشر··· 204
فصل 7 : في الألفاظ فيهم
( 205 - 212 )
1··· 207
2··· 207
3··· 207
4··· 208
5··· 208
6··· 208
7··· 210
8··· 211
9··· 212
ص: 272
فصل 8 : في الأشعار فيهم
( 213 - 260 )
شعر أبي تمام··· 215
شعر السيد الرضي··· 216
شعر الحصفكي··· 217
شعر أبي فراس··· 218
شعر حسام الدولة··· 219
شعر السوسي··· 220
شعر عضد الدولة··· 222
شعر البشنوي··· 223
شعر العوني··· 224
شعر السيد الحميري··· 226
شعر الخطيب المطيري··· 227
شعر ابن حماد··· 228
شعر أبي الفتح السابوري··· 230
شعر أبو عبيد اللّه الحسيني··· 231
شعر الصاحب··· 232
شعر أبي طاهر القمّي··· 235
شعر أبي الرضا الحسيني··· 236
شعر للمؤلف··· 238
شعر محمد بن حبيب الصبي··· 239
ص: 273
شاعران··· 240
شعر سلامة الجنيني··· 241
شعر البعلبكي··· 242
شعر الصاحب··· 243
شعر كشاجم··· 244
شعراء متفرّقون··· 245
شعر محمد الموسوي··· 246
شعر للمؤلف··· 246
شعر الزاهي··· 247
شعر « يا إلهي على رضاك أعنّي »··· 249
شعر محمد بن حمزة الحسيني··· 250
شعر ابن قرط··· 251
شعر محمد بن أبي نعمان··· 252
شعراء متفرّقون··· 253
شعر أبي الواثق العنبري··· 255
شاعران··· 256
شعر زيد المرزكي··· 257
شعر ابن مكي··· 258
شاعران··· 258
شعر هاتف هتف في الجبال··· 260
الفهرست··· 261
ص: 274
عنوان و نام پديدآور:مناقب آل ابی طالب/ تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب. تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.
مشخصات نشر:قم: المکتبه الحیدریه، 1432ق = 1390.
مشخصات ظاهری:12ج
وضعیت فهرست نویسی:در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)
يادداشت:ج.9. (چاپ اول)
شماره کتابشناسی ملی:2481606
ص: 1
مناقب آل أبي طالب
تأليف الإمام الحافظ رشيد الدين أبي عبد اللّه محمد بن علي بن شهرآشوب
ابن أبي نصر بن أبي الجيش السروي المازندراني
المتوفى سنة 588 ه
الجزء الرابع
تحقيق السيد علي السيد جمال أشرف الحسيني
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
ص: 8
اجتمعت الأمّة على أن ليس لها تولية رجل بالاختيار والشورى إلاّ بعد أن يجدوا في الكتاب والسنة ما يدلّ على رجل باسمه وفعله ، فإذا وجدوه ولّوه عليهم .
* * *
واجتمعت المعتزلة على أنّ الخصال المستحقّة لصاحبها التعظيم الذهني في علي عليه السلام أوفر ممّا في غيره ، وذلك العلم ، والجهاد ، والزهد ، والجود .
وأمّا الدليل السمعي الذي يوجب كثرة ثوابه وفضله على غيره ، ففي حديث الطير ، وحديث تبوك ، ونحوهما ، ومن افتقر البشر إليه كانت العصمة ثابتة عليه .
ثم أجمع الكلّ على أنّ أفضل الفضائل : السبق إلى الإسلام ، ثم القرابة ، ثم العلم ، ثم الهجرة ، ثم الجهاد ، ثم النفقة في سبيل اللّه ، ثم الزهد والورع ، ثم
رضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عنه يوم مات .
ص: 9
وقد سبق علي عليه السلام الكلّ في ذلك على ما يجيء بيانه إن شاء اللّه .
فأمّا رضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقد تفرّق في عدّة مواضع من هذا الكتاب .
وأمّا القرابة ، فلا يشكّ فيه مسلم ، وإن قالوا : حمزة وجعفر والحسن والحسين عليهم السلام والعباس ، وغيرهم ممّن حرّم اللّه عليهم الصدقة لقرباهم من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فكان علي عليه السلام أخصّهم به بأشياء كثيرة(1) .
وسئل الصادق عليه السلام عن فضيلة خاصة لأمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : فضل الأقربين بالسبق ، وسبق الأبعدين بالقرابة(2) .
قال ديك الجن :
قرابة ونصرة وسابقه
هذي المعالي والصفات الفايقه(3)
* * *
قال الحميري :
ما استبق الناس إلى غاية
إلاّ حوى السبق على سبقه
* * *
وقال ابن حماد :
أمّا أمير
المؤمنين فإنّه
سبق الهداة ولم يكن مسبوقا
اختاره ربّ العلى وأقامه
علما إلى سبل الورى وطريقا(4)(4)
* * *
ص: 10
ثم وجدنا فضائل علي عليه السلام على ثلاثة أنواع :
ما على الصحابة فيما شاركهم فيه .
وما اجتمع فيه وتفرّق في الكلّ .
وما تفرّد به .
قال جابر الأنصاري : كانت لأصحاب النبي صلى الله عليه و آله ثمانية عشر سابقة ، خصّ منها علي عليه السلام بثلاثة عشر ، وشركنا في الخمس(1) .
الفضائل عن العكبري : قال عبد اللّه بن شداد بن الهاد : قال ابن عباس : كان لعلي عليه السلام ثمانية عشر منقبة ، ما كانت لأحد في هذه الأمّة مثلها(2) .
ابن بطّة في الإبانة : عن عبد الرزاق عن أبيه قال : فضل علي بن أبي طالب عليهماالسلام أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمائة منقبة ، وشاركهم في مناقبهم(3) .
كتاب أبي بكر بن مردويه : قال نافع بن الأزرق لعبد اللّه بن عمر : إنّي أبغض عليا عليه السلام ، فقال : قال : أبغضك اللّه ، أتبغض رجلاً سابقة من سوابقه خير من الدنيا وما فيها(4) .
ص: 11
قال الحميري :
لئن كان بالسبق للسابقين
مزية فضل على السابقينا
لقد فضّل اللّه آل الرسول
لفضل الرسول على العالمينا
* * *
وقال الحصفكي :
يا بن ياسين وطاسين وحاميم ونونا
يا بن من أنزل فيه السابقون السابقونا
* * *
وقال الحميري :
أين الجهاد وأين فضل قرابة
والعلم بالشبهات والتفصيل
أين التقدّم بالصلاة وكلّهم
للاّت يعبد جهرة ويحول
أين الوصية والقيام بوعده
وبدينه إن غرّك المحصول
أين الجواز بمسجد لا غيره
حينا يمرّ به فأين تحول
هل كان فيهم إن نظرت مناصحا
لأبي الحسين مقاسط وعديل
* * *
ص: 12
ص: 13
ص: 14
استفاضت الرواية : أنّ أول من أسلم علي عليه السلام ، ثم خديجة عليهاالسلام ، ثم جعفر عليه السلام ، ثم زيد ، ثم أبو ذر ، ثم عمرو بن عنبسة السلمي ، ثم خالد بن سعيد بن العاص ، ثم سميّة أمّ عمار ، ثم عبيدة بن الحرث ، ثم حمزة عليه السلام ، ثم خباب بن الأرت ، ثم سلمان ، ثم المقداد ، ثم عمار ، ثم عبد اللّه بن مسعود في جماعة، ثم أبو بكر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن زيد وصهيب وبلال .
تاريخ الطبري : إنّ عمر أسلم بعد خمسة وأربعين رجلاً ، وإحدى وعشرين إمرأة(1) .
أنساب الصحابة عن الطبري التاريخي والمعارف عن القتيبي : إنّ أول من أسلم خديجة(2) عليهاالسلام ، ثم علي عليه السلام ، ثم زيد ، ثم أبو بكر(3) .
ص: 15
يعقوب الفسوي في التاريخ : قال الحسن بن زيد : كان أبو بكر الرابع في الإسلام(1) .
وقال القرطي : أسلم علي عليه السلام قبل أبي بكر(2) .
واعترف الجاحظ في العثمانية بعد ما كرّ وفرّ : أنّ زيدا وخبابا أسلما قبل أبي بكر(3) .
ولم يقل أحد أنّهما أسلما قبل علي عليه السلام ، وقد شهد أبي بكر لعلي عليه السلام بالسبق إلى الإسلام(4) .
روى أبو زرعة الدمشقي وأبو إسحاق الثعلبي في كتابيهما أنّه قال أبو بكر : يا أسفي على ساعة تقدّمني فيها علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فلو سبقته لكان لي سابقة الإسلام(5) .
معارف القتيبي وفضائل السمعاني ومعرفة الفسوي : قالت معاذة العدوية : سمعت عليا عليه السلام يقول على منبر البصرة : أنا الصديق الأكبر ، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر ، وأسلمت قبل أن يسلم عمرا(6) .
ص: 16
تاريخ الطبري : قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال : قلت لأبي : أكان أبو بكر أوّلكم إسلاما ؟
فقال : لا ، وقد أسلم قبله أكثر من خمسين رجلاً(1) ، ولكن كان أفضلنا إسلاما(2) .
وقال عثمان لأمير المؤمنين عليه السلام : إنّك إن تربّصت بي فقد تربّصت بمن هو خير منّي ومنك ، قال : ومن هو خير منّي ؟ ! قال : أبو بكر وعمر !!
فقال : كذبت أنا خير منك ومنهما ، عبدت اللّه قبلكم ، وعبدته بعدكم(3) .
فأمّا شعر حسان بأنّ أبا بكر أول من أسلم ، فهو شاعر ، وعناده لعلي عليه السلام ظاهر(4) .
وأمّا رواية أبي هريرة ، فهو من الخاذلين ، وقد ضربه عمر بالدرّة(5)
ص: 17
لكثرة روايته ، وقال : إنّه كذوب(1)(2) .
وأمّا رواية إبراهيم النخعي ، فإنّه ناصبي جدّا ، تخلّف عن الحسين عليه السلام ، وخرج مع ابن الأشعث في جيش عبيد اللّه بن زياد إلى خراسان ، وكان يقول : لا خير إلاّ في النبيذ الصلب(3) .
ص: 18
وأمّا الروايات
في أنّ عليا عليه السلام أول الناس إسلاما ، فقد
صنّف فيه كتب :
منها : ما رواه السدي عن أبي مالك عن ابن عباس في قوله : « وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ » ، فقال : سابق هذه الأمّة علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
مالك بن أنس عن أبي صالح عن ابن عباس : إنّها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام ، سبق - واللّه - كلّ أهل الإيمان إلى الإيمان .
ثم قال : « وَالسّابِقُونَ » كذلك يسبق العباد يوم القيامة إلى الجنّة(2) .
ص: 19
كتاب أبي بكر الشيرازي : مالك بن أنس عن سمي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : « وَالسّابِقُونَ الأَْوَّلُونَ » نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام سبق الناس كلّهم بالإيمان ، وصلّى إلى القبلتين ، وبايع البيعتين : بيعة بدر ، وبيعة الرضوان ، وهاجر الهجرتين(1) مع جعفر من مكة إلى الحبشة ، ومن
الحبشة إلى المدينة !
وروي عن جماعة من المفسرين أنّها نزلت في علي(2) عليه السلام .
وقد ذكر في خمسة عشر كتابا فيما نزل في أمير المؤمنين عليه السلام ، بل في أكثر التفاسير : أنّه ما أنزل اللّه - تعالى - في القرآن آية « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » إلاّ وعلي عليه السلام أميرها(3) ، لأنّه أول الناس إسلاما .
ص: 20
النطنزي في الخصائص العلوية بالإسناد عن إبراهيم بن إسماعيل عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن جدّه عن ابن عباس قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا علي عليه السلام ، أنت أوّل المسلمين إسلاما ، وأوّل
المؤمنين إيمانا(1) .
أبو يوسف الفسوي في المعرفة والتأريخ : روى السدي عن أبي مالك عن ابن عباس قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : علي أول من آمن بي وصدقني(2) .
أبو نعيم في حلية الأولياء ، والنطنزي في الخصائص بالإسناد عن الخدري : أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لعلي عليه السلام ، وضرب يده بين كتفيه : يا علي عليه السلام ،
ص: 21
سبع خصال لا يحاجّك فيهنّ أحد يوم القيامة :
أنت أول المؤمنين باللّه إيمانا ، وأوفاهم بعهد اللّه ، وأقومهم بأمر اللّه ، وأرأفهم بالرعية ، وأقسمهم بالسوية ، وأعلمهم بالقضية ، وأعظمهم مزيّة يوم القيامة(1) .
أربعين الخطيب بإسناده عن مجاهد عن ابن عباس ، وفضائل أحمد ، وكشف الثعلبي بإسنادهم إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قالا :
قال البني صلى الله عليه و آله : إنّ سبّاق الأمم ثلاثة ، لم يكفروا طرفة عين : علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وصاحب ياسين ، ومؤمن آل فرعون ، فهم الصدّيقون ، وعلي أفضلهم(2) .
فردوس الديلمي : قال أبو بكر : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ » هما من هذه الأمّة(3) .
ص: 22
محمد بن فرات عن الصادق عليه السلام في هذه الآية « ثُلَّةٌ مِنَ الأَْوَّلِينَ » ابن آدم المقتول ، ومؤمن آل فرعون ، « وَقَلِيلٌ مِنَ الآْخِرِينَ » علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
شرف النبي صلى الله عليه و آله عن الخركوشي أنّه أخذ النبي صلى الله عليه و آله بيد علي عليه السلام ، فقال : ألا إنّ هذا أول من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصدّيق الأكبر ، وهذا فاروق هذه الأمّة ، يفرق بين الحقّ والباطل ، وهذا يعسوب(2) المسلمين ، والمال يعسوب الظالمين(3) .
جامع الترمذي ، وإبانة العكبري ، وتاريخ الخطيب ، والطبري أنّه قال زيد بن أرقم وعليم الكندي : أول من أسلم علي بن أبي طالب عليهماالسلام(4) .
ص: 23
محمد بن سعد في كتاب الطبقات ، وأحمد في المسند : قال ابن عباس : أول من أسلم بعد خديجة علي عليهماالسلام(1) .
تاريخ الطبري ، وأربعين الخوارزمي : قال محمد بن إسحاق : أول ذكر آمن برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وصلّى معه ، وصدّقه بما جاء من عند اللّه علي عليه السلام(2) .
مروان وعبد الرحمن التميمي قالا : مكث الإسلام سبع سنين ليس فيه إلاّ ثلاثة :
رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخديجة وعلي(3) عليهماالسلام .
ص: 24
فضائل الصحابة عن العكبري، وأحمد بن حنبل: قال عباد بن عبداللّه: قال علي عليه السلام : أسلمت قبل الناس بسبع سنين(1) .
كتاب ابن مردويه الأصفهاني ، والمظفر السمعاني ، وأمالي سهل بن عبد اللّه المروزي عن أبي ذر وأنس ، واللفظ لأبي ذر : أنّه قال النبي صلى الله عليه و آله :
إنّ الملائكة صلّت عليّ وعلى علي عليه السلام سبع سنين ، قبل أن يسلم بشر(2) .
تاريخ الطبري ، وتفسير الثعلبي أنّه قال محمد بن المنكدر ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وأبو حازم المدني ، ومحمد بن السايب الكلبي ، وقتادة ، ومجاهد ، وابن عباس ، وجابر بن عبد اللّه ، وزيد بن أرقم ، وعمرو بن مرّة ، وشعبة بن الحجاج :
علي عليه السلام أول من أسلم(1) .
وقد روى وجوه الصحابة وخيار التابعين وأكثر المحدّثين ذلك ، منهم :
سلمان ، وأبو ذر ، والمقداد ، وعمار ، وزيد بن صوحان ، وحذيفة ، وأبو الهيثم ، وخزيمة ، وأبو تراب ، والخدري ، وأُبيّ ، وأبو رافع ، وأم سلمة ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو موسى الأشعري ، وأنس بن مالك ، وأبو الطفيل ، وجبير بن مطعم ، وعمرو بن الحمق ، وحبّة العرني ، وجابر الحضرمي ، والحارث الأعور ، وعباية الأسدي ، ومالك بن الحويرث ، وقثم بن العباس ، وسعد بن قيس ، ومالك الأشتر ، وهاشم بن عتبة ، ومحمد بن كعب ، وأبو مجاز ، والشعبي ، والحسن البصري ، وأبو البختري ، والواقدي ، وعبد الرزاق ، ومعمر ، والسدي .
والكتب برواياتهم مشحونة .
ص: 26
وقال أمير المؤمنين عليه السلام :
صدّقته وجميع الناس في بهم
من الضلالة والإشراك والنكد(1)
* * *
قال الحميري :
من فضله أنّه قد كان أوّل من
صلّى وآمن بالرحمن إذ كفروا
سنين سبع وأياما محرّمة
مع النبي على خوف وما شعروا
* * *
وله أيضا :
من كان وحّد قبل كلّ موحّد
يدعو الإله الواحد القهارا
من كان صلّى القبلتين وقومه
مثل النواهق تحمل الأسفارا
* * *
ص: 27
ولقد كان إسلامه عن فطرة ، وإسلامهم عن كفر ، وما يكون عن الكفر لا يصلح للنبوة ، وما يكون من الفطرة يصلح لها ، ولهذا قوله صلى الله عليه و آله : ألا إنّه لا نبي بعدي ، ولو كان لكنته(1) .
ولذلك قال بعضهم وقد سئل : متى أسلم علي عليه السلام ؟ قال : ومتى كفر ؟ إلاّ أ نّه جدّد الإسلام .
تفسير قتادة ، وكتاب الشيرازي : روى ابن جبير عن ابن عباس قال : واللّه ، ما من عبد آمن باللّه إلاّ وقد عبد الصنم - فقال وهو الغفور : « لِمَنْ تابَ » من عبادة الأصنام - إلاّ علي بن أبي طالب ، فإنّه آمن باللّه من غير أن عبد صنما ، فذلك قوله « وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ » يعني المحبّ لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام ، إذ آمن به من غير شرك .
سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس في قوله «الَّذِينَ
ص: 28
آمَنُوا » يا محمد صلى الله عليه و آله ، الذين صدّقوا بالتوحيد ، قال : هو أمير المؤمنين « وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ » أي ولم يخلطوا ، نظيرها « لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ »يعني الشرك ، لقوله « إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ » .
قال ابن عباس : واللّه ، ما من أحد إلاّ أسلم بعد شرك ما خلا أمير المؤمنين عليه السلام « أُولئِكَ لَهُمُ الأَْمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ » يعني عليا(1) .
الكافي : أبو بصير عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام أنّهما قالا : إنّ الناس لمّا كذّبوا برسول اللّه صلى الله عليه و آله همّ اللّه - تبارك وتعالى - بهلاك أهل الأرض ، إلاّ عليا عليه السلام ، فما سواه بقوله « فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ » .
ثم بدا له ، فرحم المؤمنين ، ثم قال لنبيه صلى الله عليه و آله : « وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤمِنِينَ »(2) .
وقد روى المخالف والمؤالف من طرق مختلفة ، منها : عن أبي بصير ومصقلة بن عبد اللّه عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه و آله قال :
لو وزن إيمان علي عليه السلام بإيمان أمّتي - وفي رواية : وإيمان أمّتي - لرجح إيمان علي عليه السلام على إيمان أمّتي إلى يوم القيامة(3) .
ص: 29
وسمع أبو رجاء العطاردي قوما يسبّون عليا عليه السلام فقال : مهلاً ، ويلكم أتسبّون أخا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وابن عمّه، وأول من صدقه وآمن به، وإنّه لمقام علي عليه السلام مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ساعة من نهار خير من أعماركم بأجمعها(1) .
* * *
قال العبدي :
أشهد باللّه لقد قال لنا
محمد والقول منه ما خفى
لو أنّ إيمان جميع الخلق ممّن
سكن الأرض ومن حلّ السما
يجعل في كفّة ميزان لكي
يوفى بإيمان علي ما وفى
* * *
ص: 30
وإنّه مقطوع على باطنه ، لأنّه ولي اللّه بما ثبت في آية التطهير ، وآية المباهلة وغيرهما ، وإسلامهم على الظاهر .
الشيرازي في كتاب النزول : عن مالك بن أنس عن حميد عن أنس بن مالك في قوله « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا » نزلت في علي عليه السلام ، صدّق أول الناس برسول اللّه (1) . . الخبر .
الواحدي في أسباب نزول القرآن في قوله « أَفَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلإِْسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ » نزلت في حمزة وعلي عليهماالسلام « فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ » أبو لهب وأولاده(2) .
ص: 31
الباقر عليه السلام في قوله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤمِنِينَ » علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
وعنه عليه السلام في قوله « الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ » نزلت في علي عليه السلام وعثمان بن مظعون وعمار ، وأصحاب لهم(1) .
« وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ » نزلت في علي عليه السلام ، وهو أول مؤمن ، وأول مصلّ(2) .
رواه الفلكي في إبانة ما في التنزيل عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس .
وعنه عليه السلام في قوله « إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ » نزلت في علي عليه السلام ، لأنّه أول من سمع ، والميّت الوليد بن عقبة .
ص: 32
وعنه عليه السلام في قوله « إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ » إنّ المعني بالآية أمير المؤمنين(1) عليه السلام .
الشيرازي في نزول القرآن عن عطا عن ابن عباس ، والواحدي في الأسباب والنزول ، وفي الوسيط أيضا عن ابن ليلى عن حكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، والخطيب في تاريخه عن نوح بن خلف ، وابن بطة في الإبانة ، وأحمد في الفضائل عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، والنطنزي في الخصائص عن أنس ، والقشيري في تفسيره ، والزجاج في معانيه ، والثعلبي في تفسيره ، وأبو نعيم فيما نزل من القرآن في علي عليه السلام عن الكلبي عن أبي صالح ، وعن ابن لهيعة عن عمرو بن دينار عن أبي العالية عن عكرمة ، وعن أبي عبيدة عن يونس عن أبي عمر ، وعن مجاهد كلّهم عن ابن عباس .
وقد روى صاحب الأغاني ، وصاحب تاج التراجم عن ابن جبير وابن عباس وقتادة .
وروي عن الباقر عليه السلام واللفظ له أنّه قال الوليد بن عقبة لعلي عليه السلام : أنا أحدّ منك سنانا ، وأبسط لسانا ، وأملأ حشوا للكتيبة .
ص: 33
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ليس كما قلت يا فاسق .
وفي روايات كثيرة : اسكت ، فإنّما أنت فاسق .
فنزلت الآيات « أَفَمَنْ كانَ مُؤمِناً » علي بن أبي طالب عليهماالسلام « كَمَنْ كانَ فاسِقاً » الوليد « لا يَسْتَوُونَ » .
« وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ » الآية ، أنزلت في علي عليه السلام
« وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا » أنزلت في الوليد(1) .
فأنشأ حسان :
أنزل اللّه والكتاب عزيز
في علي وفي الوليد قرآنا
فتبوّا الوليد من ذاك فسقا
وعلي مبوء إيمانا
ليس من كان مؤمنا عرف اللّه
كمن كان فاسقا خوّانا
سوف يجزى الوليد خزيا ونارا
وعلي لا شكّ يجزى جنانا(2)
* * *
وقال الحميري :
من كان في القرآن سمّي مؤمنا
في عشر آيات جعلن خيارا
* * *
ص: 34
وإنّه عليه السلام بقي بعد النبي صلى الله عليه و آله ثلاثين سنة في خيراته من الأوقاف
والصدقات ، والصيام والصلاة ، والتضرّع والدعوات ، وجهاد البغاة ، وبثّ الخطب والمواعظ ، وبيّن السير والأحكام ، وفرّق العلوم في العالم ، وكلّ ذلك من مزايا إيمانه .
تفسير يوسف بن موسى القطان ووكيع بن الجراح وعطاء الخراساني أنّه قال ابن عباس : « إِنَّمَا الْمُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا »يعني : لم يشكّوا في إيمانهم ، نزلت في علي وجعفر وحمزة عليهم السلام
«وَجاهَدُوا »الأعداء « فِي سَبِيلِ اللّهِ » في طاعته « بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ »
« أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ » في إيمانهم ، فشهد اللّه لهم بالصدق والوفاء(1) .
قال الضحاك : قال ابن عباس في قوله «إِنَّمَا الْمُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ
وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ » ذهب علي بن أبي طالب عليهماالسلام بشرفها(2) .
ص: 35
وروي(1) عن النبي صلى الله عليه و آله أنّ رجلين كانا متواخيين ، فمات أحدهما قبل صاحبه ، فصلّى عليه النبي صلى الله عليه و آله ، ثم مات الآخر ، فمثّل الناس بينهما .
فقال عليه السلام : فأين صلاة هذا من صلاته ، وصيامه بعد صيامه ، لما بينهما كما بين السماء والأرض(2) .
* * *
قال الحميري :
بعث النبي فما تلبّث بعده
حتى تخيّف غير يوم واحد
صلّى وزكّى واستسرّ بدينه
من كلّ عمّ مشفق أو والد
حججا يكاتم دينه فإذا خلا
صلّى ومجّد ربّه بمحامد
صلّى ابن تسع وارتدى في برجد(3)
ولداته(4) يسعون بين براجد
* * *
ص: 36
قال ابن البيع في معرفة أصول الحديث : لا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أنّ علي بن أبي طالب عليهماالسلام أوّل الناس إسلاما ، وإنّما اختلفوا في بلوغه(1) .
فأقول : هذا طعن منهم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إذ كان قد دعاه إلى الإسلام وقبل منه ، وهو بزعمهم غير مقبول منه ، ولا واجب عليه ، بل إيمانه في صغره من فضائله .
وكان بمنزلة عيسى عليه السلام وهو ابن ساعة ، يقول في المهد : « إِنِّي عَبْدُ اللّهِ آتانِيَ الْكِتابَ » ، وبمنزلة يحيى عليه السلام « وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا » ، والحكم درجة بعد الإسلام(2) .
* * *
ص: 37
قال الحميري :
وصي محمد وأبا بنيه
ووارثه وفارسه الوفيّا
وقد أوتي الهدى والحكم طفلاً
كيحيى يوم أوتيه صبيّا
* * *
وقد رويتم في حكم سليمان عليه السلام وهو صبي ، وفي دانيال ، وصاحب جريح ، وشاهد يوسف ، وصبي الأخدود ، وصبي العجوز ، وصبي مشاطة ابنة فرعون .
وأخذتم الحديث عن عبد اللّه بن عمر ، وأمثاله من الصحابة : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لوفد : ليؤمكم أقرؤكم ، فقدّموا عمر بن سلمة ، وهو ابن ثمان سنين - قال : وكانت عليّ بردة إذا سجدت انكشفت ، فقالت إمرأة من القوم : واروا سوءة إمامكم - وكان أمير المؤمنين عليه السلام ابن تسع في قول الكلبي(1) .
قال السيد الحميري :
وصدّق ما قال النبي محمد
وكان غلاما حين لم يبلغ العشرا
* * *
ص: 38
وقال الشافعي : حكمنا بإسلامه ، لأنّ أقلّ البلوغ تسع سنين(1) .
وقال مجاهد ومحمد بن إسحاق وزيد بن أسلم وجابر الأنصاري : كان ابن عشر(2) .
بيانه : إنّه عاش بقول العامة ثلاثا وستين سنة ، فعاش مع النبي صلى الله عليه و آله ثلاثا وعشرين سنة ، وبقي بعده تسعا وعشرين سنة وستة أشهر(3) .
وقال بعضهم : ابن إحدى عشرة سنة .
وقال أبو طالب الهاروني : ابن إثنتي عشرة سنة .
وقالوا : ابن ثلاث عشرة سنة(4) .
وقال أبو الطيب الطبري : وجدت في فضائل الصحابة عن أحمد بن حنبل : إنّ قتادة روى أنّ عليا عليه السلام أسلم وله خمس عشرة سنة .
ورواه الفسوي في التاريخ ، وقد روى نحوه عن الحسن البصري .
قال قتادة : أمّا بيته « غلاما ما بلغت أوان حلمي » إنّما قال : قد بلغت(5).
ص: 39
قال الحميري :
فإنّك كنت تعبده غلاما
بعيدا من إساف ومن منات
ولا وثنا عبدت ولا صليبا
ولا عزّى ولم تسجد للات
* * *
وله أيضا :
وعلي أوّل الناس اهتدى
بهدى اللّه وصلّى وادكر
وحّد اللّه ولم يشرك به
وقريش أهل عود وحجر
* * *
وله أيضا :
وصي محمد وأبو بنيه
وأوّل ساجد للّه صلّى
بمكة والبرية أهل شرك
وأوثان لها البدنات تهدى
* * *
وله أيضا :
وصيّ رسول اللّه والأوّل الذي
أناب إلى دار الهدى حين أيفعا(1)
غلاما فصلّى مستسرّا بدينهمخافة أن يبغى عليه فيمنعا
بمكّة إذ كانت قريش وغيرهاتظلّ لأوثان سجودا وركعا
ص: 40
وله أيضا :
هاشمي مهذّب أحمدي
من قريش القرى وأهل الكتاب
خازن الوحي والذي أوتي الحكم
صبيّا طفلاً وفصل الخطاب
كان للّه ثاني إثنين سرّا
وقريش تدين للأنصاب
* * *
وقال العوني :
وغصن رسول اللّه أحكم غرسه
فعلا الغصون نضارة وتماما
واللّه ألبسه المهابة والحجى
وربا به أن يعبد الأصناما
ما زال يغذوه بدين محمد
كهلاً وطفلاً ناشئا وغلاما
* * *
ص: 41
ص: 42
ص: 43
ص: 44
أبو عبيد اللّه المرزباني وأبو نعيم الأصفهاني في كتابيهما فيما نزل من القرآن في علي عليه السلام ، والنطنزي في الخصائص عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، وروى أصحابنا عن الباقر عليه السلام في قوله - تعالى - « وَارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ » نزلت في رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وهما أوّل من صلّى وركع(1) .
المرزباني عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ »نزلت في علي عليه السلام خاصة ، وهو أوّل مؤمن ، وأوّل مصلّ بعد النبي(2) صلى الله عليه و آله .
ص: 45
تفسير السدي عن قتادة عن عطا عن ابن عباس في قوله « إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ » ، فأوّل من صلّى مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
تفسير القطان عن وكيع عن سفيان عن السدي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله « يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ » يعني : محمدا صلى الله عليه و آله يدثر بثيابه « قُمْ فَأَنْذِرْ »
أي : فصلّ وادع علي بن أبي طالب عليهماالسلام إلى الصلاة معك « وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ »
ممّا تقول عبدة الأوثان .
تفسير يعقوب بن سفيان قال : حدّثنا أبو بكر الحميدي عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في خبر يذكر فيه كيفية بعثة النبي صلى الله عليه و آله ، ثم قال :
بينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله قائم يصلّي مع خديجة عليهاالسلام ، إذ طلع عليه علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فقال له : ما هذا يا محمد صلى الله عليه و آله ؟
ص: 46
قال : هذا دين اللّه ، فآمن به وصدّقه(1)(2) .
ثم كانا يصلّيان ويركعان ويسجدان ، فأبصرهما أهل مكة ، ففشى الخبر فيهم أنّ محمدا صلى الله عليه و آله قد جنّ ، فنزل «ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ »(3) .
شرف النبي صلى الله عليه و آله عن الخركوشي قال : وجاء جبرئيل عليه السلام بأعلى مكة ، وعلّمه الصلاة ، فانفجرت من الوادي عين حتى توضأ جبرئيل عليه السلام بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وتعلّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله منه الطهارة، ثم أمر به عليا(4) عليه السلام .
تاريخ الطبري ، والبلاذري ، وجامع الترمذي ، وإبانة العكبري ،
ص: 47
وفردوس الديلمي ، وأحاديث أبي بكر بن مالك ، وفضائل الصحابة عن الزعفراني عن يزيد بن هارون عن شعبة عن عمرو بن مرّة عن أبي حمزة عن زيد بن أرقم ، ومسند أحمد عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس قالا :
قال النبي صلى الله عليه و آله : أول من صلّى معي علي عليه السلام(1) .
تاريخ الفسوي قال زيد بن أرقم : أول من صلّى مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله علي عليه السلام(2) .
جامع الترمذي ومسند أبي يعلى الموصلي عن أنس ، وتاريخ الطبري عن جابر قال : بعث النبي صلى الله عليه و آله يوم الإثنين ، وصلّى علي عليه السلام يوم الثلاثاء(3) .
أبو يوسف الفسوي في المعرفة ، وأبو القاسم عبد العزيز بن إسحاق في أخبار أبي رافع من عشرين طريقة عن أبي رافع قال : صلّى النبي صلى الله عليه و آله أوّل يوم الإثنين ، وصلّت خديجة آخر يوم الإثنين ، وصلّى علي عليه السلام
ص: 48
أحمد بن حنبل في مسند العشرة وفي الفضائل أيضا ، والفسوي في المعرفة ، والترمذي في الجامع ، وابن بطة في الإبانة : روى علي بن الجعد عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن حبّة العرني قال :
سمعت عليا عليه السلام يقول : أنا أوّل من صلّى مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله(3) .
ابن حنبل في مسند العشرة وفي فضائل الصحابة أيضا عن سلمة بن كهيل عن حبّة العرني ، في خبر طويل ، أنّه قال علي عليه السلام :
اللّهم لا أعرف أنّ عبدا من هذه الأمّة عبدك قبلي غير نبيك ، ثلاث مرات(4) . . الخبر .
ص: 49
وفي مسند أبي يعلى : ما أعلم أحدا من هذه الأمّة بعد نبيها عبد اللّه غيري(1) . . الخبر .
قال كعب بن زهير :
صهر النبي وخير الناس كلّهم
وكلّ من رامه بالفخر مفخور
صلّى الصلاة مع الأمّي أوّلهم
قبل العباد وربّ الناس مكفور(2)
* * *
وقال أبو الأسود الدؤلي :
وإنّ عليا لكم مفخر
يشبه بالأسد الأسود
أما إنّه ثاني العابدين
بمكة واللّه لم يعبد(3)
* * *
الحسين بن علي عليهماالسلام في قوله « تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً » نزلت في علي بن
ص: 50
أبي طالب عليهماالسلام(1) .
وروى جماعة أنّه نزل فيه : « الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ »(2) .
تفسير القطان : قال ابن مسعود : قال علي عليه السلام : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ما أقول في السجود في الصلاة ؟
فنزل « سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَْعْلَى » .
قال : فما أقول في الركوع ؟
فنزل « فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ » ، فكان أول من قال ذلك .
قال العوني :
علي خير الورى بعد النبي ومن
في الشرق والغرب مضروب به المثل
علي صام وصلّى القبلتين وكم
في الجاهلية قوم ربّهم هبل
ص: 51
وقال الزاهي :
صنو النبي المصطفى والكاشف
الغماء عنه والحسام المخترط
أوّل من صام وصلّى سابقا
إلى المعالي وعلى السبق غبط
* * *
وإنّه عليه السلام صلّى قبل الناس كلّهم سبع سنين وأشهرا مع النبي(1) صلى الله عليه و آله ، وصلّى مع المسلمين أربع عشرة سنة ، وبعد النبي صلى الله عليه و آله ثلاثين سنة .
ابن فياض في شرح الأخبار عن أبي أيوب الأنصاري قال : سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول : لقد صلّت الملائكة عليّ وعلى علي بن أبي طالب عليهماالسلام سبع سنين ، وذلك أنّه لم يؤمن بي ذكر قبله(2) ، وذلك قول اللّه « الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا »(3) .
وفي رواية زياد بن المنذر عن محمد بن علي عن أمير المؤمنين عليه السلام : لقد مكثت الملائكة سنين لا تستغفر إلاّ لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ولي ، وفينا نزلت : « الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤمِنُونَ بِهِ
ص: 52
وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا » الى قوله « الْحَكِيمُ »(1)(2) .
وروى جماعة عن أنس وأبي أيوب ، وروى ابن شيرويه في الفردوس عن جابر قالوا : قال النبي صلى الله عليه و آله : لقد صلّت الملائكة عليّ وعلى علي بن أبي طالب عليهماالسلام سبع سنين قبل الناس ، وذلك أنّه كان يصلّي ولا يصلّي معنا غيرنا(3) .
وفي رواية : لم يصلّ فيها غيري وغيره(4) .
وفي رواية : لم يصلّ معي رجل غيره(5) .
سنن ابن ماجة وتفسير الثعلبي عن عبد اللّه بن أبي رافع عن أبيه : إنّ عليا عليه السلام صلّى مستخفيا مع النبي صلى الله عليه و آله سبع سنين وأشهرا(6) .
ص: 53
تاريخ الطبري وابن ماجة : قال عباد بن عبد اللّه : سمعت عليا عليه السلامقال : أنا عبد اللّه وأخو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب مفتر ، صلّيت مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله سبع سنين(1) .
مسندي أحمد وأبي يعلى : قال حبّة العرني : قال علي عليه السلام : صلّيت قبل أن يصلّي الناس سبعا(2) .
* * *
قال الحميري :
ألم يصلّ علي قبلهم حججا
ووحّد اللّه ربّ الشمس والقمر
وهؤلاء ومن في حزب دينهم
قوم صلاتهم للعود والحجر
* * *
وله أيضا :
وكفاه بأنّه سبق الناس
بفضل الصلاة والتوحيد
حججا قبلهم كوامل سبعا
بركوع لديه أو بسجود
* * *
ص: 54
وله أيضا :
أليس علي كان أوّل مؤمن
وأوّل من صلّى غلاما ووحّدا
فما زال في سرّ يروح ويغتدي
فيرقي بثورا وحراء مصعدا
يصلّي ويدعو ربّه فهما به
مع المصطفى مثنى وإن كان أوحدا
سنين ثلاثا بعد خمس وأشهرا
كوامل صلّى قبل أن يتمردا
* * *
وله أيضا :
ألم يؤت الهدى والناس حيرى
فوحّد ربّه الأحد العليا
وصلّى ثانيا في حال خوف
سنين تجرّمت سبعا أسيّا
* * *
وله أيضا :
وصلّى ولم يشرك سنين وأشهرا
ثمانية من بعد سبع كوامل
* * *
وقال غيره :
أما لا يرون أقام الصلاة
وتوحيده وهم مشركونا
ويشهد أن لا إله سوى
ربّنا أحسن الخالقينا
سنينا كوامل سبعا يبيت
يناجي الإله له مستكينا
بذلك فضّله ربّنا
على أهل فضلكم أجمعينا
* * *
ص: 55
وهو أوّل من صلّى القبلتين(1) ، صلّى إلى بيت المقدس أربع عشرة سنة ، والمحراب الذي كان النبي صلى الله عليه و آله يصلّي ومعه علي عليه السلاموخديجة عليهاالسلاممعروف ، وهو على باب مولد النبي صلى الله عليه و آله في شعب بني هاشم .
وقد روينا عن الشيرازي ما رواه عن ابن عباس في قوله « وَالسّابِقُونَ الأَْوَّلُونَ » نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام ، سبق الناس كلّهم بالإيمان ، وصلّى
القبلتين ، وبايع البيعتين(2) .
قال الحميري :
وصلّى القبلتين وآل تيم
وإخوتها عدي جاحدونا
* * *
وصلّى إلى الكعبة تسعا وثلاثين سنة .
تاريخ الطبري بثلاثة طرق ، وإبانة العكبري من أربعة طرق ، وكتاب المبعث عن محمد بن إسحاق ، والتاريخ عن الفسوي ، وتفسير الثعلبي ، وكتاب الماوردي ، ومسند أبي يعلى الموصلي ويحيى بن معين ، وكتاب أبي
ص: 56
عبد اللّه محمد بن زياد النيسابوري عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل بأسانيدهم عن ابن مسعود ، وعلقمة البجلي وإسماعيل بن إياس بن عفيف عن أبيه عن جدّه أنّ كلّ واحد منهم قال :
رأى عفيف - أخو الأشعث بن قيس الكندي - شابا يصلّي ، ثم جاء غلام فقام عن يمينه ، ثم جاءت إمرأة فقامت خلفهما .
فقال للعباس : هذا أمر عظيم !
قال : ويحك ، هذا محمد صلى الله عليه و آله ، وهذا علي عليه السلام ، وهذه خديجة عليهاالسلام ، إنّ ابن أخي هذا حدّثني أنّ ربّه ربّ السماوات والأرض أمر بهذا الدين ، واللّه ما على ظهر الأرض على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة(1) .
وفي كتاب الفسوي : إنّه كان عفيف يقول بعد إسلامه : لو كنت أسلمت - يومئذٍ - كنت ثانيا مع علي بن أبي طالب عليهماالسلام(2) .
ص: 57
وفي رواية محمد بن إسحاق عن عفيف قال : خرجت من مكة ، إذا أنا بشاب جميل على فرس ، فقال : يا عفيف ، ما رأيت في سفرك هذا ؟
فقصصت عليه ، فقال : لقد صدقك العباس ، واللّه ، إنّ دينه لخير الأديان ، وإنّ أمّته أفضل الأمم .
قلت : فلمن الأمر من بعده ؟ قال : لابن عمّه وختنه على بنته ، يا عفيف ، الويل كلّ الويل لمن يمنعه حقّه .
ابن فياض في شرح الأخبار : عن أبي الجحاف عن رجل : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال في خبر : هجم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله - يعني أبا طالب عليه السلام - ونحن ساجدان ، قال : أفعلتماها ؟! ثم أخذ بيدي فقال : انظر كيف تنصره ، وجعل يرغّبني في ذلك ، ويحضّني عليه(1) . . الخبر .
وفي كتاب الشيرازي : إنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا نزل الوحي عليه أتى المسجد الحرام ، وقام يصلّي فيه ، فاجتاز به علي عليه السلام ، وكان ابن تسع سنين ، فناداه : يا علي ، إليّ أقبل ، فأقبل إليه ملبيّا .
قال : إنّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله إليك خاصة ، والى الخلق عامة ، تعال - يا علي - فقف عن يميني وصلّ معي .
فقال : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، حتى أمضي وأستأذن أبا طالب عليه السلام والدي .
ص: 58
قال : اذهب ، فإنّه سيأذن لك(1) .
فانطلق يستأذن في إتباعه ، فقال : يا ولدي ، تعلم أنّ محمدا - واللّه - أمين منذ كان ، إمض وإتبعه ترشد وتفلح وتشهد .
فأتى علي عليه السلام ورسول اللّه صلى الله عليه و آله قائم يصلّي في المسجد ، فقام عن يمينه يصلّي معه ، فاجتاز بهما أبو طالب عليه السلام وهما يصلّيان ، فقال : يا محمد صلى الله عليه و آله ما تصنع ؟ قال : أعبد إله السماوات والأرض ، ومعي أخي علي عليه السلام يعبد ما أعبد ، يا عمّ ، وأنا أدعوك إلى عبادة اللّه الواحد القهار .
فضحك أبو طالب عليه السلام حتى بدت نواجذه ، وأنشأ يقول :
واللّه لن يصلوا إليك بجمعهم
حتى أغيب في التراب دفينا(2)
.. . لأبيات .
تاريخ الطبري وكتاب محمد بن إسحاق : إنّ النبي صلى الله عليه و آله كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة ، وخرج معه علي بن أبي طالب عليهماالسلام
مستخفيا من قومه ، فيصلّيان الصلوات فيها ، فإذا أمسيا رجعا ، فمكثا كذلك زمانا .
ثم روى الثعلبي معهما : إنّ أبا طالب عليه السلام رأى النبي صلى الله عليه و آله وعليا عليه السلام
ص: 59
يصلّيان ، فسأل عن ذلك ، فأخبره النبي صلى الله عليه و آله : إنّ هذا دين اللّه ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم عليه السلام . في كلام له . .
فقال علي عليه السلام : يا أبت آمنت باللّه وبرسوله ، وصدّقته بما جاء به ، وصلّيت معه للّه ، فقال له : أما أنّه لا يدعو إلاّ إلى خير فالزمه(1) .
الصادق عليه السلام قال : أوّل جماعة كانت أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يصلّي وأمير المؤمنين عليه السلام معه ، إذ مرّ أبو طالب عليه السلام به ، وجعفر معه ، فقال : يا بني
صل جناح ابن عمّك ، فلمّا أحسّ به رسول اللّه صلى الله عليه و آله تقدّمهما ، وانصرف أبو طالب عليه السلام مسرورا ، وهو يقول :
إنّ عليا وجعفرا ثقتي
عند ملمّ الزمان والكرب
واللّه لا أخذل النبي ولا
يخذله من بنيّ ذو حسب
اجعلهما عرضة العدى وإذا
اترك ميتا نما إلى حسبي
لا تخذلا وانصرا ابن عمّكما
أخي لأمّي من بينهم وأبي(2)
* * *
قال الحميري :
ألم يك لمّا دعاه الرسول
أصاب النبي ولم يدهش
فصلّى هنيئا له القبلتين
على أنسه غير مستوحش
* * *
ص: 60
ونزل فيه « قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ » .
وقيل : الخاشع في الصلاة من تكون نفسه في المحراب وقلبه عند الملك الوهاب .
ابن عباس والباقر عليه السلام في قوله « وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ » ، والخاشع الذليل في صلاته ، المقبل إليها ، يعني رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام(1) .
أبو المضا صبيح عن الرضا عليه السلام قال النبي صلى الله عليه و آله: في هذه الآية علي عليه السلاممنهم.
وجاء أنّه لم يقدر أحد أن يحكي صلاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلاّ علي عليه السلام ، ولا صلاة علي عليه السلام إلاّ علي بن الحسين عليهماالسلام(2) .
تفسير وكيع والسدي وعطاء أنّه قال ابن عباس : أهدي إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ناقتان عظيمتان سمينتان ، فقال للصحابة : هل فيكم أحد يصلّي ركعتين بقيامهما وركوعهما وسجودهما ووضوئهما وخشوعهما ، لا يهتم
ص: 61
فيهما من أمر الدنيا بشيء ، ولا يحدّث قلبه بفكر الدنيا ، أهدي إليه إحدى هاتين الناقتين ، فقالها مرّة ومرّتين وثلاثة ، لم يجبه أحد من أصحابه .
فقام أمير المؤمنين عليه السلام فقال : أنا - يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله - أصلّي ركعتين أكبر تكبيرة الأولى والى أن أسلم منهما لا أحدّث نفسي بشيء من أمر الدنيا ، فقال : يا علي ، صلّ ، صلّى اللّه عليك .
فكبّر أمير المؤمنين عليه السلام ، ودخل في الصلاة .
فلمّا سلّم من الركعتين هبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه و آله فقال : يا محمد صلى الله عليه و آله ، إنّ اللّه يقرئك السلام ويقول لك : اعطه إحدى الناقتين .
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّي شارطته أن يصلّي ركعتين لا يحدّث فيهما بشيء من الدنيا أعطيه إحدى الناقتين إن صلاهما ، وإنّه جلس في التشهد فتفكّر في نفسه أيّهما يأخذ .
فقال جبرئيل عليه السلام : يا محمد صلى الله عليه و آله ، إنّ اللّه يقرئك السلام ويقول لك : تفكّر أيّهما يأخذها ، أسمنهما وأعظمهما ، فينحرها ويتصدّق بها لوجه اللّه ، فكان تفكّره للّه - عزّ وجلّ - لا لنفسه ولا للدنيا .
فبكى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأعطاه كليهما ، وأنزل اللّه فيه « إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى » لعظة « لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ » عقل « أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ » يعني يستمع أمير المؤمنين عليه السلام بأذنيه إلى من تلاه بلسانه من كلام اللّه « وَهُوَ شَهِيدٌ »
يعني وأمير المؤمنين عليه السلام شاهد القلب للّه في صلاته ، لا يتفكّر فيها بشيء من أمر الدنيا(1) .
ص: 62
قال البرقي :
ومن وحّد اللّه من قبلهم
ومن كان صام وصلّى صميّا
وزكّى بخاتمه في الصلاة
ولم يك طرفة عين عصيّا
لقد فاز من كان مولى لهم
وقد نال خيرا وحظّا سنيّا
وخاب الذي قد يعاديهم
ومن كان في دينه ناصبيّا
* * *
وقال بعض الأعراب :
ألا إنّ خير الناس بعد محمد
علي وإن لام العذول وفنّدا(1)
وإنّ عليا خير من وطأ الحصاسوى المصطفى أعني النبي محمدا
هما أسلما قبل الأنام وصلّياأغارا لعمري في البلاد وانجدا
* * *
وقال غيره :
علي وصي المصطفى وابن عمّه
وأول من صلّى ووحّد فاعلم(2)
* * *
ص: 63
ص: 64
ص: 65
ص: 66
كان للنبي صلى الله عليه و آله بيعة عامّة وبيعة خاصّة :
فالخاصّة : بيعة الجنّ ، ولم يكن للإنس فيها نصيب ، وبيعة الأنصار ، ولم يكن للمهاجرين فيها نصيب ، وبيعة العشيرة إبتداء ، وبيعة الغدير إنتهاء ، وقد تفرّد علي عليه السلام بهما ، وأخذ بطرفيهما .
وأمّا البيعة العامّة : فهي بيعة الشجرة ، وهي شجرة - أو أراك - عند بئر الحديبية ، ويقال لها « بيعة الرضوان » ، لقوله « رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤمِنِينَ » .
والموضع مجهول ، والشجرة مفقودة ، فيقال : إنّها بروحاء ، فلا يدرى أروحاء مكة عند الحمام ، أو روحاء في طريقها ، وقالوا : الشجرة ذهبت السيول بها .
ص: 67
وقد سبق أمير المؤمنين عليه السلام الصحابة كلّهم في هذه البيعة أيضا بأشياء ، منها أنّه كان من السابقين فيها .
ذكر أبو بكر الشيرازي في كتابه عن جابر الأنصاري : إنّ أول من قام للبيعة أمير المؤمنين عليه السلام ، ثم أبو سنان عبد اللّه بن وهب الأسدي ، ثم سلمان الفارسي .
وفي أخبار الليث : إنّ أول من بايع عمار(1) - يعني بعد علي عليه السلام - .
ثم إنّه أولى الناس بهذه الآية ، لأنّ حكم البيعة ما ذكره اللّه - تعالى - « إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالإِْنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » الآية .
ورووا جميعا عن جابر الأنصاري أنّه قال : بايعنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله
ص: 68
على الموت(1) .
وفي معرفة الفسوي أنّه سئل سلمة : على أيّ شيء كنتم تبايعون تحت الشجرة ؟ قال : على الموت(2) .
وفي أحاديث البصريين عن أحمد : قال أحمد بن يسار : إنّ أهل الحديبية بايعوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله على أن لا يفرّوا(3) .
وقد صحّ أنّه لم يفرّ في موضع قطّ ، ولم يصحّ ذلك لغيره .
ثم إنّ اللّه - تعالى - علّق الرضا في الآية بالمؤمنين .
وكان أصحاب البيعة ألفا وثلاثمائة عن ابن أوفى .
وألفا وأربعمائة عن جابر بن عبد اللّه .
وألفا وخمسمائة عن ابن المسيب .
وألفا وستمائة عن ابن عباس(4) .
ولا شكّ أنّه كان فيهم جماعة من المنافقين ، مثل : جدّ بن قيس ، وعبد اللّه بن أبي سلول .
ص: 69
ثم إنّ اللّه - تعالى - علّق الرضا في الآية بالمؤمنين الموصوفين بأوصاف ، قوله « فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ » ، ولم ينزل السكينة على أبي بكر في آية الغار ، قوله « فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ »(1) .
قال السدي ومجاهد : فأوّل من رضي اللّه عنه ممّن بايعه علي عليه السلام ، فعلم في قلبه الصدق والوفاء .
ثم إنّ حكم البيعة ما ذكره اللّه « وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَْيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً » .
وقال « إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللّهَ فَسَيُؤتِيهِ أَجْراً عَظِيماً »الآية .
وإنّما سمّيت بيعة ، لأنّها عقدت على بيع أنفسهم بالجنة للزومهم في الحرب إلى النصر(2) .
وقال ابن عباس : أخذ النبي صلى الله عليه و آله تحت شجرة السمرة بيعتهم على أن لا يفرّوا ، وليس أحد من الصحابة إلاّ نقض عهدا في الظاهر بفعل أو بقول .
ص: 70
وقد ذمّهم اللّه - تعالى - فقال في يوم الخندق : « وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَْدْبارَ » .
وفي يوم حنين « وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَْرْضُ بِمارَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ».
وفي يوم أحد « إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ » .
وإنهزم أبو بكر وعمر في يوم خيبر بالإجماع ، وعلي عليه السلام في وفائه اتفاق(1) ، فإنّه لم يفرّ قطّ ، وثبت مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى نزل « رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ » ، ولم يقل المؤمنين «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ »
يعني حمزة وجعفر وعبيدة « وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ » يعني عليا عليه السلام(2) .
علي موفي العهد
وما كان بغدّار
* * *
قال السوسي :
ذاك الإمام المرتضى
إن غدر القوم وفى
أو كدر القوم صفا
فهو له مطاول
ص: 71
مونسه في وحدته
صاحبه في شدّته
حقّا مجلّي كربته
والكرب كرب شامل
* * *
ثم إنّ اللّه - تعالى - قال « وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً » يعني فتح خيبر ، وكان على يد علي عليه السلام بالإتفاق .
وقد وجدنا النكث في أكثرهم ، خاصة في الأول والثاني لمّا قصدوا في تلك السنة إلى بلاد خيبر ، فانهزم الشيخان ، ثم انهزموا كلّهم في يوم حنين ، فلم يثبت منهم تحت راية علي عليه السلام إلاّ ثمانية من بني هاشم ذكرهم ابن قتيبة في المعارف(1) .
قال الشيخ المفيد - رحمه اللّه - في الإرشاد ، وهم : العباس بن عبد المطلب
عن يمين رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والفضل بن العباس بن عبد المطلب عن يساره ، وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب ممسك بسرجه عند لغد(2) بغلته ، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهماالسلام بين يديه يقاتل بسيفه ، ونوفل بن الحرث بن عبد المطلب ، وربيعة بن الحرث بن عبد المطلب ، وعبد اللّه بن الزبير بن عبد المطلب ، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب بن عبد المطلب حوله(3) .
ص: 72
وقال العباس :
نصرنا رسول اللّه في الحرب تسعة
وقد فرّ من قد فرّ منهم فاقشعوا(1)(2)
* * *
وقال مالك بن عبادة :
لم يواس النبي غير بني هاشم
عند السيوف يوم حنين
هرب الناس غير تسعة رهط
فهم يهتفون بالناس أين(3)
والتاسع : أيمن بن عبيد قتل بين يدي النبي(4) صلى الله عليه و آله .
* * *
قال العوني :
وهل بيعة الرضوان إلاّ أمانة
فأوّل من قد خالف السلفان(5)
* * *
ثم إنّ النبي صلى الله عليه و آله إنّما كان يأخذ البيعة لنفسه ولذرّيّته .
ص: 73
روى الحافظ بن مردويه في كتابه بثلاثة طرق عن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين عن جعفر بن محمد عليهم السلام قال : أشهد لقد حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن الحسين بن علي عليهم السلام قال :
لمّا جاءت الأنصار تبايع رسول اللّه صلى الله عليه و آله على العقبة قال : قم يا علي عليه السلام ، فقال علي عليه السلام : على ما أبايعهم يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟
قال : على أن يطاع اللّه فلا يعصى ، وعلى أن يمنعوا رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوأهل بيته وذرّيّته ممّا يمنعون منه أنفسهم وذراريهم .
ثم إنّه كان الذي كتب الكتاب بينهم(1) .
ذكر أحمد في الفضائل عن حبّة العرني ، وعن ابن عباس ، وعن الزهري : إنّ كاتب الكتاب يوم الحديبية علي بن أبي طالب عليهماالسلام(2) .
وذكر الطبري في تاريخه بإسناده عن البراء بن عازب عن قيس النخعي ، وذكر القطان ، ووكيع ، والثوري ، والسدي ، ومجاهد في تفاسيرهم عن ابن عباس في خبر طويل :
إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : ما كتبت - يا علي عليه السلام - حرفا إلاّ وجبرئيل ينظر إليك
ويفرح ، ويستبشر بك .
ص: 74
وأمّا بيعة العشيرة ، قال النبي صلى الله عليه و آله : بعثت إلى أهل بيتي خاصّة ، والى الناس عامّة(1) .
وقد كان بعد مبعثه بثلاث سنين على ما ذكره الطبري في تاريخه ، والخركوشي في تفسيره ، ومحمد بن إسحاق في كتابه عن أبي مالك عن ابن عباس وعن ابن جبير أنّه :
لمّا نزل قوله : « وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَْقْرَبِينَ » جمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بني هاشم ، وهم - يومئذٍ - أربعون رجلاً ، وأمر عليا عليه السلام أن ينضج رجل شاة ، وخبز لهم صاعا من طعام ، وجاء بعسّ(2) من لبن ، ثم جعل يدخل إليه عشرة عشرة حتى شبعوا، وإنّ منهم لمن يأكل الجذعة، ويشرب الفرق(3)(4).
وفي رواية مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس أنّه قال : وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم(5) .
ص: 75
وفي رواية البراء بن عازب وابن عباس أنّه بدرهم أبو لهب ، فقال : هذا ما سحركم به الرجل(1) .
ثم قال لهم النبي صلى الله عليه و آله : إنّي بعثت إلى الأسود والأبيض والأحمر ، إنّ اللّه أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، وإنّي لا أملك لكم من اللّه شيئا إلاّ أن تقولوا : لا إله إلاّ اللّه ، فقال أبو لهب : ألهذا دعوتنا ! ثم تفرّقوا عنه ، فنزلت
« تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ » .
ثم دعاهم دفعة ثانية ، وأطعمهم وسقاهم ، ثم قال لهم : يا بني عبد المطلب ، أطيعوني تكونوا ملوك الأرض وحكّامها ، وما بعث اللّه نبيا إلاّ جعل له وصيّا أخا ووزيرا ، فأيّكم يكون أخي ووزيري ، ووصيّي ، ووارثي ، وقاضي ديني(2) ؟
وفي رواية الطبري عن ابن جبير وابن عباس : فأيّكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ؟ فأحجم القوم(3) .
وفي رواية أبي بكر الشيرازي عن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس .
وفي مسند العشرة وفضائل الصحابة عن أحمد بإسناده عن ربيعة بن ناجد عن علي عليه السلام : فأيّكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ؟
ص: 76
فلم يقم إليه أحد ، وكان علي عليه السلام أصغر القوم يقول : أنا ، فقال في الثالثة : أجل ، وضرب بيده على يد أمير المؤمنين عليه السلام(1) .
وفي تفسير الخركوشي عن ابن عباس ، وابن جبير ، وأبي مالك ، وفي تفسير الثعلبي عن البراء بن عازب :
فقال علي عليه السلام ، وهو أصغر القوم : أنا يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : أنت ، فلذلك كان وصيّه .
قالوا : فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب عليه السلام : أطع ابنك فقد أمّر عليك(2) .
وفي تاريخ الطبري : فأحجم القوم ، فقال علي عليه السلام : أنا - يا نبي اللّه - أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبته ، ثم قال : هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا .
قال : فقام القوم يضحكون ، فيقولون لأبي طالب عليه السلام : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع(3) !
وفي رواية الحرث بن نوفل وأبي رافع وعباد بن عبد اللّه الأسدي عن
ص: 77
علي عليه السلام : فقلت : أنا يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : أنت ، وأدناني إليه ، وتفل في في ، فقاموا يتضاحكون ويقولون : بئس ما حبا ابن عمّه إذ اتّبعه وصدّقه .
تاريخ الطبري عن ربيعة بن ناجد : إنّ رجلاً قال لعلي عليه السلام : يا أمير المؤمنين ، بم ورثت ابن عمّك دون عمّك ؟
فقال عليه السلام - بعد كلام ذكر فيه حديث الدعوة - : فلم يقم إليه أحد ، فقمت إليه ، وكنت من أصغر القوم ، قال : فقال : اجلس .
ثم قال ذلك ثلاث مرات ، كلّ ذلك أقوم إليه ، فيقول لي : اجلس ، حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي ، قال : فبذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي(1) .
وفي حديث أبي رافع أنّه قال أبو بكر للعباس : أنشدك اللّه ، تعلم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد جمعكم وقال : يا بني عبد المطلب ، إنّه لم يبعث اللّه نبيا إلاّ جعل له من أهله وزيرا وأخا ووصيا ، وخليفة في أهله ، فمن يقم منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووارثي ووصيّي وخليفتي في أهلي ؟ فبايعه علي عليه السلام على ما شرط له(2) .
وإذا صحّت هذه الجملة وجبت إمامته بعد النبي صلى الله عليه و آله بلا فصل .
ص: 78
قال الحميري :
وقيل له أنذر عشيرتك الألى
وهم من شباب أربعين وشيب
فقال لهم إنّي رسول إليكم
ولست أراني عندكم بكذوب
وقد جئتكم من عند ربّ مهيمن
جزيل العطايا للجزيل وهوب
فأيّكم يقفوا مقالي فأمسكوا
فقال ألا من ناطق فمجيبي
ففاز بها منهم علي وسادهم
وما ذاك من عاداته بغريب
* * *
وله أيضا :
أنت أولى الناس بالناس وخير الناس دينا
كنت في الدنيا أخاه يوم يدعو الأقربينا
ليجيبوه إلى اللّه فكانوا أربعينا
بين عمّ وابن عمّ حوله كانوا عرينا
* * *
وله أيضا :
ويوم قال له جبريل قد علموا
أنذر عشيرتك الأدنين إن بصروا
فقام يدعوهم من دون أمّته
فما تخلّف عنه منهم بشر
فمنهم آكل في مجلس جذعا
وشارب مثل عسّ وهو محتفر
ص: 79
فصدّهم عن نواحي قصعة شبعا
فيها من الحبّ صاع فوقه الوذر(1)
فقال يا قوم إنّ اللّه أرسلنيإليكم فأجيبوا اللّه وادكروا
فأيّكم يجتبي قولي ويؤمن بيإنّي نبي رسول فانبرى غدر
فقال تبّا أتدعونا لتلفتناعن ديننا ثم قام القوم فانشمروا
من الذي قال منهم وهو أحدثهمسنّا وخيرهم في الذكر إذ سطروا
آمنت باللّه قد أعطيت نافلةلم يعطها أحد جنّ ولا بشر
وإنّ ما قلته حقّ وإنّهمإن لم تجيبوا فقد خانوا وقد خسروا
ففاز قدما بها واللّه أكرمهفكان سبّاق غايات إذا ابتدروا
* * *
وله أيضا :
أبو حسن غلام من قريش
أبرّهم وأكرمهم نصابا
ص: 80
دعاهم أحمد لمّا أتته
من اللّه النبوة فاستجابا
فأدّبه وعلّمه وأملى
عليه الوحي يكتبه كتابا
فأحصى كلّ ما أملى عليه
وبيّنه له بابا فبابا
* * *
وله أيضا :
لأقدم أمّته الأولين
هدى ولأحدثهم مولدا
دعاه ابن آمنة المصطفى
وكان رشيد الهدى مرشدا
إلى أن يوحّد ربّ السماء
تعالى وجلّ وأن يعبدا
فلبّاه لمّا دعاه إليه
ووحّده مثل ما وحّدا
وأخبره أنّه مرسل
فقال صدقت وما فنّدا
فصلّى الصلاة وصام الصيام
غلاما ووافى الوغى أمردا
فلم ير يوما كأيامه
ولا مثل مشهده مشهدا
* * *
وقال العوني :
تخيّره اللّه من خلقه
فحمّله الذكر وهو الخبير
وأنزل بالسور المحكمات
عليه كتابا مبين منير
وأغشاه نورا وناداه قم
فأنذر وأنت البشير النذير
فلاح الهدى وإضمحل العمى
وولّى الضلال وعيف الغرور
فوصّى عليا فنعم الوصي
ونعم الولي ونعم النصير
* * *
ص: 81
وله أيضا :
إنّ رسول اللّه مصباح الهدى
وحجّة اللّه على كلّ البشر
جاء بقرآن مبين ناطق
بالحقّ من عند مليك مقتدر
فكان من أول من صدّقه
وصيّه وهو بسنّ من صغر
ولم يكن أشرك باللّه ولا
دنّس يوما بسجود لحجر
فذاكم أوّل من آمن باللّه
ومن جاهد فيه وصبر
أوّل من صلّى من القوم ومن
طاف ومن حجّ بنسك واعتمر
* * *
وقال دعبل :
سقيا لبيعة أحمد ووصيّه
أعني الإمام وليّنا المحسودا
أعني الذي نصر النبي محمدا
قبل البرية ناشئا ووليدا
أعني الذي كشف الكروب ولم يكن
في الحرب عند لقائها رعديدا(1)
أعني الموحّد قبل كلّ موحّدلا عابدا وثنا ولا جلمودا(2)
* * *
ص: 82
وقال آخر :
فلمّا دعى المصطفى أهله
إلى اللّه دعاه سرّا رفيقا
ولاطفهم عارضا نفسه
على قومه فجزوه عقوقا
فبايعه دون أصحابه
وكان لحمل أذاه مطيقا
ووحّد من قبلهم سابقا
وكان إلى كلّ فضل سبوقا
* * *
ص: 83
ص: 84
ص: 85
ص: 86
سفيان عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس في قوله « وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِْيمانَ » قال : قد يكون مؤمنا ولا يكون عالما ، فواللّه لقد جمع لعلي عليه السلام كلاهما العلم والإيمان .
مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس في قوله « إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » قال : كان علي عليه السلام يخشى اللّه ويراقبه ، ويعمل بفرائضه ، ويجاهد في سبيله(1) .
الصفواني في الإحن والمحن عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال :
ص: 87
« حم » اسم من أسماء اللّه ، « عسق » علم علي عليه السلام سبق كلّ جماعة ، وتعالى عن كلّ فرقة(1) .
محمد بن مسلم ، وأبو حمزة الثمالي ، وجابر بن يزيد عن الباقر عليه السلام .
وعلي بن فضال ، والفضيل بن يسار ، وأبو بصير عن الصادق عليه السلام .
وأحمد بن محمد الحلبي ، ومحمد بن الفضيل عن الرضا عليه السلام .
وقد روي عن موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وعن زيد بن علي ، وعن محمد ابن الحنفية رضى الله عنه ، وعن سلمان الفارسي ، وعن أبي سعيد الخدري ، وعن إسماعيل السدي :
إنّهم قالوا في قوله - تعالى - « قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ » : هو علي بن أبي طالب(2) عليهماالسلام .
الثعلبي في تفسيره بإسناده عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس ، وروي عن عبد اللّه بن عطاء عن أبي جعفر عليه السلامأنّه قيل لهما : زعموا أنّ الذي عنده علم الكتاب عبد اللّه بن سلام !
ص: 88
قال : ذاك علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
ثم روى أيضا أنّه سئل سعيد بن جبير « وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ » عبد اللّه بن سلام ؟ قال : لا ، فكيف ! وهذه سورة مكية(2) .
وقد روي عن ابن عباس : لا - واللّه - ما هو إلاّ علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، لقد كان عالما بالتفسير والتأويل ، والناسخ والمنسوخ ، والحلال والحرام(3) .
وروي عن ابن الحنفية رضى الله عنه : علي بن أبي طالب عليهماالسلام « عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ »الأول والآخر(4) . ورواه النطنزي في الخصائص .
ومن المستحيل أنّ اللّه - تعالى - يستشهد بيهودي ، ويجعله ثاني نفسه .
وقوله « قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ »
موافق لقوله : « كلاّ أنزل في أمير المؤمنين علي عليه السلام » ، وعدد حروف كلّ واحد منهما ثمانمائة وسبعة عشر .
* * *
قال العوني :
ومن عنده علم الكتاب وعلم ما
يكون وما قد كان علما مكتما
ص: 89
وقال أبو مقاتل بن الداعي العلوي :
وإنّ عندك علم الكون أجمعه
ما كان من سالف منه ومؤتنف
* * *
وقال نصر بن المنتصر :
ومن حوى علم الكتاب كلّه
علم الذي يأتي وعلم ما مضى
* * *
وقد ظهر علمه على سائر الصحابة حتى اعترفوا بعلمه وبايعوه .
قال الجاحظ : اجتمعت الأمّة على أنّ الصحابة كانوا يأخذون العلم من أربعة : علي عليه السلام ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت .
وقال : قالت طائفة : وعمر بن الخطاب(1) !!!
ثم أجمعوا على أنّ الأربعة كانوا أقرأ لكتاب اللّه من عمر ، وقال عليه السلام : يؤم بالناس أقرأهم ، فسقط عمر .
ص: 90
ثم أجمعوا على أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : الأئمة من قريش ، فسقط ابن مسعود وزيد .
وبقى علي عليه السلام وابن العباس ، إذ كانا عالمين فقيهين قرشيين ، فأكثرهما سنّا ، وأقدمهما هجرة علي عليه السلام ، فسقط ابن عباس .
وبقي علي عليه السلام أحقّ بالإمامة بالإجماع(1) .
* * *
وكانوا يسألونه ولم يسأل هو أحدا(2) .
* * *
وقال النبي صلى الله عليه و آله : إذا اختلفتم في شيء ، فكونوا مع علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
عبادة بن الصامت : قال عمر : كنّا أمرنا إذا اختلفنا في شيء أن نحكّم عليا عليه السلام(3) .
ولهذا تابعه المذكورون بالعلم من الصحابة نحو : سلمان ، وعمار ، وحذيفة ، وأبو ذر ، وأبي بن كعب ، وجابر الأنصاري ، وابن عباس ، وابن
ص: 91
مسعود ، وزيد بن صوحان ، ولم يتأخّر إلاّ زيد بن ثابت ، وأبو موسى ، ومعاذ ، وعثمان(1) ، وكلّهم معترفون له بالعلم ، مقرّون له بالفضل(2) .
النقاش في تفسيره : قال ابن عباس : علي عليه السلام علم علما علّمه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله علّمه اللّه ، فعلم النبي صلى الله عليه و آله علم اللّه ، وعلم علي عليه السلام من علم النبي صلى الله عليه و آله ، وعلمي من علم علي عليه السلام ، وما علمي وعلم أصحاب محمد صلى الله عليه و آله في علم علي عليه السلام إلاّ كقطرة في سبعة أبحر(3) .
الضحاك عن ابن عباس قال : أعطي علي بن أبي طالب عليهماالسلام تسعة أعشار العلم ، وإنّه لأعلمهم بالعشر الباقي(4) .
ص: 92
أمالي الطوسي : مرّ أمير المؤمنين بملأ فيهم سلمان ، فقال لهم سلمان : قوموا فخذوا بحجزة هذا ، فواللّه لا يخبركم بسرّ نبيّكم غيره(1) .
أمالي ابن بابويه : قال محمد بن المنذر : سمعت أبا أمامة يقول : كان علي عليه السلام إذا قال شيئا لم يشكّ فيه ، وذلك أنّا سمعنا رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيقول : خازن سرّي بعدي علي عليه السلام(2) .
قال الحميري :
وعلي خازن الوحي الذي
كان مستودع آيات السور
* * *
يحيى بن معين بإسناده عن عطاء بن أبي رياح أنّه سئل : هل تعلم أحدا بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أعلم من علي عليه السلام ؟
فقال : لا - واللّه - ما أعلمه(3) .
ص: 93
فأمّا قول عمر بن الخطاب في ذلك فكثير .
رواه الخطيب في الأربعين : قال عمر : العلم ستة أسداس ، لعلي عليه السلاممن ذلك خمسة أسداس ، وللناس سدس ، ولقد شاركنا في السدس حتى لهو أعلم به منّا(1) .
عكرمة عن ابن عباس : إنّ عمر بن الخطاب قال له : يا أبا الحسن ، إنّك لتعجل في الحكم والفصل للشيء إذا سئلت عنه !
قال : فأبرز علي عليه السلام كفّه وقال له : كم هذا ؟ فقال عمر : خمسة .
فقال : عجلت يا أبا حفص ، قال : لم يخف عليّ ، فقال علي عليه السلام : أنا أسرع فيما لا يخفى عليّ .
واستعجم عليه شيء ، ونازع عبد الرحمن ، فكتبنا إليه أن يتجشّم بالحضور ، فكتب إليهما : العلم يؤتى ولا يأتي ، فقال عمر : هناك شيخ من بني هاشم ، وإثارة من علم يؤتى إليه ولا يأتي .
فصار إليه ، فوجده متكئا على مسحاة ، فسأله عمّا أراد ، فأعطاه الجواب ، فقال عمر : لقد عدل عنك قومك ، وإنّك لأحقّ به ، فقال عليه السلام : « إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً »(2) .
يونس عن عبيد : قال الحسن : إنّ عمر بن الخطاب قال : اللّهم إنّي
ص: 94
أعوذ بك من عضيهة(1) ليس لها علي عليه السلام عندي حاضرا .
إبانة بن بطة : كان عمر يقول فيما يسأله عن علي عليه السلام ، فيفرج عنه : لا أبقاني اللّه بعدك(2) .
تاريخ البلاذري : لا أبقاني اللّه لمعضلة ليس لها أبو الحسن(3) .
الإبانة والفائق : أعوذ باللّه من معضلة ليس لها أبو حسن(4) .
وقد ظهر رجوعه إلى علي عليه السلام في ثلاث وعشرين مسألة ، حتى قال : لولا علي لهلك عمر(5) .
وقد رواه الخلق ، منهم أبو بكر بن عباس وأبو المظفر السمعاني .
* * *
ص: 95
قال الصاحب :
في مثل فتواك إذ قالوا مجاهرة
لولا علي هلكنا في فتاوينا(1)
* * *
وقال خطيب خوارزم :
إذا عمر تخطّى في جواب
ونبّهه علي بالصواب
يقول بعدله لولا علي
هلكت هلكت في ذاك الجواب
* * *
وقوله في الكلالة : أقول فيها برأي(1) ، فإن أصبت فمن اللّه ، وإن أخطأت فمنّي ومن الشيطان ، الكلالة : ما دون الولد والوالد(2) .
وعن عمر : سؤال السبيع عن الذاريات(3) .
وقوله : لا تتعجبوا من إمام أخطأ ، وإمرأة أصابت ، ناضلت أميركم فنضلته(4)(5) .
ص: 97
ومسألة الحمارية(1) ، وآية الكلالة(2) ، وقضاؤه في الجدّ(3) ، وغير ذلك(4) .
وقد شهد له رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالعلم :
قوله صلى الله عليه و آله : علي عليه السلام عيبة علمي(5) .
وقوله صلى الله عليه و آله : علي عليه السلام أعلمكم علما ، وأقدمكم سلما(6) .
وقوله صلى الله عليه و آله : أعلم أمّتي من بعدي علي بن أبي طالب عليهماالسلام(7) ، رواه علي بن هاشم ، وابن شيرويه الديلمي بإسنادهما إلى سلمان .
النبي صلى الله عليه و آله : أعطى اللّه عليا عليه السلام من الفضل جزءا لو قسم على أهل الأرض لوسعهم(8) .
ص: 98
حلية الأولياء : سئل النبي صلى الله عليه و آله عن علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فقال : قسمت الحكمة عشرة أجزاء ، فأعطي علي عليه السلام تسعة أجزاء ، والناس جزء واحد(1) .
ربيع بن خثيم : ما رأيت رجلاً من يحبّه أشدّ حبّا من علي عليه السلام ، ولا من يبغضه أشدّ بغضا من علي عليه السلام ، ثم التفت فقال : « وَمَنْ يُؤتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً »(2) .
واستدلّ بالحساب ، فقالوا : أعلم الأمّة علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، إتفقا في مائتين وثمانية عشر .
وكذلك قولهم : أعلم الأمّة جمال الأمّة علي بن أبي طالب عليهماالسلام سيد النجباء ، إتفقا في ثلاثمائة وسبعين .
قال ديك الجنّ :
هو الذي سمّي أبا البيان
صدقت قد أصبت بالبيان
وهو أبو العلم الذي لا يعلم
من قوله قولوا ولا تحمحموا
* * *
ص: 99
وقد أجمعوا على أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : أقضاكم علي(1) .
وروينا عن سعيد بن أبي الخصيب وغيره : أنّه قال الصادق عليه السلام لابن أبي ليلى : أتقضي بين الناس يا عبد الرحمن ؟ قال : نعم يا بن رسول اللّه .
قال : بأيّ شيء تقضي ؟ قال : بكتاب اللّه .
قال : فما لم تجد في كتاب اللّه ؟ قال : من سنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وما لم أجده فيهما أخذته عن الصحابة بما اجتمعوا عليه .
قال : فإذا اختلفوا ، فبقول من تأخذ منهم ؟ قال : بقول من أردت ، وأخالف الباقين .
قال : فهل تخالف عليا عليه السلام فيما بلغك أنّه قضى به ؟ قال : ربما خالفته إلى غيره منهم .
قال أبو عبد اللّه عليه السلام : ما تقول يوم القيامة إذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : أي ربّ إنّ هذا بلغه عنّي قول فخالفه ؟ قال : وأين خالفت قوله ، يا بن رسول اللّه ؟
ص: 100
قال : فبلغك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : أقضاكم علي عليه السلام ؟ قال : نعم .
قال : فإذا خالفت قوله ألم تخالف قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فاصفر وجه ابن أبي ليلى ، وسكت(1) .
الإبانة : قال أبو أمامة : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أعلم بالسنة والقضاء بعدي علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
كتاب الجلاء والشفاء ، والإحن والمحن : قال الصادق عليه السلام : قضى علي عليه السلام بقضية باليمن ، فأتوا النبي صلى الله عليه و آله فقالوا : إنّ عليا عليه السلام ظلمنا !!
فقال صلى الله عليه و آله : إنّ عليا عليه السلام ليس بظالم ، ولم يخلق للظلم ، وإنّ عليا عليه السلاموليّكم بعدي ، والحكم حكمه ، والقول قوله ، لا يردّ حكمه إلاّ كافر ، ولا يرضى به إلاّ مؤمن(2) .
وإذا ثبت ذلك ، فلا ينبغي لهم أن يتحاكموا بعده إلى غير علي عليه السلام ، والقضاء يجمع علوم الدين ، فإذا يكون هو الأعلم فلا يجوز تقديم غيره عليه ، لأنّه يقبح تقديم المفضول على الفاضل .
قال الأصفهاني :
وله يقول محمد أقضاكم
هذا وأعلم يا ذوي الأذهان
إنّي مدينة علمكم وأخي له
باب وثيق الركن مصراعان
فاتوا بيوت العلم من أبوابها
فالبيت لا يؤتى من الحيطان
* * *
ص: 101
وقال العوني :
أمن سواه إذا أتى بقضية
طرف الشكوك وأخرس الحكّاما
فإذا رأى رأيا فخالف رأيه
قوم وإن كدّوا له الأفهاما
نزل الكتاب برأيه فكأنّما
عقد الإله برأيه الأحكاما
* * *
وقال ابن حماد :
عليم بما قد كان أو هو كائن
وما هو دقّ في الشرائع أو جلّ
مسمّى مجلّى في الصحائف كلّها
فسل أهلها واسمع تلاوة من يتلو
ولولا قضاياه التي شاع ذكرها
لعطلت الأحكام والفرض والنفل
* * *
وقال الحميري :
من كان أعلمهم وأقضاهم ومن
جعل الرعية والرعاء سواء
* * *
ص: 102
الباقر وأمير
المؤمنين عليهماالسلام في قوله « وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ » الآية ، وقوله - تعالى - « وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ » : نحن البيوت التي أمر اللّه أن يؤتى من أبوابها ، نحن باب اللّه وبيوته التي نؤتى منه ، فمن تابعنا
وأقرّ بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها ، ومن خالفنا وفضّل علينا غيرنا ، فقد أتى البيوت من ظهورها(1) .
وقال النبي صلى الله عليه و آله بالإجماع : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب .
رواه أحمد من ثمانية طرق ، وإبراهيم الثقفي من سبعة طرق ، وابن بطّة من ستة طرق ، والقاضي الجعاني من خمسة طرق ، وابن شاهين من أربعة طرق ، والخطيب التاريخي من ثلاثة طرق ، ويحيى بن معين من طريقين .
وقد رواه السمعاني ، والقاضي الماوردي ، وأبو منصور السكري ، وأبو الصلت الهروي ، وعبد الرزاق ، وشريك عن ابن عباس ومجاهد وجابر .
ص: 103
وهذا يقتضى وجوب الرجوع إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، لأنّه كنّى عنه بالمدينة ، وأخبر أنّ الوصول إلى علمه من جهة علي عليه السلام خاصّة ، لأنّه جعله كباب المدينة الذي لا يدخل إليها إلاّ منه ، ثم أوجب ذلك الأمر به بقوله : فليأت الباب .
وفيه دليل على عصمته ، لأنّه من ليس بمعصوم يصحّ منه وقوع القبيح ، فإذا وقع كان الإقتداء به قبيحا ، فيؤدي إلى أن يكون صلى الله عليه و آله قد أمر بالقبيح ، وذلك لا يجوز .
ويدلّ أيضا أنّه أعلم الأمّة ، يؤيد ذلك ما قد علمناه من اختلافها ورجوع بعضها إلى بعض وغناؤه عليه السلام عنها .
وأبان ولاية علي عليه السلام وإمامته ، وأنّه لا يصحّ أخذ العلم والحكمة في حياته وبعد وفاته إلاّ من قبله ، وروايته عنه ، كما قال اللّه - تعالى - « وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها » .
وفي الحساب : علي بن أبي طالب باب مدينة الحكمة ، استويا في مائتين وثمانية عشر .
قال البشنوي :
فمدينة العلم التي هو بابها
أضحى قسيم النار يوم مآبه
فعدوّه أشقى البرية في لظى
ووليّه المحبوب يوم حسابه
* * *
ص: 104
وله أيضا :
مدينة العلم ما عن بابها عوض
لطالب العلم إذ ذو العلم مسؤول
* * *
وقال الصاحب :
كان النبي مدينة هو بابها
لو أثبت النصّاب ذات المرسل
* * *
وله أيضا :
باب المدينة لا تبغوا سواه لها
لتدخلوها فخلّوا جانب التيه
* * *
وقال السيد الحميري :
من كان باب مدينة العلم الذي
ذكر النزول وفسّر الأنباء
* * *
وقال ابن حماد :
باب الإله تعالى لم يصل أحد
إليه إلاّ الذي من بابه يلج
* * *
وله أيضا :
هذاالإمام لكم بعدي يسدّدكم
رشدا ويوسعكم علما وآدابا
إنّي مدينة علم اللّه وهو لها
باب فمن رامها فليقصد البابا
* * *
ص: 105
وقال خطيب منبج :
أنا دار الهدى والعلم فيكم
وهذا بابها للداخلينا
أطيعوني بطاعته وكونوا
بحبل ولائه مستمسكينا
* * *
وقال خطيب خوارزم :
إنّ النبي مدينة لعلومه
وعلي الهادي لها كالباب
* * *
أفلا يكون أعلم الناس ، وكان مع النبي صلى الله عليه و آله في البيت والمسجد يكتب وحيه ومسائله ، ويسمع فتاويه ويسأله .
وروي أنّه كان النبي صلى الله عليه و آله إذا نزل عليه الوحي ليلاً لم يصبح حتى يخبر به عليا عليه السلام ، وإذا نزل عليه الوحي نهارا لم يمس حتى يخبر به عليا عليه السلام(1) .
ومن المشهور إنفاقه الدينار قبل مناجاة الرسول(2) .
ص: 106
وسأله عن عشر مسائل فتح له منها ألف باب ، فتح من كلّ باب ألف باب ، وكذلك حين وصّى النبي صلى الله عليه و آله قبل وفاته(1) .
أبو نعيم الحافظ بإسناده عن زيد بن علي عن أبيه عن جدّه عن علي عليه السلام قال : علّمني رسول اللّه صلى الله عليه و آله ألف باب ، يفتح كلّ باب إلى ألف
باب .
وقد روى أبو جعفر بن بابويه هذا الخبر في الخصال من أربع وعشرين طريقة(2) ، وسعد بن عبد اللّه القمّي في بصائر الدرجات من ستة وستين طريقة(3) .
أبو عبد اللّه عليه السلام : كان في ذؤابة سيف النبي صلى الله عليه و آله صحيفة صغيرة هي الأحرف التي يفتح كلّ حرف ألف حرف ، فما خرج منها حرفان حتى الساعة .
وفي رواية : إنّ عليا عليه السلام دفعها إلى الحسن عليه السلام ، فقرأ منها حروفا ، ثم أعطاها الحسين عليه السلام ، فقرأها أيضا ، ثم أعطاها محمدا عليه السلام ، فلم يقدر على أن يفتحها(4) .
ص: 107
قال أبو القاسم البستي : وذلك نحو أن يقول : الربا في كلّ مكيل في العادة ، أيّ موضع كان ، وفي كلّ موزون ، وإذا قال : يحلّ من البيض كلّ ما دقّ أعلاه وغلظ أسفله ، وإذا قال : يحرم من السباع كلّ ذي ناب ، وذي مخلب من الطير ، ويحلّ الباقي ، وكذلك قول الصادق عليه السلام : كلّ ما غلب اللّه عليه من أمره فاللّه أعذر لعبده(1) .
* * *
ص: 108
قال الحميري :
حدّثه في مجلس واحد
ألف حديث معجب حاجب
كلّ حديث من أحاديثه
يفتح ألفا عدّة الحاسب
فتلك وفّت ألف ألف له
فيها جماع المحكم الصائب
* * *
وله أيضا :
وكفاه بألف ألف حديث
قد وعاهنّ من وحي مجيد
قد وعاها في مجلس بمعانيها
وأسبابها ووقت الحدود
* * *
وله أيضا :
علي أمير المؤمنين أخو الهدى
وأفضل ذي نعل ومن كان حافيا
أسرّ إليه أحمد العلم جملة
وكان له دون البرية واعيا
ودونه في مجلس منه واحد
بألف حديث كلّها كان هاديا
وكلّ حديث من أولئك فاتح
له ألف باب فاحتواها كما هيا
* * *
وقال الشريف ابن الرضا :
يا بني أحمد أناديكم اليوم
وأنتم غدا لردّ جوابي
ألف باب أعطيتم ثم أفضى
كلّ باب منها إلى ألف باب
لكم الأمر كلّه واليكم
ولديكم يؤول فصل الخطاب
* * *
ص: 109
أبان بن تغلب والحسين بن معاوية وسليمان الجعفري وإسماعيل بن عبد اللّه بن جعفر ، كلّهم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :
لمّا حضر رسول اللّه صلى الله عليه و آله الموت دخل عليه علي عليه السلام ، فأدخل رأسه معه ، ثم قال : يا علي ، إذا أنا متّ فغسّلني وكفّني ، ثم أقعدني وسائلني واكتب(1) .
تهذيب الأحكام : فخذ بمجامع كفني وأجلسني ، ثم اسألني عمّا شئت ، فواللّه لا تسألني عن شيء إلاّ أجبتك فيه(2) .
وفي رواية أبي عوانة بإسناده قال علي عليه السلام : ففعلت ، فأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة(3) .
جميع بن عمير التيمي عن عائشة في خبر أنّها قالت : وسالت نفس رسول اللّه صلى الله عليه و آله في كفّه ، ثم ردّها في فيه(4) .
وبلغني عن الصفواني أنّه قال : حدّثني أبو بكر بن مهرويه بإسناده إلى أم سلمة في خبر :
ص: 110
قالت : كنت عند النبي صلى الله عليه و آله ، فدفع إليّ كتابا ، فقال : من طلب هذا الكتاب منك ممّن يقوم بعدي فادفعيه إليه ، ثم ذكرت قيام أبي بكر وعمر وعثمان ، وأنّهم ما طلبوه .
ثم قالت : فلمّا بويع علي عليه السلام نزل عن المنبر ، ومرّ وقال لي : يا أم سلمة ، هاتي الكتاب الذي دفع إليك رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فقالت : قلت له : أنت صاحبه ؟
فقال : نعم ، فدفعته إليه .
قيل : ما كان في الكتاب ؟
قال : كلّ شيء دون قيام الساعة(1) .
وفي رواية ابن عباس : فلمّا قام علي عليه السلام أتاها وطلب الكتاب ، ففتحه ونظر فيه ، فقال : هذا علم الأبد(2) .
قال أبو عبد اللّه عليه السلام : يمصّون الثماد(3) ، ويدعون النهر الأعظم ، فسئل عن معنى ذلك ، فقال : علم النبيين بأسره أوحاه اللّه إلى محمد صلى الله عليه و آله ، فجعل محمد صلى الله عليه و آله ذلك كلّه عند علي عليه السلام ، وكان عليه السلام يدّعي في العلم دعوى ما سمعت قطّ من أحد(4) .
ص: 111
روى حنش الكناني أنّه سمع عليا عليه السلام يقول : واللّه ، لقد علمت بتبليغ
الرسالات وتصديق(1) العدات ، وتمام(2) الكلمات(3) .
وقوله : إنّ بين جنبيّ لعلما جمّا ، لو أصبت له حملة(4) .
وقوله : لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا(5) .
قال ابن العودي :
ومن ذا يساميه بمجد ولم يزل
يقول سلوني ما يحلّ ويحرم
سلوني ففي جنبيّ علم ورثته
عن المصطفى ما فات منّي به الفم
سلوني عن طرق السماوات إنّني
بها عن سلوك الطرق في الأرض أعلم
ص: 112
ولو كشف اللّه الغطاء لم أزد به
يقينا على ما كنت أدري وأفهم
* * *
وقال الزاهي :
ما زلت بعد رسول اللّه منفردا
بحرا يفيض على الورّاد زاخره
أمواجه العلم والبرهان لجّته
والحلم شطّاه والتقوى جواهره
* * *
وروى ابن أبي البختري من ستة طرق ، وابن المفضل من عشر طرق ، وإبراهيم الثقفي من أربعة عشر طريقا ، منهم : عدي بن حاتم ، والأصبغ بن نباتة ، وعلقمة بن قيس ، ويحيى بن أم الطويل ، وزر بن حبيش ، وعباية بن ربعي ، وعباية بن رفاعة ، وأبو الطفيل :
إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال بحضرة المهاجرين والأنصار ، وأشار إلى صدره : كيف(1) ملى ء علما ، لو وجدت له طالبا ، سلوني قبل أن تفقدوني ، وهذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، هذا ما زقّني به رسول اللّه صلى الله عليه و آله
زقّا ، فاسألوني فإنّ عندي علم الأولين والآخرين ، أما - واللّه - لو ثنيت
ص: 113
لي الوسادة ، ثم أجلست عليها ، لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، حتى ينادي كلّ كتاب بأنّ عليا عليه السلام حكم بحكم(1) اللّه فيّ(2) .
وفي رواية : حتى ينطق اللّه التوراة والإنجيل(3) .
وفي رواية : حتى يزهر كلّ كتاب من هذه الكتب ويقول : يا ربّ ، إنّ عليا قضى بقضائك(4) .
ثم قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لو سألتموني عن آية آية ، في ليلة أنزلت ، أو في نهار أنزلت ، مكّيها ومدنيها ، وسفريّها وحضريّها ، ناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وتأويلها وتنزيلها ، لأخبرتكم(5) .
وفي غرر الحكم عن الآمدي : سلوني قبل أن تفقدوني ، فإنّي بطرق السماوات أخبر منكم بطرق الأرض(6) .
ص: 114
وفي نهج البلاغة : فوالذي نفسي بيده ، لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ، ولا عن فئة تهدي مائة وتضلّ مائة ، إلاّ أنبأنكم بناعقها ، وقائدها وسائقها ، ومناخ ركابها ، ومحطّ رحالها ، ومن يقتل من أهلها قتلاً ، ويموت موتا(1) .
وفي رواية : لو شئت أخبرت كلّ واحد منكم بمخرجه ومولجه ، وجميع شأنه لفعلت(2) .
وعن سلمان أنّه قال عليه السلام : عندي علم المنايا والبلايا والوصايا والألباب
وفصل الخطاب ومولد الإسلام ومولد الكفر ، وأنا صاحب الميسم ، وأنا الفاروق الأكبر ، ودولة الدول ، فسلوني عمّا يكون إلى يوم القيامة ، وعمّا كان قبلي وعلى عهدي والى أن يعبد اللّه (3) .
قال ابن المسيب : ما كان في أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله أحد يقول : سلوني ، غير علي بن أبي طالب عليهماالسلام(4) .
وقال ابن شبرمة : ما أحد قال على المنبر : سلوني ، غير علي عليه السلام(5) .
ص: 115
وقال اللّه : « تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ » ، وقال « وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ » ، وقال « وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ » ، فإذا كان ذلك لا يوجد في ظاهره ، فهل يكون موجودا إلاّ في تأويله ، كما قال « وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ » ، وهو الذي عنى عليه السلام : سلوني قبل أن تفقدوني ، ولو كان إنّما عنى به في ظاهره ، فكان في الأمّة كثير يعلم ذلك ولا يخطى ء فيه حرفا ، ولم يكن عليه السلام ليقول من ذلك على رؤوس الأشهاد ما يعلم أنّه لايصحّ من قوله ، وأنّ غيره يساويه فيه ، أو يدّعي على شيء منه معه ، فإذا ثبت أنّه لا نظير له في العلم صحّ أنّه أولى بالإمامة(1) .
وقال العونى :
وكم علوم مقفلات في الورى
قد فتح اللّه به أقفالها
حرّم بعد المصطفى حرامها
كما أحلّ بينهم حلالها
وكم بحمد اللّه من قضية
مشكلة حلّ لهم إشكالها
حتى أقرّت أنفس القوم بأن
لولا الوصي ارتكبت ضلالها
* * *
وله أيضا :
ومن ركب الأعواد يخطب في الورى
وقال سلوني قبل فقدي لأفهما
* * *
ص: 116
وقال ابن حماد :
قلت سلوني قبل فقدي إنّ لي
علما وما فيكم له مستودع
وكذاك لو ثني الوساد حكمت
بالكتب التي فيها الشرائع تشرع
* * *
وله أيضا :
سلوني أيّها الناس
سلوني قبل فقداني
فعندي علم ما كان
وما يأتي وما يانى(1)
شهدنا أنّك العالمفي علمك ربّاني
وقلت الحقّ يا حقّولم تنطق ببهتان
* * *
وله أيضا :
هل سمعتم بقائل قبله
قال سلوني من قبل أن تفقدون
* * *
وله أيضا :
من قال بالبصرة للناس سلوني
من قبل أن أفقد من طرق السماء
* * *
وقال زيد المرزكي :
مدينة العلم علي بابها
وكلّ من حاد عن الباب جهل
أم هل سمعتم قبله من قائل
قال سلوني قبل إدراك الأجل
ص: 117
وقال شاعر آخر :
قال اسألوني قبل فقدي وذا
إبانة عن علمه الباهر
لو شئت أخبرت بمن قد مضى
وما بقي في الزمن الغابر
* * *
ص: 118
ومن عجب أمره في هذا الباب أنّه لا شيء من العلوم إلاّ وأهله يجعلون عليا عليه السلام قدوة ، فصار قوله قبلة في الشريعة .
فمنه سمع القرآن(1) .
ذكر الشيرازي في نزول القرآن وأبو يوسف يعقوب في تفسيره عن ابن عباس في قوله «لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ » كان النبي صلى الله عليه و آله يحرّك شفتيه عند الوحي ليحفظه ، وقيل له : «لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ » يعني بالقرآن « لِتَعْجَلَ بِهِ » من قبل أن يفرغ به من قراءته عليك(2) « إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ »
قال : ضمن اللّه محمدا أن يجمع القرآن بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آلهعلي بن أبي طالب عليهماالسلام .
قال ابن عباس : فجمع اللّه القرآن في قلب علي عليه السلام ، وجمعه علي عليه السلامبعد
موت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بستة أشهر .
ص: 119
وفي أخبار ابن أبي رافع : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال في مرضه الذي توفى فيه لعلي عليه السلام : يا علي عليه السلام ، هذا كتاب اللّه خذه إليك ، فجمعه علي عليه السلام في ثوب ، فمضى إلى منزله .
فلمّا قبض النبي صلى الله عليه و آله جلس علي عليه السلام فألّفه كما أنزله اللّه ، وكان به عالما .
وحدّثني أبو العلاء العطار والموفق خطيب خوارزم في كتابيهما بالإسناد عن علي بن رباح : إنّ النبي صلى الله عليه و آله أمر عليا عليه السلام بتأليف القرآن ، فألّفه وكتبه(1) .
جبلة بن سحيم عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : لو ثنيت لي الوسادة ، وعرف لي حقّي لأخرجت مصحفا كتبته وأملاه عليّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ورويتم أيضا أنّه إنّما أبطأ علي عليه السلام عن بيعة أبي بكر لتأليف القرآن(2) .
أبو نعيم في الحلية ، والخطيب في الأربعين بالإسناد عن السدي عن عبد خير عن علي عليه السلام قال :
لمّا قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله أقسمت - أو حلفت - أن لا أضع ردائي عن ظهري حتى أجمع ما بين اللوحين ، فما وضعت ردائي حتى جمعت القرآن(3) .
وفي أخبار أهل البيت عليهم السلام أنّه آلى أن لا يضع رداءه على عاتقه إلاّ للصلاة حتى يؤلف القرآن ويجمعه(4) ، فانقطع عنهم مدّة إلى أن جمعه ، ثم خرج إليهم به في إزار يحمله ، وهم مجتمعون في المسجد ، فأنكروا
ص: 120
مصيره بعد انقطاع مع إلّيتة(1) ، فقالوا : الأمر ما جاء به أبو الحسن عليه السلام .
فلمّا توسّطهم وضع الكتاب بينهم ، ثم قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : إنّي مخلّف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي ، وهذا الكتاب ، وأنا العترة .
فقام إليه الثاني ، فقال له : إن يكن عندك قرآن فعندنا مثله ، فلا حاجة لنا فيكما ، فحمل عليه السلام الكتاب وعاد بعد أن ألزمهم الحجّة(2) .
ص: 121
وفي خبر طويل عن الصادق عليه السلام : أنّه حمله وولّى راجعا نحو حجرته ، وهو يقول « فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ »(1) .
ولهذا قرأ ابن مسعود : « إنّ عليا جمعه وقرأ به فإذا قرأه فاتبعوا قراءته »(2) .
قال الناشي :
جامع وحي اللّه إذ فرّقه
من رام جمع آية فما ضبط
أشكله لشكله بجهله
فاستعجمت أحرفه حين نقط
* * *
وقال العوني :
لمّا رأى الأمر قبيح المدخل
حرّد في جمع الكتاب المنزل
* * *
وقال الصاحب :
هل مثل جمعك للقرآن تعرفه
نظما ومعنى وتأويلاً وتبيينا
* * *
وقال خطيب منبج :
علي جامع القرآن جمعا
يقصّر عنه جمع الجامعينا
* * *
ص: 122
فأمّا ما روي أنّه جمعه أبو بكر وعمر وعثمان ، فإنّ أبا بكر أقرّ لما التمسوا
منه جمع القرآن ، فقال : كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولا أمرني به ، ذكره البخاري في صحيحه(1) .
وادعى علي عليه السلام أنّ النبي صلى الله عليه و آله أمره بالتأليف .
ثم إنّهم أمروا زيد بن ثابت ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هاشم ، وعبد اللّه بن الزبير بجمعه(2) ، فالقرآن يكون جمع هؤلاء جميعهم .
ومنهم العلماء بالقراءات(3) .
أحمد بن حنبل وابن بطّة وأبو يعلى في مصنفاتهم عن الأعمش عن أبي بكر بن عياش في خبر طويل : أنّه قرأ رجلان ثلاثين آية من الأحقاف ، فاختلفا في قراءاتهما .
فقال ابن مسعود : هذا بخلاف ما أقرأه .
ص: 123
فذهب بهما إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فغضب وعلي عليه السلام عنده ، فقال علي عليه السلام : رسول اللّه صلى الله عليه و آله يأمركم أن تقرأوا كما علمتم(1) .
وهذا دليل على علم علي عليه السلام بوجوه القراءات المختلفة .
وروي أنّ زيدا لمّا قرأ « التابوه » ، قال علي عليه السلام : اكتبه « التابوت(2) » ، فكتبه كذلك .
والقراء السبعة إلى قراءته يرجعون ، فأمّا حمزة والكسائي ، فيعوّلان على قراءة علي عليه السلام وابن مسعود ، وليس مصحفهما مصحف ابن مسعود ، فهما إنّما يرجعان إلى علي عليه السلام ، ويوافقان ابن مسعود فيما يجري مجرى الإعراب .
وقد قال ابن مسعود : ما رأيت أحدا أقرء من علي بن أبي طالب عليهماالسلام
للقرآن(3) .
وأمّا نافع وابن كثير وأبو عمرو ، فمعظم قراءاتهم ترجع إلى ابن عباس ، وابن عباس قرأ على أبي بن كعب وعلي عليه السلام ، والذي قرأه هؤلاء القراء يخالف قراءة أبي ، فهو إذا مأخوذ عن علي عليه السلام .
ص: 124
وأمّا عاصم فقرأ على أبي عبد الرحمن السلمي ، وقال أبو عبد الرحمن : قرأت القرآن كلّه على علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
فقالوا : أفصح القراءات قراءة عاصم لأنّه أتى بالأصل ، وذلك أنّه يظهر ما أدغمه غيره ، ويحقّق من الهمز ما ليّنه غيره ، ويفتح من الألفات ما أماله غيره .
والعدد الكوفي في القرآن منسوب إلى علي عليه السلام ، وليس في الصحابة من ينسب إليه العدد غيره ، وإنّما كتب عدد ذلك كلّ مصر عن بعض التابعين .
ومنهم المفسّرون : كعبد اللّه بن عباس ، وعبد اللّه بن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وهم معترفون له بالتقدّم .
تفسير النقاش ، قال ابن عباس : جلّ ما تعلّمت من التفسير من علي بن أبي طالب عليهماالسلام وابن مسعود ، إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها إلاّ وله ظهر وبطن ، وإنّ علي بن أبي طالب عليهماالسلام علم الظاهر والباطن(2) .
ص: 125
فضائل العكبري : قال الشعبي : ما أحد أعلم بكتاب اللّه بعد نبي اللّه صلى الله عليه و آله من علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
تاريخ البلاذري وحلية الأولياء : وقال علي عليه السلام : واللّه ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت ، وأين نزلت ، أبليل نزلت ، أم بنهار نزلت ، في سهل أو جبل ، إنّ ربّي وهب لي قلبا عقولاً ولسانا سؤولاً(2) .
قوت القلوب : قال علي عليه السلام : لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا في تفسير فاتحة الكتاب(3) .
ولمّا وجد المفسّرون قوله لا يأخذون إلاّ به .
سأل ابن الكواء وهو على المنبر : ما « الذّارِياتِ ذَرْواً » ؟ فقال: الرياح .
فقال : وما « فَالْحامِلاتِ وِقْراً » ؟ قال : السحاب .
قال : وما « فَالْجارِياتِ يُسْراً » ؟ قال : الفلك .
قال : فما « فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً » ؟ قال : الملائكة(4) .
ص: 126
فالمفسرون كلّهم على قوله .
وجهلوا تفسير قوله « إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ » ، فقال له رجل : هو أوّل بيت ؟ قال : لا ، قد كان قبله بيوت ، ولكنّه أوّل بيت وضع للناس مباركا فيه الهدى والرحمة والبركة ، وأوّل من بناه إبراهيم عليه السلام ، ثم بناه قوم من العرب من جرهم ، ثم هدم فبنته قريش(1) ، وإنّما استحسن قول ابن عباس فيه لأنّه قد أخذ منه .
أحمد في المسند : لمّا توفي النبي صلى الله عليه و آله كان ابن عباس ابن عشر سنين ، وكان قرأ المحكم - يعني المفصّل(2) - .
قال الصاحب :
هل مثل علمك لو زلّوا وإن وهنوا
وقد هديت كما أصبحت تهدينا
* * *
ومنهم الفقهاء ، وهو أفقههم ، فإنّه ما ظهر عن جميعهم ما ظهر منه .
ص: 127
ثم إنّ جميع فقهاء الأمصار إليه يرجعون ، ومن بحره يغترفون .
أمّا أهل الكوفة وفقهاؤهم : سفيان الثوري ، والحسن بن صالح بن حي ، وشريك بن عبد اللّه ، وابن أبي ليلى ، وهؤلاء يفرّعون المسائل ، ويقولون : هذا قياس قول علي عليه السلام ، ويترجمون الأبواب بذلك(1) .
وأمّا أهل البصرة ، فقهاؤهم : الحسن ، وابن سيرين ، وكلاهما كانا يأخذان عمّن أخذ عن علي عليه السلام ، وابن سيرين يفصح بأنّه أخذ عن الكوفيين ، وعن عبيده السمعاني ، وهو أخصّ الناس بعلي عليه السلام .
وأمّا أهل مكة ، فإنّهم أخذوا عن ابن عباس وعن علي عليه السلام ، وقد أخذ عبد اللّه معظم علمه عنه .
وأمّا أهل المدينة ، فعنه أخذوا .
وقد صنّف الشافعي كتابا مفردا في الدلالة على اتّباع أهل المدينة لعلي عليه السلام وعبد اللّه .
وقال محمد بن الحسن الفقيه : لولا علي بن أبي طالب عليهماالسلام ما علمنا حكم أهل البغي(2) .
ص: 128
ولمحمد بن الحسن كتابا يشتمل على ثلاثمائة مسألة في قتال أهل البغي بناء على فعله .
مسند أبي حنيفة : قال هشام بن الحكم : قال الصادق عليه السلام لأبي حنيفة : من أين أخذت القياس ؟ قال : من قول علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وزيد بن ثابت حين شاهدهما عمر في الجدّ مع الإخوة ، فقال له علي عليه السلام : لو أنّ شجرة انشعب منها غصن ، وانشعب من الغصن غصنان ، أيّما أقرب إلى أحد الغصنين ، أصاحبه الذي يخرج معه أم الشجرة(1) ؟
فقال زيد : لو أنّ جدولاً انبعث فيه ساقية ، فانبعث من الساقية ساقيتان ، أيّما أقرب ، أحد الساقيتين إلى صاحبهما أم الجدول(2) ؟
ومنهم الفرضيون ، وهو أشهرهم فيها .
فضائل أحمد : قال عبد اللّه : إنّ أعلم المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب عليهماالسلام(3) .
ص: 129
قال الشعبي : ما رأيت أفرض من علي عليه السلام ، ولا أحسب منه ، وقد سئل وهو على المنبر يخطب عن رجل مات وترك إمرأة وأبوين وابنتين ، كم نصيب المرأة ؟ فقال عليه السلام : صار ثمنها تسعا ، فلقبت بالمسألة المنبرية(1) .
شرح ذلك :
للأبوين السدسان ، وللبنتين الثلثان ، وللمرأة الثمن ، عالت الفريضة ، فكان لها ثلث من أربعة وعشرين ثمنها ، فلمّا صارت إلى سبعة وعشرين صار ثمنها تسعا ، فإنّ ثلاثة من سبعة وعشرين تسعها ، ويبقى أربعة وعشرون ، للابنتين ستة عشر ، وثمانية للأبوين سواء .
قال هذا على الاستفهام ، أو على قولهم صار ثمنها تسعا ، أو على مذهب نفسه ، أو بيّن كيف يجيء الحكم على مذهب من يقول بالعول ، فبيّن الجواب ، والحساب ، والقسمة ، والنسبة .
ومنه المسألة الدينارية وصورتها(2) .
ص: 130
ومنهم أصحاب الروايات ، نيف وعشرون رجلاً ، منهم : ابن عباس ، وابن مسعود ، وجابر الأنصاري ، وأبو أيوب ، وأبو هريرة ، وأنس(1) ،
ص: 131
وأبو سعيد الخدري ، وأبو رافع ، وغيرهم ، وهو أكثرهم رواية ، وأتقنهم حجّة ، ومأمون الباطن لقوله : علي مع الحقّ(1) .
الترمذي والبلاذري : قيل لعلي عليه السلام : ما بالك أكثر أصحاب النبي صلى الله عليه و آله
حديثا ؟ قال : كنت إذا سألته أنبأني ، وإذا سكتّ عنه ابتدأني(2) .
كتاب ابن مردويه : أنّه قال : كنت إذا سألت أعطيت ، وإذا سكتّ ابتديت(3) .
قال محمد الإسكافي :
حبر عليهم بالذي هو كائن
واليه في علم الرسالة يرجع
أصفاه أحمد من خفي علومه
فهو البطين من العلوم الأنزع
* * *
ص: 132
ص: 134
ص: 135
أبو بكر الشيرازي في كتابه عن مالك عن أنس عن ابن شهاب ، وأبو يوسف يعقوب بن سفيان في تفسيره ، وأحمد بن حنبل وأبو يعلي في مسنديهما ، قال ابن شهاب : أخبرني علي بن الحسين عليهماالسلام : أنّ أباه الحسين بن علي عليهماالسلام أخبره : أنّ علي بن أبي طالب
عليهماالسلام أخبره :
إنّ النبي صلى الله عليه و آله طرقه وفاطمة عليهاالسلام بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : ألا تصلّون ؟ فقلت : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّما أنفسنا بيد اللّه ، فإذا شاء أن يبعثنا - أي يكثر اللطف بنا - .
فانصرف حين قلت ذلك ، ولم يرجع إليّ ، ثم سمعته وهو مولّ يضرب فخذيه يقول : « وَكانَ الإِنْسانُ » يعني علي بن أبي طالب عليهماالسلام « أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً » يعني متكلّما بالحقّ والصدق(1)(2) .
وقال لرأس الجالوت لمّا قال له : لم تلبثوا بعد نبيكم إلاّ ثلاثين سنة حتى ضرب بعضكم وجه بعض بالسيف .
ص: 137
فقال عليه السلام : وأنتم لم تجفّ أقدامكم من ماء البحر حتى قلتم لموسى : « اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ »(1) .
وأرسل إليه أهل البصرة كليبا الجرمي بعد يوم الجمل ليزيل الشبهة عنهم في أمره ، فذكر له ما علم أنّه على الحقّ .
ثم قال له : بايع ، فقال : إنّي رسول القوم ، فلا أحدث حدثا حتى ارجع إليهم ، فقال : أرأيت لو أنّ الذين ولّوك بعثوك رائدا تبتغي لهم مساقط الغيث ، فرجعت إليهم ، فأخبرتهم عن الكلأ والماء ، قال : فامدد إذا يدك .
قال كليب : فواللّه ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجّة عليّ ، فبايعته(2) .
وقوله عليه السلام : أول معرفة اللّه توحيده وأصل توحيده نفي الصفات عنه(3) . . إلى آخر الخبر .
ص: 138
ص: 139
ص: 140
وما أطنب المتكلّمون في الأصول إنّما هو زيادة لتلك الجمل ، وشرح لتلك الأصول ، فالإمامية يرجعون إلى الصادق عليه السلام ، وهو إلى آبائه عليهم السلام ، والمعتزلة والزيدية يرويه لهم القاضي عبد الجبار بن أحمد عن أبي عبد اللّه الحسين البصري ، وأبي إسحاق عباس عن أبي هاشم الجبائي عن أبيه أبي علي عن أبي يعقوب الشحام عن أبي الهذيل العلاف عن أبي عثمان الطويل عن واصل بن عطا عن أبي هاشم عبد اللّه بن محمد بن علي عن أبيه محمد بن الحنفية عنه عليه السلام .
قال الورّاق القمّي :
علي لهذا الناس قد بيّن الذي
هم اختلفوا فيه ولم يتوهّم
علي أعاش الدين وفّاه حقّه
ولولاه ما أفضى إلى عشر درهم
* * *
ص: 141
ومنهم النحاة ، وهو واضع النحو ، لأنّهم يروونه عن الخليل بن أحمد بن عيسى بن عمرو الثقفي عن عبد اللّه بن إسحاق الحضرمي عن أبي عمرو بن العلاء عن ميمون الأفرن عن عنبسة الفيل عن أبي الأسود الدؤلي عنه عليه السلام .
والسبب في ذلك أنّ قريشا كانوا يزوّجون بالأنباط ، فوقع فيما بينهم أولاد ، ففسد لسانهم حتى أن بنتا لخويلد الأسدي كانت متزوّجة بالأنباط ، فقالت : إنّ أبوي مات ، وترك عليّ مال كثير ، فلمّا رأوا فساد لسانها أسّس النحو .
وروي أنّ أعرابيا سمع من سوقي يقرأ : « إنّ اللّه برئ من المشركين ورسوله » ، فشج رأسه ، فخاصمه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له في ذلك ، فقال : إنّه كفر باللّه في قراءته ، فقال عليه السلام : إنّه لم يتعمد ذلك .
وروي أنّ أبا الأسود كان في بصره سوء ، وله بنيّة تقوده إلى علي عليه السلام ، فقالت : يا أبتاه ، ما أشدّ حرّ الرمضاء ! تريد التعجب ، فنهاها عن مقالتها ، فأخبر أمير المؤمنين عليه السلام بذلك فأسّس .
وروي أنّ أبا الأسود كان يمشي خلف جنازة ، فقال له رجل : من المتوفي ؟
فقال : اللّه ، ثم أخبر عليا عليه السلام بذلك فأسّس .
ص: 142
فعلى أيّ وجه كان وقعه إلى أبى الأسود ، وقال : ما أحسن هذا النحو ، احش له بالمسائل ، فسمّي نحوا(1) .
* * *
قال ابن سلام : كانت الرقعة : الكلام "كلّه" ثلاثة أشياء : اسم ، وفعل ، وحرف جاء لمعنى ، فالاسم : ما أنبأ عن المسمّى ، والفعل : ما أنبأ عن حركة المسمّى ، والحرف : ما أوجد معنى في غيره(2) .
وكتب «علي بن أبو طالب عليهماالسلام» ، فعجزوا عن ذلك ، فقالوا : أبو طالب عليه السلام اسمه كنيته(3) ، وقالوا : هذا تركيب مثل « دراخنا » ، و« حضرموت » .
وقال الزمخشري في الفائق : ترك في حال الجرّ على لفظه في حال الرفع ، لأنّه اشتهر بذلك وعرف ، فجرى مجرى المثل الذي لا يغيّر(4) .
ومنهم الخطباء وهو أخطبهم ، ألا ترى إلى خطبه ، مثل : التوحيد ، والشقشقية، والهداية ، والملاحم ، واللؤلؤة ، والغراء ، والقاصعة ، والافتخار، والأشباح ، والدرّة اليتيمة ، والأقاليم ، والوسيلة ، والطالوتية ، والقصبية ، والنخيلة ، والسلمانية ، والناطقة ، والدامغة ، والفاضحة ، بل إلى نهج البلاغة
ص: 143
عن الشريف الرضي ، وكتاب خطب أمير المؤمنين عليه السلام عن إسماعيل بن مهران السكوني عن زيد بن وهب أيضا .
قال الحميري :
من كان أخطبهم وأنطقهم ومن
قد كان يشفى حوله البرحاء(1)
من كان أنزعهم من الاشراك وللعلم كان البطن منه خفاء
من ذا الذي أمروا إذ اختلفوا بأنيرضوا به في أمرهم قضاء
من قيل لولاه ولولا علمههلكوا وعانوا فتنة صماء
* * *
ومنهم الفصحاء والبلغاء ، وهو أوفرهم حظّا .
قال الرضي : كان أمير المؤمنين عليه السلام مشرع الفصاحة وموردها ، ومنشأ البلاغة ومولدها ، ومنه ظهر مكنونها ، وعنه أخذت قوانينها(2) .
الجاحظ في كتاب الغرّة : كتب إلى معاوية : غرّك عزّك ، فصار قصارى ذلك ذلّك ، فاخش فاحش فعلك فعلّك تهدى بهدى(3)(4) .
وقال عليه السلام : من آمن أمن(5) .
ص: 144
وروى الكلبي عن أبي صالح وأبو جعفر بن بابويه بإسناده عن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام : أنّه اجتمعت الصحابة ، فتذاكروا أنّ الألف أكثر دخولاً في الكلام ، فارتجل عليه السلام الخطبة المونقة التي أولها :
حمدت من عظمت منّته ، وسبغت نعمته ، وسبقت رحمته ، وتمّت كلمته ، ونفذت مشيّته ، وبلغت قضيته(1) . . إلى آخرها .
ص: 145
ص: 146
ثم ارتجل خطبة أخرى من غير النقط التي أولها : الحمد للّه أهل الحمد ومأواه ، وله أوكد الحمد وأحلاه ، وأسرع الحمد وأسراه ، وأظهر الحمد وأسماه ، وأكرم الحمد وأولاه(1) . . إلى آخرها ، وقد أوردتهما في المخزون المكنون .
ومن كلامه عليه السلام : تخفّفوا تلحقوا ، فإنّما ينتظر بأوّلكم آخركم(2) .
ص: 147
وقوله عليه السلام : ومن يقبض يده عن عشيرته ، فإنّما يقبض عنهم بيد(1) واحدة ، ويقبض منهم عنه أيدٍ كثيرة ، ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودّة(2) .
وقوله عليه السلام : من جهل شيئا عاداه(3) ، مثله « بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ » .
وقوله عليه السلام : المرء مخبو تحت لسانه ، فإذا تكلّم ظهر ، مثله « وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ » .
وقوله عليه السلام : قيمة كلّ إمرئ ما يحسن ، مثله « إِنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ
وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ » .
وقوله عليه السلام : القتل يقلّ القتل ، مثله « وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ »(4) .
ومنهم الشعراء وهو أشعرهم .
الجاحظ في كتاب البيان والتبيين ، وفي كتاب فضائل بني هاشم أيضا ، والبلاذري في أنساب الأشراف : إنّ عليا أشعر الصحابة وأفصحهم وأخطبهم وأكتبهم .
ص: 148
تاريخ البلاذري : كان أبو بكر يقول الشعر ، وعمر يقول الشعر ، وعثمان يقول الشعر ، وكان علي أشعر الثلاثة(1) .
ومنهم العروضيون .
ومن داره خرجت العروض ، روي أنّ الخليل بن أحمد أخذ رسم العروض عن رجل من أصحاب محمد الباقر عليه السلام ، أو علي بن الحسين عليهماالسلام ، فوضع لذلك أصولاً .
ومنهم أصحاب العربية وهو أحكمهم .
ابن الحريري البصري في درّة الغواص ، وابن فياض في شرح الأخبار : إنّ الصحابة قد اختلفوا في المؤودة ، فقال لهم علي عليه السلام : إنّها لا تكون مؤودة حتى يأتي عليها التارات السبع ، فقال له عمر : صدقت أطال اللّه بقاك ، أراد بذلك المبينة في قوله « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِْنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ
مِنْ طِينٍ » الآية ، فأشار أنّه إذا استهل بعد الولادة ثم دفن فقد وئد(2) .
ص: 149
ومنهم الوعاظ ، وليس لأحد من الأمثال والعبر والمواعظ والزواجر ما له ، نحو قوله :
من زرع العدوان حصد الخسران(1) .
من ذكر المنيّة نسي الأمنيّة(2) .
من قعد به العقل قام به الجهل(3) .
يا أهل الغرور ، ما ألهجكم بدار خيرها زهيد ، وشرّها عتيد ، ونعيمها مسلوب، وعزيزها منكوب ، ومسالمها محروم ، ومالكها مملوك ، وتراثها متروك(4) .
وصنف عبد الواحد الآمدي غرر الحكم من كلامه عليه السلام .
ومنهم الفلاسفة وهو أرجحهم .
ص: 150
قال عليه السلام : أنا النقطة ، أنا الخطّ ، أنا الخطّ ، أنا النقطة ، أنا النقطة والخطّ .
فقال جماعة : إنّ القدرة هي الأصل ، والجسم حجابه ، والصورة حجاب الجسم ، لأنّ النقطة هي الأصل ، والخطّ حجابه ومقامه ، والحجاب غير الجسد الناسوتي(1) .
وسئل عليه السلام عن العالم العلوي ، فقال : صور عارية عن المواد ، عالية عن القوّة والاستعداد ، تجلّى لها فأشرقت ، وطالعها فتلألأت ، وألقى في هويّتها مثاله ، فأظهر عنها أفعاله ، وخلق الإنسان ذا نفس ناطقة ، إن زكّاها بالعلم فقد شابهت جواهر أوائل عللها ، وإذا اعتدل مزاجها ، وفارقت الأضداد ، فقد شارك بها السبع الشداد(2) .
أبو علي بن سينا : لم يكن شجاعا فيلسوفا(3) قطّ إلاّ علي عليه السلام .
الشريف الرضي : من سمع كلامه لا يشكّ أنّه كلام من قبع في كسر بيت أو انقطع في سفح جبل ، لا يسمع إلاّ حسّه ، ولا يري إلاّ نفسه ، ولا يكاد يوقن بأنّه كلام من يتغمّس في الحرب مصلتا سيفه ، فيقطّ(4) الرقاب ،
ص: 151
ويجدّل الأبطال ، ويعود به ينطف دما ، ويقطر مهجا ، وهو مع ذلك زاهد الزهاد ، وبدل الأبدال .
وهذه من فضائله العجيبة ، وخصائصة التي جمع بها بين الأضداد(1) .
* * *
قال السوسي :
في كفّه سبب الموت الوفي فمن
عصاه مدّ له من ذلك السبب
في فيه سيف حكاه سيف راحته
سيّان ذاك وذا في الخطب والخطب
لو قال للحي مت لم يحيي من رهب
أو قال للميت عش ما مات من رعب
أو قال لليل كن صبحا لكان ولو
للشمس قال اطلعي بالليل لم تغب
أو مدّ كفّا إلى الدنيا ليقلبها
هانت عليه بلا كدّ ولا تعب
ذاك الإمام الذي جبريل خادمه
إن ناب خطب ينب عنه ولا ينب
وعزرائيل مطواع له فمتى
يقل أمت ذا يمل أو هبه لي يهب
ص: 152
رضوان راض به مولى ومالك
مملوك يطيعانه في منتدب
* * *
ومنهم المهندسون وهو أعلمهم .
حفص بن غالب مرفوعا قال : بينا رجلان جالسان في زمن عمر ، إذ مرّ بهما عبد مقيد ، فقال أحدهما : إن لم يكن في قيده كذا وكذا فامرأته طالق ثلاثا ، وحلف الآخر بخلاف مقاله ، فسئل مولى العبد أن يحلّ قيده حتى يعرف وزنه ، فأبى .
فارتفعا إلى عمر ، فقال لهما : اعتزلا نساءكما .
وبعث إلى علي عليه السلام وسأله عن ذلك ، فدعا بإجّانة(1) ، فأمر الغلام أن يجعل رجله فيها ، ثم أمر أن يصبّ الماء حتى غمر القيد والرجل ، ثم علّم في الإجّانة علامة ، وأمره أن يرفع قيده من رجله ، فنزل الماء من العلامة ، فدعا بالحديد فوضعه في الإجّانة حتى تراجع الماء إلى موضعه ،
ص: 153
ثم أمر أن يوزن الحديد ، فوزن ، فكان وزنه بمثل وزن القيد ، وأخرج القيد فوزن ، فكان مثل ذلك ، فعجب عمر(1) .
التهذيب : قال رجل لأمير المؤمنين عليه السلام : إنّى حلفت أن أزن الفيل ، فقال : لم تحلفون بما لا تطيقون ؟!
فقال : قد ابتليت .
فأمر عليه السلام بقرقور(2) فيه قصب ، فأخرج منه قصب كثير ، ثم علّم صنع الماء بقدر ما عرف صنع الماء قبل أن يخرج القصب ، ثم صيّر الفيل فيه حتى رجع إلى مقداره الذي كان انتهى إليه صنع الماء أولاً ، ثم أمر بوزن القصب الذي أخرج .
فلمّا وزن قال : هذا وزن الفيل(3) .
ومنهم المنجمون ، وهو أكيسهم .
سعيد بن جبير أنّه قال : استقبل أمير المؤمنين عليه السلام دهقان - وفي رواية قيس بن سعد : أنّه مزجان بن شاشوا - استقبله من المدائن إلى جسر بوران ، فقال له :
يا أمير المؤمنين عليه السلام تناحست النجوم الطالعات ، وتناحست السعود بالنحوس ، فإذا كان مثل هذا اليوم وجب على الحكيم الاختفاء ، ويومك هذا يوم صعب ، قد اقترن فيه كوكبان ، وانكفى فيه الميزان ، وانقدح من برجك النيران ، وليس الحرب لك بمكان .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أيّها الدهقان ، المنبئ بالآثار ، المخوّف من الأقدار ، ما كان البارحة صاحب الميزان ، وفي أيّ برج كان صاحب السرطان ، وكم الطالع من الأسد ، والساعات في الحركات ، وكم بين السراري والذراري ، قال : سأنظر إلى الأصطرلاب .
فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام وقال له : ويلك يا دهقان ، أنت مسير الثابتات ؟ أم كيف تقضي على الجاريات ؟ وأين ساعات الأسد من المطالع ؟ وما الزهرة من التوابع والجوامع ؟ وما دور السراري المحركات ؟ وكم قدر شعاع المنيرات ؟ وكم التحصيل بالغدوات ؟ فقال : لا علم لي بذلك يا أمير المؤمنين عليه السلام .
ص: 155
فقال عليه السلام له : يا دهقان ، هل نتج علمك أن انتقل بيت ملك الصين ، واحترقت دور بالزنج ، وخمد بيت نار فارس ، وانهدمت منارة الهند ، وغرقت سرانديب ، وانقض حصن الأندلس ، ونبح بترك الروم بالرومية.
وفي رواية : البارحة وقع بيت بالصين ، وانفرج برج ماجين ، وسقط سور سرانديب ، وانهزم بطريق الروم بأرمينية ، وفقد ديان اليهود بايلة ، وهاج النمل بوادي النمل ، وهلك ملك إفريقية ، أكنت عالما بهذا ؟ قال : لا يا أمير المؤمنين عليه السلام .
وفي رواية : أظنّك حكمت باختلاف المشتري وزحل ، إنّما أنار لك في الشفق ، ولاح لك شعاع المريخ في السحر ، واتصل جرمه بجرم القمر .
ثم قال : البارحة سعد سبعون ألف عالم ، وولد في كلّ عالم سبعون ألفا ، والليلة يموت مثلهم ، وهذا منهم ، وأومى ء بيده إلى سعد بن مسعدة الحارثي ، وكان جاسوسا للخوارج في عسكره ، فظن الملعون أنّه يقول : خذوه ، فأخذ بنفسه فمات .
فخر الدهقان ساجدا ، فلمّا أفاق قال أمير المؤمنين عليه السلام : ألم أروك من عين التوفيق ؟ فقال : بلى .
فقال : أنا وصاحبي لا شرقيون ولا غربيون ، نحن ناشئة القطب ، وأعلام الفلك .
أمّا قولك : انقدح من برجك النيران ، فكان الواجب أن تحكم به لي لا عليّ ، أمّا نوره وضياؤه ، فعندي ، وأمّا حريقه ولهبه ، فذهب عنّي ، وهذه مسألة عميقه احسبها إن كنت حاسبا .
ص: 156
فقال الدهقان : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه ، وأنّك علي ولي اللّه (1) .
ومنهم الحسّاب ، وهو أوفرهم نصيبا .
ابن أبي ليلى : إنّ رجلين تغديا في سفر ، ومع أحدهما خمسة أرغفة ، ومع الآخر ثلاثة ، وواكلهما ثالث ، فأعطاهما ثمانية دراهم عوضا ، فاختصما وارتفعا إلى أمير المؤمنين عليه السلام .
فقال : هذا أمر فيه دناءة ، والخصومة فيه غير جميلة ، والصلح أحسن .
فأبى صاحب الثلاثة إلاّ مرّ القضاء ، فقال عليه السلام : إذا كنت لا ترضى إلاّ بمرّ القضاء ، فاّنّ لك واحدة من ثمانية ، ولصاحبك سبعة ، أليس كان لك ثلاثة أرغفة ولصاحبك خمسة ؟ قال : بلى ، قال : فهذه أربعة وعشرون ثلثا ، أكلت منه ثمانية ، وللضيف ثمانية ، فلمّا أعطاكما الثمانية الدراهم كان لصاحبك سبعة ولك واحدة(2) .
ص: 157
ومنهم أصحاب الكيمياء ، وهو أكثرهم حظّا .
سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن الصنعة ، فقال : هي أخت النبوة ، وعصمة المروّة ، والناس يتكلّمون فيها بالظاهر ، وإنّي لأعلم ظاهرها وباطنها ، هي - واللّه - ما هي إلاّ ماء جامد ، وهواء راكد ، ونار جائلة ، وأرض سائلة .
وسئل في أثناء خطبته : هل الكيمياء يكون ؟ فقال : وهو كائن وسيكون .
فقيل : من أيّ شيء هو ؟ فقال : إنّه من الزئبق الرجراج ، والأسرب(1) والزاج ، والحديد المزعفر ، وزنجار النحاس الأخضر الحبور(2) إلاّ توقف على عابرهن .
فقيل : فهمنا لا يبلغ إلى ذلك ، فقال : اجعلوا البعض أرضا ، واجعلوا البعض ماء ، وافلحوا الأرض بالماء ، وقد تمّ .
فقيل : زدنا يا أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : لا زيادة عليه ، فإنّ الحكماء القدماء ما زادوا عليه كيما يتلاعب به الناس(3) .
* * *
ص: 158
قال ابن رزيك :
علي الذي قد كان ناظر قلبه
يريه عيانا ما وراء العواقب
علي الذي قد كان أفرس من علا
على صهوات الصافنات الشوارب
* * *
ومنهم الأطباء ، وهو أكثرهم فطنة .
أبو عبد اللّه عليه السلام قال :
كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : إذا كان الغلام ملتاث الأدرة(1) ، صغير الذكر ، ساكن النظر ، فهو ممّن يرجى خيره ، ويؤمن شرّه ، وإذا كان الغلام شديد الأدرة ، كبير الذكر ، حادّ النظر ، فهو ممّن لا يرجى خيره ، ولا يؤمن شرّه(2) .
ص: 159
وعنه عليه السلام قال : يعيش الولد لستة أشهر ولسبعة ولتسعة ، ولا يعيش لثمانية أشهر(1) .
وعنه عليه السلام : لبن الجارية وبولها يخرج من مثانة أمّها ، ولبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين(2) .
وعنه عليه السلام : يشبّ الصبي كلّ سنة أربع أصابع بأصابع نفسه(3) .
وسأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام عن الولد ما باله تارة يشبه أباه وأمّه ، وتارة يشبه خاله وعمّه ؟
فقال للحسين عليه السلام : أجبه .
فقال عليه السلام : أمّا الولد ، فإنّ الرجل إذا أتى أهله بنفس ساكنة ، وجوارح غير مضطربة ، اعتلجت النطفتان كاعتلاج المتنازعين ، فإن علت نطفة
ص: 160
الرجل نطفة المرأة جاء الولد يشبه أباه ، وإذا علت نطفة المرأة نطفة الرجل شبه أمّه ، وإذا أتاها بنفس منزعجة ، وجوارح مضطربة غير ساكنة ، اضطربت النطفتان ، فسقطتا عن يمنة الرحم ويسرته ، فإن سقطت عن يمنة الرحم سقطت على عروق الأعمام والعمات ، فشبه أعمامه وعمّاته ، وإن سقطت عن يسرة الرحم سقطت على عروق الأخوال والخالات ، فشبه أخواله وخالاته .
فقام الرجل وهو يقول : « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ » .
وروي أنّه كان الخضر(1) عليه السلام .
وسئل النبي صلى الله عليه و آله : كيف تؤنث المرأة ، وكيف يذكر الرجل ؟
قال : يلتقي الماءان ، فإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت ، وإن علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت(2) .
ومنهم من تكلّم في علم المعاملة على طريق السوقية ، وهم يعترفون أنّه الأصل في علومهم ، ولا يوجد لغيره إلاّ اليسير .
ص: 161
حتى قال مشايخهم : لو تفرّغ إلى إظهار ما علم من علومنا لأغنى في هذا الباب(1) .
ومن فرط حكمته :
ما روي عن أسامة بن زيد وأبي رافع في خبر : إنّ جبرئيل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه و آله فقال : يا محمد عليه السلام ، ألا أبشرك بخبيئة لذريّتك ؟ فحدّثه بشأن التوراة ، وقد وجدها رهط من أهل اليمن بين حجرين أسودين ، وسمّاهم له .
فلمّا قدموا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال لهم : كما أنتم حتى أخبركم بأسمائكم وأسماء آبائكم ، وأنتم وجدتم التوراة ، وقد جئتم بها معكم ، فدفعوها له ، وأسلموا .
فوضعها النبي صلى الله عليه و آله عند رأسه ، ثم دعا اللّه باسمه ، فأصحبت عربية ، ففتحها ونظر فيها ، ثم رفعها إلى علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وقال : هذا ذكر لك ولذريّتك من بعدي .
أمير المؤمنين عليه السلام في قوله « وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ » بعث اللّه نبيا أسود لم يقصّ علينا قصّته(2) .
ص: 162
وكتب معاوية إلى أبي أيوب الأنصاري : أمّا بعد : فحاجيتك "بما" لا تنسى شيبا .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أخبره أنّه من قتلة عثمان ، وأنّ من قتل عنده مثل الشيباء ، فإنّ الشيباء لا تنسى قاتل بكرها ، ولا أبا عذرها(1) أبدا(2) .
ومن وفور علمه عليه السلام أنّه عبّر منطق الطير والوحوش والدواب .
زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : علمنا منطق الطير كما علمه سليمان بن داود ، وكلّ دابة في برّ أو بحر(3) .
ص: 163
ابن عباس قال : قال علي عليه السلام : نقيق الديك : اذكروا اللّه يا غافلين .
وصهيل الفرس : اللّهم انصر عبادك المؤمنين على عبادك الكافرين .
ونهيق الحمار : أن يلعن العشارين ، وينهق في عين الشيطان .
ونقيق الضفدع : سبحان ربّي المعبود المسبّح في لحج البحار .
وأنيق القبرة : اللّهم العن مبغضي آل محمد(1) .
قال العبدي :
وعلّمك الذي علم البرايا
وألهمك الذي لا يعلمونا
فزادك في الورى شرفا وعزّا
ومجدا فوق وصف الواصفينا
* * *
وروى سعيد بن طريف عن الصادق عليه السلام ، وروى أبو أمامة الباهلي كلاهما عن النبي صلى الله عليه و آله في خبر طويل ، واللفظ لأبي أمامة :
إنّ الناس دخلوا على النبي صلى الله عليه و آله ، وهنّوه بمولوده ، ثم قام رجل في وسط الناس ، فقال : بأبي أنت وأمّي يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، رأينا من علي عليه السلامعجبا في هذا اليوم ، قال : وما رأيتم ؟
قال : أتيناك لنسلّم عليك ، ونهنّيك بمولودك الحسين عليه السلام ، فحجبنا عنك ، وأعلمنا أنّه هبط عليه مائة ألف ملك وأربعة وعشرون ألف ملك ، فعجبنا من إحصائه وعدّده الملائكة .
ص: 164
فقال النبي صلى الله عليه و آله ، وأقبل بوجهه إليه متبسّما : ما علمك أنّه هبط عليّ مائة وأربعة وعشرون ألف ملك ؟
قال : بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، سمعت مائة ألف لغة وأربعة وعشرين ألف لغة ، فعلمت أنّهم مائة وأربعة وعشرون ألف ملك .
قال صلى الله عليه و آله : زادك اللّه علما وحلما يا أبا الحسن .
الفائق عن الزمخشري : أنّه سئل شريح عن إمرأة طلّقت ، فذكرت أنّها حاضت ثلاث حيضات في شهر واحد ، فقال شريح: إن شهدت ثلاث نسوة من بطانة أهلها أنّها كانت تحيض قبل أن طلّقت في كلّ شهر ، فالقول قولها .
فقال علي عليه السلام : قالون ، أي : أصبت بالرومية ، وهذا إذا اتهمت المرأة(1) .
وروي أنّه قال عليه السلام لابنة يزدجرد : ما اسمك ؟ قالت : جهان بانويه ، فقال : بل ، شهر بانويه ، وأجابها بالعجمية(1) .
وأنّه عليه السلام قد فسّر صوت الناقوس .
ذكره صاحب مصباح الواعظ ، وجمهور أصحابنا عن الحارث الأعور ، وزيد وصعصعة ابني صوحان ، والبراء بن سيرة ، والأصبغ بن نباتة، وجابر بن شرحبيل ، ومحمود بن الكواء ، أنّه قال عليه السلام : يقول :
سبحان اللّه حقّا حقّا ، إنّ المولى صمد يبقى ، يحلم عنّا رفقا رفقا ، لولا حلمه كنّا نشقى ، حقّا حقّا ، صدقا صدقا ، إنّ المولى يسائلنا ، ويوافقنا ويحاسبنا ، يا مولانا لا تهلكنا ، وتداركنا واستخدمنا ، واستخلصنا حلمك عنّا ، قد جرأنا عفوك عنّا ، إنّ الدنيا قد غرّتنا ، واشتغلتنا واستهوتنا ، واستهلتنا واستغوتنا ، يا بن الدنيا جمعا جمعا ، يا بن الدنيا مهلاً مهلاً ، يا بن الدنيا دقّا دقّا ، تفنى الدنيا قرنا قرنا ، ما من يوم يمضي عنّا ، إلاّ يهوى منّا ركنا ، قد ضيّعنا دارا تبقى ، واستوطنّا دارا تفنى ، تفنى الدنيا قرنا قرنا ، كلاّ موتا كلاّ موتا ، كلاّ موتا كلاّ دفنا ، كلاّ فيها موتا كلاّ فناء ، كلاّ فيها موتا ، نقلاً نقلاً ، دفنا دفنا ، يا بن الدنيا مهلاً مهلاً ، زن ما يأتي وزنا وزنا ، لولا
جهلي ما إن كانت ، عندي الدنيا سجنا ، خيرا خيرا ، شرّا شرّا ، شيئا شيئا ،
ص: 166
حزنا حزنا ، ما ذا من ذا ، كم ذا أم ذا ، ترجو تنجو تخشى تردى ، عجّل قبل الموت الوزنا ، ما من يوم يمضي عنّا ، إلاّ أوهى منّا ركنا ، إنّ المولى قد أنذرنا ، إنّا نحشر عزلاً(1) بهما .
قال : ثم انقطع صوت الناقوس ، فسمع الديراني ذلك وأسلم ، وقال : إنّي وجدت في الكتاب أنّ في آخر الأنبياء من يفسّر ما يقول الناقوس(2) .
أجمعوا على أنّ خيرة اللّه من خلقه هم المتّقون ، لقوله « إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ » .
ثم أجمعوا على أنّ خيرة المتّقين الخاشعون ، لقوله « وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ » إلى قوله(3) « مُنِيبٍ » .
ثم أجمعوا على أنّ أعظم الناس خشية العلماء ، لقوله « إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » .
وأجمعوا على أنّ أعلم الناس أهداهم إلى الحقّ ، وأحقّهم أن يكون متّبعا ، ولا يكون تابعا ، لقوله « أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى » .
ص: 167
وأجمعوا على أنّ أعلم الناس بالعدل أدلّهم عليه ، وأحقّهم أن يكون متّبعا ، ولا يكون تابعا ، لقوله « يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ » .
فدلّ كتاب اللّه ، وسنّة نبيّه ، وإجماع الأمّة على أنّ أفضل هذه الأمّة بعد نبيها علي(1) عليه السلام .
ص: 168
ص: 169
ص: 170
للصحابة الهجرة :
وأوّلها : إلى الشعب(1)، وهو شعب أبي طالب وعبد المطلب عليهماالسلام، والإجماع
أنّهم كانوا بني هاشم ، وقال اللّه - تعالى - فيهم « وَالسّابِقُونَ الأَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالأَْنْصارِ »(2) .
وثانيها : هجرة الحبشة .
معرفة الفسوي قال : أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن ننطلق مع جعفر إلى أرض النجاشي ، فخرج في إثنين وثمانين رجلاً(3) .
ص: 171
الواحدي : نزل فيهم « إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ » حين لم يتركوا دينهم ، ولمّا اشتدّ عليهم الأمر صبروا وهاجروا(1) .
ثالثها : للأنصار الأوّلين ، وهم العقبيون بإجماع أهل الأثر ، وكانوا سبعين رجلاً ، وأوّل من بايع فيه أبو الهيثم بن التيهان(2) .
ورابعها : للمهاجرين إلى المدينة ، والسابق فيه : مصعب بن عمير ، وعمار بن ياسر ، وأبو سلمة المخزومي ، وعامر بن ربيعة ، وعبد اللّه بن جحش ، وابن أم مكتوم ، وبلال ، وسعد ، ثم ساروا أرسالاً(3) .
* * *
قال ابن عباس : نزل فيهم « وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الأَْرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ » .
ص: 172
ذكر المؤمنين ، ثم المهاجرين ، ثم المجاهدين ، وفضّل عليهم كلّهم ، فقال : « وَأُولُوا الأَْرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ » .
فعلي عليه السلام سبقهم بالإيمان ، ثم بالهجرة إلى الشعب ، ثم بالجهاد ، ثم سبقهم بعد هذه الثلاثة الرتب بكونه من ذوي الأرحام(1) .
فأمّا أبو بكر، فقد هاجر إلى المدينة إلاّ أنّ لعلي عليه السلام مزايا فيها عليه ، وذلك أنّ النبي صلى الله عليه و آله أخرجه مع نفسه ، أو خرج هو لعلّة ، وترك عليا عليه السلامللمبيت
باذلاً مهجته ، فبذل النفس أعظم من الإتقاء على النفس في الهرب إلى الغار .
وقد روى أبو المفضل الشيباني بإسناده عن مجاهد قال : فخرت عائشة بأبيها ومكانه مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الغار ، فقال عبد اللّه بن شداد بن الهاد : فأين أنت من علي بن أبي طالب عليهماالسلام حيث نام في مكانه ، وهو يرى أنّه يقتل ، فسكتت ولم تحر جوابا(2) .
وشتان بين قوله « وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ » ، وبين قوله « لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا » .
وكان النبي صلى الله عليه و آله معه يقوّي قلبه ، ولم يكن مع علي عليه السلام ، وهو لم يصبه وجع ، وعلي عليه السلام يرمى بالحجارة ، وهو مختف في الغار ، وعلي عليه السلام ظاهر للكفار .
ص: 173
واستخلفه الرسول صلى الله عليه و آله لردّ الودائع ، لأنّه كان أمينا(1) ، فلمّا أدّاها قام على الكعبة ، فنادى بصوت رفيع : يا أيّها الناس ، هل من صاحب أمانة ؟ هل من صاحب وصيّة ؟ هل من عدة له قبل رسول اللّه (2) صلى الله عليه و آله ؟
فلمّا لم يأت أحد لحق بالنبي صلى الله عليه و آله ، وكان في ذلك دلالة على خلافته
وأمانته وشجاعته .
وحمل نساء الرسول صلى الله عليه و آله خلفه بعد ثلاثة أيام ، وفيهن عائشة ، فله المنّة على أبي بكر بحفظ ولده ، ولعلي عليه السلام المنّة عليه في هجرته .
وعلي عليه السلام ذو الهجرتين ، والشجاع البائت بين أربعمائة سيف ، وإنّما أباته على فراشه ثقة بنجدته ، فكانوا محدقين به إلى طلوع الفجر ليقتلوه ظاهرا ، فيذهب دمه بمشاهدة بني هاشم قاتليه من جميع القبائل(3) .
قال ابن عباس : فكان من بني عبد شمس : عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن
ص: 174
هشام ، وأبو سفيان ، ومن بني نوفل : طعمة بن عبدي ، وجبير بن مطعم ، والحارث بن عمر ، ومن بني عبد الدار : النضر بن الحارث ، ومن بني أسد : أبو البختري ، وزمعة بن الأسود ، وحكيم بن حزام ، ومن مخزوم : أبو جهل ، ومن بني سهم : نبيه ومنبه ابنا الحجاج ، ومن بني جمح : أمية بن خلف ممّن لا يعدّ من قريش .
ووصّى إليه في ماله وأهله وولده ، فأنامه منامه ، وأقامه مقامه ، وهذا دليل على أنّه وصيّه .
تاريخ الخطيب ، والطبري ، وتفسير الثعلبي ، والقزويني في قوله « وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا » ، والقصّة مشهورة :
جاء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال له : لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه .
فلمّا كانت العتمة اجتمعوا على بابه يرصدونه ، فقال لعلي عليه السلام : نم على فراشي ، واتشح ببردي الحضرمي الأخضر ، وخرج النبي صلى الله عليه و آله .
قالوا : فلمّا دنوا من علي عليه السلام عرفوه ، فقالوا : أين صاحبك ؟ فقال : لا أدري ، أو رقيبا كنت عليه ، أمرتموه بالخروج فخرج(1) .
ص: 175
أبي رافع : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : يا علي عليه السلام ، إنّ اللّه قد أذن لي بالهجرة ، وإنّي آمرك أن تبيت على فراشي ، وإنّ قريشا إذا رأوك لم يعلموا بخروجي .
الطبري ، والخطيب ، والقزويني ، والثعلبي : ونجّا اللّه رسوله
صلى الله عليه و آله من مكرهم ، وكان مكر اللّه - تعالى - بيات علي عليه السلام على فراشه(1) .
عمار وأبو رافع وهند بن أبي هالة : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام وثب وشدّ عليهم بسيفه فانحازوا عنه .
محمد بن سلام في حديث طويل عن أمير المؤمنين عليه السلام : ومضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، واضطجعت في مضجعه أنتظر مجيء القوم إليّ حتى دخلوا عليّ ، فلمّا استوى بي وبهم البيت نهضت إليهم بسيفي ، فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الناس(2) .
فلمّا أصبح عليه السلام امتنع ببأسه ، وله عشرون سنة ، وأقام بمكة وحده مراغما لأهلها حتى أدّى إلى كلّ ذي حقّ حقّه(3) .
محمد الواقدي ، وأبو الفرج النجدي ، وأبو الحسن البكري ، وإسحاق الطبراني :
إنّ عليا عليه السلام لمّا عزم على الهجرة ، قال له العباس : إنّ محمدا صلى الله عليه و آله ما خرج إلاّ خفيّا ، وقد طلبته قريش أشدّ طلب ، وأنت تخرج جهارا في إناث
ص: 176
وهوادج ومال ورجال ونساء ، وتقطع بهم السباسب(1) والشعاب من بين قبائل قريش ؟! ما أرى لك أن تمضي إلاّ في خفارة خزاعة .
فقال علي عليه السلام :
إنّ المنيّة شربة مورودة
لا تنزعن وشدّ للترحيل
إنّ ابن آمنة النبي محمدا
رجل صدوق قال عن جبريل
ارخ الزمام ولاتخف من عائق
فاللّه يرديهم عن التنكيل
إنّي بربّي واثق وبأحمد
وسبيله متلاحق بسبيلي
* * *
قالوا : فكمن مهلع غلام حنظلة بن أبي سفيان في طريقه بالليل ، فلمّا رآه سلّ سيفه ونهض إليه ، فصاح علي عليه السلام صيحة خرّ على وجهه ، وجلّله بسيفه .
فلمّا أصبح توجّه نحو المدينة ، فلمّا شارف « ضجنان » أدركه الطلب بثمانية فوارس ، وقالوا : يا غدر ، أظننت أنّك ناج بالنسوة . . . القصّة .
وكان اللّه - تعالى - قد فرض على الصحابة الهجرة ، وعلى علي عليه السلام المبيت ، ثم الهجرة .
ثم إنّه - تعالى - قد كان امتحنه بمثل ما امتحن به إبراهيم عليه السلام
بإسماعيل عليه السلام ، وعبد المطلب عليه السلام بعبد اللّه عليه السلام .
ثم إنّ التفدية كانت دأبه في الشعب ، فإن كان بات أبو بكر في الغار
ص: 177
ثلاث ليال ، فإنّ عليا عليه السلام بات على فراش النبي صلى الله عليه و آله في الشعب ثلاث سنين(1) ، وفي رواية : أربع سنين .
العكبري في فضائل الصحابة والفنجكردي في سلوة الشيعة : إنّ عليا عليه السلام قال :
وقيت بنفسي خير من وطأ الحصى
ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
محمد لمّا خاف أن يمكروا به
فوقاه ربّي ذو الجلال عن المكر
وبتّ أراعيهم وما يثبتونني
وقد صبرت نفسي على القتل والأسر
وبات رسول اللّه في الغار آمنا
وذلك في حفظ الإله وفي ستر
أردت به نصر الإله تبتلاً
وأضمرته حتى أوسّد في قبري
* * *
وقال الحميري :
ومن ذا الذي قد بات فوق فراشه
وأدنى وساد المصطفى فتوسّدا
ص: 178
وخمّر منه وجهه بلحافه
ليدفع عنه كيد من كان أكيدا
فلمّا بدا صبح يلوح تكشّفت
له قطع من حالك اللون أسودا
ودارت به أحراسهم يطلبونه
وبالأمس ما سبّ النبي وأوعدا
أتوا طاهرا والطيّب الطهر قد مضى
إلى الغار يخشى فيه أن يتورّدا
فهمّوا به أن يقتلوه وقد سطوا
بأيديهم ضربا مقيما ومقعدا
* * *
وله أيضا :
وليلة كاد المشركون محمدا
شرى نفسه للّه إذ بتّ لا تشري
فبات مبيتا لم يكن ليبيته
ضعيف عمود القلب منتفح السحر
* * *
وله أيضا :
باتوا وبات على الفراش ملفّفا
فيرون أنّ محمدا لم يذهب
حتى إذا طلع الشميط كأنّه
في الليل صفحة خدّ أدهم معرب
ص: 179
ثاروا لأحداج الفراش فصادفت
غير الذي طلبت أكفّ الخيّب
فوقاه بادرة الحتوف بنفسه
حذرا عليه من العدو المجلب
حتى تغيب عنهم في مدخل
صلّى الإله عليه من متغيّب
* * *
وله أيضا :
وسرى النبي وخاف أن يسطى به
عند انقطاع مواثق ومعاهد
وأتى النبي فبات فوق فراشه
متدثّرا بدثاره كالراقد
وذكت عيون المشركين ونطقوا
أبيات آل محمد بمراصد
حتى إذا ما الصبح لاح كأنّه
سيف تخرّق عنه غمد الغامد
ثاروا وظنوا أنّهم ظفروا به
فتعاوروه وخاب كيد الكائد
فوقاه بادرة الحتوف بنفسه
ولقد تنوول رأسه بجلامد
* * *
وله أيضا :
وبات على فراش أخيه فردا
يقيه من العتاة الظالمينا
وقد كمنت رجال من قريش
بأسياف يلحن إذا انتضينا
فلمّا أن أضاء الصبح جاءت
عداتهم جميعا مخلفينا
فلمّا أبصروه تجنّبوه
وما زالوا له متجنّبينا
* * *
وقال ابن علوية :
أمن شرى للّه مهجة نفسه
دون النبي عليه ذا تكلان
هل جاد غير أخيه ثم بنفسه
فوق الفراش يغطّ كالنعسان
ص: 180
وقال الصاحب :
هل مثل فعلك في ليل الفراش وقد
فديت بالروح ختّام النبيّبنا
* * *
وقال المرزكي :
ونام على الفراش له فداء
وأنتم في مضاجعكم رقود
* * *
وقال ابن طوطي :
ولمّا سرى الهادي النبي مهاجرا
وقد مكر الأعداء واللّه أمكر
ونام علي في الفراش بنفسه
وبات ربيط الجأش ما كان يذعر
فوافوا بياتا والدجى متقوّض
وقد لاح معروف من الصبح أشقر
فألفوا أبا شبلين شاكي سلاحه
له ظفر من صائك الدم أحمر(1)
فصال علي بالحسام عليهمكما صال في العريس ليث غضنفر(2)
ص: 181
فولّوا سراعا نافرين كأنّماهم حمر من قسور الغاب تنفر
فكان مكان المكر حيدرة الرضامن اللّه لمّا كان بالقوم يمكر
* * *
وقال الزاهي :
بات على فرش النبي آمنا
والليل قد طافت به أحراسه
حتى إذا ما هجم القوم على
مستيقظ ينصله أشماسه
ثار إليهم فتولّوا مزقا
يمنعهم عن قربه حماسه
* * *
وقال الناشي :
وقى النبي بنفس كان يبذلها
دون النبي قرير العين محتسبا
حتى إذا ما أتاه القوم عاجلهم
بقلب ليث يعاف الرشد ما وجبا
فسائلوه عن الهادي فشاجرهم
فخوّفوه فلمّا خافهم وثبا
* * *
وقال ابن دريد الأسدي :
أولم يبت عنه أبو حسن
والمشركون هناك ترصده
متلفّفا ليردّ كيدهم
ومهاد خير الناس ممهده
فوقى النبي ببذل مهجته
وبأعين الكفار منجده
* * *
ص: 182
وقال دعبل :
وهو المقيم على فراش محمد
حتى وقاه كائدا ومكيدا
وهو المقدّم عند حومات الندى
ما ليس ينكر طارفا وتليدا
* * *
وقال مهيار :
وأحقّ بالتمييز عند محمد
من كان منهم منكبيه راقيا
من بات عنه موقيا حوباؤه
حذر العدا فوق الفراش وفاديا
* * *
وقال العبدي :
ما لعلي سوى أخيه
محمد في الورى نظير
فداه إذ أقبلت قريش
عليه في فرشه الأمير
وافاه في خمّ وارتضاه
خليفة بعده وزير
* * *
وقال الأجل المرتضى :
وهو الذي ما كان دين ظاهر
في الناس لولا رمحه وحسامه
وهو الذي لا يقتضى في موقف
أقدامه نكص به إقدامه
ثانيه في كلّ الأمور وحصنه
في الباينات وركنه ودعامه
للّه در بلائه ودفاعه
فاليوم يغشى الدارعين قتامه
وكأنّما أجم العوالي غيله
وكأنّما هو بينه ضرغامه
طلبوا مداه ففاتهم سبقا إلى
أمد يشقّ على الرجال مرامه
ص: 183
وقال العوني :
أبن لي من كان المقدّم في الوغى
بمهجته عن وجه أحمد دافعا
أبن لي من في القوم جدّل مرحبا
وكان لباب الحصن بالكفّ قالعا
ومن باع منهم نفسه واقيا بها
نبي الهدى في الفرش أفديه يافعا
وقد وقفوا طرّا بجنب مبيته
قريش تهزّ المرهفات القواطعا
ومولاي يقظان يرى كلّ فعلهم
فما كان مجزاعا من القوم فازعا
* * *
وقال شاعر آخر :
وليلته في الفرش إذ صمدت له
عصائب لا نالوا عليه انهجامها
فلمّا تراءا ذو الفقار بكفّه
أطار بها خوف الردى وأهامها
وكم كربة عن وجه أحمد لم يزل
يفرّجها قدما وينفي اهتمامها
* * *
كلّما كانت المحنة أغلظ كان الأجر أعظم ، وأدلّ على شدّه الإخلاص ، وقوّة البصيرة ، والفارس يمكنه الكرّ والفرّ ، والروغان والجولان ، والراجل قد ارتبط روحه ، وأوثق نفسه ، وألجج بدنه محتسبا صابرا على مكروه الجراح ، وفراق المحبوب ، فكيف النائم على الفراش بين الثياب والرياش .
ص: 184
نزل قوله « وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ » في علي عليه السلامحين بات على فراش رسول اللّه
صلى الله عليه و آله .
رواه إبراهيم الثقفي ، والفلكي الطوسي بالإسناد عن الحكم عن السدي ، وعن أبي مالك عن ابن عباس ، ورواه أبو المفضل الشيباني بإسناده عن زين العابدين عليه السلام ، وعن الحسن البصري عن أنس ، وعن أبي زيد الأنصاري عن أبي عمرو بن العلاء ، ورواه الثعلبي عن ابن عباس والسدي ومعبد :
أنّها نزلت في علي عليه السلام بين مكة والمدينة لمّا بات علي عليه السلام على فراش رسول اللّه (1) صلى الله عليه و آله .
فضائل الصحابة عن عبد الملك العكبري ، وعن أبي المظفر السمعاني بإسنادهما عن علي بن الحسين عليهماالسلام قال :
أول من شرى نفسه للّه علي بن أبي طالب عليهماالسلام(2) ، كان المشركون
يطلبون رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقام من فراشه ، وانطلق هو وأبو بكر ، واضطجع علي عليه السلام على فراش رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فجاء المشركون فوجدوا عليا عليه السلام ،
ص: 185
ولم يجدوا رسول اللّه (1) صلى الله عليه و آله .
الثعلبي في تفسيره ، وابن عقب في ملحمته ، وأبو السعادات في فضائل العشرة ، والغزالي في الإحياء وفي كيمياء السعادة أيضا برواياتهم عن أبي اليقظان .
وجماعة من أصحابنا ، ومن ينتمي إلينا ، نحو : ابن بابويه ، وابن شاذان ، والكليني ، والطوسي ، وابن عقدة ، والبرقي ، وابن فياض ، والعبدلي ، والصفواني ، والثقفي ، بأسانيدهم عن ابن عباس ، وأبي رافع ، وهند بن أبي هالة أنّه :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أوحى اللّه إلى جبرئيل وميكائيل عليهماالسلام إنّي آخيت بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه ، فأيّكما يؤثر أخاه ؟ فكلاهما كرها الموت .
فأوحى اللّه إليهما : ألا كنتما مثل وليّي علي بن أبي طالب عليهماالسلامآخيت بينه وبين محمد صلى الله عليه و آله نبيّي ، فآثره بالحياة على نفسه ، ثم ظلّ اؤرقه على فراشه يقيه بمهجته ، اهبطا إلى الأرض جميعا فاحفظاه من عدوّه .
فهبط جبرئيل عليه السلام فجلس عند رأسه، وميكائيل عليه السلام عند رجليه، وجعل جبرئيل عليه السلام يقول : بخ بخ ، من مثلك يا بن أبي طالب ! واللّه يباهي به الملائكة ، فأنزل اللّه « وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ »(2) .
ص: 186
قال الشاعر :
يجود بالنفس إذ ضنّ الجواد بها
والجود بالنفس أقصى غاية الجود
* * *
وقال ابن حماد :
باهى به الرحمن أملاك العلى
لمّا انثنى من فرش أحمد يهجع
يا جبرئيل وميكائيل فإنّني
آخيت بينكما وفضلي أوسع
أفإن بدا في واحد أمرى فمن
يفدي أخاه من المنون ويقنع
فتوثّقا كلّ يضنّ بنفسه
قال الإله أنا الأعزّ الأرفع
إنّ الوصي فدى أخاه بنفسه
ولفعله زلفى لديّ وموضع
فلتهبطا ولتمنعا من رامه
أم من له بمكيده يتسرّع
* * *
وقال خطيب خوارزم :
علي في مهاد الموت عار
وأحمد مكنس غار اغتراب
يقول الروح بخ بخ يا علي
فقد عرّضت روحك لانتهاب
* * *
ص: 187
ص: 188
ص: 189
ص: 190
اجتمعت الأمّة ووافق الكتاب والسنة :
أنّ للّه خيرة من خلقه ، وأنّ خيرته من خلقه المتّقون ، قوله « إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ »(1) .
وأنّ خيرته من المتّقين المجاهدون « فَضَّلَ اللّهُ الُْمجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً » .
وأنّ خيرته من المجاهدين السابقون إلى الجهاد ، قوله «لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ » الآية .
وأنّ خيرته من المجاهدين أكثرهم عملاً في الجهاد .
واجتمعت الأمّة على أنّ السابقين إلى الجهاد هم البدريّون ، وأنّ خيرة البدريّين علي عليه السلام .
فلم يزل القرآن يصدّق بعضه بعضا بإجماعهم حتى دلّوا بأنّ عليا عليه السلام خيرة هذه الأمّة بعد نبيها(2) .
* * *
ص: 191
قال العلوي البصري :
ولو يستوي بالنهوض الجلوس
لمّا بيّن اللّه فضل الجهاد
* * *
قوله تعالى : « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقِينَ » ، فجاهد النبي صلى الله عليه و آله الكفار في حياته ، وأمر عليا عليه السلام بجهاد المنافقين .
قوله : تقاتل الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين(1) ، وحديث خاصف
النعل(2) ، وحديث كلاب الحوأب(3) ، وحديث تقتلك الفئة الباغية(4) ،
ص: 192
وحديث ذي الثدية(1) ، وغير ذلك .
وهذا من صفات الخلفاء ، ولا يعارض ذلك بقتال أهل الردّة ، لأنّ النبي صلى الله عليه و آله كان أمر عليا عليه السلام بقتال هؤلاء بإجماع أهل الأثر ، وحكم المسمّين أهل الردّة لا يخفى على منصف .
المعروفون بالجهاد : علي عليه السلام وحمزة ، وجعفر ، وعبيدة بن الحارث ، والزبير ، وطلحة ! وأبو دجانة ، وسعد بن أبي وقاص !! والبراء بن عازب !! وسعد بن معاذ ، ومحمد بن مسلمة .
وقد اجتمعت الأمّة على أنّ هؤلاء لا يقاسون بعلي عليه السلام في شوكته ، وكثرة جهاده .
فأمّا أبو بكر وعمر ، فقد تصفّحنا كتب المغازي فما وجدنا لهما فيه أثرا البتة(2) .
ص: 193
وقد اجتمعت الأمّة على أنّ عليا عليه السلام كان المجاهد في سبيل اللّه ، والكاشف الكروب عن وجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله المقدّم في سائر الغزوات إذا لم يحضر النبي صلى الله عليه و آله ، وإذا حضر فهو تاليه ، وصاحب الراية واللواء معا ، وما كان قطّ تحت لواء جماعة أحد ، ولا فرّ من زحف ، وإنّهما فرّا في غير موضع ، وكانا تحت لواء جماعة(1) .
واستدلّ أصحابنا بقوله « لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ
بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ » أنّ المعني بها أمير المؤمنين عليه السلام ، لأنّه كان جامعا لهذه الخصال بالإتفاق ، ولا قطع على كون غيره جامعا لها ، ولهذا قال الزجاج والفراء : كأنّها مخصوصة بالأنبياء والمرسلين(2) .
ص: 194
وقال الزاهي :
أيجعل سيد الثقلين شبها
لما لا يرتضيه له غلاما
إلى من قطّ لم يهزم شجاعا
ولم يحمل بقبضته حساما
* * *
ابن عباس في قوله « وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ » قال : أسلمت الملائكة في السماوات ، والمؤمنون في الأرض ، وأوّلهم علي عليه السلام إسلاما ، ومع المشركين قتالاً ، وقاتل من بعده المقاتلين ، ومن أسلم كرها(1) .
تفسير عطاء الخراساني قال ابن عباس في قوله « وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ » أي قوّى ظهرك بعلي بن أبي طالب عليهماالسلام(2) .
أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن مجاهد في قوله « هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ » أي قومك بأمير المؤمنين عليه السلام وجعفر وحمزة وعقيل .
وقد روينا نحو ذلك عن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة(3) .
ص: 195
كتاب أبي بكر الشيرازي قال ابن عباس « وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ » يعني مكة « وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً » قال : لقد استجاب اللّه لنبيه دعاءه ، وأعطاه علي بن أبي طالب عليهماالسلام
سلطانا ينصره على أعداءه(1) .
العكبري في فضائل الصحابة عن ابن عباس قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم فتح مكة متعلّقا بأستار الكعبة ، وهو يقول : اللّهم ابعث إليّ من بني عمّي من يعضدني .
فهبط عليه جبرئيل عليه السلام كالمغضب ، فقال : يا محمد صلى الله عليه و آله ، أوليس قد أيّدك اللّه بسيف من سيوف اللّه مجرّد على أعداء اللّه - يعني بذلك علي بن أبي طالب عليهماالسلام - .
أبو المضا صبيح مولى الرضا عليه السلام عن الرضا عن آبائه عليهم السلام في قوله « لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا » قال : منهم علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
قال الناشي :
أيا ناصر المصطفى أحمد
تعلّمت نصرته من أبيكا
وناصبت نصابه عنوة
فلعنة ربّي على ناصبيكا
ولو آمنوا بنبي الهدى
وباللّه ذي الطول ما ناصبوكا
ص: 196
وقال غيره :
كان يصير له سيف الرشاد انتضى
سلّ على كلّ من عن أمره أعرضا
* * *
قوله « إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ » ، وكان عليه السلام إذا صفّ في القتال كأنّه بنيان مرصوص ، وما قتل المشركين قتله أحد(1) .
سفيان الثوري ، كان علي بن أبي طالب عليهماالسلام كالجبل بين المسلمين والمشركين ، أعزّ اللّه به المسلمين ، وأذلّ به المشركين .
قال العوني :
فلك النجاة وباب للجنان غدا
وملتجى وصراط غير ذي جنف
جنب عزيز يلوذ اللائذون به
حبل متين قويّ محكم الطرف
* * *
ويقال أنّه نزل فيه « وَجاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ »(2) .
ص: 197
أبو جعفر وأبو عبد اللّه عليهماالسلام نزل قوله « وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ »في أمير المؤمنين عليه السلام .
وفي حديث جبير : أنت أوّل من آمن بي ، وأوّل من جاهد معي ، وأوّل من ينشق عنه القبر(1) .
وكان النبي صلى الله عليه و آله إذا خرج من بيته تبعه أحداث المشركين يرمونه بالحجارة حتى أدموا كعبة وعرقوبيه ، وكان علي عليه السلام يحمل عليهم فينهزمون ، فنزل « كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ »(2) .
ولا خلاف أنّ أوّل مبارز في الإسلام علي عليه السلام ، وحمزة ، وأبو عبيدة بن الحارث في يوم بدر .
قال الشعبي : ثم حمل علي عليه السلام على الكتيبة مصمّما وحده(3) .
واجتمعت الأمّة أنّه ما رأى أحد ادّعيت له الإمامة عمل في الجهاد ما عمل علي عليه السلام .
قال اللّه - تعالى - « وَلا يَطَؤنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ » .
ص: 198
ولقد فسّر قوله « وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ » يعني عليا عليه السلام ، لأنّ الكفّار كانوا يسمّونه الموت الأحمر ، سمّوه يوم بدر لعظم بلائه ونكايته .
قال العوني :
من اسمه الموت في القرآن فهل
يسبقه في الحروب من هربا
ومن رأى وحده مبارزة إلاّ
رأى الموت منه والعطبا
* * *
قال المفسّرون : لمّا أسر العباس يوم بدر أقبل المسلمون ، فعيّروه بكفره باللّه وقطيعة الرحم ، وأغلظ علي عليه السلام له القول .
فقال العباس : ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا ؟! فقال علي عليه السلام : ألكم محاسن ؟
قال : نعم ، إنّا لنعمر المسجد الحرام ، ونحجب الكعبة ، ونستقي الحاج ، ونفكّ العاني .
فأنزل اللّه - تعالى - ردّا على العباس ، ووفاقا لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام « ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللّهِ » الآية .
ثم قال : « إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ » الآية .
ثم قال : « أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ »(1) .
ص: 199
وروى إسماعيل بن خالد عن عامر ، وابن جريح عن عطاء عن ابن عباس ، ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس ، والسدي عن أبي صالح وابن أبي خالد ، وزكريا عن الشعبي أنّه نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب(1) .
الثعلبي والقشيري والجبائي والفلكي في تفاسيرهم ، والواحدي في أسباب نزول القرآن عن الحسن البصري ، وعامر الشعبي ومحمد بن كعب القرطي ، وروينا عن عثمان بن أبي شيبة ، ووكيع بن الجراح ، وشريك القاضي ، ومحمد بن سيرين ، ومقاتل بن سليمان ، والسديري ، وأبي مالك ، ومرّة الهمداني ، وابن عباس :
أنّه افتخر العباس بن عبد المطلب ، فقال : أنا عمّ محمد صلى الله عليه و آله ، وأنا صاحب سقاية الحجيج ، فأنا أفضل من علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
وقال شيبة بن عثمان ، أو طلحة الداري ، أو عثمان : وأنا أعمر بيت اللّه الحرام ، وصاحب حجابته ، فأنا أفضل .
وسمعهما علي عليه السلام ، وهما يذكران ذلك ، فقال : أنا أفضل منكما ، لقد صلّيت قبلكما ستّ سنين .
ص: 200
وفي رواية : سبع سنين ، وأنا أجاهد في سبيل اللّه .
وفي رواية الحسكاني عن أبي بريدة : أنّ عليا عليه السلام قال : استحييت لكلّ ، فقد أوتيت على صغري ما لم تؤتيا ، فقالا : وما أوتيت يا علي عليه السلام ؟ قال : ضربت خراطيمكما بالسيف حتى آمنتما باللّه وبرسوله صلى الله عليه و آله .
فشكا العباس ذلك إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فقال : ما حملك على ما استقبلت به عمّك ؟ فقال : صدمته بالحقّ ، فمن شاء فليغضب ، ومن شاء فليرض(1) ! فنزلت هذه الآية .
قال الناشي :
إذ فاخر العباس عمّ المصطفى
لعلي المختار صهر محمد
بعمارة البيت المعظّم شأنه
وسقاية الحجّاج وسط المسجد
فأتى بها جبريل عن ربّ السما
يقري السلام على النبي المهتدي
أجعلتم سقي الحجيج وما يرى
من ظاهر الأستار فوق الجلمد
كالمؤمنين الضاربي هام العدى
وسط العجاج بساعد لم يرعد
* * *
وقال البشنوي :
يا قاري القرآن مع تأويله
مع كلّ محكمة أتت في حال
أعمارة البيت المحرّم مثله
وسقاية الحجّاج في الأمثال
أم مثلي التيمي أم عدويّهم
هل كان في حال من الأحوال
لا والذي فرض عليّ وداده
ما عندي العلماء كالجهال
ص: 201
وقال خطيب منبج :
وقال جعلتم السقيا كمن لا
يزال مجاهدا لا يستوونا
* * *
وقال القاضي بن قابوس المصري :
يا سيد العالم طرّا
بدوهم والحضر
إن عظّموا سقي الحجيج
فأنت ساقي الكوثر
أنت الإمام المرتضى
وشفيعنا في المحشر
* * *
في بعض التفاسير : أنّه نزل قوله - تعالى - « لا تَجِدُ قَوْماً يُؤمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ » الآية ، في علي عليه السلام ، لأنّه قتل عشيرته مثل عمرو بن عبد ودّ ، والوليد بن عتبة في خلق .
قال أبقراط النصراني :
أما ردّ عمرا يوم سلع بباتر
كأنّ على جنبيه لطخ العنادم
وعادى ابن معدى نحو أحمد خاضعا
كشارب أثل في خطام الغمائم
وعاديت في اللّه القبائل كلّها
ولم تخش في الرحمن لومة لائم
وكنت أحقّ الناس بعد محمد
وليس جهول القوم فضلاً كعالم
ص: 202
ص: 203
ص: 204
المشهور من الصحابة بالنفقة في سبيل اللّه : علي عليه السلام ، وأبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن وطلحة(1) !!!
ولعلي عليه السلام في ذلك فضائل ، لأنّ الجود جودان : نفسي ، ومالي ، قال : «وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ » ، وقال النبي صلى الله عليه و آله : أجود الناس من جاد بنفسه في سبيل اللّه (2) . . الخبر .
فصار قوله « لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا » أليق بعلي عليه السلام ، لأنّه جمع بينهما ولم يجمع لغيره .
وقولهم : إنّ أبا بكر أنفق على النبي صلى الله عليه و آله أربعين ألفا(3) ، فإن صحّ هذا الخبر فليس فيه أنّه كان دينارا أو درهما ، وأربعون ألف درهم هو أربعة آلاف دينار ، ومال خديجة عليهاالسلام أكثر من ماله ، ونفع ذلك للمسلمين عامّة ، وقد شرحت ذلك في كتابي المشهور .
ص: 205
فأمّا قوله « فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى » عموم ، ويعارض بقوله « وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى » بمال خديجة(1) عليهاالسلام ، وروي أنّه نزلت في علي عليه السلام .
وفيه يقول العبدي :
أبوكم هو الصديق آمن واتقى
وأعطى وما أكدى وصدّق بالحسنى
* * *
ص: 206
الضحاك عن ابن عباس نزلت في علي عليه السلام « ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً » الآية .
ابن عباس ، والسدي ، ومجاهد ، والكلبي ، وأبو صالح ، والواحدي ، والطوسي ، والثعلبي ، والطبرسي ، والماوردي ، والقشيري ، والثمالي ، والنقاش ، والفتال ، وعبيد اللّه بن الحسين ، وعلي بن حرب الطائي في تفاسيرهم :
أنّه كان عند علي بن أبي طالب عليهماالسلام أربعة دراهم من الفضّة ، فتصدّق بواحد ليلاً ، وبواحد نهارا ، وبواحد سرّا ، وبواحد علانية ، فنزل « الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ » الآية ، فسمّى كلّ درهم مالاً ، وبشّره بالقبول ، رواه النطنزي في الخصائص(1) .
ص: 207
تفسير النقاش وأسباب النزول : قال الكلبي : فقال له النبي صلى الله عليه و آله : ما حملك على هذا ؟
قال : حملني أن استوجب على اللّه الذي وعدني ، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ألا إنّ ذلك لك ، فأنزل اللّه هذه الآية(1) .
قال الحميري :
وأنفق ماله ليلاً وصبحا
وأسرارا وجهر الجاهرينا
وصدّق ماله لمّا أتاه
الفقير بخاتم المتختمينا
* * *
الضحّاك عن ابن عباس قال : لمّا أنزل اللّه « لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ » الآية ، بعث عبد الرحمن بن عوف بدنانير كثيرة إلى أصحاب الصفة حتى أغناهم ، وبعث علي بن أبي طالب عليهماالسلام في جوف الليل بوسق من تمر ، فكان أحبّ الصدقتين إلى اللّه صدقة علي عليه السلام ، وأنزلت الآية(2) .
ص: 208
وسئل النبي صلى الله عليه و آله : أيّ الصدقة أفضل في سبيل اللّه ؟ فقال : جهد من مقلّ(1) .
تاريخ البلاذري وفضائل أحمد : إنّه كانت غلّة علي عليه السلام أربعين ألف دينار، فجعلها صدقة ، وإنّه باع سيفه ، وقال : لو كان عندي عشاء ما بعته(2).
شريك والليث والكلبي وأبو صالح والضحاك والزجاج ومقاتل بن حنان ومجاهد وقتادة وابن عباس :
كانت الأغنياء يكثرون مناجاة الرسول صلى الله عليه و آله ، فلمّا نزل قوله : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً » انتهوا ، فاستقرض عليه السلام دينارا وتصدّق به ، فناجى النبي صلى الله عليه و آله عشر نجوات ، ثم نسخته الآية التي بعدها .
أمير المؤمنين عليه السلام : كان لي دينار ، فبعته بعشرة دراهم ، فكنت كلّما أردت أن أناجي رسول اللّه صلى الله عليه و آله قدّمت درهما ، فنسختها الآية الأخرى(3) .
ص: 209
الواحدي في أسباب نزول القرآن والوسيط أيضا ، والثعلبي في الكشف والبيان ما رواه علي بن علقمة ومجاهد :
إنّ عليا عليه السلام قال : إنّ في كتاب اللّه لآية ما عمل بها أحد قبلي ، ولا عمل بها أحد بعدي ، ثم تلا هذه الآية(1) .
جامع الترمذي ، وتفسير الثعلبي ، واعتقاد الأشنهي ، عن الأشجعي والثوري وسالم بن أبي حفصة وعلي بن علقمة الأنماري عن علي عليه السلامفي
هذه الآية : فبي خفّف اللّه ذلك عن هذه الأمّة(2) .
وفي مسند الموصلي : فبه خفّف اللّه عن هذه الأمّة(3) .
وزاد أبو القاسم الكوفي في الرواية : إنّ اللّه امتحن الصحابة بهذه الآية ، فتقاعسوا كلّهم عن مناجاة الرسول صلى الله عليه و آله ، فكان الرسول صلى الله عليه و آلهاحتجب في
ص: 210
منزله عن مناجاة أحد إلاّ من تصدّق بصدقة ، فكان معي دينار . . وساق عليه السلام كلامه إلى أن قال :
فكنت أنا سبب التوبة من اللّه على المسلمين حين عملت بالآية ، فنسخت ، ولو لم أعمل بها - حين كان عملي بها سببا للتوبة عليهم - لنزل العذاب عند امتناع الكلّ عن العمل بها(1) .
وقال القاضي الطرثيثي : إنّهم عصوا في ذلك إلاّ علي عليه السلام ، فنسخه عنهم ، يدلّ عليه قوله « فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللّهُ عَلَيْكُمْ » ، ولقد استحقّوا العذاب لقوله « أَأَشْفَقْتُمْ » .
وقال مجاهد : وما كان إلاّ ساعة ، وقال مقاتل بن حبان : كان ذلك عشر ليال ، وكانت الصدقة مفوّضة إليهم غير مقدّرة(2) .
سفيان بإسناده عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله : فيما استطعت تصدّقت .
وروى الثعلبي عن أبي هريرة وابن عمر : أنّه قال عمر بن الخطاب : كان لعلي عليه السلام ثلاث ، لو كان لي واحدة منهن كانت أحبّ إليّ من حمر النعم : تزويجه فاطمة عليهاالسلام ، واعطاؤه الراية يوم خيبر ، وآية النجوى(3) .
* * *
ص: 211
قال الوراق القمّي :
علي الذي ناجاه بالوحي أحمد
فعلّمه أبواب سلم مسلم
* * *
وقال الأصفهاني :
وبألف حرف أيّكم ناجي أخي
فيهن دونكم أخي ناجاني
ولكلّ حرف ألف باب شرحه
عندي بفضل حكومة وبيان
* * *
ص: 212
وأنفق على ثلاث ضيفان(1) من الطعام قوت ثلاث ليال ، فنزلت فيه ثلاثون آية(2) ، ونصّت على عصمته ، وستره ومراده ، وقبول صدقته .
وكفاك من جوده قوله « عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ » الآية ، وإطعام الأسير خاصّة ، وهو عدوّ في الدين .
قال العوني :
من أطعم المسكين واليتيم
والأسير للّه ثلاثا وطوى
* * *
وحدّث أبو هريرة : أنّه كان في المدينة مجاعة ، ومرّ بي يوم وليلة لم أذق شيئا ، وسألت أبا بكر آية كنت أعرف بتأويلها منه ، ومضيت معه إلى بابه ، وودعني وانصرفت جائعا يومي .
ص: 213
وأصبحت ، وسألت عمر آية كنت أعرف منه بها ، فصنع كما صنع أبو بكر .
جئت في اليوم الثالث إلى علي عليه السلام ، وسألته ما يعلمه فقط ، فلمّا أردت أن أنصرف دعاني إلى بيته ، فأطعمني رغيفين وسمنا .
فلمّا شبعت انصرفت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا بصر بي ضحك في وجهي ، وقال : أنت تحدّثني أم أحدّثك ؟! ثم قصّ عليّ ما جرى ، وقال لي : جبرئيل عليه السلام عرّفني .
ورؤي أمير المؤمنين عليه السلام حزينا ، فقيل له : ممّ حزنك ؟ قال : لسبع أتت لم يضف الينا ضيف .
تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان ، وعلي بن حرب الطائي ، ومجاهد بأسانيدهم عن ابن عباس وأبي هريرة ، وروى جماعة عن عاصم بن كليب عن أبيه ، واللّفظ له عن أبي هريرة :
إنّه جاء رجل إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فشكا إليه الجوع ، فبعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أزواجه ، فقلن : ما عندنا إلاّ الماء .
فقال صلى الله عليه و آله : من لهذا الرجل الليلة ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أنا يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ص: 214
وأتى فاطمة عليهاالسلام وسألها : ما عندك يا بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقالت : ما عندنا إلاّ قوت الصبية ، لكنّا نؤثر به ضيفنا ، فقال علي عليه السلام : يا بنت محمد صلى الله عليه و آله ، نوّمي الصبية ، واطفي المصباح ، وجعلا يمضغان بألسنتهما ، فلمّا فرغ من الأكل أتت فاطمة عليهاالسلام بسراج ، فوجدت الجفنة مملؤة من فضل اللّه .
فلمّا أصبح صلّى مع النبي صلى الله عليه و آله ، فلمّا سلّم النبي صلى الله عليه و آله من صلاته نظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وبكى بكاء شديدا ، وقال : يا أمير المؤمنين عليه السلام ، لقد عجب الربّ من فعلكم البارحة ، إقرأ « وَيُؤثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ » أي مجاعة « وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ »يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام « فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ »(1) .
* * *
وقال الحميري :
قائل للنبي إنّي غريب
جائع قد أتيتكم مستجيرا
فبكى المصطفى وقال غريب
لا يكن للغريب عندي ذكورا
من يضيف الغريب قال علي
أنا للضيف فانطلق مأجورا
ابنة العمّ هل من الزاد شيء
فأجابت أراه شيئا يسيرا
كفّ برّ قال اصنعيه فإنّ اللّه
قد يجعل القليل كثيرا
سوف أطفي المصباح كي لا يراني
فاخلّي طعامه موفورا
ص: 215
جاهد يلمظ الأصابع والضيف
يراه إلى الطعام مشيرا
عجبت منكم ملائكة اللّه
وارضيتم اللطيف الخبيرا
ولهم قال يؤثرون على
أنفسهم نال(1) ذاك فضلاً كبيرا
* * *
وله أيضا :
وآثر ضيفه لمّا أتاه
وأهله يتلمّظونا
فسمّاه الإله بما أتاه
من الآثار باسم المفلحينا
* * *
ص: 216
كتاب أبي بكر الشيرازي بإسناده عن مقاتل عن مجاهد عن ابن عباس في قوله « رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ » إلى قوله « بِغَيْرِ حِسابٍ » قال : هو - واللّه - أمير المؤمنين
عليه السلام .
ثم قال بعد كلام : وذلك أنّ النبي صلى الله عليه و آله أعطى عليا عليه السلام يوما ثلاثمائة دينار أهديت إليه .
قال علي عليه السلام : فأخذتها وقلت : واللّه ، لأتصدقنّ الليلة من هذه الدنانير صدقة يقبلها اللّه منّي .
فلمّا صلّيت العشاء الآخرة مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخذت مائة دينار وخرجت من المسجد ، فاستقبلتني إمرأة ، فأعطيتها الدنانير ، فأصبح الناس بالغد يقولون : تصدّق علي عليه السلام الليلة بمائة دينار على إمرأة فاجرة ، فاغتممت غمّا شديدا !!
فلمّا صلّيت القابلة صلاة العتمة أخذت مائة دينار ، وخرجت من المسجد ، وقلت : واللّه ، لأتصدّقن الليلة بصدقة يتقبّلها ربّي منّي ، فلقيت رجلاً ، فتصدّقت عليه بدنانير ، فأصبح أهل المدينة يقولون : تصدّق علي عليه السلام البارحة بمائة دينار على رجل سارق ، فاغتممت غمّا شديدا !! وقلت : واللّه ، لأتصدّقن الليلة صدقة يتقبّلها ربّي منّي .
ص: 217
فصلّيت العشاء الآخرة مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثم خرجت من المسجد ، ومعي مائة دينار ، فلقيت رجلاً فأعطيته إياها ، فلمّا أصبحت قال أهل المدينة : تصدّق علي عليه السلام البارحة بمائة دينار على رجل غني ، فاغتممت غمّا شديدا !!
فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فخبّرته ، فقال لي : يا علي ، هذا جبرئيل عليه السلام يقول لك : إنّ اللّه - عزّ وجلّ - قد قبل صدقاتك ، وزكّى عملك ، إنّ المائة دينار التي تصدّقت بها أوّل ليلة وقعت في يدي إمرأة فاسدة ، فرجعت إلى منزلها ، وتابت إلى اللّه - عزّ وجلّ - من الفساد ، وجعلت تلك الدنانير رأس مالها ، وهي في طلب بعل تتزوّج به .
وإنّ الصدقة الثانية وقعت في يدي سارق ، فرجع إلى منزله ، وتاب إلى اللّه من سرقته ، وجعل الدنانير رأس ماله يتّجر بها .
وإنّ الصدقة الثالثة وقعت في يدي رجل غني لم يزكّ ماله منذ سنين ، فرجع إلى منزله ، ووبّخ نفسه ، وقال : شحّا عليك يا نفس ، هذا علي بن أبي طالب عليهماالسلام تصدّق عليّ بمائة دينار ولا مال له ، وأنا قد أوجب اللّه على مالي الزكاة لأعوام كثيرة لم أزكه ، فحسب ماله وزكّاه ، وأخرج زكاة ماله كذا وكذا دينارا .
وأنزل اللّه فيك«رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ »(1) الآية .
ص: 218
أبو الطفيل : رأيت عليا عليه السلام يدعو اليتامى فيطعمهم العسل ، حتى قال بعض أصحابه : لوددت أنّي كنت يتيما(1) .
المعلّى بن خنيس عن الصادق عليه السلام : أنّه عليه السلام أتى ظلّة بني ساعدة في ليلة قد رشت السماء ، ومعه جراب ، فإذا نحن بقوم نيام ، فجعل يدسّ الرغيف والرغيفين حتى أتى على آخره(2) .
قال الحميري :
ومن ذا كان للفقراء كنزا
إذا نزل الشتاء بهم كنينا
* * *
محمد بن الصمّة عن أبيه عن عمّه قال : رأيت في المدينة رجلاً على ظهره قربة ، وفي يده صحفة يقول : اللّهم ولي المؤمنين ، وإله المؤمنين ،
ص: 219
وجار المؤمنين ، اقبل قرباني الليلة ، فما أمسيت أملك سوى ما في صحفتي ، وغير ما يواريني ، فإنّك تعلم أنّي منعته نفسي مع شدّة سغبي في طلب القربة إليك غنما ، اللّهم فلا تخلق وجهي ، ولا تردّ دعوتي ، فأتيته حتى عرفته ، فإذا هو علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فأتى رجلاً فأطعمه .
عبد اللّه بن علي بن الحسين يرفعه : إنّ النبي صلى الله عليه و آله أتى مع جماعة من أصحابه إلى علي عليه السلام ، فلم يجد علي عليه السلام شيئا يقرّبه إليهم ، فخرج ليحصل
لهم شيئا ، فإذا هو بدينار على الأرض ، فتناوله ، وعرّف به فلم يجد له طالبا ، فقوّمه على نفسه ، واشترى به طعاما ، وأتى به إليهم .
وأصاب عوضه ، وجعل ينشد صاحبه فلم يجده ، فأتى به النبي صلى الله عليه و آله ، وأخبره بالخبر ، فقال : يا علي عليه السلام ، إنّه شيء أعطاكه اللّه لمّا اطلع على نيّتك وما أردته ، وليس هو شيء للناس ، ودعا له بخير .
قال الحميري :
فمال إلى أدناهم منه بيّعا
توسّم فيه خير ما يتوسّم
فقال له بعني طعاما فباعه
جميل المحيّا ليس منه التجهّم
فكال له حبّا به ثمّ ردّه
إليه وارزاق العباد تقسّم
فآب برزق ساقه اللّه نحوه
إلى أهله والقوم للجوع رزّم
فلا ذلك الدينار أحمى تبره
يقينا وأمّا الحبّ فاللّه أعلم
ص: 220
أمن زرع أرض كان أم حبّ جنة
حباه به من ناله منه أنعم
وبيّعه جبريل أطهر بيّع
فأيّ أيادي الخير من تلك أعظم
يكلّم جبريل الأمين فإنّه
لأفضل من يمشي ومن يتكلّم
* * *
روت الخاصّة والعامّة ، منهم : ابن شاهين المروي ، وابن شيرويه الديلمي عن الخدري وأبي هريرة :
إنّ عليا عليه السلام أصبح ساغبا ، فسأل فاطمة عليهاالسلام طعاما ، فقالت : ما كانت إلاّ ما أطعمتك ، منذ يومين آثرت به على نفسي وعلى الحسن والحسين عليهماالسلام ، فقال : ألا أعلمتني فأتيتكم بشيء ، فقالت : يا أبا الحسين ، إنّي لأستحي من إلهي أن أكلفك ما لا تقدر عليه .
فخرج واستقرض من النبي صلى الله عليه و آله دينارا ، فخرج يشتري به شيئا ، فاستقبله المقداد قائلاً : ما شاء اللّه ، فناوله علي عليه السلام الدينار ، ثم دخل المسجد ، فوضع رأسه فنام .
فخرج النبي صلى الله عليه و آله فإذا هو به ، فحرّكه وقال : ما صنعت ؟ فأخبره ، فقام وصلّى معه ، فلمّا قضى النبي صلى الله عليه و آله صلاته قال : يا أبا الحسن ، هل عندك شيء نفطر عليه ، فنميل معك ؟ فأطرق لا يجيب جوابا حياء منه ، وكان اللّه أوحى إليه : أن يتعشّى تلك الليلة عند علي عليه السلام .
ص: 221
فانطلقا حتى دخلا على فاطمة عليهاالسلام ، وهي في مصلاها ، وخلفها جفنة تفور دخانا ، فأخرجت فاطمة عليهاالسلام الجفنة ، فوضعتها بين أيديهما ، فسأل علي عليه السلام « أَنّى لَكِ هذا » ؟ قالت : هو من فضل اللّه ورزقه « إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ » .
قال : فوضع النبي صلى الله عليه و آله كفّه المبارك بين كتفي علي عليه السلام ، ثم قال : يا علي ، هذا بدل دينارك ، ثم استعبر النبي صلى الله عليه و آله باكى : وقال : الحمد للّه الذي لم يمتني حتى رأيت في ابنتي ما رأى زكريا لمريم عليهماالسلام .
وفي رواية الصادق عليه السلام : أنّه أنزل اللّه فيهم « وَيُؤثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ »(1) .
* * *
قال الحميري :
وحدّثنا عن حارث الأعور الذي
نصدّقه في القول منه وما يروي
بأنّ رسول اللّه نفسي فداؤه
وأهلي ومالي طاوي الحشي يطوي
لجوع أصاب المصطفى فاغتدى إلى
كريمته والناس لاهون في سهو
ص: 222
فصادفها وابني علي وبعلها
وقد أطرقوا من شدّة الجوع كالنضو(1)
فقال لها يا فطم قومي تناوليولم يك فيما قال ينطق بالهزو
هدية ربّي أنّه مترحّمفقامت إلى ما قال تسرع بالخطو
فجاءت عليها اللّه صلّى بجفنةمكومة باللحم جزوا على جزو
فسمّوا وظلّوا يطعمون جميعهمفبخ بخ لهم نفسي الفداء وما أحوي
فقال لها ذاك الطعام هديةمن اللّه جبريل أتاني به يهوي
ولم يك منه طاعما غير مرسلوغير وصي خصّه اللّه بالصفو
* * *
وفي رواية حذيفة : إنّ جعفرا أعطى النبي صلى الله عليه و آله الفرع من العالية والقطيفة ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : لأدفعن هذه القطيفة إلى رجل يحبّ اللّه ورسوله ، ويحبّه اللّه ورسوله ، وأعطاها عليا عليه السلام .
ص: 223
ففصل علي عليه السلام القطيفة سلكا ، فباع بالذهب ، فكان ألف مثقال ، ففرّقه في فقراء المهاجرين كلّها .
فلقيه النبي صلى الله عليه و آله ، ومعه حذيفة وعمار وسلمان وأبو ذر والمقداد ، فسأله النبي صلى الله عليه و آله الغداء ، فقال حياء منه : نعم ، فدخلوا عليه ، فوجدوا الجفنة(1) .
وفي حديث ابن عباس : إنّ المقداد قال له : أنا منذ ثلاثة أيام ما طعمت شيئا ، فخرج أمير المؤمنين عليه السلام وباع درعه بخمسمائة ، ودفع إليه بعضها ، وانصرف متحيّرا .
فناداه أعرابي : اشتر منّي هذه الناقة مؤجلاً ، فاشتراها بمائة درهم ، ومضى الأعرابي ، فاستقبله آخر ، وقال : بعني هذه الناقة بمائة وخمسين درهما ، فباع وصاح : يا حسن ، ويا حسين ، امضيا في طلب الأعرابي ، وهو على الباب .
فرآه النبي صلى الله عليه و آله فقال وهو متبسم : يا علي ، الأعرابي صاحب الناقة جبرئيل ، والمشتري ميكائيل ، يا علي المائة عن الناقة ، والخمسين بالخمس التي دفعتها إلى المقداد ، ثم تلا « وَمَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً »
الآية .
* * *
ص: 224
قال السيد الحميري :
أليس المؤثر المقداد لمّا
أتاه مقويا في المقويينا(1)
بدينار وما يحوي سواهوما كلّ الأفاضل مؤثرينا
* * *
وقال الوراق :
علي غدا يبتاع قوتا لأهله
فبايعه جبريل بيع المحكم
* * *
وسمع أمير المؤمنين عليه السلام أعرابيا يقول وهو آخذ بحلقه الباب : البيت بيتك ، والضيف ضيفك ، ولكلّ ضيف قرى ، فاجعل قراي منك في هذه الليلة المغفرة .
فقال : يا أعرابي ، هو - واللّه - أكرم من أن يردّ ضيفه بلا قرى .
وسمعه الليلة الثانية قائلاً : يا عزيزا في عزّك يعزّ من عزّ عزّك ، أنت أنت ، لا يعلم أحد كيف أنت إلاّ أنت ، أتوجه إليك بك ، وأتوسل بك إليك ، وأسألك بحقّك عليك ، وبحقّك على آل محمد صلى الله عليه و آله أعطني ما لا يملكه غيرك ، واصرف عنّي ما لا يصرفه سواك ، يا أرحم الراحمين .
فقال عليه السلام : هذا اسم اللّه الأعظم بالسريانية .
ص: 225
وسمعه الليلة الثالثة يقول : يا زين السماوات والأرض ، ارزقني أربعة آلاف درهم .
فضرب يده على كتف الأعرابي ، ثم قال : قد سمعت ما طلبت وما سألت ربّك ، فما الذي تصنع بأربعة آلاف درهم ؟ قال : ألف صداق إمرأتي ، وألف أبني به دارا ، وألف أقضي به ديني ، وألف ألتمس به المعاش .
قال : أنصفت يا أعرابي إذا قدمت المدينة ، فسل عن علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
قال : فلمّا أتى الأعرابي المدينة قال للحسين عليه السلام : قل لأبيك : صاحب الضمان بمكة ، فدخل فأخبره ، قال : إي - واللّه - يا حسين ، ايتيني بسلمان .
فلمّا أتاه قال : يا سلمان ، اجمع لي التجار ، فلمّا اجتمعوا قال لهم : اشتروا منّي الحائط الذي غرسه لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيده ، فباعه منهم بإثني عشر ألف درهم ، فدفع إلى الأعرابي أربعة آلاف ، فقال : يا أعرابي ، كم أنفقت في طريقك ؟ قال : ثلاثة عشر درهما ، قال : ادفعوا له ستا وعشرين درهما حتى يصرف الأربعة آلاف حيث سأل ، وصيّر بين يديه الباقي ، فلم يزل يعطي قبضة قبضة حتى لم يبق منها درهم .
فلمّا أتى فاطمة عليهاالسلام ذكر بيع الحائط ، قالت : فأين الثمن ؟
قال : دفعته - واللّه - إلى عيون استحييت منها أن أحوجها إلى ذلّ المسألة ، فأعطيتهم قبل أن يسألوني .
فقالت : لا أفارقك أو يحكم بيني وبينك أبي ، إذ أنا جائعة وابناي جائعان لم يكن لنا في إثني عشر ألف درهم درهم نأكل به الخبز .
ص: 226
فقال : يا فاطمة ، لا تلاحيني وخلّي سبيلي(1) !!!
فهبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه و آله فقال : السلام يقرأ عليك السلام
ويقول : بكت ملائكة السماوات للزوم فاطمة عليهاالسلام عليا عليه السلام ، فاذهب إليهما .
فجاء إليهما ، فقال : يا بنتي مالك تلزمين عليا ؟ فقصّت عليه القصّة ، فقال : خلّ سبيله ، فليس على مثل علي عليه السلام تضرب يد .
ثم خرجا من الدار ، فما لبث أن رجع النبي صلى الله عليه و آله فقال : يا فاطمة ، رجع أخي ؟ فقالت : لا ، فأعطاها سبعه دراهم سودا هجرية ، وقال : قولي له يبتاع لكم بها طعاما .
فلمّا أتاها أعطته الدراهم ، فأخذها وقال : بسم اللّه والحمد للّه كثيرا طيّبا من فضل اللّه .
فذهب إلى السوق ، فإذا سائل يقول : من يقرض اللّه الملي الوفي ، فقال : يا أبا الحسن ، أتسمع ما يقول ؟ أقرض اللّه .
ثم مضى ليستقرض من أحد ، فإذا بشيخ معه ناقة ، فقال : يا علي ، ابتع منّي هذه الناقة ، فقال : ليس معي ثمنها ، قال : إنّي أنظرك بثمنها ، فابتاعها بمائة درهم ، ثم اشترى . . . إلى آخر القصّة . .
ص: 227
المخبرة :
أمن طوى يومين لم يطعم ولم
تطعم حليلته ولا الحسنان
فمضى لزوجته ببعض ثيابها
ليبيعه في السوق كالعجلان
يهوى ابتياع جرادق لعياله
من بين ساغبة ومن سغبان(1)
إذ جاءه مقداد يخبر أنّهمذ لم يذق أكلاً له يومان
فهوى إلى ثمن المثال فصبّهمن كفّ أبيض في يدي غرثان(2)
فطرا من الأعراب سابق ناقةحسناء تأجره له معسان
نادى ألا اشترها فقال وكيف ليبشرا البعير وما معي فلسان
قال الفتى ابتعها فإنّك منظرفيما به الكفّان تصطفقان
فبدا له رجل فقال أبائعمنّي بعيرك أنت يا ربّاني
أخبر شراك أهنّ ربحك قال هامائة فقال فهاكها مائتان
وأتى النبي معجبا فأهابهواليه قبل قد انتهى الخبران
نادى أبا حسن أبدء بالذيأقبلت تبيّنيه(3) أم تبدأني
قال الوصي له فانبئني بهإنّي اتجرت فتاح لي ربحان(4)
ربح لآخرتي وربح عاجلوكلاهما لي يا أخي فخران
فأبثّه ما في الضمير وقال هلتدري فداك أحبّتي من ذان
ص: 228
جبريل صاحب بيعها والمشتريميكال طبت وانجح السعيان
والناقة الكوماء كانت ناقةترعى بدار الخلد في بطنان
* * *
وإنّه عليه السلام طلب السائل منه صدقة ، فأعطى خاتما ، فنزلت « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ » .
وفيه يضرب المثل في الصدقات ، يقال في الدعاء : يقبل اللّه منه كما يقبل توبة آدم عليه السلام ، وقربان إبراهيم عليه السلام ، وحجّ المصطفى صلى الله عليه و آله ، وصدقة أمير المؤمنين عليه السلام .
وكان عليه السلام يأخذ من الغنائم لنفسه وفرسه ، ومن سهم ذي القربى ، وينفق جميع ذلك في سبيل اللّه ، وتوفي ولم يترك إلاّ ثمانمائة درهم(1) .
* * *
ص: 229
ص: 230
ص: 231
ص: 232
وصف اللّه - تعالى - أصحاب محمد صلى الله عليه و آله فقال : « وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ » ثبتت هذه الصفة لعلي عليه السلام دون من يدعون له الشدّة على الكفار(1) .
وقال - تعالى - في قصّة طالوت « إِنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ » .
واجتمعت الأمّة على أنّ عليا عليه السلام أشدّ من أبي بكر ، واجتمعت أيضا على علمه ، واختلفوا في علم أبي بكر ، وليس المجتمع عليه كالمختلف فيه(2) .
الباقر والرضا عليهماالسلام في قوله « لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ » البأس الشديد علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وهو لدن رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقاتل معه عدوه(3) .
ص: 233
ويروى أنّه نزل فيه « وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ »(1) .
قال الحيص بيص :
وأنزع من شرك الرجال مبرّأ
بطين من الأحكام جمّ النوافل
سديد مضاء البأس يغني بلاؤه
إذا زحموه بالقنا والقنابل
* * *
علي بن جعد عن شعبة عن قتادة عن الحسين عن ابن عباس : إنّ عبد اللّه بن أبي سلول كان يتنحّى عن النبي صلى الله عليه و آله مع جماعة من المنافقين في ناحية من العسكر ، ليخوضوا في أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله في غزوة حنين .
فلمّا أقبل راجعا إلى المدينة رأى حفالاً ، وهو مسلم ، لطم للحمقاء ، وهو منافق ، فغضب ابن أبي سلول وقال : لو كففتم عن إطعام هؤلاء لتفرّقوا عنه - يعني عن النبي صلى الله عليه و آله - ، واللّه « لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَْعَزُّ مِنْهَا الأَْذَلَّ » يعني نفسه والنبي صلى الله عليه و آله .
فأخبر زيد بن أرقم للنبي صلى الله عليه و آله بمقاله ، فأتى ابن أبي سلول في أشراف الأنصار إلى النبي صلى الله عليه و آله يعذّرونه ، ويكذّبون زيدا ، فاستحيى زيد ، فكفّ
ص: 234
عن إتيان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فنزل : « هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا وَلِلّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَْعَزُّ مِنْهَا الأَْذَلَّ وَلِلّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤمِنِينَ » يعني القوّة والقدرة لأمير المؤنين عليه السلاموأصحابه على المنافقين .
فأخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيد زيد وعركها ، وقال : أبشر يا صادق ، فقد صدّق اللّه حديثك ، وأكذب صاحبك المنافق(1) ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليه السلام .
عجب لمن يقاس بمن لم يصب محجمة من دم في جاهلية أو إسلام ، مع من علم أنّه قتل في يوم بدر خمسا وثلاثين مبارزا دون الجرحى ، على قول العامّة ، وهم :
[ 1 ] الوليد بن عتبة
[ 2 ] والعاص بن سعيد بن العاص .
ص: 235
[ 3 ] وطعيمة(1) بن عدي بن نوفل .
[ 4 ] وحنظلة بن أبي سفيان .
[ 5 ] ونوفل بن خويلد .
[ 6 ] وزمعة بن الأسود .
[ 7 ] والحارث بن زمعة .
[ 8 ] والنضر بن الحارث بن عبد الدار .
[ 9 ] وعمير بن عثمان بن كعب ، عمّ طلحة .
[ 10 ] [ 11 ] وعثمان ومالك أخوا طلحة .
[ 12 ] ومسعود بن أبي أميّة بن المغيرة .
[ 13 ] وقيس بن الفاكهة بن المغيرة(2) .
[ 14 ] وأبو القيس بن الوليد بن المغيرة .
[ 15 ] وعمرو بن مخزوم .
[ 16 ] والمنذر بن أبي رفاعة .
[ 17 ] ومنبه بن الحجاج السهمي .
[ 18 ] والعاص بن منبه .
[ 19 ] وعلقمة بن كلدة .
[ 20 ] وأبو العاص بن قيس بن عدي .
[ 21 ] ومعاوية بن المغيرة بن أبي العاص .
ص: 236
[ 22 ] ولوذان بن ربيعة .
[ 23 ] وعبد اللّه بن المنذر بن أبي رفاعة .
[ 24 ] ومسعود بن أمية بن المغيرة .
[ 25 ] والحاجب بن السائب بن عويمر .
[ 26 ] وأوس بن المغيرة بن لوذان .
[ 27 ] وزيد بن مليص .
[ 28 ] وعاصم بن أبي عوف .
[ 29 ] وسعيد بن وهب .
[ 30 ] ومعاوية بن عامر بن عبد القيس .
[ 31 ] وعبد اللّه بن جميل بن زهير .
[ 32 ] والسائب بن سعيد بن مالك .
[ 33 ] وأبو الحكم بن الأخنس .
[ 34 ] وهاشم بن أبي أمية(1)(2) .
ويقال : قتل بضعة وأربعين رجلاً(3) .
وقتل عليه السلام في يوم أحد كبش الكتيبة طلحة بن أبي طلحة ، وابنه أبا
ص: 237
سعيد ، واخوته : خالدا ومخلدا وكلدة والمحالس ، وعبد الرحمن بن حميد بن زهرة ، والحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي ، والوليد بن أرطأة ، وأميّة بن أبي حذيفة ، وأرطاة بن شرحبيل ، وهشام بن أمية ، ومسافع ، وعمرو بن عبد اللّه الجمحي ، وبشر بن مالك المغافري ، وصواب مولى عبد الدار ، وأبا حذيفة بن المغيرة ، وقاسط بن شريح العبدي ، والمغيرة بن المغيرة ، سوى من قتلهم بعد ما هزمهم(1) .
ولا إشكال في هزيمة عمر وعثمان ، وإنّما الإشكال في أبي بكر ، هل ثبت إلى وقت الفرج أو انهزم(2)(3) .
ص: 238
وقتل عليه السلام في يوم الأحزاب : عمرو بن عبد ودّ وولده ، ونوفل بن عبد اللّه بن المغيرة ، ومنبه بن عثمان العبدري ، وهبيرة بن أبي هبيرة(1) المخزومي ، وهاجت الرياح ، وانهزم الكفار(2) .
وقتل عليه السلام يوم حنين أربعين رجلاً ، وفارسهم أبو جرول ، وإنّه قدّه عظيما بنصفين بضربة في الخوذة والعمامة والجوشن والبدن إلى القربوس ، وقد اختلفوا في اسمه(3) .
ووقف عليه السلام يوم حنين في وسط أربعة وعشرين ألف ضارب سيف إلى أن ظهر المدد من السماء .
وفي غزاة السلسلة قتل السبعة الأشدّاء ، وكان أشدّهم آخرهم ، وهو سعيد بن مالك العجلي(4) .
ص: 239
في بني نضير قتل أحد عشر منهم غرورا(1) .
وفي بني قريظة ضرب أعناق رؤساء اليهود ، مثل حي بن أخطب ، وكعب بن الأشرف(2) .
وفي غزوة بني المصطلق قتل مالكا وابنه(3) .
وفي(4) يوم الفتح قتل فاتك العرب أسد بن غويلم(5) .
وفي غزوة وادي الرمل قتل مبارزيهم(6) .
وبخيبر قتل مرحبا ، وذا الخمار ، وعنكبوتا .
وبالطائف هزم خيل خثعم ، وقتل شهاب بن عيس ، ونافع بن غيلان(7) .
وقتل مهلعا وجناحا وقت الهجرة .
وقتاله لأحداث مكة عند خروج النبي صلى الله عليه و آله من داره إلى المسجد .
ص: 240
ومبيته على فراشه ليلة الهجرة ، وله المقام المشهور في الجمل حتى قطع يد الجمل ، ثم قطع رجليه حتى سقط .
وله ليلة الهرير ثلاثمائة تكبيرة ، أسقط بكلّ تكبيرة عدوا .
وفي رواية : خمسمائة وثلاثة وعشرون ، رواه الأعثم(1) .
وفي رواية : سبعمائة .
الفائق : كانت لعلي عليه السلام ضربتان : إذا تطاول قدّ ، وإذا تقاصر قطّ(2) .
وقالوا : كانت ضرباته أبكار ، إذا اعتلى قدّ ، وإذا اعترض قطّ ، وإذا أتى حصنا هدّ .
وقالوا : كانت ضرباته مبتكرات لا عونا ، يقال : ضربة بكر ، أي قاطعة لا تثنّى ، والعون التي وقعت مختلسة ، فأحوجت إلى المعاودة(3) .
ويقال : أنّه كان يوقعها على شدّة في الشدّة ، لم يسبقه إلى مثلها بطل .
زعمت الفرس أنّ أصول الضرب ستّة ، وكلّها مأخوذة عنه ، وهي : علوية ، وسفلية ، وغلبة ، وماله ، وجاله ، وجرهام .
ص: 241
ولم يكن لدرعه ظهر ، ولا لمركوبه كرّ وفرّ .
وفيما كتب أمير المؤمنين إلى عثمان بن حنيف : لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها ، ولو أمكنت الفرصة من رقابها لسارعت إليها(1) .
وفي الفائق : إنّ عليا عليه السلام حمل على المشركين ، فما زالوا يبقطون - يعني تعادوا - إلى الجبال منهزمين(2) .
وكانت قريش إذا رأوه في الحرب تواصت خوفا منه .
وقد نظر إليه رجل وقد شقّ العسكر ، فقال : علمت بأنّ ملك الموت في الجانب الذي فيه علي عليه السلام(3) .
قال الناشي :
همام ملك الموت إذا بادر في كد
لذاك الموت يقضي حاجة في صورة العبد
ولا يبرح حتى يولج المرهف في الغمد
ولا يقتل إلاّ كلّ ليث باسل نجد
ولا يتبع من ولى من الحر إلى العبد
* * *
ص: 242
وقد سمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله كرار غير فرار في حديث خيبر(1) .
* * *
قال الصاحب :
قد كان كرارا فسمّي غيره
في الوقت فرّارا فهل من معدل
* * *
وقال غيره :
نفسي فداء علي من إمام هدى
مجاهدا في سبيل اللّه كرار
* * *
وقال ابن الحجاج :
أنا مولى الكرار يوم حنين
والظبا قد تحكّمت في النحور
أنا مولى لمن به افتتح الإسلام
حصني قريضة والنضير
والذي علّم الأرامل في بدر
على المشركين جزّ الشعور
من مضت ليلة الهرير وقتلاه
جزافا يحصون بالتكبير
* * *
وكان النبي صلى الله عليه و آله يهدّد الكفار به عليه السلام ، وروى أحمد بن حنبل في الفضائل
ص: 243
عن شداد بن الهاد قال : لمّا قدم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وفد من اليمن لسرح(1) ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : اللّهم لتقيمن الصلاة أو لأبعثن إليكم رجلاً يقتل المقاتلة ، ويسبي الذريّة .
قال : ثم قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : اللّهم أنا أو هذا ، وانتشل بيد علي عليه السلام(2) .
تاريخ الفسوي : قال عبد الرحمن بن عوف : قال النبي صلى الله عليه و آله لأهل الطائف في خبر : والذي نفسي بيده ، لتقيمنّ الصلاة ، ولتؤتنّ الزكاة ، أو لأبعثنّ إليكم رجلاً منّي - أو كنفسي - فليضربنّ أعناق مقاتليكم ، وليسبينّ ذراريكم .
قال : فرأى الناس أنّه عنى أبا بكر وعمر ! فأخذ بيد علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فقال : هذا(3) .
صحيح الترمذي وتاريخ الخطيب وفضائل السمعاني : أنّه قال صلى الله عليه و آلهيوم الحديبية لسهيل بن عمير : يا معشر قريش ، لتنتهنّ أو ليعثنّ اللّه عليكم من يضرب رقابكم على الدين(4) . . . الخبر .
ص: 244
ولذلك فسّر الرضا عليه السلام قوله « وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ » إنّ عليا عليه السلام منهم .
* * *
وقال معاوية يوم صفين : أريد منكم - واللّه - أن تشجروه بالرماح ، فتريحوا العباد والبلاد منه .
قال مروان : واللّه لقد ثقلنا عليك - يا معاوية - إذ كنت تأمرنا بقتل حيّة الوادي والأسد العادي ، ونهض مغضبا .
فأنشأ الوليد بن عقبة :
يقول لنا معاوية بن حرب
أما فيكم لواتركم طلوب
يشدّ على أبي حسن علي
بأسمر لا تهجّنه الكعوب
فقلت له أتلعب يا بن هند
فإنّك بيننا رجل غريب
أتأمرنا بحيّة بطن واد
يتاح لنا به أسد مهيب
كأنّ الخلق لمّا عاينوه
خلال النقع ليس لهم قلوب
* * *
ص: 245
فقال عمرو : واللّه ، ما يعيّر أحد بفراره من علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
ولمّا نعى بقتل أمير المؤمنين عليه السلام دخل عمرو بن العاص على معاوية مبشّرا ، فقال : إنّ الأسد المفترش ذراعيه بالعراق لاقى شعوبه .
فقال معاوية :
قل للأرانب تربع حيث ماسلكت
وللظباء بلا خوف ولا حذر
* * *
وقال الصاحب :
أسد ولكن الكلاب تعاورته بالنباح
لم يعرفوا لضلالهم فضل الزئير على الضباح
* * *
وقال أبو العلاء السروري :
تخاله أسدا يحمي العرين إذا
يوم الهياج بأبطال الوغى وجفا
يظلّه النصر والرعب اللّذان هما
كانا له عادة إذ سار أو وقفا
شواهد فرضت في الخلق طاعته
برغم كلّ حسود مال وانحرفا
* * *
وقد أسر يزيد بن ركانة أشجع العرب ، وعمرو بن معدي كرب ، حتى فتح اللّه به بلاد العجم ، وقتل بنهاوند(2) .
ص: 246
قال السوسي :
فتى قدّ عمرا حين خندقهم عبر
وساق ابن معدى بالعمامة إذ أسر
* * *
وقال مهيار :
وتفكّروا في أمر عمرو أولاً
وتفكّروا في أمر عمرو ثانيا
أسدان كانا من فرائس صيده
ولقلّما هابا سواه مناديا
* * *
وقال الناشي :
وافى علي وعمرو في وقائعه
حتى إذا ما رآه حار واضطربا
واستعمل الصمت حتى لامه عمر
فقال يؤمي إليه وهو قد رعبا
هذا أحاديثه من عظمها أكلت
كلّ الأحاديث حتى أنّه رهبا
هذا الذي ترك الألباب حائرة
وأبلس العجم بالإقدام والعربا
في كفّه كنت مأسورا فأطلقني
فقد غدوت على شكري له جدبا
* * *
أبو السعادات في فضائل العشرة : روي أنّ عليا عليه السلام كان يحارب رجلاً من المشركين ، فقال المشرك : يا بن أبي طالب ، هبني سيفك ، فرماه إليه .
ص: 247
فقال المشرك : عجبا - يا بن أبي طالب - في مثل هذا الوقت تدفع إليّ سيفك ! فقال : يا هذا ، إنّك مددت يد المسألة إليّ ، وليس من الكرم أن يردّ السائل .
فرمى الكافر نفسه إلى الأرض وقال : هذه سيرة أهل الدين ، فباس قدمه ، وأسلم .
وقال له جبرئيل عليه السلام : لا سيف إلاّ ذو الفقار ، ولا فتى إلاّ علي(1) .
وروى الخلق : أنّ يوم بدر لم يكن عند الرسول صلى الله عليه و آله ماء ، فمرّ علي عليه السلام
يحمل الماء إلى وسط العدو ، وهم على بئر بدر ، فيما بينهم ، وجاء إلى البئر ، ونزل وملأ السطيحة ، ووضعها على رأس البئر ، فسمع حسّا ، وأشار لمن يقصده ، فبرك في البئر ، فلمّا سكن صعد ، فرأى الماء مصبوبا .
ثم نزل ثانيا ، فكان مثل ذلك ، فنزل ثالثا ، وحمل الماء ولم يصعد به ، بل صعد به حاملاً للماء .
فلمّا حمل إلى النبي صلى الله عليه و آله ضحك النبي صلى الله عليه و آله في وجهه وقال : أنت تحدّث أو أنا ، فقال : بل أنت يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فكلامك أحلى ، فقصّ عليه ، ثم قال له : كان ذلك جبرئيل عليه السلام يجرّب ويري الملائكة ثبات قلبك .
ص: 248
قال ابن رزيك :
ما جرّدت من علي ذا الفقار يد
وأغمده في هامة البطل
لم يقترب يوم حرب للكمي به
إلاّ وقرّب منه مدّة الأجل
كم كربة لأخيه المصطفى فرجت
به وكان رهين الحادث الجلل
* * *
محمد بن أبي السرى التميمي عن أحمد بن الفرج عن النهدي عن وبرة عن ابن عباس قال : لمّا خرج النبي صلى الله عليه و آله إلى بني المصطلق نزل بقرب وادي وعر .
فلمّا كان آخر الليل هبط عليه جبرئيل عليه السلام يخبره أنّ كفارا من الجن قد استبطنوا الوادي يريدون كيده ، فدعا أمير المؤمنين عليه السلام وقال : اذهب إلى هذا الوادي .
فلمّا قارب شفيره أمر أصحابه أن يقفوا بقرب الشفير ، ولا يحدثوا شيئا حتى يأذن لهم .
ثم تقدّم فوقف على شفير الوادي ، وتعوّذ باللّه من أعدائه ، وسمّاه بأحسن أسمائه ، ثم أمر أصحابه أن يقربوا منه ، ثم أمر بالهبوط إلى الوادي ، فاعترضتهم ريح عاصف كاد القوم يقعون على وجوههم لشدّتها ، فصاح : أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب وصيّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وابن عمّه ، اثبتوا إن شئتم .
ص: 249
وظهر أشخاص مثل الزطّ يخيّل الينا أنّ في أيديهم شعل النار ، وقد اطمأنوا بجنبات الوادي ، فتوغل أمير المؤمنين عليه السلام بطن الوادي ، وهو يتلو القرآن ، ويؤمي بسيفه يمينا وشمالاً ، فما لبث الأشخاص حتى صارت كالدخان الأسود ، وكبّر أمير المؤمنين عليه السلام ، ثم صعد فقال : كفى اللّه كيدهم ، وكفى المسلمين شرّهم ، وسيسبقني بقيتهم إلى النبي صلى الله عليه و آلهفيؤمنوا به .
قال : فلمّا وافى النبي صلى الله عليه و آله قال له : لقد سبقك - يا علي - إليّ من أخافه اللّه بك فأسلم(1) .
وهذا كما رويتم عن ابن مسعود قصّة ليلة الجن(2) ، وتصحّ محاربة الجن بأسماء اللّه تعالى .
قال أبو الفتح محمد السابوري :
وفي الجنّ فضل وفي حرفهم
أعاجيب علم لمستعلم
* * *
وقال أبو الحسن البياضي :
من قاتل الجنّ غير حيدرة
وصاح فيهم بصوته الجهور
فصوته قد علا عزيفهم(3)
إذ قال هات الحسام يا قنبر
فانهزموا ثم مزّقت شيعامنه العفاريت خيفة تذعر
* * *
ص: 250
وقال أبو الحسن الأسود :
من قاتل الجنّ الطغاة فأسلموا
في البئر كرها يا أولي الألباب
من هزّ خيبر هزّة فتساقطت
أبراجها لمّا دحى بالباب
* * *
محمد بن إسحاق عن يحيى بن عبد اللّه بن الحارث عن أبيه عن ابن عباس ، وأبو عمر وعثمان بن أحمد عن محمد بن هارون بإسناده عن ابن عباس في خبر طويل :
أنّه أصاب الناس عطش شديد في الحديبية ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : هل من رجل يمضى مع السقاة إلى بئر ذات العلم ، فيأتينا بالماء ، وأضمن له على اللّه الجنّة .
فذهب جماعة فيهم سلمة بن الأكوع ، فلمّا دنوا من الشجرة والبئر سمعوا حسّا وحركة شديدة ، وقرع طبول ، ورأوا نيرانا تتّقد بغير حطب ، فرجعوا خائفين .
ثم قال : هل من رجل يمضي مع السقاة فيأتينا بالماء ، أضمن له على اللّه الجنّة ، فمضى رجل من بني سليم ، وهو يرتجز :
أمن غريف ظاهر نحو السلم
ينكل من وجهه خير الأمم
من قبل أن يبلغ آبار العلم
فيستقي والليل مبسوط الظلم
ويامن الذمّ وتوبيخ الكلم
ص: 251
وصلوا إلى الحسّ رجعوا وجلين ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : هل من رجل يمضي مع السقاة إلى البئر ذات العلم فيأتينا بالماء ، اضمن له على اللّه الجنّة ، فلم يقم أحد ، واشتد بالناس العطش ، وهم صيام .
ثم قال لعلي عليه السلام : سر مع هؤلاء السقاة حتى ترد بئر ذات العلم ، وتستقي وتعود إن شاء اللّه . فخرج علي عليه السلام قائلاً :
أعوذ بالرحمن أن أميلا
من عزف(1) جنّ أظهروا تأويلا
وأوقدت نيرانها تغويلا(2)وقرعت مع عزفها(3) طبولا
* * *
قال : فداخلنا الرعب ، فالتفت علي عليه السلام إلينا وقال : اتبعوا أثري ، ولا يفزعنّكم ما ترون وتسمعون ، فليس بضائركم إن شاء اللّه ، ثم مضى .
فلمّا دخلنا الشجر ، فإذا بنيران تضطرم بغير حطب ، وأصوات هائلة ، ورؤوس مقطّعة لها ضجّة ، وهو يقول : اتبعوني ولا خوف عليكم ، ولا يلتفت أحد منكم يمينا ولا شمالاً .
فلمّا جاوزنا الشجرة ، ووردنا الماء ، أدلى البراء بن عازب دلوه في البئر ، فاستقى دلوا أو دلوين ، ثم انقطع الدلو ، فوقع في القليب ، والقليب ضيّق مظلم بعيد القعر ، فسمعنا من أسفل القليب قهقهة وضحكا شديدا ، فقال علي عليه السلام : من يرجع إلى عسكرنا فيأتينا بدلو ورشا ؟
ص: 252
فقال أصحابه : لن نستطيع ذلك .
فاتزر بمئزر ، ونزل في القليب ، وما تزداد القهقهة إلاّ علوا ، وجعل ينحدر في مراقي القليب ، إذ زلّت رجله فسقط فيه ، فسمعنا وجبة شديدة ، واضطرابا وغطيطا كغطيط المخنوق ، ثم نادى : اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، أنا عبد اللّه وأخو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، هلمّوا قربكم ، فأقعمها واصعدها على عنقه شيئا فشيئا ، ومضى بين أيدينا ، فلم نر شيئا ، فسمعنا صوتا يقول :
أيّ فتى ليل أخي روعات
وأيّ سبّاق إلى الغايات
للّه درّ الغرر السادات
من هاشم الهامات والقامات
مثل رسول اللّه ذي الآيات
أو كعلي كاشف الكربات
كذا يكون المرء في الحاجات
* * *
فارتجز أمير المؤمنين عليه السلام :
الليل هول يرهب المهيبا
ويذهل المشجّع اللبيبا
فإنّني أهول منه ذيبا
ولست أخشى الروع والخطوبا
إذا هززت الصارم القضيبا
أبصرت منه عجبا عجيبا
* * *
وانتهى إلى النبي صلى الله عليه و آله وله زجل ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ماذا رأيت في طريقك يا علي ؟ فأخبره الخبر كلّه .
فقال : إنّ الذي رأيته مثل ضربه اللّه لي ولمن حضر معي في وجهي هذا ، قال علي عليه السلام : اشرحه لي يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ص: 253
فقال صلى الله عليه و آله : أمّا الرؤوس التي رأيتم لها ضجّة ، ولألسنتها لجلجة ، فذلك مثل قوم معي يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ، ولا يقبل اللّه منهم صرفا ولا عدلاً ، ولا يقيم لهم يوم القيامة وزنا .
وأمّا النيران بغير حطب ، ففتنة تكون في أمّتي بعدي ، القائم فيها والقاعد سواء ، لا يقبل اللّه لهم عملاً ، ولا يقيم لهم يوم القيامة وزنا .
وأمّا الهاتف الذي هتف بك ، فذاك سلقعة ، وهو سلقعة بن غراف الذي قتل عدو اللّه مسعرا ، شيطان الأصنام الذي كان يكلّم قريشا منها ، ويشرع في هجائي(1) .
عبد اللّه بن سالم : إنّ النبي صلى الله عليه و آله بعث سعد بن مالك بالروايا يوم الحديبية ، فرجع رعبا من القوم ، ثم بعث عليا عليه السلام فاستسقى ، ثم أقبل بها إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فكبّر ودعا له بخير(2) .
قال العبدي :
من قاتل الجنّ في القليب ترى
من قلع الباب ثم أدحاها
من كان في الحرب فارس بطل
أشدّهم ساعدا وأقواها
* * *
وقال أبو الحسين :
من قاتل الجنّ على الماء ومن
ردّت له الشمس فصلّى وسرى
* * *
ص: 254
وقال العوني :
علي هبط الجبّ
وجنح الليل كالقار
* * *
وقال السروجي :
والبئر لمّا عندها محمد
حلّ وللبئر لهيب قد سعر
وادّلى الوارد منها دلوه
فعاد مقطوعا إلى حيث انحدر
وأظهرت نار فولى هاربا
عنها وفي أعقابه رمى الحجر
فعندها وافى وصي أحمد
صلّى عليه من عفا ومن غفر
ومرّ فيها نازلاً حتى إذا
صار إلى النصف به الحبل انبتر
فطال فيها لبثه ثم ارتقى
لسانه القرآن يقرا والسور
فاغترف الناس وأسقى وسقى
والماء فيه من دم الجان عكر
* * *
أو لفرسان من العرب ، مثل : عنتر العبسي ، وعامر بن الطفيل ، وعمرو بن عبد ودّ ؟
أو لمبارز من الترك ، مثل : افراسياب ، وشبهه ؟
فهو الفارس الذي يفرّق العسكر كفرق الشعر ، ويطويهم كطيّ السجل ، الحرب دأبه ، والجدّ آدابه ، والنصر طبعه ، والعدو غنمه ، جرى ء خطّار ، وجسور هصّار ، ما لسيفه إلاّ الرقاب قراب ، إنّه لو حضر لكفى الحذر .
ويقال له : غالب كلّ غالب علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
وقد رويتم علي كان أشجعه
وأشجع الجمع بالأعداء أثقفه
* * *
وقال السروجي :
فقلت أمّا علي آية خلقت
واللّه أظهرها للناس في رجل
مخيفة بعلي ثم ألحقها
بذي الفقار وفيه قبضة الأجل
ما سلّه ورحاء الحرب دائرة
إلاّ وأغمده في هامة البطل
ما صاح في الجيش صوتا ثم اتبعه
أنا علي تولّى الجيش من جفل
* * *
وقال الزاهي :
هذا الذي أردى الوليد وعتبة
والعامري وذا الخمار ومرحبا
هذا الذي هشمت يداه فوارسا
قسرا ولم يك خائفا مترقّبا
في كلّ منبت شعرة من جسمه
أسد يمدّ إلى الفريسة مخلبا
* * *
ص: 256
وقال دعبل :
سنان محمد في كلّ حرب
إذا نهلت صدور السمهري
وأوّل من يجيب إلى براز
إذا زاغ الكمّي عن الكمّي
مشاهد لم تفلّ سيوف تيم
بهن ولا سيوف بني عدي
* * *
وقال ابن حماد :
ذاك الفتى النجد الذي إذا بدا
بمعرك ألقت له فتيانه
ليث لو الليث الجريء خاله
أطار من هيبته جنانه
ذاك الشجاع إذ بدا بمعرك
تفرّقت من خوفه شجعانه
تبكي الطلا إن ضحكت أسيافه
ويرتوي إن عطشت سنانه
صقر ولكن صيده صيد الوغى
ليث ولكن فرسه فرسانه
ترى سباع البيد تقفوا أثره
لأنّها يوم الوغى ضيفانه
يقرن أرواح الكماة بالردى
كذاك خاضت دونه أقرانه
وكم كمّي قد سقاه في الوغى
وليس تخبو للقرى نيرانه
* * *
ومن قوله :
مجلّي الكرب يوم الحرب
في بدر وفي أحد
إذا الهيجاء هاج لها
بقلب غير مرتعد
ترى الأبطال باطلة
لخوف الفارس الأسد
فأنفسهم مودّعة
لها بتنفس الصعد
ص: 257
وقد خنقوا لخيفته
فلست تحسّ من أحد
فلا صوت بغير البيض
فوق البيض والزرد
سقى عمرا منيّته
وعمرا قاد في الصفد
أمير النحل مولى ال-
خلق غير الواحد الصمد
فلن تلد النسا شبها
له كلاّ ولم تلد
شبيه المصطفى في الفضل
لم ينقص ولم يزد
* * *
وقالت جرهمة الأنصارية :
صهر النبي فذاك اللّه أكرمه
إذ اصطفاه وذاك الصبر مدخر
لا يسلم القرن منه إن ألمّ به
ولا يهاب وإن أعداؤه كثروا
من رام صولته وافت منيّته
لا يدفع الثكل عن أقرانه الحذر
* * *
ص: 258
ص: 259
ص: 260
المعروفون من الصحابة بالورع : علي ، وأبو بكر ، وعمر(1) ، وابن مسعود، وأبو ذر ، وسلمان ، وعمار ، والمقداد ، وعثمان بن مظعون ، وابن عمر !!!
ومعلوم أنّ أبا بكر توفي وعليه لبيت مال المسلمين نيف وأربعون ألف درهم ، وعمر مات وعليه نيف وثمانون ألف درهم(2) ، وعثمان مات وعليه ما لا يحصى كثرة ، وعلي عليه السلام مات ، وما ترك إلاّ سبعمائة درهم فضلاً عن عطائه أعدّها لخادم(3) .
قال السوسي :
من فارق الدنيا وما
أفاد منهما درهما
ولم يكن كغيره
مستأكلا متّهما
* * *
ص: 261
وقد ثبت من زهده أنّه عليه السلام لم يحفل بالدنيا ، ولا الرئاسة فيها دون أن عكف على غسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتجهيزه ، وقول أولئك منّا أمير ومنكم أمير(1) إلى أن تقمّصها أبو بكر .
وقال اللّه « إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ » .
وقال - تعالى - « لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا » الآية .
واجتمعت الأمّة على أنّه من فقراء المهاجرين ، وأجمعوا على أنّ أبا بكر كان غنيا(2) .
وكان عليه السلام جلي الصفحة ، نقي الصحيفة ، ناصع الجيب ، تقي الذيل ، عذب المشرب ، عفيف المطلب ، لم يتدنّس بحطام ، ولم يتلبّس بآثام ، وقد شهد
ص: 262
النبي صلى الله عليه و آله بزهده ، قوله : علي لا يزرء من الدنيا ، ولا تزرء الدنيا منه(1) .
أمالي الطوسي في حديث عمار : يا علي ، إنّ اللّه قد زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة أحبّ إلى اللّه منها ، زيّنك بالزهد في الدنيا ، وجعلت لا ترزأ منها شيئا ، ولا ترزأ منك شيئا ، ووهبك حبّ المساكين ، فجعلت ترضى بهم أتباعا ، ويرضون بك(2) إماما .
سفيان بن عيينة عن الزهري عن مجاهد عن ابن عباس : « فَأَمّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا » هو علقمة بن الحارث بن عبد الدار ، « وَأَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ » علي بن أبي طالب عليهماالسلام خاف فانتهى عن المعصية ، ونهى عن الهوى نفسه ، « فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى » - خاصا - لعلي عليه السلام ، ومن كان على منهاجه ، هكذا عامّا(1) .
قتادة عن الحسن عن ابن عباس في قوله « إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً » هو علي بن أبي طالب عليهماالسلام سيد من اتقاه عن ارتكاب الفواحش(2) .
ثم ساق التفسير إلى قوله « جَزاءً مِنْ رَبِّكَ » لأهل بيتك خاصّا لهم ، وللمتّقين عامّا .
تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان عن مجاهد وابن عباس : « إِنَّ
ص: 264
الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ » من اتقى الذنوب علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام « فِي ظِلالٍ » من الشجر ، والخيام من اللؤلؤ ، طول كلّ خيمة مسيرة فرسخ في فرسخ . . .
ثم ساق الحديث إلى قوله « إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الُْمحْسِنِينَ » المطيعين للّه أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله في الجنّة(1) .
وجاء في تفسير قوله - تعالى - « إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ » علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
ص: 265
الحلية : قال سالم بن الجعد : رأيت الغنم تبعر في بيت المال في زمن أمير المؤمنين عليهماالسلام [ فيقسّمه (1)] .
وفيها عن الشعبي قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام ينضحه ويصلّي فيه(2) .
وروى أبو عبد اللّه بن حمويه البصري بإسناده عن سالم الجحدري قال : شهدت علي بن أبي طالب عليهماالسلام أُتي بمال عند المساء ، فقال : اقتسموا هذا المال ، فقالوا : قد أمسينا يا أمير المؤمنين ، فأخّره إلى غد ، فقال لهم : تقبّلون(3) لي أن أعيش إلى غد ؟ قالوا : ماذا بأيدينا ، فقال : لا تؤخروه حتى تقسموه(4) .
ويروى أنّه كان يأتي عليه وقت لا يكون عنده قيمة ثلاثة دراهم يشتري بها أزارا ، وما يحتاج إليه ، ثم يقسم كلّ ما في بيت المال على الناس ، ثم يصلّى فيه ويقول : الحمد للّه الذي أخرجني منه كما دخلته(5) .
وروى أبو جعفر الطوسي : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قيل له : أعط هذه
ص: 266
الأموال لمن يخاف عليه من الناس فراره إلى معاوية ، فقال عليه السلام : أتأمروني أن أطلب النصر بالجور ؟! لا واللّه لا أفعل ما طلعت شمس ، وما لاح في السماء نجم ، واللّه لو كان مالهم لي لواسيت بينهم ، وكيف وإنّما هي أموالهم(1) .
وأُتي إليه بمال ، فكوّم كومة من ذهب ، وكومة من فضة ، وقال : يا صفراء اصفري ، يا بيضاء ابيضي ، وغرّي غيري .
هذا جناي وخياره فيه
وكلّ جان يده إلى فيه(2)
* * *
قال العبدي :
وكان يقول يا دنياي غرّي
سواي فلست من أهل الغرور
* * *
وله أيضا :
لم تستمل قلبه الدنيا بزخرفها
بل قال غرّي سواي قول محتقر
* * *
ص: 267
الباقر عليه السلام في خبر : ولقد ولي خمس سنين ، وما وضع آجرة على آجرة ، ولا لبنة على لبنة ، ولا أقطع قطيعا ، ولا أورث بيضا ولا حمرا(1) .
ابن بطة عن سفيان الثوري : إنّ عينا نبعت في بعض ماله ، فبشّر بذلك ، فقال عليه السلام : بشّر الوارث ، وسمّاها عين ينبع(2) .
قال ابن حماد :
لقد نبعت له عين فظلّت
تفور كأنّها عنق البعير
فوافاه البشير بها مغذّا
فقال علي ابشر يا بشيري
فقد صيّرتها وقفا مباحا
لوجه اللّه ذي العزّ القدير
* * *
الفائق عن الزمخشري : إنّ عليا عليه السلام اشترى قميصا ، فقطع ما فضل عن
ص: 268
أصابعه ، ثم قال للرجل : حصّه ، أي خطّ كفافه(1) .
خصال الكمال عن أبي الحسن البلخي : إنّه عليه السلام اجتاز بسوق الكوفة ، فتعلّق به كرسي ، فتخرّق قميصه ، فأخذه بيده ، ثم جاء به إلى الخياطين ، فقال : خيطوا لي ذا بارك اللّه فيكم .
الأشعث العبدي قال : رأيت عليا عليه السلام في الفرات يوم جمعة ، ثم ابتاع قميصا كرابيس بثلاثة دراهم ، فصلّى بالناس الجمعة وما خيط جربانه(2) بعد(3) .
عن شبيكة قال : رأيت عليا عليه السلام يأتزر فوق سترته ، ويرفع إزاره إلى أنصاف ساقيه(4) .
الصادق عليه السلام : كان علي عليه السلام يلبس القميص الزابي ، ثم يمدّ يده فيقطع مع أطراف أصابعه(5) .
وفي حديث عبد اللّه بن الهذيل : كان إذا مدّه بلغ الظفر ، وإذا أرسله كان مع نصف الذراع(6) .
ص: 269
علي بن ربيعة : رأيت عليا عليه السلام يأتزر ، فرأيت عليه ثيابا ، فقلت له في ذلك ، فقال : وأيّ ثوب أستر منه للعورة ، وأنشف للعرق(1) .
وفي فضائل أحمد : رؤي على علي عليه السلام أزار غليظ اشتراه بخمسة دراهم .
ورؤي عليه أزار مرقوع ، فقيل له في ذلك ، فقال : يقتدي به المؤمنون ، ويخشع له القلب ، وتذلّ به النفس ، ويقصد به المبالغ .
وفي رواية : أشبة بشعار الصالحين .
وفي رواية : أحصن لفرجي .
وفي رواية : هذا أبعد لي من الكبر ، وأجدر أن يقتدي به المسلم(2) .
مسند أحمد : أنّه قال الجعدي بن نعجة الخارجي : اتق اللّه - يا علي - إنّك ميت ، قال : بل - واللّه - قتلاً ، ضربة على هذا ، قضاء مقضيّا ، وعهدا معهودا ، « وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى »(3) .
وكان كمّه لا يجاوز أصابعه ، ويقول : ليس للكمّين على اليدين فضل(4) .
ونظر عليه السلام إلى فقير انخرق كمّ ثوبه ، فخرق كمّ قميصه وألقاه إليه .
ص: 270
أمير المؤمنين عليه السلام : ما كان لنا إلاّ إهاب كبش ، أبيت [ عليه ] مع فاطمة عليهاالسلام بالليل ، ويعلف عليها الناضح(1) .
مسند الموصلي : الشعبي عن الحارث عن علي عليه السلام قال : ما كان ليلة أهدت لي فاطمة عليهاالسلام شيء ينام عليه إلاّ جلد كبش(2) ، واشترى عليه السلام ثوبا فأعجبه ، فتصدّق به(3) .
* * *
الغزالي في الإحياء : كان علي بن أبي طالب عليهماالسلام يمتنع من بيت المال حتى يبيع سيفه ، ولا يكون له إلاّ قميص واحد في وقت الغسل لا يجد غيره(4) .
ورأى عقيل بن عبد الرحمن الخولاني عليا عليه السلام جالسا على بردعة(5) حمار مبتلة ، فقال لأهله في ذلك ، فقالت : لا تلومني ، فواللّه ما يرى شيئا ينكره إلاّ أخذه وطرحه في بيت المال(6) .
فضائل أحمد : قال زيد بن محجن : قال علي عليه السلام : من يشتري سيفي هذا ، فواللّه لو كان عندي ثمن أزار ما بعته(7) .
ص: 271
الأصبغ وأبو مسعدة والباقر عليه السلام : أنّه أتى البزازين ، فقال لرجل : بعني ثوبين ، فقال الرجل : يا أمير المؤمنين عندي حاجتك ، فلمّا عرفه مضى عنه .
فوقف على غلام ، فأخذ ثوبين : أحدهما بثلاثة دراهم ، والآخر بدرهمين ، فقال : يا قنبر خذ الذي بثلاثة ، فقال : أنت أولى به ، تصعد المنبر ، وتخطب الناس ، قال : أنت شاب ، ولك شره الشباب ، وأنا استحي من ربّي أن أتفضّل عليك ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : ألبسوهم ممّا تلبسون ، وأطعموهم ممّا تأكلون .
فلمّا لبس القميص مدّ كمّ القميص ، فأمر بقطعه واتخاذه قلانس للفقراء .
فقال الغلام : هلمّ أكفّه .
قال : دعه كما هو ، فإنّ الأمر أسرع من ذلك .
فجاء أبو الغلام ، فقال : إنّ ابني لم يعرفك ، وهذان درهمان ربحهما ، فقال : ما كنت لأفعل ، قد ماكست وما كسني ، واتفقنا على رضى(1) .
رواه أحمد في الفضائل .
قال أبو أيوب المورياني :
ينشر ديباجا على صحبه
وهم إذا ما نشروا كربسوا
* * *
ص: 272
علي بن أبي عمران قال : خرج ابن للحسن(1) بن علي عليهماالسلاموعلي عليه السلام
في الرحبة ، وعليه قميص خزّ ، وطوق من ذهب ، فقال : ابني هذا ؟! قالوا : نعم .
قال : فدعاه ، فشقّه عليه ، وأخذ الطوق منه ، فجعله قطعا قطعا(2) .
عمرو بن نعجة السكوني قال : أُتي علي عليه السلام بدابة دهقان ليركبها ، فلمّا وضع رجله في الركاب قال : بسم اللّه ، فلمّا وضع يده على القربوس زلّت يده من الصفة ، فقال : أديباج هي ؟ قال : نعم ، فلم يركب(3) .
الإحياء عن الغزالي : أنّه عليه السلام كان له سويق في إناء مختوم يشرب منه ، فقيل له : أتفعل هذا بالعراق مع كثرة طعامه ؟!
فقال : أما أنّي لا أختمه بخلاً به ، ولكنّي أكره أن يجعل فيه ما ليس منه ، وأكره أن يدخل بطني غير طيب(4) .
ص: 273
معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال : كان علي عليه السلام لا يأكل ممّا هنا حتى يؤتى به من ثمّ - يعنى الحجاز(1) - .
الأصبغ بن نباتة : قال علي عليه السلام : دخلت بلادكم بأسمالي هذه ، ورحلتي
وراحلتي ها هي ، فإن أنا خرجت من بلادكم بغير ما دخلت ، فإنّني من الخائنين .
وفي رواية : يا أهل البصرة ، ما تنقمون منّي إنّ هذا لمن غزل أهلي ، وأشار إلى قميصه(2) .
ورآه سويد بن غفلة ، وهو يأكل رغيفا يكسر بركبتيه ، ويلقيه في لبن حازر(3) يجد ريحه من حموضته ، فقلت : ويحك يا فضّه ، أما تتّقون اللّه - تعالى - في هذا الشيخ ، فتنخلون له طعاما لما أرى فيه من النخال .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : بأبي وأمّي من لم ينخل له طعام ، ولم يشبع من خبز البرّ حتى قبضه اللّه (4) .
وقال لعقبة بن علقمة : يا أبا الجنوب ، أدركت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يأكل أيبس من هذا ، ويلبس أخشن من هذا ، فإن أنا لم آخذ به خفت أن
ص: 274
لا ألحق به(1) .
وترصّد غداه عمرو بن حريث ، فأتت فضة بجراب مختوم ، فأخرج منه خبزا متغيرا خشنا ، فقال عمرو : يا فضّة ، لو نخلت هذا الدقيق وطيّبته ، قالت : كنت أفعل فنهاني ، وكنت أضع في جرابه طعاما طيبا ، فختم جرابه .
ثم إنّ أمير المؤمنين فتّه في قصعة ، وصبّ عليه الماء ، ثم ذرّ عليه الملح ، وحسر عن ذراعه .
فلمّا فرغ قال : يا عمرو ، لقد حانت(2) هذه ، ومدّ يده إلى محاسنه ، وخسرت هذه إن أدخلها النار من أجل الطعام ، وهذا يجزيني .
ورآه عدي بن حاتم ، وبين يديه شنة فيها قراح ماء ، وكسرات من خبز شعير وملح ، فقال : إنّي لا أرى لك يا أمير المؤمنين عليه السلام ، لتظلّ نهارك طاويا مجاهدا ، وبالليل ساهرا مكابدا ، ثم يكون هذا فطورك ! فقال عليه السلام :
علّل النفس بالقنوع وإلاّ
طلبت منك فوق ما يكفيها
* * *
خبز السمراء ، وصحفة فيها خطيفة وملبنة(1) ، فقلت : يا أمير المؤمنين عليه السلام يوم عيد وخطيفة ! فقال : إنّما هذا عيد من غفر له(2) .
ابن بطّة في الإبانة عن جندب : إنّ عليا عليه السلام قدم إليه لحم غثّ ، فقيل له : نجعل لك فيه سمنا ؟ فقال عليه السلام : إنّا لا نأكل ادمين جميعا .
واجتمع عنده في يوم عيد أطعمة ، فقال : أجعلها باجا(3) ، وخلط بعضها ببعض ، فصارت كلمته مثلاً .
العرني : وضع خوان من فالوذج بين يديه ، فوجأ بإصبعه حتى بلغ أسفله ، ثم سلّها ولم يأخذ منه شيئا ، وتلمّظ بإصبعه ، وقال : طيب طيب ، وما هو بحرام ، ولكن أكره أن أعوّد نفسي بما لم أعوّدها(4) .
ص: 276
وفي خبر عن الصادق عليه السلام : أنّه مدّ يده إليه ، ثم قبضها ، فقيل له في ذلك ، فقال : ذكرت رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه لم يأكله قطّ ، فكرهت أن آكله(1) .
وفي خبر آخر عن الصادق عليه السلام : أنّه قالوا له : تحرّمه ؟ قال : لا ، ولكن أخشى أن تتوق إليه نفسي ، ثم تلا « أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا »(2) .
الباقر عليه السلام في خبر : كان عليه السلام ليطعم خبز البرّ واللحم ، وينصرف إلى منزله ويأكل خبز الشعير والزيت والخل(3) .
فضائل أحمد : قال علي عليه السلام : ما أصبح بالكوفة أحد إلاّ ناعما ، إنّ أدناهم منزلة ليأكل البرّ ، ويجلس في الظل ، ويشرب من ماء الفرات(4) .
قال الحميري :
وكان طعامه خبزا وزيتا
ويؤثر باللحوم الطارقينا
* * *
ص: 277
وقال الشريف المرتضى :
وإذا الأمور تشابهت وتبهّمت
فجلاؤها وشفاؤها أحكامه
وإذا التفت إلى التقى صادفته
من كلّ برّ وافر أقسامه
فالليل فيه قيامه متهجّدا
يتلو الكتاب وفي النهار صيامه
يعفى الثلاث تعفّفا وتكرّما
حتى يصادف زاده ومقامه
فمضى بريئا لم تشنه ذنوبه
يوما ولا ظفرت به آثامه
* * *
وقال الحيص بيص :
صدوق عن الزاد الشهي فؤاده
رغيب إلى زاد التقى والفضائل
جري إلى قول الصواب لسانه
إذا ما الفتاوى أفحمت بالمسائل
أعيدت له الشمس الأصيل جلالة
وقد حال ثوب الصبح في أرض بابل
* * *
أبو صادق عن علي عليه السلام : أنّه تزوّج ليلى ، فجعلت له حجلة فهتكها ، وقال : حسب آل علي ما هم فيه(1) .
ص: 278
الحسن بن صالح بن حي قال : بلغني أنّ عليا عليه السلام تزوّج إمرأة ، فنجّدت له بيتا ، فأبى أن يدخله .
كلاب بن علي العامري قال : زفّت عمّتي إلى علي عليه السلام على حمار بإكاف(1) ، تحتها قطيفة ، وخلفها قفّة معلّقة .
ابن عباس ومجاهد وقتادة في قوله « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ » الآية : نزلت في علي عليه السلام وأبي ذر وسلمان والمقداد وعثمان بن مظعون وسالم ، أنّهم اتفقوا على أن يصوموا النهار ، ويقوموا الليل ، ولا يناموا على الفراش ، ولا يأكلوا اللحم ، ولا يقربوا النساء والطيب ، ويلبسوا المسوح ، ويرفضوا الدنيا ، ويسيحوا في الأرض ، وهمّ بعضهم أن يجبّ مذاكيره .
فخطب النبي صلى الله عليه و آله وقال : ما بال أقوام حرّموا النساء والطيب والنوم وشهوات الدنيا ! أما أنّي لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهبانا ، فإنّه ليس في ديني ترك اللحم والنساء ، ولا اتخاذ الصوامع ، وإنّ سياحة أمّتي ورهبانيتهم الجهاد(2) . . إلى آخر الخبر .
أبو عبد اللّه عليه السلام : نزلت في علي وبلال وعثمان بن مظعون ، فأمّا علي عليه السلام فإنّه حلف أن لا ينام بالليل أبدا إلاّ ما شاء اللّه ، وأمّا بلال فإنّه حلف أن لا يفطر بالنهار أبدا ، وأمّا عثمان بن مظعون فإنّه حلف أن لا ينكح أبدا(3) .
ص: 279
وقال مهيار :
كلاّ ولا أغنته عفّة نفسه
عن جاعل يرضى سواه حاضر
ولقاؤه شهواته ببصيرة
معصومة عنها بذيل طاهر
* * *
وفيما كتب عليه السلام إلى سهل بن حنيف : أما علمت أنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ، ويسدّ فاقة جوعه بقرصيه ، ولا يأكل الفلذة في حوليه ، إلاّ في سنة أضحيته ، يستشرف الإفطار على أدميه ، ولقد آثر اليتيمة على سبطيه ، ولم تقدروا على ذلك ، فأعينوني بورع واجتهاد .
واللّه ما كنزت من دنياكم تبرا ، ولا ادخرت من غنائمها وفرا ، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا ، ولا ادخرت من أقطارها شبرا ، وما أقتات منها إلاّ كقوت أتان دبرة ، ولهي في عيني أهون من عصفة .
ولقد رقّعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها ، فقال قائل : ألقها فذو الأتن لا ترضى لبراذعها ، فقلت : اغرب عنّي ، فعند الصباح يحمد القوم السرى(1) .
* * *
ص: 280
قال ابن رزيك :
هو الزاهد الموفي على كلّ زاهد
فما قطع الأيام بالشهوات
بإيثاره بالقوت يطوي على الطوى
إذا أمّه المسكين في الأزمات
تقرّب للرحمن إذ كان راكعا
بخاتمه في جملة القربات
* * *
تاريخ الطبري والبلاذري ، إنّ العباس قال لعلي عليه السلام : ما قدّمتك إلى شيء إلاّ تأخرت عنه ! أشرت عليك عند وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله تسأله في من هذا الأمر ؟ فأبيت ، وأشرت عليك بعد وفاته أن تعاجل الأمر ، فأبيت ، وأشرت عليك حين سمّاك عمر في الشورى لا تدخل معهم ، فأبيت ، فما الحيلة(1) ؟!
دخل ابن عباس على أمير المؤمنين عليه السلام وقال : إنّ الحاج قد اجتمعوا ليسمعوا منك ، وهو يخصف نعلاً .
ص: 281
قال : أما - واللّه - إنّها لأحبّ إليّ من إمرتكم هذه ، إلاّ أن أقيم حقّا أو أدفع باطلاً(1) .
وكتب عليه السلام إلى ابن عباس :
أمّا بعد : فلا يكن حظّك في ولايتك ما لا تستفيده ، ولا غيظا تشتفيه ، ولكن إماتة باطل وإحياء حقّ .
وقال عليه السلام : يا دنيا يا دنيا ، أبي تعرضت ! أم إليّ تشوقت ! لا حان حينك ، هيهات غرّي غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك(2) .
وله
عليه السلام :
طلّق الدنيا ثلاثا
واتخذ زوجا سواها
إنّها زوجة سوء
لا تبالي من أتاها
* * *
وقال الصاحب :
من كمولانا علي زاهد
طلّق الدنيا ثلاثا ووفى
* * *
ص: 282
وقال ابن رزيك :
ذاك الذي طلّق الدنيا لعمري عن
زهد وقد سفرت عن وجهها الحسن
وأوضح المشكلات الخافيات وقد
دقّت عن الفكر واعتاضت على الفطن
* * *
جمل أنساب الأشراف : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام مرّ على قذر بمزبلة ، وقال : هذا ما بخل به الباخلون(1) .
ويروى أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان في بعض حيطان فدك ، وفي يده مسحاة ، فهجمت عليه إمرأة من أجمل النساء ، فقالت : يا بن أبي طالب ! إن تزوّجتني أغنيك عن هذه المسحاة ، وأدلّك على خزائن الأرض ، ويكون لك الملك ما بقيت ، قال لها : فمن أنت حتى أخطبك من أهلك ؟ قالت : أنا الدنيا ، فقال عليه السلام : ارجعي فاطلبي زوجا غيري ، فلست من شأني ، وأقبل على مسحاته .
وأنشأ :
لقد خاب من غرّته دنيا دنية
وما هي إن غرّت قرونا بباطل
أتتنا على زيّ العروس بثينة
وزينتها في مثل تلك الشمائل
ص: 283
فقلت لها غرّي سواي فإنّني
عزوف عن الدنيا ولست بجاهل
وما أنا والدنيا وإنّ محمدا
رهين بقفر بين تلك الجنادل
وهبها أتتني بالكنوز ودرّها
وأموال قارون وملك القبائل
أليس جميعا للفناء مصيرنا
ويطلب من خزّانها بالطوائل
فغرّي سواي إنّني غير راغب
لما فيك من عزّ وملك ونائل
وقد قنعت نفسي بما قد رزقته
فشأنك يا دنيا وأهل الغوائل
فإنّي أخاف اللّه يوم لقائه
وأخشى عذابا دائما غير زائل
* * *
الباقر عليه السلام : إنّه ما ورد عليه أمران كلاهما للّه رضىً(1) إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه(2) .
وقال معاوية لضرار بن ضمرة : صف لي عليا عليه السلام .
قال : كان - واللّه - صوّاما بالنهار ، قوّاما بالليل ، يحبّ من اللباس أخشنه ، ومن الطعام أجشبه ، وكان يجلس فينا ، ويبتدي إذا سكتنا ، ويجيب إذا سألنا ، يقسم بالسوية ، ويعدل في الرعية ، لا يخاف الضعيف من جوره ، ولا يطمع القوي في ميله .
ص: 284
واللّه لقد رأيته ليلة من الليالي ، وقد أسبل الظلام سدوله ، وغارت نجومه ، وهو يتململ في المحراب تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، ولقد رأيته مسيلاً للدموع على خدّه ، قابضا على لحيته ، يخاطب دنياه فيقول : يا دنيا أبي تشوّقت ! ولي تعرّضت ! لا حان حينك ، فقد أبنتك ثلاثا لا رجعة لي فيك ، فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، آهٍ من قلّة الزاد ، وبعد السفر ، ووحشة الطريق(1) .
ابن بطّة في الإبانة ، وأبو بكر بن عياش في الأمالي عن أبي داود عن السبيعي عن عمران بن حصين قال : كنت عند النبي صلى الله عليه و آله وعلي عليه السلامإلى
جنبه ، إذ قرأ النبي صلى الله عليه و آله هذه الآية « أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الأَْرْضِ » .
قال : فارتعد علي عليه السلام ، فضرب النبي صلى الله عليه و آله على كتفيه ، وقال : مالك يا علي ؟ قال : قرأت يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله هذه الآية ، فخشيت أن أبتلي بها ، فأصابني ما رأيت ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق إلى يوم القيامة(2) .
ص: 285
قال الحميري :
وإنّك قد ذكرت لدى مليك
يذلّ لعزّه المتجبرونا
فخرّ لوجهه صعقا وأبدى
لربّ الناس رهبة راهبينا
وقال لقد ذكرت لدى إلهي
فأبدى ذلّة المتواضعينا
* * *
وقال حسان بن ثابت :
جزى اللّه خيرا والجزاء بكفّه
أبا حسن عنّا ومن كأبي حسن
سبقت قريشا بالذي أنت أهله
فصدرك مشروح وقلبك ممتحن
* * *
ص: 286
ص: 288
الأصبغ عن علي عليه السلام في قوله « وَعِبادُ الرَّحْمنِ » قال : فينا نزلت هذه الآية(1) .
* * *
الصادق عليه السلام : كان أمير المؤمنين عليه السلام يحطب ويستسقي ويكنس ، وكانت فاطمة عليهاالسلام تطحن وتعجن وتخبز(1) .
الإبانة عن ابن بطة والفضائل عن أحمد : أنّه اشترى عليه السلام تمرا بالكوفة ، فحمله في طرف ردائه .
فتبادر الناس إلى حمله ، وقالوا : يا أمير المؤمنين نحن نحمله ، فقال عليه السلام : ربّ العيال أحقّ بحمله(2) .
قوت القلوب عن أبي طالب المكي : كان علي عليه السلام يحمل التمر والملح بيده ، ويقول :
لا ينقص الكامل من كماله
ما جرّ من نفع إلى عياله(3)
* * *
زيد بن علي عليه السلام : أنّه كان يمشي في خمسة حافيا ، ويعلّق نعليه بيده
ص: 290
اليسرى : يوم الفطر ، والنحر ، ويوم الجمعة ، وعند العيادة ، وتشييع الجنازة ، ويقول : إنّها مواضع اللّه ، وأحبّ أن أكون فيها حافيا(1) .
زادان : أنّه عليه السلام كان يمشي في الأسواق وحده ، وهو ذاك ، يرشد الضال ، ويعين الضعيف ، ويمرّ بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ، ويقرأ « تِلْكَ الدّارُ الآْخِرَةُ نَجْعَلُها »(2) .
الصادق عليه السلام : خرج أمير المؤمنين عليه السلام على أصحابه وهو راكب ، فمشوا معه ، فالتفت إليهم فقال : ألكم حاجة ؟ قالوا : لا ، ولكنّا نحبّ أن نمشي معك .
فقال لهم : انصرفوا وارجعوا ، النعال خلف أعقاب الرجال مفسدة لقلوب النوكى(3) .
وترجّل دهاقين الأنبار له ، وأسندوا بين يديه ، فقال : ما هذا الذي صنعتموه ؟ قالوا : خلق منّا نعظّم به أمراءنا ، فقال : واللّه ما ينتفع بهذا
ص: 291
امراؤكم ، وإنّكم لتشقّون به على أنفسكم ، وتشقون به في آخرتكم ، وما أخسر المشقّة وراءها العقاب ، وما أربح الراحة معها الأمان من النار(1) .
أبو عبد اللّه عليه السلام : افتخر رجلان عند أمير المؤمنين عليه السلام فقال : أتفتخران بأجساد بالية ، وأرواح في النار ، إن لم يكن له عقل ، فإنّ لك خلقا ، وإن لم يكن له تقوى ، فإنّ لك كرما ، وإلاّ فالحمار خير منكما ، ولست بخير من أحد(2) .
الحسن العسكري عليه السلام في خبر طويل : إنّ رجلاً وابنه وردا عليه عليه السلام ، فقام إليهما وأجلسهما في صدر مجلسه ، وجلس بين أيديهما .
ثم أمر بطعام ، فأحضر ، فأكلا منه ، ثم أخذ الإبريق ليصبّ على يد الرجل ، فتمرّغ الرجل في التراب ، فقال : يا أمير المؤمنين ! كيف اللّه يراني وأنت تصبّ على يدي !
قال : اقعد واغسل ، فإنّ اللّه يراني أخاك الذي لا يتميّز منك ، ولا يتفضّل عنك ، ويزيد بذاك في خدمه في الجنّة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا ، وعلى حسب ذلك في مماليكه فيها ، فقعد الرجل وغسل يده .
ص: 292
فلمّا فرغ ناول الإبريق محمد بن الحنفية وقال : يا بني ، لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده ، ولكنّ اللّه يأبى أن يسوّي بين ابن وأبيه إذا جمعهما ، قد صبّ الأب على الأب ، فليصبّ الابن على الابن(1) .
حلية الأولياء ونزهة الأبصار : إنّه مضى علي عليه السلام في حكومة إلى شريح مع يهودي ، فقال : يا يهودي ، الدرع درعي ، ولم أبع ولم أهب ، فقال اليهودي : الدرع لي وفي يدي .
فسأله شريح البينة ، فقال : هذا قنبر والحسين عليه السلام يشهدان لي بذلك ، فقال شريح : شهادة الابن لا تجوز لأبيه ، وشهادة العبد لا تجوز لسيده ، وإنّهما يجرّان إليك .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك يا شريح ، أخطأت من وجوه : أمّا واحدة ، فأنا إمامك تدين اللّه بطاعتي ، وتعلم أنّي لا أقول باطلاً ، فرددت قولي وأبطلت دعواي ، ثم سألتني البينة ، فشهد عبدي وأحد سيدي شباب أهل الجنّة ، فرددت شهادتهما ، ثم ادعيت عليهما أنّهما يجرّان إلى أنفسهما ، أما أنّي لا أرى عقوبتك إلاّ أن تقضي بين اليهود ثلاثة أيام ، أخرجوه .
فأخرجه الى قبا ، فقضى بين اليهود ثلاثا ، ثم انصرف .
ص: 293
فلمّا سمع اليهودي ذلك ، قال : هذا أمير المؤمنين عليه السلام جاء إلى الحاكم ، والحاكم حكم عليه ، فأسلم ، ثم قال : الدرع درعك ، سقط يوم صفين من جمل أورق(1) فأخذته(2) .
وفي الأحكام الشرعية عن الخزاز القمّي : إنّ عليا عليه السلام كان في مسجد الكوفة ، فمرّ به عبد اللّه بن قفل التيمي ، ومعه درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة ، فقال عليه السلام : هذه درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة ، فقال ابن قفل : يا أمير المؤمنين عليه السلام ، اجعل بيني وبينك قاضيا !!
فحكّم شريحا ، فقال علي عليه السلام : هذه درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة ، فالتمس شريحا البينة !! فشهد الحسن بن علي عليهماالسلام بذلك ، فسأل آخر ، فشهد قنبر بذلك ، فقال : هذا مملوك ، ولا أقضي بشهادة المملوك ، فغضب علي عليه السلام ، ثم قال : خذوا الدرع ، فقد قضى بجور ثلاث مرات .
فسأله عن ذلك ، فقال عليه السلام : إنّي لمّا قلت لك : إنّها درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة ، فقلت : هات على ما قلت بينة ، فقلت : رجل لم يسمع الحديث ، وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : حيث ما وجد غلولاً أخذ بغير بينة .
ص: 294
ثم أتيتك بالحسن عليه السلام فشهد ، فقلت : هذا شاهد ، ولا أقضي بشاهد حتى يكون معه آخر ، وقد قضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بشاهد ويمين ، فهذان إثنتان .
ثم أتيتك بقنبر ، فقلت : هذا مملوك ، ولا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً ، فهذه الثالثة .
ثم قال عليه السلام : يا شريح ، إنّ إمام المسلمين يؤتمن في أمورهم على ما هو أعظم من هذا(1) .
الباقر عليه السلام في خبر : أنّه رجع علي عليه السلام إلى داره في وقت القيظ ، فإذا إمرأة
قائمة تقول : إنّ زوجي ظلمني وأخافني ، وتعدّى عليّ ، وحلف ليضربني ، فقال عليه السلام : يا أمة اللّه ، اصبري حتى يبرد النهار ، ثم أذهب معك إن شاء اللّه ، فقالت : يشتدّ غضبه وحرده عليّ .
فطأطأ رأسه ، ثم رفعه وهو يقول : لا واللّه ، أو يؤخذ للمظلوم حقّه غير متعتع ، أين منزلك ؟
فمضى إلى بابه ، فوقف على بابه ، فقال : السلام عليكم ، فخرج شاب ، فقال علي عليه السلام : يا عبد اللّه ، اتق اللّه ، فإنّك قد أخفتها وأخرجتها .
ص: 295
فقال الفتى : وما أنت وذاك ؟! واللّه لأحرقنّها لكلامك .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر ، تستقبلني بالمنكر وتنكر المعروف ؟!
قال : فأقبل الناس من الطرق ويقولون : سلام عليكم يا أمير المؤمنين ، فسقط الرجل في يديه ، فقال : يا أمير المؤمنين عليه السلام ، أقلني عثرتي ، فواللّه لأكوننّ لها أرضا تطأني ، فأغمد علي عليه السلام سيفه ، وقال : يا أمة اللّه ، ادخلي منزلك ولا تلجئي زوجك إلى مثل هذا وشبهه .
وروى الفنجكردي في سلوة الشيعة له عليه السلام :
ودع التجبّر والتكبّر يا أخي
إنّ التكبّر للعبيد وبيل
واجعل فؤادك للتواضع منزلاً
إنّ التواضع بالشريف جميل
* * *
ص: 296
ص: 297
ص: 298
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن عطاء عن ابن مسعود في قوله « إِنّا جَعَلْنا ما عَلَى الأَْرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » قال : زينة الأرض الرجال ، وزنية الرجال علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
حمزة بن عطاء عن أبي جعفر عليه السلام في قوله « هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ » قال : هو علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، يأمر بالعدل ، وهو على صراط مستقيم(2) .
وروى نحوا منه أبو المضا عن الرضا عليه السلام .
فضائل أحمد بن حنبل : قال علي عليه السلام : أحاج الناس يوم القيامة بتسع :
ص: 299
بإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والعدل في الرعية ، والقسم بالسوية ، والجهاد في سبيل اللّه ، وإقامة الحدود ، وأشباهه(1) .
الفائق : إنّه بعث العباس بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث ابنيهما الفضل بن عباس وعبد المطلب بن ربيعة يسألانه أن يستعملهما على الصدقات ، فقال علي عليه السلام : واللّه ، لا يستعمل منكم أحد على الصدقة ، فقال له ربيعة : هذا أمرك ، نلت صهر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم نحسدك عليه .
فألقي علي عليه السلام رداءه ، ثم اضطجع عليه ، فقال : أنا أبو الحسن القرم ، واللّه لا أريم حتى يرجع اليكما ابناكما بحور ما بعثتما به ، قال صلى الله عليه و آله : إنّ هذه الصدقة أوساخ الناس ، وإنّها لا تحلّ لمحمد صلى الله عليه و آله ولا لآل محمد(2) .
قال الزمخشري : الحور الخيبة(3) .
نزل بالحسن بن علي عليهماالسلام ضيف ، فاستقرض من قنبر رطلاً من العسل الذي جاء من اليمن .
ص: 300
فلمّا قعد علي عليه السلام ليقسمها قال : يا قنبر قد حدث في هذا الزقّ حدث ! قال : صدق فوك ، وأخبره الخبر .
فهم بضرب الحسن عليه السلام !! وقال : ما حملك على أن أخذت منه قبل القسمة ؟ قال : إنّ لنا فيه حقّا ، فإذا أعطيتناه رددناه ، قال : فداك أبوك ، وإن كان لك فيه حقّ فليس لك أن تنتفع بحقّك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم ، لولا أنّي رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقبل ثنيتك لأوجعنك ضربا !!
ثم دفع إلى قنبر درهما وقال : اشتر به أجود عسل تقدر عليه .
قال الراوي : فكأنّي أنظر إلى يدي علي عليه السلام على فم الزقّ ، وقنبر يقلّب العسل فيه ، ثم شدّه ويقول : اللّهم اغفرها للحسن(1) فإنّه لا يعرف(2) .
ص: 301
التهذيب: قال علي بن أبي رافع ، وكان على [ بيت ] مال أمير المؤمنين عليه السلام : أخذت منّي ابنته عقد لؤلؤ عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيام في أيام الأضحى ، فرآه عليه السلام عليها فعرفه ، وقال لي : أتخون المسلمين ؟!
فقصصت عليه وقلت : قد ضمنته من مالي . فقال : ردّه من يومك هذا ، وإيّاك أن تعود لمثل هذا ، فتنالك عقوبتي .
ثم قال : لو كانت ابنتي أخذت هذا العقد على غير عارية مضمونة ،
ص: 302
لكانت إذا أوّل هاشمية قطعت يدها على سرقة .
فقالت ابنته في ذلك مقالاً ، فقال : يا بنت علي بن أبي طالب ، لا تذهبنّ بنفسك عن الحقّ ، أكلّ نساء المهاجرين يتزيّن في هذا العيد بمثل هذا ؟!(1) .
عن زاذان : إنّ قنبرا قدم إلى أمير المؤمنين عليه السلام جامات من ذهب وفضّة في الرحبة ، وقال : إنّك لا تترك شيئا إلاّ قسمته ، فخبأت لك هذا ، فسلّ سيفه وقال : ويحك ، لقد أحببت أن تدخل بيتي نارا ؟!
ثم استعرضها بسيفه ، فضربها حتى انتثرت من بين إناء مقطوع بضعة وثلاثين ، وقال : عليّ بالعرفاء ، فجاؤوا ، فقال : هذا بالحصص ، وهو يقول :
هذا جناي وخياره فيه
وكلّ جان يده إلى فيه(1)
* * *
جمل أنساب الأشراف : إنّه أعطته الخادمة في بعض الليالي قطيفة ، فأنكر دفأها ، فقال : ما هذه ؟ قالت الخادمة : هذه من قطف الصدقة ، قال : أصردتمونا بقية ليلتنا(2) .
وقدم عليه عقيل ، فقال للحسن عليه السلام : اكس عمّك ، فكساه قميصا من قميصه ، ورداء من أرديته .
ص: 304
فلمّا حضر العشاء ، فإذا هو خبز وملح ، فقال عقيل : ليس إلاّ ما أرى ! فقال : أو ليس هذا من نعمة اللّه ، فله الحمد كثيرا ، فقال : أعطني ما أقضي به ديني ، وعجّل سراحي حتى أرحل عنك ، قال : فكم دينك يا أبا يزيد ؟ قال : مائة ألف درهم ، قال : واللّه ما هي عندي ، ولا أملكها ، ولكن اصبر حتى يخرج عطاي فأواسيكه ، ولولا أنّه لابد للعيال من شيء لأعطيتك كلّه ، فقال عقيل : بيت المال في يدك وأنت تسوّفني إلى عطائك ؟! وكم عطاؤك ؟ وما عسى يكون ولو أعطيتنيه كلّه ؟! فقال : ما أنا وأنت فيه إلاّ بمنزلة رجل من المسلمين .
وكانا يتكلّمان فوق قصر الإمارة ! مشرفين على صناديق أهل السوق ، فقال له علي عليه السلام : إن أبيت - يا أبا يزيد - ما أقول ، فأنزل إلى بعض هذه الصناديق ، فاكسر أقفاله ، وخذ ما فيه ، فقال : وما في هذه الصناديق ؟ قال : فيها أموال التجار ، قال : أتأمرني أن أكسر صناديق قوم قد توكّلوا على اللّه ، وجعلوا فيها أموالهم ؟! فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أتأمرني أن أفتح بيت المال المسلمين فأعطيك أموالهم ، وقد توكّلوا على اللّه واقفلوا عليها ، وإن شئت أخذت سيفك ، وأخذت سيفي ، وخرجنا جميعا إلى الحيرة ، فإنّ بها تجارا مياسير ، فدخلنا على بعضهم فأخذنا ماله ، فقال : أو سارق جئت ! قال : تسرق من واحد خير من أن تسرق من المسلمين جميعا .
قال له : أفتأذن لي أن أخرج إلى معاوية ؟ فقال له : قد أذنت لك .
قال : فأعنّي على سفري هذا ، قال : يا حسن ، أعط عمّك أربعمائة درهم .
ص: 305
فخرج عقيل وهو يقول :
سيغنيني الذي أغناك عنّي
ويقضي ديننا ربّ قريب(1)
* * *
وذكر عمرو بن العاص : أنّ عقيلاً لمّا سأل عطاءه(2) من بيت المال ، قال له أمير المؤمنين عليه السلام : تقيم إلى يوم الجمعة ، فأقام .
فلمّا صلّى أمير المؤمنين عليه السلام الجمعة قال لعقيل : ما تقول فيمن خان هؤلاء أجمعين ؟ قال : بئس الرجل ذاك ، قال : فأنت تأمرني أن أخون هؤلاء وأعطيك(3) .
ومن خطبة له عليه السلام : ولقد رأيت عقيلاً(4) وقد أملق ، حتى استماحني من برّكم صاعا ، وعاودني في عشر وسق من شعيركم يقضمه جياعه ، وكاد
ص: 306
يطوي ثالث أيامه خامصا ما استطاعه ، ولقد رأيت أطفاله شعث الألوان من صرّهم ، كأنّما اشمأزت وجوههم من قترهم ، فلمّا عاودني في قوله وكرّه أصغيت إليه سمعي ، فغرّه وظنني أوثغ(1) ديني ، وأتبع ما أسره ، أحميت له حديدة لينزجر ، إذ لا يستطيع مسّها ولا يصبر ، ثم أدنيتها من جسمه ، فضجع من ألمه ضجيج دنف يئن من سقمه ، وكاد يسبّني سفها من كظمه ، ولحرقة في لظى أدنى له من عدمه ، فقلت له : ثكلتك الثواكل يا عقيل ، أتئن من أذى ولا أئن من لظى(2) .
وعن أم عثمان - أم ولد علي عليه السلام - قالت : جئت عليا عليه السلام وبين يديه قرنفل مكبوب في الرحبة ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، هب لابنتي من هذا القرنفل قلادة ، فقال : هاك ذا - ونفذ بيده إليّ درهما - فإنّما هذا للمسلمين ، أو لا فاصبري حتى يأتينا حظّنا منه ، فنهب لابنتك قلادة(3) .
ص: 307
وسأله عبد اللّه بن زمعة مالاً ، فقال : إنّ هذا المال ليس لي ولا لك ، وإنّما
هو للمسلمين ، وجلب أسيافهم ، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظّهم ، وإلاّ فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم(1) .
وجاء إليه عاصم بن ميثم ، وهو يقسم مالاً ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي شيخ كبير مثقل ، قال : واللّه ، ما هو بكدّ يدي ، ولا بتراثي عن والدي ، ولكنّها أمانة أوعيتها(2) قال : رحم اللّه من أعان شيخا كبيرا مثقلاً(3) .
تاريخ الطبري وفضائل أمير المؤمنين عليه السلام عن ابن مردويه : أنّه لمّا أقبل من اليمن تعجّل إلى النبي صلى الله عليه و آله ، واستخلف على جنده الذين معه رجلاً من أصحابه ، فعمد ذلك الرجل فكسا كلّ رجل من القوم حلّة من البزّ الذي كان مع علي عليه السلام .
فلمّا دنى جيشه خرج علي عليه السلام ليتلقّاهم ، فإذا هم عليهم الحلل ، فقال : ويلك ما هذا ؟
ص: 308
قال : كسوتهم ليتجمّلوا إذا قدموا في الناس ، قال : ويلك من قبل أن ينتهي إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟!
قال : فانتزع الحلل من الناس ، وردّها في البزّ ، وأظهر الجيش شكاية لما صنع بهم(1) .
ثم روى عن الخدري أنّه قال : شكا الناس عليا عليه السلام ، فقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله خطيبا ، فقال : أيّها الناس لا تشكو عليا ، فواللّه إنّه لخشن في ذات اللّه (2) .
وسمعت مذاكرة : أنّه دخل عليه عمرو بن العاص ليلة ، وهو في بيت المال ، فطفأ السراج ، وجلس في ضوء القمر ، ولم يستحلّ أن يجلس في الضوء من غير استحقاق .
ومن كلام له فيما ردّه على المسلمين من قطائع عثمان : واللّه لو وجدته قد تزوّج به النساء ، وملك به الإماء لرددته ، فإنّ في العدل سعة ، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق(3) .
ص: 309
ومن كلام له لمّا أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان : دعوني والتمسوا غيري ، فأنّا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان ، لا يقوم لها القلوب ، ولا يثبت عليه العقول ، وإنّ الآفاق قد أغامت ، والمحجّة قد تنكّرت ، واعلموا إنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، ولم أصغ إلى قول القائل ، وعتب العاتب(1) .
وفي رواية عن أبي الهيثم بن التيهان وعبد اللّه بن أبي رافع : إنّ طلحة والزبير جاءا إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقالا : ليس كذلك كان يعطينا عمر ، قال : فما كان يعطيكما رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فسكتا .
قال : أليس كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقسم بالسوية بين المسلمين ؟ قالا : نعم ، قال : فسنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله أولى بالإتباع عندكم أم سنّة عمر ؟ قالا : سنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، يا أمير المؤمنين ، لنا سابقة وعناء وقرابة ، قال : سابقتكما أقرب أم سابقتي ؟ قالا : سابقتك ، قال : فقرابتكما أم قرابتي ؟ قالا : قرابتك ، قال : فعناؤكما أعظم من عنائي ؟ قالا : عناؤك ، قال : فواللّه ، ما أنا وأجيري هذا إلاّ بمنزلة واحدة ، وأومى ء بيده إلى الأجير(2) .
ص: 310
كتاب ابن الحاشر بإسناده إلى مالك بن أوس بن الحدثان في خبر طويل : أنّه قام سهل بن حنيف فأخذ بيد عبده ، فقال : يا أمير المؤمنين ، قد أعتقت هذا الغلام ، فأعطاه ثلاثة دنانير مثل ما أعطى سهل بن حنيف(1) .
وسأله عليه السلام بعض مواليه مالاً ، فقال : يخرج عطائي فأقاسمكم ، فقال : لا أكتفي ، وخرج إلى معاوية فوصله ، فكتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام يخبره بما أصاب من المال .
فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام : أمّا بعد : فإنّ ما في يدك من المال قد كان له أهل قبلك ، وهو صائر إلى أهل من بعدك ، فإنّما لك ما مهّدت لنفسك ، فآثر نفسك على أحوج ولدك ، فإنّما أنت جامع لأحد رجلين : أمّا رجل عمل فيه بطاعة اللّه ، فسعد بما شقيت ، وأمّا رجل عمل فيه بمعصية اللّه ، فشقي بما جمعت له ، وليس من هذين أحد بأهل أن تؤثره على نفسك ، ولا تبرد له على ظهرك ، فارج لمن مضى رحمة اللّه ، وثق لمن بقي برزق اللّه (2) .
ص: 311
حكيم بن أوس : كان علي عليه السلام يبعث الينا بزقاق العسل ، فيقسم فينا ، ثم يأمر أن يلعقوه .
وأُتي إليه بأحمال فاكهة ، فأمر ببيعها ، وأن يطرح ثمنها في بيت المال .
سعيد بن المسيب : رأيت عليا عليه السلام بنى للضوالّ مربدا ، فكان يعلفها علفا لا يسمنها ولا يهزلها من بيت المال ، فمن أقام عليها بينة أخذها ، وإلاّ أقرّها على حالها(1) .
عاصم بن ميثم : أنّه أهدي إلى علي عليه السلام سلال خبيص ، له خاصّة ، فدعا بسفرة فنثره عليه .
ثم جلسوا حلقتين يأكلون(2) .
ص: 312
أبو حريز : إنّ المجوس أهدوا إليه يوم النيروز جامات من فضّة فيها سكر ، فقسم السكر بين أصحابه ، وحسبها من جزيتهم .
وبعث إليه دهقان بثوب منسوج بالذهب ، فابتاعه منه عمرو بن حريث بأربعة آلاف درهم إلى العطاء(1) .
الحلية وفضائل أحمد وعاصم بن كليب عن أبيه أنّه قال : أُتي علي عليه السلام بمال من أصفهان ، وكان أهل الكوفة أسباعا ، فقسّمه سبعة أسباع ، فوجد فيه رغيفا ، فكسره بسبعة كسر .
ثم جعل على كلّ جزء كسرة ، ثم دعا أمراء الإسباع ، فأقرع [ بينهم ]
أيّهم [ يعطيه أولاً (2)] .
ص: 313
فضائل أحمد : إنّه رأى حبلاً في بيت المال ، فقال : اعطوه الناس ، فأخذه بعضهم(1) .
مجالس ابن مهدي : إنّه تخاير غلامان في خطّيهما إلى الحسن عليه السلامفقال : انظر ما تقول ، فإنّه حكم ، وكان عليه السلام قوالاً للحقّ ، قواما بالقسط ، إذا رضى لم يقل غير الصدق ، وإن سخط لم يتجاوز جانب الحقّ .
قال مهيار :
بنفسي من كانت مع اللّه نفسه
إذا قلّ يوم الخلق من لم يحارف
أبا حسن إن أنكر القوم فضله
على أنّه واللّه إنكار عارف
إذا ما عزوا دينا فأوّل عابد
وإن أقسموا دنيا فأوّل عائف
وأغرى بك الحسّاد أنّك لم تكن
على صنم فيما رووه بعاكف
أسرّ لمن والاك حبّ موافق
وأبدى لمن عاداك سبّ مخالف
* * *
ص: 314
ص: 315
ص: 316
مختار التمّار عن أبي مطر البصري : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام مرّ بأصحاب التمر ، فإذا هو بجارية تبكي ، فقال : يا جارية ، ما يبكيك ؟ فقالت : بعثني مولاي بدرهم ، فابتعت من هذا تمرا ، فأتيتهم به فلم يرضوه ، فلمّا أتيته به أبى أن يقبله .
فقال : يا عبد اللّه ، إنّها خادم وليس لها أمر ، فاردد إليها درهمها وخذ التمر ، فقام إليه الرجل فلكزه ، فقال الناس : هذا أمير المؤمنين .
فربا الرجل واصفر ، وأخذ التمر وردّ إليها درهمها ، ثم قال : يا أمير المؤمنين ، ارض عنّي ، فقال : ما أرضاني عنك إن أصلحت أمرك(1) .
وفي فضائل أحمد : إذا وفيت الناس حقوقهم(2) .
ودعا عليه السلام غلاما له مرارا فلم يجبه ، فخرج ، فوجده على باب البيت ،
ص: 317
فقال: ما حملك على ترك إجابتي؟ قال: كسلت عن إجابتك وأمنت عقوبتك.
فقال : الحمد للّه الذي جعلني ممّن تأمنه خلقه ، امض فأنت حرّ لوجه
اللّه (1) .
وأنشد الأشجع :
ولست بخائف لأبي حسين
ومن خاف الإله فلن يُخافا(2)
* * *
وقال أبو نؤاس :
قد كنت خفتك ثم آمنني
من أن أخافك خوفك اللاّها
* * *
وقال غيره :
آمنني منه ومن خوفه
خيفته من خشية الباري
* * *
وكان علي عليه السلام في صلاة الصبح ، فقال ابن الكواء من خلفه : « وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ » ، فأنصت علي عليه السلام تعظيما للقرآن حتى فرغ من الآية .
ص: 318
ثم عاد في قراءته ، ثم أعاد ابن الكواء الآية ، فأنصت علي عليه السلامأيضا ، ثم قرأ ، ثم أعاد ابن الكواء ، فأنصت علي عليه السلام .
ثم قال : « فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ » ، ثم أتم وركع(1) .
وبعث أمير المؤمنين عليه السلام إلى لبيد بن العطارد التيمي في كلام بلغه ، فمرّ به أمير المؤمنين عليه السلام في بني أسد ، فقام إليه نعيم بن دجاجة الأسدي فأفلته ، فبعث إليه أمير المؤمنين عليه السلام ، فأتوه به ، وأمر به أن يضرب ، فقال له : نعم ، واللّه إنّ المقام معك لذلّ ، وإنّ فراقك لكفر .
فلمّا سمع ذلك منه قال : قد عفونا عنك ، إنّ اللّه - عزّ وجلّ - يقول « ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ » ، أمّا قولك إنّ المقام معك ، لذلّ فسيئة اكتسبتها ، وأمّا قولك إنّ فراقك لكفر ، فحسنة اكتسبتها ، فهذه بهذه(2) .
مرّت إمرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام :
ص: 319
إنّ أبصار هذه الفحول طوامح ، وإنّ ذلك سبب هناتها(1) ، فإذا نظر أحدكم إلى إمرأة تعجبه ، فليلمس أهله ، فإنّما هي إمرأة كامرأة .
فقال رجل من الخوارج : قاتله اللّه كافرا ما أفقهه !! فوثب القوم ليقتلوه ، فقال علي عليه السلام : رويدا إنّما هو سبّ بسبّ ، أو عفو عن ذنب(2) .
وجاءه أبو هريرة ، وكان يتكلّم فيه ، واسمعه في اليوم الماضي ، وسأله حوائجه فقضاها ، فعاتبه أصحابه على ذلك ، فقال : إنّي لأستحي أن يغلب جهله علمي ، وذنبه عفوي ، ومسألته جودي .
ومن كلامه : إلى كم أغضي الجفون على القذى ، وأسحب ذيلي على الأذى ، وأقول لعلّ وعسى .
العقد ونزهة الأبصار : قال قنبر : دخلت مع أمير المؤمنين عليه السلام على عثمان ، فأحبّ الخلوة ، فأومى ء إليّ بالتنحي ، فتنحّيت غير بعيد .
ص: 320
فجعل عثمان يعاتبه ، وهو مطرق رأسه ، وأقبل إليه عثمان ، فقال : ما لك لا تقول ، فقال عليه السلام : ليس جوابك إلاّ ما تكره ، وليس لك عندي إلاّ ما تحبّ(1) ، ثم خرج قائلاً :
ولو أنّني جاوبته لأمضّه
نواقد قولي واحتضار جوابي
ولكنّني أغضي على مضض الحشا
ولو شئت إقداما لأنشب نابي
* * *
وأسر مالك الأشتر يوم الجمل مروان بن الحكم ، فعاتبه عليه السلاموأطلقه .
وقالت عائشة يوم الجمل : ملكت فاسجح ، فجهّزها أحسن الجهاز ، وبعث معها بتسعين إمرأة ، أو سبعين(2) .
واستأمنت لعبد اللّه بن الزبير على لسان محمد بن أبي بكر فآمنه ، وآمن معه سائر الناس .
وجى ء بموسى بن طلحة بن عبيد اللّه ، فقال له : قل : استغفر اللّه وأتوب إليه - ثلاث مرات - ، وخلّى سبيله ، وقال : إذهب حيث شئت ، وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه ، وإتق اللّه فيما تستقبله من أمرك ، واجلس في بيتك(3) .
ص: 321
ابن بطة العكبري وأبو داود السجستاني عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان علي عليه السلام إذا أخذ أسيرا في حروب الشام أخذ سلاحه ودابته ، واستحلفه أن لا يعين عليه .
ابن بطة بإسناده عن عرفجة عن أبيه قالا : لمّا قتل علي عليه السلامأصحاب النهر جاء بما كان في عسكرهم ، فمن كان يعرف شيئا أخذه حتى بقيت قدر ، ثم رأيتها بعد قد أُخذت .
الطبري : لمّا ضرب علي عليه السلام طلحة العبدري تركه ، فكبّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال لعلي عليه السلام : ما منعك أن تجهز عليه ؟ قال : إنّ ابن عمّي ناشدني اللّه والرحم حين انكشفت عورته ، فاستحييته(1) .
ولمّا أدرك عمرو بن عبد ودّ لم يضربه ، فوقعوا في علي عليه السلام ، فردّ عنه حذيفة ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : مه يا حذيفة ، فإنّ عليا سيذكر سبب وقفته .
ص: 322
ثم إنّه ضربه ، فلمّا جاء سأله النبي صلى الله عليه و آله عن ذلك ، فقال : قد كان شتم أمّي ، وتفل في وجهي ، فخشيت أن أضربه لحظّ نفسي ، فتركته حتى سكن ما بي ، ثم قتلته في اللّه (1) .
وإنّه عليه السلام لمّا امتنع من البيعة جرت من الأسباب ما هو معروف ، فاحتمل وصبر .
وروي أنّه لمّا طالبوه بالبيعة ، قال له الأول : بايع ، قال : فإن لم أفعل ؟! قال : واللّه الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك .
قال : فالتفت علي عليه السلام إلى القبر فقال : « ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي
وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي »(2) .
الجاحظ في البيان والتبيين : إنّ أول خطبة خطبها أمير المؤمنين عليه السلام
ص: 323
قوله : قد مضت أمور لم تكونوا فيها بمحمودي الرأي ، أما لو أشاء أن أقول لقلت، ولكن عفا اللّه عمّا سلف ، سبق الرجلان ، وقام الثالث كالغراب ، همّته بطنه ، يا ويله ، لو قصّ جناحه ، وقطع رأسه ، لكان خيرا له(1) .
وقد روى الكافّة عنه : اللّهم إنّي استعديك على قريش ، فإنّهم ظلموني [ في ] الحجر والمدر(2) .
إبراهيم الثقفي عن عثمان بن أبي شيبة والفضل بن دكين بإسنادهما : قال علي عليه السلام : ما زلت مظلوما منذ قبض اللّه نبيه صلى الله عليه و آله إلى يومي هذا(3) .
وروى إبراهيم بإسناده عن المسيب بن نجية قال : بينما علي عليه السلام يخطب ، وأعرابي يقول : وا مظلمتاه .
فقال عليه السلام : ادن ، فدنا .
فقال : لقد ظلمت عدد المدر والمطر والوبر .
وفي رواية كثير بن اليمان : وما لا يحصى(4) .
ص: 324
أبو نعيم الفضل بن دكين بإسناده عن حريث قال : إنّ عليا عليه السلام لم يقم مرّة على المنبر إلاّ قال في آخر كلامه قبل أن ينزل : ما زلت مظلوما منذ قبض اللّه نبيه(1) صلى الله عليه و آله .
وكان عليه السلام بشره دائم ، وثغره باسم ، غيث لمن رغب ، وغياث لمن وهب ، مآل الآمل ، وثمال الأرامل ، يتعطّف على رعيته ، ويتصرّف على مشيته ، ويكلاه بحجته ، ويكفيه بمهجته .
ونظر علي عليه السلام إلى إمرأة على كتفها قربة ماء ، فأخذ منها القربة ، فحملها إلى موضعها ، وسألها عن حالها ، فقالت : بعث علي بن أبي طالب عليهماالسلام صاحبي إلى بعض الثغور فقتل ، وترك عليّ صبيانا يتامى ، وليس عندي شيء ، فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس ، فانصرف ، وبات ليلته قلقا .
فلمّا أصبح حمل زنبيلاً فيه طعام ، فقال بعضهم : أعطني أحمله عنك ، فقال : من يحمل وزري عنّي يوم القيامة ؟!
فأتى وقرع الباب ، فقالت : من هذا ؟ قال : أنا ذلك العبد الذي حمل معك القربة ، فافتحي ، فإنّ معي شيئا للصبيان ، فقالت : رضى اللّه عنك ، وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب عليهماالسلام!
ص: 325
فدخل ، وقال : إنّي أحببت اكتساب الثواب ، فاختاري بين أن تعجنين وتخبزين ، وبين أن تعلّلين الصبيان لأخبز أنا ، فقالت : أنا بالخبز أبصر ، وعليه أقدر ، ولكن شأنك والصبيان فعلّلهم حتى أفرغ من الخبز .
فعمدت إلى الدقيق فعجنته ، وعمد علي عليه السلام إلى اللحم فطبخه ، وجعل يلقم الصبيان من اللحم والتمر وغيره ، فكلّما ناول الصبيان من ذلك شيئا قال له : يا بني اجعل علي بن أبي طالب عليهماالسلام في حلّ ممّا مرّ في أمرك .
فلمّا اختمر العجين قالت : يا عبد اللّه سجّر التنور ، فبادر لسجره ، فلمّا أشعله ولفح في وجهه جعل يقول : ذق - يا علي - هذا جزاء من ضيّع الأرامل واليتامى .
فرأته إمرأة تعرفه ، فقالت : ويحك ، هذا أمير المؤمنين !
قال : فبادرت المرأة وهي تقول : وا حيائي منك يا أمير المؤمنين ! فقال : بل وا حيائي منك يا أمة اللّه فيما قصرت في أمرك .
قال الناشي :
يا هالكا هلك الرشاد بهلكه
فلقد يئسنا بعده أن يوجدا
هتكت جيوب الصالحات فيابها
أضحى لأجلك مذ نأيت مسودا
* * *
ص: 326
ص: 327
ص: 328
أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله « أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ » الآية ، قال : علي بن أبي طالب - صلوات اللّه عليه - لم يسبقه أحد(1) .
وروي عن ابن عباس قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا أطرق هبنا أن نبتديه بالكلام(2) .
وقيل لأمير المؤمنين عليه السلام : بم غلبت الأقران ؟ قال : بتمكّن هيبتي في قلوبهم(3) .
النطنزي في الخصائص عن سفيان بن عيينة عن شقيق بن سلمة قال :
ص: 329
كان عمر يمشي ، فإلتفت إلى ورائه وعدا ، فسألته عن ذلك ، فقال : ويحك ، أما ترى الهزبر ابن الهزبر ، القثم ابن القثم ، الفلاّق للبهم ، الضارب على هامة من طغى وظلم ، ذا السيفين ورائي .
فقلت : هذا علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
فقال : ثكلتك أمّك ، إنّك تحقّره ! بايعنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم أحد أنّ من فرّ منّا فهو ضالّ ، ومن قتل فهو شهيد ، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله يضمن له الجنّة ، فلمّا التقى الجمعان هزمونا ، وهذا كان يحاربهم وحيدا ، حتى انسل نفس رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجبرئيل عليه السلام ، ثم قال : عاهدتموه وخالفتموه ، ورمى بقبضة رمل وقال : شاهت الوجوه ، فواللّه ما كان منّا إلاّ وأصابت عينه رملة ، فرجعنا نمسح وجوهنا قائلين : اللّه اللّه يا أبا الحسن ، أقلنا أقالك اللّه ، فالكرّ والفرّ عادة العرب ، فاصفح ، وقلّ ما أراه وحيدا إلاّ خفت منه .
وقال النبي صلى الله عليه و آله من قتل قتيلاً فله سلبه(1) ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يتورّع عن ذلك ، وإنّه لم يتبع منهمزما ، وتأخر عمّن استغاث ، ولم يكن يجهز على جريح .
* * *
ص: 330
قال بعض السادة :
لم يهتك العورة يبغي سلبا
ولا خطا متّبعا لمنهزم
ولا قضى يوما على جريحه
ولا استباح محرما ولا ظلم
* * *
وقال غيره :
إمام لا يراه اللّه يوما
يحيف على اليتيمة واليتيم
ولا ولّى على عقب غداة
الجلاد ولا أجاز على كليم
ولا عرف العبادة مع قريش
لغير الواحد الصمد القديم
* * *
ولمّا أردى عليه السلام عمرا قال عمرو : يا بن عمّ ، إنّ لي إليك حاجة ، لا تكشف سوأة ابن عمّك ، ولا تسلبه سلبه ، فقال : ذاك أهون عليّ .
وفيه يقول عليه السلام :
وعففت عن أثوابه ولو أنّني
كنت المقطّر(1) بزّني أثوابي
* * *
محمد بن إسحاق : قال له عمر : هلاّ سلبت درعه ، فإنّها تساوي ثلاثة آلاف ، وليس للعرب مثلها ؟ قال : إنّي استحييت أن أكشف ابن عمّي(2) .
ص: 331
وروي أنّه جاءت أخت عمرو ، ورأته في سلبه ، فلم تحزن وقالت : إنّما قتله كريم .
وقال عليه السلام : يا قنبر ، لا تعرّ فرائسي ، أراد لا تسلب قتلاي من البغاة .
إنّ الأسود أسود الغاب همّتها
يوم الكريهة في المسلوب لا السلب
* * *
وسأله أعرابي شيئا ، فأمر له بألف ، فقال الوكيل : من ذهب أو فضة ؟ فقال : كلاهما عندي حجران ، فاعط الأعرابي أنفعهما له .
وقال له ابن الزبير : إنّي وجدت في حساب أبي أنّ له على أبيك ثمانين ألف درهم ، فقال له : إنّ أباك صادق ، فقضى ذلك .
ثم جاءه ، فقال : غلطت فيما قلت ، إنّما كان لوالدك على والدي ما ذكرته لك ، فقال : والدك في حلّ ، والذي قبضته منّي هو لك .
له همم لا منتهى لكبارها
وهمّته الصغرى أجلّ من الدهر
له راحة لو أنّ معشار جودها
على البرّ صار البرّ أندى من البحر
* * *
ص: 332
ص: 333
ص: 334
أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن سمعي عن أبي صالح عن أبي هريرة وابن عباس في قوله - تعالى - « فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ » يقول : يا محمد صلى الله عليه و آله ، لا يكذبك علي بن أبي طالب عليهماالسلام بعد ما آمن بالحساب .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام في مقامات كثيرة : أنا باب المقام ، وحجّة الخصام ، ودابة الأرض ، صاحب العصا ، وفاصل القضاء ، وسفينة النجاة ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق(1) .
وقال عليه السلام : أنا شجرة الندى ، وحجاب الورى ، وصاحب الدنيا ، وحجّة الأنبياء ، واللسان المبين ، والحبل المتين ، والنبأ العظيم الذي عنه تعرضون ، وعنه تسألون ، وفيه تختلفون .
وقال عليه السلام : فوعزّتك وجلالك وعلو مكانك في عظمتك وقدرتك ما هبت عدوّا ، ولا تملّقت وليّا ، ولا شكرت على النعماء أحدا سواك .
وفي مناجاته : اللّهم إنّي عبدك ووليّك ، اخترتني وارتضيتني ورفعتني
ص: 335
وكرّمتني بما أورثتني من مقام أصفيائك ، وخلافة أوليائك ، وأغنيتني وأفقرت الناس في دينهم ودنياهم إليّ ، وأعززتني وأذللت العباد إليّ ، وأسكنت قلبي نورك ، ولم تحوجني إلى غيرك ، وأنعمت عليّ ، وأنعمت بي ، ولم تجعل منّة عليّ لأحد سواك ، وأقمتني لإحياء حقّك ، والشهادة على خلقك ، وأن لا أرضى ولا أسخط إلاّ لرضاك وسخطك ، ولا أقول إلاّ حقّا ، ولا أنطق إلاّ صدقا .
فانظر إلى جسارته على الحقّ ، وخذلان جماعة كما تكلّموا بما روي عنهم في حلية الأولياء وغريب الحديث وغيرهما .
ولمّا ضربه ابن ملجم - لعنه اللّه - قال : فزت وربّ الكعبة(1) ، فقد قال اللّه - تعالى - : « قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ » الآية .
أبالموت الذي لابد أنّي(2)
ملاق لا أباك تخوفيني
* * *
ص: 337
ومن صبره ما قال اللّه - تعالى - فيه : «الصّابِرِينَ وَالصّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ
وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَْسْحارِ » .
والدليل على أنّها نزلت فيه أنّه قام الإجماع على صبره مع النبي صلى الله عليه و آله في الشدائد من صغره إلى كبره ، وبعد وفاته .
وقد ذكر اللّه - تعالى - صفة الصابرين في قوله « وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا » ، وهذا صفته بلا شكّ .
مجمع البيان ، وتفسير علي بن إبراهيم ، وابان بن عثمان : أنّه أصاب عليا عليه السلام يوم أحد ستون جراحة(1) .
تفسير القشيري : قال أنس بن مالك : إنّه أُتي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعلي عليه السلام
وعليه نيف وستون جراحة(2) .
قال أبان : أمر النبي صلى الله عليه و آله أم سليم وأم عطية أن تداوياه ، فقالتا : قد خفنا
ص: 338
عليه ، فدخل النبي صلى الله عليه و آله والمسلمون يعودونه ، وهو قرحة وأخذة ، فجعل النبي صلى الله عليه و آله يمسحه بيده ويقول : إن رجلاً لقي هذا في اللّه لقد أبلى وأعذر ، فكان يلتئم .
فقال علي عليه السلام : الحمد للّه الذي لم أفرّ ، ولم أولّ الدبر .
فشكر اللّه - تعالى - له ذلك في موضعين من القرآن ، وهو قوله - تعالى - « وَسَنَجْزِي الشّاكِرِينَ » ، « وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ »(1) .
سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله : «أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ » يعني بالشاكرين صاحبك علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، والمرتدّين على أعقابهم الذين ارتدوا عنه(2) .
سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود في قوله - تعالى - « إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا » يعني صبر علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام في الدنيا على الطاعات ، وعلى الجوع ، وعلى الفقر ، وصبروا على البلاء للّه في الدنيا « أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ »(3) .
ص: 339
وقال علي بن عبد اللّه بن عباس « وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ » علي ابن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
ولمّا نعى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام بحال جعفر في أرض مؤته ، قال : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون .
فأنزل« الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ » الآية .
إنّ البلاء مصيب كلّ شيعته
فاصبر ولا تك عند الهم مقصافا(1)
* * *
قال أبو عبيدة وتغلب : أي استعد جلبابا من العمل الصالح والتقوى يكون لك جنّة من الفقر يوم القيامة .
وقال آخرون : أي فليرفض الدنيا ، وليزهد فيها ، وليصبر على الفقر(2) .
يدلّ عليه قول أمير المؤمنين عليه السلام : وما لي لا أرى منهم سيماء الشيعة ، قيل : وما سيماء الشيعة يا أمير المؤمنين ؟ قال : خمص البطون من الطوى ، يبس الشفاه من الظما ، عمش العيون من البكا(3) .
قال كشاجم :
زعموا أنّ من أحبّ عليا
ظلّ للفقر لابسا جلبابا
كذبوا كم حبّه من فقير
فتردّى من الغنى أثوابا
حرفوا منطق الوصي لمعنى
خالفوا إذ تأوّلوه الصوابا
إنّما قال ارفضوا عنكم
الدنيا إذا كنتم لنا أحبابا
* * *
ص: 341
في مسند أبي يعلى ، واعتقاد الأشنهي ، ومجموع أبي العلاء الهمداني : عن أنس وأبي برزة وأبي رافع ، وفي إبانة ابن بطّة من ثلاثة طرق :
إنّ النبي صلى الله عليه و آله خرج يمشي إلى قبا ، فمرّ بحديقة ، فقال علي عليه السلام : ما أحسن هذه الحديقة !
فقال النبي صلى الله عليه و آله : حديقتك - يا علي - في الجنّة أحسن منها ، حتى مرّ بسبع حدائق على ذلك ، ثم أهوى إليه ، فاعتنقه فبكى ، وبكى علي عليه السلام .
ثم قال علي عليه السلام : ما الذي أبكاك يا رسول اللّه ؟ قال : أبكي لضغائن في صدور قوم لن تبدو لك إلاّ من بعدي .
قال : يا رسول اللّه ، كيف أصنع ؟
قال : تصبر ، فإن لم تصبر تلق جهدا وشدّة ، قال : يا رسول اللّه ، أتخاف فيها هلاك ديني ؟ ، قال : بل فيها حياة دينك(1) .
* * *
وقال الحميري :
وقد كان في يوم الحدائق عبرة
وقول رسول اللّه والعين تدمع
ص: 342
فقال علي ممّ تبكي فقال من
ضغائن قوم شرّهم أتوقّع
عليك وقد يبدونها بعد ميتتي(1)
فماذا هديت اللّه في ذاك يصنع
* * *
وقال العوني :
وقد قال في يوم الحدائق موعزا
إليهم بما في فعلهم هو آت
ستغدر بعدي من قريش عصابة
بعهدك دهرا أعظم الغدرات
سيبدين أسرارا ثوت في صدورهم
قديما من الأضغان والإحنات
سيفتن قوم عندها أيّ فتنة
وأنت سليم غير ذي فتنات
ويوسع غدرا منكم بعهوده
ويملأ غيظا قبل حين مماتي
وتوجد صبّارا شكورا مسلّما
كظوما لغيظ النفس ذا حكمات
* * *
ص: 343
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : ما رأيت منذ بعث اللّه محمدا صلى الله عليه و آله رخاء ، فالحمد
للّه ، ولقد خفت صغيرا ، وجاهدت كبيرا ، أقاتل المشركين ، وأعادي المنافقين ، حتى قبض اللّه نبيه صلى الله عليه و آله ، فكانت الطامة الكبرى ، فلم أزل
محاذرا وجلاً ، أخاف أن يكون ما لا يسعني فيه المقام ، فلم أر - بحمد اللّه - إلاّ خيرا ، حتى مات عمر ، فكانت أشياء ، ففعل اللّه ما شاء اللّه ، ثم أصيب فلان ، فما زلت بعد فيما ترون دائبا ، أضرب بسيفي صبيّا حتى كنت شيخا(1) .
عمرو بن حريث في حديثه : قال أمير المؤمنين عليه السلام : كنت أحسب أنّ الأمراء يظلمون الناس ، فإذا الناس يظلمون الأمراء(2) .
وقال الحميري :
ما زال مذ سلك السبيل محمد
ومضى لغير مذلّة مظلوما
ضامته أمّته وضيمهم له
قد كان أصغر ما يكون عظيما
* * *
أبو الفتح الحفار بإسناده : إنّ عليا عليه السلام قال : ما زلت مظلوما منذ كنت .
ص: 344
قيل له : عرفنا ظلمك في كبرك ، فما ظلمك في صغرك ؟ فذكر أنّ عقيلاً كان به رمد ، فكان لا يذرهما حتى يبدأوا بي(1)(2) .
قال ابن الحجاج :
وقديما كان العقيل تداوى
وسوى ذلك العليل عليل
حين كانت تذرّ عين علي
كلّما إلتاث أو تشكّى عقيل
* * *
ص: 345
ص: 346
ص: 347
ص: 348
الباقر عليه السلام في قوله - تعالى - : « إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ » ، قال : قال : أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته « فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ »(1) .
محمد بن عبد اللّه بن الحسن عن آبائه ، والسدي عن أبي مالك عن ابن عباس ، ومحمد الباقر عليه السلام في قوله - تعالى - « وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ » : واللّه ، لهو علي بن أبي طالب عليهماالسلام(2) .
والسدي وأبو صالح وابن شهاب عن ابن عباس في قوله« وَيُبَشِّرُ الْمُؤمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ » قال : يبشّر محمد صلى الله عليه و آله بالجنّة عليا عليه السلام
ص: 349
وجعفرا وعقيلاً وحمزة وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، « الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ » قال : الطاعات(1) .
قوله : « أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ » علي وحمزة وعبيد بن الحارث ، « كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَْرْضِ » عتبة وشيبة والوليد(2) .
الصادق عليه السلام : إنّه أعتق ألف نسمة من كدّ يده(3) جماعة لا يحصون كثرة .
قال الحميري :
وأعتق ألفا ثم من صلب ماله
أراد بهم وجه الإله وثيبا
* * *
وله أيضا :
وأعتق من يديه ألف نفس
فأضحوا بعد رقّ معتقينا
* * *
ص: 350
وقال له رجل ، ورأى عنده وسق نوى : ما هذا يا أبا الحسن ؟ قال : مائة ألف عذق(1) إن شاء اللّه ، فغرسه فلم يغادر منه نواة واحدة(2) ، فهو من أوقافه .
ووقف مالاً بخيبر ، وبوادي القرى .
ووقف مال أبي نيزر ، والبغيبغة ، وأرباجا ، وأذينه ، ورعدا ، ورزينا ، ورباحا ، على المؤمنين ، وأمر بذلك أكثر ولد فاطمة عليهاالسلام من ذوي الأمانة والصلاح .
وأخرج مائة عين بينبع جعلها للحجيج ، وهو باق إلى يومنا هذا .
وحفر آبارا في طريق مكة والكوفة .
وبنى مسجد الفتح في المدينة ، وعند مقابل قبر حمزة ، وفي الميقات ، وفي الكوفة ، وجامع البصرة ، وفي عبادان ، وغير ذلك .
وكان يصوم النهار ، ويصلّي بالليل ألف ركعة(3) ، وعمر طريق مكة ، وصام مع النبي صلى الله عليه و آله سبع سنين ، وبعده ثلاثين سنة ، وحجّ مع النبي صلى الله عليه و آله
ص: 351
عشر حجج ، وجاهد في أيامه الكفار ، وبعد وفاته البغاة ، وبسط الفتاوى ، وأنشأ العلوم ، وأحيا السنن ، وأمات البدع .
قال بعض السادة :
مفرّق الأحزاب ضرّاب الطلى
مكسّر الأصنام كشّاف الغمم
الزاهد العابد في محرابه
الساجد الراكع في جنح الظلم
صام هجيرا وعلى سائله
جاد بإفطار الصيام ثم تم
* * *
وقال العبدي :
وكم غمرة للموت في اللّه خاضها
ولجّة بحر في الحكوم أقامها
وكم ليلة ليلاء للّه قامها
وكم صبحة مسجورة الحرّ صامها
* * *
ص: 352
أبو يعلى في المسند : أنّه قال : ما تركت صلاة الليل منذ سمعت قول النبي صلى الله عليه و آله : صلاة الليل نور .
فقال ابن الكواء : ولا ليلة الهرير ؟
قال : ولا ليلة الهرير .
إبانة العكبري : سليمان بن المغيرة عن أمّه قالت : سألت أم سعيد سريّة علي صلى الله عليه و آله عن صلاة علي صلى الله عليه و آله في شهر رمضان ، فقالت : رمضان وشوال
سواء ، يحيي الليل كلّه(1) .
النيسابوري في روضة الواعظين : أنّه قال عروة بن الزبير : سمع بعض التابعين أنس بن مالك يقول : نزلت في علي بن أبي طالب عليهماالسلام« أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً » الآية .
ص: 353
قال الرجل : فأتيت عليا عليه السلام وقت المغرب ، فوجدته يصلّي ويقرأ القرآن إلى أن طلع الفجر ، ثم جدّد وضوءه ، وخرج إلى المسجد ، وصلّى بالناس صلاة الفجر ، ثم قعد في التعقيب إلى أن طلعت الشمس ، ثم قصده الناس ، فجعل يقضي بينهم إلى أن قام إلى صلاة الظهر ، فجدّد الوضوء ، ثم صلّى بأصحابه الظهر ، ثم قعد في التعقيب إلى أن صلّى بهم العصر ، ثم كان يحكم بين الناس ويفتيهم إلى أن غابت الشمس(1) .
وفي تفسير القشيري : أنّه كان عليه السلام إذا حضر وقت الصلاة تلوّن وتزلزل ، فقيل له : ما لك ؟!
فيقول : جاء وقت أمانة عرضها اللّه - تعالى - « عَلَى السَّماواتِ وَ الأَْرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها » ، وحملها الإنسان في ضعفه ، فلا أدري أحسن إذا ما حملت أم لا !
عروة بن الزبير قال : تذاكرنا صالح الأعمال ، فقال أبو الدرداء : أعبد الناس علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، سمعته قائلاً بصوت حزين ، ونغمة شجيّة في موضع خال :
ص: 354
إلهي كم من موبقة حلمتها عنّي فقابلتها بنعمتك ، وكم من جريرة تكرّمت عليّ بكشفها بكرمك ، إلهي إن طال في عصيانك عمري ، وعظم في الصحف ذنبي ، فما أنا مؤمّل غير غفرانك ، ولا أنا براج غير رضوانك .
ثم ركع ركعات ، فأخذ في الدعاء والبكاء ، فمن مناجاته :
إلهي ، أفكّر في عفوك فتهون عليّ خطيئتي ، ثم أذكر العظيم من أخذك ، فتعظم عليّ بليّتي .
ثم قال : آه ، إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها ، فتقول : خذوه ، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ، ولا تنفعه قبيلته ، يرحمه الملأ(1) إذا أذن فيه بالنداء ، آهٍ من نار تنضج الأكباد والكلى ، آهٍ من نار نزاعة(2) للشوى ، آهٍ من غمرة من ملهبات لظى .
ثم أنعم(3) عليه السلام في البكاء ، فلم أسمع له حسّا ، فقلت : غلب عليه النوم ، أوقظه لصلاة الفجر ، فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة ، فحركّته فلم يتحرك ، فقلت : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، مات - واللّه - علي بن أبي طالب .
قال : فأتيت منزله مبادرا أنعاه إليهم ، فقالت فاطمة عليهاالسلام : ما كان من شأنه؟ فأخبرتها ، فقالت : هي - واللّه - الغشية التي تأخذه من خشية اللّه - تعالى - .
ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه ، فأفاق ونظر إليّ ، وأنا أبكي ، فقال :
ص: 355
ممّ بكاؤك يا أبا الدرداء ؟ فكيف ولو رأيتني ودعي بي إلى الحساب ، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب ، واحتوشني ملائكة غلاظ ، وزبانية فظاظ ، فوقفت بين يدي الملك الجبار ، قد أسلمتني الأحباء ، ورحمني أهل الدنيا أشدّ رحمة لي بين يدي من لا يخفى عليه خافية(1) .
وأخذ زين العابدين عليه السلام بعض صحف عباداته، فقرأ فيها يسيرا، ثم تركها من يده تضجّرا وقال : من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب عليهماالسلام(2) .
أنس بن مالك قال : لمّا نزلت الآيات الخمس في طس « أَمَّنْ جَعَلَ الأَْرْضَ قَراراً » انتفض علي عليه السلام انتفاض العصفور ، فقال له رسول
اللّه صلى الله عليه و آله : ما لك يا علي ؟ قال : عجبت - يا رسول اللّه - من كفرهم ، وحلم اللّه - تعالى - عنهم .
فمسحه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيده ، ثم قال : أبشر ، فإنّه لا يبغضك مؤمن ، ولا يحبّك منافق ، ولولا أنت لم يعرف حزب اللّه (3) .
ص: 356
صاحب الحلية ، وأحمد في الفضائل عن مجاهد ، وصاحب مسنده العشرة ، وجماعة عن محمد بن الكعب القرطي :
أنّه رأى أمير المؤمنين عليه السلام أثر الجوع في وجه النبي صلى الله عليه و آله ، فأخذ إهابا فحوى وسطه ، وأدخله في عنقه ، وشدّ وسطه بخوص نخل ، وهو شديد الجوع ، فاطلع على رجل يستقي ببكرة .
فقال : هل لك في كلّ دلوة بتمرة ؟
فقال : نعم .
فنزح له حتى امتلأ كفّه ، ثم أرسل الدلو ، فجاء بها إلى النبي(1) صلى الله عليه و آله .
قال الحميري :
حدّثنا وهب وكان إمرؤ
يصدق بالمنطق عن جابر
أنّ عليا عاين المصطفى
ذا الوحي من مقتدر قادر
عاينه من جوعه مطرقا
صلّى عليه اللّه من صابر
وظلّ كالواله ممّا رأى
بصهره ذي النسب الفاخر
يجول إذ مرّ بذي حائط
يسقى بدلو غير مستأجر
قال له ما أنت لي جاعل
بكلّ دلو مترع ظاهر
فقال ما عندي سوى تمرة
بكلّ دلو غير ما غادر
فأترع الدلو إمام الهدى
يسقي به الماء من الخاسر
ص: 357
حتى استقى عشرين دلو على
عشر بقول العالم الخابر
ثم أتى بالتمر يسعى به
إلى أخيه غير مستأثر
فقال ما هذا الذي جئتنا
به هداك اللّه من زائر
فاقتص ما قد كان من أمره
في عاجل الأمر وفي الآخر
فضمّه ثم دعا ربّه
له بخير دائم ماطر
* * *
وله أيضا :
فقام يسعى حتى استقى فملا
كفّيه يسعى به أبو حسن
أدناه منه فقال حين قضى
صلاته اُدن لي فخبّرني
من أين هذا فقصّ قصّته
عليه مستعبرا جوى حزن
فضمّه أحمد كوامقه
يا لك من وامق ومحتضن
فقال ذا للبتول فاطمة
أوثرها مرّة وتؤثرني
وهاك هذا فأنت أوّل من
آثرني ذو العلى وأكرمني
* * *
ص: 358
ص: 359
ص: 360
ولاّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أداء سورة براءة ، وعزل به أبا بكر بإجماع المفسرين ونقلة الأخبار .
رواه الطبري، والبلاذري، والترمذي، والواقدي ، والشعبي ، والسدّي، والثعلبي ، والواحدي ، والقرطي ، والقشيري ، والسمعاني ، وأحمد بن حنبل ، وابن بطّة ، ومحمد بن إسحاق ، وأبو يعلى الموصلي ، والأعمش ، وسماك بن حرب في كتبهم عن عروة بن الزبير ، وأبي هريرة ، وأنس ، وأبي رافع ، وزيد بن نقيع ، وابن عمر ، وابن عباس ، واللفظ له :
إنّه لمّا نزل « بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ » إلى تسع آيات ، أنفذ النبي صلى الله عليه و آله أبا بكر إلى مكة لأدائها ، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال : إنّه لا يؤديها إلاّ أنت أو رجل منك .
فقال النبي صلى الله عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام : اركب ناقتي العضباء ، والحق أبا
بكر ، وخذ براءة من يده .
قال : ولمّا رجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه و آله جزع وقال : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّك أهّلتني لأمر طالت الأعناق فيه ، فلمّا توجّهت له رددتني عنه .
فقال صلى الله عليه و آله : الأمين هبط إليّ عن اللّه - تعالى - أنّه لا يؤدي عنك إلاّ أنت
ص: 361
أو رجل منك ، وعلي منّي ، ولا يؤدي عنّي إلاّ علي عليه السلام(1) .
وفي خبر : أنّ عليا عليه السلام قال له : إنّك خطيب وأنا حديث السنّ ، فقال : لابد من أن تذهب بها أو أذهب بها ، قال : أمّا إذا كان كذلك ، فأنا أذهب بها يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : اذهب ، فسوف يثبت اللّه لسانك ويهدي قلبك(2) .
أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال : خطب علي عليه السلام الناس ، فاخترط سيفه وقال : لا يطوفنّ بالبيت عريان ، ولا يحجّنّ البيت مشرك ، ومن كان له مدّة فهو إلى مدّته ، ومن لم يكن له مدّة ، فمدّته أربعة أشهر(3) .
زيادة في مسند الموصلي : ولا يدخل الجنّة إلاّ نفس مؤمنة(4) .
وهذا هو الذي أمر اللّه - تعالى - به إبراهيم حين قال « وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ » ، فكان اللّه - تعالى - أمر إبراهيم
عليه السلام الخليل بالنداء أولاً ، قوله : « وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ » ، وأمر الولي بالنداء آخرا ، قوله « وَأَذانٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ » .
ص: 362
قال السدي ، وأبو مالك ، وابن عباس ، وزين العابدين عليه السلام : الأذان علي بن أبي طالب عليهماالسلام الذي نادى به(1) .
تفسير القشيري : إنّ رجلاً قال لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام : فمن أراد منّا أن يلقى رسول اللّه صلى الله عليه و آله في بعض الأمور بعد انقضاء الأربعة ، فليس له عهد ؟
قال علي عليه السلام : بلى ، إنّ اللّه - تعالى - قال : « وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ »(2) إلى آخر الآية .
وفي الحديث عن الباقرين عليهماالسلام قالا : قام خداش وسعيد - أخو عمرو بن ودّ - فقال : وما يسرنا على أربعة أشهر ، بل برئنا منك ومن ابن عمّك ، فليس بيننا وبين ابن عمّك إلاّ السيف والرمح ، وإن شئت بدأنا بك ، فقال علي عليه السلام : هلمّوا ، ثم قال :« وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ » . . إلى قوله : « إِلى مُدَّتِهِمْ »(3) .
تفسير الثعلبي : قال المشركون : نحن نبرأ من عهدك وعهد ابن عمّك إلاّ من الطعن والضرب ، وطفقوا يقولون : إنّا منعناك أن تبرك(4) .
وفي رواية عن النسابة ابن الصوفي : إنّ النبي
صلى الله عليه و آله قال في خبر طويل : إنّ أخي موسى عليه السلام ناجى ربّه على جبل طور سيناء ، فقال في آخر الكلام :
ص: 363
امض إلى فرعون وقومه القبط ، وأنا معك لا تخف ، فكان جوابه ما ذكره اللّه - تعالى - « إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ » ، وهذا علي عليه السلام قد
أنفذته ليسترجع براءة ويقرأها على أهل مكة ، وقد قتل منهم خلقا عظيما ، فما خاف ولا توقف ولم تأخذه في اللّه لومة لائم(1) .
وفي رواية : فكان أهل الموسم يتلهّفون عليه ، وما فيهم إلاّ من قتل أباه أو أخاه أو حميمه ، فصدّهم اللّه عنه ، وعاد إلى المدينة سالما(2) .
وكان أنفذه أوّل يوم من ذي الحجة سنة تسع من الهجرة ، وأدّاها إلى الناس يوم عرفة ويوم النحر(3) .
* * *
قال الحميري :
من كان أذّن منهم ببراءة
في المشركين فأنذر الكفارا
منكم برأنا أجمعين فأشهر
في الأرض سيروا كلّكم فرارا
* * *
وله أيضا :
من كان أرسله النبي بسورة
في الحجّ كانت فيصلاً وقضاء
* * *
ص: 364
وله أيضا :
براءة حين ردّ بها زريقا
وكان بأن يبلّغها ضنينا
وقال له رسول اللّه أنّى
يؤدي الوحي إلاّ الأقربونا
* * *
وقال ابن حماد :
بعث النبي براءة مع غيره
فأتاه جبريل يخبّ(1) ويوضع
قال ارتجعها وأعطها أولى الورىبأدائها وهو البطين الأنزع
فانظر إلى ذي النص من ربّ العلىيختصّ ربّي من يشاء ويرفع
* * *
وقال ابن أبي الحديد :
ولا كان يوم الغار يهفو جنانه
حذار ولا يوم العريش تسترا
ولا كان معزولاً غداة براءة
ولا عن صلاة أمّ فيها مؤخرا
ولا كان في بعث ابن زيد مؤمرا
عليه فأضحى لابن زيد مؤمرا
* * *
وله أيضا :
ففي براءة أعطيت الأداء لها
لمّا أتيت عليا بالبلاغ وفى
ص: 365
أ لّفت شمل الهدى بالسيف مجتهدا
لولاك لم تك في حال بمؤتلف
* * *
وقال الصاحب بن عباد :
سورة التوبة من وليّها
بينوا الحقّ ومن ذا صرفا
* * *
وله أيضا :
أذكرا أمر براءة
واصدقاني من تلاها
واذكرا من زوّج الز
هراء كيما يتناهى
* * *
وقال ابن علوية الأصفهاني :
أم أيّهم فخر الأنام بخصلة
طالت طوال فروع كلّ عنان
من بعد إذ بعث النبي إلى منى
ببراءة من كان بالخوان
فيها فاتبعه رسولاً ردّه
تعدو به القصوى كالسرحان
كانت لوحي منزل وافى به
الروح الأمين فقصّ عن تبيان
إذ قال لا عنّي يؤدي حجّتي
إلاّ أنا أو لي نسيب دان
* * *
وقال آخر :
وأعلم أصحاب النبي محمد
وأقضاهم من بعد علم وخبرة
براءة أداها إلى أهل مكة
بأمر الذي أعلى السماء بقدرة
* * *
ص: 366
وأمّا قول الجاحظ أنّه كانت عادة العرب في عقد الحلف وحلّ العقد أنّه كان لا يتولّى ذلك إلاّ السيد منهم ، أو رجل من رهطه(1) ، فإنّه أراد أن يذمّه فمدحه .
وأجمع أهل السير وقد ذكره التاريخي : إنّ النبي صلى الله عليه و آله بعث خالدا إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام ، فيهم البراء بن عازب ، فأقام ستة أشهر فلم يجبه أحد ، فساء ذلك على النبي صلى الله عليه و آله ، وأمره أن يعزل(2) خالد .
فلمّا بلغ أمير
المؤمنين عليه السلام القوم صلّى بهم الفجر ، ثم قرأ على القوم كتاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأسلم همدان كلّها في يوم واحد ، وبايع أهل اليمن على الإسلام .
فلمّا بلغ ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله خرّ للّه ساجدا ، وقال : السلام على همدان(3) .
ص: 367
ومن أبيات لأمير المؤمنين عليه السلام في يوم صفين :
ولو أنّ يوما كنت بواب جنة(1)
لقلت لهمدان ادخلوا بسلام(2)
* * *
واستنابه لمّا أنفذه إلى اليمن قاضيا ، على ما أطبق عليه الولي والعدوّ ، على قوله صلى الله عليه و آله وضرب على صدره وقال : اللّهم سدّده ولقّنه فصل الخطاب .
قال : فما شككت في قضاء بين إثنين بعد ذلك اليوم(3) .
رواه أحمد بن حنبل ، وأبو يعلى في مسنديهما ، وابن بطّة في الإبانة من أربعة طرق .
واستنابه حين أنفذه إلى المدنية لمهمّ شرعي ، ذكره أحمد في المسند
ص: 368
والفضائل ، وأبو يعلى في المسند ، وابن بطّة في الإبانة ، والزمخشري في الفائق ، واللفظ لأحمد :
قال علي عليه السلام : كنّا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله في جنازة ، فقال : من يأت المدينة
فلا يدع قبرا إلاّ سوّاه ، ولا صورة إلاّ لطخها ، ولا صنما إلاّ كسره ، فقام رجل فقال : أنا ، ثم هاب أهل المدينة ، فجلس .
فانطلقت ، ثم جئت فقلت : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لم أدع بالمدينة قبرا إلاّ سوّيته ، ولا صورة إلاّ لطختها ، ولا وثنا إلاّ كسرته .
قال : فقال صلى الله عليه و آله : من عاد فصنع شيئا من ذلك فقد كفر بما أنزل اللّه على محمد صلى الله عليه و آله(1) . . الخبر .
واستنابه في ذبح باقي إبله فيما زاد على ثلاثة وستين .
روى إسماعيل البخاري ، وأبو داود السجستاني ، والبلاذري ، وأبو يعلى الموصلي ، وأحمد بن حنبل ، وأبو القاسم الأصفهاني في الترغيب ، واللفظ له :
عن جابر وابن عباس قال : أهدى رسول اللّه صلى الله عليه و آله مائة بدنة ، فقدم
علي عليه السلام من المدينة ، فأشركه في بدنه بالثلث ، فنحر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ستّا
ص: 369
وستّين بدنة ، وأمر عليا عليه السلام فنحر أربعا وثلاثين ، وأمره النبي صلى الله عليه و آله من كلّ جزور ببضعة ، فطبخت فأكلا من اللحم ، وحسيا من المرق(1) .
وفي رواية مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي عليه السلام قال : أمرني رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن أقوم على البدن ، قال : فإذا نحرتها فتصدّق بجلودها وبجلالها(2) وبشحومها(3) .
وفي رواية : أن لا أعطي الجازر منها قال : نحن(4) نعطيه من عندنا(5) .
كافي الكليني : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : نحر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيده ثلاثا وستّين ، ونحر علي عليه السلام ما غبر(6)(7) .
تهذيب الأحكام : إنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا فرغ من السعي قال : هذا جبرئيل عليه السلام يأمرني بأن آمر من لم يسق هديا أن يحلّ ، ولو استقبلت
ص: 370
من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم ، ولكنّي سقت الهدي .
وكان عليه السلام ساق الهدي ستّا وستّين ، أو أربعا وستّين ، وجاء علي عليه السلام
من اليمن بأربع وثلاثين ، أو ستّ وثلاثين .
وقال لعلي عليه السلام : بما أهللت ؟ قال : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إهلالاً كإهلال النبي صلى الله عليه و آله ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : كن على إحرامك مثلي ، وأنت شريكي في هديي .
فلمّا رمى الجمرة نحر رسول اللّه صلى الله عليه و آله منها ستّا وستّين ، ونحر علي عليه السلام
أربعا وثلاثين(1) .
قال الحميري :
شريك رسول اللّه في البدن التي
حداها هدايا عام حجّ فودّعا
فلم يعد أن وافى الهدي محلّه
دعا بالهدايا مشعرات فصرّعا
بكعبة ستّا بعد ستّين بكرة
هدايا له قد ساقها مائة معا
وفاز علي الخير منه بأنيق
ثلاثين بل زادت على ذاك أربعا
فنحّرها ثم اجتذى من جميعها
جذا ثم ألقى ما اجتذى منه أجمعا
بقدر فأغلاها فلمّا أتت أتى
بها قد تهوّى لحمها وتميّعا
فقال له كل واحس منها ومثل ما
تراني بإذن اللّه أصنع فاصنعا
ولم يطعما خلقا من الناس بضعة
ولا حسوة من ذاك حتى تضلّعا(2)
* * *
ص: 371
واستنابه في التضحّي ، الحاكم بن البيع في معرفة علوم الحديث : حدّثنا أبو نصر سهل الفقيه عن صالح بن محمد بن الحبيب عن علي بن حكيم عن شريك عن أبي الحسناء عن الحكم بن عتيبة عن رزين بن حنيس قال :
كان علي عليه السلام يضحّي بكبشين ، بكبش عن النبي صلى الله عليه و آله ، وبكبش عن نفسه ، وقال : كان أمرني رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن أضحي عنه ، فأنا أضحّي عنه أبدا(1) ، ورواه أحمد في الفضائل .
واستنابه في إصلاح ما أفسده خالد ، وروى البخاري : أنّ النبي صلى الله عليه و آله بعث خالدا في سريّة ، فأغار على حيّ أبي زاهر الأسدي(2) .
وفي رواية الطبري : أنّه أمر بكتفهم ، ثم عرضهم على السيف ، فقتل منهم من قتل ، فأتوا بالكتاب الذي أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمانا له ولقومه إلى النبي صلى الله عليه و آله .
قالوا جميعا : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : اللّهم إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد(3) .
وفي رواية الخدري : اللّهم إنّي أبرأ من خالد ثلاثا .
ص: 372
ثم قال عليه السلام : أمّا متاعكم فقد ذهب ، فاقتسمه المسلمون ، ولكنّي أردّ عليكم مثل متاعكم .
ثم إنّه قدم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثلاث رزم(1) من متاع اليمن ، فقال : يا علي عليه السلام فاقض ذمّة اللّه وذمّة رسوله ، ودفع إليه الرزم الثلاث .
فأمر علي عليه السلام بنسخة ما أصيب لهم ، فكتبوا ، فقال : خذوا هذه الرزمة فقوّموها بما أصيب لكم ، فقالوا : سبحان اللّه ، هذا أكبر ممّا أصيب لنا .
فقال : خذوا هذه الثانية ، فاكسوا عيالكم وخدمكم ، ليفرحوا بقدر ما حزنوا .
وخذوا الثالثة بما علمتم ، وما لم تعلموا لترضوا عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فلمّا قدم علي عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخبره بالذي كان منه ، فضحك رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى بدت نواجذه ، وقال : أدّى اللّه عن ذمّتك كما أدّيت عن ذمّتي(2) .
ونحو ذلك روي أيضا في بني جذيمة .
ص: 373
قال الحميري :
من ذا الذي أوصى إليه محمد
يقضي العدات فأنفذ الاقضاء
* * *
وقد ولاّه في ردّ الودائع لمّا هاجر إلى المدينة ، استخلف صلى الله عليه و آلهعليا عليه السلام في أهله وماله ، فأمره أن يؤدي عنه كلّ دين ، وكلّ وديعة ، وأوصى إليه بقضاء ديونه(1) .
الطبري بإسناده له عن عباد عن علي عليه السلام : أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من يؤدّي عنّي ديني ، ويقضي عداتي ، ويكون معي في الجنّة ؟ قلت : أنا يا رسول اللّه (2) صلى الله عليه و آله .
فردوس الديلمي : قال سليمان : قال صلى الله عليه و آله : علي بن أبي طالب ينجز عداتي ، ويقضي ديني(3) .
أحمد في الفضائل : عن ابن آدم السلولي وحبشي بن جنادة السلولي : قال النبي صلى الله عليه و آله : علي منّي ، وأنا منه ، ولا يقضي عنّي ديني إلاّ أنا أو علي(4) .
ص: 374
وقوله : يقضي ديني ، وينجز وعدي(1) .
وقوله : أنت قاضي ديني(2) ، في روايات كثيرة .
قتادة : بلغنا أنّ عليا عليه السلام نادى ثلاثة أعوام بالموسم : من كان له على رسول اللّه صلى الله عليه و آله دين ، فليأتنا نقضي عنه(3) .
وروت العامة عن حبشي بن جنادة : أنّه أتى رجل أبا بكر فقال : رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعدني أن يحثو لي ثلاث حثيات(4) من تمر .
فقال : يا علي ، فاحثها له ، فعدّها أبو بكر ، فوجد في كلّ حثية ستيّن تمرة .
فقال : صدق رسول اللّه صلى الله عليه و آله سمعته يقول : يا أبا بكر ، كفّي وكفّ علي في العدد سواء .
ودين النبي صلى الله عليه و آله إنّما كان عداته ، وهي ثمانون ألف درهم فأدّاها(5) .
* * *
ص: 375
قال الحميري :
وأدّيت عنه كلّ عهد وذمّة
وقد كان فيها واثقا بوفائكا
فقلت له أقضي ديونك كلّها
وأقضي بانجاز جميع عداتكا
ثمانين ألفا أو تزيد قضيتها
فأبرأته منها بحسن قضائكا
* * *
وله أيضا :
أدّى ثمانين ألفا عنه كاملة
لا بل يزيد فلم يغرم وقد غنما
يدعو إليها ولا يدعو ببينة
لا بل يصدّق فيها زعم من زعما
حتى يخلّصه منها بذمّته
إنّ الوصي الذي لا يخفر الذمما
* * *
وله أيضا :
قضيت ديونه عنه فكانت
ديون محمد ليست بغرم
ثمانين ألفا باع فيها تلاده
موقرة أرباتها لم تهضم
فما زال يقضي دينه وعداته
ويدعو إليها قائما كلّ موسم
يقول لأهل الدين أهلاً ومرحبا
مقالة لا منّ ولا متجهم
وينشدها حتى يخلص ذمّة
ببذل عطايا ذي ندى متقسم
* * *
وممّا قضى عنه الدين دين اللّه الذي هو أعظم ، وذلك ما كان افترضه
ص: 376
اللّه عليه ، فقبض - صلوات اللّه عليه - قبل أن يقضيه ، وأوصى عليا عليه السلام بقضائه عنه ، وذلك قول اللّه - تعالى - « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقِينَ » ، فجاهد الكفار في حياته ، وأمر عليا عليه السلام بجهاد المنافقين بعد وفاته ، فجاهد الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقضى بذلك دين رسول اللّه صلى الله عليه و آله الذي كان لربّه عليه .
وإنّه صلى الله عليه و آله جعل طلاق نسائه إليه(1) .
أبو الدرّ علي المرادي ، وصالح مولى التومة عن عائشة : إنّ النبي صلى الله عليه و آله جعل طلاق نسائه إلى علي عليه السلام.
الأصبغ بن نباتة قال : بعث علي عليه السلام يوم الجمل إلى عائشة : ارجعي وإلاّ تكلّمت بكلام تبرين من اللّه ورسوله(2) .
وقال أمير المؤمنين للحسن عليهماالسلام : اذهب إلى فلانة ، فقل لها : قال لك أمير المؤمنين عليه السلام : والذي فلق الحبّة والنوى ، وبرأ النسمة ، لئن لم ترحلي الساعة لأبعثن إليك بما تعلمين .
فلمّا أخبرها الحسن عليه السلام بما قال أمير المؤمنين عليه السلام قامت ، ثم قالت : رحّلوني ، فقالت لها إمرأة من المهالبة : أتاك ابن عباس شيخ بني هاشم حاورتيه ، وخرج من عندك مغضبا ، وأتاك غلام فأقلعت ؟!
ص: 377
قالت : إنّ هذا الغلام ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فمن أراد أن ينظر إلى مقلتي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلينظر إلى هذا الغلام ، وقد بعث إليّ بما علمت .
قالت : فأسألك بحقّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليك إلاّ أخبرتنا بالذي بعث إليك ، قالت : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله جعل طلاق نسائه بيد علي عليه السلام ، فمن طلّقها في الدنيا بانت منه في الآخرة(1) .
وفي رواية : كان النبي صلى الله عليه و آله يقسم نفلاً في أصحابه ، فسألناه أن يعطينا منه شيئا ، وألححنا عليه في ذلك ، فلامنا علي عليه السلام ، فقال : حسبكن ما أضجرتن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فتجهّمناه ، فغضب النبي صلى الله عليه و آله ممّا استقبلنا به عليا عليه السلام .
ثم قال : يا علي ، إنّي قد جعلت طلاقهن إليك ، فمن طلقتها منهن فهي بائنة ، ولم يوقت النبي صلى الله عليه و آله في ذلك وقتا في حياة ولا موت ، فهي تلك الكلمة ، فأخاف أن أبين من رسول اللّه (2) صلى الله عليه و آله .
قال خطيب خوارزم :
علي في النساء له وصي
أمين لم يمانع بالحجاب
* * *
واستنابه في مبيته على فراشه ليلة الغار .
ص: 378
واستنابه في نقل الحرم إلى المدينة بعد ثلاثة أيام .
واستنابه في قتل الصناديد من قريش ، وولاّه عليهم عند هزيمتهم .
واستنابه في خاصّة أمره ، وحفظ سرّه ، مثل حديث مارية لما قرفوها(1)(2) .
واستنابه على المدينة لمّا خرج إلى تبوك .
وولاّه حين بعثه إلى فدك .
وولاّه الخروج إلى بني زهرة .
وولاّه يوم أحد في أخذ الراية ، وكان صاحب راياته دونهم .
وولاّه على نفسه عند وفاته ، وعلى غسله ، وتكفينه ، والصلاة عليه ، ودفنه(3) .
وقد روي عنه عليه السلام : إنّا أهل بيت النبوة والرسالة والإمامة ، وأنّه لا يجوز أن يقبّلنا عند ولادتنا القوابل ، وأنّ الإمام لا يتولّى ولادته وتغميضه وغسله ودفنه إلاّ إمام مثله .
ص: 379
فتولّى ولادته عليه السلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وتولّى وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آلهعلي عليه السلام ، وتولّى أمير المؤمنين عليه السلام ولادة الحسن والحسين عليهماالسلام ، وتولّيا وفاته(1) .
ووصّى إليه أمر الأمّة على ما يأتي بيانه إن شاء اللّه .
وقد استنابه يوم الفتح في أمر عظيم ، فإنّه وقف حتى صعد على كتفيه ، وتعلّق بسطح البيت وصعد ، وكان يقلع الأصنام بحيث يهتزّ حيطان البيت ، ويرمي بها فتنكسر .
ورواه أحمد بن حنبل ، وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما ، وأبو بكر الخطيب في تاريخه ، ومحمد بن الصباح الزعفراني في الفضائل ، والخطيب الخوارزمي في أربعينه ، وأبو عبد اللّه النطنزي في الخصائص ، وأبو المضا صبيح مولى الرضا عليه السلام قال :
سمعته يحدّث عن أبيه عن جدّه في قوله - تعالى - « وَرَفَعْناهُ ّمَكاناً عَلِيًّا » قال : نزلت في صعود علي عليه السلام على ظهر النبي صلى الله عليه و آله لقلع الصنم .
أبو بكر الشيرازي في نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين عليه السلام عن قتادة عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال : قال لي جابر بن عبد اللّه :
ص: 380
دخلنا مع النبي صلى الله عليه و آله مكة ، وفي البيت وحوله ثلاثمائة وستّون صنما ، فأمر بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فألقيت كلّها لوجوهها ، وكان على البيت صنم طويل يقال له « هبل » ، فنظر النبي صلى الله عليه و آله إلى علي عليه السلام وقال له : يا علي ، تركب عليّ ؟ أو أركب عليك ؟ لألقي هبل عن ظهر الكعبة ؟
قلت : يا رسول اللّه ، بل تركبني .
فلمّا جلس على ظهري لم أستطع حمله لثقل الرسالة ، قلت : يا رسول اللّه ، بل أركبك .
فضحك ، ونزل وطأطأ لي ظهره ، واستويت عليه ، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لو أردت أن أمسك السماء لأمسكتها بيدي ، فألقيت هبل عن ظهر الكعبة ، فأنزل اللّه - تعالى - « وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً »(1) .
وروى أحمد بن حنبل وأبو بكر الخطيب في كتابيهما بالإسناد عن نعيم بن حكيم المدائني قال : حدّثني أبو مريم عن علي بن أبي طالب عليهماالسلام قال :
انطلق بي رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى الأصنام ، فقال : اجلس ، فجلست إلى جنب الكعبة ، ثم صعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله على منكبي ، ثم قال لي : انهض بي إلى الصنم ، فنهضت به ، فلمّا رأى ضعفي عنه ، قال : اجلس ، فجلست وأنزلته عنّي .
وجلس لي رسول اللّه
صلى الله عليه و آله ثم قال لي : اصعد يا علي ، فصعدت على منكبه ، ثم نهض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا نهض بي خيل لي أنّي لو شئت نلت
ص: 381
السماء ، وصعدت على الكعبة ، وتنحّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فألقيت صنمهم الأكبر ، صنم قريش ، وكان من نحاس ، موتّدا بأوتاد من حديد إلى الأرض(1) . . الخبر .
وفي رواية الخطيب : فإنّه تخيّل إليّ أنّي لو شئت لنلت أفق السماء(2) .
وحدّثني أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي عن إسماعيل بن أحمد الواعظ عن أبي بكر البيهقي بإسناده عن أبي مريم عن أمير المؤمنين عليه السلام قال :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : احملني لنطرح الأصنام عن الكعبة ، فلم أطق حمله ، فحملني ، فلو شئت أتناول السماء فعلت(3) .
وفي خبر : واللّه ، لو شئت أن أنال السماء بيدي لنلتها(4) .
وروى القاضي أبو عمر وعثمان بن أحمد عن شيوخ بإسناده عن ابن عباس قال :
قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : قم بنا إلى الصنم في أعلى الكعبة لنكسره ، فقاما جميعا ، فلمّا أتياه قال له النبي صلى الله عليه و آله : قم على عاتقي حتى أرفعك عليه ، فأعطاه علي عليه السلام ثوبه ، فوضعه رسول اللّه صلى الله عليه و آله على عاتقه .
ص: 382
ثم رفعه حتى وضعه على البيت ، فأخذ علي عليه السلام الصنم - وهو من نحاس - فرمى به من فوق الكعبة ، فنادى رسول اللّه صلى الله عليه و آله : انزل ، فوثب من أعلى الكعبة كأنّما كان له جناحان(1) .
ويقال : إنّ عمر كان تمنّى ذلك ، فقال صلى الله عليه و آله : إنّ الذي عبده لا يقلعه .
ولمّا صعد أبو بكر المنبر نزل مرقاة ، فلمّا صعد عمر نزل مرقاة ، فلمّا صعد عثمان نزل مرقاة ، فلمّا صعد علي عليه السلام صعد إلى موضع يجلس عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فسمع من الناس ضوضاء ، فقال : ما هذه الذي أسمعها ؟ قالوا : لصعودك إلى موضع رسول اللّه صلى الله عليه و آله الذي لم يصعده الذي تقدّمك .
فقال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : من قام مقامي ، ولم يعمل بعملي ، أكبّه اللّه في النار ، وأنا - واللّه - العامل بعمله ، الممتثّل قوله ، الحاكم بحكمه ، فلذلك قمت هنا .
ثم ذكر في خطبته : معاشر الناس ، قمت مقام أخي ، وابن عمّي ، لأنّه أعلمني بسرّي وما يكون منّي ، فكأنّه قال :
أنا الذي وضعت قدمي على خاتم النبوة ، فما هذه الأعواد ، أنا من محمد ، ومحمد منّي(2) .
ص: 383
وقال عليه السلام في خطبة الإفتخار : أنا كسرت الأصنام ، أنا رفعت الأعلام ، أنا بنيت الإسلام .
قال ابن نباتة : حتى شدّ به أطناب الإسلام ، وهدّ به أحزاب الأصنام ، فأصبح الإيمان فاشيا بأقياله ، والبهتان متلاشيا بصياله(1) ، ولمقام إبراهيم عليه السلام شرف على كلّ حجر لكونه مقاما لقدم إبراهيم ، فيجب أن يكون قدم علي عليه السلام أكرم من رؤوس أعدائه ، لأنّ مقامه كتف النبوة .
والغالية والمشبهة تقول أكثر من هذا ، كما أنشد شاعرهم .
وقد روي عن أبي نؤاس :
قيل لي قل في علي المرتضى
كلمات تطفى ء نارا موقده
قلت لا يبلغ قولي رجلاً
حار ذو الجهل إلى أن عبده
وعلي واضعا رجلاً له
بمكان وضع اللّه يده
* * *
وأنشد آخر :
قالوا مدحت علي الطهر قلت لهم
كلّ امتداح جميع الأرض معناه
ماذا أقول لمن حطّت له قدم
في موضع وضع الرحمن يمناه
* * *
ص: 384
وقال الشريف المرتضى :
ولنا من البيت المحرّم كلّما
طافت به في موسم أقدامه
وبجدّنا وبصنوه دحيت عن
البيت الحرام وزعزعت أصنامه
وهما علينا أطلعا شمس الهدى
حتى استنار حلاله وحرامه
* * *
وقال مهيار :
فمن آية الباب يوم اليهود
ومن صاحب الجنّ يوم الخسيف
ومن جمع الدين في يوم بدر
وأحد بتفريق تلك الصفوف
وهدم في اللّه أصنامهم
بمرأى عيون عليه عكوف
* * *
وقال أبو الحسن القمّي :
والمرتقي كتف النبي بمكة
في مجمع للمسلمين كثيف
* * *
وقال ابن الحجاج :
جاوز الروم والنصارى
يحانون بمقتل الصلبان
مثل ما كان قد جرى من علي
من إمام الهدى على الأوثان
* * *
وقال العوني :
علي علا ظهر النبي توطيّا
فهل ظهره شيخاكما يطئان
* * *
ص: 385
وله أيضا :
كسرت أصنام أهل الشرك ويلهم
لمّا علوت من الهادي على الكتف
* * *
وله أيضا :
أمير
المؤمنين أبو تراب
بنى الإسلام بالبيض الرقاق
غياث محمد في كلّ كرب
إذا ما الحرب قامت فوق ساق
وجاهد في سبيل اللّه ما إن
يحاني في الجهاد ولا يتاقي
علي كاسر الأصنام لمّا
رقى كتف النبي إلى بساق
* * *
وله أيضا :
ومن ارتقى كتف النبي محمد
وكذلك ابنا فاطم الزهراء
ما شأن عرسهم وكيف تباهلوا
دون الورى كما هو الإملاء
* * *
وله أيضا :
فهذا ويوم الفتح نادى محمد
ألا قم إلى الأصنام حيدر فاقلع
وطأطأ له حتى اعتلى فوق ظهره
فأجلل بهذا من مقام وأرفع
فقال علي لو أشأ نلت عندها
سما اللّه أو رمت النجوم أتت معي
* * *
وقال دعبل :
علي رقى كتف النبي محمد
فهل كسر الأصنام خلق سوى علي
ص: 386
وقال الزاهي :
مكسّر الأصنام في اليوم الذي
أريح عن وجه الهدى عماسه(1)
رقى على الكاهل من خير الورىوالدين مقرون به انباسه(2)
ونكس اللاّت وألقى هبلاًمهشّما يقلبه انتكاسه
وقام مولاي على البيت وقدطهر إذ فارقه انجاسه
* * *
وقال ابن رزيك :
أمّا علي علت رجلاه كاهل
خير الخلق حتى أزال العزّ عن هبل
* * *
وقال القمّي :
علي تعالى منكب النور أحمد
فأهوى إليه بالصليب المهشّم
* * *
وقال خطيب خوارزم :
علي كاسر الأصنام لمّا
علا كتف النبي بلا احتجاب(3)
* * *
ص: 387
وقال المفجع :
رام حمل النبي كي يقلع الأصنام
من سخطها المشول الجثيا(1)
فحباه ثقل النبوة حتىكاد ينآد تحته مثنيا
فارتقى منكب النبي عليصنوه ما أجلّ ذاك رقيّا
فأماط الأوثان عن طابةالكعبة ينقي الأرجاس عنها نقيّا
ولو أنّ الوصي حاول مسّ النجمبالكفّ لم يجده قصيّا
* * *
وقال المرزوقي ، ويقال « للحصفكي » :
يا ربّ بالقدم التي أوطأتها
من قاب قوسين المحل الأعظما
وبحرمة القدم التي جعلت لها
كتف المؤيّد بالرسالة سلّما
اجعلهما ربّي إليك وسيلتي
في يوم حشر أن أزور جهنّما
* * *
وقال السروجي :
رقى على ظهر النبي حيدر
من دون جمع بين بدو وحضر
حتى علا البيت وألقى هبلا
من كعبة اللّه سريعا وانحدر
* * *
وقال الناشئ :
أما علا من خاتم الرسل كاهلاً
وقد كان عبلاً يحمل الظهر كاهله
ولكن رسول اللّه علاّه عامدا
على كتفيه كي تناهى فضائله
ص: 388
وذلك يوم الفتح والبيت قبله
ومن حوله الأصنام والكفر شامله
فشرّفه خير الأنام بحمله
فبورك محمولاً وبورك حامله
فلمّا دحى الأصنام أومى بكفّه
فكادت تنال الأفق منه أنامله
أيعجز عنه من دحى باب خيبر
ويحمله أفراسه ورواحله
* * *
وله أيضا :
أقام دين الإله إذا كسرت
يداه من فتح مكة هبلا
علا على كاهل النبي ولو
رام احتمالاً لأحمد حملا
ولو أراد النجوم لامسها
هنّاه ذو العرش ما به كفلا
* * *
وله أيضا :
وكسّر أصناما لدى فتح مكة
فأورث حقدا كلّ من عبد الوثن
فأبدت له عليا قريش تراتها
فأصبح بعد المصطفى الطهر في محن
يعادونه إذ أخفت الكفر سيفه
وأضحى به الدين الحنيفي قد علن
* * *
وقال خطيب منبج :
ومن نهض النبي به فأضحى
بأصنام البنية مستهينا
دحى باللاّت والعزّى جميعا
على هبل فغادر مستهينا
ولم يسجد له من قبل طوعا
كما كانوا بمكة ساجدينا
أجيب دعاء إبراهيم فيه
فكان لها من المتجنبينا
ص: 389
وقال غيره :
ومن علا ظهر النبي وارتقى
وكسّر الأصنام بالنصر
* * *
وحديث الإرتقاء مثل حديث المعراج سواء ، وقد روي كلّ واحد منهما من وجهين في زمانين مختلفين ، فيدلّ هذا على أنّ كلّ واحد منهما كان مرّتين .
مسند أبو يعلى : أبو مريم قال علي عليه السلام : انطلقت مع رسول اللّه صلى الله عليه و آلهليلاً حتى أتينا الكعبة ، فقال لي : اجلس ، فجلست ، فصعد رسول اللّه صلى الله عليه و آلهعلى منكبي ، ثم نهضت به .
فلمّا رأى ضعفي عنه قال : اجلس ، فجلست ، فنزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجلس لي وقال : اصعد على منكبي ، ثم صعدت عليه ، ثم نهض بي حتى أنّه ليخيّل إليّ لو شئت نلت أفق السماء ، وصعدت على البيت ، فأتيت صنم قريش ، وهو تمثال رجل من صفر أو نحاس(1) . . الحديث .
وروى إسماعيل بن محمد الكوفي في خبر طويل عن ابن عباس : أنّه كان صنم لخزاعة من فوق الكعبة ، فقال له النبي صلى الله عليه و آله : يا أبا الحسن ، انطلق بنا نلقي هذا الصنم عن البيت .
ص: 390
فانطلقا ليلاً ، فقال له : يا أبا الحسن ، ارق على ظهري ، وكان طول الكعبة أربعين ذراعا ، فحمله رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : انتهيت يا علي ؟ قال : والذي بعثك بالحقّ ، لو هممت أن أمسّ السماء بيدي لمسستها ، واحتمل الصنم ، وجلد به الأرض ، فتقطّع قطعا ، ثم تعلّق بالميزاب ، وتخلّى بنفسه إلى الأرض .
فلمّا سقط ضحك ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : ما يضحك يا علي ، أضحك اللّه سنّك ؟ قال : ضحكت - يا رسول اللّه - تعجبا من أنّي رميت بنفسي من فوق البيت إلى الأرض فما ألمت ، ولا أصابني وجع ، فقال : كيف تألم - يا أبا الحسن - أو يصيبك وجع ، إنّما رفعك محمد صلى الله عليه و آله ، وأنزلك جبرئيل(1) عليه السلام .
وفي أربعين الخوارزمي في خبر طويل : فانطلقت أنا والنبي صلى الله عليه و آله ، وخشينا أن يرانا أحد من قريش أو غيرهم ، فقذفته فتكسّر ، ونزوت من فوق الكعبة(2) .
قال ابن الأسود الكاتب :
أمن سرى معه سواء عندما
مضيا بعون اللّه يبتدران
نحو البنيّة بيته العالي الذي
ما زال يعرف شامخ البنيان
ص: 391
حتى إذا أتيا إليه بسدفة
وهما لما قصدا له وجلان(1)
ويفرّق الكفار عن أركانهوخلا المقام وهوّم الحيان
أهوى ليحمله رآه وصيّهفونى ونى سوّي لألف هدان(2)
إنّ النبوة لم يكن ليقيلهاإلاّ نبي أيّد النهضان
فحنى النبي له مطاه وقال قمفاركب ولا تك عنه بالخشيان
فعلاه وهو له مطيع سامعبأبي المطيع مع المطاع الحاني
ولو أنّه منه يروم بنانهنجما لنال مطالع الدبران
فتناول الصنم الكبير فرجّهمن فوقه ورماه بالكدان(3)
حتى تحطّم منكباه ورأسهووهى القوائم والتقى الطرفان
ونحا بصمّ جلامد أوثانهمفأبادها بالكسر والإيهان
وغدا عليه الكافرون بحسرةوهم بلا صنم ولا أوثان
* * *
وقال الحميري :
وليلة خرجا فيها على وجل
وهما يجوبان دون الكعبة الظلما
حتى إذا انتهيا قال النبي له
إنّا نحاول أن نستنزل الصنما
من فوقها فاعل ظهري ثم قام به
خير البرية ما استحيى وما احتشما
حتى إذا ما استوت رجلاً أبي حسن
أهوى به لقرار الأرض فانحطما
ناداه أحمد أن ثب يا علي لقد
أحسنت بارك ربّي فيك فاقتحما
ص: 392
وله أيضا :
وليلة قاما يمشيان بظلمة
يجوبان جلبابا من الليل غيهبا
إلى صنم كانت خزاعة كلّها
توقّره كي يكسراه ويهربا
فقال اعل ظهري يا علي وحطّه
فقام به خير الأنام مركبا
يغادره فضّا جذاذا وقال ثب
جزاك به ربّى جزاء مؤربا
* * *
فهذه دلالات ظاهرة على أنّه أقرب الناس إليه ، وأخصّهم لديه ، وأنّه ولي عهده ووصيه على أمّته من بعده ، وأنّه صلى الله عليه و آله لم يستنب المشائخ في شيء إلاّ ما روى في أبي بكر أنّه استنابه في الحجّ ، وفي قول عائشة : مروا أبا بكر ليصلّي بالناس(1) ، وكلا الموضعين فيه خلاف(2) .
ص: 393
ولعلي بن أبي طالب عليهماالسلام مزايا ، فإنّه لم يولّ عليه أحد ، وما أخرجه إلى موضع ، ولا تركه في قوم إلاّ ولاّه عليهم ، وكان الشيخان تحت ولاية أسامة وعمرو بن العاص ، وغيرهما(1) .
قال منصور النميري :
من كان ولّى أحمد واليا
على علي فيولّوا عليه
قل لأبي القاسم إنّ الذي
ولّيت لم يترك وما في يديه
* * *
ص: 394
ص: 395
ص: 396
تفسير الثعلبي ، والقشيري ، والواحدي ، والقزويني ، ومعاني الزجاج ، ومسند الموصلي ، وأسباب نزول القرآن عن الواحدي :
إنّه لمّا دخل النبي صلى الله عليه و آله مكة يوم الفتح غلق عثمان بن طلحة العبدي باب البيت ، وصعد السطح ، فطلب النبي صلى الله عليه و آله المفتاح منه ، فقال : لو علمت أنّه رسول اللّه لم أمنعه .
فصعد علي بن أبي طالب عليهماالسلام السطح ، ولوى يده ، وأخذ المفتاح منه ، وفتح الباب ، فدخل النبي صلى الله عليه و آله البيت ، فصلّى فيه ركعتين .
فلمّا خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ، فنزل « إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤدُّوا الأَْماناتِ إِلى أَهْلِها » ، فأمر النبي صلى الله عليه و آله أن يردّ المفتاح إلى عثمان ، ويعتذر إليه .
فقال له عثمان : يا علي ، أكرهت وأذيت ، ثم جئت برفق ، قال : لقد أنزل اللّه - عزّ وجلّ - في شأنك ، وقرأ عليه الآية ، فأسلم عثمان ، فأقرّه النبي صلى الله عليه و آله في يده(1) .
ص: 397
وفي رواية صاحب النزول : أنّه جاء جبرئيل عليه السلام فقال : ما دام هذا البيت فإنّ المفتاح والسدانة في يد أولاد عثمان ، وهو إلى اليوم في أيديهم(1) .
وفي الصحيحين ، والتاريخين ، والمسندين ، وأكثر التفاسير : إنّ سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام أتت النبي صلى الله عليه و آله من مكة مسترفدة ، فأمر صلى الله عليه و آله بني عبد المطلب بإسدانها ، فأعطاها حاطب بن أبي بلتعة عشرة دنانير على أن تحمل كتابا بخبر وفود النبي صلى الله عليه و آله إلى مكة ، وكان صلى الله عليه و آله أسرّ ذلك ليدخل عليهم بغتة .
فأخذت الكتاب ، وأخفته في شعرها وذهبت ، فأتى جبرئيل عليه السلاموقصّ
القصّة على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأنفذ عليا عليه السلام والزبير ومقداد وعمارا وعمر وطلحة وأبا مرثد خلفها ، فأدركوها بروضة خاخ(2) فطالبوها(3) بالكتاب ، فأنكرت ، وما وجدوا معها كتابا .
فهمّوا بالرجوع ، فقال علي عليه السلام : واللّه ما كذبنا ولا كذبنا ، وسلّ سيفه وقال : أخرجي الكتاب وإلاّ - واللّه - لأضربنّ عنقك ، فأخرجته من عقيصتها ، فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام الكتاب ، وجاء إلى النبي صلى الله عليه و آله .
ص: 398
فدعا بحاطب بن أبي بلتعة ، وقال له : ما حملك على ما فعلت ؟ قال : كنت رجلاً عزيزا في أهل مكة - أي غريبا ساكنا بجوارهم - فأحببت أن أتخذ عندهم بكتابي إليهم مودّة ، ليدفعوا عن أهلي بذلك ، فنزل قوله - تعالى - « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ »(1) .
قال السدي ومجاهد في تفسيرهما عن ابن عباس : « لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ » بالكتاب والنصيحة لهم ، « وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ » أيّها المسلمون « مِنَ الْحَقِّ » يعني الرسول والكتاب « يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ » يعني محمدا صلى الله عليه و آله « وَإِيّاكُمْ » يعني وهم أخرجوا أمير المؤمنين عليه السلام« أَنْ تُؤمِنُوا بِاللّهِ رَبِّكُمْ » ، وكان النبي وعلي - صلّى اللّه عليهما - وحاطب ممّن أخرج من مكة .
فخلاّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله لإيمانه « إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي » أيّها المؤمنون « تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ » تخفون إليهم بالكتاب بخبر النبي صلى الله عليه و آله ، وتتّخذون عندهم النصيحة ، « وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ » من إخفاء الكتاب الذي كان معها « وَما أَعْلَنْتُمْ » .
ص: 399
وما قاله أمير المؤمنين عليه السلامللزبير : واللّه ، لا صدّقت المرأة أن ليس معها كتاب ، بل اللّه أصدّق ورسوله ، فأخذه منها ثم قال : « وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ »
عند أهل مكة بالكتاب « فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ » .
وقد اشتهر عنه عليه السلام قوله : أنا فقأت عين الفتنة ، ولم يكن ليفقأها غيري(1) .
وقال الطبري ومجاهد في تاريخهما : جمع عمر بن الخطاب الناس يسألهم من أيّ يوم نكتب ، فقال علي عليه السلام : من يوم هاجر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وترك أرض(2) الشرك(3) .
فكأنّه أشار أن لا تبتدعوا بدعة ، وتؤرخوا كما كانوا يكتبون في زمان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لأنّه لمّا قدم النبي صلى الله عليه و آله المدينة في شهر ربيع الأول أمر
بالتاريخ ، فكانوا يؤرخون بالشهر والشهرين من مقدمه إلى أن تمّت له سنة .
ذكره التاريخي عن ابن شهاب(4) .
ص: 400
ولقد كان يجري سياسته مجرى المعجزات لصعوبته وتعدّده ، وذلك أنّ أصحابه كانوا فرقتين :
أحدهما : على أنّ عثمان قتل مظلوما ، وتتولاّه وتتبرأ من أعدائه .
والأخرى : وهم جمهور الحرب ، وأهل الغنى والبأس ، يعتقدون أنّ عثمان قتل لأحداث أوجبت عليه القتل ، ومنهم من يصرّح بتكفيره .
وكلّ من هاتين الفرقتين يزعم أنّ عليا عليه السلام موافق له على رأيه ، وكان يعلم أنّه متى وافق إحدى الطائفتين باينته الأخرى وأسلمته ، وتولّت عنه وخذلته ، يستعمل في كلامه ما يوافق كلّ واحدة من الطائفتين ، فيقول : واللّه قتل عثمان قتل ولم(1) !
تاريخ الطبري : قال أبو بكر الهذلي : اجتمع أهل همدان والري ونهاوند وقومس وإصفهان ، وتظاهروا على أبي بكر(2) .
ص: 401
فقال طلحة فضلاً ، ثم قال عثمان : تلقيهم في أهل الشام واليمن وأهل الكوفة والبصرة .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إن أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلى ذراريهم ، وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم ، وإن أشخصت من هذين الحرمين إنقضّت العرب عليك من أطرافها وأكنافها حتى يكون ما تدع وراء ظهرك من عيالات العرب أهمّ إليك ممّا بين يديك .
وأمّا ذكرك كثرة العجم ورهبتك من جموعهم ، فإنّا لم نكن نقاتل على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالكثرة ، وإنّما كنّا نقاتل بالنصرة .
وأمّا ما بلغك من اجتماعهم على المسير إلى المسلمين ، فإنّ اللّه لمسيرهم أكره منك لذلك ، وهو أولى بتغيير ما يكره ، وإنّ الأعاجم إذا نظروا إليك قالوا : هذا رجل العرب ، فإن قطعتموه قطعتم العرب ، فكان أشدّ لكلبهم ، فكنت ألّبتهم على نفسك ، وأمدّهم من لم يكن يمدّهم .
ولكنّي أرى أن تقرّ هؤلاء في أمصارهم ، وتكتب إلى أهل البصرة ، فليتفرّقوا على ثلاث فرق ، فلتقم منهم فرقة على ذراريهم حرسا لهم ، ولتقم فرقة في أهل عهدهم لئلا ينفضّوا ، ولتسر فرقة منهم إلى اخوانهم مددا لهم(1) .
* * *
ص: 402
قال أبو بريدة الأسلمي :
كفى بعلي قائدا لذوي النهى
وحرزا من المكروه والحدثان
ونربع إليه إن ألمّت ملمّة
علينا ونرضى قوله ببيان
يبيّن إخفاء النفوس التي لها
من الهلك والوسواس هاجستان
* * *
وروي عن الصادق عليه السلام :
محال وجود النار في بيت ظلمة
وأن يهتدى في ظلّ حيران حائر
فلا تطمعوا في العدل من غير أهله
ولا في هدى من غير أهل البصائر
* * *
تفسير مجاهد وأبو يوسف يعقوب بن أبي سفيان : قال ابن عباس في قوله تعالى : « وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً » :
إنّ دحية الكلبي جاء يوم الجمعة من الشام بالمسيرة ، فنزل عند أحجار الزيت ، ثم ضرب بالطبول ليؤذن الناس بقدومه ، فانفض الناس إليه إلاّ علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام وسلمان وأبو ذر والمقداد وصهيب ، وتركوا النبي صلى الله عليه و آله قائما يخطب على المنبر ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : لقد نظر اللّه يوم الجمعة إلى مسجدي ، فلولا الفئة الذين جلسوا في مسجدي لانضرمت المدينة على أهلها نارا ، وحصبوا بالحجارة كقوم لوط ، ونزل فيهم «رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ »(1) الآية .
ص: 403
تاريخ الطبري : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام نزل بقبا على أم كلثوم بنت هدم وقت الهجرة ليلتين أو ثلاثا ، فرآها تخرج كلّ ليلة نصف الليل إلى طارق ، وتأخذ منه شيئا ، فسألها عن ذلك .
فقالت : هذا سهل بن حنيف ، قد عرف أنّي إمرأة لا أحد لي ، فإذا أمسى غدا على أوثان قومه فكسرها ، ثم جاءني بها وقال : احتطبي بهذا ، فكان أمير المؤمنين عليه السلام يحترمه بعد ذلك(1) .
الحسن الحسيني في كتاب النسب : أنّه رأى أمير المؤمنين علي عليه السلاميوم بدر عقيلاً في قيدٍ(2) ، فصدّ عنه ، فصاح به : يا ابن أم ، علي ، أما - واللّه - لقد رأيت مكاني ، ولكن عمدا تصدّ عنّي ، فأتى علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه و آلهوقال : يا رسول اللّه ، هل لك في أبي يزيد مشدودة يداه إلى عنقه بنسعة ، فقال انطلق بنا إليه(3) .
ص: 404
قوت القلوب : قيل لعلي بن أبي طالب عليه السلام : إنّك خالفت فلانا في كذا ! فقال : خيرنا اتبعنا لهذا الدين(1) .
وضافه رجل ، ثم خاصم إليه رجلاً ، فقال : تحوّل عنّا ، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهانا أن نضيف رجلاً إلاّ وأن يكون خصمه معه(2) .
ص: 405
ونوشه الحارث الأعور ، فقال : قد أجبتك على أن تضمن لي ثلاث خصال : لا تدخل علينا شيئا من خارج ، ولا تدّخر عنّا شيئا في البيت ، ولا تجحف بالعيال(1) .
أبو عبد اللّه : قال أمير المؤمنين عليه السلام لعمر بن الخطاب : ثلاث إن حفظتهن وعلمتهن كفتك ما سواهن ، وإن تركتهن لم ينفعك شيء سواهن ، قال : وما هن يا أبا الحسن ؟
قال : إقامة الحدود على القريب والبعيد ، والحكم بكتاب اللّه في الرضا والسخط ، والقسم بين الناس بالعدل بين الأحمر والأسود ، فقال له عمر : لعمري ، لقد أوجزت وأبلغت(2) .
ص: 406
زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : أقيم عبيد اللّه بن عمر ، وقد شرب الخمر ، فأمر به عمر أن يضرب ، فلم يتقدّم إليه أحد يضربه ، حتى قام علي عليه السلام بنسعة(1) مثنية ، فضربه بها أربعين(2) .
زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : إنّ الوليد بن عقبة حين شهد عليه شرب الخمر ، قال عثمان لعلي عليه السلام : اقض بيني وبين هؤلاء الذين يزعمون أنّه شرب الخمر ، فأمر علي عليه السلام أن يضرب بسوط له شعبتان أربعين جلدة(3) .
وأخذ عليه السلام رجلاً من بني أسد في حدّ ، فاجتمع قومه ليكلّموا فيه ، وطلبوا إلى الحسن عليه السلام أن يصحبهم ، فقال : إئتوه فهو أعلى بكم عينا .
ص: 407
فدخلوا عليه وسألوه ، فقال : لا تسألوني شيئا أملك إلاّ أعطيتكم .
فخرجوا يرون أنّهم قد أنجحوا ، فسألهم الحسن عليه السلام ، فقالوا : أتينا خير مأتي ، وحكوا له قوله ، فقال : ما كنتم فاعلين ، إذا جلد صاحبكم فاصنعوه ، فأخرجه علي عليه السلام فحدّه ، ثم قال : هذا - واللّه - لست أملكه(1) .
تهذيب الأحكام : أنّه أتي أمير المؤمنين عليه السلام بالنجاشي الشاعر ، وقد شرب الخمر في شهر رمضان ، فضربه ثمانين جلدة ، ثم حبسه ليلة ، ثم دعا به من الغد ، فضربه عشرين سوطا .
فقال له : يا أمير المؤمنين ، ضربتني ثمانين جلدة في شرب الخمر ، وهذه العشرين ما هي ؟ قال : هذا لتجرّيك على شرب الخمر في شهر رمضان(2) .
وبلغ معاوية أنّ النجاشي هجاه ، فدسّ(3) قوما شهدوا عليه عند أمير المؤمنين عليه السلام أنّه شرب الخمر ، فأخذه علي عليه السلام فحدّه .
ص: 408
فغضب جماعة على علي عليه السلام في ذلك ، منهم : طارق بن عبد اللّه النهدي ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما كنّا نرى أنّ أهل المعصية والطاعة ، وأهل الفرقة والجماعة - عند ولاة العقل ومعادن الفضل - سيّان في الجزاء ، حتى ما كان من صنيعك بأخي الحارث - يعني النجاشي - ، فأوغرت صدورنا ، وشتّت أمورنا ، وحملتنا على الجادة التي كنّا نرى أنّ سبيل من ركبها النار .
فقال علي - صلوات اللّه عليه - : « إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ » ، يا أخا بني نهد ، هل هو إلاّ رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم اللّه ، فأقمنا عليه حدّها زكاة له وتطهيرا .
يا أخا بني نهد ، إنّه من أتى حدّا فأقيم كان كفارته .
يا أخا بني نهد ، إنّ اللّه - عزّ وجلّ - يقول في كتابه العظيم : « وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى » .
فخرج طارق والنجاشي معه إلى معاوية ، ويقال : إنّه رجع(1) .
مطر الوراق وابن شهاب الزهري في خبر : أنّه لمّا شهد أبو زينب الأسدي ، وأبو مزرع ، وسعيد بن مالك الأشعري ، وعبد اللّه بن خنيس الأزدي ، وعلقمة بن زيد البكري على الوليد بن عقبة أنّه شرب الخمر أمر عثمان بإقامة الحدّ عليه جهرا ، ونهى سرّا .
ص: 409
فرأى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه يدرأ عنه الحدّ قام والحسن عليه السلام معه ليضربه ، فقال : نشدتك اللّه والقرابة ، قال عليه السلام : اسكت - أبا وهب - فإنّما هلكت بنو إسرائيل بتعطيلهم الحدود ، فضربه ، وقال : لتدعوني قريش بعد هذا جلاّدها(1) .
قال الرشيد الوطواط :
المصطفى قال في رهط وفي عدد
لكن واحدة الأكفى أبو الحسن
هذا هو المجد من تبغونه عوجا
إنّ العلى خشن ينقاد للخشن
* * *
وروي أنّه خيّر لرجل فسق بغلام ، إمّا ضربه بالسيف ، أو هدم حائط عليه ، أو الحرق بالنار ، فاختار النار لشدّة عقوبتها ، وسأل النظرة لركعتين .
فلمّا صلّى رفع رأسه إلى السماء وقال : يا ربّ ، إنّي أتيت بفاحشة ، وأتيت إلى وليّك تائبا ، واخترت الإحراق لأتخلّص من نار يوم القيامة .
فبكى علي عليه السلام ، وبكى من حوله ، فقال علي عليه السلام : اذهب فقد غفر اللّه لك .
ص: 410
فقال رجل : يا أمير المؤمنين ، تعطل حدّا من حدود اللّه ، فقال له : ويلك ، إنّ الإمام إذا كان من قبل اللّه ، ثم تاب العبد من ذنب بينه وبين اللّه ، فله أن يغفر له(1) .
أتت إمرأة إلى علي عليه السلام تستعدي على زوجها أنّه أحبل جاريتي ؟ فقال : إنّها وهبتها لي ، فقال علي عليه السلام للرجل : تأتيني بالبينة وإلاّ رجمتك .
فلمّا رأت المرأة أنّه الرجم ليس دونه شيء أقرّت أنّها وهبتها له ، فجلدها علي عليه السلام ، وأجاز له ذلك(2) .
ولمّا حثّ أمير المؤمنين عليه السلام على حرب صفين قام أربد بن ربيعة الفزاري فقال : يا علي ، أتريد أن تقتل أهل الشام كما قتلنا أهل البصرة قتلة الغوغاء(3) ، فقال أبو علافة التميمي :
ص: 411
أعوذ بربّي أن تكون منيّتي
كما مات في سوق البراذين أربد
تغاوره قراؤنا تبعا لهم
إذا رفعت أيد بها وقعت يد
* * *
فجعل أمير المؤمنين عليه السلام ديّته على بيت المال(1) .
قال الصاحب :
من كمولانا علي مفتيا
خضع الكلّ له واعترفا
* * *
وله أيضا :
تولّى أمور الناس لم يستغلّهم
ألا ربما يرتاب من يتقلّد
ولم يك محتاجا إلى علم غيره
إذا احتاج قوم في القضايا تبلّدوا
* * *
فهذه مزايا له فيما شاركهم فيه ، فتجمّع فيه ما تفرّق في سائر الصحابة ، فتبيّن رجحانه على جميعهم ، والتقدّم على الأفضل خطأ .
* * *
قال الصاحب :
تجمّع فيه ما تفرّق في الورى
من الخلق والأخلاق والفضل والعلى
ص: 412
وقال الرشيد وطواط :
لقد تجمع في الهادي أبي الحسن
ما قد تفرّق في الأصحاب من حسن
* * *
ولغيره :
ولم يكن في جميع الناس من حسن
ما كان في الضيغم العادي أبي الحسن
* * *
وقال علي بن هارون :
وهل خصلة من سؤدد لم يكن بها
أبو حسن من بينهم ناهضا قدما
* * *
وقال المنجم :
فما فاتهم منها به سلّموا له
وما شاركوه كان أوفرهم قسما
* * *
كتاب أبو موسى الحامض النحوي : أنّه عرض عباسي للسيد الحميري : إنّ أشعر الناس من قال :
محمد خير من يمشي على قدم
وصاحباه وعثمان بن عفان
* * *
فقال السيد : يا حدث ، [ تسعى ] على أهلك بالعداوة ؟!
فقال : السنة . فقال السيد : هذه حجّة ، أنا أشعر من هذا حيث أقول :
ص: 413
سائل قريشا إن كنت ذا عمه
من كان أثبتهم في الدين أوتادا
من كان أوّلها سلما وأكثرها
علما وأطيبها أهلاً وأولادا
من كان أعدلهم حكما وأقسطهم
فتيا وأصدقهم وعدا وإيعادا
من صدّق اللّه إذ كانت مكذّبة
تدعو مع اللّه أوثانا وأندادا
إن يصدقوك فإن تعدو أبا حسن
إن أنت لم تلق للأبرار حسادا(1)
* * *
وقال ابن حماد :
هو النبأ الأعلى الذي يسأل الورى
غدا عنه إذ يبلو به اللّه من يبلو
فذاك هو الذكر الحكيم وإنّه
هو المثل الأعلى الذي ما له مثل
ص: 414
هو العروة الوثقى هو الجنب إنّما
يفرّط فيه الخاسر العمه العقل
هو القبلة الوسطى يرى الوفد حولها
لها حرم اللّه المهيمن والحل
وآيته الكبرى وحجّته التي
أقيمت على من كان منّا له عقل
هو الباب أعني باب حطّة لم يكن
لخلق إلى الرحمن من غيره وصل
نعم وصراط اللّه ينجو وليّه
ويهلك من زلّت عليه به الرجل(1)
* * *
ص: 415
ص: 416
باب 3 : درجات أمير المؤمنين عليه السلام
فصل 1 : في مقدماتها
( 7 - 12 )
اجتماع الأمّة على أمور كلّها في علي عليه السلام··· 9
الدليل السمعي··· 9
سبق أمير المؤمنين الى أفضل الفضائل··· 9
فضائل أمير المؤمنين على ثلاثة أنواع··· 11
فصل 2 : في المسابقة بالإسلام
( 13 - 42 )
سبقه بالإسلام··· 15
الردّ على من قال بسبق غيره عليه السلام··· 17
الكتب التي روت أنّ عليا عليه السلام أول الناس إسلاما··· 19
الآيات··· 19
السّابِقُونَ السّابِقُونَ··· 19
ص: 417
وَالسّابِقُونَ الأَْوَّلُونَ··· 20
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا··· 20
الروايات··· 21
خصائص النطنزي··· 21
المعرفة والتاريخ للنسوي··· 21
حلية أبي نعيم وخصائص النطنزي··· 21
أربعين الخطيب وفضائل أحمد وكشف الثعلبي··· 22
فردوس الديلمي··· 22
تفسير فرات··· 23
شرف النبي صلى الله عليه و آله للخركوشي··· 23
جامع الترمذي وإبانة العكبري وتاريخ الخطيب والطبري··· 23
طبقات ابن سعد ومسند أحمد··· 24
تاريخ الطبري وأربعين الخوارزمي··· 24
الفضائل للعكبري وأحمد··· 25
ابن مردويه والسمعاني وأمالي المروزي··· 25
تاريخ بغداد والقوامية ومسند الموصلي وخصائص النطنزي··· 25
تاريخ الطبري وتفسير الثعلبي··· 26
الصحابة والتابعون الذين رووا أنّ عليا أوّل من أسلم··· 26
كان إسلامه عليه السلام عن فطرة وإسلامهم عن كفر··· 28
إنّه ما عبد الصنم قطّ··· 28
إنّه لم يلبس إيمانه بظلم··· 28
إنّه لم يكذّب برسول اللّه قطّ··· 29
ص: 418
رجحان إيمان علي عليه السلام على إيمان الأمّة··· 29
ردّ أبو رجاء على من سبّ عليا عليه السلام··· 30
إيمانه في الباطن والظاهر وإسلامهم على الظاهر··· 31
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا نزلت في علي عليه السلام··· 31
أَفَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلإِْسْلامِ··· 31
لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤمِنِينَ··· 32
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ··· 32
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ··· 32
إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ··· 32
إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤمِنِينَ··· 33
أَفَمَنْ كانَ مُؤمِناً··· 33
بقي بعد النبي صلى الله عليه و آله يفعل ما يميّز إيمانه··· 35
شهد القرآن له بالصدق والوفاء··· 35
الردّ على من قال أنّ إسلامه عليه السلام كان قبل بلوغه··· 37
قول الحاكم النيسابوري··· 37
سنّه عليه السلام يوم أظهر إسلامه··· 39
فصل 3 : في المسابقة بالصلاة
( 43 - 64 )
الآيات··· 45
وَارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ··· 45
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ··· 45
ص: 419
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ··· 46
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ··· 46
صلّى فقال أهل مكة إنّه مجنون !··· 46
جبرئيل علّم النبي صلى الله عليه و آله ! والنبي علّم عليا عليه السلام··· 47
إنّه أوّل من صلّى··· 47
نزول بعض الآيات فيه عليه السلام··· 50
صلّى عليه السلام قبل الناس كلّهم سبع سنين··· 52
إنّه عليه السلام أوّل من صلّى القبلتين··· 56
صلّى الى الكعبة تسعا وثلاثين سنة··· 56
قامت به عليه السلام أوّل صلاة جماعة··· 58
خشوعه الصلاة··· 61
صلاته تحكي صلاة النبي صلى الله عليه و آله··· 61
توجّهه في الصلاة··· 61
فصل 4 : في المسابقة بالبيعة
( 65 - 84 )
أنواع البيعة للنبي صلى الله عليه و آله··· 67
بيعة الرضوان··· 68
سبقه عليه السلام في بيعة الرضوان··· 68
إنّه أولى الناس بالآية فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ . .··· 68
بايع وهو سيد المؤمنين··· 69
ص: 420
بايع فصدق ووفى ونزلت عليه السكينة··· 70
بايع ولم ينكث ولم يفرّ··· 70
ثباته عليه السلام يوم خيبر وفرار الشيخين··· 71
نكث الأول والثاني ووفاء أمير المؤمنين··· 72
أخذ النبي صلى الله عليه و آله البيعة لنفسه ولذرّيّته··· 73
أمير المؤمنين كتب الكتاب بينهم··· 74
بيعة العشيرة··· 75
علّة وراثة أمير المؤمنين النبي دون العباس··· 78
فصل 5 : في المسابقة بالعلم
( 85 - 168 )
الآيات··· 87
الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِْيمانَ··· 87
إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ··· 87
حم عسق··· 87
وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ··· 88
وزنه في الحساب··· 89
ظهور علمه على سائر الصحابة واعترافهم بعلمه··· 90
إتّباع علماء الصحابة لأمير المؤمنين··· 91
إقرار ابن عباس بعلمه··· 92
إقرار سلمان بعلمه··· 93
ص: 421
إقرار أبي أمامة بعلمه··· 93
إقرار عطاء بعلمه··· 93
إقرار عمر بعلمه عليه السلام··· 94
اعتراف أبي بكر وعمر بجهلهما··· 96
شهادة النبي صلى الله عليه و آله له عليه السلام بالعلم··· 98
الإستدلال بالحساب··· 99
أقضاكم علي عليه السلام··· 100
إنّه عليه السلام باب مدينة علم النبي صلى الله عليه و آله··· 103
طرق الحديث··· 103
دلالات الحديث··· 104
في الحساب··· 104
فتح له عليه السلام النبي صلى الله عليه و آله أبواب العلم··· 106
العلم الذي أفضاه اليه عليه السلام النبي صلى الله عليه و آله بعد وفاته··· 110
ما كان عنده عليه السلام من العلم··· 111
سلوني قبل أن تفقدوني··· 113
النتيجة··· 116
علي عليه السلام قدوة لأهل العلوم كلّها··· 119
جمع القرآن··· 119
الثلاثة لم يجمعوا القرآن··· 123
القراءات··· 123
رجوع القراء السبعة الى قراءته··· 124
العدد في القرآن··· 125
ص: 422
المفسّرون··· 125
لا يأخذ المفسّرون إلاّ بقوله عليه السلام··· 126
الفقهاء··· 127
رجوع فقهاء الأمصار اليه··· 128
أخذ الفرائض منه عليه السلام··· 129
أصحاب الروايات··· 131
المتكلّمون··· 133
وَكانَ الإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً··· 137
ردّه على رأس الجالوت··· 137
محاججته مع كليب الجرمي··· 138
كلامه عليه السلام في التوحيد··· 138
النحاة··· 142
علّة تأسيس النحو··· 142
الخطباء··· 143
الفصحاء والبلغاء··· 144
خطبته الخالية من الألف··· 145
خطبته الخالية من النقط··· 147
من كلامه عليه السلام··· 147
الشعراء··· 148
أهل العروض··· 149
أصحاب العربية··· 149
الوعاظ··· 150
ص: 423
الفلاسفة··· 150
المهندسون··· 153
وزن القيد بإزاحة الماء··· 153
وزن الفيل بإزاحة الماء··· 154
وضع الكلك وعمل المجداف··· 154
المنجمّون··· 155
خبر الدهقان المنجم مع أمير المؤمنين عليه السلام··· 155
الحسّاب··· 157
خبر حساب ثمن الأرغفة··· 157
أصحاب الكيمياء··· 158
الأطباء··· 159
معرفة ما يرجى من الولد من أعضائه··· 159
من يعيش من المواليد··· 160
مخرج لبن الجارية ولبن الغلام··· 160
نمو الصبي كلّ سنة··· 160
علّة شبه الولد بالأم أو الأب . .··· 160
كيف تؤنث المرأة ويذكّر الرجل··· 161
علم المعاملة على طريق السوقية··· 161
من فرط حكمته عليه السلام··· 162
التوراة عربية عند أمير المؤمنين عليه السلام··· 162
نبي أسود لم يذكر في القرآن··· 162
تفسيره كتاب معاوية الى أبي أيوب··· 163
ص: 424
من وفور علمه عليه السلام··· 163
معرفته لغة الحيوانات··· 163
معرفته لغات الملائكة··· 164
معرفته لغات البشر··· 165
تفسيره صوت الناقوس··· 166
الإستدلال بالأدلة الثلاثة على أفضلية الإمام علي عليه السلام··· 167
فصل 6 : في المسابقة إلى الهجرة
( 169 - 188 )
الهجرة الأولى··· 171
الهجرة الثانية··· 171
الهجرة الثالثة··· 172
الهجرة الرابعة··· 172
مبيت الإمام عليه السلام خير من خروج أبي بكر··· 173
استخلافه عليه السلام لردّ الودائع··· 174
منّته عليه السلام على أبي بكر وعائشة في الهجرة··· 174
ثقة النبي صلى الله عليه و آله بنجدة علي عليه السلام ليلة المبيت··· 174
هجرة أمير المؤمنين عليه السلام الى المدينة··· 175
المبيت أعظم من القتال··· 184
نزول قوله ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ . . )··· 185
ص: 425
فصل 7 : في المسابقة بالجهاد
( 189 - 202 )
اجتمعت الأمّة أنّ عليا عليه السلام خيرة اللّه ··· 191
علي عليه السلام قاتل المنافقين بأمر النبي صلى الله عليه و آله والأول قتل المسلمين··· 192
علي عليه السلام أفضل المجاهدين والإثنان لم يقاتلا قطّ··· 193
ثبات علي عليه السلام في كلّ قتال وفرارهما··· 194
الآيات النازلة فيه··· 194
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ··· 194
وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ··· 195
وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ··· 195
هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ··· 195
وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً··· 196
لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا··· 196
إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ··· 197
وَجاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ··· 197
وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ··· 198
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ··· 198
وَلا يَطَؤنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفّارَ··· 198
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ··· 199
أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ··· 199
لا تَجِدُ قَوْماً يُؤمِنُونَ بِاللّهِ··· 202
ص: 426
فصل 8 : في المسابقة بالسخاء والنفقة في سبيل اللّه
( 203 - 230 )
الآيات··· 207
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ··· 207
لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا··· 208
إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً··· 209
ضيافته عليه السلام··· 213
سورة هل أتى··· 213
إطعام أبي هريرة··· 213
حزنه إذا انقطع عنه الضيف··· 214
أطعم الضيف وبات وأهله جياع··· 214
تصدّقه عليه السلام··· 217
تصدّق على ثلاث فتابوا الى اللّه ··· 217
يطعم اليتامى العسل··· 219
تصدّقه على النيام في ظلّة بني ساعدة··· 219
منع نفسه مع شدّة سغبه طلبا للقربة··· 219
أضاف النبي صلى الله عليه و آله وجماعة فأعطاه اللّه دينارا··· 220
عوض دينار استقرضه وتصدّق به··· 221
عوض التصدّق بثمن القطيفة··· 223
عوض صدقته على المقداد··· 224
صدقته على الأعرابي··· 225
ص: 427
التصدّق بالخاتم··· 229
فيه يضرب المثل في الصدقات··· 229
لم يخلّف إلاّ ثمانمائة درهم··· 229
فصل 9 : في المسابقة بالشجاعة
( 231 - 258 )
الآيات··· 233
كان شديدا على الكفّار دون الأول··· 233
العزّة والقدرة في سورة المنافقين··· 234
لا يقاس الإمام عليه السلام بمن لم يصب محجمة من دم قطّ··· 235
من قتلهم الإمام عليه السلام يوم بدر··· 235
من قتلهم الإمام عليه السلام يوم أحد··· 237
من قتلهم يوم الأحزاب··· 239
من قتلهم يوم حنين··· 239
غزاة السلسلة وبني نضير وبني قريظة وبني المصطلق··· 239
من قتلهم في غزوات ومواقع شتى··· 240
صفة ضرباته عليه السلام··· 241
كرار غير فرار··· 242
كان النبي صلى الله عليه و آله يهدّد الكفار به عليه السلام··· 243
إفتخار الأعداء بشجاعته عليه السلام··· 245
طلب العدو سيفه فرماه اليه··· 247
ص: 428
جبرئيل يجرّب ثبات قلبه ويمدحه··· 248
أمير المؤمنين عليه السلام يقاتل الجن··· 249
مع الجنّ عند بئر ذات العلم في الحديبية··· 251
غالب كلّ غالب··· 255
فصل 10 : في المسابقة بالزهد والقناعة
( 259 - 286 )
إنّه عليه السلام أورع الصحابة··· 261
زهده··· 262
زهد في الدنيا وتكالبوا عليها··· 262
كان من فقراء المهاجرين··· 262
شهادة النبي صلى الله عليه و آله بزهده··· 262
أزهد من في الدنيا··· 263
الآيات··· 264
وَأَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ··· 264
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً··· 264
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ··· 264
إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا··· 265
سيرته في الزهد··· 266
سيرته عليه السلام في بيت المال··· 266
ما وضع لبنة على لبنة··· 268
ص: 429
بشّر الوارث··· 268
ملبسه عليه السلام··· 268
مركبه عليه السلام··· 273
مأكله عليه السلام··· 273
يختم جرابه··· 273
لا يأكل من العراق··· 274
رغيف لم ينخل ولبن حامض··· 274
علّل النفس بالقنوع··· 275
طعامه يوم العيد··· 275
ما جمع إدامين··· 276
اجعلها باجا··· 276
اجتنب الفالوذج تنزّها··· 276
يطعم اللحم ويأكل الخلّ··· 277
رفاه المجتمع في عهده··· 277
سيرته عليه السلام مع بعض أزواجه··· 278
سيرته عليه السلام وزهده في الحكم··· 280
كتابه لابن حنيف··· 280
اعتراض عمّه العباس··· 281
الحكم لإقامة الحقّ ودفع الباطل··· 281
زهده عليه السلام في الدنيا··· 282
ما بخل به الباخلون··· 283
ص: 430
تمثّل الدنيا له وإعراضه عنها··· 283
أخذه بأشدّ الأمرين··· 284
وصف ضرار له أمام معاوية··· 284
الخلافة ابتلاء··· 285
فصل 11 : في المسابقة بالتواضع
( 287 - 296 )
الآيات··· 289
وَعِبادُ الرَّحْمنِ··· 289
الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ··· 289
عمله في البيت··· 290
حمله الطعام الى البيت··· 290
مواضع كان يمشي فيها حافيا··· 290
يمشي في الأسواق وحده··· 291
نهيه عن المشي خلفه··· 291
نهيه عن التفاخر الباطل··· 292
صبّ الماء على يد ضيفه··· 292
ترافع مع يهودي عند شريح القاضي··· 293
ترافع مع التميمي عند شريح··· 294
مشى الى بيت شاب ليصلح بين زوجين··· 295
شعره في التواضع··· 296
ص: 431
فصل 12 : في المسابقة بالعدل والأمانة
( 297 - 314 )
الآيات··· 299
إِنّا جَعَلْنا ما عَلَى الأَْرْضِ زِينَةً··· 299
هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ··· 299
يحاجّ الناس يوم القيام بتسع··· 299
أنا أبو الحسن القرم··· 300
قصّة استقراض العسل من بيت المال··· 300
قصّة عقد الؤلؤ المستعار··· 302
تقسيم الأترج بين الناس··· 303
ما أغفلك عن أمير المؤمنين··· 303
تقسيم أواني الفضّة والذهب··· 304
اجتنابه قطيفة الصدقة··· 304
مع أخيه عقيل عليه السلام··· 304
أم ولد له تطلب منه قرنفلاً··· 307
مع ابن زمعة··· 308
مع عاصم بن ميثم··· 308
أيّها الناس لا تشكو عليا··· 308
اطفأ سراج بيت المال··· 309
استرجاعه قطائع عثمان··· 309
كلامه لمّا أراده الناس للبيعة··· 310
ص: 432
عطاء طلحة والزبير··· 310
عطاء ابن حنيف وعبده··· 311
كتابه الى مولى له أصاب مالاً··· 311
تقسيم زقاق العسل··· 312
بيع أحمال الفاكهة··· 312
علف الضوالّ من بيت المال··· 312
تقسيم هدية الخبيص··· 312
هدية يوم النيروز··· 313
بيع الثوب المنسوج بالذهب··· 313
تقسيم مال أصفهان··· 313
حبل بيت المال··· 314
كان عليه السلام قوالاً للحقّ ، قواما بالقسط··· 314
فصل 13 : في المسابقة بالحلم والشفقة
( 315 - 326 )
لكزه بائع التمر··· 317
أمن غلامه عقوبته فأعتقه··· 317
حلمه في الصلاة عن ابن الكوا··· 318
عفا عن السيئة للحسنة··· 319
سبّ بسبّ أو عفو عن ذنب··· 319
أستحي أن يغلب جهل أبي هريرة علمي··· 320
إلى كم أغضي الجفون على القذى··· 320
ص: 433
مع عثمان··· 320
حلمه وشفقته يوم الجمل··· 321
حلمه عليه السلام مع أسرى حروب الشام··· 322
حلمه عليه السلام مع أصحاب النهر··· 322
حلمه عليه السلام مع طلحة العبدري··· 322
حلمه عليه السلام مع عمرو بن عبد ودّ··· 322
صبره لمّا طالبوه بالبيعة··· 323
عفا اللّه عمّا سلف··· 323
ما زلت مظلوما منذ قبض اللّه نبيه··· 324
بعض صفاته عليه السلام··· 325
مع أرملة شهيد وأيتامه··· 325
فصل 14 : في المسابقة بالهيبة والهمّة
( 327 - 332 )
الآيات··· 329
أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ··· 329
تمكن هيبته في القلوب··· 329
خوف عمر منه إذا رآه وحيدا··· 329
تورعه عن سلب القتيل··· 330
ترك سلب عمرو بن ودّ··· 331
الذهب والفضة عنده حجران··· 332
حلل الوالد وأهدى المال للولد··· 332
ص: 434
فصل 15 : في المسابقة باليقين والصبر
( 333 - 346 )
فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ··· 335
كلامه في جسارته على الحقّ··· 335
عدم مبالاته بالموت··· 336
فزت وربّ الكعبة··· 336
الآيات··· 338
الصّابِرِينَ وَالصّادِقِينَ . .··· 338
وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ··· 338
إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا··· 339
وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ··· 340
الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ··· 340
إن كنت تحبّني فأعدّ للفقر جلبابا··· 340
حديث الحدائق السبع··· 342
كلامه في صبره على المحن··· 344
ما زلت مظلوما منذ كنت··· 344
فصل 16 : في المسابقة بصالح الأعمال
( 347 - 358 )
الآيات··· 349
إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ··· 349
ص: 435
وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ··· 349
وَيُبَشِّرُ الْمُؤمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ··· 349
أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ··· 350
أعتق ألف نسمة من كدّ يده··· 350
أوقافه··· 351
بعض أعماله الصالحة··· 351
عبادته··· 353
صلاة الليل حتى ليلة الهرير··· 353
إحياء الليل طول السنة··· 353
أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً··· 353
تغيّر لونه وقت الصلاة··· 354
مشهد من عبادته ومناجاته··· 354
من يقوى على عبادة علي عليه السلام ؟··· 356
انتفاضه عند سماع القرآن··· 356
عمل ليسدّ جوع النبي صلى الله عليه و آله··· 357
فصل 17 : في الإستنابة والولاية
( 359 - 394 )
أداء سورة براءة··· 361
أذانه في الموسم··· 362
موقف المشركين منه··· 363
تاريخ الأداء··· 364
ص: 436
الردّ على الجاحظ··· 367
بعثه الى اليمن يدعوهم الى الإسلام··· 367
استنابه لمّا أنفذه الى اليمن قاضيا··· 368
استنابه حين أنفذه إلى المدنية لمهمّ شرعي··· 368
استنابه في ذبح باقي إبله··· 369
استنابه في التضحّي··· 372
استنابه في اصلاح ما أفسده خالد··· 372
ولاّه في ردّ الودائع وقضاء الدين··· 374
قضاؤه عليه السلام دين اللّه بعد وفاته صلى الله عليه و آله··· 376
جعل طلاق نسائه اليه··· 377
استنابه في عدّة مواضع أخرى··· 378
ولاّه في عدّة مواضع أخرى··· 379
ولاّه على نفسه عند وفاته . . .··· 379
وصّى اليه أمر الأمّة··· 380
استنابه يوم الفتح في قلع الصنم··· 380
من عبد صنما لا يقلعه··· 383
أنا الذي وضعت قدمي على خاتم النبوة··· 383
خطبة الافتخار··· 384
كلام ابن نباتة··· 384
وجه آخر لحديث الأرتقاء··· 390
مزايا أمير المؤمنين عليه السلام··· 393
ص: 437
فصل 18 : في المسابقة بالحزم وترك المداهنة
( 395 - 416 )
أخذ مفتاح الكعبة يوم الفتح··· 397
أخذ كتاب الخيانة··· 398
أنا فقأت عين الفتنة··· 400
كتابة التاريخ الهجري··· 400
يجري سياسته مجرى المعجزات··· 401
مداراته لمن معه مع تفرّق آرائهم··· 401
حيرة أبي بكر وجواب أمير المؤمنين عليه السلام··· 401
وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها··· 403
علّة إحترام أمير المؤمنين لسهل بن حنيف··· 404
موقفه عليه السلام من أخيه عقيل عليه السلام يوم بدر··· 404
خيرنا اتبعنا لهذا الدين··· 405
موقفه عليه السلام من رجل ضافه ثم خاصم اليه رجلاً··· 405
أجاب عليه السلام دعوة الحارث بثلاث خصال··· 406
إقامته عليه السلام الحجّة على عمر··· 406
أقام الحدود ولم تأخذه في اللّه لومة لائم··· 407
أقام الحدّ على ابن عمر··· 407
أقام الحدّ على الوليد بن عقبة··· 407
أقام الحدّ على رجل من بني أسد··· 407
أقام الحدّ على النجاشي الشاعر··· 408
ص: 438
لتدعوني قريش بعد هذا جلاّدها··· 409
درأ عليه السلام حدّا عن رجل فسق بغلام لتوبته··· 410
حدّ إمرأة اتهمت زوجها··· 411
دفع ديّة رادٍّ عليه قتله الناس··· 411
تجمّع فيه ما تفرّق في الورى··· 412
الفهرست··· 417
ص: 439
عنوان و نام پديدآور:مناقب آل ابی طالب/ تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب. تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.
مشخصات نشر:قم: المکتبه الحیدریه، 1432ق = 1390.
مشخصات ظاهری:12ج
وضعیت فهرست نویسی:در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)
يادداشت:ج.9. (چاپ اول)
شماره کتابشناسی ملی:2481606
ص: 1
مناقب آل أبي طالب
تأليف الإمام الحافظ رشيد الدين أبي عبد اللّه محمد بن علي بن شهرآشوب
ابن أبي نصر بن أبي الجيش السروي المازندراني
المتوفى سنة 588 ه
الجزء الخامس
تحقيق السيد علي السيد جمال أشرف الحسيني
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
ص: 8
ابن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى « وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ » قال : الرسل والأئمة من أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله .
وفي رواية إبراهيم في هذه الآية قال : الأنبياء والأوصياء(1) .
الإمامان الجعفران عليهماالسلام في قوله تعالى « فَأَمّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ » فهو أمير المؤمنين « فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ وَأَمّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ » وأنكر ولاية علي عليه السلام «فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ » فهي النار جعلها اللّه له أمّا ومأواه .
قال الحميري :
وقوله الميزان بالقسط وما
غير علي في غد ميزانه
ويل لمن خفّ لديه وزنه
وفوز من أسعده رجحانه
* * *
ص: 9
أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى «فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ »
علي بن أبي طالب(1) عليه السلام .
تاريخ بغداد ، وفردوس الديلمي ، وخصائص النطنزي ، بالإسناد عن محمد بن شهاب عن أنس قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول :
عنوان صحيفة المؤمن حبّ علي بن أبي طالب(2) عليهماالسلام .
* * *
قال محمد بن السمرقندي :
آل النبي ذريعتي
وهم إليه وسيلتي
أرجو بأن أعطى غدا
بيد اليمين صحيفتي
* * *
الشيرازي في كتابه وأبو معاوية الضرير عن الأعمش عن مسلم النظير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :
إذا كان يوم القيامة أمر اللّه مالكا أن يسعّر النيران السبع ، وأمر رضوان أن يزخرف الجنان الثمانية ، ويقول : يا ميكائيل ، مدّ الصراط
ص: 10
على متن جهنم ، ويقول : يا جبرئيل ، انصب الميزان تحت العرش ، وناد : يا محمد ، قرّب أمّتك للحساب .
ويأمر اللّه - تعالى - أن يعقد على الصراط سبع قناطر ، طول كلّ قنطرة سبعة عشر ألف فرسخ ، وعلى كلّ قنطرة سبعون ألف ملك قيام ، فيسألون هذه الأمّة - نساؤهم ورجالهم - على القنطرة الأولى عن ولاية علي بن أبي طالب وحبّ آل محمد عليهم السلام .
فمن أتى به جاز القنطرة الأولى كالبرق الخاطف ، ومن لم يحبّ أهل بيت نبيه سقط على أمّ رأسه في قعر جهنم ، ولو كان له من أعمال البرّ عمل سبعين صدّيقا .
وعلى القنطرة الثانية يسألون عن الصلاة ، وعلى الثالثة يسألون عن الزكاة ، وعلى القنطرة الرابعة عن الصيام ، وعلى الخامسة عن الحجّ ، وعلى السادسة عن العدل ، فمن أتى بشيء من ذلك جاز كالبرق الخاطف ، ومن لم يأت عذّب .
وذلك قوله « وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤلُونَ » يعني معاشر الملائكة ، « وَقِفُوهُمْ » يعني العباد على القنطرة الأولى عن ولاية علي عليه السلام ، وحبّ أهل البيت(1) .
وسئل الباقر عليهماالسلام عن هذه الآية قال : يقفون فيسألون « ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ » في الآخرة كما تعاونتم في الدنيا على علي عليه السلام .
ص: 11
قال : يقول اللّه « بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ » ، « فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ » إلى قوله : « كَالُْمجْرِمِينَ » .
محمد بن إسحاق ، والشعبي ، والأعمش ، وسعيد بن جبير ، وابن عباس ، وأبو نعيم الأصفهاني ، والحاكم الحسكاني ، والنطنزي ، وجماعة أهل البيت عليهم السلام « وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤلُونَ » عن ولاية علي بن أبي طالب عليهماالسلاموحبّ أهل البيت(1) عليهم السلام .
الرضا عليه السلام إنّ النبي صلى الله عليه و آله قرأ « إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤ'دَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤلاً » فسئل عن ذلك ، فأشار إلى الثلاثة ، فقال : هم السمع والبصر والفؤاد(2) ، وسيسألون عن وصيّي هذا ، وأشار إلى علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
ثم قال : وعزّة ربّي إنّ جميع أمّتي لموقوفون يوم القيامة ، ومسؤولون عن ولايته ، وذلك قول اللّه تعالى « وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤلُونَ »(3) .
ص: 12
تفسير وكيع بن سفيان عن السدي في قوله « فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ »عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، ثم قال : « عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ » عن أعمالهم في الدنيا(1) .
أبو جعفر عليه السلام في قوله « ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ » يعني الأمن ، والصحّة ، وولاية علي بن أبي طالب(2) عليهماالسلام .
التنوير في معاني التفسير : الباقر والصادق عليهماالسلام : « النَّعِيمِ » ولاية أمير المؤمنين(3) عليه السلام .
مواهب اللّه عندي جاوزت أملي
وليس يبلغها قولي ولا عملي
لكنّ أشرفها عندي وأفضلها
ولايتي لأمير المؤمنين علي
* * *
الثعلبي في تفسيره عن مجاهد عن ابن عباس ، وأبو القاسم القشيري في تفسيره عن الحاكم الحافظ عن أبي برزة ، وابن بطّة في إبانته بإسناده عن أبي سعيد الخدري ، كلّهم عن النبي صلى الله عليه و آله قال :
ص: 13
لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربعة : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه ، وفيما أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت(1) .
أربعين المكي وولاية الطبري : فقيل له : فما آية محبّتكم من بعدكم ؟ فوضع يده على رأس علي عليه السلام ، وهو على جانبه ، فقال : إنّ حبّي من بعدي حبّ هذا(2) .
منقبة المطهرين عن أبي نعيم : فقال عمرو : ما آية حبّكم يا رسول اللّه ؟ قال : حبّ هذا ، ووضع يده على كتف علي عليه السلام ، وقال : من أحبّه فقد أحبّنا ، ومن أبغضه فقد أبغضنا .
ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه و آله : والذي بعثني بالحقّ لا يقبل اللّه من عبده حسنة حتى يسأله عن حبّ علي بن أبي طالب(3) عليه السلام .
ولا ينجي من الرحمن شيء
ومن هول القيامة والحساب
ومن نار تلهّب في جحيم
سوى حبّ الإمام أبي تراب
شفيع الخلق في يوم التلاق
هو المنعوت في آي الكتاب
ص: 14
صحيفة أهل البيت عليهم السلام : قال أمير المؤمنين عليه السلام : فيّ نزلت هذه الآية « إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ »(1) .
أبو عبد اللّه عليه السلام : إذا كان يوم القيامة وكّلنا اللّه - تعالى- بحساب شيعتنا ، فما كان للّه سألنا اللّه أن يهبه لنا ، وما كان لنا نهبه لهم ، ثم قرأ هذه الآية(2) .
* * *
قال ابن حماد :
يا آية اللّه التي قدرها
ليس له في الخلق من قادر
ويا صراطا لم يجزه سوى
كلّ تقي مؤمن صابر
ويا حجابا ليس من غيره
إلى إله العرش من صائر
لا يغفر اللّه لمن لم تكن
له غداة البعث بالغافر
* * *
وأنشد أيضا :
خير زاد نختار فيه المزيد
حبّ آل النبي والتوحيد
فهم عدّتي إذا شمل العالم
يوم الحساب أمر شديد
وأتت من ضريحها كلّ نفس
ولها سائق غدا وشهيد
* * *
ص: 15
سأل محمد بن مسلم الباقر عليه السلام عن قوله تعالى « فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ » ، فقال : يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة حتى يقام بموقف الحساب ، فيكون اللّه هو الذي يتولّى حسابه ، لا يطلع على حسابه أحد من الناس ، فيعرّفه بذنوبه ، حتى إذا أقرّ بسيئاته ، قال اللّه للكتبة : بدّلوها حسنات ، وأظهروا للناس .
فيقول الناس : أما كان لهذا العبد سيئة واحدة ! ثم يأمر اللّه به إلى الجنّة ، فهذا تأويل الآية في المذنبين من شيعتنا(1) .
* * *
إذا حشر الناس يوم المعاد
ولاقوا قبيح الذي قدّموه
فحسبي الإله وحسبي النبي
وحسبي الوصيّ وحسبي بنوه
* * *
أبو هريرة : سمعت أبا القاسم صلى الله عليه و آله يقول : « يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ » إلاّ من ولاية علي بن أبي طالب ، فإنّه لا يفرّ من والاه ، ولا يعادي من أحبّه ، ولا يحبّ من أبغضه(2) . . الخبر .
ص: 16
قال الحميري :
وإنّك آمن من كلّ خوف
إذا كان الخلائق خائفينا
وإنّك حزبك الأدنون حزبي
وحزبي حزب ربّ العالمينا
وحزب اللّه لا خوف عليهم
ولا نصب ولا هم يحزنونا
* * *
النبي صلى الله عليه و آله في خبر : وأنت أوّل من يدخل الجنّة(1) .
وعنه صلى الله عليه و آله في خبر : ومنزلك في الجنّة حذاء منزلي كمنزل الأخوين(2) .
وعنه صلى الله عليه و آله : منزلك في الجنّة [ تجاه منزلي (3)] ، تكسى إذا كسيت ، وتحيى إذا حييت(4) .
* * *
وقال الحميري :
وإنّك في جنان الخلد جاري
منازلنا بها متوجهونا
وإنّك في جوار اللّه كاس
وجيران المهيمن آمنونا
ص: 17
أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ للجنة إحدى وسبعين بابا يدخل من سبعين منها شيعتي وأهل بيتي ، ومن باب واحد سائر الناس(1) .
النبي صلى الله عليه و آله في خبر قال للعباس : دخلت الجنّة ، فرأيت حور علي عليه السلام أكثر من ورق الشجر ، وقصور علي عليه السلام بعدد البشر(2) .
ص: 18
ص: 19
ص: 20
محمد بن الصباح الزعفراني عن المزني عن الشافعي عن مالك عن حميد عن أنس :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله في قوله تعالى « فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ » : إنّ فوق الصراط عقبة كؤودا ، طولها ثلاثة آلاف عام ، ألف عام هبوط ، وألف عام شوك وحسك وعقارب وحيات ، وألف عام صعودا ، أنا أوّل من يقطع تلك العقبة ، وثاني من يقطع تلك العقبة علي بن أبي طالب .
وقال بعد كلام : لا يقطعها في غير مشقّة إلاّ محمد وأهل بيته عليه السلام . . الخبر .
عبد اللّه بن سالم عن أبيه في خبر عن الصادق عليه السلام : نحن - واللّه - العقبة ، من اقتحمها « فَكُّ رَقَبَةٍ » من النار(1) .
الباقر عليه السلام : نحن العقبة التي من اقتحمها نجا ، ثم قال : « فَكُّ رَقَبَةٍ »
الناس كلّهم عبيد النار ما خلا نحن وشيعتنا ، فكّ اللّه رقابهم من النار(2) .
ص: 21
الصادق عليه السلام : « فَكُّ رَقَبَةٍ » يعني ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، فإنّ ذلك فكّ رقبته(1) .
تفسير مقاتل عن عطاء عن ابن عباس « يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ » لا يعذّب اللّه محمدا(2) ، « وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ » لا يعذّب علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وحمزة وجعفر عليهم السلام ، « نُورُهُمْ يَسْعى » يضيء على الصراط لعلي وفاطمة عليهماالسلام مثل الدنيا سبعين مرّة ، فيسعى نورهم « بَيْنَ أَيْدِيهِمْ » ، ويسعى عن أيمانهم ، وهم يتبعونها ، فيمضي أهل بيت محمد وآله زمرة على الصراط مثل البرق الخاطف ، ثم قوم مثل الريح ، ثم قوم مثل عدو الفرس ، ثم يمضي قوم مثل المشي ، ثم قوم مثل الجثو(3) ، ثم قوم مثل الزحف ، ويجعله اللّه على المؤمنين عريضا ، وعلى المذنبين دقيقا .
قال اللّه تعالى : « يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا » حتى نجتاز به على الصراط .
قال : فيجوز أمير المؤمنين عليه السلام في هودج من الزمرد الأخضر ، ومعه فاطمة عليهاالسلام على نجيب من الياقوت الأحمر ، حولها سبعون ألف حور كالبرق اللامع .
ص: 22
ابن عباس وأنس عن النبي صلى الله عليه و آله قال : إذا كان يوم القيامة ، ونصب الصراط على جهنم ، لم يجز عليه إلاّ من معه جواز فيه ولاية علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وذلك قوله تعالى : « وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤلُونَ »(1) .
وحدّثني أبي شهرآشوب بإسناد له إلى النبي صلى الله عليه و آله : لكلّ شيء جواز ، وجواز الصراط حبّ علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
تاريخ الخطيب : ليث عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس : قلت للنبي صلى الله عليه و آله : يا رسول اللّه للناس(2) جواز ؟ قال : نعم ، قلت : وما هو ؟ قال : حبّ علي بن أبي طالب(3) عليهماالسلام .
وفي حديث وكيع قال أبو سعيد : يا رسول اللّه ، ما معنى براءة علي عليه السلام ؟ قال : لا إله إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، علي عليه السلام ولي اللّه .
وسأل النبي صلى الله عليه و آله جبرئيل عليه السلام : كيف تجوز أمّتي الصراط ؟
فمضى ودعا وقال : إنّ اللّه - تعالى - يقرؤك السلام ، ويقول : إنّك تجوز الصراط بنوري ، وعلي بن أبي طالب يجوز الصراط بنورك ، وأمّتك تجوز الصراط بنور علي ، فنور أمّتك من نور علي ، ونور علي من نورك ، ونورك من نور اللّه .
ص: 23
وفي الخبر : وهو الصراط الذي يقف على يمينه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وعلى شماله أمير المؤمنين عليه السلام ، ويأتيهما النداء من اللّه : « أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ » .
الحسن البصري عن عبد اللّه عن النبي صلى الله عليه و آله في خبر : وهو جالس على كرسي من نور - يعني عليا عليه السلام - يجري بين يديه التسنيم ، لا يجوز أحد الصراط إلاّ ومعه براءة بولايته وولاية أهل بيته ، يشرف على الجنّة ، ويدخل محبّيه الجنّة ، ومبغضيه النار(1) .
* * *
قال الحميري :
ولدى الصراط ترى عليا واقفا
يدعو إليه وليّه المنصورا
اللّه أعطى ذا عليا كلّه
وعطاء ربّي لم يكن محظورا
* * *
وقال ابن حماد :
لا يجوز الصراط إلاّ من أعطاه
براءة وبالنجاة استخصّا
* * *
وله أيضا :
وأناس يعلون في الدرجات
وأناس يهوون في الدركات
لا يجوز الصراط إلاّ امرى ء
منّ عليه أبوكم ببراة
ص: 24
وله أيضا :
وهو الصراط عليه يجتاز الورى
طرّا ومن ساع عليه وناكب
* * *
وقال الكاتب :
إنّي وجبريل وإنّك يا أخي
يوم الحساب وذو الجلال يراني
لعلى الصراط فلا مجاز لجائز
إلاّ لمن من ذي الجلال أتاني
ببراءة فيها ولايتك التي
ينجو بها من ناره الثقلان
* * *
الباقر عليه السلام سئل النبي صلى الله عليه و آله عن قوله تعالى « أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ » الآية ، فقال : يا علي ، إنّ اللّه - تعالى - إذا جمع الناس يوم القيامة في صعيد واحد كنت أنا وأنت على يمين العرش ، ويقول اللّه : يا محمد ، ويا علي ، قوما وألقيا من أبغضكما وخالفكما وكذّبكما في النار(1) .
الرضا عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله : نزلت فيّ وفي علي(2) هذه الآية .
شريك القاضي وعبد اللّه بن حماد الأنصاري ، قال كلّ واحد منهما :
حضرت الأعمش في علّته التي قبض فيها ، وعنده ابن شبرمة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة ، فقال أبو حنيفة : يا أبا محمد ، اتق اللّه وانظر لنفسك ، فإنّك في آخر يوم من أيام الدنيا ، وأوّل يوم من أيام الآخرة ،
ص: 25
وقد كنت تحدّث في علي عليه السلام بأحاديث لو تبت عنها كان خيرا لك !
قال الأعمش : مثل ماذا ؟ قال : مثل حديث عباية الأسدي : أنّ عليا عليه السلام قسيم النار .
قال : أقعدوني وسنّدوني ، وحدّثني - والذي إليه مصيري - موسى بن طريف إمام بني أسد عن عباية بن ربعي - إمام الحي - قال :
سمعت عليا عليه السلام يقول : أنا قسيم النار ، أقول : هذا وليّي دعيه ، وهذا عدوّي خذيه(1) .
وحدّثني أبو المتوكّل الناجي في إمرة الحجّاج عن أبي سعيد الخدري :
قال النبي صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة يأمر اللّه - عزّ وجلّ - فأقعد أنا وعلي على الصراط ، ويقال لنا : ادخلا الجنّة من آمن بي وأحبّكما ، وأدخلا النار من كفر بي وأبغضكما .
وفي لفظ : ألقيا في النار من أبغضكما ، وأدخلا الجنّة من أحبّكما(2) .
وفي رواية غيرهما : وحدّثني أبو وائل قال : حدّثني ابن عباس قال :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة يأمر اللّه عليا عليه السلام أن يقسم بين الجنّة والنار ، فيقول للنار : خذي ذا عدوّي ، وذري ذا وليّي .
قال : فجعل أبو حنيفة إزاره على رأسه وقال : قوموا بنا لا يجيء أبو محمد بأعظم من هذا ، قال : فما أمسى الأعمش حتى توفي(3) .
ابن شيرويه في الفردوس : قال حذيفة :
ص: 26
قال النبي صلى الله عليه و آله : علي عليه السلام قسيم النار(1) .
الصفواني في الإحن والمحن في خبر طويل عن إسحاق بن موسى بن جعفر عن أبيه عن جدّه عن آبائه عليهم السلام قال :
قال النبي صلى الله عليه و آله : وينزل الملكان - يعني رضوان ومالك - فيقول مالك : إنّ اللّه أمرني بلطفه ومنّه أن أسعّر النيران فسعّرتها ، وأن أغلق أبوابها فغلقتها ، وأن آتيك بمفاتيحها ، فخذها يا محمد .
فأقول : قد قبلت ذلك من ربّي ، فله الحمد على ما منّ به عليّ ، ثم أدفعها إلى علي عليه السلام .
ثم يقول رضوان : إنّ اللّه أمرني بمنّه ولطفه أن أزخرف الجنان فزخرفتها ، وأن أغلق أبوابها فغلقتها ، وأن آتيك بمفاتيحها ، فخذها يا محمد ، فأقول قد قبلت ذلك من ربّي ، فله الحمد على ما منّ به عليّ ، ثم أدفعها إلى علي عليه السلام .
فينزل علي عليه السلام ، وفي يده مفاتيح الجنّة ومقاليد النار ، فيقف علي عليه السلام
بحجزتها ، ويأخذ بزمامها ، وقد تطاير شررها ، وعلا زفيرها ، وتلاطمت أمواجها ، فتناديه النار : جزني يا علي ، فقد أطفأ نورك لهبي ، فيقول لها علي عليه السلام : اتركي هذا وليّي ، وخذي هذا عدوّي ، وإنّ جهنم يومئذٍ لأطوع لعلي عليه السلام من غلام أحدكم لصاحبه(2) .
ص: 27
وقال الزمخشري في الفائق : معنى قول علي عليه السلام : أنا قسيم النار : أي مقاسمها ومساهمها ، يعني أنّ القوم على شطرين : مهتدون وضالّون ، فكأنّه قاسم النار إياهم ، فشطر لها ، وشطر معه في الجنّة(1) .
ولقد صنف محمد بن سعيد كتاب من روى في علي أنّه قسيم النار(2) .
* * *
قال السيد :
قسيم النار هذا لي
فكفّي عنه لا يضرر
وهذا لك يا نار
فحوزي الفاجر الأكبر
* * *
وله أيضا :
ذاك قسيم النار من قيله
خذي عدوّي وذري ناصري
ذاك علي بن أبي طالب
صهر النبي المصطفى الطاهر
* * *
وله أيضا :
علي قسيم النار من قوله لها(3)
ذري ذا وهذا فاشربي منه واطعمي
ص: 28
خذي بالشوى ممّن يصيبك منهمولا تقربي من كان حزبي فتظلمي
* * *
وله أيضا :
قسيم النار ذا لك ها(1) وذا لي
ذريه إنّه لي ذو وداد
يقاسمها فينصفها فترضىمقاسمة المعادل غير عاد
كما انتقد الدراهم صيرفيينقّي الزائفات من الجياد
* * *
وقال العوني :
إمامي قسيم النار مختار أهلها
ولابد للجنات والنار من أهل
* * *
وله أيضا :
يسوق الظالمين إلى جحيم
فويل للظلوم الناصبي
يقول لها خذي هذا فهذا
عدوّي في البلاء على الشقي
وخلّ من يواليني فهذا
رفيقي في الجنان وذا وليّي
* * *
وقال غيره :
وإنّي لأرجو يا إلهي سلامة
بعفوك من نار تلظّى همومها
ص: 29
أبا حسن لو كان حبّك مدخلي
جهنم كان الفوز عندي جحيمها
وكيف يخاف النار من هو موقن
بأنّ أمير المؤمنين قسيمها
* * *
وقال البشنوي :
وكيف تحرقني نار الجحيم إذا
كان القسيم لها مولاي ذا الحسب
* * *
وقال دعبل :
قسيم الجحيم فهذا له
وهذا لها باعتدال القسم
يذود عن الحوض أعداءه
فكم من لعين طريد وكم
فمن ناكثين ومن قاسطين
ومن مارقين ومن مجترم
* * *
وقال الزاهي :
يا سيدي يا بن أبي طالب
يا عصمة المعتف والجار
لا تجعلنّ النار لي مسكنا
يا قاسم الجنّة والنار
* * *
وقال غيره :
علي حبّه جنّه
قسيم النار والجنّه
وصيّ المصطفى حقّا
إمام الإنس والجنّه
* * *
ص: 30
قال عمرو بن شمر : اجتمع الكلبي والأعمش ، فقال الكلبي :أيّ شيء أشدّ ما سمعت من مناقب علي عليه السلام ، فحدّث بحديث عباية أنّه قسيم النار .
فقال الكلبي : وعندي أعظم ممّا عندك ، أعطى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام
كتابا فيه أسماء أهل الجنّة ، وأسماء أهل النار(1) .
عبد الصمد بن بشير عن الصادق عليه السلام في خبر طويل يذكر فيه حديث الأسرى ، ثم قال : « فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى » قال : دفع إليه كتابا ، يعني إلى النبي صلى الله عليه و آله في أسماء أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ، فأخذ كتاب اليمين بيمينه ، ونظر إليه ، فإذا فيه أسماء أهل الجنّة ، وأسماء آبائهم وقبائلهم .
فقال اللّه تعالى : «آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ » ، فقال النبي صلى الله عليه و آله « وَالْمُؤمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ » الآية .
ثم قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « رَبَّنا لا تُؤ'c7خِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا » ، فقال تعالى : قد فعلت ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : « وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ » إلى آخر السورة ، كلّ ذلك يقول اللّه - تعالى - قد فعلت ، ثم طوى الصحيفة فأمسكها بيمينه .
وفتح صحيفة أصحاب الشمال ، فإذا فيها أسماء أهل النار ، وأسماء آبائهم وقبائلهم .
ص: 31
ثم ساق جعفر الصادق عليه السلام الكلام إلى أن قال : ثم نزل ومعه الصحيفتان ، فدفعهما إلى علي بن أبي طالب(1) عليه السلام .
الصفواني بإسناده إلى موسى بن جعفر عليهماالسلام عن النبي صلى الله عليه و آله في خبر طويل قال :
فبينا أنا كذلك ، إذ أقبل ملكان ، أحدهما رضوان ، والآخر مالك ، فيصعد الرضوان فيقول : السلام عليك يا نبي اللّه ، فأقول : وعليك السلام ، أيّها الملك الطيّب الريح ، الحسن الوجه ، الكريم عليّ ، من أنت ؟ فيقول : أنا رضوان خازن الجنان ، إنّ اللّه أمرني بلطفه أن أزخرف الجنان فزخرفتها ، وأن أغلق أبوابها فغلقتها ، وأتيتك بمفاتيحها ، فخذها يا أحمد ، فأقول : قد قبلت من ربّي ، فله الحمد على ما أنعم به عليّ ، إدفعه إلى أخي علي عليه السلام ، فيدفعه إلى علي(2) عليه السلام . . الخبر .
وفي رواية محمد بن زكريا الغلابي ، والحديث مختصر : إنّ رضوان ينادي : إنّ اللّه أمرني أن أدفع مفاتيح الجنان إلى محمد صلى الله عليه و آله ، وإنّ محمدا صلى الله عليه و آله أمرني أن أدفعها إلى علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، هاك ، فاشهدوا لي عليه .
ص: 32
ثم يقوم خازن جهنم وينادي : ألا إنّ اللّه - عزّ وجلّ - أمرني أن أدفع مفاتيح جهنم إلى محمد صلى الله عليه و آله ، وأنّ محمدا أمرني أن أدفعها إلى علي عليه السلام ، هاك ، فاشهدوا لي عليه .
فتأخذ مفاتيح الجنّة والنار ، وتأخذ حجزتي ، وأهل بيتك يأخذون حجزتك ، وشيعتك يأخذون حجزة أهل بيتك .
قال : فصفقت بكلتا يدي ، وقلت : إلى الجنّة يا رسول اللّه ! فقال : إي وربّ الكعبة(1) .
محمد الفتال في روضة الواعظين : قال النبي صلى الله عليه و آله : حلقة باب الجنّة ذهب ، فإذا دقّت الحلقة على الصحيفة طنّت وقالت : يا علي(2) .
خصائص النطنزي : قيس بن أبي حازم عن ابن مسعود قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : علي بن أبي طالب عليهماالسلام حلقة معلّقة بباب الجنّة ، من تعلّق بها دخل الجنّة(3) .
ص: 33
ص: 34
ص: 35
ص: 36
ابن جبير وابن عباس : سئل النبي صلى الله عليه و آله عن الكوثر ، فقال : يا علي ، الكوثر نهر يجري تحت عرش اللّه ، ماؤه أشدّ بياضا من الثلج ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ، حصباؤه الدر والزبرجد والمرجان ، حشيشه الزعفران ، ترابه المسك الأذفر ، قواعده تحت عرش اللّه .
ثم ضرب يده على جنب علي عليه السلام وقال : إنّ هذا النهر لي ولك ولمحبّيك من بعدي(1) .
الحافظ أبو نعيم بإسناده إلى عطية عن أنس قال : دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : قد أعطيت الكوثر . فقلت : يا رسول اللّه ، وما الكوثر ؟ قال : نهر في الجنّة ، عرضه وطوله ما بين المشرق والمغرب ، لا يشرب أحد منه فيظمأ ، ولا يتوضأ أحد منه فيشعث(2) ، لا يشربه إنسان أخفر(3)
ص: 37
ذمّتي ، ولا قتل أهل بيتي(1) .
النبي صلى الله عليه و آله : يذود علي عليه السلام عنه يوم القيامة من ليس من شيعته ، ومن شرب منه لم يظمأ أبدا(2) .
طارق : قال أمير
المؤمنين عليه السلام : والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لأقمعن بيدي هاتين من الحوض أعدائنا إذا وردته أحبّاؤنا(3) .
وروى أحمد في الفضائل نحوا منه عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي .
وفي أخبار أبي رافع من خمسة طرق قال النبي صلى الله عليه و آله :
يا علي ، ترد على الحوض وشيعتك رواء مرويين ، ويرد عليك عدوك ظمأ مقحمين(4)(5) .
ص: 38
وجاء في تفسير قوله تعالى « وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ » يعني سيدهم علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
والدليل على أنّ الربّ بمعنى السيد قوله تعالى « اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ » .
* * *
الفائق : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لعلي عليه السلام : أنت الذائد عن حوضي يوم القيامة ، تذود عنه الرجال كما يذاد الأصيد البعير الصادي ، أي الذي به الصيد ، والصيد داء يلوي عنقه(1) .
* * *
قال الحميري :
أؤمل في حبّه شربة
من الحوض تجمع أمنا وريّا
إذا ما وردنا غدا حوضه
فأدنى السعيد وذاد الشقيا
متى يدن مولاه منه يقل
رد الحوض واشرب هنيئا مريّا
وإن يدن منه عدوّ له
يذده علي مكانا قصيّا
* * *
وله أيضا :
ألا أيّها اللاّحي عليا دع الخنا(2)
فما أنت من تأنيبه بمصوب
أتلحي أمير اللّه بعد أمينهوصاحب حوض شربه خيرمشرب
ص: 39
وحافاته درّ ومسك ترابهوقد حاز ماء من لجين ومذهب
متى ما يرد مولاه يشرب وإن يردعدوّ له يرجع بخزي ويضرب
* * *
وله أيضا :
فإنّك تلقاه لدى الحوض قائما
مع المصطفى بالجسر جسر جهنم
يجيران من والاهما في حياته
إلى الروح والظلّ الظليل المكرم
* * *
وله أيضا :
يذبّ عنه ابن أبي طالب
ذبّك جربي إبل تشرع
إذا دنوا منه لكي يشربوا
قيل لهم تبّا لكم فارجعوا
وراكم فالتمسوا منهلاً
يرويكم أو مطعما يشبع
هذا لمن والى بني أحمد
ولم يكن غيرهم يتبع
* * *
وله أيضا :
والحوض حوض محمد ووصيّه
يسقي محبّيه ويمنعه العدى
* * *
وله أيضا :
وصاحب الحوض يسقي من ألمّ به
من الخلائق لا أحبى ولا رتقا(1)
قسيم نار به ترضى يقول لهاذا لي وذا لك قسم لم يكن علقا
ص: 40
وقال ابن حماد :
والحوض حوضك ليس ثمّ مدافع
في الحشر تسقي من تشاء وتمنع
عجبا لأعمى عن هداه ونوره
كالشمس واضحة تضيء وتلمع
* * *
وله أيضا :
وهم سقاة الحوض من والاهم
يسقى بكأس لذّة للشارب
* * *
وله أيضا :
وإنّ الحوض حوضك والبرايا
إليك لدى القيامة مهطعينا
وتحت لوائك المحمود تضحى
جميع الخلق دونك خاشعينا
* * *
وقال العوني :
تسقي الظماة على حوض النبي غدا
للمؤمنين بمملوّ من الحلب
* * *
وقال الزاهي :
بدر الدجى وزوجه شمس الضحى
في فضلها وابناه للعرش القرط
ومن له الكوثر حوض في غد
والنار ملك والفراديس خطط
* * *
ص: 41
وله أيضا :
يا ساقي الشيعة من كأسه
عند ورود الكوثر الجاري
في يوم تبلو النفس ما قدمت
لسيد في الحكم جبار
والنار في الموقف قد سعرت
لأخذ نصّاب وفجار
* * *
وقال حسان بن ثابت :
له الحوض لا شكّ يحبى به
فمن شاء أسقى برغم العدى
ومن ناصب القوم لم يسقه
ويدعو إلى الورد للأوليا
* * *
ص: 42
علي بن الجعد عن شعبة عن قتادة عن أبي الجوزاء عن ابن عباس في قوله تعالى : « فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ » ، قال : يعني ما تنفع كفّار مكة
شفاعة الشافعين .
ثم قال : أوّل من يشفع يوم القيامة في أمّته رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأوّل من يشفع في أهل بيته وولده أمير المؤمنين عليه السلام ، وأوّل من يشفع في الروم المسلمين صهيب ، وأوّل من يشفع في مؤمني الحبشة بلال .
حمران بن أعين قال الصادق عليه السلام : واللّه لنشفعن لشيعتنا ، واللّه لنشفعن لشيعتنا ، واللّه لنشفعن لشيعتنا ، حتى يقول الناس : « فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ »(1) .
فردوس الديلمي : أبو هريرة : قال النبي صلى الله عليه و آله : الشفعاء خمسة : القرآن ، والرحم ، والأمانة ، ونبيّكم صلى الله عليه و آله ، وأهل بيت نبيكم(2) عليهم السلام .
ص: 43
تفسير وكيع : قال ابن عباس في قوله : « وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى »يعني : ولسوف يشفّعك - يا محمد صلى الله عليه و آله - يوم القيامة في جميع أهل بيتك ، فتدخلهم كلّهم الجنّة ، ترضى بذلك عن ربّك(1) .
الباقر عليه السلام في قوله « وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً » الآية ، قال : ذلك النبي صلى الله عليه و آله وعلي عليه السلام ، يقوم على كوم قد علا الخلائق ، فيشفع ، ثم يقول : يا علي ، اشفع ، فيشفع الرجل في القبيلة ، ويشفع الرجل لأهل البيت ، ويشفع الرجل للرجلين على قدر عمله ، فذلك المقام المحمود .
أبو عبد اللّه عليه السلام : « وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ » قال : شفاعة النبي صلى الله عليه و آله ، « وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ » شفاعة علي عليه السلام « أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ »شفاعة الأئمة عليهم السلام .
النبي صلى الله عليه و آله : إنّي لأشفع يوم القيامة فأشفّع ، ويشفع علي عليه السلام فيشفّع ، ويشفع أهل بيتي فيشفّعون(2) . . الخبر .
ص: 44
نقش الصاحب على خاتمه :
شفيع إسماعيل في الآخره
محمد والعترة الطاهره
* * *
وفي نقش آخر :
شفيعي إلى اللّه قوم بهم
يميز الخبيب من الطيب
بحبّهم صرت مستوجبا
لما ليس غيري بمستوجب
* * *
وقال الزاهي :
أبا حسن جعلتك لي ملاذا
ألوذ به ويشملني الذماما
فكن لي شافعا في يوم حشري
وتجعل دار قدسك لي مقاما
لأنّي لم أكن من نعثلي
ولا أهوى عتيق ولا دلاما
* * *
وقال أبو نؤاس :
يا ربّ إن عظمت ذنوبي كثرة
فلقد علمت بأنّ عفوك أعظم
أدعوك ربّ كما أمرت تضرّعا
فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
إن كان لا يرجوك إلاّ محسن
فمن الذي يرجو ويدعو المجرم
مالي إليك وسيلة إلاّ الرجا
وجميل ظنّي ثم إنّي مسلم
مستمسكا بمحمد وبآله
إنّ الموفّق من بهم يستعصم
ص: 45
ثم الشفاعة من نبيك أحمد
ثم الحماية من علي أعلم
ثم الحسين وبعده أولاده
ساداتنا حتى الإمام المكتم
سادات حرّ ملجأ مستعصم
بهم ألوذ فذاك حصن محمكم
* * *
وأنشد :
من كان في الحشر له شافع
فليس لي في الحشر من شافع
سوى النبي المصطفى أحمد
ثم المزكّي الخاشع الراكع
* * *
وقال غيره :
من كان في الحشر له شافع
فشافعي المظلوم من هاشم
أخو النبي العربي الذي
صدّق في المسجد بالخاتم
* * *
وأنشد :
رضيت لي شافعا من العالم
من جاد عند الركوع بالخاتم
* * *
وأنشد :
ولمّا علمت بما قد جنيت
وأشفقت من سخط العالم
نقشت شفيعي على خاتمي
إماما تصدّق بالخاتم
* * *
ص: 46
وأنشد :
يا ذا المعارج إن قصّرت في عملي
وغرّني في زماني كثرة الأمل
فشافعي أحمد وأبناء ابنته
إليك ثم أمير المؤمنين علي
* * *
وأنشد :
برحمة اللّه أرجو الصفح عن زللي
بعفوه لا بما قدّمت من عملي
ومن يكن لي شفيعا في المعاد سوى
محمد وأمير المؤمنين علي
* * *
وأنشد :
إلهي قد سترت عليّ ذنبي
فأكرمني بعفوك في القيامه
فما لي شافع إلاّ نبيي
وديني واعتقادي بالإمامه
* * *
وأنشد :
إذا أنا لم أهوى النبي وآله
فمن غيرهم لي في القيامة يشفع
فلا دين إلاّ حبّ آل محمد
ولا شيء في القيامة أنفع
* * *
وأنشد :
إن كان قد عظمت ذنوبي كثرة
لا بأس لي أنّي مجدّ طامع
واللّه جلّ جلاله لي راحم
ورسوله صلّى عليه شافع
* * *
ص: 47
وأنشد :
أهل الكتاب محبّتي إياهم
والعدل والتوحيد دين جامع
وإذا تكاملت الديانة لامرئ
لا شكّ في جنّات عدن رافع
* * *
وأنشد :
أنا بالنبي محمد وبآله
لتفضّل الملك المهيمن راج
يوم القيامة والقلوب خوافق
والخلق قد وقفوا على منهاج
* * *
وله أيضا :
أعطاكم اللّه ما لم يعطه أحدا
حتى دعيتم لعظم الفضل أربابا
أشباحكم كنّ في بدو الظلال له
دون البرية خدّاما وحجّابا
وأنتم الكلمات اللائي لقّنها
جبريل آدم عند الذنب إذ نابا
وأنتم قبلة الدين التي جعلت
للقاصدين إلى الرحمن محرابا
* * *
وله أيضا :
فجدّكم أحمد المصطفى
ووالدكم حيدر الأنزع
ولاحت لآدم أسماؤكم
على العرش زاهرة تلمع
زرعت هواكم بأرض النجاة
لأحصد في البعث ما أزرع
* * *
ص: 48
وله أيضا :
ولاحت الأسما على العرش له
ثم بها لمّا عصى اللّه دعا
فتاب ذو العرش عليه بهم
من بعد ما عيّره بما عصى
* * *
وقال الناشي :
هم الكلمات والأسماء لاحت
لآدم حين عزّ له المتاب
* * *
وقال بعض شعراء الموصل :
وبهم آدم توسّل لمّا
ضلّ عن رشده عن التضليل
إذ تلقّى من ربّه كلمات
آدم فاستخصّه بالقبول
وأنارت بروج شيث ونوح
ثم أفضت إلى النبي الخليل
وجرت في محلّ كلّ زكيّ
ورضيّ من نسل إسماعيل
ثم صارت محمدا وعليا
وهما في الفخار أصل الأصول
أرسل اللّه أحمد من لدنه
رحمة بالكتاب والتنزيل
وعلي أخصّه اللّه بالعلم
وفصل الخطاب والتأويل
* * *
ص: 49
ص: 50
ص: 51
ص: 52
محمد بن المفضل عن موسى بن جعفر عليهماالسلام في قوله تعالى « وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ » هي رحم آل محمد(1) عليهم السلام .
المرزباني بإسناده عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى « وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالأَرْحامَ » نزلت في رسوله صلى الله عليه و آله ، وذلك أنّ كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ ما كان من سببه ونسبه(2) .
زيد بن علي عليه السلام في قوله « وَأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ »
ص: 53
قال : ذلك علي بن أبي طالب عليهماالسلام كان مهاجرا ذا رحم(1) .
تفسير جابر بن يزيد عن الإمام عليه السلام : أثبت اللّه بهذه الآية ولاية علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، لأنّ عليا عليه السلام كان أولى برسول اللّه صلى الله عليه و آله من غيره ، لأنّه كان أخوه في الدنيا والآخرة ، لأنّه حاز ميراثه وسلاحه ومتاعه وبغلته الشهباء وجميع ما ترك(2) .
وورث كتابه من بعده ، قال اللّه تعالى : « ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ
اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا » ، وهو القرآن كلّه ، نزل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان يعلّم الناس من بعد النبي صلى الله عليه و آله ، ولم يعلّمه أحد ، وكان يسئل ولا يسأل أحدا عن شيء من دين اللّه ، وإنّ اللّه اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى هاشما من قريش(3) .
ص: 54
ولم يكن للمشايخ في الذي هو صفوة الصفوة نصيب .
ثم إنّه هاشمي من هاشميين ، ولم يكن في زمانه غيره وغير أخويه وغير ابنيه ، أبوه أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم عليهم السلام ، أمّه فاطمة عليهاالسلامبنت
أسد بن هاشم .
وفي حديث إنّه اختلف أمّه برسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى معد بن عدنان من ثلاث وعشرين قرابة تتّصل برسول اللّه صلى الله عليه و آله من جهة الأمّهات ، ولا أحد يشارك في ذلك .
والنبي صلى الله عليه و آله ابن عمّه من وجهين : من عبد اللّه ، ومن أبي طالب ، ومن اتّصال أمّه برسول اللّه صلى الله عليه و آله تلك الجهات في الأمّهات .
وصار علي عليه السلام ابنه من وجهين :
أوّلهما : إنّه ربّاه ، حتى قالت فاطمة بنت أسد : كنت مريضة ، فكان محمد صلى الله عليه و آله يمصّ عليا عليه السلام لسانه في فيه ، فيرضع بإذن اللّه .
ص: 55
والثاني : إنّ ختن الرجل ابنه ، ولهذا يهنيء الرجل إذا ولدت له بنت ، فيقال : هنأك الختن .
صهر النبي وصنوه وربيبه
وأخوه عند تعذّر الاخوان
* * *
ثم ابناه ابنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله حكما وشرعا ، لقوله صلى الله عليه و آله : أنا أبوهما أعقل عنهما ، ولهذا كان علي عليه السلام يقول في محمد بن الحنفية : ابني ، ويقول فيهما : ابنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وفي خبر : فقيل له : الحسن والحسين ابناء من رسول اللّه صلى الله عليه و آله في هذه النسبة .
وفي رواية : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ادّعى فيكما ، وإذا قال : أبناء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنا لا أنازع في شيء ادّعى النبي صلى الله عليه و آله استحي أن ادّعي فيه خصّه ربّي فصيّره لبني بنت النبي صلى الله عليه و آله أبا .
* * *
فهو - عليه الصلاة والسلام - سيد النبيّين ، وصهره سيد الوصيّين .
وزوجته سيدة نساء العالمين .
وابناه سيدا شباب أهل الجنّة .
وعمّه حمزة سيد الشهداء .
وأخوه جعفر إنسي ملكي سيد الطيور في الجنّة ، يطير مع الملائكة .
ص: 56
وأبوه سيد العرب حامي رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ورئيس مكّة جدّه ، وجدّ أبيه هاشم سيد العرب .
وصهرته أمّ المؤمنين ، وأوّل من أسلمت وصلّت وأنفقت ، ومنها نسل النبي صلى الله عليه و آله .
وأمّه فاطمة بنت أسد ، أوّل هاشمية من هاشميين .
* * *
نهج البلاغة : وقال قائل : إنّك - يا ابن أبي طالب - على هذا الأمر لحريص ، فقلت : بل أنتم - واللّه - أحرص وأبعد ، وأنا أخصّ وأقرب ، وإنّما طلبت حقّا لي وأنتم تحولون بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه ، فلمّا قرعته بالحجّة في الملأ الحاضرين بهت لا يدري ما يجيبني(1) .
العزّة عن الجاحظ : أربعة رأوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله في نسق : عبد المطلب ، وأبو طالب ، وعلي ، والحسن عليهم السلام .
وروى الثقاة عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال : يا علي ، لك أشياء ليست لي ، منها : إنّ لك زوجة مثل فاطمة عليهاالسلام ، وليس لي مثلها ، ولك ولدين من صلبك ، وليس لي مثلهما من صلبي ، ولك مثل خديجة عليهاالسلام أمّ أهلك ، وليس لي مثلها حماة ، ولك صهر مثلي ، وليس لي صهر مثلي ، ولك أخ في النسب
ص: 57
مثل جعفر ، وليس لي مثله في النسب ، ولك أمّ مثل فاطمة عليهاالسلامبنت أسد ، الهاشمية المهاجرة ، وليس لي مثلها(1) .
سلمان وأبو ذر والمقداد : إنّ رجلاً فاخر علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : فاخر العرب ، فأنت أكرمهم ابن عمّ ، وأكرمهم نفسا ، وأكرمهم زوجة ، وأكرمهم ولدا ، وأكرمهم أخا ، وأكرمهم عمّا ، وأعظمهم حلما ، وأكثرهم علما ، وأقدمهم سلما .
وفي خبر : وأشجعهم قلبا ، وأسخاهم كفّا .
وفي خبر آخر : أنت أفضل أمّتي فضلاً(2) .
أبو الحسن المدائني : إنّه كتب معاوية إليه : يا أبا الحسن ، إنّ لي فضائل كثيرة ، كان أبي سيّدا في الجاهلية ! وصرت ملكا في الإسلام ! وأنا صهر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ! وخال المؤمنين ! وكاتب الوحي !
فلمّا قرأ أمير المؤمنين عليه السلام الكتاب قال : أبالفضائل يفخر علينا ابن آكلة الأكباد ؟! يا غلام اكتب إليه ، وأملى عليه :
محمد النبي أخي وصهري
وحمزة سيد الشهداء عمّي
وجعفر الذي يضحي ويمسي
يطير مع الملائكة ابن أمّي
وبنت محمد سكني وعرسي
مشوب لحمها بدمي ولحمي
ص: 58
وسبطا أحمد ولداي منها
فمن منكم له سهم كسهمي
سبقتكم إلى الإسلام طرّا
غلاما ما بلغت أوان حلمي
أنا البطل الذي لن تنكروه
ليوم كريهة وليوم سلم
وأوجب لي ولايته عليكم
رسول اللّه يوم غدير خم
وأوصى بي لأمّته لحكمي
فهل فيكم له قدم كقدمي
فويل ثم ويل ثم ويل
لجاحد طاعتي من غير جرمي
فلمّا قرأ معاوية الكتاب قال : مزّقه يا غلام ، لا يقرأه أهل الشام فيميلون معه نحو ابن أبي طالب(1) .
وتذاكروا الفخر عند عمر ، فأنشأ عليه السلام :
اللّه أكرمنا بنصر نبيه
وبنا أقام دعائم الإسلام
وبنا أعزّ نبيه وكتابه
وأعزّنا بالنصر والإقدام
وبكلّ معترك تطير سيوفنا
منه الجماجم عن فراخ الهام
ويزورنا جبريل في أبياتنا
بفرائض الإسلام والأحكام
فتكون أوّل مستحلّ حلّه
ومحرّم للّه كلّ حرام
نحن الخيار من البريّة كلّها
ونظامها وزمام كلّ زمام(2)
* * *
ص: 59
وقال خطيب خوارزم :
هل فيهم من له زوج كفاطمة
قل لا وإن مات غيظا كلّ ذي إحن
هل فيهم من له عمّ يؤازره
كمثل حمزة في أعمام ذي الزمن
هل فيهم من له صنو يكانفه
كجعفر ذي المعالي الباسق الفطن(1)
* * *
وليس في العقل والشرع تبعيد القريب وتقريب البعيد إلاّ للكفر وللفسق.
* * *
وقال غيره :
أخذتم عن القربى خلافة أحمد
وصيّرتموها بعده في الأجانب
وأين على التحقيق تيم بن مرّة
لو اخترتم الإنصاف من آل طالب
* * *
وقال غيره :
وقدّمتم تيما برأيكم
ولهاشم الإبرام والنقض
أكأهله الأصحاب عندكم
فإذا النوافل مثلها الفرض
ص: 60
ص: 61
ص: 62
خطب أبو طالب عليه السلام في نكاح فاطمة بنت أسد عليهاالسلام :
الحمد للّه ربّ العالمين ربّ العرش العظيم ، والمقام الكريم ، والمشعر والحطيم ، الذي اصطفانا أعلاما وسدنة ، وعرفاء وخلصاء "وحجبته" ، بهاليل(1) أطهار من الخنا والريب ، والأذى والعيب ، وأقام لنا المشاعر ، وفضّلنا على العشائر ، نخب آل إبراهيم عليه السلام وصفوته ، وزرع إسماعيل ، في كلام له . .
ثم قال : وقد تزوّجت بنت أسد ، وسقت المهر ، ونفذت الأمر ، فاسألوه واشهدوا .
فقال أسد : زوّجناك ورضينا بك ، ثم أطعم الناس .
فقال أمية بن الصلت :
أغمرنا عرس أبي طالب
وكان عرسا لبن الحالب
أقراؤه البدو بأقطاره
من راجل خفّ ومن راكب
فنازلوه سبعة أحصيت
أيامها للرجل الحاسب
* * *
ص: 63
شيخ السنة القاضي أبو عمرو عثمان بن أحمد ، في خبر طويل : إنّ فاطمة بنت أسد رأت النبي صلى الله عليه و آله يأكل تمرا له رائحة تزداد على كلّ الأطائب من المسك والعنبر من نخلة لا شماريخ(1) لها ، فقالت : ناولني أنل منها ، قال عليه السلام : لا تصلح إلاّ أن تشهدي معي أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّي محمد رسول اللّه ، فشهدت الشهادتين ، فناولها ، فأكلت فازدادت رغبتها ، وطلبت أخرى لأبي طالب عليه السلام ، فعاهدها أن لا تعطيه إلاّ بعد الشهادتين .
فلمّا جنّ عليها الليل اشتمّ أبو طالب عليه السلام نسما ما اشتمّ مثله قطّ ، فأظهرت ما معها ، فالتمسه منها ، فأبت عليه إلاّ أن يشهد الشهادتين ، فلم يملك نفسه ! ! أن شهد الشهادتين ، غير أنّه سألها أن تكتم عليه لئلا تعيّره قريش ، فعاهدته على ذلك ، فأعطته ما معها ، وآوى إلى زوجته ، فعلقت بعلي عليه السلام في تلك الليلة .
ولمّا حملت بعلي عليه السلام ازداد حسنها ، فكان يتكلّم في بطنها ، فكانت في الكعبة ، فتكلّم علي عليه السلام مع جعفر ، فغشى عليه ، فألقيت الأصنام خرّت على وجوهها ، فمسحت على بطنها وقالت : يا قرّة العين ، سجدتك الأصنام داخلاً ، فكيف شأنك خارجا ، وذكرت لأبي طالب عليه السلامذلك ، فقال : هو الذي قال لي أسد في طريق الطائف(2) .
ص: 64
قال الشاعر :
وقد روى عن أمّه فاطمة
ذات التقى والفضل من بين النسا
بأنّها كانت ترى أصنامهم
نصبا على الكعبة أو بين الصفا
فربما رامت سجودا كالذي
كانت مرارا من قريش قد ترى(1)
وهي به حاملة فيغتديمنتصبا يمنعها ممّا تشا
* * *
عن بريد بن قعنب وجابر الأنصاري : أنّه كان راهب يقال له « المثرم بن دعيب » قد عبد اللّه مائة وتسعين سنة ، ولم يسأله حاجه ، فسأل ربّه أن يريه وليّا له ، فبعث اللّه بأبي طالب عليه السلام إليه ، فسأله عن مكانه وقبيلته ، فلمّا أجابه وثب إليه ، وقبّل رأسه وقال : الحمد للّه الذي لم يمتني حتى أراني وليّه .
ثم قال : أبشر يا هذا ، إنّ اللّه ألهمني أنّ ولدا يخرج من صلبك ، هو وليّ اللّه ، اسمه علي ، فإن أدركته فاقرأه منّي السلام ، فقال : ما برهانه ؟ قال : ما تريد ؟ قال : طعام من الجنّة في وقتي هذا .
ص: 65
فدعا الراهب بذلك ، فما استتم كلامه حتى أتي بطبق عليه من فاكهة الجنّة ، رطب وعنب ورمان ، فتناول رمانة ، فتحوّلت ما في صلبه ، فجامع فاطمة ، فحملت بعلي عليه السلام ، وارتجت الأرض ، وزلزلت بهم أياما ، وعلت قريش الأصنام إلى ذروة أبي قبيس ، فجعل يرتج إرتجاجا ، حتى تدكدكت بهم الصخور ، وتناثرت وتساقطت الآلهة على وجوهها .
فصعد أبو طالب عليه السلام الجبل وقال : أيّها الناس ، إنّ اللّه قد أحدث في هذه الليلة حادثة ، وخلق فيها خلقا ، إن لم تطيعوه وتقرّوا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن ما بكم ، فأقرّوا به ، فرفع يده وقال :
إلهي وسيدي ، أسألك بالمحمدية المحمودية ، وبالعلوية العالية ، وبالفاطمية البيضاء ، إلاّ تفضّلت على تهامة بالرأفة والرحمة .
فكانت العرب تدعو بها في شدائدها في الجاهلية ، وهي لا تعلمها .
فلمّا قربت ولادته أتت فاطمة إلى بيت اللّه ، وقالت : ربّ إنّي مؤمنة بك ، وبما جاء من عندك من رسل وكتب ، مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم عليه السلام ، فبحقّ الذي بنى هذا البيت ، وبحقّ المولود الذي في بطني ، لمّا يسرت عليّ ولادتي ، فانفتح البيت ، ودخلت فيه ، فإذا هي بحوراء ، ومريم ، وآسية ، وأم موسى ، وغيرهن ، فصنعن مثل ما صنعن برسول اللّه صلى الله عليه و آله وقت ولادته .
فلمّا ولد عليه السلام سجد على الأرض يقول : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأشهد أنّ عليا وصي محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ،
ص: 66
بمحمد صلى الله عليه و آله يختم اللّه النبوة ، وبي تتمّ الوصية ، وأنا أمير المؤمنين ، فسلّم على النساء ، وسأل عن أحوالهن ، وأشرقت السماء بضيائه .
فخرج أبو طالب عليه السلام يقول : أبشروا فقد ظهر وليّ اللّه ، يختم به الوصيّين ، وهو وصيّ نبيّ ربّ العالمين .
ثم أخذ عليا عليه السلام ، فسلّم علي عليه السلام عليه ، فسأله عن النسوة ، فذكر له ، ثم قال : فالحق بالمثرم وخبّره بما رأيت ، فإنّه في كهف كذا من جبل أكام .
فخرج حتى أتاه فوجده ميتا جسدا ملفوفا في مدرعة مسجى(1) ، فإذا هناك حيّتان ، فلمّا بصرتا به عزبتا في الكهف ، ودخل أبو طالب عليه السلام ، فقال : السلام عليك يا وليّ اللّه ورحمة اللّه وبركاته ، فأحيا اللّه المثرم ، فقام
يمسح وجهه ويقول : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ، وأنّ عليا ولي اللّه ، والإمام بعد نبي اللّه ، فقال أبو طالب عليه السلام : أبشر ، فإنّ عليا قد طلع إلى الأرض .
فسأل عن ولادته ، فقصّ عليه القصّة ، فبكى المثرم ، ثم سجد شكرا ، ثم تمطّى ، فقال : غطّني بمدرعتي ، فغطّاه ، فإذا هو ميت كما كان .
فأقام أبو طالب عليه السلام ثلاثا ، وخرجت الحيّتان ، وقالتا : السلام عليك ، يا أبا طالب ، الحق بوليّ اللّه ، فإنّك أحقّ بصيانته وحفظه من غيرك ، فقال : من أنتما ؟ قالتا : نحن عمله نذبّ عنه الأذى إلى أن تقوم الساعة ، فحينئذٍ يكون أحدنا سابقه ، والآخر قائده إلى الجنّة ، فانصرف أبو طالب(2) .
ص: 67
وفي رواية شعبة عن قتادة عن أنس عن العباس بن عبد المطلب ، وفي رواية الحسن بن محبوب عن الصادق عليه السلام ، والحديث مختصر :
أنّه انفتح البيت من ظهره ، ودخلت فاطمة فيه ، ثم عادت الفتحة والتصقت ، وبقيت فيه ثلاثة أيام ، فأكلت من ثمار الجنّة .
فلمّا خرجت ، قال علي عليه السلام : السلام عليك يا أبه ورحمة اللّه وبركاته ، ثم تنحنح وقال : « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤمِنُونَ » الآيات .
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : قد أفلحوا بك ، أنت - واللّه - أميرهم ، تميرهم من علمك فيمتارون ، وأنت - واللّه - دليلهم ، وبك - واللّه - يهتدون ، ووضع رسول اللّه صلى الله عليه و آله لسانه في فيه ، فانفجرت إثنتا عشرة عينا ، قال : فسمّي ذلك اليوم يوم التروية .
فلمّا كان من غده وبصر علي عليه السلام برسول اللّه صلى الله عليه و آله سلّم عليه ، وضحك في وجهه ، وجعل يشير إليه ، فأخذه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقالت فاطمة : عرفه ، فسمّي ذلك اليوم عرفة .
فلمّا كان اليوم الثالث ، وكان يوم العاشر من ذي الحجّة أذن أبو طالب عليه السلام في الناس أذانا جامعا ، وقال : هلمّوا إلى وليمة ابني علي عليه السلام ، ونحر ثلاثمائة من الإبل ، وألف رأس من البقر والغنم ، واتخذوا وليمة ، وقال : هلمّوا وطوفوا بالبيت سبعا ، وادخلوا وسلّموا على علي عليه السلامولدي ، ففعل الناس من ذلك ، وجرت به السنّة .
ص: 68
ووضعته أمّه بين يدي النبي صلى الله عليه و آله ، ففتح فاه بلسانه ، وحنّكه ، وأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في أذنه اليسرى ، فعرف الشهادتين ، وولد على الفطرة(1) .
قال أبو الفضل الإسكافي :
نطقت دلائله بفضل صفاته
بين القبائل وهو طفل يرضع
* * *
أبو علي همام رفعه : أنّه لمّا ولد علي عليه السلام أخذ أبو طالب بيد فاطمة ، وعلي عليه السلام على صدره ، وخرج إلى الأبطح ونادى :
يا ربّ ذا الغسق الدجي
والقمر المبتلج المضي
بيّن لنا من حكمك المقضيّ
ماذا ترى في اسم ذا الصبي
* * *
قال : فجاء شيء يدبّ على الأرض كالسحاب حتى حصل في صدر أبي طالب ، فضمّه مع علي عليه السلام إلى صدره ، فلمّا أصبح إذا هو بلوح أخضر فيه مكتوب :
خصصتما بالولد الزكي
والطاهر المنتجب الرضي
فاسمه من شامخ علي
علي اشتق من العلي
* * *
ص: 69
قال : فعلّقوا اللوح في الكعبة ، وما زال هناك حتى أخذه هشام بن عبد الملك(1) .
فاجتمع أهل البيت أنّه في الزاوية اليمنى من ناحية البيت .
فالولد الطاهر من النسل الطاهر ، ولد في الموضع الطاهر ، فأين توجد هذه الكرامة لغيره ؟
فأشرف البقاع الحرم ، وأشرف الحرم المسجد ، وأشرف بقاع المسجد الكعبة ، ولم يولد فيه مولود سواه(2) .
فالمولود فيه يكون في غاية الشرف ، فليس المولود في سيد الأيام ، يوم الجمعة ، في الشهر الحرام ، في البيت الحرام سوى أمير المؤمنين عليه السلام .
قال الحميري :
ولدته في حرم الإله وأمنه
والبيت حيث فناؤه والمسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمة
طابت وطاب وليدها والمولد
في ليلة غابت نحوس نجومها
وبدت مع القمر المنير الأسعد
ما لفّ في خرق القوابل مثله
إلاّ ابن آمنة النبي محمد
ص: 70
وقال محمد بن منصور السرخسي :
ولدته منجبة وكان ولادها
في جوف كعبة أفضل الأكنان(1)
وسقاه ريقته النبي ويا لهامن شربة تغني عن الألبان
حتى ترعرع سيّدا سندا رضىأسدا شديد القلب غير جبان
عبد الإله مع النبي وإنّهقد كان بعد يعدّ في الصبيان
فلذاك زوّجه الرسول بتولةوغدا وصيّ الإنس ثم الجان
شهدت له آيات سورة هل أتىبمناقب جلّت عن التبيان
* * *
ص: 71
ص: 72
ص: 73
ص: 74
نزلت فيه بالإجماع « إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » .
الفردوس : قال علي عليه السلام قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّا أهل بيت قد أذهب اللّه عنّا الفواحش ما ظهر منها وما بطن(1) .
وقال النبي صلى الله عليه و آله في قوله تعالى : « وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنامَ » فانتهت الدعوة إليّ وإلى علي عليه السلام(2) .
وفي خبر : أنا دعوة إبراهيم عليه السلام ، وإنّما عنى بذلك الطاهرين ، لقوله : نقلت من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ، لم يمسسني سفاح الجاهلية .
ص: 75
وأهل الجاهلية كانوا يسافحون ، وأنسابهم غير صحيحة ، وأمورهم مشهورة عند أهل المعرفة(1) .
يزيد بن هارون عن جرير بن عثمان عن عوف بن مالك قال : جاء رجل إلى عمر ابن الخطاب ، فقال له : إنّ عليّ نذرا أن أعتق نسمة من ولد إسماعيل ، فقال : واللّه ما أصبحت أثق إلاّ ما كان من حسن وحسين وعبد المطلب ، فإنّهم من شجرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وسمعته يقول : هم بني(2) أبي(3) .
قال الحميري :
طبت كهلاً وغلاما
ورضيعا وجنينا
ولدى الميثاق طينا
يوم كان الخلق طينا
كنت مأمونا وجيها
عند ذي العرش مكينا
في حجاب النور حيّا
طيبا للطاهرينا
* * *
وله أيضا :
وقد قال النبي لكم وأنتم
حضور للمقالة شاهدونا
عباد اللّه إنّا أهل بيت
برانا اللّه كلاًّ طاهرينا
* * *
ص: 76
وله أيضا :
أشهد اللّه وآلائه
والمرء عمّا قال مسؤول
إنّ علي بن أبي طالب
على التقى والبرّ مجبول
وإنّه كان الإمام الذي
له على الأمّة تفضيل
يقول بالحقّ ويقضى به
وليس تلهيه الأباطيل
وقال بعض النصارى :
علي وليّ المؤمنين بذمّة
وما لي سواه في الأئمة مطمع
له الشرف الأعلى وأنسابه الذي
يقرّ بها هذا الخلائق أجمع
بأنّ عليا أفضل الناس كلّهم
وأورعهم بعد النبي وأشجع
فلو كنت أهوى ملّة غير ملّتي
لما كنت إلاّ مسلما أتشيع
* * *
واجتمع أهل البيت بأدلّة قاطعة وبراهين ساطعة بأنّه معصوم ، واجتمع الناس أنّه لم يشرك قطّ ، وأنّه بايع النبي صلى الله عليه و آله في صغره وترك أبويه !
تاريخ الخطيب أنّه قال جابر : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ثلاثة لم يكفروا بالوحي طرفة عين : مؤمن آل يس ، وعلي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وآسية امرأة فرعون(1) .
ص: 77
تفسير وكيع : حدّثنا سفيان بن مرّة الهمداني عن عبد خير قال : سألت علي بن أبي طالب عليهماالسلام عن قوله تعالى « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ » قال : واللّه ما عمل بهذا غير أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، نحن ذكرنا اللّه فلا ننساه ، ونحن شكرناه فلا نكفره ، ونحن أطعناه فلا نعصيه .
فلمّا أنزلت هذه الآية قالت الصحابة : لا نطيق ذلك ، فأنزل اللّه « فَاتَّقُوا اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ » قال وكيع : يعني ما أطعتم ، ثم قال « وَاسْمَعُوا »
ما تؤمرون « وَأَطِيعُوا » يعني أطيعوا اللّه ورسوله وأهل بيته فيما
يأمرونكم به .
ووجدنا العامة إذا ذكروا عليا عليه السلام في كتبهم أو أجروا ذكره على ألسنتهم قالوا : كرّم اللّه وجهه ، يعنون بذلك عن عبادة الأصنام .
* * *
وروي أنّه إعترف عنده رجل محصن أنّه قد زنى مرّة بعد مرّة ، وهو يتجاهل حتى اعترف الرابعة ، فأمر بحبسه ، ثم نادى في الناس ، ثم أخرجه بالغلس(1) ، ثم حفر له حفيرة ووضعه فيها ، ثم نادى : أيّها الناس ، إنّ هذه حقوق اللّه لا يطلبها من كان عليه مثله ، فانصرفوا ما خلا علي بن أبي طالب وابنيه عليهم السلام ، فرجمه ، ثم صلّى عليه .
وفي التهذيب : إنّ محمد بن الحنفية كان ممّن رجع(2) !!!
ص: 78
وعلي بن أبي طالب كان ممّن وصفه اللّه - تعالى - في قوله : « وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنامَ » ، ثم قال : « وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ » ، فنظرنا في أمر الظالم فإذا الأمّة قد فسّروه أنّه عابد الأصنام ، وأنّ من عبدها فقد لزمه الذلّ ، وقد نفى اللّه أن يكون الظالم خليفة بقوله : « لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ » .
قال الصاحب بن عباد :
وما عبد الأصنام والقوم سجّد
لها وهو في إثر النبي محمد
* * *
وقال الحميري :
لم يتّخذ وثنا ربّا كما اتخذوا
ولا أجال لهم في مشهد زلما
صلّى ووحّد إذ كانت صلاتهم
للاّت تجعل والعزّى وما احتلما
* * *
وقال ديك الجن :
شرفي محبّة معشر
شرفوا بسورة هل أتى
وولاي من في فتكه
سمّاه ذو العرش الفتى
لم يعبد الأصنام قط
ولا ألام ولا عتا
ثبتت إذا قدما سواه
إلى المهاوي زلتا
ثقل الهدى وكتابه
بعد النبي تشتتا
وا حسرتا من ذلّهم
وخضوعهم وا حسرتا
طالت حياة عدوّهم
حتى متى وإلى متى
* * *
ص: 79
ثم إنّه لم يشرب الخمر قطّ ، ولم يأكل ما ذبح على النصب ، وغير ذلك من الفسوق ، وقريش ملوثون بها ، وكذلك يقول القصّاص : أبو فلان وفلان والطاهر علي عليه السلام .
تفسير القطان : عن عمرو بن حمران عن سعيد عن قتادة عن الحسن البصري قال : اجتمع عثمان بن مظعون(1) ، وأبو طلحة ، وأبو عبيدة ، ومعاذ بن جبل ، وسهيل بن بيضاء ، وأبو دجانة ، في منزل سعد بن أبي وقاص ، فأكلوا شيئا ، ثم قدّم إليهم شيئا من الفضيخ ، فقام علي عليه السلام فخرج من بينهم ، فقال عثمان في ذلك ، فقال علي عليه السلام : لعن اللّه الخمر - واللّه - لا أشرب شيئا يذهب عقلي ويضحك بي من رآني ، وأزوّج كريمتي من لا أريد ، وخرج من بينهم ، فأتى المسجد .
وهبط جبرئيل عليه السلام بهذه الآية « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » يعني هؤلاء الذين اجتمعوا في منزل سعد « إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ » الآية .
ص: 80
فقال علي عليه السلام : تبّا لها - واللّه - يا رسول اللّه ، لقد كان بصري فيها نافذ منذ كنت صغيرا .
قال الحسن : واللّه الذي لا إله إلاّ هو ما شربها قبل تحريمها ولا ساعة قطّ .
قال الشاعر :
علي على الإسلام والدين قد نشا
وما عبد الأصنام قطّ ولا انتشا
وقد عبد الرحمن طفلاً ويافعا
وذلك فضل اللّه يؤتيه من يشا
* * *
ثم إنّه عليه السلام لم يأت بفاحشة قطّ .
ونزلت فيه : « قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤمِنُونَ » الآيات .
في التاريخ من ثلاثة طرق عن عمار بن ياسر ، وذكره جماعة بطرق كثيرة عن بريدة الأسلمي في حديثه : أنّه قال النبي صلى الله عليه و آله : قال لي جبريل عليه السلام : يا محمد ، إنّ حفظة علي بن أبي طالب عليهماالسلام تفتخر على الملائكة أنّها لم تكتب على علي عليه السلام خطيئة منذ صحبته .
* * *
قال العبدي :
وإنّ جبريل الأمين قال لي
عن ملكيه الكاتبين مذ دنا
أنّهما لم يكتبا قطّ على
الطهر علي زلّة ولا خنا
* * *
ص: 81
وقال الحميري :
له شهد الكتاب فلا تخرّوا
على آياته صمّا عميّا
بتطهير أميط(1) الرجس عنه
وسمّي مؤمنا فيه زكيا
* * *
ثم إنّه كان أبو طالب وفاطمة بنت أسد عليهماالسلام ربّيا النبي صلى الله عليه و آله ، وربّى النبي صلى الله عليه و آله وخديجة لعلي صلوات اللّه عليهم .
وسمعت مذاكرة : أنّه لمّا ولد علي عليه السلام لم يفتح عينيه ثلاثة أيام ، فجاء النبي صلى الله عليه و آله ، ففتح عينيه ونظر إلى النبي
صلى الله عليه و آله ، فقال صلوات اللّه عليه : خصّني
بالنظر ، وخصصته بالعلم .
تاريخ الطبري ، والبلاذري ، وتفسير الثعلبي ، والواحدي ، وشرف النبي صلى الله عليه و آله ، وأربعين الخوارزمي ، ودرجات محفوظ البستي ، ومغازي محمد بن إسحاق ، ومعرفة أبي يوسف النسوي : أنّه قال مجاهد :
كان من نعمة اللّه على علي بن أبي طالب عليه السلام أنّ قريشا أصابتهم أزمة شديدة ، وكان أبو طالب عليه السلام ذا عيال كثيرة ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لحمزة والعباس : إنّ أبا طالب كثير العيال ، وقد أصاب الناس ما ترون من هذه الأزمة ، فانطلقا بنا نخفف من عياله ، فدخلوا عليه وطلبوه بذلك ، فقال :
ص: 82
إذا تركتم لي عقيلاً فافعلوا ما شئتم ، فبقي عقيل عنده إلى أن مات أبو طالب ، ثم بقي في وحدة إلى أن أخذ يوم بدر .
وأخذ حمزة جعفرا ، فلم يزل معه في الجاهلية والإسلام إلى أن قتل حمزة ، وأخذ العباس طالبا ، وكان معه إلى يوم بدر ، ثم فقد فلم يعرف له خبر .
وأخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا ، وهو ابن ست سنين ، كسنّه يوم أخذه أبو طالب ، فربّته خديجة والمصطفى إلى أن جاء الإسلام ، وتربيتهما أحسن من تربية أبي طالب وفاطمة بنت أسد ، فكان مع النبي صلى الله عليه و آله إلى أن مضى وبقى علي عليه السلام بعده(1)(2) .
وفي رواية : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : اخترت من اختار اللّه لي عليكم عليا عليه السلام .
وذكر أبو القاسم في أخبار أبي رافع من ثلاثة طرق : إنّ النبي صلى الله عليه و آلهحين
تزوج خديجة عليهاالسلام قال لعمّه أبي طالب عليه السلام : إنّي أحبّ أن تدفع إليّ بعض
ص: 83
ولدك يعينني على أمري ويكفيني ، وأشكر لك بلاءك عندي ، فقال أبو طالب عليه السلام : خذ أيّهم شئت ، فأخذ عليا(1) عليه السلام .
نهج البلاغة : وقد علمتم موضعي من رسول اللّه صلى الله عليه و آله بلاد القرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا وليد يضمّني إلى صدره ، ويلفّني في فراشه ، ويمسّني جسده ، ويشمّني عرقه ، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة(2) في فعل ، ولقد قرن اللّه به صلى الله عليه و آله من لدن كان فطيما أعظم ملكا من ملائكة يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره ، ولقد كنت أتبعه إتباع الفصيل أثر أمّه ، يرفع لي في كلّ يوم علما من أخلاقه ، ويأمرني بالإقتداء به(3) .
فمن استقى عروقه من منبع النبوة ، ورضعت شجرته ثدي الرسالة ، وتهدّلت أغصانه من نبعة الإمامة ، ونشأ في دار الوحي ، وربّي في بيت التنزيل ، ولم يفارق النبي صلى الله عليه و آله في حال حياته إلى حال وفاته ، لا يقاس بسائر الناس .
وإذا كان عليه السلام في أكرم أرومة ، وأطيب مغرس ، والعرق الصالح ينمى ، والشهاب الثاقب يسري ، وتعليم الرسول ناجع ، ولم يكن الرسول صلى الله عليه و آله ليتولّى تأديبه ويتضمّن حضانته وحسن تربيته إلاّ على ضربين : إمّا على التفرّس فيه ، أو بالوحي من اللّه - تعالى - ، فإن كان بالتفرّس ، فلا تخطى ء فراسته ، ولا يخيب ظنّه ، وإن كان بالوحي ، فلا منزلة أعلى ، ولا حال أدلّ على الفضيلة والإمامة منه .
قال الشاعر :
ومن كفل النبي به صبيا
صغير السنّ عام المستنينا
وغذّاه بحكمته فأضحى
يفوق بها جميع الخاطبينا
* * *
ص: 85
ص: 86
ص: 87
ص: 88
ابن عباس ، وابن مسعود ، وجابر ، والبراء ، وأنس ، وأم سلمة ، والسدّي ، وابن سيرين ، والباقر عليه السلام في قوله تعالى « وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً » قالوا : هو محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسن(1) عليهم السلام « وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً » القائم في آخر الزمان ، لأنّه لم يجتمع
نسب وسبب في الصحابة والقرابة إلاّ له ، فلأجل ذلك استحقّ الميراث بالنسب والسبب .
وفي رواية : البشر الرسول صلى الله عليه و آله ، والنسب فاطمة عليهاالسلام ، والصهر علي عليه السلام .
تفسير الثعلبي قال ابن سيرين :
نزلت في النبي صلى الله عليه و آله وعلي عليه السلام زوج ابنته فاطمة عليهاالسلام ، وهو ابن عمّه وزوج ابنته ، فكان نسبا وصهرا(2) .
* * *
ص: 89
قال ابن الحجاج :
بالمصطفى وبصهره
ووصيّه يوم الغدير
* * *
وقال كعب بن زهير : « صهر النبي وخير الناس كلّهم(1) » .
الصادق عليه السلام : أوحى اللّه - تعالى - إلى رسوله صلى الله عليه و آله : قل لفاطمة عليهاالسلام لا تعصي عليا عليه السلام ، فإنّه لو غضب غضبت لغضبه(2) .
عوتب النبي صلى الله عليه و آله في أمر فاطمة عليهاالسلام فقال : لو لم يخلق اللّه علي بن أبي طالب ما كان لفاطمة كفو(3) .
وفي خبر : لولاك لما كان لها كفو على وجه الأرض .
ص: 90
المفضل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : لولا أنّ اللّه - تعالى - خلق أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن لفاطمة عليهاالسلام كفو في وجه الأرض آدم فمن دونه(1) .
* * *
قال الصاحب :
كفو البتول ولا كفو سواه لها
والأمر يكشفه أمر يوازيه
* * *
وله أيضا :
يا كفو بنت محمد لولاك ما
زفّت إلى بشر مدى الأحقاب
يا أصل عدّة أحمد لولاك لم
يك أحمد المبعوث ذا أعقاب
* * *
وله أيضا :
وفي أيّ يوم لم يكن شمس يومه
إذا قيل هذا يوم تقضى المآرب
أفي خطبة الزهراء لمّا استخصّه
كفاء لها والكلّ من قبل طالب
* * *
وله أيضا :
هل مثل فاطمة الزهراء سيدة
زوّجتها يا جمال الفاطميينا
هل مثل نجليك في مجد وفي كرم
إذ كوّنا من سلال المجد تكوينا
* * *
ص: 91
وقال غيره :
وزوّجته الزهراء خير كريمة
لخير كريم فضلها ليس يجحد
* * *
وقال ابن حماد :
لو لم يكن خير الرجال لم تكن
زوجته فاطمة خير النسا
* * *
وقالوا : تزوّج النبي صلى الله عليه و آله من الشيخين ، وزوج من عثمان بنتين .
قلنا : التزويج لا يدلّ على الفضل ، وإنّما هو مبني على إظهار الشهادتين ، ثم إنّه تزوّج في جماعة .
وأمّا عثمان ففي زواجه خلاف كثير ، وإنّه صلى الله عليه و آله كان زوّجهما من كافرين قبله .
ليس حكم فاطمة عليهاالسلام مثل ذلك ، لأنّها وليدة الإسلام ، ومن أهل العبا والمباهلة والمهاجرة في أصعب وقت ، وورد فيها آية التطهير ، وافتخر جبرئيل عليه السلام بكونه منهم ، وشهد اللّه لهم بالصدق ، ولها أمومة الأئمة إلى يوم القيامة ، ومنها الحسن والحسين عليهماالسلام وعقب الرسول صلى الله عليه و آله ، وسيدة النساء ، وهي سيدة نساء العالمين ، وزوجها من أصلها وليس بأجنبي .
وأمّا الشيخان ، فقد توسّلا إلى النبي صلى الله عليه و آله بذلك ، وأمّا علي فتوسّل النبي صلى الله عليه و آله إليه بعد ما ردّ خطبتها ، والعاقد بينهما هو اللّه - تعالى - ، والقابل
ص: 92
جبرئيل عليه السلام ، والخاطب راحيل ، والشهود حملة العرش ، وصاحب الثنا رضوان ، وطبق النثار شجرة طوبى ، والنثار الدرّ والياقوت والمرجان ، والرسول صلى الله عليه و آله هو المشاطة ، وأسماء صاحبة الحجلة ، ووليد هذا النكاح الأئمة عليهم السلام .
ابن نباتة :
وكذا لا تزال أو يظهر القائم
خير الورى لنسلك نسلا
* * *
ابن شاهين المروزي في كتاب فضائل فاطمة عليهاالسلام بإسناده عن الحسين بن واقد عن أبي بريدة عن أبيه ، وعن البلاذري في التاريخ بإسناده :
إنّ أبا بكر خطب إلى النبي صلى الله عليه و آله فاطمة عليهاالسلام ، فقال : انتظر لها القضاء ، ثم خطب إليه عمر ، فقال : انتظر لها القضاء(1) . . الخبر .
مسند أحمد وفضائله ، وسنن أبي داود ، وإبانة ابن بطّة ، وتاريخ الخطيب ، وكتاب ابن شاهين ، واللّفظ له : بالإسناد عن خالد الحذاء وأبي أيوب وعكرمة وأبي نجيح وعبيدة ابن سليمان ، كلّهم عن ابن عباس :
ص: 93
أنّه لمّا زوج النبي صلى الله عليه و آله فاطمة عليا عليهماالسلام قال له النبي صلى الله عليه و آله : فاعطها شيئا ، قال : ما عندي شيء ، قال : فأين درعك الحطمية(1) .
وفي رواية غيره : أنّه قال علي عليه السلام : عندي ، قال : فاعطها إياها(2) .
قال السوسي :
وزوّج بالطهر البتولة فاطم
وردّ سواه كاسف البال من حقر
وخاطبها جبريل لمّا أتى به
ومن شهد الأملاك يلقطن ما نثر
تناثر ياقوت ودرّ وجوهر
ومسك وكافور من الخلد قد نثر
وقولا له يا خاطبيها بحسرة
تزوّجت الشمس المنيرة بالقمر
ويطلع من شمس الضحى قمر الدجى
كواكب قد لاحت لنا إحدى عشر
* * *
ص: 94
وقال ابن حماد :
وقصّة القوم لمّا أقبلوا طمعا
لفاطم من رسول اللّه خطّابا
قالوا نسوق إليك المال تكرمة
وارغبوا في عظيم المال إرغابا
فقال ما في يدي من أمرها سبب
واللّه أولى بها أمرا وأسبابا
وجاءه المرتضى من بعد يخطبها
فارتدّ مستحييا منه وقد هابا
وقام منصرفا قال النبي له
وقد كسا من حياه الطهر جلبابا
أجئتني تخطب الزهراء قال نعم
فقال حبّا وإكراما وإيجابا
هل في يديك لها مهر فقال له
ما كنت أذخر أموالاً وأنشابا(1)
فقال هاتيك درعك ما فعلت بهافقال ها هي ذي للخطب إن نابا
فقال نرضى بها مهرا فزوّجهوفاز من فاز لمّا خاب من خابا
* * *
وله أيضا :
من خصّ بالزهراء فاطمة التقى
فضلاً من اللّه العلي الواجب
حُبيت به وحبي بها ولقد زوى
عنها سواه بكلّ ظنّ خائب
أكرم بمن كان الإله وليّها
وخطيبها أكرم بها من خاطب
* * *
ص: 95
وقال العوني :
زوّجك اللّه يا إمامي
بفاطم البرّة الزكيه
وردّ من رامها جميعا
بأوجه كزّة(1) خزيه
أليس قد نافقوا وإلاّما ردّ للقوم جاهليه
* * *
وقال الحنيني :
أنا مولى من حباه ربّه
بالرضا فاطمة زين العرب
لست مولى الخاطب الوغد الذي
ردّ بالخيبة لمّا أن خطب
* * *
وقال غيره :
وفاطمة الزهراء لم يك كفوها
سواه من الخطاب في كلّ عزّة
* * *
ص: 96
ص: 97
ص: 98
صارا أخوين من ثلاثة أوجه :
أوّلها : لقوله عليه السلام : لا زال ينقله من الآباء الأخاير . . الخبر .
والثاني : إنّ فاطمة بنت أسد ربّته حتى قال : هذه أمّي ، وكان عند أبي طالب عليه السلام من أعزّ أولاده ، ربّاه في صغره ، وحماه في كبره ، ونصره باللّسان والمال والسيف والأولاد والهجرة ، والأب أبوان : أب ولادة ، وأب إفادة .
ثم إنّ العمّ والد ، قوله - تعالى - حكاية عن يعقوب « ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي » الآية ، وإسماعيل كان عمّه .
وقوله - تعالى - حكاية عن إبراهيم عليه السلام « وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ » ، قال الزجاج : أجمع النسابة أنّ اسم أبي إبراهيم تارخ .
والثالث : آخاه في عدّة مواضع : يوم بيعة العشيرة حين لم يبايعه أحد بايعه علي عليه السلام على أن يكون له أخا في الدارين .
وقال في مواضع كثيرة ، منها يوم خيبر : أنت أخي ووصيّي .
وفي يوم المؤاخاة ما ظهر عند الخاصّ والعام صحّته ، وقد رواه ابن بطّة من ستّة طرق .
ص: 99
وروي أنّه كان النبي صلى الله عليه و آله بالنخيلة وحوله سبعمائة وأربعون رجلاً ، فنزل جبرئيل عليه السلام وقال : إنّ اللّه - تعالى - آخى بين الملائكة وبيني ، وبين ميكائيل وبين إسرافيل ، وبين عزرائيل وبين دردائيل ، وبين راحيل ، فآخى النبي صلى الله عليه و آله بين أصحابه(1) .
وروى خطيب خوارزم في كتابه بالإسناد عن ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه و آله : أوّل من اتخذ علي بن أبي طالب عليه السلام أخا إسرافيل ، ثم جبرائيل(2) . . الخبر .
تاريخ البلاذري والسلامي وغيرهما عن ابن عباس وغيره : لمّا نزل قوله تعالى « إِنَّمَا الْمُؤمِنُونَ إِخْوَةٌ » آخى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين الأشكال والأمثال ، فآخى بين أبي بكر وعمر ، وبين عثمان وعبد الرحمن ، وبين سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد ، وبين طلحة والزبير ، وبين أبي عبيدة وسعد بن معاذ ، وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب الأنصاري ، وبين أبي ذر وابن مسعود ، وبين سلمان وحذيفة ، وبين حمزة وزيد بن حارثة ، وبين أبي الدرداء وبلال ، وبين جعفر الطيار ومعاذ بن جبل ، وبين المقداد وعمار ، وبين عائشة وحفصة ، وبين زينب بنت جحش وميمونة ، وبين أم سلمة وصفية ، حتى آخى بين أصحابه بأجمعهم على قدر منازلهم ، ثم قال : أنت أخي وأنا أخوك يا علي(3) .
محمد بن إسحاق قال : آخى النبي صلى الله عليه و آله بين أصحابه من المهاجرين
ص: 100
والأنصار ، أخوين أخوين ، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب عليه السلام ، وقال : وهذا أخي(1) .
تاريخ البلاذري : قال علي عليه السلام : يا رسول اللّه ، آخيت بين أصحابك
وتركتني .
فقال: أنت أخي ، أما ترضى أن تدعى إذا دعيت ، وتكسى إذا كسيت ، وتدخل الجنّة إذا دخلت ؟
قال : بلى يا رسول اللّه (2) .
الترمذي ، والسمعاني والنطنزي : أنّه قال ابن عمر وزيد بن أبي أوفى : آخى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين أصحابه ، فجاء علي عليه السلام تدمع عيناه ، فقال : يا رسول اللّه ، آخيت بين أصحابك ، ولم تواخ بيني وبين أحد ! فقال النبي صلى الله عليه و آله : أنت أخي في الدنيا والآخرة(3) .
وفي فضائل أحمد : إنّما تركتك لنفسي ، أنت أخي وأنا أخوك(4) .
وفيه برواية زيد ابن أوفى : والذي بعثني بالحقّ ، ما أخّرتك إلاّ لنفسي ،
ص: 101
وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبي بعدي(1) .
الأربعين عن الخوارزمي : قال أبو رافع : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله التفت إلى علي عليه السلام ، فقال : أنت أخي في الدنيا والآخرة ، ووزيري ووارثي .
اعتقاد أهل السنة : روى مخدوج بن زيد الذهلي : إنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا آخى بين المسلمين أخذ بيد علي عليه السلام فوضعها على صدره ، وقال : يا علي ، أنت منّي وأنا منك بمنزلة هارون من موسى(2) . . الخبر .
شيخ السنّة القاضي أبو عمرو بإسناده عن شرحبيل في خبر : إنّ عليا عليه السلام قال : فأنا - يا رسول اللّه
صلى الله عليه و آله - من أخي ؟ قال : والذي بعثني بالحقّ ، ما أخّرتك إلاّ لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ، وأنت أخي في الدنيا والآخرة(3) .
وفي فضائل العشرة عن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة نوديت من بطنان العرش : يا محمد ، نعم الأب أبوك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب(4) .
ص: 102
فضائل السمعاني : روى أبو الصلت الأهوازي بإسناده عن طاووس عن جابر : إنّ النبي صلى الله عليه و آله رأى عليا عليه السلام فقال : هذا أخي ، وصاحبي ، ومن باهى اللّه به ملائكته ، ومن يدخل الجنّة بسلام .
فردوس الديلمي عن حذيفة قال النبي صلى الله عليه و آله : علي أخي وابن عمّي(1) .
المناقب عن أبي إسحاق العدل ، قال أبو يحيى : ما جلس علي عليه السلام
على المنبر إلاّ قال : أنا عبد اللّه ، وأخو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب(2) .
الصادق عليه السلام : ولمّا آخى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين الصحابة وترك عليا عليه السلام ، فقال له في ذلك ، فقال له النبي صلى الله عليه و آله : إنّما اخترتك لنفسي ، أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة ، فبكى علي عليه السلام عند ذلك ، وقال :
أفديك بنفسي أيّها المصطفى الذي
هدانا به الرحمن من عمه الجهل(3)
وأفديك حوبائي(4) وما قدر مهجتيلمن أنتمي منه إلى الفرع والأصل
ص: 103
ومن ضمّني منذ كنت طفلاً ويافعاوأنعشني بالبرّ والعلّ والنهل(1)
ومن جدّه جدّي ومن عمّه عمّيومن أهله أمّي ومن بنته أهلي
ومن حين آخى بين من كان حاضرادعاني وآخاني وبيّن من فضلي
لك الفضل إنّي ما حييت لشاكرلإتمام ما أوليت يا خاتم الرسل(2)
* * *
الفنجركردي في سلوة الشيعة : جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال : سمعت عليا عليه السلام ينشد ورسول اللّه صلى الله عليه و آله يسمع :
أنا أخو المصطفى لا شكّ في نسبي
معه ربيت وسبطاه هما ولدي
جدّي وجدّ رسول اللّه منفرد
وفاطم زوجتي لا قول ذي فند
والحمد للّه شكرا لا شريك له
البرّ بالعبد والباقي بلا أمد
* * *
قال : فتبسّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : صدقت(3) .
ص: 104
محمد بن إسحاق : فبقي الناس ما شاء اللّه يتوارثون في المدينة بعقد الأخوة دون أولي الأرحام ، وأنزل اللّه فيهم « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ » .
وبقى ميراث من لم يهاجر من المؤمنين بمكة على القرابة حتى أنزل اللّه « وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ » فصار الميراث لأولي الأرحام(1) .
تفسير القطان وتفسير وكيع عن سفيان عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس : إنّ الناس كانوا يتوارثون بالأخوة ، فلمّا نزل قوله تعالى « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ مِنَ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ » ، وهم الذين آخى بينهم النبي(2) صلى الله عليه و آله .
ثم قال النبي صلى الله عليه و آله : من مات منكم وعليه دين فإليّ قضاؤه ، ومن مات وترك مالاً فلورثته(3) .
ص: 105
فنسخ هذا الأول ، فصارت المواريث للقرابات الأدنى فالأدنى .
ثم قال : « إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً » الوصية من ثلث مال اليتيم(1) .
فقال النبي صلى الله عليه و آله عند نزولها : ألست أولى بكلّ مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه ، قال : ألا من كنت مولاه فهذا وليّ اللّه علي بن أبي طالب مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه . . الدعاء ، ألا من ترك دينا أو ضيعة فإليّ ، ومن ترك مالاً فلورثته(2) .
تفسير جابر بن يزيد عن الإمام الصادق عليه السلام قال في هذه الآية : فكانت لعلي عليه السلام من رسول اللّه صلى الله عليه و آله الولاية في الدين والولاية في الرحم ، فهو وارثه كما قال : أنت أخي في الدنيا والآخرة ، وأنت وارثي .
السمعاني في الفضائل عن بريدة قال النبي صلى الله عليه و آله : لكلّ نبي وصيّ ووارث ، وإنّ عليا وصيّي ووارثي(3) .
وقالوا : وأمّا العباس فلم يرث لقوله تعالى « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا
ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ » وبالإتفاق أنّه لم يهاجر العباس(4) .
ص: 106
ابن بطّة في الإبانة : إنّه قيل لقثم بن العباس : بأيّ شيء ورث علي بن أبي طالب عليه السلام النبي صلى الله عليه و آله دون العباس ؟ قال : لأنّه كان أشدّنا به لصوقا ، وأسرعنا به لحوقا(1) .
قال ابن حماد :
ويوم المواخاة نادى به
أخوك أنا اليوم بي فاقنع
* * *
وله أيضا :
واخاك أحمد إذ واخى صحابته
وكنت أنت له دون الأنام كفي
زوّجت فاطمة الزهراء إذ خطبت
وردّ خطّابها بالرغم والأسف
* * *
وله أيضا :
وآخاه من دون الأنام فيالها
غنيمة فوز ما أجلّ اغتنامها
* * *
وقال العوني :
علي أخوه المصطفى قد رويتم
وشيخاكم قد قلتما أخوان
* * *
وقال السوسي :
هل من أخ لرسول اللّه نعرفه
سوى علي فهل بالأمر منه خفاء
* * *
ص: 107
وقال أبو العلا :
من في الورى أحد أخوه محمد
أكرم بذاك من النبي إخاء
* * *
وقال الحميري :
فتى أخوه المصطفى خير مرسل
وخير شهيد ذو الجناحين جعفر
* * *
وقال ابن طوطي :
أليس رسول اللّه آخى بنفسه
عليا صغير السنّ يومئذٍ طفلا
* * *
وقال أبو هاشم الجعفري :
فألا سواه كان آخى وفيهم
إذا ما عددت الشيخ والكهل والطفلا
فهل ذاك إلاّ أنّه كان مثله
فألا جعلتم في إختياركم المثلا
أليس رسول اللّه أكّد عقده
فكيف ملكتم بعده العقد والحلاّ
* * *
وقال محمد بن علي العلوي :
وهو أخوه يوم آخى صحبه
ونفسه في المحكم المنزل
فإن أردت صدق ما أوضحته
وجدته في سورة المزمّل
ص: 108
وقال الجماني :
وآخاهم مثلاً لمثل فأصبحت
أخوته كالشمس ضمّت إلى البدر
فآخى عليا دونكم وأصاره
لكم علما بين الهداية والكفر
* * *
لم يكونا أخوين من النسب تحقيقا ، وإنّما قال ذلك فيه إبانة لمنزلته وفضله وإمامته على سائر المسلمين ، لئلا يتقدّم أحد منهم ولا يتأمّر عليه بعد ما آخى بين الأشكال أجمعين(1) وجعله شكلاً لنفسه .
والعرب تقول للشيء : إنّه أخو الشيء إذا أشبهه أو قاربه أو وافق معناه ، ومنه قوله تعالى : « إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً » ، وكانا جبرئيل وميكائيل عليهماالسلام ، وقوله تعالى « يا أُخْتَ هارُونَ » .
فلمّا كان علي عليه السلام وصي رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أمّته كان أقرب الناس شبها في المنزلة به ، والأخوة لا توجب ذلك ، لأنّه قد يكون المؤمن أخا للكافر والمنافق ، فثبتت إمامته .
ص: 109
ص: 110
ص: 111
ص: 112
حديث سدّ الأبواب
رواه نحو ثلاثين رجلاً من الصحابة ، منهم : زيد بن أرقم ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو سعيد الخدري ، وأم سلمة ، وأبو رافع ، وأبو الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري ، وأبو حازم عن ابن عباس .
والعلاء عن ابن عمر ، وشعبة عن زيد بن علي عن أخيه الباقر عليه السلام عن جابر ، وعلي بن موسى الرضا عليهماالسلام ، وقد تداخلت الروايات بعضها في بعض :
إنّه لمّا قدم المهاجرون إلى المدينة بنوا حوالي مسجده بيوتا فيها أبواب شارعة في المسجد ، ونام بعضهم في المسجد ، فأرسل النبي صلى الله عليه و آلهمعاذ بن جبل ، فنادى :
إنّ النبي صلى الله عليه و آله يأمركم أن تسدّوا أبوابكم إلاّ باب علي عليه السلام ، فأطاعوه إلاّ رجل .
قال : فقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال ما حدّثني به أبو الحسن العاصمي الخوارزمي عن أبي البيهقي عن أحمد بن جعفر عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن محمد بن جعفر عن عون عن عبد اللّه بن ميمون عن زيد بن أرقم أنّه قال النبي صلى الله عليه و آله :
ص: 113
أمّا بعد ، فإنّي أمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب علي ، فقال فيه قائلكم ، فإنّي - واللّه - ما سددت شيئا ولا فتحته ، ولكن أمرت بشيء فاتبعته(1) .
ذكره أحمد في الفضائل(2) .
مسند أبي يعلى عن سعد بن أبي وقاص : أنا ما فتحته ، ولكنّ اللّه فتحه(3) .
خصائص العلوية عن بريدة الأسلمي : يا أيّها الناس ، ما أنا سددتها ، وما أنا فتحتها ، بل اللّه - عزّ وجلّ - سدّها ، ثم قرأ « وَالنَّجْمِ إِذا هَوى »
إلى قوله « إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى »(4) .
مسند أبي يعلى ، وفضائل السمعاني ، وحلية الأولياء عن أبي نعيم بطريقين عن أبي صالح عن عمرو بن ميمون ، قال ابن عباس :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : سدّوا أبواب المسجد كلّها إلاّ باب علي عليه السلام(5) .
ص: 114
وفي رواية عن ابن عباس : سدّوا هذه الأبواب إلاّ باب علي قبل أن ينزل العذاب(1) .
تاريخ بغداد فيما أسنده الخطيب إلى زيد بن علي عن أخيه محمد بن علي عليهماالسلام أنّه سمع جابر بن عبد اللّه يقول :
سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : سدّوا الأبواب كلّها إلاّ باب علي عليه السلام ، وأومى ء بيده إلى باب علي عليه السلام(2) .
الفردوس عن الكياشيرويه : سدّوا الأبواب كلّها إلاّ باب علي(3) عليه السلام .
جامع الترمذي عن شعبة عن أبي بلج يحيى بن أبي سليم عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمر بسدّ الأبواب إلاّ باب علي(4) عليه السلام .
مسند العشرة عن أحمد بن عبد اللّه بن الرقيم الكناني قال :
خرجنا إلى المدينة زمن الجمل ، فلقينا سعد بن مالك يقول : أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بسدّ الأبواب الشارعة في المسجد ، وترك باب علي عليه السلام(5) .
تاريخ البلاذري ومسند أحمد : قال عمرو بن ميمون في خبر : خلا ابن
ص: 115
عباس مع جماعة ، ثم قام يقول : أفٍ أفٍ ، وقعوا في رجل قال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، وقال له : من كنت وليّه فعلي وليّه ، وقال له : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى . . الخبر ، وقال له : لأدفعن الراية إلى رجل . . الخبر ، وسدّ الأبواب إلاّ باب علي عليه السلام ، ونام مكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليلة الغار ، وبعث براءة مع أبي بكر ، ثم أرسل عليا عليه السلامفأخذها(1) .
الإبانة عن أبي عبد اللّه العكبري ، والمسند عن أبي يعلى ، وأحمد ، وفضائل أحمد ، وشرف المصطفى عن أبي سعيد النيسابوري ، واللّفظ له :
قال عبد اللّه بن عمر : ثلاثة أشياء لو كان لي واحدة منهن لكان أحبّ إليّ من حمر النعم ، أحدها إعطاء الراية إياه يوم خيبر ، وتزويجه فاطمة عليهاالسلام إياه ، وسدّ الأبواب إلاّ باب علي(2) عليه السلام .
قالوا : فخرج العباس يبكي وقال : يا رسول اللّه ، أخرجت عمّك وأسكنت ابن عمّك ؟! فقال : ما أخرجتك ولا أسكنته ، ولكن اللّه أسكنه(3) .
ص: 116
وروي : أنّ العباس قال لفاطمة عليهاالسلام : انظروا إليها كأنّها لبوة بين يديها جرواها(1) تظن أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله يخرج عمّه ويدخل ابن عمّه(2) .
وجاء حمزة يبكي ويجرّ عباءه الأحمر ، فقال له كما قال للعباس(3) .
وقد ذكرنا جواب أحمد بن حنبل للمعتصم في ذلك .
فقال عمر : دع لي خوخة(4) اطلع منها إلى المسجد ، فقال : لا ، ولا بقدر اصبعة .
فقال أبو بكر : دع لي كوّة(5) أنظر إليها ، فقال : لا ، ولا رأس إبرة .
فسأل عثمان مثل ذلك فأبى(6) .
الفائق عن الزمخشري قال سعد : لمّا نودي ليخرج من في المسجد إلاّ آل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وآل علي عليه السلام خرجنا نجرّ قلاعنا - هو جمع قلع وهو الكنف(7) - .
ص: 117
فضائل السمعاني : روى جابر عن ابن عمر في خبر : أنّه سأله رجل فقال : ما قولك في علي وعثمان ؟
فقال : أمّا عثمان ، فكأنّ اللّه قد عفا عنه ، فكرهتم أن يعفو عنه ، وأمّا علي ، فابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وختنه ، وهذا بيته - وأشار بيده إلى بيته - حيث ترون(1) .
أمر اللّه - تعالى - نبيه أن يبني مسجده ، فبنى فيه عشرة أبيات ، تسعة لنبيه وأزواجه ، وعاشرها - وهو متوسطها - لعلي وفاطمة(2) عليهماالسلام .
وكان ذلك في أوّل سنة الهجرة ، وقالوا : كان في آخر عمر النبي صلى الله عليه و آله ، والأول أصحّ وأشهر .
وبقي على كونه ، فلم يزل علي عليه السلام وولده في بيته إلى أيام عبد الملك بن مروان ، فعرف الخبر ، فحسد القوم على ذلك واغتاض ، وأمر بهدم الدار ، وتظاهر أنّه يريد أن يزداد في المسجد ، وكان فيها الحسن بن الحسن ، فقال : لا أخرج ولا أمكّن من هدمها ، فضرب بالسياط وتصايح الناس ، وأخرج عند ذلك ، وهدمت الدار ، وزيد في المسجد(3) .
وروى عيسى بن عبد اللّه : إنّ دار فاطمة عليهاالسلام حول تربة النبي صلى الله عليه و آله ، وبينهما حوض .
ص: 118
وفي منهاج الكراجكي : إنّه ما بين البيت الذي فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبين الباب المحاذي لزقاق البقيع فتح له باب وسدّ على سائر الأصحاب(1) .
* * *
من قلع الباب كيف يسدّ عليه الباب ؟! قلع باب الكفر من التخوم فتح له أبواب من العلوم .
* * *
قال الحميري :
وخصّ رجال من قريش بأن بنى
لهم حجرا فيه وكان مسدّدا
فقيل له أسدد كلّ باب فتحته
سوى باب ذي التقوى علي فسدّدا
* * *
وله أيضا :
جاروا على أحمد في جاره
واللّه قد أوصاه بالجار
هو جاره في مسجد طاهر
ولم يكن من عرصة الدار
أربى بما كان وأربى بما
في كلّ إعلان وإسرار
وأخرج الباقين منه معا
بالوحي من إنزال جبار
* * *
ص: 119
وله أيضا :
من كان ذا جار له في مسجد
من نال منه قرابة وجوارا
واللّه أدخله وأخرج قومه
وإختاره دون البرية جارا
* * *
وله أيضا :
وأسكنه في مسجد الطهر وحده
وزوجه واللّه من شاء يرفع
فجاوره فيه الوصي وغيره
وأبوابهم في مسجد الطهر شرّع
فقال لهم سدّوا عن اللّه صادقا
فضنّوا بها عن سدّها وتمنّعوا
فقام رجال يذكرون قرابة
وما ثمّ فيما يبتغي القوم مطمع
فعاتبه في ذاك منهم معاتب
وكان له عمّا وللعمّ موضع
فقال له أخرجت عمّك كارها
وأسكنت هذا إنّ عمّك يجزع
فقال له يا عمّ ما أنا بالذي
فعلت بكم هذا بل اللّه فاقنعوا
* * *
وقال العبدي :
سدّد أبوابهم سواه
فأكثرت منهم الشرور
وقال ما تبتغون فيه
وهو عليم بذي الصدور
يا قوم إنّي إمتثلت أمرا
من ربّنا العالم الغفور
وكان هذا له دليل
بأنّه وحده ظهير
* * *
ص: 120
وله أيضا ، وقيل : للمفجع :
وله من أخيه نعت
حاز فخرا بفضله شرمحيا(1)
جاز شبها له بسكناه فيالمسجد حتما من أمره مقضيّا
بابه في شروع باب رسول اللّه إن كان مستخصّا حظيّا
حين سدّت أبوابهم وهو يغشىبابه شارعا منيفا بهيّا
* * *
وقال الصاحب :
ولا سدّ عن خير المساجد بابه
وأبوابهم إذ ذاك عنه تسدّد
* * *
وقال خطيب خوارزم :
فتح المبشّر باب مسجده له
إذ سدّ عنه سائر الأبواب
* * *
وقال شاعر :
وقد سدّ أبوابهم تاركا
عليا لباب علي طريقا
* * *
وقال آخر :
محمد قد يرى للفضل بابا
له إذ سدّ أبواب الصحاب
* * *
ص: 121
وقال القمّي :
علي له سدّ النبي كواهم
وباب علي وحده لم يردم(1)
* * *
وفي رواية أبي رافع : أنّه صلى الله عليه و آله صعد المنبر وقال : إنّ رجالاً يجدون في أنفسهم أن سكن علي عليه السلام في المسجد وخرجوا ، واللّه ما فعلت ذلك إلاّ عن أمر ربّي ، إن اللّه - تعالى - أوحى إلى موسى أن يسكن مسجده ، فلا يدخل جنب غيره وغير أخيه هارون وذريّته .
واعلموا - رحمكم اللّه - أنّ عليا منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ، ولو كان كان عليا(2) .
جابر بن عبد اللّه : كنّا ننام في المسجد ومعنا علي عليه السلام ، فدخل علينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : قوموا ، فلا تناموا في المسجد ، فقمنا لنخرج ، فقال : أما أنت فنم يا علي ، فقد أذن لك(3) .
أبو صالح المؤذن في الأربعين ، وأبو العلاء العطار الهمداني في كتابه بالإسناد عن أم سلمة : أنّه قال بأعلى صوته :
ص: 122
ألا إنّ هذا المسجد لا يحلّ لجنب ولا حائض إلاّ للنبي صلى الله عليه و آلهوأزواجه !! وفاطمة بنت محمد وعلي عليهم السلام ألا بيّنت لكم أن تضلّوا ، مرّتين(1) .
جامع الترمذي ، ومسند أبي يعلى ، وأبو سعيد الخدري قال النبي صلى الله عليه و آله :
يا علي لا يحلّ لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك(2) .
وفي رواية : يا علي ، لا يحلّ لأحد من هذه الأمّة غيري وغيرك(3) .
وفي رواية : ولا يحّل أن يدخل مسجدي جنب غيري وغيره وغير ذريّته ، فمن شاء فهنا ، وأشار بيده نحو الشام .
فقال المنافقون : لقد ضلّ وغوى في أمر ختنه ، فنزل « ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى »(4) .
قال الحميري :
فيا أوّل من صلّى ومن زكّى ومن كبّر
ويا جار رسول اللّه في مسجده الأكبر
حلال فيه أن تجنب لا تلحي ولا تؤزر
* * *
ص: 123
وله أيضا :
صهر النبي وجاره في مسجد
طهر يطيبه الرسول مطيب
سيّان فيه عليه غير مذمّم
ممشاه إن جنبا وإن لم يجنب
* * *
وقال أبو الأسود :
هل أرض مسجده توطأ منهم
من بعد ذاك سواهما جنبان
إذ ذاك أذهب كلّ رجس عنهم
ربّي وطهّرهم من الأرزان(1)
أتراك في شكّ له من أنّهللفضل خصّ بفتحه بابان
* * *
خصوصيتهما بفتح بابيهما دليل على زيادة درجاتهما ، ورضى اللّه عنهما ، وجواز الاستطراق والمقام في المسجد جنبين دليل على طهارتهما وعصمتهما .
ص: 124
ص: 125
ص: 126
المرء يشرف بأن يكون في عقبه أولاد ، كما شرّف اللّه - تعالى - إبراهيم عليه السلام بأن جعل النبوة والإمامة في عقبه إلى يوم القيامة ، ومثله لعلي عليه السلام قال اللّه تعالى : « وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ »(1) .
وروي في الحلية عن أنس وأبي برزة عن النبي صلى الله عليه و آله : وهي الكلمة التي ألزمتها المتّقين ، من أحبّه أحبّني ، ومن أبغضه أبغضني ، يعني عليا(2) .
وجعل إجماع ذرّيته حجّة على الخلق ، وأولاده هم الأئمة يصلحون لها .
وفي أولاده أنّ الصلاة واجبة عليهم في الصلوات .
وقوله حجّة في الدين ، وكذلك قول صهره وصهرته وزوجه وابنيه لشمول العصمة لهم في الدين .
وفي ولده نسل المصطفى إلى يوم التناد .
وفي أولاده لطيفة ، هما ابنا صلبه ، وسبطا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالولادة وابناه ببنى الشريعة ، وابنا بنته ، ولا يوجد في العالم جدّ هو أب في الحكم والشرع مع أنّه سبط وابن العمّ وابن البنت .
ولولديه أنّ النبي صلى الله عليه و آله أب لهما كأب الصلب ، كما قال عليه السلام : كلّ بني بنت فهو ابن أبيه . . الخبر .
وافتخر جبرئيل عليه السلام يوم المباهلة أنّه منهم .
والناس يسمّون أولاده : بأهل البيت ، وآل محمد صلى الله عليه و آله ، وعترة النبي ، وأولاد الرسول صلى الله عليه و آله ، وآل طه ويس ، ويلقبونهم : بالسيد وبالشريف .
والناس يتمنّون أن يكونوا منهم حتى وضع لذلك علم الأنساب ، وكتب الشجرة ، ويجزّون ذوائب المدّعين احتراما لهم ، ولا يحكم عليهم إلاّ نقباؤهم مع فقرهم وعجزهم ، والأعداء يتركون أكابرهم ، ويتبرّكون بأصاغرهم ، ويقتلون أحياهم ، ويعظّمون زيارة أمواتهم ، ويخربون دورهم ، ويزورون قبورهم ، كأنّهم يعادونهم للدنيا ويعدّونهم للآخرة .
ص: 128
تبرك عمر بن الخطاب بهما في الاستسقاء ، وغمس أيديهما في الدعاء مع جهده في إطفاء نور بني هاشم .
الأصمعي : لمّا كان عام رمادة(1) قال عمر لأبي عبيدة : خذ هذا البعير
بما عليه فات أهل البيت فانحره بينهم ، ومرهم ان يقدّدوا اللّحم ، وليحملوا الشحم ، وليلبسوا للغراير ، وليعدّوا ماء حارا ، فان احتاجوا إلى اللّحم أمدّوهم .
ثم خرج يستسقي فسقي(2) .
وإنّهم أعرف الناس نسبا ، وأخصّهم فضلاً ، ألا ترى أنّ العربي من ولد يعرب بن قحطان ، والقرشي من ولد النضر بن كنانة ، والهاشمي من ولد عبد المطلب ، والطالبي من ولد علي عليه السلام وعقيل وجعفر ، والعلوي من الحسن والحسين عليهماالسلام ومحمد والعباس وعمر أولاد أمير المؤمنين عليه السلام ، والفاطمي أولاد الحسن والحسين عليهم السلام .
* * *
أنشد محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد على قوم ذكروا الأنساب :
ص: 129
إنّ العباد تفرّقوا من واحد
فلأحمد السبق الذي هو أفضل
هل كان يرتحل البراق أبوكم
أم كان جبريل عليه ينزل(1)
* * *
وقد خصّ بالذريّة التي أبى اللّه أن يخرجها إلاّ من خير أرومة(2) خلقها ، فإنّ النبي صلى الله عليه و آله قد صاهره رجال من بني عبد مناف ، منهم أبو العاص بن الربيع ، وعتبة بن أبي لهب ، وعثمان بن عفان ، فكان هو المصطفى بكرم النجار(3) ، وطيب المغرس .
ثم إنّ أولاده يتزوّجون في الناس ولا يزوّجون فيهم إلاّ اضطرارا .
اجتهد عمر بن الخطاب في خطبة أم كلثوم اجتهادا ، وروي في ذلك أخبار .
وتزوّج الحجّاج ابنة عبد اللّه بن جعفر ، فاستأجل منه سنة حتى خلّص نفسه من أذاه .
وتزوّج(4) المأمون بفاطمة بنت محمد بن علي النقي عليه السلام !!
والكبراء يزوّجونهم رغبة فيهم ، كما زوّج المأمون ابنته من محمد بن علي بن موسى بن جعفر عليهم السلام .
ص: 130
ورغب عبد الملك بن مروان في زين العابدين عليه السلام فأبى .
وزوّج الصاحب من شريف معدم ، فقيل له في ذلك فقال :
الحمد للّه حمدا دائما أبدا
إذ صار سبط رسول اللّه لي ولدا
* * *
وفي الحساب : أعلى الأنساب ، نسب فاطمة عليهاالسلام ، لأنّهما استويا في العدد ، وهما مائتان وسبعة وأربعون .
ولا يوجد في أولاد الصحابة من المهاجرين والأنصار مشهورا بالعلم أو موسوما بالملل مثل ما يوجد في أولاده ، مثل الرضي والمرتضى .
قال أبو الحسن بن محفوظ : الرضي أشعر الناس ، لأنّه مجيد مكثر ، وما اجتمع في قرشي ذلك ، والمرتضى قد ألجم علماء الأمّة بالحجج والأدلّة .
فكيف بمثل محمد بن الحنفية ! أشجع أهل زمانه ، وكان النبي صلى الله عليه و آله ذكر اسمه وكنيته ، فبلغ من فضله حتى قالت الكيسانية : أنّه المهدي ، وهو الراوي عن أبيه علوما .
ومنهم أئمة الزيدية الذين لا يرون كلّ خارج إماما ، مثل : زيد ، ويحيى ، والناصر ، والقاسم سبعة عشر ، ومن يرى كلّ خارج إماما ، فثلاث وعشرون .
ص: 131
ومنهم خلفاء مصر ، نحو : العاضد ، والفائز ، والظافر ، والحافظ ، والمستعلي ، والمستنصر ، والظاهر ، والحاكم ، والعزيز ، والمعز ، والمنصور ، والقائم ، والمهدي .
ومنهم الملوك ، ملوك مكة والمدينة والجبل وبيهق .
ومنهم الملوك الماضون ، نحو : الداعي الكبير الحسن بن زيد وأخوه محمد .
ومنهم الرؤوساء والنقباء في كلّ مدينة .
فكيف بالأئمة المعصومين عليهم السلام ، مثل : الحسن ، والحسين ، وزين العابدين ، والباقر ، والصادق ، والكاظم ، والرضا ، والتقي ، والنقي ، والزكي ، والمهدي عليهم السلام ، الذين قد ظهرت العلوم في فرق العالمين منهم :
حتى أخذ من زين العابدين عليه السلام مثل : طاووس اليماني ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وابن شهاب الزهري .
وأخذ كلّ نوع من العلوم من محمد بن علي عليه السلام حتى سمّي باقر علم النبيين .
وأخذ من مشهوري أهل العلم من جعفر بن محمد عليه السلام أربعة آلاف إنسان ، فيهم أبو حنيفة ، ومالك ، ومحمد ، وقد روى عنه الشافعي وأحمد ، وصنّف من جواباته مائة كتاب ، وهي معروفة بكتب الأصول .
وكذلك حال موسى بن جعفر عليهماالسلام إلى أن حبس .
وظهر عن علي بن موسى عليهماالسلام ، وكذلك عن أبيه أبي جعفر عليه السلام ما لا يخفى على محصّل .
ص: 132
وإنّما قلّت الرواية عن أبي الحسن وأبي محمد عليهماالسلام ، لأنّهما كانا محبوسين في عسكر السلطان ممنوعين من الإنبساط في الفتيا .
* * *
قال المرزكي النحوي :
أيا لائمي في حبّ أولاد فاطم
أَهَلْ لرسول اللّه غيرهم عقب
هم أهل ميراث النبوة والهدى
وقاعدة الدين الحنيفي والقطب
أبوهم وصي المصطفى وابن عمّه
ووارث علم اللّه والبطل الندب(1)
* * *
وقال الصاحب :
وبالحسنين المجد مدّ رواقه
ولولاهما لم يبق للمجد مشهد
تفرّعت الأنوار للأرض منهما
فللّه أنوار بدت تتجدّد
هم الحجج الغرّ التي قد توضّحت
وهم سرج اللّه التي ليس تخمد
* * *
وقال ابن حماد :
ألا إنّني مولى لآل محمد
فلا تحسن الفحشاء منّي ولا الهزل
أولئك قوم لا يحاط بفضلهم
وليس لهم في الخلق شبه ولا شكل
ص: 133
هم أمناء اللّه في الأرض والسما
وهم عينه والأذن والجنب والحبل
وهم أنجم الدين الذي ضاء ضوءها
على ظلم الإشراك فهي لها تجلو
وفي كتب اللّه القديمة نعتهم
وقد نطقت عن عظم فضلهم الرسل
فروع رسول اللّه أحمد أصلها
لقد طاب فرع والنبي له أصل
علي أمير المؤمنين أبوهم
فهل لعلي في فضائله مثل
* * *
وقال ابن الحجاج :
فأنتم أهل بيت كان فيه
بأمر اللّه يخدم جبرئيل
وليس على فخاركم مزيد
وليس إلى مرامكم سبيل
* * *
وله أيضا :
أبوك أبو أئمتنا علي
وأمّك أمّ سادتنا البتول
فمن يرجو مداك وكيف يلقى
أبو السبطين فيه والرسول
* * *
ص: 134
وقال ابن دريد الأزدي :
إنّ البريّة خيرها نسبا
إن عدّ أكرمه وأمجده
نسب معظمة محمدة
وكفاه تعظيما محمده
ليست إذا كبت الزناد فما
تكبو إذا ما نضّ أزنده(1)
وأخو النبي محمد فريد محتدهلم يكبه في القدح مصلده(2)
حلّ البلاء به على شرفيتكأّد الراقين صعدده
* * *
ص: 135
ص: 136
ص: 137
ص: 138
ما وجدنا لعظماء الخلف والسلف في الأرض أثرا مذكورا ، أو خبرا مشهورا يتقرّب الناس إليها كما لم نجد في الأمم الماضية نحو كسرى وأنوشروان وفرعون وهامان وشداد ونمرود .
ووجدنا أهل البيت عليهم السلام امتلأت أقطار الأرض بآثارهم ، وبنوا
المشاهد والمساجد بأسمائهم ، وأنفق لسكان الأمصار من إجلال مشاهدهم بعد خمول شاهدهم ، وغر معاندهم ، وقصدهم في الآفاق البعيدة تقرّبا إلى اللّه بجاه تربهم .
وكلّما تطاولت الدهور زاد محلّها سموّا ، وذكرها نموّا ، ويرى الناس فيها العجائب عيانا ومناما ، كما نجد في آثار الأنبياء والأوصياء عليهم السلاممثل :
الحطيم ، ومقام إبراهيم عليه السلام ، وميزاب إسماعيل عليه السلام ، وربوة موسى عليه السلام ، وصخرة عيسى عليه السلام ، وباب حطّة بني إسرائيل ، وعند موالدهم ومحاضرهم ومجالسهم ، فظهر الحقّ وزهق الباطل .
* * *
قال الزاهي :
هل لكم مشهد يزار كما
مشاهد التابعين متبعه
يسطع نور لها على بعد
يطرق من زارها إذا سطعه
* * *
ص: 139
وقال الحصفكي :
قوم أتى في هل أتى مدحتهم
ما شكّ في ذلك إلاّ ملحد
قوم لهم في كلّ أرض مشهد
لا بل لهم في كلّ قلب مشهد
* * *
وقال غيره :
عمّروا بأطراف البلاد مقابرا
إذ خرّبوا من يثرب أوطانا
* * *
هذا أمير المؤمنين عليه السلام أكبر مشاهده اليوم مسجد ، ولد في الكعبة ، وربّي في دار خديجة ، وهي اليوم مسجد ، ومصلاهم عند باب مولد النبي صلى الله عليه و آله في شعب بني هاشم ، والموضع الذي بايع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيعة العشيرة ، وداره التي نزل فيها آية التطهير ، وموضع بيعة الغدير ، ومصلاّه في الرقّة ، وموضع سكونه في صفين ، ومسجد الإحرام للميقات من بنائه ، ومسجد براثا في بغداد من إظهاره ، ومسجد الذئب عند الفرات من آياته ، ومشهد الشمس في الحلّة من معجزاته ، ومسجد الجمجمة في بابل من دلائله ، ومشهد السمكة عند النيل من فضائله ، ومشهد النار والفرج والمنطقة في المدائن من قدرته ، ومسجد السوط في السوق العتيقة في بغداد من إخباره بالغيب ، ومشهد الكفّ بالكوفة ، وفي تكريت ، وفي الموصل ، وفي رقّة من إعجازه ، ومشهد الشعر في بلده من عجائبه ،
ص: 140
ومسجد المجداف وعرقل والنور في رقّة من براهينه ، ومسجد في الموصل من حججه ، ومشهد العلث(1) بين بغداد وسامراء من بركاته ، ومشهد البوق عند رحبة الشام من كراماته ، ومشهد الصخرة في الشام من سلطانه ، ومشهد كوثى عند بغداد .
وقبلته جامع البصرة ، وقتل في جامع الكوفة الذي بناه نوح عليه السلام ، وصلّى فيه ألف نبي وألف وصي ، ودفن في الغري ، وهو اليوم مسجد .
ومنازله كلّها لمّا توجه إلى البصرة مساجد ، النخيلة ، وزواطه ، والشرط ، ومذار ، ومطارة ، وزكية ، وعند مشهد عزير ، وفوق البصرة على أربع فراسخ ، وعند قلعة البصرة ، وايلة ، وبلجان ، والمحرزي ، وعبادان ، ودقلة ، وقرية عبد اللّه ، وكرخ زادو .
ومن طريق العراق في المدائن ، وبغداد ، والأنبار ، وتحت الحديثة ، وعند الجبّ ، وصندوديا ، وعانة ، وبين الرحبة وعانة ، وفي الرحبة وزيلبيا ، ويلنج ، ورقّة ، وصفين .
وكذلك مشاهد أولاده عليهم السلام ، ومشاهد أولاده الطاهرين في المدينة ، وكربلاء ، وبغداد ، وسامراء ، وطوس .
وأمّا مشاهد العلويين في آفاق الأرض مثل كواكب السماء .
ص: 141
قال الناشي :
فزوروا بالغريّ وكربلاء
وبغداد وسامرا القبورا
ويثرب قد حوت منهم وطوس
قبور أئمة تحط الوزورا
* * *
وقال المرزكي :
حفروا بطيبة والغري وكربلا
وبطوس والزورا وسامراء
ما جئتهم في كربة إلاّ انجلت
وتبدّل الضراء بالسراء
قوم بهم غفرت خطيئة آدم
وجرت سفينة نوح فوق الماء
* * *
وقال غيره :
بطيبة نفسي والبقيع وكربلا
وطوس وسامرا وبغداد والنجف
قبور متى تلمم بها تستدم بها
سوالف معنى مصطفاها ومؤتنف
* * *
وقال آخر :
بطيبة والغري وأرض طفّ
وبغداد وطوس وسرّ من را
قبور أئمّتي وهم هداتي
عليهم رحمة الرحمن تترى
ص: 142
وقال عضد الدولة :
سقى اللّه قبرا بالغري وحوله
قبور بمثوى الطهر مشتملات
ورمسا بطوس لابنه وسمّيه
سقته السحاب الغرّ صفو فرات
وأمّ القرى فيها قبور منيرة
عليها من الرحمن خير صلات
وفي أرض بغداد قبور زكية
وفي سرّ من رأى معدن البركات
* * *
ص: 143
ص: 144
ص: 145
ص: 146
أبو جعفر عليه السلام في قوله تعالى « وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً » قال : هم الأوصياء من مخافة عدوّهم(1) .
خطب أمير المؤمنين عليه السلام فقال : ما لنا ولقريش ، وما تنكر منّا قريش ، غير أنّا أهل بيت شيّد اللّه فوق بنيانهم بنيانا ، وأعلى اللّه فوق رؤوسهم رؤوسنا ، واختارنا اللّه عليهم ، فنقموا عليه أن اختارنا عليهم ، وسخطوا ما رضى اللّه ، وأحبّوا ما كره اللّه .
فلمّا اختارنا عليهم شركناهم في حريمنا ، وعرّفناهم الكتاب والسنّة ، وعلّمناهم الفرائض والسنن ، وحفظناهم الصدق واللين ، وديّناهم الدين والإسلام ، فوثبوا علينا ، وجحدوا فضلنا ، ومنعونا حقّنا ، والتوونا أسباب أعمالنا واعلامنا .
اللّهم فإنّي أستعديك على قريش ، فخذ لي بحقّي منها ، ولا تدع مظلمتي لها ، وطالبهم - يا ربّ - بحقّي ، فإنّك الحكم العدل ، فإنّ قريشا صغّرت
ص: 147
قدري ، واستحلّت المحارم منّي ، واستخفّت بعرضي وعشيرتي ، وقهرتني على ميراثي من ابن عمّي ، وأغروا بي أعدائي ، ووتروا بيني وبين العرب والعجم ، وسلبوني ما مهّدت لنفسي من لدن صباي بجهدي وكدّي ، ومنعوني ما خلّفه أخي وحميمي وشقيقي ، وقالوا : إنّك لحريص متّهم !
أليس بنا اهتدوا من متاه الكفر ، ومن عمى الضلالة ، وغيّ الظلماء ؟
أليس أنقذتهم من الفتنة الظلماء ، والمحنة العمياء ؟
ويلهم ، ألم أخلّصهم من نيران الطغاة ، وكره العتاة ، وسيوف البغاة ، ووطأة الأسد ، ومقارعة الصماء ، ومجادلة القماقمة الذين كانوا عجم العرب ، وغنم الحرب ، وقطب الأقدام ، وجبال القتال ، وسهام الخطوب ، وسلّ السيوف ؟
أليس بي تسنّموا الشرف ، ونالوا الحقّ والنصف ؟
ألست نبوة محمد صلى الله عليه و آله ودليل رسالاته ، وعلامة رضاه وسخطه الذي كان يقطع الدرع الدلاص(1) ، ويصطلم(2) الرجال الحراص ، وبي كان يبري جماجم البهم ، وهام الأبطال إلى أن فزعت تيم إلى الفرار ، وعدي إلى الانتكاص ؟
أما وإنّي لو أسلمت قريشا للمنايا والحتوف ، وتركتها فحصدتها
سيوف الغواة ، ووطأتها الأعاجم ، وكرات الأعادي ، وحملات الأعالي ،
ص: 148
وطحنتهم سنابك الصافنات(1) ، وحوافر الصاهلات في مواقف الأزل(2) والهزل(3) في طلاب الأعنّة ، وبريق الأسنّة ، ما بقوا لهضمي ، ولا عاشوا لظلمي ، ولما قالوا : إنّك لحريص متهم .
ثم قال بعد كلام : إنّما أنطق لكم العجماء ذات البيان ، وافصح الخرساء ذات البرهان، لأنّي فتحت الإسلام، ونصرت الدين، وعززت الرسول صلى الله عليه و آله،
وبنيت أعلامه ، وأعليت مناره ، وأعلنت أسراره ، وأظهرت أثره وحاله ، وصفّيت الدولة ، ووطأت الماشي والراكب ، ثم قدتها صافية على أنّي بها مستأثر .
ثم قال بعد كلام : سبقني إليها التيمي والعدوي كسباق الفرس إحتيالاً وإغتيالاً وخدعة وغيلة .
ثم قال بعد كلام : يا معشر المهاجرين والأنصار ، أين كانت سبقة تيم وعدي إلى سقيفة بني ساعدة خوف الفتنة ، ألا كانت يوم الأبواء إذ تكاتفت الصفوف ، وتكاثرت الحتوف ، وتقارعت السيوف ؟
أم هلاّ خشيا فتنة الإسلام يوم ابن عبد ودّ ، وقد نفح بسيفه ، وشمخ بأنفه ، وطمح بطرفه ؟
ولم لم يشفقا على الدين وأهله يوم بواط ، إذ إسودّ لون الأفق ، وأعوج عظم العنق ، وانحل سيل الغرق ؟
ص: 149
ولم لم يشفقا يوم رضوى ، إذا السهام تطير ، والمنايا تسير ، والأسد تزأر ؟
وهلاّ بادرا يوم العشيرة ، إذ الأسنان تصطّك ، والآذان تستّك ، والدروع تهتك ؟
وهلاّ كانت مبادرتهما يوم بدر ، إذ الأرواح في الصعداء ترتقي ، والجياد بالصناديد ترتدي ، والأرض من دماء الأبطال ترتوي ؟
ولم لم يشفقا على الدين يوم بدر الثانية ، والدعاس(1) ترعب ، والأوداج تشخب ، والصدور تخضب ؟
وهلاّ بادرا يوم ذات الليوث ، وقد أمجّ(2)(3) التولب(4) ، واصطلم الشوقب(5) ، وادلهمّ(6) الكوكب ؟
ولم لا كانت شفقتهما على الإسلام يوم الأكدر ، والعيون تدمع ، والمنية تلمع ، والصفائح تنزع ؟
ثم عدد وقائع النبي صلى الله عليه و آله ، وقرعهما بأنّهما في هذه المواقف كلّها كانا مع النظّارة .
ص: 150
ثم قال : ما هذه الدهماء والدهياء التي وردت علينا من قريش ، أنا صاحب هذه المشاهد ، وأبو هذه المواقف ، وابن هذه الأفعال الحميدة(1) . . . إلى آخر الخطبة .
قال الناشي :
فلم لم يثوروا ببدر وقد
تبلت من القوم إذ بارزوكا(2)
ولم عرّدوا إذ شجيت العدىبمهراس أحد ولم نازلوكا(3)
ولم أجمحوا يوم سلع وقدثبتّ لعمرو ولم أسلموكا(4)
ولم يوم خيبر لم يثبتواصحابة أحمد واستركبوكا
فلاقيت مرحبا والعنكبوتوأسد يحامون إذا وجهوكا
فدكدكت حصنهم قاهراوطوّحت بالباب إذ حاجزوكا
ولم يحضروا بحنين وقدصككت بنفسك جيشا صكوكا(5)
فأنت المقدّم في كلّ ذاكفللّه درّك لم أخّروكا
* * *
ص: 151
ومن نهج البلاغة : اللّهم إنّي استعديك على قريش ، فإنّهم قد قطعوا رحمي ، وكفّروا آبائي ، وأجمعوا على منازعتي حقّا ، وكنت أولى به من غيري ، وقالوا : ألا إنّ في الحقّ أن يأخذه ، وفي الحقّ أن نمنعه ، فاصبر مغموما أو متّ متأسفا .
فنظرت فإذا ليس رافد ولا ذاب ولا مساعد ، إلاّ أهل بيتي ، فضننت بهم على المنيّة ، فأغضيت على القذى ، وجرعت ريقي على الشجى ، وصبرت على الأذى ، وطبت نفسي على كظم الغيظ ، وما هو أمرّ من العلقم ، وآلم من حرّ الشفار(1) .
الشقشقية ، المقمّصة : أما - واللّه - لقد تقمّصها ابن أبي قحافة ، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ، ينحدر عنّي السيل ، ولا يرقى إليّ الطير ، فسدلت دونها ثوبا ، وطويت عنها كشحا ، وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء(2) ، أو أصبر على طخية(3) عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح مؤمن حتى يلقى ربّه ، فرأيت أنّ الصبر
ص: 152
على هاتي أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى(1) ، أرى تراثي نهبا ، حتى مضى الأول لسبيله ، فأدلى بها إلى فلان بعده .
ثم تمثّل بقول الأعشى :
شتّان ما يومي على كورها
ويوم حيّان أخي جابر
* * *
فيا عجبا ! بينا هو يستقيلها(2) في حياته ، إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشدّما تشطّرا(3) ضرعيها ، فصيّرها في حوزة خشناء ، يغلظ كلمها(4) ، ويخشن مسّها ، ويكثر العثار فيها والإعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة ، إن أشنق(5) لها خرم(6) ، وإن أسلس لها تقحّم(7) ، فمني(8) الناس - لعمر اللّه - بخبط(9) وشماس(10) ، وتلوّن واعتراض .
فصبرت على طول المدّة ، وشدّة المحنة ، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم ، فياللّه وللشورى ! متى اعترض الريب فيّ مع
ص: 153
الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر ! ولكنّني أسففت(1) إذ أسفوا ، وطرت إذ طاروا ، فصغى رجل لضغنه ، ومال الآخر لصهره ، مع هن وهن .
إلى أن قام ثالث القوم نافجا(2) حضنيه بين نثيله(3) ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون(4) مال اللّه خضم الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث(5) عليه فتله ، وأجهز عليه عمله ، وانكب(6) به بطنه ، فما راعني إلاّ والناس إليّ كعرف الضبع(7) ينثالون(8) عليّ من كلّ وجه ، حتى لقد وطى ء الحسنان ، وشقّ عطفاي ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم .
فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة ، ومرقت أخرى ، وقسط آخرون ، وكأنّهم لم يسمعوا اللّه - سبحانه وتعالى - حيث يقول : « تِلْكَ الدّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها » الآية ، بلى - واللّه - لقد سمعوها ووعوها ، ولكنّهم حليت الدنيا في أعينهم ، وراقهم زبرجها(9) .
ص: 154
والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجّة بوجود الناصر ، وما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة(1) ظالم ، ولا سغب(2) مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها ، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز(3) .
فنوول كتابا ، فجعل يقرأ ، فلمّا فرغ من قراءته قال ابن عباس : يا أمير المؤمنين ، لو إطردت مقالتك من حيث أفضيت ، فقال : هيهات - يا بن عباس - تلك شقشقة(4) هدرت ثم قرّت(5) .
ص: 155
ودخلت أم سلمة على فاطمة عليهاالسلام فقالت لها : كيف أصبحت عن ليتك يا بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟
قالت : أصبحت بين كمد(1) وكرب ، فقد النبي صلى الله عليه و آله ، وظلم الوصي ، هتك - واللّه - حجبه ، أصبحت إمامته مقتصّة على غير ما شرع اللّه في التنزل ، وسنّها النبي صلى الله عليه و آله في التأويل ، ولكنّها أحقاد بدرية ، وترات أحدية كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة لإمكان الوشاة .
فلمّا استهدف الأمر أرسلت علينا شآبيب(2) الآثار من مخيلة(3) الشقاق ، فيقطع وتر الإيمان من قسي صدورها ، وليس على ما وعد اللّه من حفظ الرسالة وكفالة المؤمنين ، أحرزوا عائدتهم غرور الدنيا بعد انتصار ممّن فتك(4) بآبائهم في مواطن الكروب ، ومنازل الشهادات(5) .
ص: 156
وقالت عليهاالسلام لمّا تكلّمت مع الأوّل : معاشر المسلمة ، المسرعة إلى قيل الباطل ، المغضية(1) على الفعل الخاسر ، أفلا تتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها ؟! كلاّ بل ران على قلوبكم بتتابع سيئاتكم ، فأخذ بسمعكم وأبصاركم ، ولبئس ما تأوّلتم ، وساء ما به أشرتم ، وشرّ ما منه اعتصمتم ، لتجدنّ - واللّه - محلّها ثقيلاً ، وغيّها وبيلاً ، إذا كشف لكم الغطاء ، وبان ما ورائه الضراء(2) ، وبدا لكم من ربّكم ما لم تكونوا تحتسبون « وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ » .
ثم قالت للأنصار : معاشر النقباء ، وأعضاد البقية ، وأنصار الدين والملّة ، وحضنة الإسلام ، ما هذه الغميزة(3) في حقّي ، والإعراض عن ظلامتي ؟ أما كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : المرء يحفظ في ولده ، لسرعان ما أحدثتم ، وعجلان ذا إهالة ، وبكم ما حاولت(4) طاقة ، أتقولون : مات محمد صلى الله عليه و آله ! فخطب لعمري جليل ، استوسع وهيه(5) ، واستهتر فتقه ،
ص: 157
واظلمت لديكم - واللّه - الأرض ، وتكدّرت الصفوة ، وأحيلت القرحة ، وتقرّحت السلعة(1) ، والثابت(2) خيرة اللّه ، وخشعت الجبال ، وأكدت
الآمال ، وضيع الحريم ، وأديلت(3) المحرمة(4) ، هي - واللّه - النازلة الكبرى ، والمصيبة العظمى ، لا مثلها نازلة ، ولا بائقة(5) عاجلة ، أعلن لنا كتاب اللّه في أفنيتكم ممساكم ومصبحكم هتافا وصراخا ، وتلاوة وألحانا(6) ، ولقبله ما حلّ بأنبياء(7) اللّه ورسله ، حكم فصل ، وقضاء حتم ، « وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ »إلى قوله « الشّاكِرِينَ » .
أبني قيلة(8) ! أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى منّي ومسمع ! تمسّكم الدعوة ، ويشملكم الخبر ، وفيكم العدّة والعدد ، وبكم الدار والجنن(9) ، تقرع صيحتي آذانكم فلا تجيبون ، وتسمعون صرختي فلا تغيثون ، وأنتم نخبة اللّه التي انتخب ، وخيرته التي انتحل لنا أهل البيت ، فنابذتم العرب ، وناجزتم البهم ، وكافحتم الأمم ، لا نبرح وتبرحون ، نأمركم فتأتمرون ،
ص: 158
حتى دارت لنا بكم رحى الإسلام ، ودرّ حلب البلاد ، وهدأت دعوة الهرج ، وسكنت فورة الشرّ ، وطفئت جمرة الكفر ، وقرّ نقار الحقّ ، واستوسق نظام الدين ، فإن حرتم بعد القصد ، ونكصتم بعد الإقدام « أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ » إلى قوله « مُؤمِنِينَ » .
ألا - واللّه - لقد أخلدتم إلى الخفض ، وأبعدتم من هو أحقّ بالبسط والقبض ، وخلوتم بالدعة ، ونجوتم من الضيق بالسعة ، وكلفتم(1) بالدعة ، فمحجتم(2) بالذي وعيتم ، ف-« إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ » الآية .
ألا وقد قلت الذي قلت عن عرفة منّي بالخذلة التي خامرتكم ، ولكنّها فيضة للنفس ، وهيضة(3) للعظم ، وكظّة(4) الصدر ، ونفثة الغيظ ، وخور القناة(5) ، ومعذرة الحجّة ، فدونكموها ، فاحتقبوها(6) دبرة(7) الظهر ، نقبة(8)
ص: 159
الخفّ ، باقية العار ، موسومة الشنار(1) ، موصولة ب-« نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ » والحاكم الواحد الأحد(2) .
ولمّا انصرفت من عند أبي بكر أقبلت على أمير المؤمنين عليه السلام فقالت له :
يا بن أبي طالب ! اشتملت شملة(1) الجنين ، وقعدت حجرة الظنين(2) ، نقضت قادمة(3) الأجدل(4) ، فخانك ريش الأعزل .
هذا ابن أبي قحافة قد ابتزّني نحلة أبي ، وبلغة ابنيّ ، واللّه لقد أجهد في
ظلامتي ، وألدّ في خصامي ، حتى منعتني القيلة نصرها ، والمهاجرة وصلها ، وغضّت الجماعة دوني طرفها، فلا مانع ولا دافع ، خرجت - واللّه - كاظمة(5)، وعدت راغمة(6) ، ولا خيار لي ، ليتني متّ قبل ذلّتي ، وتوفّيت دون منيّتي .
عذيري(7) - واللّه - فيك حاميا ، ومنك داعيا ، ويلاي في كلّ شارق ، مات العمد ، ووهن العضد ، شكواي إلى ربّي ، وعدواي إلى أبي ، اللّهم أنت أشدّ قوّة .
ص: 161
فأجابها أمير المؤمنين عليه السلام : لا ويل لك ، بل الويل لشانئك ، نهنهي(1) عن وجدك(2) يا بنت الصفوة ، وبقية النبوة ، فواللّه ما ونيت في ديني ،
ولاأخطأت مقدوري ، فإن كنت تريدين البلغة ، فرزقك مضمون ، وكفيلك مأمون ، وما أعدّ لك خير ممّا قطع عنك ، فاحتسبي .
فقالت : حسبي اللّه ونعم الوكيل(3) .
ولها
عليهاالسلام ترثي أباها :
قد كان بعدك أنباء وهنبثة(4)
لو كنت حاضرها لم تكثر الخطب
إنّا فقدناك فقد الأرض وابلهافاختل قومك فاشهدهم فقد نكبوا
أبدت رجال لنا فحوى صدورهملمّا فقدت وكلّ الإرث قد غصبوا
وكلّ قوم لهم قربى ومنزلةعند الإله وللأدنين مقترب
تجهّمتنا رجال واستخف بناجهرا وقد أدركونا بالذي طلبوا(5)
سيعلم المتولّي ظلم خاصتنايوم القيامة عنّا كيف ينقلب(6)
ص: 162
ص: 163
ص: 164
عثمان بن أبان قال : سألت الصادق عليه السلام عن قوله تعالى « وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُها » الآية ، قال : نحن ذلك(1) .
عبدوس الهمداني وابن فورك الأصفهاني وابن شيرويه الديلمي عن أبي سعيد الخدري قال : ذكر رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام ما يلقى بعده .
قال : فبكى علي عليه السلام وقال : أسألك بحقّ قرابتي وصحبتي إلاّ دعوت اللّه أن يقبضني إليه ، قال : يا علي ، تسألني أن أدعو اللّه لأجل مؤجل(2) ... الخبر .
وذهب كثير من أصحابنا إلى أن الأئمة خرجوا من الدنيا على الشهادة واستدلوا بقول الصادق عليه السلام : واللّه ما منا إلاّ مقتول شهيد(3) .
ص: 165
أمير المؤمنين عليه السلام قال : بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إذ التفت إليّ فبكى ، فقلت : ما يبكيك يا رسول اللّه ؟
قال : أبكي من ضربتك على القرن ، ولطم فاطمة عليهاالسلام خدّها ، وطعن الحسن عليه السلام في فخذه ، والسمّ الذي يسقاه ، وقتل الحسين(1) عليه السلام .
رأى أمير المؤمنين عليه السلام في المنام قائلاً يقول :
إذا ذكر القلب رهط النبي
وسبي النساء وهتك الستر
وذبح الصبي وقتل الوصي
وقتل الشبير وسمّ الشبر
ترقرق في العين ماء الفؤاد
وتجري على الخدّ منه الدرر
فيا قلب صبرا على حزنهم
فعند البلايا تكون العبر
* * *
وكان عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر(2) كثيرا ما يقول :
تعزّ فكم لك من أسوة
تسكّن عنك غليل الحزن
بموت النبي وخذل الوصي
وذبح الحسين وسمّ الحسن
وجرّ الوصي وغصب التراث
وأخذ الحقوق وكشف الإحن
وهدم المنار وبيت الإله
وحرق الكتاب وترك السنن(3)
ص: 166
وله أيضا :
إذا ما المرء لم يعط مناه
وأضناه التفكر والنحول
ففي آل الرسول له عزاء
وما لاقته فاطمة البتول
* * *
وأجمع الفقهاء أنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يقسم الخمس من الغنائم في بني هاشم .
وأورد الشافعي عن أبي حنيفة بإسناده عن عبد اللّه بن أبي ليلى : أنّ في عهد عمر أتي بمال كثير من فارس وشوش والأهواز ، فقال : يا بني هاشم ، لو أقرضتموني حقّكم من هذه الغنائم لأعوض عليكم مرّة أخرى ، فقال علي عليه السلام : يجوز(1) ، فقال العباس : أخاف فوت حقّنا ، فكان كما قال ، مات عمر وما ردّ عليهم ، وفات حقّهم !!!
وسئل الباقر عليه السلام عن الخمس ، فقال : الخمس لنا ، فمنعنا فصبرنا .
وكان عمر بن عبد العزيز ردّه إلى محمد الباقر عليه السلام ، وردّه أيضا المأمون .
فمن حرمت عليه الصدقة ، وفرضت له الكرامة والمحبّة يتكفّفون صبرا !
ص: 167
ويهلكون فقرا ! يرهن أحدهم سيفه ، ويبيع آخر ثوبه ، وينظر إلى فيئه بعين مريضة ، ويتشدّد على دهره بنفس ضعيفة ، ليس له ذنب إلاّ أن جدّه النبي صلى الله عليه و آله وأباه الوصي عليه السلام .
* * *
قال السيد الرضي :
رمونا كما ترمى الظماء عن الروى
يذودوننا عن إرث جدّ ووالد
بنى لهم الماضون آساس هذه
فعلّوا على بنيان تلك القواعد
* * *
وقال دعبل :
أرى فيئهم في غيرهم متقسّما
وأيديهم من فيئهم صفرات
* * *
وقال أبو فراس :
الحقّ مهتضم والدين مخترم
وفيى ء آل رسول اللّه مقتسم
* * *
وقال الصاحب :
أيا أمّة أعمى الضلال عيونا
وأخطأها نهج من الرشد لاحب
أأسلافكم أودوا بآل محمد
حروبا سيدري كيف منها العواقب
وأنتم على آثارهم واختيارهم
تميتونهم جوعا فهذي المصائب
ص: 168
دعوا حقّهم ما يبتغون جداكم
وخلّوا لهم من فيئهم لا يساغبوا
ألا ساء ذا عارا على الدين ظاهرا
يسير إليه الأجنبي المحارب
إذا كانت الدنيا لآل محمد
وأولاده غرثى يليها المحارب
* * *
ومن كثرة الظلم :
دفن الإمام عليه السلام فاطمة عليهماالسلام ليلاً ، وأوصى بدفن نفسه سرّا(1) .
ولقد هدم سعيد بن العاص دار علي والحسن وعقيل عليهم السلام من قبل يزيد(2) .
وهدم عبد الملك بن مروان بيت علي عليه السلام الذي كان في مسجد المدينة .
وأمر المتوكّل بتحرير قبر الحسين عليه السلام وأصحابه ، وكرب موضعها ، واجراء الماء عليها ، وقتل زوّارها ، وسلّط قوما من اليهود حتى تولّوا ذلك إلى أن قتل المتوكلّ ، فأحسن المنتصر سيرته ، وأعاد التربة في أيامه .
والمعتز حرق المشهد بمقابر قريش على ساكنه السلام .
وكان الصادق عليه السلام يتمثّل :
لآل المصطفى في كلّ عام
تجدّد بالأذى زفر جديد
* * *
ص: 169
وقال الحميري :
توفي النبي عليه السلام
فلمّا تغيب في الملحد
أزالوا الوصية عن أقربيه
إلى الأبعد الأبعد الأبعد
وكادوا مواليه من بعده
فيا عين جودي ولا تجمدي
وأولاد بنت رسول الإله
يضامون فيها ولم تكمد
فهم بين قتلى ومستضعف
ومنعفر في الثرى مفصد
* * *
وقال الزاهي :
أين بنو المصطفى الذين على
الخلق جميعا هواهم فرضا
أين المصابيح للظلام ومن
عليّ في الذر حبّهم عرضا
أين النجار التي محضت لها
وحقّ مثلي لودّها محضا
أين بنو الصوم والصلاة ومن
إبرامهم في الإله ما انتقضا
أين الجبال التي يضيق بها
عند إتساع العلوم كلّ فضا
تشتتوا في الورى فأصبحت الأ
جفان قرحى بدمعها فضضا
وذبحوا في الثرى على ظمأ
فإنحط عزّ العزاء وانخفضا
* * *
وقال الرضي :
ضربوا بسيف محمد أولاده
ضرب الغرائب عدن بعد ديارها
* * *
ص: 170
وله أيضا :
طبعنا لهم سيفا فكنّا لحدّه
ضرائب عن أيمانهم والسواعد
ألا ليس فعل الأوّلين وإن علا
على قبح فعل الآخرين تزايد
* * *
وقال محمد بن شارستان :
بمحمد سلّوا سيوف محمد
ضربوا بها هامات آل محمد
فكأنّ آل محمد أعداؤه
وكأنّما الأعداء آل محمد
* * *
وقال الصوري :
يا بني الزهراء ماذا أكلت(1)
فيكم الأيام من عيب وذم
وعجيبا أنّ حقّا بكمقام في الناس وفيكم لم يقم
ثم صارت سنّة جاريةكلّ من أمكنه الظلم ظلم
* * *
وقال دعبل :
وثب الزمان بكم فشتت منكم ما ألّفا
ولو أنّ أيديكم تمدّ إلى الإناء لما انكفا
* * *
وله أيضا :
لا أضحك اللّه سنّ الدهر إن ضحكت
وآل أحمد مظلومون قد قهروا
ص: 171
مشرّدون نفوا عن عقر دارهم
كأنّهم قد جنوا ما ليس يغتفر
* * *
وقال كثير عزّة :
طبت بيتا وطاب أهلك أهلاً
أهل بيت النبي والإسلام
يأمن الطير والوحوش ولا
يأمن آل النبي عند المقام
* * *
وقال العنبري :
وإذا رأى في العالمين مصيبة
ضربت بآل محمد أمثالها
* * *
وقال الحميري :
أليس عجيبا أنّ آل محمد
قتيل وباق هائم وأسير
تنام الحمام الورق عند هجوعها
ونومهم عند الرقاد زفير
* * *
وقال العلوي البصري :
أهل النبي الذي لولا هدايتهم
لم يهد خلق إلى فرض ولا سنن
مشتتين حيارى لا نصير لهم
مشرّدين عن الأهلين والوطن
في كلّ يوم أرى في وسط دارهم
بالسلّة البيض والهندية اللدن(1)
ص: 172
هذا بأنّ رسول اللّه جدّهمأوصى بحفظهم في السرّ والعلن
جاؤوا بقتل علي وسط قبلتهظلما وثنّوا بسمّ لابنه الحسن
وأشهروا ويلهم رأس الحسين علىرمح يطاف به في سائر المدن
* * *
وقال الجوهري الجرجاني :
آل الرسول عباديد(1) السيوف فمن
هاوٍ على وجهه خوفا ومسجون
ونافر ببلاد الهند مطرحولائذ بيمان أو ببيغون(2)
* * *
وقال محمد الموسوي :
ماذا تقولين في يوم الحساب غدا
لجدّه خير هاد حين يلقاك
بقتل أبنائه من بعده سفها
وسبي عترته الأبرار وصّاك
ستعلمون غدا يا أمّة تبعت
فعل المضلّين جهلاً سوء مثواك
* * *
وقال غيره :
ومن قبل موت المصطفى كان صحبه
إذا قال قولاً صدّقوه وحققّوا
ص: 173
فلمّا قضى خانوه في أهل بيته
وشمل بنيه بالأسنّة فرّقوا
* * *
وقال الزاهي :
يا آل أحمد ماذا كان جرمكم
فكلّ أرواحكم بالسيف تنتزع
تلقى جموعكم شتّى مفرّقة
بين العباد وشمل الناس مجتمع
وتستباحون أقمارا منكّسة
تهوى وأرؤسها بالسمر تنتزع
ما للحوادث لا تجرى بظالمكم
ما للمصائب عنكم ليس ترتدع
منكم طريد ومقتول على ظمأ
ومنكم دنف بالسمّ منصرع
وهارب في أقاصي الغرب مغترب
ودارع بدم اللبّات(1) مندرع
ومقصد من جدار ظلّ منكدراوآخر تحت ردم فوقه بقع
ومن محرّق جسم لا يزار لهقبر ولا مشهد يأتيه مرتدع
* * *
وله أيضا :
بنو المصطفى يفنون بالسيف عنوة
ويسلمني طيف الهجوع فأهجع
ظلمتم وذبّحتم وقسّم فيئكم
وجار عليكم من لكم كان يخضع
فما بقعة في الأرض شرقا ومغربا
وإلاّ لكم فيها قتيل ومصرع
* * *
ص: 174
وقال منصور الفقيه :
تذكّر فديتك عند الخطوب
منال قريش إلى المصطفى
وما نال في مؤتة جعفرا
وفي أحد حمزة المرتضى
ونال البتول بموت الرسول
ونال عليا إمام الهدى
ونال حسينا ومن قبله
أخاه ومسلما المجتبى
وما نال موسى والباقرين
ونال علي بن موسى الرضا
ومن مات فيهم خفّي المكان
بعيد المحلّ حذير العدى
ليسهل كلّ عسير عليك
ويحلو بقلبك مرّ القضا
لأنّكم من بني آدم
وحال بني آدم ما ترى
* * *
وقال ابن الرومي :
بني أحمد لا يبرح المرء منكم
يتلّ على حرّ الجبين فيبعج(1)
كذاك بني العباس يصبر مثلكمويصبر للسيف الكمّي المدجّج
أكلّ أوان للنبي محمدقتيل زكي بالدماء مضرّج
* * *
وقال ابن حماد :
كفاك بخير الخلق آل محمد
أصابهم سهم أصاب فأوجعا
وقفت على أبياتهم فرأيتها
بياتا خرابا قفرة الجو بلقعا
* * *
ص: 175
وله أيضا :
بأيّ أرض شئت أو بلدة
لم تر فيها لهم مأتما
حين تولّى منهم هارب
لم ير إلاّ طالبا هاضما
* * *
وله أيضا :
سنّوا القتال عليهم والغصب
والتشريد والعدوانا
حتى استحل حريمهم ودماؤهم
فكأنّما كانت لهم قربانا
وتغلغلوا في قتلهم حتى بنوا
جهرا على أحيائهم بنيانا
* * *
وله أيضا :
يا دهر ما أنصفت آل محمد
في سالف من أمرهم وقريب
في كلّ يوم لا تزال تخصّهم
بمصائب ونوائب وخطوب
لم تخلهم من محنة وفجيعة
ما بين مهتضم وفقد حبيب
ما بين مقتول ومأسور جرى
عمدا إلى من سمّ في مشروب
ومجدّل ظام ومنكوس على
أعواد جذع بالكناس صليب
ولقد وقفت بكربلاء فهيّجت
تلك المواقف لوعتي وكروبي
* * *
وله أيضا :
على من أبكي من بنى بنت أحمد
على من سقي كأس المنيّة في السم
ص: 176
أم المفرد العطشان في طفّ كربلا
تسقّى المنايا بالمهندة الخذم(1)
وأصحابه صرعى على الترب ما لهممن الخلق زوّار سوى الطلس والعصم(2)
* * *
وله أيضا :
يا آل بيت محمد حزني لكم
قد قلّ عنه تصبّري وتجلّدي
ما للنوائب أنشبت أنيابها
فيكم فبين مهضّم ومشرّد
من كلّ ناحية عليكم نائح
ينعاكم في مأتم متجدّد
من ذا أنوح له ومن أبكي ترى
تبعاتكم يا آل بيت محمد
أعلى قتيل الملجمي وقد ثوى
متخضّبا بدمائه في المسجد
أم للذي في السمّ أسقي عامدا
أم للغريب النازح المتفرّد
أم للعطاش مجدّلين على الثرى
من بين كهل سيد ومسود
أم للرؤوس السائرات على القنا
مثل البدور إذا سرت في الأسعد
أم للسبايا من بنات محمد
تسبى مهتّكة كسبي الأعبد
ألذاك أبكي أم لمصلوب على
أعواده وسط الكناس مجرد
أبكي لمنبوش ومصلوب ومحروق
مذرّى في الرياح مبدّد
* * *
ص: 177
ص: 178
ص: 179
ص: 180
لقد عمي من قال : إنّ قوله تعالى « وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ » أراد به نفسه ، لأنّ من المحال أن يدعو الإنسان نفسه ، فالمراد به من يجري مجرى « أنفسنا » ، ولو لم يرد عليا عليه السلام ، وقد حمله مع نفسه لكان للكفّار أن يقولوا : حملت من لم تشترط ، وخالفت شرطك ، وإنّما يكون للكلام معنى أن يريد به مجرى أنفسنا .
وأمّا شبهة الواحدي في الوسيط - إنّ أحمد بن حنبل قال : أراد بالأنفس ابن العمّ ، والعرب تخبر من بني العمّ بأنّه نفس ابن عمّه ، وقال اللّه تعالى « وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ » أراد إخوانكم من المؤمنين - ضعيفة ، لأنّه لا يحمل على المجاز إلاّ لضرورة .
وإن سلّمنا ذلك ، فإنّه كان للنبي صلى الله عليه و آله بنو الأعمام فما اختار منهم إلاّ عليا عليه السلام لخصوصية فيه دون غيره، وقد كان أصحاب العباء نفس واحدة، وقد بيّن بكلمات أُخر(1) .
قال ابن سيرين : قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام : أنت منّي وأنا منك(2) .
ص: 181
فضائل السمعاني ، وتاريخ الخطيب ، وفردوس الديلمي ، عن البراء وابن عباس ، واللّفظ لابن عباس : علي منّي مثل رأسي من بدني(1) .
وقوله صلى الله عليه و آله : أنت منّي كروحي من جسدي(2) .
وقال صلى الله عليه و آله : أنت منّي كالضوء من الضوء (3).
* * *
قال ابن حماد :
من الذي قال النبي له
أنت منّي مثل روحي في البدن
* * *
وقال ديك الجن :
عضو النبي المصطفى وروحه
وشمّه وذوقه وريحه
* * *
وقوله صلى الله عليه و آله : أنت زرّي من قميصي(4) .
قال ابن حماد :
وسمّاه ربّ العرش في الذكر نفسه
فحسبك هذا القول إن كنت ذا خبر
ص: 182
وقال لهم هذا وصيي ووارثي
ومن شدّ ربّ العالمين به أزري
علي كزرّي من قميصي إشارة
بأن ليس يستغني القميص عن الزرّ
* * *
وسئل النبي صلى الله عليه و آله عن بعض أصحابه ، فذكر فيه ، فقال له قائل : فعلي عليه السلام ؟ فقال : إنّما سألتني عن الناس ، ولم تسألني عن نفسي(1) .
وفيه حديث بريدة ، وحديث براءة ، وحديث جبرئيل : وأنا منكما(2) .
قال الحماني :
وأنزله منه النبي كنفسه
رواية أبرار تأدّت إلى بر
فمن نفسه فيكم كنفس محمد
ألا بأبي نفس المطهّر والطهر
* * *
وقال العوني :
وألحقه يوم البهال بنفسه
بأمر أتى من رافع السموات
فمن نفسه منكم كنفس محمد
بني الإفك والبهتان والفجرات
* * *
وقال ابن حماد :
وقال ما قد رويتم ثم ألحقه
بنفسه عند تأليف يؤلّفه
ونفس سيّدنا أولى النفوس بنا
حقّا على باطل النصّاب يقذفه
* * *
ص: 183
وله أيضا :
اللّه سمّاه نفس أحمد في
القرآن يوم البهال إذ ندبا
فكيف شبهه بطائفة
شبهها ذو المعارج الخشبا
* * *
وقال السوسي :
من نفسه من نفسه وجنسه من جنسه
وعرسه من عرسه فهل له معادل
* * *
البخاري : قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام :
أنت منّي وأنا منك(1) .
فردوس الديلمي عن عمران بن الحصين قال النبي صلى الله عليه و آله : علي منّي وأنا منه ، وهو ولي كلّ مؤمن بعدي(2) .
وقد روى نحوه عن ابن ميمون عن ابن عباس(3) .
ص: 184
عبد اللّه بن شداد : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لوفد : لتقيمنّ الصلاة وتؤتنّ
الزكاة ، أو لأبعثنّ عليكم رجل كنفسي(1) .
أبان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولايته ، وأنّه وليّ الأمّة من بعده .
كتاب الحدائق بالإسناد عن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه و آله إذا أراد أن يشهر عليا عليه السلام في موطن أو مشهد علا على راحلته ، وأمر الناس أن ينخفضوا دونه(2) .
وفي شرف المصطفى : إنّه كان للنبي صلى الله عليه و آله عمامة يعتمّ بها يقال لها « السحاب » ، وكان يلبسها ، فكساها بعد علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فكان ربما اطلع علي عليه السلام فيها ، فيقول : أتاكم علي في السحاب(3) .
الباقر عليه السلام : خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم وهو راكب ، وخرج علي وهو
يمشي ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : إمّا أن تركب ، وإمّا تنصرف ، ثم ذكر مناقبه(4) .
أبو رافع : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان إذا جلس ، ثم أراد أن يقوم لا يأخذ بيده غير علي عليه السلام ، وإنّ أصحاب النبي صلى الله عليه و آله كانوا يعرفون ذلك له ، فلا يأخذ بيد رسول اللّه صلى الله عليه و آله غيره(5) .
ص: 185
الجماني في حديثه : كان النبي صلى الله عليه و آله إذا جلس إتكأ على علي(1) عليه السلام .
سرّ الأدب عن أبي منصور الثعالبي : إنّه عوّذ عليا عليه السلام حين ركب ، وصفن(2) ثيابه في سرجه(3) .
وروي : أنّه سافر صلى الله عليه و آله ومعه علي عليه السلام وعائشة ، فكان النبي صلى الله عليه و آله ينام بينهما في لحاف(4) .
ص: 186
حلية الأولياء ومسند أبي يعلى وعبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي عليه السلام
قال : أتانا رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى وضع رجله بيني وبين فاطمة(1) عليهاالسلام .
أنساب الأشراف : قال رجل لابن عمر : حدّثني عن علي بن أبي طالب ، قال : تريد أن تعلم ما كانت منزلته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فانظر إلى بيته من بيوت رسول اللّه (2) صلى الله عليه و آله .
البخاري وأبو بكر بن مردويه : قال ابن عمر : هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي(3) صلى الله عليه و آله .
خصائص النطنزي : قال ابن عمر : سأل رجل عمر بن الخطاب عن علي عليه السلام ، فقال : هذا منزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهذا منزل علي بن أبي طالب(4) ، وهذا المنزل فيه صاحبه(5) .
وكان النبي صلى الله عليه و آله إذا عطس قال علي عليه السلام : رفع اللّه ذكرك يا رسول اللّه .
ص: 187
فقال النبي صلى الله عليه و آله : أعلى اللّه كعبك يا علي(1) .
وكان النبي صلى الله عليه و آله إذا غضب لم يجز أحد أن يكلّمه غير علي(2) عليه السلام .
وأتاه يوما فوجده نائما فما أيقظه .
قال خطيب منبج :
وزار البرّة الزهراء يوما
رسول اللّه خير الزائرينا
فجاءت توقظ الهادي عليا
وكان موسّدا في النائمينا
فقال لها دعيه ولا تريدي
له الإيقاظ فيمن توقظينا
* * *
لا شك أنّ النبي صلى الله عليه و آله كان أكبر سنا ، وأكثر جاها من علي عليه السلام ، فلمّا كان يحترمه هذا الاحترام إمّا أنّه كان من اللّه - تعالى - أو من قبل نفسه ، وعلى الحالين جميعا أظهر للناس درجته عند اللّه - تعالى - ، ومنزلته عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ص: 188
ومن تحنّنه ، ما جاء في أمالي الطوسي عن ابن مسعود قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وكفّه في كفّ علي عليه السلام ، وهو يقبّلها .
فقلت : ما منزلة علي منك ؟
وحدّثني أبو العلاء الهمداني بإسناده إلى عائشة قالت : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله التزم عليا وقبّله ، ويقول : بأبي الوحيد الشهيد ، بأبي الوحيد الشهيد .
وقد ذكره أبو يعلى الموصلي في المسند عن ابن مينا عن أبيه عن عائشة(3) .
ص: 189
أبو بصير في حديثه عن الصادق عليه السلام : أنّه أخذ يمسح العرق عن وجه علي عليه السلام ، ويمسح به وجهه(1) .
أبو العلاء العطار بإسناده إلى عبد خير عن علي عليه السلام قال : أهدي إلى النبي صلى الله عليه و آله قنو موز ، فجعل يقشّر الموزة ويجعلها في فمي .
فقال له قائل : إنّك تحبّ عليا ! قال : أو ما علمت أنّ عليا منّي وأنا منه(2) .
* * *
قال الحميري :
أنت ابن عمّي الذي قد كان بعد أبي
إذ غاب عنّي أبي لي حاضنا وأبا
ما إن عرفت سوى عمّي أبيك أبا
ولا سواك أخا طفلاً ولا شيبا
كم فرّجت يدك اليمنى بذي شطب
في مارق خارج عن وجهي الكربا
وهؤلاء أهل شرك لا خلاق لهم
من مات كان لنار أوقدت حطبا
ص: 190
تاريخ الخطيب : فقد رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد إنصرافه من بدر ، فنادت الرفاق بعضهم بعضا : أفيكم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ حتى جاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومعه علي عليه السلام .
فقالوا : يا رسول اللّه ، فقدناك ! فقال : إنّ أبا الحسن وجد مغصا في بطنه ، فتخلّفت معه عليه(1) .
وروي أنّه جرح رأسه عمرو بن ودّ يوم الخندق ، فجاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فشدّه ونفث فيه فبرأ ، وقال : أين أكون إذا خضب هذه من هذه .
وكان علي عليه السلام ينام مع النبي صلى الله عليه و آله في سفره ، فأسهرته الحمّى ليلة أخذته ، فسهر النبي صلى الله عليه و آله لسهر علي عليه السلام ، فبات ليلته بينه وبين مصلاّه يصلّي ، ثم يأتيه ، فيسأله وينظر إليه ، حتى أصبح بأصحابه الغداة ، فقال : اللّهم اشف عليا وعافه ، فإنّه أسهرني الليلة ممّا به .
وفي رواية : قم يا علي فقد برئت .
وقال صلى الله عليه و آله : ما سألت ربّي شيئا إلاّ أعطانيه ، وما سألت شيئا إلاّ سألته لك(2) .
* * *
ص: 191
قال الحميري :
من ليلة بات موعوكا أبا حسن
فيها يكابد من حمى ومن ألم
إذ قال من بعدما صلّى النبي له
أبشر فقد الت من وعك ومن سقم
وما سألت لنفسي قيد أنملة
من فضل علم ولا حلم ولا فهم
إلاّ سألت لكم مثل الذي ظفرت
كفّي به ذا لذي الآلاء والكرم
* * *
أبو الزبير عن أنس قال : كنت أمشي خلف حمار رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهو يكلّم الحمار ، والحمار يكلّمه ، وهو يريد الغابة والغيطة(1) .
فلمّا دنى منهما قال : اللّهم أرني إياه ، اللّهم أرني إياه ، وقال في الرابعة : اللّهم أرني وجهه ، فإذا علي عليه السلام قد خرج من بين النخل ، فانكب على النبي صلى الله عليه و آله ، وانكب رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقبّله . . الخبر .
وكان النبي صلى الله عليه و آله إذا لم يلق عليا عليه السلام يقول : أين حبيب اللّه وحبيب رسوله ؟ .
* * *
قال العوني :
إمامي حبيب المصطفى بعل فاطمه
فناهيك بعلاً بالجليلة والبعل
ص: 192
وقال غيره :
حبيب رسول اللّه ثم ابن عمّه
وزوجته الزهراء من أطهر الطهر
* * *
فضائل أحمد : جابر الأنصاري : كنّا مع النبي صلى الله عليه و آله عند امرأة من الأنصار ، فصنعت له طعاما ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : يدخل عليكم رجل من أهل الجنّة .
فرأيت النبي صلى الله عليه و آله يدخل رأسه تحت الوادي ويقول : اللّهم إن شئت فحولّه عليا ، فدخل علي عليه السلام ، فهنئه(1) .
جامع الترمذي ، وإبانة العكبري ، ومسند أحمد وفضائله ، وكتاب ابن مردويه : عن أم عطية وأبي هريرة وعبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه :
إنّ النبي صلى الله عليه و آله بعث عليا عليه السلام في سريّة ، قال : فرأيته رافعا يديه يقول : اللّهم لا تمتني حتى تريني عليا(2) .
ص: 193
الأربعين عن الخطيب : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال يوم الخندق : اللّهم إنّك أخذت منّي عبيدة بن الحارث يوم بدر ، وحمزة بن عبد المطلب يوم أحد ، وهذا علي ، فلا تدعني فردا « وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ »(1) .
* * *
قال خطيب منبج :
وكان إذا مضى يوما علي
لحرب عداته المتظافرينا
يقول لربّه لا قول سخط
ولكن قولة المتضرّعينا
أخذت عبيدة منّي ببدر
فآلم أخذه قلبي الحزينا
وفي أحد لحمزة قد أصابت
طوائلها أكفّ الطالبينا
وجعفر يوم مؤتة قد سقته
كؤوس الموت أيدي الكافرينا
وقد أبقيت لي منهم عليا
يكايد دوني الحرب الزبونا(2)
إلهي لا تذرني منه فرداوأنت اليوم خير الوارثينا
فلا تقدم عليّ الموت حتىأراه قد أتى في القادمينا
* * *
ص: 194
وقال الحيص بيص :
قوم إذا أخذ المديح قصائدا
أخذوه عن طه وعن ياسين
وإذا انطوى أرق الأضالع وفّروا
ميسور زادهم على المسكين
وإذا عصى أمر الموالي خادم
نفذت أوامرهم على جبرين
وإذا تفاخرت الرجال بسيّد
فخروا بأنزع في العلوم بطين
ملقي عمود الشرك بعد قيامه
ومبين دين اللّه بعد كمون
والمستغاث إذا تصافحت القنا
وغدت صفون الخيل غير صفون(1)
ما أشكلت يوم الجدال قضيةإلاّ وبدّل شكّها بيقين
مستودع السرّ الخفي وموضعالحقّ الجلي وفتنة المفتون
* * *
ص: 195
ومن إنشائه الأسرار عليه ، ما روى ابن شيرويه في الفردوس قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه و آله : صاحب سرّي علي بن أبي طالب(1) .
الترمذي في الجامع ، وأبو يعلى في المسند ، وأبو بكر بن مهدويه في الأمالي ، والخطيب في الأربعين ، والسمعاني في الفضائل ، مسندا إلى جابر قال :
ناجى النبي صلى الله عليه و آله في يوم الطائف عليا عليه السلام ، فأطال نجواه ، فقال أحد الرجلين للآخر : لقد أطال نجواه مع ابن عمّه .
وفي رواية الترمذي : فقال الناس : لقد أطال نجواه ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و آله .
وفي رواية غيره : أنّ رجلاً قال : أتناجيه دوننا ! فقال النبي صلى الله عليه و آله : ما انتجيته ، ولكن اللّه إنتجاه .
ثم قال الترمذي : أي أمر ربّي [ أن ] انتجي معه(2) .
ص: 196
قال العبدي :
وكان بالطائف إنتجاه
فقال أصحابه الحضور
أطلت نجواك مع علي
فقال ما ليس فيه زور
ما أنا ناجيته ولكن
ناجاه ذو العزّة الخبير
* * *
وقال الحميري :
وفي يوم ناجاه النبي محمد
يسرّ إليه ما يريد ويطلع
فقالوا أطال اليوم نجوى ابن عمّه
مناجاته بغي وللبغي مصرع
فقال لهم لست الغداة انتجيته
بل اللّه ناجاه فلم يتورّعوا
* * *
وله أيضا :
ويوم الثنية يوم الوداع
وأزمع نحو تبوك المضيّا
نجّي يودّعه خاليا
وقد أوقف المسلمون المطيّا
فظنّ أولوا الشكّ أهل النفاق
ظنونا وقالوا مقالاً فريّا
وقالوا يناجيه دون الأنام
بل اللّه أدناه منه نجيّا
على فم أحمد يوحى إليه
كلاما بليغا ووحيا خفيّا
فكان به دون أصحابه
بما حثّ فيه عليه حفيّا
ص: 197
وله أيضا :
وكنت الخليفة دون الأنام
على أهله يوم يغزو تبوكا
غداة انتجاك وظلّ المطي
بأكوارهم إذ هم قد رأوكا
يراك نجيّا له المسلمون
وكان الإله الذي ينتجيكا
على فم أحمد يوحى إليك
وأهل الضغائن مستشرفوكا
* * *
وقال غيره :
واذكر غداة خلا به في معرك
لمّا أراد إلى تبوك مضيّا
يرضيه حين بدا له استخلافه
قولاً يسرّ إلى أخيه خفيّا
والمسلمون ومن تأبّش(1) منهم
دون الثنية واقفون مطيّا
من قبلهم لقد انتجاه لحادثبل كان قرّبه الإله نجيّا
* * *
الكليني عن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله في خطبة الوداع :
سمّوني أُذنا ، وزعموا أنّه لكثرة ملازمته إياي ، وإقبالي عليه ، وقبوله منّي ، حتى أنزل اللّه - تعالى - « وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ »(2) .
ص: 198
ودخل أميرالمؤمنين عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجلس عند يمينه ، فتناجى عند ذلك إثنان ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : لا يتناجى إثنان دون الثالث ، فانّ ذلك يؤذي المؤمن(1) ، فنزل « إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالإِثْمِ
وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ » الآية ، وقوله تعالى « إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا » الآية .
ص: 199
وأمره صلى الله عليه و آله أن لا يفارقه عند وفاته ، ذكره الدارقطني في الصحيح والسمعاني في الفضائل : إنّ النبي صلى الله عليه و آله لم يزل يحتضنه حتى قبض ، يعني عليا عليه السلام(1) .
الأعمش عن أبي سلمة الهمداني وسلمان قالا : قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آلهفي حجر علي(2) عليه السلام .
أبو بكر بن عياش ، وابن الحجاف ، وعثمان بن سعيد ، كلّهم عن جميع بن عمير عن عائشة أنّها قالت : سالت نفس رسول اللّه صلى الله عليه و آله في كفّ علي عليه السلام فردّها إلى فيه(3) .
قال الحميري :
وسالت نفس أحمد في يده
فالزمها المحيّا والجبينا
* * *
ص: 200
وعن المغيرة عن أم موسى عن أم سلمة قالت : والذي أحلف به ، كان علي عليه السلام لأقرب الناس عهدا برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثم ذكرت بعد كلام قالت : فانكب عليه علي عليه السلام ، فجعل يسّاره ويناجيه(1) .
ومن ذلك أنّه قسم له النبي صلى الله عليه و آله حنوطه الذي نزل به جبرئيل عليه السلام من السماء(2) .
قال الحميري :
إنّ جبريل أتى ليلاً إلى
طاهر من بعد ما كان هجع
بحنوط طيّب من جنّة
في صرار حلّ منه فسطع
فدعا أحمد من كان به
واثقا عند معضّات الجزع
ص: 201
أوثق الناس معا في نفسه
عند مكروه إذ الخطب وقع
قسم الصرّة أثلاثا فلم
يأل عن تسوية القسم الشرع
قال جزء لي وجزء لابنتي
ولك الثالث فاقبضها جمع
فإذا متّ فحنّطني بها
ثم حنّطها بهذا لا تدع
إنّها أسرع أهلي ميتة
ولحاقا بي فلا تكثر جزع
* * *
ص: 202
وكان من الثقّة به أنّه جعله لمصالح حرمه .
روى التاريخي في تاريخه ، والأصفهاني في حليته عن محمد بن الحنفية : إنّ الذي قذفت به مارية ، وهو خصي اسمه « مابور » ، وكان المقوقس أهداه مع الجاريتين إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فبعث النبي عليا عليه السلام ، وأمره بقتله .
فلمّا رأى عليا عليه السلام ، وما يريد به تكشّف حتى بيّن لعلي عليه السلام أنّه أجبّ لا شيء معه ممّا يكون مع الرجال ، فكفّ عنه(1) عليه السلام .
حلية الأولياء : محمد بن إسحاق بإسناده في خبر : أنّه كان ابن عمّ لها يزورها ، فأنفذ عليا عليه السلام ليقتله .
قال : فقلت : يا رسول اللّه ، أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسبكة المحماة ؟
وفي رواية : كالمسمار المحمى في الوبر ، ولا يثنيني شيء حتى أمضي لما أرسلتني به ، أو الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ؟ فقال : بل الشاهد قد يرى ما لا يرى الغائب .
ص: 203
فأقبلت متوشّحا السيف ، فوجدته عندها ، فاخترطت السيف ، فلمّا أقبلت نحوه عرف أنّي أريده ، فأتى نخلة فرقى فيها ، ثم رمى بنفسه على قفاه ، وشغر برجليه ، فإذا هو أجبّ أمسح ما له ممّا للرجل ، قليل ولا كثير ، فأغمدت سيفي ، ثم أتيت إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فأخبرته ، فقال : الحمد للّه الذي يصرف عنّا أهل البيت الإمتحان(1) .
عن ابن بابويه عن الصادق عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام في آخر احتجاجه على أبي بكر بثلاث وعشرين خصلة : نشدتكم باللّه ، هل علمتم أنّ عائشة قالت لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ إبراهيم ليس منك ، وإنّه من فلان القبطي ! فقال : يا علي ، فاذهب فاقتله ، فقلت : يا رسول اللّه ، إذا بعثتني أكون كالمسمار المحمى في الوبر لما أمرتني(2) . . المعنى سواء .
تاريخ الطبري : لمّا كان من وقعة أحد ما قد كان بعث النبي صلى الله عليه و آله علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون ؟ وماذا يريدون ؟ في كلام له .
قال علي عليه السلام : فخرجت في آثار القوم انظر ما يصنعون ، فلمّا اجنبوا الخيل وامتطوا الإبل ، وتوجهوا إلى مكة ، أقبلت أصيح ، يعني بانصرافهم(1) .
المفسرون في قوله تعالى : « وَمِنْ شَرِّ النَّفّاثاتِ فِي الْعُقَدِ » أنّه لمّا سحر النبي صلى الله عليه و آله لبيد بن أعصم اليهودي في بئر دوران ، مرض النبي صلى الله عليه و آله ، فجاء إليه ملكان ، فأخبراه بالرمز .
فأنفذ صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام والزبير وعمار ، فنزحوا ماء تلك البئر كأنّه نقاعة الحناء ، ثم رفعوا الصخرة ، وأخرجوا الخفّ ، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان مشطه ، وإذا وتر معقود فيه أحد عشر عقدة مغروزة ، فحلّها علي عليه السلام ، فبرأ النبي(2) صلى الله عليه و آله .
إن صحّ هذا الخبر ، فليتأوّل ، وإلاّ فليطرح(3) .
ومن ذلك ما دعا له صلى الله عليه و آله في مواضع كثيرة ، منها : يوم الغدير ، قوله : اللّهم وال من والاه . . . الخبر .
ص: 205
ودعا له يوم خيبر : اللّهم قه الحرّ والبرد .
ودعا له يوم المباهلة : اللّهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي ، فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
ودعا له لمّا مرض : اللّهم عافه واشفه ، وغير ذلك .
ودعاؤه له بالنصر والولاية لا يجوز إلاّ لوليّ الأمر ، فبانت بذلك إمامته .
وكان عليه السلام يكتب الوحي والعهد ، وكاتب الملك أخصّ إليه ، لأنّه قلبه ولسانه ويده ، فلذلك أمره النبي صلى الله عليه و آله بجمع القرآن بعده ، وكتب له الأسرار ، وكتب يوم الحديبية بالاتفاق .
وقال أبو رافع : إنّ عليا عليه السلام كان كاتب النبي صلى الله عليه و آله إلى من عاهد ووادع ، وإنّ صحيفة أهل نجران كان هو كاتبها ، وعهود النبي صلى الله عليه و آله لا توجد قطّ إلاّ بخطّ علي عليه السلام .
ومن ذلك ما رواه أبو رافع : إنّ عليا عليه السلام كانت له من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ساعة من الليل بعد العتمة لم تكن لأحد غيره .
ص: 206
تاريخ البلاذري : أنّه كانت لعلي عليه السلام دخلة لم تكن لأحد من الناس(1) .
مسند الموصلي عبد اللّه بن يحيى عن علي عليه السلام : قال كانت لي من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ساعة من السحر آتيه فيها ، فكنت إذا أتيت استأذنت ، فإن وجدته يصلّي سبح قلت : أدخل(2) .
مسند أحمد ، وسنن ابن ماجة ، وكتاب أبي بكر بن عياش بأسانيدهم عن عبد اللّه بن يحيى الحضرمي عن علي عليه السلام قال :
كان لي من رسول اللّه صلى الله عليه و آله مدخلان ، مدخل بالليل ، ومدخل بالنهار ، وكنت إذا دخلت عليه وهو يصلّي تنحنح لي(3) .
وقال عبد المؤمن الأنصاري : سألت أنس بن مالك : من كان آثر الناس عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : ما رأيت أحدا بمنزلة علي بن أبي طالب عليه السلام ، إن كان يبعث إليه في جوف الليل يستخلى به حتى يصبح هذا عنده إلى أن فارق الدنيا(4) .
قال الحميري :
وكان له من أحمد كلّ شارق
قبل طلوع الشمس أو حين تنجم
إذا ما بدت مثل الصلابة دخلة
يقوم فيأتي بابه فيسلّم
ص: 207
يقول إذا جاء السلام عليكم
ورحمة ربّي إنّه مترحّم
فيبلغ بترحيب ويجلس ساعة
ويؤتى بفضل من طعام فيطعم
ويدعو بسبطيه حنانا ورقّة
فيدنيهما منه قريبا ويكرم
يضمّهما ضمّ الحبيب حبيبه
إلى صدره ضمّا وشمّا فيلثم
* * *
ومن ذلك أنّه قال صلى الله عليه و آله : لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي ، أنا أبو القاسم ، اللّه يعطي ، وأنا أقسم .
وفي خبر : سمّوا باسمي ، وكنّوا بكنيتي ، ولا تجمعوا بينهما ، ثم إنّه رخّص في ذلك لعلي عليه السلام ولابنه(1) .
الثعلبي في تفسيره ، والسمعاني في رسالته ، وابن البيع في أصول الحديث ، وأبو السعادات في فضائل العشرة ، والخطيب والبلاذري في تاريخهما ، والنطنزي في الخصائص بأسانيدهم عن علي عليه السلام قال :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إن ولد لك غلام نحلته اسمي وكنيتي(2) .
ص: 208
وفي رواية السمعاني وأحمد : فسمّه باسمي ، وكنّه بكنيتي(1) ، وهو له رخصة دون الناس(2) .
ولمّا ولد محمد بن الحنفية ، قال طلحة : قد جمع علي عليه السلام لولده بين اسم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وكنيته ، فجاء علي عليه السلام بمن يشهد له أنّ رسول اللّه
صلى الله عليه و آله رخّص لعلي عليه السلام وحده في ذلك ، وحرّمهما على أمّته من بعده .
وكذلك رخّص في ذلك للمهدي عليه السلام ، لما اشتهر قوله صلى الله عليه و آله : لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي(3) .
قال الصاحب :
أما عرفتم سمّو منزله
أما عرفتم علو مثواه
أما رأيتم محمدا حدبا
عليه قد حاطه وربّاه
واختصّه يافعا وآثره
واعتامه(4) مخلصا وآخاه
زوّجه بضعة النبوة إذرآه خير امرئ واتقاه
* * *
ص: 209
ثم إنّه كان ذخيرة النبي صلى الله عليه و آله للمهمّات .
قال أنس : بعث النبي صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام إلى قوم عصوه ، فقتل القاتل ، وسبى الذريّة وانصرف بها .
فبلغ النبي صلى الله عليه و آله قدومه ، فتلقّاه خارجا من المدينة ، فلمّا لقيه اعتنقه وقبّل بين عينيه ، وقال : بأبي وأمّي من شدّ اللّه به عضدي ، كما شدّ عضد موسى بهارون عليهماالسلام(1) .
وفي حديث جابر أنّه قال لوفد هوازن :
أما - والذي نفسي بيده - ليقيمنّ الصلاة وليؤتنّ الزكاة ، أو لأبعثنّ إليهم رجلاً ، وهو منّي كنفسي ، فليضربنّ أعناق مقاتليهم ، وليسبينّ ذراريهم ، هو هذا ، وأخذ بيد علي عليه السلام .
فلمّا أقرّوا بما شرط عليهم ، قال : ما استعصى عليّ أهل مملكة ولا أمّة إلاّ رميتهم بسهم اللّه علي بن أبي طالب ، ما بعثته في سريّة إلاّ رأيت جبرئيل عليه السلام عن يمينه ، وميكائيل عليه السلام عن يساره ، وملكا أمامه ، وسحابة
تظلّه حتى يعطي اللّه حبيبي النصر والظفر(2) .
ص: 210
وروى الخطيب في الأربعين نحوا من ذلك عن مصعب بن عبد الرحمن : أنّه قال النبي صلى الله عليه و آله لوفد ثقيف(1) . . الخبر .
وفي رواية : أنّه قال مثل ذلك لبني وليعة(2) .
ثم إنّه عليه السلام كان عيبة سرّه .
روى الموفّق المكّي في كتابه في خبر طويل عن أم سلمة : أنّه دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهو مخلّل أصابعه في أصابع علي عليه السلام ، فقال : يا أم سلمة ، أخرجي من البيت واخليه ، فخرجت ، وأقبلا يتناجيان بكلام لا أدري ما هو .
فأقبلت ثلاث مرات ، فأستأذن أن ألج ، والنبي صلى الله عليه و آله يأبى ، وأذن في الرابعة ، وعلي عليه السلام واضع يديه على ركبتي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قد أدنى فاه من أذن النبي صلى الله عليه و آله ، وفم النبي صلى الله عليه و آله على أذن علي عليه السلام يتسارّان ، وعلي يقول : أفأمضي وأفعل ؟
والنبي صلى الله عليه و آله يقول : نعم .
فقال النبي صلى الله عليه و آله : يا أم سلمة ، لا تلوميني ، فإنّ جبرئيل أتاني من اللّه يأمر أن أوصي به عليا عليه السلام من بعدي ، وكنت بين جبرئيل وعلي ،
ص: 211
وجبرئيل عن يميني ، فأمرني جبرئيل أن آمر عليا بما هو كائن إلى يوم القيامة(1) . . الخبر .
ومن ذلك : إنّ النبي صلى الله عليه و آله أعطاه درعه ، وجميع سلاحه ، وبغلته ، وسيفه ، وقضيبه ، وبرده ، وغير ذلك .
ص: 212
ص: 213
ص: 214
ص: 215
ص: 216
أحمد بن يحيى الأزدي عن إبراهيم النخعي أنّه قال : لمّا أُسري برسول اللّه صلى الله عليه و آله هتف به هاتف في السماوات :
يا محمد ، إنّ اللّه - عزّ وجلّ - يقرأ عليك السلام ويقول لك : إقرأ على علي بن أبي طالب منّي السلام(1) .
قال ابن حماد :
واهبط بالسلام إليك لطفا
إله الخلق جبريلاً أمينا
* * *
قنبر : كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام على شاطيء الفرات ، فنزع قميصه ودخل الماء ، فجاءت موجة فأخذت القميص ، فخرج أمير المؤمنين عليه السلام ، فلم يجد القميص ، فاغتم بذلك غمّا شديدا ، وإذا بهاتف يهتف : يا أبا الحسن ، انظر عن يمينك وخذ ما ترى ، فإذا مئزر عن يمينه ، وفيه قميص مطوي ، فأخذه ولبسه ، فسقط عن جنبه رقعة فيها مكتوب : هدية من
ص: 217
اللّه العزيز الحكيم إلى علي بن أبي طالب ، وهذا قميص هارون بن عمران « وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ »(1) .
وفي حديث الحسن بن ذكردان الفارسي : إنّ عليا عليه السلام مشى مع النبي صلى الله عليه و آله - وهو راكب - حتى وصل إلى غدير ماء ، فتوضيا وصلّيا .
قال علي عليه السلام : فبينما أنا ساجد وراكع ، إذ قال : يا علي ، ارفع رأسك انظر إلى هدية اللّه إليك ، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بنشز من الأرض ، وإذا عليها فرس بسرجه ولجامه ، فقال : هذا هدية اللّه إليك اركبه ، فركبته وسرت مع النبي(2) صلى الله عليه و آله .
أمالي أبي عبد اللّه النيسابوري : إنّه دخل الكاظم على الصادق عليهماالسلام ، والصادق على الباقر عليهماالسلام ، والباقر على زين العابدين عليهماالسلام ، وزين العابدين على الشهيد عليهماالسلام ، وكلّهم فرحون وقائلون : أنّه ناول النبي صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام تفاحة ، فسقط من يديه وصارت بنصفين ، فخرج في وسطه مكتوب فيه : من الطالب الغالب إلى علي بن أبي طالب(3) .
ص: 218
كتاب الخطيب الخوارزمي عن ابن عباس : إنّه هبط جبرئيل عليه السلام ومعه أترجة ، فقال : إنّ اللّه - تعالى - يقرئك السلام ويقول لك : هذه هدية علي بن أبي طالب ، فدعاه النبي صلى الله عليه و آله فدفعها .
فلمّا صارت في كفّه انفلقت الأترجة ، فإذا فيها حريرة خضراء نضرة ، مكتوب فيها سطران : هدية(1) من الطالب الغالب إلى علي بن أبي طالب(2) .
ويقال : كان ذلك لمّا قتل عمروا .
الأعمش عن أبي سفيان عن أبي أيوب الأنصاري قال : نزل النبي صلى الله عليه و آله داري ، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام من السماء بجام من فضّة ، فيه سلسلة من ذهب ، فيه ماء من الرحيق المختوم ، فناول النبي صلى الله عليه و آله فشرب ، ثم ناول عليا عليه السلام فشرب ، ثم ناول فاطمة عليهاالسلام فشربت ، ثم ناول الحسن عليه السلامفشرب ، ثم ناول الحسين عليه السلام فشرب .
ثم ناول الأول ، فانضمّ الكأس ، فأنزل اللّه تعالى : « لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ » ، « وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ »(3) .
ص: 219
ابن عباس قال : جاع النبي صلى الله عليه و آله جوعا شديدا ، فأخذ بأستارها وقال : يا ربّ محمد ، لا تجع محمدا أكثر ممّا أجعته ، فهبط جبرئيل عليه السلام ومعه لوزة ، فقال : إنّ اللّه - جلّ ذكره - يأمرك أن تفكّ عنها .
قال : فإذا في جوفها ورقة خضراء نضرة ، مكتوب عليها : محمد رسول اللّه ، أيّدته بعلي ، ارتضيت له عليا ، وارتضيته لعلي ، ما أنصف اللّه من نفسه من إتهمه في قضائه ، واستبطاه في رزقه(1) .
ثابت عن أنس : لمّا خرج النبي صلى الله عليه و آله إلى غزوة الطائف ، فبينما نحن [ نمشي وإذا ] بغمامة ، فأدخل يده تحتها ، فأخرج رمّانا ، فجعل يأكل ويطعم عليا عليه السلام ، ثم قال لقوم رمقوه بأبصارهم : هكذا يفعل كلّ نبي بوصيه(2) .
وفي رواية الباقر عليه السلام : إنّ النبي صلى الله عليه و آله مصّها ، ثم دفعها إلى علي عليه السلام ، فمصّها حتى لم يترك منها شيئا ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : إنّه لا يذوقها إلاّ نبي أو وصي نبي .
محمد بن أبي عمير ومحمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه و آله برمّانتين من الجنّة ، فأعطاهما إيّاه ، فأكل واحدة ، وكسر الأخرى ، وأعطى عليا عليه السلام نصفها فأكله .
ص: 220
ثم قال : الرمّانة التي أكلتها فهي النبوة ، ليس لك فيها شيء ، وأمّا الأخرى فهي العلم ، فأنت شريكي فيها(1) .
عيسى بن الصلت عن الصادق عليه السلام ، في خبر : فأتوا جبل ذباب ، فجلسوا عليه ، فرفع رسول اللّه صلى الله عليه و آله رأسه ، فإذا رمّانة مدلاة ، فتناولها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ففلقها ، فأكل وأطعم عليا عليه السلام منها ، ثم قال : يا أبا بكر ، هذه رمّانة من رمّان الجنّة ، لا يأكلها في الدنيا إلاّ نبي أو وصي نبي(2) .
أبان بن تغلب عن أبي الحمراء أنّه قال صلى الله عليه و آله : يا فلان ، ما أنا منعتك من هذه الرمّانة ، ولكن اللّه أتحفني بها ووصيّي ، وحرّمها على غير نبي أو وصي في دار الدنيا ، فسلّم لأمر ربّك تطعم في الآخرة إن قبلت وصدّقت ، وإن كذّبت وجحدت « فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ » ، إنّ عليا وشيعته « فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ » إلى قوله « وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ » بهذا .
وقد روينا من حديث الرمّان عند الخروج إلى العقيق ، فإنّ نزول المنديل من السماء فيه رمّان معجز ، ثم فقد الرمّان من كمّه عند مشاهدة الثاني معجز ثان ، ثم وجدانه بعد ذلك معجز ثالث(3) .
قال ابن حماد :
من أكل الطير الذي لم يستطع
خلق له جحدا ولا كتمانا
ص: 221
من أكل القطف(1) الجنيّ على حرى
واليه أهدى ربّه رمّانا
من ذا له يوم الغدير فضيلةإذ لا نطيق لفضله جحدانا
* * *
أم فروة : كانت ليلتي من أمير المؤمنين عليه السلام ، فرأيته يلقط من الحجرة حبّ طعام ، من طعام قد نثر ، ويقول : يا آل علي قد سبقتم .
أبو محمد الفحّام بالإسناد عن محمد بن جرير بإسناد له عن أنس ، وابن خشيش التميمي بالإسناد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ، واللّفظ له :
إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ركب يوما إلى جبل كداء ، فقال : يا أنس ، خذ البغلة وانطلق إلى موضع كذا تجد عليا جالسا يسبّح بالحصى ، فاقرأه منّي السلام ، واحمله على البغلة ، وائت به إليّ .
فقال : فلمّا ذهبت وجدت عليا عليه السلام كذلك ، فقلت : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله
يدعوك ، فلمّا أتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال له : اجلس ، فإنّ هذا موضع قد جلس فيه سبعون نبيا مرسلاً ، ما جلس فيه من الأنبياء أحد إلاّ وأنا خير
ص: 222
منه ، وقد جلس مع كلّ نبي أخ له ، ما جلس من الإخوة أحد إلاّ وأنت خير منه .
قال : فرأيت غمامة بيضاء ، وقد أظلّتهما ، فجعلا يأكلان منه عنقود عنب ، وقال : كل - يا أخي - فهذه هدية من اللّه إليّ ثم إليك ، ثم شربا ، ثم ارتفعت الغمامة .
ثم قال صلى الله عليه و آله : يا أنس ، والذي خلق ما يشاء ، لقد أكل من الغمامة ثلاثمائة وثلاثة عشر نبيّا ، وثلاثمائة وثلاثة عشر وصيّا ، ما فيهم نبي أكرم على اللّه منّي ، ولا وصي أكرم على اللّه من علي عليه السلام(1) .
قال العبدي ، وروي عن ابن حماد :
حدّثنا الشيخ الثقه
محمد عن صدقه
رواية متّسقه
عن أنس عن النبي
رأيته على حرى
مع النبي ذي النهى
يقطف قطفا في الهوى
شيئا كمثل العنب
فأكلا منه معا
حتى إذا ما شبعا
رأيته مرتفعا
فطال منه عجبي
كان طعام الجنّة
أنزله ذو المنة(2)
هديّة للصفوةمن الهدايا النخب
* * *
ص: 223
وقال الناشي :
وأكله قطف العنب
مع النبي المنتجب
من السماء المقترب
وهذه دلائل
* * *
الرضا عليه السلام : قال النبي صلى الله عليه و آله : أدخلت الجنّة ، وناولني جبرئيل عليه السلام سفرجلة ، فانفلقت ، فخرجت منها جارية ، فقلت : من أنت ؟ فقالت : أنا الراضية المرضية ، خلقني اللّه لأخيك ولابن عمّك علي بن أبي طالب(1) .
قال الوراق :
علي الذي أهدى السفرجل ربّه
إليه فألفاه تحية منعم
علي لدى الأستار حيّاه ذو العلى
بكاغذة في لوزة لم توسم
* * *
وقد تقدّم حديث اشتراء الحبّ من جبرئيل عليه السلام .
ص: 224
قال الحميري :
ابتاع من جبريل حبّا قد زكى
في جنّة لم تحرم الأنهارا
جبريل بايعه وأحمد ضيفه
خير الأنام مركبا ونجارا
* * *
وله أيضا :
فأبصر دينارا طريحا فلم يزل
مشيرا به كفّا ينادى ويسمع
فمال به والليل يغشى سواده
وقد همّ أهل السوق أن يتصدّعوا
إلى بيّع سمح اليدين مبارك
توسّم فيه الخير والخير يتبع
فقال له بعني طعاما فباعه
فقال لك الدينار والحبّ أجمع
فلا ذلك الدينار أحمي تبره
ولا الحبّ ما كان في الأرض يزرع
فبايعه جبريل والضيف أحمد
فثمّ تناهى الخير والبرّ أجمع
* * *
وله أيضا :
وبايع جبريل
ونعم البيّع المشتر
بدينار من الحبّ
فلم يندم ولم يخسر
ص: 225
وقال الناشي :
وبايع الحنطة جبريل الذي
من حنطة الفردوس بالحبّ هبط
لم تلمس الدينار كفّ طابع
ولا اجتنى الحنطة دفّاع النبط
دينارك اللّه تولّى نقشه
كذلك الحنطة من خير الحنط
* * *
وقال ابن حماد :
ولكم من تحفة أتحفه
ربّه تعلو جميع التحف
كم له في الطور والنجم وهل
أتى من وصف له والزخرف
* * *
وقال السيد الحميري :
كانت ملائكة الرحمن دائبة
يهبطن نحوك بالألطاف والتحف
والقطف والحبّ والدينار أهبطه
لطف من اللّه ذي الإحسان واللطف
* * *
ص: 226
ص: 227
ص: 228
حديث علي بن الجعد عن شعبة عن قتادة في تفسير قوله تعالى « وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ » الآية .
قال أنس : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لمّا كانت ليلة المعراج نظرت تحت العرش أمامي ، فإذا أنا بعلي بن أبي طالب قائما أمامي تحت العرش ، يسبّح اللّه ويقدّسه ، قلت : يا جبرئيل ، سبقني علي بن أبي طالب ؟ قال : لا ، لكنّي أخبرك ، اعلم - يا محمد صلى الله عليه و آله - إنّ اللّه - عزّ وجلّ - يكثر من الثناء والصلاة على علي بن أبي طالب فوق عرشه ، فاشتاق العرش إلى علي بن أبي طالب ، فخلق اللّه - تعالى - هذا الملك على صورة علي بن أبي طالب تحت عرشه ، لينظر إليه العرش فيسكن شوقه ، وجعل تسبيح هذا الملك وتقديسه وتمجيده ثوابا لشيعة أهل بيتك يا محمد(1) . . الخبر .
طاووس عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لمّا أسري بي إلى السماء ، وصرت أنا وجبرئيل إلى السماء السابعة ، قال جبرئيل : يا محمد ، هذا موضعي ، ثم زجّ بي في النور زجّة ، فإذا أنا بملك من ملائكة اللّه
ص: 229
- تعالى - في صورة علي عليه السلام ، - اسمه « علي » - ساجد تحت العرش يقول : اللّهم اغفر لعلي وذريّته ومحبّيه وأشياعه وأتباعه ، والعن مبغضيه وأعاديه وحسّاده « إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ »(1) .
مجاهد عن ابن عباس ، والحديث مختصر : لمّا عرج النبي صلى الله عليه و آله إلى السماء رأى ملكا على صورة علي عليه السلام ، حتى لا يفاوت منه شيئا ، فظنّه عليا عليه السلام ، فقال : يا أبا الحسن ، سبقتني إلى هذا المكان ؟ فقال جبرئيل عليه السلام : ليس هذا علي بن أبي طالب ، هذا ملك على صورته ، وإنّ الملائكة اشتاقوا إلى علي بن أبي طالب ، فسألوا ربّهم أن يكون من علي عليه السلام صورته فيرونه .
وفي حديث حذيفة : أنّه رآه في السماء الرابعة(2) .
قال الوراق القمّي :
علي الذي لمّا تشوّق في السما
إلى وجهه سكّانها شوق محرم
على خلقه ذو العرش صوّر ملكا
وقال لهم زوروا الوليّ المطهم(3)
* * *
وقال العبدي :
يا من شكت شوقه الأملاك إذ شغفت
بحبّه وهواه غاية الشغف
فصاغ شبهك ربّ العالمين فما
ينفكّ من زائر منها ومعتكف
ص: 230
وله أيضا :
لقد أعطيت ما لم يعط خلقا
هنيئا يا أمير المؤمنينا
إليك اشتاقت الأملاك حتى
تحنّت من تشوّقها حنينا
هناك برا لها الرحمن شخصا
كشبهك لا يغادره يقينا
* * *
وله أيضا :
صوّر اللّه لأملاك العلى
مثله أعظمه في الشرف
وهي ما بين مطيف زائر
ومقيم حوله معتكف
هكذا شاهده المبعوث في
ليلة المعراج فوق الرفرف
* * *
وقال العوني :
وفي خبر صحّت روايته لهم
عن المصطفى لا شكّ فيه فيستبرا
بأن قال لمّا أن عرجت إلى السماء
رأيت بها الأملاك ناظرة شزرا(1)
إلى نحو شخص حين بيني وبينهلعظم الذي عاينته منه لي خيرا
فقلت حبيبي جبرئيل من الذيتلاحظه الأملاك قال لك البشرى
فقلت وما من ذاك قال علي الرضاوما خصّه الرحمن من نعم فخرا
تشوّقت الأملاك إذ ذاك شخصهفصوّره الهادي على صور أخرى
فمال إلى نحو ابن عمّ ووارثعلى جذل منه بتحقيقه خبرا
* * *
ص: 231
الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى « وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ » قال : كان جبرئيل عليه السلام جالسا عند النبي صلى الله عليه و آله عن يمينه ، إذ أقبل أمير
المؤمنين عليه السلام ، فضحك جبرئيل ، فقال : يا محمد ، هذا علي بن أبي طالب قد أقبل ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا جبرئيل ، وأهل السماوات يعرفونه ؟
قال : يا محمد ، والذي بعثك بالحقّ نبيا ، إنّ أهل السماوات لأشدّ معرفة له من أهل الأرض ، ما كبّر تكبيرة في غزوة إلاّ كبّرنا معه ، ولا حمل حملة إلاّ حملنا معه ، ولا ضرب بسيف إلاّ ضربنا معه .
يا محمد ، إن اشتقت إلى وجه عيسى وعبادته ، وزهد يحيى وطاعته ، وميراث سليمان وسخاوته ، فانظر إلى وجه علي بن أبي طالب .
وأنزل اللّه تعالى : « وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً » يعني شبها لعلي بن أبي طالب ، وعلي بن أبي طالب شبها لعيسى بن مريم « إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ »يعني يضحكون ويعجبون .
تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس :
إنّه لمّا تمثّل إبليس لكفّار مكة يوم بدر على صورة سراقة بن مالك ، وكان سائق عسكرهم إلى قتال النبي صلى الله عليه و آله ، فأمر اللّه - تعالى - جبرئيل عليه السلام ،
ص: 232
فهبط إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومعه ألف من الملائكة ، فقام جبرئيل عن يمين أمير المؤمنين عليه السلام ، فكان إذا حمل علي عليه السلام حمل معه جبرئيل ، فبصر به إبليس ، فولّى هاربا ، وقال : « إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ » .
قال ابن مسعود : واللّه ما هرب إبليس إلاّ حين رأى أمير المؤمنين عليه السلام ، فخاف أن يأخذه ويستأسره ويعرفه الناس ، فهرب ، فكان أوّل منهزم ، وقال « إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ » لمن حارب أمير المؤمنين عليه السلام .
السمعاني في فضائل الصحابة عن ابن المسيب عن أبي ذر : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : يا أبا ذر ، علي أخي وصهري وعضدي ، إنّ اللّه لا يقبل فريضة إلاّ بحبّ علي بن أبي طالب .
يا أبا ذر ، لمّا أسري بي إلى السماء مررت بملك جالس على سرير من نور ، على رأسه تاج من نور ، إحدى رجليه في المشرق والأخرى في المغرب ، وبين يديه لوح ينظر إليه ، والدنيا كلّها بين عينيه ، والخلق بين ركبتيه ، ويده تبلغ المشرق والمغرب ، فقلت : يا جبرئيل ، من هذا ؟ فما رأيت من ملائكة ربّي - جلّ جلاله - أعظم خلقا منه ! قال : هذا عزرائيل ملك الموت ، ادن فسلّم عليه .
فدنوت منه ، فقلت : سلام عليك حبيبي ملك الموت ، فقال : وعليك السلام يا أحمد ، ما فعل ابن عمّك علي بن أبي طالب ؟
ص: 233
فقلت : وهل تعرف ابن عمّي ؟ قال : وكيف لا أعرفه ! وإنّ اللّه - جلّ جلاله - وكّلني بقبض أرواح الخلائق ما خلا روحك وروح علي ابن أبي طالب ، فإنّ اللّه يتوفّاكما بمشيئته(1) .
كتابي الخطيب الخوارزمي وأبي عبد اللّه النطنزي : قال أبو عبيد ، صاحب سليمان بن عبد الملك :
بلغ عمر بن عبد العزيز أنّ قوما تنقّصوا لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فصعد المنبر وقال : حدّثني غزال(2) بن مالك الغفاري عن أم سلمة قال : بينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله عندي إذ أتاه جبرئيل ، فناداه ، فتبسّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ضاحكا .
فلمّا سرى عنه ، قلت : ما أضحكك ؟ قال : أخبرني جبرئيل : أنّه مرّ
بعلي وهو يرعى ذودا(3) له ، وهو نائم قد أبدى بعض جسده ، قال : فرددت عليه ثوبيه ، فوجدت برد إيمانه قد وصل إلى قلبي(4) .
أمالي أبي جعفر القمّي ، في خبر طويل : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال يوما :
ص: 234
معاشر الناس ، أيّكم ينهض إلى ثلاثة نفر قد آلوا باللاّت والعزى ليقتلوني ، وقد كذبوا وربّ الكعبة ، فأحجم الناس ، فقال : ما أحسب علي بن أبي طالب فيكم .
فأخبر أمير المؤمنين عليه السلام بذلك ، فجاء فقال : أنا لهم سريّة وحدي ، فدرّعه وعمّمه ، وقلّده من نفسه ، فأركبه فرسه .
فخرج أمير المؤمنين عليه السلام ، فمكث ثلاثة لا يصل خبر من السماء ولا من الأرض ، فأقعدت فاطمة الحسن والحسين عليهم السلام على وركيها وهي تقول : أوشك أن يؤتم هذين الغلامين .
فأسبل النبي صلى الله عليه و آله عينيه يبكى ، ثم قال : معاشر الناس ، من يأتيني بخبر علي فأبشره بالجنّة .
فتفرّقت الناس في طلبه ، وأقبل عامر بن قتادة يبشر بعلي عليه السلام ، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام ، ومعه أسيران ورأس وثلاثة أبعرة وثلاثة أفراس ، وقال : لمّا سرت في الوادي رأيت هؤلاء ركبانا على الأباعر ، فنادوني : من أنت ؟ فقلت : علي بن أبي طالب ابن عّم رسول اللّه ، فشدّ عليّ هذا المقتول ، ودارت بيني وبينه ضربات ، وهبّت ريح حمراء سمعت صوتك فيها - يا رسول اللّه - وأنت تقول : قطعت لك جربان(1) درعه ، فضربته ، فلم أجفه ، ثم هبت ريح صفراء ، فسمعت صوتك فيها - يا رسول اللّه - : قلبت(2)
ص: 235
لك الدرع عن فخذه ، فضربته ووكزته ، فقال الرجلان : صاحبنا هذا يعدّ بألف فارس ، فلا تعجل علينا ، وقد بلغنا أنّ محمدا رفيق شفيق رحيم ، فاحملنا إليه ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : أمّا الصوت الأول فصوت جبرئيل ، والآخر فصوت ميكائيل .
فعرض النبي صلى الله عليه و آله عليهما الإسلام ، فأبيا ، فأمر بقتلهما ، فهبط جبرئيل وقال : لا تقتله ، فإنّه حسن الخلق سخي في قومه ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي ، امسك ، فإنّ هذا رسول ربّي يخبرني أنّه حسن الخلق سخيّ في قومه ، فقال الرجل : واللّه ما ملكت درهما مع أخ لي قطّ ، ولا قطّبت وجهي في الحرب ، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه (1) صلى الله عليه و آله .
وفي رواية الأصبغ : إنّ عليا عليه السلام مضى من المدينة وحده ، فأتى عليه
سبعة أيام ، فرؤي النبي صلى الله عليه و آله يبكي ويقول : اللّهم ردّ إليّ عليا قرّة عيني ، وقوّة ركني ، وابن عمّي ، ومفرج الكرب عن وجهي ، ثم ضمن الجنّة لمن أتى بخبر علي عليه السلام .
فركب الناس في كلّ طريق ، فوجده الفضل بن عباس ، فبشّر النبي صلى الله عليه و آله بقدومه ، فاستقبله ، فما زال يفتّش عن يمين علي وعن يساره ، وعن بدنه وعن رأسه ، فقلت : تفتش عليا عليه السلام كأنّه كان في الحرب ؟
فأخبرني عن جبرئيل : أنّ أقواما من المشركين يقصدونك من الشام ، فأخرج إليهم عليا عليه السلام وحده ، فخرج معه جبرئيل في ألف ملك ، وميكائيل في ألف ملك ، ورأيت ملك الموت يقاتل دون علي عليه السلام .
ص: 236
أربعين الخطيب ، وشرح ابن الفياض ، وأخبار أبي رافع ، في خبر طويل عن حذيفة بن اليمان : أنّه دخل أمير المؤمنين عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو مريض ، فإذا رأسه في حجر رجل أحسن الخلق ، والنبي صلى الله عليه و آله
نائم ، فقال الرجل : ادن إلى ابن عمّك ، فأنت أحقّ به منّي ، فوضع رأسه في حجره .
فلمّا استيقظ النبي صلى الله عليه و آله سأله عن الرجل ، قال علي عليه السلام : كان كذا وكذا ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : ذاك جبرئيل ، كان يحدّثني حتى خفّ عنّي وجعي(1) .
وفي خبر: إنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يملي عليه جبرئيل، فنام وأمره بكتابة الوحي .
قال الناشيء :
وحي من اللّه حبا الطهر به
أثبته حفظ على ما غلط
أناطه الطهر به مواخيا
في الفضل إذ قال له اللّه انط
* * *
وقال الحميري :
فبينا رسول اللّه يملي أصابه
نعاس فأغفى ساعة متجافيا
فأملى عليه جبريل مكانه
من الوحي آيات بها كان آتيا
فلمّا انجلى عنه النعاس كأنّه
هلال سرت عنه الغيوم سواريا
تلا بعض ما خطّت من الخبر كفّه
وكان لما أوعى من العلم تاليا
ص: 237
فقال علي قال أنت محمد
بل الروح أملاه عليك مباديا
أتاني به جبريل يمليه معربا
عليك فلم يغفل ولم يك ناسيا
* * *
وقال ابن حماد :
ثم لمّا هبّ نادى وقد اسود السجل
إنّني قلت وجبريل الذي كان يمل
* * *
وله أيضا :
ناجاك لندب علي ربّ العلى شفاها
في الأرض من غير ترجمان
* * *
المحبرة :
أمن عليه الوحي أملاه واثقا
جبريل وهو إليه ذو اطمئنان
إذ قال أحمد يا علي اكتب ولا
تلمح وذاك به الأمين أتاني
من ذي الجلال فإنّي عنكما
متبرّز في هذه الغطيان
وخلا خليل خليله بخليله
ويداه عنه الوحي تكتنفان
ووعت مسامعه حلاوة لفظه
ورآه رؤية غير ما رؤيان
* * *
التهذيب والكافي : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : لمّا هبط جبرئيل عليه السلام بالأذان على رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان رأسه في حجر علي عليه السلام ، فأذّن جبرئيل وأقام .
ص: 238
فلمّا انتبه رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : يا علي ، سمعت ؟
قال : نعم ، قال : حفظت ؟ قال : نعم ، قال : ادع بلالاً فعلّمه ، فدعى علي عليه السلام بلالاً فعلّمه(1) .
محمد بن عمرو بإسناده عن جابر بن عبد اللّه أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ما عصاني قوم من المشركين إلاّ رميتهم بسهم اللّه .
قيل : وما سهم اللّه يا رسول اللّه ؟ قال : علي بن أبي طالب ، ما بعثته في سريّة ، ولا أبرزته لمبارزة ، إلاّ رأيت جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، وملك الموت أمامه ، وسحابة تظلّه حتى يعطيه اللّه خير النصر والظفر(2) .
أبو هريرة : لمّا قسّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله المغنم في غزاة تبوك خلّف عليا عليه السلام
على أهله ، دفع إليه سهمين ، فتكلّموا في ذلك ، فقال : معاشر الناس ، ناشدتكم باللّه ورسوله ، ألم تروا الفارس الذي حمل على المشركين من
ص: 239
يمين العسكر فهزمهم ، ثم رجع إليّ فقال لي : يا محمد ، إنّ لي معك سهما ، وقد جعلته لعلي عليه السلام ، وهو جبرئيل .
معاشر الناس ، ناشدتكم باللّه ورسوله ، هل رأيتم الفارس الذي حمل على المشركين من يسار العسكر فهزمهم ، ثم رجع إليّ ، فعلّمني وقال لي : يا محمد ، إنّ لي معك سهما ، وقد جعلته لعلي عليه السلام ، وهو ميكائيل ، فواللّه ، ما دفعت إلى علي إلاّ سهم جبرئيل وميكائيل ، فكبّر وكبّر الناس بأجمعهم(1) .
قال الوراق القمّي :
علي حوى سهمين من غير أن غزا
غزاة تبوك حبّذا سهم مسهم
* * *
أركبه رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم خيبر ، وعمّمه بيده ، وألبسه ثيابه ، وأركبه بغلته ، ثم قال : امض - يا علي - وجبرئيل عن يمينك ، وميكائيل عن يسارك ، وعزرائيل أمامك ، وإسرافيل ورائك ، ونصر اللّه فوقك ، ودعائي خلفك .
وخبّر النبي صلى الله عليه و آله رميه باب خيبر أربعين ذراعا ، فقال صلى الله عليه و آله : والذي نفسي بيده ، لقد أعانه عليه أربعون ملكا(2) .
ص: 240
ويقول علي عليه السلام في كتابه : واللّه ، ما قلعت باب خيبر بقوة جسدية ، ولا بحركة غدائية ، ولكنّي أيّدت بقوّة ملكوتية ، ونفس بنور ربّها مضيئة(1) .
قال الحميري :
وللّه جلّ اللّه في فتح خيبر
عليه أيادي نعمة بعد أنعم
مشى بين جبريل وميكال حوله
ملائكة مشي الهزبر المصمّم
فصمّم آذان(2) الذين تهوّدوا
وأرعن ممّن يعبد اللّه موحم(3)
* * *
وله أيضا :
من كان جبريل يقوم يمينه
فيها وميكال يقوم يسارا
من كان ينصره ملائكة السما
يأتونه مددا له أنصارا
* * *
وله أيضا :
يا راية جبريل سار أمامها
قدما وأتبعها النبي دعاء
اللّه فضّله بها ورسوله
واللّه ظاهر عنده الآلاء
* * *
ص: 241
ابن فياض في شرح الأخبار : روى محمد بن الجنيد بإسناده عن سعيد بن المسيب قال : أصاب عليا عليه السلام يوم أحد ستّة عشر ضربة ، وهو بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله يذبّ عنه ، في كلّ ضربة يسقط إلى الأرض ، فإذا سقط رفعه جبرئيل(1) .
خصائص العلوية : قيس بن سعد عن أبيه قال علي عليه السلام : أصابني يوم أحد ستّ عشرة ضربة سقطت إلى الأرض في أربع منهن ، فأتاني رجل حسن الوجه ، حسن اللمّة ، طيب الريح ، فأخذ بضبعي(2) فأقامني ، ثم قال : أقبل عليهم ، فإنّك في طاعة اللّه وطاعة رسول اللّه ، وهما عنك راضيان .
قال علي عليه السلام : فأتيت النبي صلى الله عليه و آله فأخبرته ، فقال : يا علي ، أقرّ اللّه عينك ، ذاك جبرئيل(3) .
العيون والمحاسن بإسناده عن أبي عبد اللّه العنزي قال : إنا جلوس مع علي بن أبي طالب عليهماالسلام يوم الجمل ، إذ جاءه الناس يهتفون به : يا أمير المؤمنين ، لقد نالنا النبل والنشاب ، فتنكّر .
ص: 242
ثم جاء آخرون ، فذكروا مثل ذلك وقالوا : قد جرحنا ، فقال عليه السلام : من يعذرني من قوم يأمرون بالقتال ، ولم تنزل بعد الملائكة .
فقال : إنّا لجلوس إذ هبت ريح طيبة من خلفنا - واللّه - لوجدت بردها بين كتفي من تحت الدرع والثياب ، فضرب أمير المؤمنين عليه السلام درعه ، ثم قام إلى القوم ، فما رأيت فتحا كان أسرع منه(1) .
وروي عن عامر بن سعد : أنّه لمّا جاء أبو اليسر الأنصاري بالعباس ، فقال : واللّه ، ما أسرني إلاّ ابن أخي علي بن أبي طالب ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : صدق عمّي ، ذلك ملك كريم ، فقال : قد عرفته بحجلته وحسن وجهه ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ الملائكة الذين أيّدني اللّه بهم على صورة علي بن أبي طالب ، ليكون ذلك أهيب في صدور الأعداء(2) .
وقال أبو اليسر الأنصاري : رأيت العباس آنفا وعقيلاً معهما رجل على فرس أبلق ، عليه ثياب بيض ، يقود العباس وعقيلاً ، فدفعهما إلى علي عليه السلام وقال : يا علي ، هذان عمّك وأخوك ، فدونكهما ، فأنت أولى بهما ، فحكى ذلك لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : ذلك جبرئيل دفعهما إليك .
فضائل العشرة : إنّ جنّيا كان في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فدخل علي عليه السلام ، فغاب الجنّي ، فلمّا خرج علي عليه السلام عاد الجنّي إلى مكانه ، فقال له
ص: 243
النبي صلى الله عليه و آله : لم غبت عند حضور علي ؟ فقال : يا رسول اللّه ، إنّ عليا جرحني ، فقال : وكيف ولم تظهر إلاّ في زمن سليمان ؟ ثم قال : إنّ اللّه خلق ملكا على صورة علي عليه السلام يقاتل مع الأنبياء .
الفصول والعيون والمحاسن عن المفيد : قال الصادق عليه السلام في حديث بدر : لقد كان يسئل الجريح من المشركين ، فيقال : من جرحك ؟ فيقول : علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فإذا قالها مات(1) .
* * *
قال الحميري :
وقد رويتم له الأملاك ناصرة
تكرّ إن كرّ منها ما تخفّفه
وكان ذا في إمارات الإمام وما
يزال يجمعها فيه مشرفه
* * *
وقال العوني :
من كان جبريل في الهيجاء يسعده
وكان يعضده ميكال إذ حملوا
* * *
وقال غيره :
قاتل الروح مرارا
تحت رايات علي
* * *
ص: 244
فضائل الصحابة عن أحمد ، وخصائص العلوية عن النطنزي ، قال الحارث : لمّا كانت ليلة بدر ، قال النبي صلى الله عليه و آله : من يستقي لنا من الماء ؟
فأحجم الناس ، فقام علي عليه السلام فاحتضن فرسه ، ثم أتى بئرا بعيدة القعر مظلمة ، فانحدر فيها ، فأوحى اللّه إلى جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، تأهبوا لنصرة محمد وحزبه ، فهبطوا من السماء ، لهم لغط يذعر من يسمعه ، فلمّا حاذوا البئر سلّموا عليه من عند آخرهم إكراما وتبجيلاً(1) .
محمد بن ثابت بإسناده عن ابن مسعود والفلكي المفسّر بإسناده عن محمد بن الحنفية قال : بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام في غزوة بدر أن يأتيه بالماء حين سكت أصحابه عن إيراده .
فلمّا أتى القليب وملأ القربة الماء فأخرجها جاءت ريح فهرقته ، ثم عاد إلى القليب وملأ القربة فأخرجها ، فجاءت ريح فأهرقته ، وهكذا في الثالثة .
فلمّا كانت الرابعة ملأها ، فأتى بها النبي صلى الله عليه و آله ، فأخبر بخبره ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أمّا الريح الأولى ، فجبرئيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك ، وأمّا الثانية ميكائيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك ، والريح الثالثة إسرافيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك(2) .
ص: 245
وفي رواية : ما أتوك إلاّ ليحفظوك .
وقد رواه عبد الرحمن بن صالح بإسناده عن الليث ، وكان يقول : كان لعلي عليه السلام في ليلة واحدة ثلاثة آلاف منقبة وثلاث مناقب ، ثم يروي هذا الخبر(1) .
قال الحميري :
وسلّم جبريل وميكال ليلة
عليه وإسرافيل حيّاه معربا
أحاطوا به في روعة جاء يستقي
وكان على ألف بها قد تحزبا
ثلاثة آلاف ملائك سلّموا
عليه فأدناهم وحيّا ورحبا
* * *
وله أيضا :
ذاك الذي سلّم في ليلة
عليه ميكال وجبرئيل
ميكال في ألف وجبريل في
ألف ويعلوهم سرافيل
* * *
وقال العوني :
بأبي من خفق المسح به
طائرا في الجوّ في الليل الدجى
بأبي من هبط الجبّ ولم
يخش من أهواله مع من خشي
فأتى جبريل مع ميكال مع
عزرائيل مع ما قد روى
بين أملاك صفوف هبطوا
كيف يقضون حقوق المستقي
ص: 246
وله أيضا :
وعليه سلّم جبرئيل وجنده
وأخوه ميكائيل والجندان
إذ أقبلت ريح فصدّت وجهه
وهراق نطفة شنّه ريحان(1)
* * *
وقال الجماني :
ومن سلّم جبريل
عليه ليلة الجبّ
* * *
جابر : كنت أماشي أمير المؤمنين عليه السلام على الفرات إذ خرجت موجة عظيمة حتى انستر(2) عنّي ، ثم انحسرت عنه ولا رطوبة عليه ، فوجمت لذلك وتعجّبت ، وسألته عن ذلك ، قال : ورأيت ذلك ؟
قلت : نعم .
قال : إنّما هو الموكّل بالماء ، فخرج فسلّم عليّ واعتنقني(3) .
قال الوراق :
علي الذي أهدى إلى الماء صحبه
بحيث يلوح الدين للمتبسّم
* * *
ص: 247
عبد اللّه بن عباس وحميد الطويل عن أنس قالا : صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا ركع أبطأ في ركوعه حتى ظننّا أنّه نزل عليه وحي ، فلمّا سلّم واستند إلى المحراب نادى : أين علي بن أبي طالب ؟ وكان في آخر الصفّ يصلّى ، فأتاه ، فقال : يا علي لحقت الجماعة ؟
فقال : يا نبي اللّه عجّل بلال الإقامة ، فناديت الحسن بوضوء ، فلم أر أحدا ، فإذا أنا بهاتف يهتف : يا أبا الحسن ، أقبل عن يمينك ، فالتفت فإذا أنا بقدس(1) من ذهب مغطّى بمنديل أخضر معلّقا ، فرأيت ماء أشدّ بياضا من الثلج ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ، وأطيب ريحا من المسك ، فتوضأت وشربت ، وقطّرت على رأسي قطرة وجدت بردها على فؤادي ، ومسحت وجهي بالمنديل بعدما كان الماء يصبّ على يدي ، وما أرى شخصا ، ثم جئت - يا نبي اللّه - ولحقت الجماعة .
فقال النبي صلى الله عليه و آله : القدس من أقداس الجنّة ، والماء من الكوثر ، والقطرة من تحت العرش ، والمنديل من الوسيلة ، والذي جاء به جبرئيل عليه السلام ، والذي ناولك المنديل ميكائيل ، وما زال جبرئيل واضعا يده على ركبتي يقول : يا محمد ، قف قليلاً حتى يجئ علي عليه السلام فيدرك معك الجماعة(2) .
* * *
ص: 248
قال خطيب منبج :
ومن وافاه جبريل بماء
من الفردوس فعل المكرمينا
وصبّ عليه إسرافيل منه
وكان به من المتطهّرينا
* * *
وقال الناشي :
والسطل والمنديل حين أتى به
جبريل حسبك خدمة الأملاك
* * *
وقال القمّي :
علي شكا فوت الصلاة فجاءه
وضوء بمنديل كما قيل معلم
* * *
وقال ابن حماد :
أيّها الناصب جهلاً
أنت عن رشدك غفل
من إليه جاء جبر
يل بمنديل وسطل
عميت عيناك قل لي
أعلى قلبك قفل
* * *
وله أيضا :
أعطيت في الفضل ما لم يعطه أحد
كذا روى خلف منّا عن السلف
كالجام والسطل والمنديل يحمله
جبريل ما أحد فيه بمختلف
* * *
ص: 249
وقال غيره :
إمامي الذي حمّال ماء طهوره
هو الروح جبريل الأمين إلى الرسل
هو الآية الكبرى هو الحجّة التي
بها احتج باريها على الخلق بالظل
* * *
وقال آخر :
فكم له من آية معجزة
لا يستطيع مبطل إبطالها
من قدس يهبط أو نجم هوى
أو دعوة قاربها أو نالها
كالطائر المحنوذ(1) أو من قدرة
قد قيّض اللّه له أشكالها
كالمسخ والثعبان أو كالنار فيالأحزاب يوما صالها وجالها
* * *
وروى مشاهدته لجبرئيل عليه السلام على صورة دحية الكلبي حين سمّاه بتلك الأسامي .
وحين وضع رأس رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حجره وقال : أنت أحقّ به منّي .
وحين كان يملي الوحي ونعس النبي صلى الله عليه و آله .
ص: 250
وحين اشترى الناقة من الأعرابي بمائة درهم ، وباعها من آخر بمائة وستّين .
وحين غسل النبي صلى الله عليه و آله . وغير ذلك(1) .
وروى نحوا منه أحمد في الفضائل .
قال الحميري :
ويسمع حسّ جبريل إذا ما
أتى بالوحي خير الواطنينا
* * *
وقد خدمه جبريل في عدّة مواضع :
روى علي بن الجعد عن شعبة عن قتادة عن ابن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى « تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ » قال : لقد صام رسول اللّه صلى الله عليه و آله سبع رمضانات ، وصام علي بن أبي
طالب عليهماالسلاممعه ، فكان كلّ ليلة القدر ينزل فيها جبريل على علي عليه السلام ، فيسلّم عليه من ربّه .
وروي عن الباقر عليه السلام في خبر يذكر فيه وفاة النبي صلى الله عليه و آله : أنّه أتاهم آت لا يرونه ويسمعون كلامه ، فقال : السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ، في اللّه عزاء من كلّ مصيبة ، ونجاة من كلّ هلكة ، ودرك لما فات « كُلُّ نَفْسٍ
ص: 251
ذائِقَةُ الْمَوْتِ » الآية ، إنّ اللّه - عزّ وجلّ - إصطفاكم وفضّلكم وطهّركم ، وجعلكم أهل بيت نبيه صلى الله عليه و آله ، وأودعكم حكمه ، وأورثكم كتابه ، وجعلكم تابوت علمه ، وعصا عزّه ، وضرب لكم مثلاً من دونه ، وعصمكم من الذنوب ، وآمنكم من الفتنة ، فتعزّوا بعزاء اللّه ، فإنّ اللّه - عزّ وجلّ - لا ينزع عنكم نعمته ، ولا يزيل عنكم بركته . . في كلام طويل .
فقيل للباقر عليه السلام : ممّن كانت التعزية ؟ فقال : من اللّه - تعالى - على لسان جبرئيل .
وقد روى نحوا من ذلك سفيان بن عيينة عن الصادق(1) عليه السلام .
وقد احتج أمير
المؤمنين عليه السلام يوم الشورى فقال : هل فيكم من غسل
رسول اللّه صلى الله عليه و آله غيري ، وجبرئيل يناجي وأجد حسّ يده معي(2) .
حدث أبو عوانة عن الحسن بن علي بن عفان عن محمد بن الصلت عن مندل بن علي عن إسماعيل بن زياد عن إبراهيم بن شمر عن أبي الضحاك الأنصاري قال :
كان على مقدّمة النبي صلى الله عليه و آله يوم حنين علي عليه السلام ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : وددت أنّ عليا قال : من دخل الرجل(3) فهو آمن ، قال : فقال علي عليه السلام : من دخل الرجل فهو آمن ، قال : فضحك جبرئيل .
ص: 252
فقال النبي صلى الله عليه و آله . . - قال أبو عوانة وذكر حديثا لم أحفظه -
ثم قال : قال علي عليه السلام : وقد بلغ من أمري ما يجيبني جبرئيل ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : نعم ، وهو جبرئيل ، يجيبك(1) اللّه - تبارك اللّه وتعالى - .
خلقة الملائكة على صورته ، ومجيئهم إلى زيارته ، ونصرته ، وإذنهم في مكالمته ، وكونهم في خدمته يدلّ على أنّه أكرم خليقته بعد النبي صلى الله عليه و آله ، الملائكة جنوده ، والحاديان عبيده كفو الملك ، وكافى الخلق إنسي ملك .
ص: 253
ص: 254
ص: 255
ص: 256
عباية بن ربعي الأسدي قال : دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام ، وعنده رجل رثّ الهيئة ، وأمير المؤمنين عليه السلام يكلّمه .
فلمّا قام الرجل قلت : يا أمير المؤمنين ، من هذا الذي شغلك عنّا ؟ قال : هذا وصي موسى(1) عليه السلام .
عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عن الصادق عليه السلام في خبر : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام توضّأ وأذّن في صفين ، فانفلق الجبل عن هامة بيضاء بلحية بيضاء ووجه أبيض ، فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته ، مرحبا بوصيّ خاتم النبيين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، والأعزّ المأثور ، والفاضل الفائز بثواب الصديقين [ و ] سيّد الوصيين .
فقال له : وعليك السلام ، يا أخي شمعون بن جمون وصيّ عيسى بن مريم روح القدس ، كيف حالك ؟
قال : بخير يرحمك اللّه ، أنا منتظر روح اللّه ينزل ، ولا أعلم أحدا أعظم
ص: 257
في اللّه بلاء ، ولا أحسن غدا ثوابا ، ولا أرفع مكانا منك ، إصبر يا أخي - يا علي - [ على ] ما أنت فيه حتى تلقى الحبيب غدا ، فقد رأيت أصحابك - يعني الأوصياء - بالأمس لقوا ما لقوا من بني إسرائيل ، نشروهم بالمناشير ، وحملوهم على الخشب(1) . . . إلى آخر كلامه .
الأصبغ بن نباتة قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام يصلّي إذ أقبل رجل عليه بردان أخضران ، وله عقيصتان سوداوان ، أبيض اللحية ، فلمّا سلّم أمير المؤمنين عليه السلام من صلاته أكبّ على رأسه فقبّله ، ثم أخذ بيده ، فذهبا .
قال : فخرجنا نحوهما مسرعين ، فسألنا عنه ، فقال : هذا أخي الخضر أكبّ عليّ وقال لي : إنّك في مدرة - يعني الكوفة - لا يريدها جبّار بسوء إلاّ قصمه اللّه ، واحذر الناس ، فخرجت معه لأشيّعه ، لأنّه أراد الظهر(2) .
وروى خرور وسعد بن طريف عن الأصبغ : أنّه جاء ثانية ، فإذا ميثم يصلّي إلى تلك الأسطوانة ، فقال : يا صاحب السارية ، اقرأ صاحب الدار السلام - يعني عليا عليه السلام - وأعلمه أنّي بدأت به ، فوجدته نائما .
جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال : لمّا قبض
رسول اللّه صلى الله عليه و آله جاء آتٍ يسمعون حسّه ولا يرون شخصه ، فقال : السلام
ص: 258
عليكم أهل البيت ورحمة اللّه وبركاته ، في اللّه عزاء من كلّ مصيبة ، وخلف من كلّ هالك ، ودرك من كلّ ما فات ، فباللّه فثقوا ، وإياه فارجوا ، فإنّ المحروم من حرم الثواب والسلام .
فقال علي عليه السلام : تدرون من هذا ؟ هذا الخضر(1) .
وروى محمد بن يحيى قال : بينا علي عليه السلام يطوف بالكعبة ، إذا رجل متعلّق بالأستار ، وهو يقول : يا من لا يشغله سمع عن سمع ، يا من لا يغلّطه السائلون ، يا من لا يتبرّم بإلحاح الملحيّن ، أذقني برد عفوك ، وحلاوة مغفرتك .
فقال علي عليه السلام : يا عبد اللّه ، دعاؤك هذا ؟ قال : وقد سمعته ؟ قال : نعم ، قال : فادع به في دبر كلّ صلاة ، فوالذي نفس الخضر بيده ، لو كان عليك من الذنوب عدد نجوم السماء وقطرها ، وحصباء الأرض وترابها ، لغفر لك أسرع من طرفة عين(2) .
عبد اللّه بن الحسن بن الحسن عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليه السلام : كان في مسجد الكوفة يوما ، فلمّا جنّه الليل أقبل رجل من باب الفيل عليه ثياب بيض ، فجاء الحرس وشرطة الخميس ، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام : ما تريدون ؟ فقالوا : رأينا هذا الرجل أقبل الينا فخشينا أن يغتالك .
ص: 259
فقال عليه السلام : كلا ، انصرفوا - رحمكم اللّه - أتحفظوني من أهل الأرض ، فمن يحفظني من أهل السماء !
ومكث الرجل عنده مليّا يسأله ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لقد ألبست الخلافة بهاء وزينة وكمالاً ، ولم تلبسك ، ولقد افتقرت إليك أمّة محمد صلى الله عليه و آله ، وما افتقرت إليها ، ولقد تقدّمك قوم وجلسوا مجلسك ، فعذابهم على اللّه ، وإنّك لزاهد في الدنيا ، وعظيم في السماوات والأرض ، وإنّ لك في الآخرة لمواقف كثيرة ، تقرّ بها عيون شيعتك ، وإنّك لسيد الأوصياء ، وأخوك سيد الأنبياء ، ثم ذكر الأئمة الإثني عشر ، فانصرف .
وأقبل أمير المؤمنين عليه السلام على الحسن والحسين عليهماالسلام ، فقال : تعرفانه ؟ قالا : ومن هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : هذا أخي الخضر .
وفي الخبر : إنّ خضرا وعليا عليهماالسلام قد اجتمعا ، فقال له علي عليه السلام : قل كلمة حكمة .
فقال : ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء قربة إلى اللّه .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : وأحسن من ذلك تيه الفقراء على الأغنياء ثقة باللّه (1) ، فقال الخضر : ليكتب هذا بالذهب .
أمالي المفيد النيسابوري وتاريخ بغداد : قال الفتح بن شجرف : رأى أمير المؤمنين عليه السلام الخضر في المنام ، فسأله نصيحة ، قال : فأراني كفّه ، فإذا فيها مكتوب بالخضرة :
ص: 260
قد كنت ميتا فصرت حيّا
وعن قليل تعود ميتا
فابن لدار البقاء بيتا
ودع لدار الفناء بيتا(1)
* * *
عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه قال : لمّا أخرج علي عليه السلام ملبّبا وقف عند قبر النبي صلى الله عليه و آله فقال : يا بن العمّ ، « إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا
يَقْتُلُونَنِي » .
قال : فخرجت يد من قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله يعرفون أنّها يده ، وصوت يعرفون أنّه صوته ، نحو الأوّل يقول : يا هذا « أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً »(2) .
عبد اللّه بن سليمان وزياد بن المنذر والعباس بن الحريش الراوي ، كلّهم عن أبي جعفر عليه السلام ، وأبان بن تغلب ومعاوية بن عمار وأبو سعيد المكاري ، كلّهم عن أبي عبد اللّه عليه السلام :
إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لقى الأوّل فاحتج عليه ، ثم قال : أترضى برسول اللّه صلى الله عليه و آله بيني وبينك ؟ فقال : وكيف لي بذلك ؟
ص: 261
فأخذ بيده ، فأتى به مسجد قبا ، فإذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيه ، فقضى له على الأوّل(1) . . القصّة .
زيارة الأنبياء والأوصياء بعد غيبتهم أو وفاتهم تدلّ على جلالة قدر المزور ، وأنّه لا نظير له في زمانه .
ص: 262
ص: 263
ص: 264
علل الشرائع عن ابن بابويه : سلمان في خبر : أنّه مرّ إبليس بنفر يسبّون عليا عليه السلام ، فقال : تبّا لكم ، عبدت اللّه في الجان إثنى عشر ألف سنة ، فلمّا أهلك الجان شكوت إلى اللّه الوحدة ، فعرج بي إلى السماء الدنيا ، فعبدت اللّه فيها إثنى عشر ألف سنة أخرى في جملة الملائكة .
فبينا نحن كذلك إذ مرّ بنا نور شعشعاني ، فخرّوا سجّدا ، فإذا بالنداء من قبل اللّه - تعالى - : ما هذا نور ملك مقرّب ، ولا نبي مرسل ، هذا نور طينة علي بن أبي طالب(1) .
جابر عن أبي جعفر عليه السلام : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا علي ، إئت الوادي ، فدخل الوادي ، ودار فيه ، فلم ير أحدا ، حتى إذا صار على بابه لقيه شيخ ، فقال : ما تصنع هنا ؟ قال : أرسلني رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : تعرفني ؟ قال : ينبغي أن يكون أنت الملعون ، فقال : ما ترى أصارعك ؟ فصارعه ، فصرعه علي عليه السلام ، فقال : قم عنّي حتى أبشرك .
ص: 265
فقام عنه ، فقال : بم تبشرني يا ملعون ؟ قال : إذا كان يوم القيامة صار الحسن عن يمين العرش ، والحسين عن يسار العرش ، يعطون شيعتهم الجواز من النار .
فقام إليه ، فقال : أصارعك مرّة أخرى ؟ قال : نعم ، فصرعه مرّة أخرى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : قم عنّي حتى أبشرك .
فقام عنه ، قال : لمّا خلق اللّه - تعالى - آدم أخرج ذريّته من ظهره مثل الذرّ ، فأخذ ميثاقهم « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى » ، فأشهدهم على أنفسهم ، فأخذ ميثاق محمد وميثاقك ، فعرّف وجهك الوجوه ، وروحك الأرواح ، فلا يقول لك أحد : أحبّك ، إلاّ عرفته ، ولا يقول لك : أبغضك ، إلاّ عرفته .
قال : قم صارعني ثالثة ، قال : نعم ، فصارعه فاعتنقه ، ثم صارعه فصرعه أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : يا علي لا تنقضني ، قم عنّي حتى أبشرك ، قال : بلى ، وأبرأ منك وألعنك .
قال : واللّه يا بن أبي طالب ، ما أحد يبغضك إلاّ شركت أباه في رحم أمّه وولده وماله ، أما قرأت كتاب اللّه « وَشارِكْهُمْ فِي الأَمْوالِ وَالأَوْلادِ »(1) الآية .
تاريخ الخطيب وكتاب النطنزي بإسنادهما عن ابن جريح عن مجاهد
عن ابن عباس ، وبإسناد الخطيب عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي أبي عبد اللّه عن علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وفي إبانة الخركوشي بإسناده عن
ص: 266
الضحاك عن ابن عباس ، وقد رواه القاضي أبو الحسن الأشناني عن إسحاق الأحمر ، وروى من أصحابنا جماعة منهم أبو جعفر بن بابويه في الإمتحان ، ولفظ الحديث للخركوشي :
قال ابن عباس : كنت أنا ورسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلي بن أبي طالب عليهماالسلامبفناء الكعبة ، إذ أقبل شخص عظيم - ممّا يلي الركن اليماني - كفيل ، فتفل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : لعنت ، فقال علي عليه السلام : ما هذا يا رسول اللّه ؟ قال : أو ما تعرفه ؟ ذاك إبليس اللّعين .
فوثب علي عليه السلام وأخذ بناصيته وخرطومه وجذبه ، فأزاله عن موضعه ، وقال : لأقتلنّه يا رسول اللّه ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أما علمت - يا علي - أنّه قد أجّل له إلى يوم الوقت المعلوم ، فتركه .
فوقف إبليس وقال : يا علي ، دعني أبشرك ، فما لي عليك ولا على شيعتك سلطان ، واللّه ما يبغضك أحد إلاّ شاركت أباه فيه ، كما هو في القرآن « وَشارِكْهُمْ فِي الأَمْوالِ وَالأَوْلادِ » ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : دعه يا علي ، فتركه(1) .
قال الوراق القمي :
علي أخو الكرّات صارع فاعتلى
أبا مرّة الغاوي بكفّ مصدم
* * *
ص: 267
كتاب إبراهيم روى أبو سارة الشامي بإسناده ، وكتاب ابن فياض روى إسماعيل بن أبان بإسناده ، كلاهما عن أم سلمة في حديث :
أنّه خرج علي عليه السلام ومعه بلال يقفوان أثر رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى انتهيا إلى الجبل ، فانقطع الأثر عنهما .
فبينا هما كذلك ، إذ وقع لهما رجل متكئ على عصا ، له كساء على عاتقه ، كأنّه راع من هذه الرعاة .
فقال علي عليه السلام : يا بلال ، اجلس حتى آتيك بالخبر ، وتوجّه قبل الرجل حتى إذا كان قريبا منه قال : يا عبد اللّه ، رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟
فقال الرجل : وهل للّه من رسول !
فغضب علي عليه السلام وتناول حجرا ورماه ، فأصاب بين عينيه ، فصاح صيحة ، فإذا الأرض كلّها سواد بين خيل ورجل حتى أطافوا به .
ثم أقبل علي عليه السلام ، فبينما هو كذلك ، إذ أقبل طائران من قبل الجبل ، فأخذ أحدهما يمنة والآخر يسرة ، فما زالا يضربانهم بأجنحتهما حتى ذهب ذلك السواد ، ورجع الطائران حتى أخذا في الجبل ، فقال لبلال : انطلق حتى نتبع هذين الطائرين ، فصعد علي عليه السلام الجبل وبلال ، فإذا هما برسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد أقبل من خلف الجبل ، فتبسّم في وجه علي عليه السلام ، فقال : يا علي ، مالي أراك مذعورا !
فقصّ عليه الخبر ، فقال : أو تدري ما الطائران ؟
ص: 268
قال : لا ، قال : ذاك جبرئيل وميكائيل عليهماالسلام كانا عندي يحدّثاني ، فلمّا سمعا الصوت عرفا أنّه إبليس ، فأتياك - يا علي - ليعيناك(1) .
قال الباخرزي :
وكيف يرى إبليس معشار ما أرى
وقد فتحت عينان لي وهو أعور
* * *
وفي حديث أبي بكر هبة اللّه العلافي بإسناده إلى ابن عباس في خبر طويل : أنّه اجتمع النبي صلى الله عليه و آله وعلي وجعفر عند فاطمة عليهم السلام ، وهي في صلاتها ، فلمّا سلّمت أبصرت عن يمينها رطب على طبق ، وعلى يسارها سبعة أرغفة ، وسبعة طيور مشويات ، وجام من لبن ، وطاس من عسل ، وكأس من شراب الجنّة ، وكوز من ماء معين ، فسجدت وحمدت وصلّت على أبيها ، وقدّمت الرطب .
فلمّا فرغوا عن أكله قدّمت المائدة ، فإذا بسائل من وراء الباب : أهل بيت الكرم ، هل لكم في إطعام المسكين .
فمدّت فاطمة عليهاالسلام يدها إلى رغيف ، ووضعت عليه طيرا ، وحملت بالجام ، وأرادت أن تدفع إلى السائل ، فتبسم نبي اللّه صلى الله عليه و آله في وجهها
ص: 269
وقال : إنّها محرّمة على هذا السائل ، ثم نبأها بأنّه إبليس ، وأنّه لو واسيناه لصار من أهل الجنّة .
فلمّا فرغوا من الطعام خرج علي عليه السلام من الدار ، وواجه إبليس وبكّته(1) ووبّخه ، وقال له : الحكم بيني وبينك السيف ، ألا تعلم بفناء من نزلت يا لعين ؟! شوشت ضيافة نور اللّه في أرضه . . في كلام له .
فقال النبي صلى الله عليه و آله : كل أمره إلى ديان يوم الدين .
فقال إبليس : يا رسول اللّه ، اشتقت إلى رؤية علي ، فجئت آخذ منه الحظّ الأوفر ، وأيم اللّه إنّي من أودائه ، وإنّي لأواليه(2) .
أبو صالح المؤذن في الأربعين بإسناده عن زينب بنت جحش في حديث دخول النبي صلى الله عليه و آله على فاطمة عليهاالسلام ، وقوله لها : هاتي ذاك الطيران(3) ، وكان من موائد الجنّة ، فإذا بسائل قال : السلام عليكم أهل البيت ، أطعمونا ممّا رزقكم اللّه .
فردّ النبي صلى الله عليه و آله : يطعمك اللّه يا عبد اللّه ، فجاء مرّة أخرى فردّه . . إلى آخر الخبر .
ص: 270
كتاب أبي إسحاق العدل الطبري عن عمر بن علي عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام قال : دعانا رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنا وفاطمة والحسن والحسين ، ثم نادى بالصحفة فيها طعام كهيئة السكنجبين ، وكهيئة الزبيب الطائفي الكبار ، فأكلنا منه ، فوقف سائل على الباب ، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إخسأ .
ثم قال : ارفع ما فضل ، فرفعه .
فقالت فاطمة عليهاالسلام : يا رسول اللّه ، لقد رأيتك اليوم صنعت ما كنت تفعله ! سأل سائل فقلت : إخسأ ، ورفعت فضل الطعام ، ولم أرك رفعت طعاما قطّ .
فقال صلى الله عليه و آله : إنّ الطعام كان من طعام الجنّة ، وإنّ السائل كان شيطانا .
تهذيب الأحكام : أنّه لمّا همّ علي عليه السلام بغسل النبي صلى الله عليه و آله سمعنا صوتا في البيت : إنّ نبيكم طاهر مطهر ، فادفنوه ولا تغسلوه .
فقال علي عليه السلام : إخسأ عدوّ اللّه ، فإنّه أمرني بغسله وكفنه ودفنه ، وذلك سنّة .
ثم قال : نادى مناد آخر غير تلك النغمة : يا علي بن أبي طالب ، استر عورة نبيك ، ولا تنزع القميص(1) .
ص: 271
كافي الكليني : جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : بينا أمير المؤمنين عليه السلامعلى
المنبر ، إذ أقبل ثعبان من ناحية باب من أبواب المسجد ، فهمّ الناس أن يقتلوه ، فأرسل أمير المؤمنين عليه السلام : أن كفّوا ، فكفّوا .
وأقبل الثعبان ينساب حتى انتهى إلى المنبر ، فتطاول فسلّم على أمير المؤمنين عليه السلام ، فأشار أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته ، ثم أقبل عليه ، فقال
له : من أنت ؟ فقال : أنا عمير بن عثمان ابن خليفتك على الجنّ ، وإنّ أبي مات ، وأوصاني أن آتيك واستطلع رأيك ، فقد أتيتك ، فما تأمرني به ، وما ترى ؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : أوصيك بتقوى اللّه ، وأن تنصرف فتقوم مقام أبيك ، فأنت خليفتي عليهم(1) .
وفي حديث طويل عن علي بن محمد الصوفي : أنّه لقى إبليس ، فسأله فقال له : من أنت ؟ فقال : أنا من ولد آدم ، فقال : لا إله إلاّ اللّه ، أنت من قوم يزعمون أنّهم يحبّون اللّه ويعصونه ، ويبغضون إبليس ويطيعونه ، فقال : من أنت ؟ فقال : أنا صاحب الميسم ، والاسم الكبير ، والطبل العظيم ، وأنا قاتل هابيل ، وأنا الراكب مع نوح في الفلك ، أنا عاقر ناقة صالح ، أنا صاحب نار إبراهيم ، أنا مدبّر قتل يحيى ، أنا ممكّن قوم فرعون
ص: 272
من النيل ، أنا مخيّل السحر وقائده إلى موسى ، أنا صانع العجل لبني إسرائيل ، أنا صاحب منشار زكريا ، أنا السائر مع أبرهة إلى الكعبة بالفيل ، أنا المجمع لقتال محمد يوم أحد وحنين ، أنا ملقي الحسد يوم السقيفة في قلوب المنافقين ، أنا صاحب الهودج - يوم البصرة - والبعير ، أنا صاحب المواقف في عسكر صفين ، أنا الشامت يوم كربلاء بالمؤمنين ، أنا إمام المنافقين ، أنا مهلك الأولين ، أنا مضلّ الآخرين ، أنا شيخ الناكثين ، أنا ركن القاسطين ، أنا ظلّ المارقين ، أنا أبو مرّة مخلوق من نار لا من طين ، أنا الذي غضب عليه ربّ العالمين .
فقال الصوفي : بحقّ اللّه عليك إلاّ دللتني على عمل أتقرّب به إلى اللّه ، وأستعين به على نوائب دهري .
فقال : اقنع من دنياك بالعفاف والكفاف ، واستعن على الآخرة بحبّ علي بن أبي طالب وبغض أعدائه ، فإنّي عبدت اللّه في سبع سماواته ، وعصيته في سبع أرضيه ، فلا وجدت ملكا مقرّبا ، ولا نبيّا مرسلاً ، إلاّ وهو يتقرّب بحبّه .
قال : ثم غاب عن بصري ، فأتيت أبا جعفر عليه السلام فأخبرته بخبره ، فقال : آمن الملعون بلسانه وكفر بقلبه .
مناقب أبي إسحاق الطبري وإبانة الفلكي : قال أبو حمزة الثمالي : كان رجل من بني تميم يقال له « خيثمة » ، فلمّا حكّموا الحكمين خرج هاربا نحو الجزيرة ، فمرّ بواد مخيف يقال له « ميافارقين » ، فهتف به من الوادي :
ص: 273
يا أيّها الساري باميافارق
مخالفا للحقّ دين الصادق
تابعت دينا ليس دين الخالق
بل كلّ دين أحمق منافق
* * *
فقال خيثمة :
لمّا رأيت القوم في الخصوم
فارقت دين أحمق لئيم
حتى يعود الدين في الصميم
* * *
فقال :
اسمع لقولي ثم دعه ترشد
إنّ عليا كالحسام الأصيد
منهاجه دين النبي المهتد
فارجع إلى دين وصي أحمد
فخالف المرّاق فيه واشهد
* * *
فرجع إلى علي عليه السلام ولم يزل معه حتى قتل(1) .
وفي بعض كتب الأخبار عن بعض صالحات الجنّ ممّن كانت تدخل على أهل البيت عليهم السلام أنّها قالت : رأيت إبليس على صخرة جزيرة ماثلاً وهو يقول :
ص: 274
شفيعي إلى اللّه أهل العبا
وإن لم يكونوا شفيعي فمن
شفيعي النبي شفيعي الوصي
شفيعي الحسين شفيعي الحسن
شفيعي التي أحصنت فرجها
فصلّى عليهم إله المنن
* * *
وهذه من عجائبه عليه السلام لأنّ الخلائق يخافون من إبليس وجنوده ، ويتعوّذون منه ، وهم يخافون من علي بن أبي طالب ويحبّونه ، ويتوسّلون به لعلو شأنه ، وسمّو مكانه .
ص: 275
ص: 276
ص: 277
ص: 278
أبو القاسم الكوفي في الردّ على أهل التبديل : إنّ حسّاد علي عليه السلامشكوا في مقال النبي صلى الله عليه و آله في فضائل علي عليه السلام ، فنزل « فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا
إِلَيْكَ » يعني في علي عليه السلام « فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ » يعني أهل الكتاب عمّا في كتبهم من ذكر وصي محمد صلى الله عليه و آله ، فإنّكم تجدون ذلك في كتبهم مذكورا .
ثم قال « لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ » يعني بالآيات هاهنا الأوصياء المتقدّمين والمتأخّرين .
الكافي محمد بن الفضل عن أبي الحسن عليه السلام قال : ولاية علي عليه السلاممكتوبة
في صحف جميع الأنبياء ، ولن يبعث اللّه رسولاً إلاّ بنبوة محمد ووصيّه علي(1) عليه السلام .
صاحب شرح الأخبار : قال أبو جعفر عليه السلام في قوله تعالى « وَوَصّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ » بولاية علي(2) عليه السلام .
ص: 279
وفي بعض الأصول : قال سلمان : والذي نفسي بيده ، لو أخبرتكم بفضل علي عليه السلام في التوراة لقالت طائفة منكم : إنّه لمجنون ، ولقالت طائفة أخرى : اللّهم اغفر لقاتل سلمان(1) .
روضة الواعظين عن النيسابوري : إنّ فاطمة بنت أسد حضرت ولادة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا كانت وقت الصبح قالت لأبي طالب عليه السلام : رأيت الليلة عجبا - يعني حضور الملائكة وغيرها - .
فقال : انتظري سبتا(2) تأتين بمثله ، فولدت أمير
المؤمنين عليه السلام بعد ثلاثين سنة(3) .
كتاب مولد أميرالمؤمنين عليه السلام عن ابن بابويه : أنّه رقد أبو طالب عليه السلامفي الحجر ، فرأى في منامه كأنّ بابا انفتح عليه من السماء ، فنزل منه نور ، فشمله فانتبه لذلك ، فأتى راهب الجحفة ، فقصّ عليه ، فأنشأ الراهب يقول :
أبشر أبا طالب عن قليل
بالولد الحلاحل(4) النبيل
ص: 280
يا لقريش فاسمعوا تأويليهذان نوران على سبيل
كمثل موسى وأخيه السول(1)
* * *
فرجع أبو طالب عليه السلام إلى الكعبة ، وطاف حولها ، وأنشد :
أطوف للآل حول البيت
أدعوك بالرغبة محيي الميت
بأن تريني السبط قبل الموت
أغرّ نورا يا عظيم الصوت
منصلتا(2) بقتل أهل الجبت
وكلّ من دان بيوم السبت
* * *
ثم عاد إلى الحجر فرقد فيه ، فرأى في منامه كأنّه ألبس إكليلاً من ياقوت ، وسربالاً من عبقر ، وكأنّ قائلاً يقول : يا أبا طالب ، قرّت عيناك ، وظفرت يداك ، وحسنت رؤياك ، فأتى لك بالولد ، ومالك البلد ، وعظيم التلد ، على رغم الحسد ، فانتبه فرحا ، فطاف حول الكعبة قائلاً :
أدعوك ربّ البيت والطواف
والولد المحبوّ بالعفاف
تعينني بالمنن اللطاف
دعاء عبد بالذنوب واف
وسيد السادات والأشراف
* * *
ص: 281
ثم عاد إلى الحجر فرقد ، فرأى في منامه عبد مناف يقول : ما يثنيك عن ابنة أسد . . في كلام له ، فلمّا انتبه تزوّج بها ، وطاف بالكعبة قائلاً :
قد صدقت رؤياك بالتعبير
ولست بالمرتاب في الأمور
أدعوك ربّ البيت والنذور
دعاء عبد مخلص فقير
فأعطني يا خالقي سروري
بالولد الحلاحل المذكور
يكون للمبعوث كالوزير
يا لهما يا لهما من نور
قد طلعا من هاشم البدور
في فلك عال على البحور
فيطحن الأرض على الكرور
طحن الرحى للحبّ بالتدوير
إنّ قريشا بات بالتكبير(1)
منهوكة بالغي والثبور
وما لها من موئل مجيرمن سيفه المنتقم المبير
وصفوة الناموس في السفيرحسامه الخاطف للكفور(2)
* * *
إبراهيم النخعي عن علقمة بن عباس في خبر : أنّه أتى براهب قرقيسا إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا رآه قال : مرحبا ببحيراء الأصغر ، أين كتاب شمعون الصفا ؟ قال : وما يدرك يا أمير المؤمنين ! قال : إنّ عندنا علم جميع الأشياء ، وعلم جميع تفسير المعاني .
ص: 282
فأخرج الكتاب وأمير المؤمنين واقف ، فقال عليه السلام : امسك الكتاب معك ، ثم قرأ : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، قضى فيما قضى ، وسطّر فيما كتب ، أنّه باعث في الأميين رسولاً منهم يعلمهم الكتاب والحكمة ، ويدلّهم على سبيل اللّه ، لا فظّ ولا غليظ . . وذكر من صفاته واختلاف أمّته بعده .
إلى أن قال : ثم يظهر رجل من أمّته بشاطيء الفرات يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويقضي بالحقّ ، وذكر من سيرته .
ثم قال : ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره ، فإنّ نصرته عبادة ، والقتل معه شهادة .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : الحمد للّه الذي لم يجعلني عنده منسيّا ، الحمد للّه الذي ذكر عبده في كتب الأبرار ، فقتل الرجل في صفين(1) .
أمالي أبي الفضل الشيباني ، وأعلام النبوة عن الماوردي ، والفتوح عن الأعثم ، في خبر طويل :
إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا نزل بليخ(2) من جانب الفرات نزل إليه
ص: 283
شمعون بن يوحنا ، وقرأ عليه كتابا من إملاء المسيح عليه السلام ، وذكر بعثة النبي صلى الله عليه و آله وصفته .
ثم قال : فإذا توفّاه اللّه اختلفت أمّته ، ثم اجتمعت لذلك ما شاء اللّه ، ثم اختلف على عهد ثالثهم ، فقتل قتلاً ، ثم يصير أمرهم إلى وصيّ نبيهم ، فيبغوا عليه ، وتسلّ السيوف من أغمادها ، وذكر من سيرته وزهده ، ثم قال : فإنّ طاعته للّه طاعة ، ثم قال : ولقد عرفتك ونزلت إليك .
فسجد أمير المؤمنين عليه السلام ، وسمع منه يقول : شكرا للمنعم ، شكرا عشرا ، ثم قال : الحمد للّه الذي لم يخملني ذكري ، ولم يجعلني عنده منسيّا ، فأصيب الراهب ليلة الهرير(1) .
الكليني في الكافي عن الصادق عليه السلام في خبر طويل يذكر فيه : أنّه أتى إليه بجماعة أفطروا في يوم من شهر رمضان ، فقال لهم عليه السلام : أيهود أنتم ؟ قالوا : لا ، قال : أفنصارى ؟ قالوا : لا ، بل مسلمون ، قال : فيكم علّة ؟ قالوا : لا ، قال : تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قالوا : نشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، ولا نعرف محمدا ، قال : إن أقررتم وإلاّ قتلتكم بالدخان ، فلمّا أبوا قتلهم بالدخان .
ص: 284
فحاجّه في ذلك جماعة من اليهود ، وقالوا : ما هذه البدعة التي أحدثت في دين محمد صلى الله عليه و آله ؟
قال عليه السلام : نشدتك اللّه بالتسع آيات التي أنزلت على موسى بطور سيناء ، وبحقّ الكنائس الخمس والقدس ، وبحقّ ( المشهت(1) ) الديان ، هل تعلم أنّ يوشع بن نون أتى بقوم بعد وفاة موسى شهدوا أن لا إله إلاّ اللّه ، ولم يقرّوا بأنّ موسى رسول اللّه فقتلهم بمثل هذه القتلة ؟ قال اليهودي : نعم ، أشهد أنّك ناموس موسى .
ثم أخرج من قبائه كتابا ، فدفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، ففضّه ونظر فيه وبكى ، فقال اليهودي : ما يبكيك يا بن أبي طالب ؟ فقال عليه السلام : هذا اسمي مثبت ، فقال له اليهودي : أرني اسمك في هذا الكتاب ، قال : فأراه اسمه في الصحيفة ، وقال : اسمي « إليا » ، فأسلم اليهودي في قومه .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : الحمد للّه الذي أثبتني عنده في صحيفة الأبرار(2) .
والمبشّرون(3) به باب يطول في ذكره نحو : سلمى ، وقيس بن ساعدة ، وتبّع الملك ، وعبد المطلب ، وأبو طالب ، وأبو الحارث بن أسعد الحميري .
ص: 285
وهو القائل قبل البعثة بسبعمائة سنة :
شهدت على أحمد أنّه
رسول من اللّه باري النسم
فلو مدّ عمري إلى عمره
لكنت وزيرا له وابن عم
وكنت عذابا على المشركين
أسقيهم كأس حتف وغم(1)
* * *
وله ، وقيل لغيره :
حاله حالة هارون
لموسى فافهماها
ذكره في كتب اللّه
دراها من دراها
أمّتا موسى وعيسى
قد تلتها فاسألاها(2)
* * *
وقال العبدي :
أسماؤه في المثاني
كثيرة للذكور
في صحف موسى وعيسى
مكنونة في الزبور
ما زال في اللوح سطر
يلوح بين السطور
تزور أملاك ربّي
منه بخير مزور
هذا علي حبيبي
أخو البشير النذير
* * *
ص: 286
ذكر الخبر في الكتب السالفة لا يكون إلاّ للأولياء الأصفياء ، ولا يعني به الأمور الدنياوية ، فإذا قد صحّ لعلي عليه السلام الأمور الدينية كلّها ، وذلك لا يصحّ إلاّ لنبي أو إمام ، وإذا لم يكن نبيّا لابدّ أن يكون إماما .
ص: 287
ص: 288
ص: 289
ص: 290
زاذان عن سلمان الفارسي في خبر طويل : إنّ جاثليقا جاء في نفر من النصارى إلى أبي بكر ، وسأله مسائل عجز عنها أبو بكر ، فقال عمر : كفّ أيّها النصراني عن هذا العنت ، وإلاّ أبحنا دمك ، قال الجاثليق : أهذا عدل على من جاء مسترشدا طالبا ، دلّوني على من أسأله عمّا أحتاج إليه .
فجاء علي عليه السلام واستسأله ، فقال النصراني : أسألك عمّا سألت عنه هذا الشيخ : خبّرني أمؤمن أنت عند اللّه أم عند نفسك ؟
فقال عليه السلام : أنا مؤمن عند اللّه ، كما أنا مؤمن في عقيدتي .
قال : خبّرني عن منزلتك في الجنّة ما هي ؟ قال : منزلتي مع النبي الأمّي في الفردوس الأعلى ، لا ارتاب بذلك ، ولا أشكّ في الوعد به من ربّي .
قال : فبماذا عرفت الوعد لك بالمنزلة التي ذكرتها ؟ قال : بالكتاب المنزل ، وصدق النبي المرسل .
قال : فبما عرفت صدق نبيك ؟ قال : بالآيات الباهرات ، والمعجزات البينات .
قال : فخبّرني عن اللّه - تعالى - أين هو ؟ قال : إنّ اللّه - تعالى - يجلّ عن الأين ، ويتعالى عن المكان ، كان فيما لم يزل ولا مكان ، وهو اليوم كذلك ، ولم يتغيّر من حال إلى حال .
ص: 291
قال : فخبّرني عنه - تعالى - أمدرك بالحواس فيسلك المسترشد في طلبه الحواس ، أم كيف طريق المعرفة به إن لم يكن كذلك ؟
قال : تعالى الملك الجبار أن يوصف بمقدار ، أو تدركه ، أو يقاس بالناس ، والطريق إلى معرفته صنائعه الباهرة للعقول ، الدالة لذوي الإعتبار بما هو منها مشهود ومعقول .
قال : فخبّرني عمّا قال نبيكم في المسيح ، وأنّه مخلوق ؟
فقال : أثبت له الخلق بالتدبير الذي لزمه ، والتصوير ، والتغيير من حال إلى حال ، والزيادة التي لا ينفك منها والنقصان ، ولم أنف عنه النبوة ، ولا أخرجته من العصمة والكمال والتأييد .
قال : فبما بنت أيّها العالم عن الرعية الناقصة عنك ؟
قال : بما أخبرتك به عن علمي بما كان وما يكون .
قال : فهلمّ شيئا من ذلك أتحقّق به دعواك ؟
قال : خرجت أيّها النصراني من مستقرّك مستنكرا لمن قصدت بسؤالك له ، مضمرا خلاف ما أظهرت من الطلب والاسترشاد ، فأريت في منامك مقامي ، وحدّثت فيه بكلامي ، وحذّرت فيه من خلافي ، وأمرت فيه بإتباعي .
قال : صدقت - واللّه - وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه ، وأنّك وصي رسول اللّه ، وأحقّ الناس بمقامه ، وأسلم الذين كانوا معه .
ص: 292
فقال عمر : الحمد للّه الذي هداك أيّها الرجل ، غير أنّه يجب أن تعلم أنّ علم النبوة في أهل بيت صاحبها ، والأمر من بعده لمن خاطبته أولاً برضى الأمّة ، قال : قد عرفت ما قلت ، وأنا على يقين من أمري(1) .
وفي حديث ثابت بن الأفلح قال : ضلّت لي فرس نصف الليل ، فأتيت باب أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا وصلت الباب خرج إليّ قنبر .
فقال لي : يا بن الأفلح ، الحق فرسك ، فخذه من عوف بن طلحة السعدي .
إبراهيم بن عمر رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : لو وجدت رجلاً ثقة لبعثت معه هذا المال إلى المدائن إلى شيعته(2) .
فقال رجل في نفسه : أنا آخذه ، وآخذ طريق الكرخة ، فجاء إليه فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا أذهب بهذا المال إلى المدائن .
قال : فرفع رأسه ، فقال : إياك عنّي ، تأخذ طريق الكرخة(3) .
ص: 293
غريب الحديث والفائق : أنّ عليا عليه السلام قال : أكثروا الطواف بهذا البيت ، فكأنّي برجل من الحبشة أصلع(1) أصمع(2) جالس عليه وهو يهدم(3) .
صاحب الحلية عن الحارث بن سويد قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : حجّوا قبل أن لا تحجّوا ، فكأنّي انظر إلى حبشي أصمع أقرع بيده معول يهدمها حجرا حجرا(4) .
عبد الرزاق عن أبيه عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف قال : سمع علي عليه السلام ضوضاء في عسكره ، فقال : ما هذا ؟
فقيل : قتل معاوية .
فقال : كلا وربّ الكعبة ، لا يقتل حتى تجتمع عليه الأمّة .
قالوا له : يا أمير المؤمنين ، فلم نقاتله ؟
ص: 294
قال : ألتمس العذر بيني وبين اللّه (1) .
النضر بن شميل عن عوف عن مروان الأصفر قال : قدم راكب من الشام وعلي عليه السلام بالكوفة ، فنعى معاوية ، فأدخل على علي عليه السلام ، فقال له علي عليه السلام : أنت شهدت موته ؟ قال : نعم ، وحثوته عليه . قال : إنّه كاذب .
قيل : وما يدريك يا أمير المؤمنين أنّه كاذب ؟ قال : إنّه لا يموت حتى يعمل كذا وكذا ، أعمالاً عملها في سلطانه .
فقيل له : فلم تقاتله وأنت تعلم هذا ؟ قال : للحجّة(2) .
المحاضرات عن الراغب : أنّه قال عليه السلام : لا يموت ابن هند حتى يعلّق الصليب في عنقه .
وقد رواه الأحنف بن قيس ، وابن شهاب الزهري ، والأعثم الكوفي ، وأبو حيّان التوحيدي ، وأبو الثلاج في جماعة : فكان كما قال(3) .
ص: 295
عمار [ و ] ابن عباس : أنّه لمّا صعد علي عليه السلام المنبر قال لنا : قوموا فتخلّلوا
الصفوف ونادوا : هل من كاره ، فتصارخ الناس من كلّ جانب : اللّهم قد رضينا وأسلمنا ، وأطعنا رسولك وابن عمّه .
فقال : يا عمار ، قم إلى بيت المال فاعط الناس ثلاثة دنانير لكلّ انسان ، وارفع لي ثلاثة دنانير .
فمضى عمار وأبو الهيثم مع جماعة من المسلمين إلى بيت المال ، ومضى أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد « قبا » يصلّي فيه ، فوجدوا فيه ثلاثمائة ألف دينار ، ووجدوا الناس مائة ألف ، فقال عمار : جاء - واللّه - الحقّ من ربّكم ، واللّه ما علم بالمال ولا بالناس ، وإنّ هذه لآية وجبت عليكم بها طاعة هذا الرجل .
فأبى طلحة والزبير وعقيل(1) ! أن يقبلوها . . القصّة .
ونقلت المرجئة والناصبة عن أبي الجهم العدوي - وكان معاديا لعلي عليه السلام - قال :
ص: 296
خرجت بكتاب عثمان - والمصريّون قد نزلوا بذي خشر(1) - إلى معاوية ، وقد طويته طيّا لطيفا ، وجعلته في قراب سيفي ، وقد تنكّبت عن الطريق ، وتوخّيت سواد الليل حتى كنت بجانب الجرف ، إذا رجل على حمار مستقبلي ، ومعه رجلان يمشيان أمامه ، فإذا هو علي بن أبي طالب قد أتى من ناحية البدو ، فأثبتني ، ولم أثبته حتى سمعت كلامه ، فقال : أين تريد يا صخر ؟
قلت : البدو ، فادع الصحابة ، قال : فما هذا الذي في قراب سيفك ؟
قلت : لا تدع مزاحك أبدا ، ثم جزته(2) .
الأصبغ بن نباتة قال : أتى رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقال : إنّي أحبّك في السرّ كما أحبّك في العلانية ، قال : فنكت أمير المؤمنين عليه السلامبعود كان في يده في الأرض ساعة ، ثم رفع رأسه فقال : كذبت واللّه .
ثم أتاه رجل آخر ، فقال : إنّي أحبّك ، فنكت بعود في الأرض طويلاً ، ثم رفع رأسه ، فقال : صدقت ، إنّ طينتنا طينة مرحومة أخذ اللّه ميثاقها يوم أخذ الميثاق ، فلا يشذّ منها شاذّ ، ولا يدخل فيها داخل إلى يوم القيامة(3) .
ص: 297
وقال أبو جعفر عليه السلام : إنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق(1) .
علي بن النعمان ومحمد بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر طويل : أنّه أنفذت عائشة رجلاً شديد العداوة لعلي عليه السلام بكتاب إليه ، فقال أبو عبد اللّه : فمضى فاستقبله راكبا ، قال : فناوله الكتاب ، ففضّ خاتمه ، ثم قرأه ، قال : تبلغ إلى منزلنا ، فتصيب من طعامنا وشرابنا ، ونكتب جواب كتابك ، قال : هذا - واللّه - لا يكون .
فثنى رجله فنزل ، وأحدق به أصحابه ، ثم قال له : أسألك ؟ قال : نعم ، قال : وتجيبني ؟ قال : نعم ، قال : ناشدتك اللّه ، أقالت : إلتمسوا لي رجلاً شديد العداوة لهذا الرجل ، فأُتيت بك ، فقالت لك : ما بلغت من عداوتك لهذا الرجل ؟ فقلت : كثيرا ، ما أتمنّى على ربّي أنّه وأصحابه في وسطي ، وأنّي ضربته ضربة بالسيف يشقّ السيف الدم ؟ فقال : اللّهم نعم .
قال : فأنشدك اللّه ، أقالت : فاذهب بكتابي هذا فادفعه إليه ظاعنا كان أو مقيما ، أما إنّك إن رأيته ظاعنا رأيته راكبا بغلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، منتكبا قوسا ، معلّقا كنانته بقربوس سرجه ، أصحابه خلفه كأنّهم طير صواف ؟
ص: 298
قال : اللّهم نعم .
قال : فأنشدك اللّه ، هل قالت لك : إن عرض عليك طعامه وشرابه فلا تنالن منه شيئا ، فإنّ فيه السحر ؟ قال : اللّهم نعم .
قال : فمبلغ عنّي ؟ قال : اللّهم نعم ، فإنّي قد أتيتك وما في الأرض خلق أبغض إليّ منك ، وأنا الساعة ما في الأرض خلق أحبّ إليّ منك ، فمرني بما شئت .
فقال : ادفع كتابي هذا ، وقل لها : ما أطعت اللّه ورسوله حيث أمرك اللّه بلزوم بيتك . . الخبر .
قال : فبلّغ الرجل رسالته ، ثم رجع إلى أمير المؤمنين(1) عليه السلام .
الأصبغ قال : صلّينا مع أمير المؤمنين عليه السلام الغداة ، فإذا رجل عليه ثياب السفر قد أقبل ، فقال : من أين ؟ قال : من الشام ، قال : ما أقدمك ؟ قال : لي حاجة ، قال : أخبرني وإلاّ أخبرتك بقضيتك ، قال : أخبرني بها يا أمير المؤمنين .
قال : نادى معاوية يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا : من يقتل عليا فله عشرة آلاف دينار ، فوثب فلان وقال : أنا ، قال : أنت .
ص: 299
فلمّا انصرف إلى منزله ندم وقال : أسير إلى ابن عمّ رسول اللّه وأبي ولديه فأقتله .
ثم نادى مناديه يوم الثاني : من يقتل عليا فله عشرون ألف دينار ، فوثب آخر ، فقال : أنا ، فقال : أنت ، ثم إنّه ندم واستقال معاوية ما قاله .
ثم نادى مناديه اليوم الثالث : من يقتل عليا فله ثلاثون ألف دينار ، فوثبت أنت ، وأنت رجل من حمير ، قال : صدقت ، قال : فما رأيك ، تمضي إلى ما أمرت به أو ماذا ؟ قال : لا ، ولكن انصرف ، قال : يا قنبر ، أصلح له راحلته ، وهيئ له زاده ، واعطه نفقته .
إسحاق بن حسان بإسناده عن الأصبغ قال : أمرنا أمير المؤمنين عليه السلام بالمسير من الكوفة إلى المدائن ، فسرنا يوم الأحد ، وتخلّف عنّا عمرو بن حريث والأشعث بن قيس وجرير بن عبد اللّه البجلي مع خمسة نفر ، فخرجوا إلى مكان بالحيرة يقال له « الخورنق والسدير » ، وقالوا : إذا كان يوم الجمعة لحقنا عليا قبل أن يجمع الناس ، فصلّينا معه .
فبينا هم جلوس ، وهم يتغدّون إذ خرج عليهم ضبّ ، فاصطادوه ، فأخذه عمرو بن حريث ، فبسط كفّه فقال : بايعوا هذا أمير المؤمنين ! فبايعه الثمانية ، ثم أفلتوه وارتحلوا ، وقالوا : إنّ علي بن أبي طالب يزعم أنّه يعلم الغيب ، فقد خلعناه وبايعنا مكانه ضبّا .
ص: 300
فقدموا المدائن يوم الجمعة ، فدخلوا المسجد وأمير المؤمنين عليه السلاميخطب على المنبر ، فقال عليه السلام : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أسرّ إليّ حديثا كثيرا في كلّ حديث باب يفتح كلّ باب ألف باب ، إنّ اللّه - تعالى - يقول في كتابه العزيز : « يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ » ، وأنا أقسم باللّه ليبعثن يوم
القيامة ثمانية نفر من هذه الأمّة إمامهم ضبّ ، ولو شئت أن أسمّيهم لفعلت .
فتغيّرت ألوانهم ، وارتعدت فرائصهم ، وكان عمرو بن حريث ينتفض كما تنتفض السعفة جبنا وفرقا(1) .
عبد اللّه بن أبي رافع قال : حضرت أمير المؤمنين عليه السلام وقد وجّه أبا موسى الأشعري وقال له : احكم بكتاب اللّه ولا تجاوزه ، فلمّا أدبر ، قال : كأنّي به وقد خدع .
قلت : يا أمير المؤمنين ، فلم توجّهه وأنت تعلم أنّه مخدوع ! فقال : يا بني ، لو عمل اللّه في خلقه بعلمه ما احتجّ عليهم بالرسل(2) .
مسند العشرة عن أحمد بن حنبل : أنّه قال أبو الوصي غياثا : كنّا
ص: 301
عامدين إلى الكوفة مع علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فلمّا بلغنا مسيرة ليلتين أو ثلاث من حروراء شذّ منّا أناس كثير ، فذكرنا ذلك لأمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : لا يهولنّكم أمرهم ، فإنّهم سيرجعون ، فكان كما قال(1) .
قال عليه السلام لطلحة والزبير ، وقد استأذناه في الخروج إلى العمرة : واللّه ، ما تريدان العمرة ، وإنّما تريدان البصرة(2) .
وفي رواية : إنّما تريدان الفتنة(3) .
وقال عليه السلام : لقد دخلا بوجه فاجر ، وخرجا بوجه غادر ، ولا ألقاهما إلاّ في كتيبة ، وأخلق بهما أن يقتلا .
وفي رواية أبي الهيثم بن التيهان وعبد اللّه بن رافع : ولقد أنبئت بأمركما ، وأريت مصارعكما ، فانطلقا ، وهو يقول وهما يسمعان : « فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ »(4) .
وقالت صفيّة بنت الحرث الثقفية - زوجة عبد اللّه بن خلف الخزاعي -
ص: 302
لعلي عليه السلام يوم الجمل بعد الوقعة : يا قاتل الأحبّة ، يا مفرّق الجماعة ، فقال عليه السلام : إنّي لا ألومك أن تبغضيني - يا صفيّة - وقد قتلت جدّك يوم بدر ، وعمّك يوم أحد ، وزوجك الآن ، ولو كنت قاتل الأحبّة لقتلت من في هذه البيوت .
ففتّش ، فكان فيها مروان وعبد اللّه بن الزبير(1) .
الأعمش بروايته عن رجل من همدان قال : كنّا مع علي عليه السلام بصفين ، فهزم أهل الشام ميمنة العراق ، فهتف بهم الأشتر ليتراجعوا ، فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يقول لأهل الشام : يا أبا مسلم خذهم ، ثلاث مرات .
فقال الأشتر : أوليس أبو مسلم معهم ! قال : لست أريد الخولاني ، وإنّما أريد رجلاً يخرج في آخر الزمان من المشرق يهلك اللّه به أهل الشام ، ويسلب عن بني أمية ملكهم .
قال الحميري :
نادى علي فوافا فوق منبره
أسمع الناس أنّي سيد الشيب
وإنّ فيّ وخير القول أصدقه
لسنّة من نبي اللّه أيوب
واللّه لي جامع شملي كما جمعت
كفّاه بعد شتات شمل يعقوب
ص: 303
واللّه لي واهب من فضل رحمته
ما ليس إلاّ لذي وحي بموهوب
واللّه منبعث من عترتي رجلاً
يفنى أمية وعدا غير مكذوب
هذا حديث عجيب عن أبي حسن
يروى وقد كان يأتي بالأعاجيب
* * *
وروي عن الحسن بن علي عليه السلام في خبر : أنّ الأشعث بن قيس الكندي بنى في داره مئذنة ، فكان يرقى إليها إذا سمع الأذان في أوقات الصلوات في مسجد جامع الكوفة ، فيصيح من على مئذنته : يا رجل ، إنّك لكاذب ساحر ، وكان أبي يسمّيه عنق النار(1) .
وفي رواية : عرف النار(2) .
فيسأل عن ذلك ، فقال : إنّ الأشعث إذا حضرته الوفاة دخل عليه عنق من النار ممدودة من السماء فتحرقه ، فلا يدفن إلاّ وهو فحمة سوداء .
فلمّا توفي نظر سائر من حضر إلى النار وقد دخلت عليه ، كالعنق الممدود ، حتى أحرقته ، وهو يصيح ويدعو بالويل والثبور .
ص: 304
ابن بطّة في الإبانة وأبو داود في السنن عن أبي مجالد في خبر : أنّه عليه السلام قال في الخوارج مخاطبا لأصحابه : واللّه لا يقتل منكم عشرة .
وفي رواية : ولا ينفلت منهم عشرة ، ولا يهلك منّا عشرة(1) .
فقتل من أصحابه تسعة ، وإنفلت منهم تسعة ، إثنان إلى سجستان ، وإثنان إلى عمان ، وإثنان إلى بلاد الجزيرة ، وإثنان إلى اليمن ، وواحد إلى موزن ، والخوارج من هذه المواضع منهم(2) .
وقال الأعثم : المقتولون من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام : رويبة بن وبر العجلي ، وسعد بن خالد السبيعي ، وعبد اللّه بن حماد الأرحبي ، والفياض بن خليل الأزدي ، وكيسوم بن سلمة الجهني ، وعبيد بن عبيد الخولاني ، وجميع بن جشم الكندي ، وضبّ بن عاصم الأسدي(3) .
قال أبو الجوائز الكاتب : حدّثنا علي بن عثمان قال : حدّثنا المظفر بن الحسن الواسطي السلال قال : حدّثنا الحسن بن ذكردان - وكان ابن ثلاثمائة وخمس وعشرين سنة - قال :
ص: 305
رأيت عليا عليه السلام في النوم ، وأنا في بلدي ، فخرجت إليه إلى المدينة ، فأسلمت على يده ، وسمّاني « الحسن » ، وسمعت منه أحاديث كثيرة ، وشهدت معه مشاهده كلّها ، فقلت له يوما من الأيام : يا أمير المؤمنين ، ادع اللّه لي ، فقال : يا فارسي ، إنّك ستعمّر ، وتحمل إلى مدينة يبنيها رجل من بني عمّي العباس تسمّى في ذلك الزمان « بغداد » ، ولا تصل إليها ، تموت بموضع يقال له « المدائن » .
فكان كما قال عليه السلام ليلة دخل المدائن مات .
مسعدة بن اليسع عن الصادق عليه السلام في خبر : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام مرّ بأرض بغداد ، فقال : ما تدعى هذه الأرض ؟ قالوا : بغداد ، قال : نعم ، يبني هاهنا مدينة ، وذكر وصفها .
ويقال : أنّه وقع من يده سوط ، فسأل عن أرضها ، فقالوا : « بغداد » ، فأخبر أنّه يبنى ثمّ مسجد يقال له « مسجد السوط » .
وفي تاريخ بغداد : أنّه قال المفيد أبو بكر الجرجاني : أنّه قال : ولد أبو الدنيا في أيام أبي بكر ، وأنّه قال : إنّي خرجت مع أبي للقاء أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا صرنا قريبا من الكوفة عطشنا عطشا شديدا ، فقلت لوالدي : اجلس حتى أدور لك الصحراء ، فلعلّي أقدر على ماء .
فقصدت إليه ، فإذا أنا ببئر شبه الركية أو الوادي ، فاغتسلت منه ، وشربت منه حتى رويت ، ثم جئت إلى أبي فقلت : قم ، فقد فرّج اللّه عنّا ،
ص: 306
وهذه عين ماء قريب منّا ، ومضينا فلم نر شيئا ، فلم يزل يضطرب حتى مات ودفنته .
وجئت إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو خارج إلى صفين ، وقد أخرج له البغلة ، فجئت ومسكت له بالركاب ، والتفت إليّ ، فانكببت أقبّل الركاب ، فشجّت في وجهي شجّة - قال أبو بكر المفيد : ورأيت الشجّة في وجهه واضحة - ثم سألني عن خبري ، فأخبرته بقضيّتي ، فقال : عين لم يشرب منها أحد إلاّ وعمّر عمرا طويلاً ، فأبشر فإنّك ستعمّر ، وسمّاني بالمعمّر ، وهو الذي يدعى بالأشج(1) .
وذكر الخطيب : أنّه قدم بغداد في سنة ثلاثمائة ، وكان معه شيوخ من بلده ، فسألوا عنه ، فقالوا : هو مشهور عندنا بطول العمر ، وقد بلغني أنّه مات في سنة سبع وعشرين وثلاثمائة ، ونحو ذلك ذكر شيخنا في الأمالي وفاته(2) .
الحارث الأعور وعمرو بن الحريث وأبو أيوب عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنّه لمّا رجع من وقعة الخوارج نزل يمنى السواد ، فقال له راهب : لا ينزل هاهنا إلاّ وصي نبي يقاتل في سبيل اللّه ، فقال علي عليه السلام : فأنا سيّد الأوصياء ،
وصيّ سيّد الأنبياء ، قال : فإذا أنت أصلع قريش ، وصيّ محمد صلى الله عليه و آله ،
ص: 307
خذ عليّ الإسلام ، فإنّي وجدت في الإنجيل نعتك ، وأنت تنزل « مسجد براثا » بيت مريم وأرض عيسى عليهماالسلام .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : فاجلس يا حباب ، قال : وهذه دلالة أخرى .
ثم قال : فأنزل - يا حباب - من هذه الصومعة ، وابن هذا الدير مسجدا ، فبنى حباب الدير مسجد ا ، ولحق أمير المؤمنين عليه السلام إلى الكوفة ، فلم يزل بها مقيما حتى قتل أمير المؤمنين عليه السلام ، فعاد حباب إلى مسجده ببراثا .
وفي رواية : أنّ الراهب قال : قرأت أنّه يصلّي في هذا الموضع « إيليا » وصيّ « البارقليطا » محمد نبي الأميّين ، الخاتم لمن سبقه من أنبياء اللّه ورسله - في كلام كثير - . . فمن أدركه فليتبع النور الذي جاء به ، ألا وأنّه تغرس في آخر الأيام بهذه البقعة شجرة لا يفسد ثمرها .
وفي رواية زاذان : قال أمير المؤمنين عليه السلام : ومن أين شربك ؟ قال : من دجلة ، قال : ولم لم تحفر عينا تشرب منها ؟ قال : قد حفرتها وخرجت مالحة ، قال : فاحتفر الآن بئرا أخرى .
فاحتفر فخرج ماؤها عذبا ، فقال : يا حباب ، ليكن شربك من هاهنا ، ولا يزال هذا المسجد معمورا ، فإذا خرّبوه ، وقطعوا نخله حلّت بهم - أو قال : بالناس - داهية .
وفي رواية محمد بن القيس : فأتى أمير المؤمنين عليه السلام موضعا من تلك الملبّة(1) ، فركلها برجله ، فانبجست عين خرارة ، فقال : هذه عين مريم عليهاالسلام .
ص: 308
ثم قال : فاحتفروا هاهنا سبعة عشر ذراعا ، فاحتفروا ، فإذا صخرة بيضاء ، فقال : هاهنا وضعت مريم عيسى عليهماالسلام من عاتقها ، وصلّت هاهنا .
فنصب أمير المؤمنين عليه السلام الصخرة ، وصلّى إليها ، وأقام هناك أربعة أيام .
وفي رواية الباقر عليه السلام : قال : هذه عين مريم التي انبعث لها ، واكشفوا هاهنا سبعة عشر ذراعا ، فكشف ، فإذا صخرة بيضاء(1) . . الخبر .
وفي رواية : هذا الموضع المقدّس صلّى فيه الأنبياء(2) .
وقال أبو جعفر عليه السلام : ولقد وجدنا أنّه صلّى فيه [ إبراهيم عليه السلام ] قبل عيسى(3) .
ورواية أُخرى : صلّى فيه الخليل(4) .
وروي : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام صاح ، فقال : يا بئر - بالعبراني - أقرب إليّ ، فلمّا عبر إلى المسجد ، وكان فيه عوسج وشوك عظيم ، فانتضى سيفه وكسح ذلك كلّه ، وقال : إنّ هاهنا قبر نبي من أنبياء اللّه ، وأمر الشمس أن إرجعي ، فرجعت ، وكان معه ثلاثة عشر رجلاً من أصحابه ، فأقام القبلة بخطّ الإستواء ، وصلّى إليها .
وقال العوني :
وقلت براثا كان بيتا لمريم
وذاك ضعيف في الأسانيد أعوج
ولكنّه بيت لعيسى بن مريم
وللأنبياء الزهر مثوى ومدرج
ص: 309
وللأوصياء الطاهرين مقامهم
على غابر الأيام والحقّ أبلج
بسبعين موصى بعد سبعين مرسل
جباههم فيها سجودا تشجّج
وآخرهم فيها صلاة إمامنا
علي بذا جاء الحديث المنهّج
* * *
وفي رواية : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : يا وشا ، ادن منّي ، قال : فدنوت منه ، فقال : امض إلى محلّتكم ستجد على باب المسجد رجلاً وامرأة يتنازعان ، فائتني بهما .
قال : فمضيت ، فوجدتهما يختصمان ، فقلت : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام يدعوكما ، فسرنا حتى دخلنا عليه ، فقال : يا فتى ما شأنك وهذه الإمرأة ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، إنّي تزوّجتها وأمهرت وأملكت وزففت ، فلمّا قربت منها رأت الدم ، وقد حرت في أمري ! فقال عليه السلام : هي عليك حرام ، ولست لها بأهل .
فماج الناس في ذلك ، فقال لها : هل تعرفيني ؟ فقالت : سماع اسمع بذكرك ولم أرك ، فقال : ما أنت فلانة بنت فلان من آل فلان ؟ فقالت : بلى واللّه ، فقال : ألم تتزوّجين بفلان بن فلان متعة سرّا من أهلك ؟ ألم تحملي منه حملاً ، ثم وضعتيه غلاما ذكرا سويّا ، ثم خشيت قومك وأهلك ، فأخذتيه وخرجت ليلاً حتى إذا صرت في موضع خال وضعتيه على الأرض ، ثم وقفت مقابلته ، فحننت عليه ، فعدت أخذتيه ، ثم عدت طرحتيه حتى
ص: 310
بكى خشيت الفضيحة ، فجاءت الكلاب ، فأنبحت عليك فخفت فهرولت ، فانفرد من الكلاب كلب ، فجاء إلى ولدك فشمّه ، ثم نهشه لأجل رائحة الزهوكة(1) ، فرميت الكلب إشفاقا فشججتيه ، فصاح فخشيت أن يدركك الصباح فيشعر بك ، فوليت منصرفة ، وفي قلبك من البلابل ، فرفعت يديك نحو السماء وقلت : اللّهم احفظه يا حافظ الودائع ؟
قالت : بلى - واللّه - كان هذا جميعه ، وقد تحيّرت في مقالتك ، فقال : هاؤم الرجل ، فجاء ، فقال : اكشف عن جبينك ، فكشف ، فقال للمرأة : هاء الشجّة في قرن ولدك ، وهذا الولد ولدك ، واللّه - تعالى - منعه من وطيك بما أراه منك من الآية التي صدّته ، واللّه قد حفظ عليك كما سألتيه ، فاشكري للّه على ما أولاك وحباك .
الحارث الأعور وأبو أيوب الأنصاري وجابر بن يزيد ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام ، وعيسى بن سليمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، ودخل بعض الخبر في بعض :
إنّ عليا عليه السلام كان يدور في أسواق الكوفة ، فلعنته إمرأة ثلاث مرات ، فقال : يا سلقلقية ، كم قتلت من أهلك ؟ قالت : سبعة عشر ، أو ثمانية عشر .
ص: 311
فلمّا انصرفت قالت لأمّها ذلك ، فقالت : السلقلقية من ولدت بعد حيض ، ولا يكون لها نسل ، فقالت : يا أمّاه أنت هكذا ؟
قالت : بلى(1) . . الخبر .
وفي رواية عن الباقر عليه السلام : إنّها قالت - وقد حكم عليها - : ما قضيت بالسويّة ، ولا تعدل في الرعيّة ، ولأقضينّك عند اللّه بالمرضيّة ، فنظر إليها ، ثم قال : يا خزيّة ، يا بذيّة ، يا سلفع(2) ، أو يا سلسع ، فولّت تولول وهي
تقول : وا ويلي ، لقد هتكت - يا بن أبي طالب - سترا كان مستورا(3) .
وفي خصائص النطنزي : قال علي عليه السلام : اللّه أكبر .
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا يبغضك من قريش إلاّ سفحي ، ولا من الأنصار إلاّ يهودي ، ولا من العرب إلاّ دعي ، ولا من سائر الناس إلاّ شقي ، ولا من النساء إلاّ سلقلقية .
فقالت المرأة : وما السلقلقية ؟ قال : التي تحيض من دبرها(4) .
فقالت المرأة : صدق اللّه ورسوله ، أخبرتني بشيء هو فيّ - يا علي - لا أعود إلى بغضك أبدا ، فقال : اللّهم إن كانت صادقة ، فحوّل طمثها حيث النساء طمثت ، فحوّل اللّه طمثها .
ص: 312
وقال الحارث الأعور : فتبعها عمرو بن حريث ، وسألها عن مقاله فيها ، فصدّقته ، فقال عمرو : أتراه ساحرا أو كاهنا أو مجذوما ؟ قالت : بئس ما قلت يا عبد اللّه ، لكنّه من أهل بيت النبوة .
فأقبل ابن حريث إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فأخبره بمقالها ، فقال عليه السلام : لقد كانت المرأة أحسن قولاً منك(1) .
قال ابن حماد :
ولقد قضى فيما رووه قضية
فيها عجائب مثلها لا يسمع
جاءته امرأة تخاصم بعلها
فقضى عليها بالذي هو أورع
قالت قضيت بغير حقّ قال لا
يا سلقع يا مهيع يا قردع(2)
فهناك ولّت لا تلبّث فانثنىفي إثرها رجس لئيم يتبع
قال انظري أترين سحرا عندهقالت له مهلاً فخدّك أضرع
بل ذاك علم رسالة ونبوةومضت وعاد وقلبه متلذّع
قال الإمام له أسأت وأحسنتفينا وكلّ حاصد ما يزرع
* * *
وقال له عليه السلام حذيفة بن اليمان في زمن عثمان : إنّي - واللّه - ما فهمت قولك ، ولا عرفت تأويله حتى بلغت ليلتي ، أتذكر ما قلت لي بالحرّة ،
ص: 313
وإنّي مقيل : كيف أنت يا حذيفة إذا ظلمت العيون العين ، والنبي صلى الله عليه و آله بين أظهرنا ، ولم أعرف تأويل كلامك إلاّ البارحة ، رأيت عتيقا ثم عمر تقدّما عليك ، وأوّل اسمهما عين ، فقال : يا حذيفة نسيت عبد الرحمن حيث مال بها إلى عثمان .
وفي رواية : وسيضمّ إليهم عمرو بن العاص مع معاوية ابن آكلة الأكباد ، فهؤلاء العيون المجتمعة على ظلمي(1) .
وروى زيد وصعصعة ابنا صوحان ، والبراء بن سبرة ، والأصبغ بن نباتة ، وجابر بن شرحبيل ، ومحمود بن الكواء :
أنّه ذكر بدير الديلم من أرض فارس لأسقف ، وقد أتت عليه عشرون ومائة سنة : أنّ رجلاً قد فسّر الناقوس - يعنون عليا عليه السلام - فقال : سيروا بي إليه ، فإنّي أجده أنزع بطينا .
فلمّا وافى أمير المؤمنين عليه السلام قال : قد عرفت صفته في الإنجيل ، وأنا أشهد أنّه وصيّ ابن عمّه ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : جئت لتؤمن ، أزيدك رغبة في إيمانك ؟ قال : نعم ، قال : إنزع مدرعتك ، فأر أصحابك الشامة التي بين كتفيك ، فقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا عبده ورسوله ، وشهق شهقة فمات .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : عاش في الإسلام قليلاً ، ونعم في جوار اللّه كثيرا .
ص: 314
ابن عباس أنّه قال عليه السلام يوم الجمل : لنظهرنّ على هذه الفرقة ، ولنقتلنّ هذين الرجلين(1) .
وفي رواية : لنفتحنّ البصرة ، وليأتينكم اليوم من الكوفة ثمانية آلاف رجل وبضع وثلاثون رجلاً ، فكان كما قال(2) .
وفي رواية : ستة آلاف وخمسة وستّون .
ومن حديث ابن عباس في سبب مجيء أويس القرني في صفين(3) .
أصحاب التفسير عن جندب بن عبد اللّه الأزدي :
لمّا نزل أمير المؤمنين عليه السلام النهروان ، فانتهينا إلى عسكر القوم ، فإذا لهم دويّ كدويّ النحل من قراءة القرآن ، وفيهم أصحاب البرانس ، فلمّا أن رأيتهم دخلني من ذلك ، فتنحيت وقمت أصلّي ، وأنا أقول : اللّهم إن كان
ص: 315
قتال هؤلاء القوم لك طاعة فأذن فيه ، وإن كان ذلك معصية فأرني ذلك ، فأنا في ذلك إذ أقبل عليّ ، فلمّا حاذاني قال : نعوذ باللّه - يا جندب - من الشكّ .
ثم نزل يصلّي إذ جاءه فارس ، فقال : يا أمير المؤمنين ، قد عبر القوم وقطعوا النهر ، فقال عليه السلام : كلاّ ما عبروا .
فجاء آخر ، فقال : قد عبر القوم ، فقال : كلاّ ما فعلوا ، قال : واللّه ما جئت حتى رأيت الرايات في ذلك الجانب والأثقال .
فقال عليه السلام : واللّه ما فعلوا ، وإنّه لمصرعهم ، ومهراق دمائهم - وفي رواية : لا يبلغون إلى قصر بوري بنت كسرى - ، فدفعنا إلى الصفوف ، فوجدنا الرايات والأثقال كما هي .
قال : فأخذ بقفاي ودفعني ، ثم قال : يا أخا الأزد ، ما تبيّن لك الأمر ؟ فقلت : أجل يا أمير المؤمنين(1) .
سفيان بن عيينة عن طاووس اليماني أنّه قال عليه السلام لحجر البدري : يا حجر ، كيف بك إذا أوقفت على منبر صنعاء ، وأمرت بسبّي والبراءة منّي ؟
قال : فقلت : أعوذ باللّه من ذلك .
ص: 316
قال : واللّه إنّه كائن ، فإذا كان ذلك فسبّني ، ولا تتبرّأ منّي ، فإنّه من تبرّأ منّي في الدنيا برأت منه في الآخرة(1) .
قال طاووس : فأخذه الحجاج على أن يسبّ عليا عليه السلام ، فصعد المنبر وقال : أيّها الناس إنّ أميركم هذا أمرني أن ألعن عليا ، ألا فالعنوه ، لعنه اللّه (2) .
أمثال أبي عبد اللّه : أنّه أثنى عليه رجل متّهم ، فقال : إنّا دون ما تقول ،
وفوق ما تظنّ في نفسك(3) .
ص: 317
قال الناشي :
له في كلّ وجه سمة
تنبئ عن العقد
فتسقي الرجس بالغي
وتحظي البرّ بالرشد
* * *
ص: 318
ص: 319
ص: 320
الأصبغ بن نباتة قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا وقف الرجل بين يديه قال : يا فلان ، إستعدّ وأعدّ لنفسك ما تريد ، فإنّك تمرض في يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا في ساعة كذا وكذا ، فيكون كما قال(1) .
وكان عليه السلام قد علم رشيد الهجري من ذلك ، فكانوا يلقّبونه رشيد البلايا(2) .
وأخبر عن قتل الحسين(3) عليه السلام .
فضل بن الزبير عن أبي الحكم عن مشيخته : إنّ أمير المؤمنين عليه السلامقال : سلوني قبل أن تفقدوني ، قال رجل : أخبرني كم في رأسي ولحيتي من
ص: 321
طاقة شعر ؟ قال عليه السلام : إنّ على كلّ طاقة في رأسك ملك يلعنك ، وعلى كلّ طاقة من لحيتك شيطان يستفزّك ، وإنّ في بيتك لسخلاً يقتل ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وآية ذلك مصداق ما أخبرتك به ، ولولا أنّ الذي سألت يعسر برهانه لأخبرتك به .
وكان ابنه عمر - يومئذٍ - صبيّا حابيا(1)، وكان قتل الحسين عليه السلام على يده(2).
ومستفيض في أهل العلم عن الأعمش وابن محبوب عن الثمالي والسبيعي كلّهم عن سويد بن غفلة ، وقد ذكره أبو الفرج الأصفهاني في أخبار الحسن :
أنّه قيل لأمير المؤمنين عليه السلام عن خالد بن عرفطة : قد مات ، فقال عليه السلام : إنّه لم يمت ، ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة ، صاحب لوائه حبيب بن جماز .
فقام رجل من تحت المنبر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، واللّه إنّي لك شيعة ، وإنّي لك لمحبّ ، وأنا حبيب بن جماز .
قال : إيّاك أن تحملها ، ولتحملنّها ، فتدخل بها من هذا الباب ، وأومى ء بيده إلى باب الفيل .
ص: 322
فلمّا كان من أمر الحسين عليه السلام ما كان ، وتوجّه عمر بن سعد بن أبي وقاص إلى قتاله كان خالد بن عرفطة على مقدّمته ، وحبيب بن جماز صاحب رايته ، فسار بها حتى دخل المسجد من باب الفيل(1) .
أبو حفص عمر بن محمد الزيات في خبر : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال للمسيب بن نجية : يأتيكم راكب الدغيلة(2) يشدّ حقوها بوضينها(3) لم يقض تفثا من حجّ ولا عمرة ، فيقتلوه ، يريد الحسين(4) عليه السلام .
وقال عليه السلام يخاطب أهل الكوفة : كيف أنتم إذا نزل بكم ذريّة رسولكم ، فعمدتم إليه فقتلتموه ، قالوا : معاذ اللّه ، لئن أتانا اللّه في ذلك لنبلونّ عذرا ، فقال :
هم أوردوه في الغرور وغرّروا
أرادوا نجاة لا نجاة ولا عذر
ص: 323
إسماعيل بن صبيح عن يحيى بن مساور العابد عن إسماعيل بن زياد قال : إنّ عليا عليه السلام قال للبراء بن عازب : يا براء ، يقتل ابني الحسين وأنت حيّ لا تنصره .
فلمّا قتل الحسين عليه السلام كان البراء يقول : صدق - واللّه - أمير المؤمنين عليه السلام ، وجعل يتلهف(1) .
مسند الموصلي : روى عبد اللّه بن يحيى عن أبيه : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا حاذى نينوى - وهو منطلق إلى صفين - نادى : إصبر أبا عبد اللّه بشطّ الفرات .
فقلت : وماذا ؟ فذكر مصرع الحسين عليه السلامبالطف(2) .
جويرية بن مسهر العبدي : لمّا رحل علي عليه السلام إلى صفين وقف بطفوف كربلاء ، ونظر يمينا وشمالاً واستعبر ، ثم قال : واللّه ، ينزلون هاهنا ، فلم يعرفوا تأويله إلاّ وقت قتل الحسين(3) عليه السلام .
ص: 324
الشافي في الأنساب : قال بعض أصحابه : فطلبت ما أعلّم به الموضع ، فما وجدت غير عظم جمل ، قال : فرميته في الموضع ، فلمّا قتل الحسين عليه السلام وجدت العظم في مصارع أصحابه .
وأخبر عليه السلام بقتل نفسه .
روى الشاذكوني عن حماد عن يحيى عن ابن عتيق عن ابن سيرين قال : إن كان أحد يعرف أجله فعلي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
الصادق عليه السلام : إنّ عليا عليه السلام أمر أن يكتب له من يدخل الكوفة ، فكتب له أناس ، ورفعت أسماؤهم في صحيفة ، فقرأها ، فلمّا مرّ على اسم ابن ملجم وضع إصبعه على اسمه ، ثم قال : قاتلك اللّه ، قاتلك اللّه .
ولمّا قيل له : إذا علمت أنّه يقتلك فلم لا تقتله ؟ فيقول : إنّ اللّه - تعالى - لا يعذّب العبد حتى تقع منه المعصية ، وتارة يقول : فمن يقتلني(2) ؟
الأصبغ بن نباتة : إنّه خطب عليه السلام في الشهر الذي قتل فيه ، فقال : أتاكم شهر رمضان، وهو سيّد الشهور ، وأوّل السنة، وفيه تدور رحى الشيطان(3)، ألا وإنّكم حاجّوا العام صفّا واحدا ، وآية ذلك أن لست فيكم(4) .
ص: 325
الصفواني في الإحن والمحن قال الأصبغ : سمعت عليا عليه السلام قبل أن يقتل بجمعة يقول : ألا من كان هاهنا من بني عبد المطلب فليدن منّي ، لا تقتلوا غير قاتلي ، ألا لا ألفينكم غدا تحيطون الناس بأسيافكم تقولون : قتل أمير المؤمنين(1) .
عثمان بن المغيرة : أنّه لمّا دخل شهر رمضان كان عليه السلام يتعشّى ليلة عند الحسن عليه السلام ، وليلة عند الحسين عليه السلام ، وليلة عند عبد اللّه بن عباس
- والأصحّ عند عبد اللّه بن جعفر - وكان لا يزيد على ثلاث لقم .
فقيل له في ذلك ، فقال : يأتيني أمر ربّي وأنا خميص(2) ، إنّما هي ليلة أو ليلتان ، فأصيب في تلك الليلة(3) .
وكذلك أخبر عليه السلام بقتل جماعة .
منهم : حجر بن عدي ، ورشيد الهجري ، وكميل بن زياد ، وميثم التمّار ، ومحمد بن أكثم ، وخالد بن مسعود ، وحبيب بن المظاهر ، وجويرية ، وعمرو بن الحمق ، وقنبر ، ومذرع ، وغيرهم ، ووصف قاتليهم ، وكيفية قتلهم على ما يجيء بيانه إن شاء اللّه .
ص: 326
عبد العزيز وصهيب عن أبي العالية قال : حدّثني مذرع بن عبد اللّه قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : أما - واللّه - ليقبلنّ جيش حتى إذا كان بالبيداء خسف بهم ، فقلت : هذا غيب .
قال : واللّه ، ليكوننّ ما خبّرني به أمير المؤمنين عليه السلام ، وليؤخذنّ رجل فليقتلنّ ، وليصلبنّ بين شرفتين من شرف هذا المسجد .
فقلت : هذا ثان ، قال : حدّثني الثّقة المأمون علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
قال أبو العالية : فما أتت علينا جمعة حتى أخذ مذرع ، وصلب بين الشرفتين(1) .
خطب بالكوفة لمّا رأى عجزهم قال : مع أيّ إمام بعدي تقاتلون ؟ وأيّ دار بعد داركم تمنعون ؟ أما أنّكم ستلقون بعدي ذلاًّ شاملاً ، وسيفا قاطعا ، وإثرة قبيحة يتّخذها الظالمون عليكم سنّة(1) .
وقال عليه السلام لأهل الكوفة : أما أنّه سيظهر عليكم رجل رحيب البلعوم ، مندحق(2) البطن ، يأكل ما يجد ، ويطلب ما لا يجد ، فاقتلوه ، ولن تقتلوه .
ألا وإنّه سيأمركم بسبي والبراءة منّي ، فأمّا السبّ فسبوني ، وأمّا البراءة عنّي فلا تتبرؤا منّي ، فإنّي ولدت على الفطرة ، وسبقت إلى الإسلام والهجرة(3) ، يعني معاوية .
وقال لأهل البصرة : إن كنت قد أدّيت لكم الأمانة ، ونصحت لكم بالغيب ، وأهنتموني فكذّبتموني ، فسلّط اللّه عليكم فتى ثقيف ، قال : رجل لا يدع للّه حرمة إلاّ انتهكها(4) ، يعني الحجاج .
ص: 328
وأخبر عليه السلام بخروج الترك والزنج .
رواه الرضي في نهج البلاغة : فقال عليه السلام في الترك : كأنّي أراهم قوما كأنّ وجوههم المجان(1) المطرّقة ، يلبسون الإستبرق والديباج ، ويعتقبون الخيل العتاق ، ويكون هناك استحرار(2) قتل حتى يمشي المجروح على المقتول ، ويكون المفلت أقلّ من المأسور(3) .
ثم قال في الزنج : يا أحنف ، كأنّي به وقد سار بالجيش الذي لا يكون له غبار ، ولا لجب(4) ، ولا قعقعة لجم ، ولا حمحمة خيل ، يثيرون الأرض بأقدامهم كأنّها أقدام النعام(5) .
وذكر محمود في الفائق قوله عليه السلام : إنّ من ورائكم أمورا متماحلة ردحا وبلاء مبلحا(6)(7) .
وذكر في خطبة اللؤلؤية : ألا وإنّي ظاعن عن قريب ، ومنطلق للمغيب ،
ص: 329
فارهبوا الفتن الأموية ، والمملكة الكسروية .
ومنها : فكم من ملاحم وبلاء متراكم تفتل(1) مملكة بني العباس بالروع واليأس ، وتبنى لهم مدينة يقال لها «الزوراء» بين دجلة ودجيل، ثم وصفها .
ثم قال : فتوالت فيها ملوك شيصان أربعة وعشرون ملكا على عدد سني الكديد ، فأوّلهم السفاح ، والمقلاص ، والجموح ، والمجروح - وفي رواية : المجذوع - والمظفّر ، والمؤنث ، والنظار ، والكبش ، والمطهور ، والمستظلم ، والمستصعب - وفي رواية : المستضعف - والعلام ، والمختطف ، والغلام ، والمترف ، والكديد ، والأكدر - وفي رواية : والأكتب - والأكلب ، والمشرف ، والوشم ، والصلم ، والعنون ، والركاز ، والعينوق ، ثم الفتنة الحمراء ، والعلادة(2) الغبراء في عقبها قائم الحقّ(3) .
وقوله عليه السلام في الخطبة الغراء : ويل لأهل الأرض ، إذا دعي على منابرهم باسم الملتجي والمستكفي .
ولم يعرف الملتجي في ألقابهم ، ولكن لمّا بيّنا صفتهم ، وجدناه الملقّب بالمتقّي الذي التجأ إلى بني حمدان ، ثم يذكر الرجل من ربيعة الذي قال : في أوّل اسمه « سين وميم » ، ويعقب برجل في اسمه « دال وقاف » ، ثم يذكر صفته وصفة ملكه .
ص: 330
وقوله عليه السلام : وإنّ منهم الغلام الأصفر الساقين اسمه أحمد .
وقوله : وينادي منادي الجرحى على القتلى ودفن الرجال ، وغلبة الهند على السند ، وغلبة القفص على السعير ، وغلبة القبط على أطراف مصر ، وغلبة أندلس على أطراف إفريقية ، وغلبة الحبشة على اليمن ، وغلبة الترك على خراسان ، وغلبة الروم على الشام ، وغلبة أهل أرمينية ، وصرخ الصارخ بالعراق : هتك الحجاب ، وافتضت العذراء ، وظهر علم اللعين الدجال ، ثم ذكر خروج القائم عليه السلام .
وذكر عليه السلام في خطبة الأقاليم ، فوصف ما يجرى في كلّ إقليم ، ثم وصف ما يجري بعد كلّ عشر سنين من موت النبي صلى الله عليه و آله إلى تمام ثلاثمائة وعشر سنين من فتح قسطنطنية، والصقالبة، والأندلس، والحبشة، والنوبة، والترك، والكرك، ومل وحيسل، وتأويل ، وتاريس ، والصين ، وأقاصي مدن الدنيا.
وقوله عليه السلام في خطبة الملاحم المعروفة بالزهراء : وإنّ من السنين سنون جواذع ، تجذع فيها أنف غطارفة وهراقلة يقتل فيها رجال ، وتسبى فيها نساء ، ويسلب فيها قوم أموالهم وأديانهم ، وتخرب وتحرق دورهم وقصورهم ، وتملك عليهم عبيدهم وأراذلهم وأبناء إمائهم ، يذهب فيها ملك ملوك الظلمة ، والقضاة الخونة .
ثم قال بعد كلام : تلك سنون عشر كوامل .
ثم قوله عليه السلام : إنّ ملك ولد بني العباس من خراسان يقبل، ومن خراسان يذهب .
وقوله في المعتصم : يدعى له في المنابر بالميم والعين والصاد ، فذلك رجل صاحب فتوح ونصر وظفر ، وهو الذي تخفق راياته بأرض الروم ، وسيفتح الحصينة من مدنها ، ويعلو العقاب الخشن من عقابها بعقب هارون وجعفر ، ويتّخذ المؤتفكة بيتا ودارا ، يبطل العرب ويتّخذ العجم - عجم الترك - أولياء وزراء .
وقوله عليه السلام : ويبطل حدود ما أنزل اللّه في كتابه على نبيه محمد صلى الله عليه و آله ، ويقال : رأى فلان ، وزعم فلان - يعني أبا حنيفة والشافعي وغيرهما - ويتّخذ الآراء والقياس ، وينبذ الآثار والقرآن وراء الظهور ، فعند ذلك تشرب الخمور ، وتسمّى بغير اسمها ، ويضرب عليها بالعرطبة(1)
ص: 332
والكوبة(1) والقينات والمعازف ، ويتّخذ آنية الذهب والفضّة .
وقوله عليه السلام : يشيّدون القصور والدور ، ويلبس الديباج والحرير ، ويسفر الغلمان ، فيشنّفونهم ، ويقرطقونهم(2) ، ويمنطقونهم .
وقوله عليه السلام : فيأخذ الروم ما أخذ منها وتزداد - يعني الساحل ونحوها - ، وتأخذ الترك ما أخذ منها - يعني كاشغر(3) وما وراء النهر - ، ويأخذ القفص
ما أخذ منها - يعني تفليس ونحوها - ، ويأخذ القلقل ما أخذ منها .
ثم يورد فيها من العجائب ، ويسمّي مدينة مدينة ، ويلغز ببعض ، ويصرّح ببعض ، حتى يقول : الويل لأهل البصرة ، إذا كان كذا وكذا ، الويل لأهل الجبال إذا كان كذا وكذا ، والويل لأهل الدينور(4) ، والويل لأهل أصفهان من جالوت عبد اللّه الحجّام ، والويل لأهل العراق ، والويل لأهل الشام ، والويل لأهل مصر ، الويل لأهل فلانة .
ثم يقول : من فراعنة الجبال فلان ، فإذا ألغز قال : في اسمه حرف كذا ، حتى ذكر العساكر التي تقتل بين حلوان والدينور ، والعساكر التي تقتل بين أبهر(5) وزنجان ، ويذكر الثائر من الديلم وطبرستان .
ص: 333
وروى ابن الأحنف عن ملوك بني أمية ، فسمّاهم خمسة عشر .
ومن خطبة له : ويل هذه الأمّة من رجالهم - الشجرة الملعونة - التي ذكرها ربكّم - تعالى - ، أوّلهم خضراء ، وآخرهم هزماء(1) ، ثم يلي بعدهم أمر أمّة محمد صلى الله عليه و آله رجال أوّلهم أرأفهم ، وثانيهم أفتكهم ، وخامسهم كبشهم ، وسابعهم أعلمهم ، وعاشرهم أكفرهم ، يقتله أخصّهم به ، وخامس عشرهم كثير العناء، قليل الغناء، سادس عشرهم أقضاهم للذمم، وأوصلهم للرحم، كأنّي أرى ثامن عشرهم تفحص رجلاه في دمه بعد أن يأخذ جنده بكظمه ، من ولده ثلاث رجال سيرتهم سيرة الضلال ، والثاني والعشرين منهم الشيخ الهرم ، تطول أعوامه ، وتوافق الرعيّة أيامه ، والسادس والعشرون منهم يشرد الملك منه شرود المنفتق ، ويعضده الهزرة(2) المتفيهق(3) ، لكأنّي أراه على جسر الزوراء قتيلاً « ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ » .
ومنها : سيخرب العراق بين رجلين يكثر بينهما الجريح والقتيل - يعني طرليك والديلم - لكأنّي أشاهد به دماء ذوات الفروج بدماء أصحاب السروج ، ويل لأهل الزوراء من بني قنطورة(4) .
ص: 334
ومنها : لكأنّي أرى منيّة الشيخ على ظاهر أهل الحصّة قد وقعت به وقعتان يخسر فيها الفريقان - يعنى وقعة الموصل حتى سمّى باب الأذان - ، وويل للطين من ملابسة الاشراك ، وويل للعرب من مخالطة الأتراك ، ويل لأمّة محمد صلى الله عليه و آله إذا لم تحمل أهلها البلدان ، وعبر بنو قنطورة نهر جيحان ، وشربوا ماء دجلة ، وهمّوا بقصد البصرة والأبلة(1) .
وأيم اللّه لتعرفنّ بلدتكم حتى كأنّي انظر إلى جامعها كجؤجؤ(2) سفينة أو نعامة جاثمة(3) .
وأخبر عليه السلام عن خراب البلدان .
روى قتادة عن سعيد بن المسيب أنّه سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن قوله تعالى : « وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها » ، فقال في خبر طويل إنتخبنا منه :
تخرب سمرقند وجاح وخوارزم وأصفهان والكوفة من الترك .
وهمدان والري من الديلم .
والطبرية والمدينة وفارس بالقحط والجوع .
ص: 335
ومكة من الحبشة .
والبصرة وبلخ من الغرق .
والسند من الهند ، والهند من تبّت ، وتبّت من الصين .
وبذشجان وصاغان وكرمان وبعض الشام بسنابك الخيل والقتل .
واليمن من الجراد والسلطان .
وسجستان وبعض الشام بالزنج .
وشامان بالطاعون .
ومرو بالرمل .
وهراة بالحيات .
ونيسابور من قبل انقطاع النيل .
وأذربيجان بسنابك الخيل والصواعق .
وبخارا بالغرق والجوع والحلم(1) .
وبغداد يصير عاليها سافلها .
قال الناشي :
إمام يفضل العالم بالعلم وبالزهد
هو البحر الذي تيّاره أحلى من الشهد
وفيه المسك والعنبر والكافور والند(2)
ألا يا آل يس وأهل الكهف والرعد
ص: 336
أعرفتم بما يحدث في الزنج وفي الهند
وعلم الأبحر السبعة ذات الجزر والمدّ
وجابرقا وجابرصا وكم في الصين من يد
وما يحدث بالأقطار من فتح ومن سدّ
ومن فتح ومن زحف ومن رجف ومن هدّ
ومن فتق ومن رتق ومن دهش ومن بلد
وما يفسد من دين وما يسلم من عقد * * *
وقيل للباقر عليه السلام : قد رضى أبوك إمامتهما لمّا استحل من سبيهما ، فأشار عليه السلام إلى جابر الأنصاري ، فقال جابر : رأيت الحنفيّة عدلت إلى تربة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فرنّت وزفرت ، فنادت : السلام عليك يا رسول اللّه وعلى أهل بيتك من بعدك ، هذه أمّتك سبتنا سبي الكفار ، وما كان لنا ذنب إلاّ الميل إلى أهل بيتك ، ثم قالت : أيّها الناس لم سبيتمونا وقد أقررنا الشهادتين ؟
فقال الزبير : لحقّ اللّه في أيديكم منعتموناه .
قالت : هب الرجال منعوكم ، فما بال النسوان !
فطرح طلحة عليها ثوبا ، وخالد ثوبا ، فقالت : يا أيّها الناس ، لست بعريانة فتكسوني ، ولا سائلة فتتصدّقون عليّ ، فقال الزبير : إنّهما
ص: 337
يريدانك ، فقالت : لا يكونان لي ببعل ، إلاّ من خبّرني بالكلام الذي قلته ساعة خرجت من بطن أمّي .
فجاء أمير المؤمنين عليه السلام وناداها : يا خولة ، اسمعي الكلام وعي الخطاب ، لمّا كانت أمّك حاملة بك ، وضربها الطلق ، واشتدّ بها الأمر نادت : اللّهم سلّمني من هذا المولود سالما ، فسبقت الدعوة لك بالنجاة .
فلمّا وضعتك ناديت من تحتها : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، يا أمّاه لم تدعين عليّ ، وعمّا قليل سيملكني سيّد يكون لي منه ولد ، فكتبت ذلك الكلام في لوح نحاس ، فدفنته في الموضع الذي سقطت فيه ، فلمّا كانت في الليلة التي تغيّبت أمّك فيها أوصت إليك بذلك .
فلمّا كان وقت سبيك لم تكن لك همّة إلاّ أخذ ذلك اللوح ، فأخذتيه وشددتيه على عضدك ، هاتي اللوح فأنا صاحب اللوح ، وأنا أمير المؤمنين ، وأنا أبو ذلك الغلام الميمون ، واسمه محمد .
فدفعت اللوح إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقرأه عثمان لأبي بكر ، فواللّه ما زاد على ما في اللوح حرفا واحدا ولا نقص .
فقالوا بأجمعهم : صدق اللّه ورسوله ، إذ قال : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فقال أبو بكر : خذها - يا أبا الحسن - بارك اللّه لك فيها .
فأنفدها علي عليه السلام إلى أسماء بنت عميس ، فقال : خذي هذه المرأة فأكرمي مثواها واحفظيها ، فلم تزل عندها إلى أن قدم أخوها ، فتزوّجها منه ، وأمهرها أمير المؤمنين عليه السلام ، وتزوّجها نكاحا(1) .
ص: 338
وهذه كلّها إخبار بالغيب أفضى إليه النبي صلى الله عليه و آله بالسرّ ممّا أطلعه اللّه - عزّ وعلا - عليه ، كما قال اللّه تعالى « عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ
أَحَداً إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً » .
ولم يشحّ النبي صلى الله عليه و آله على وصيّه عليه السلام بذلك ، كما قال تعالى « وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ » ، ولا ضنّ علي عليه السلام على الأئمة من ولده عليهم السلام .
وأيضا لا يجوز أن يخبر بمثل هذا إلاّ من أقامه رسول اللّه صلى الله عليه و آله مقامه من بعده .
ص: 339
ص: 340
ص: 341
ص: 342
عبد اللّه بن مسعود قال : لا تتعرّضوا لدعوة علي عليه السلام ، فإنّها لا تردّ .
الأعثم في الفتوح : إنّ عليا عليه السلام رفع يده إلى السماء وهو يقول : اللّهم إنّ طلحة بن عبد اللّه أعطاني صفقة يمينه طائعا ، ثم نكث بيعتي ، اللّهم فعاجله ولا تمهله ، اللّهم وإنّ الزبير بن العوام قطع قرابتي ، ونكث عهدي ، وظاهر عدوّي ، وهو يعلم أنّه ظالم لي ، فاكفنيه كيف شئت وأنّى شئت(1) .
تاريخ الطبري : قال أمير المؤمنين عليه السلام : ومن العجب انقيادهما لأبي بكر وعمر وخلافهما عليّ ، واللّه إنّهما يعلمان أنّي لست بدون رجل ممّن قد مضى ، اللّهم فاحلل ما عقدا ، ولا تبرم ما أحكما في أنفسهما ، وارهما المساءة فيما قد عملا(2) .
فضائل العشرة وأربعين الخطيب : روى زاذان أنّه كذبه رجل في حديثه ،
ص: 343
فقال عليه السلام : أدعو عليك ، إن كنت كذّبتني أن يعمى اللّه بصرك ؟ قال : نعم ، فدعا عليه ، فلم ينصرف حتى ذهب بصره(1) .
جميع بن عمير قال : اتهم علي عليه السلام رجلاً يقال له « العيزار » برفع أخباره إلى معاوية ، فأنكر ذلك وجحد .
فقال عليه السلام : أتحلف باللّه - يا هذا - أنّك ما فعلت ، قال : نعم ، وبدر فحلف ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : إن كنت كاذبا فأعمى اللّه بصرك ، فما دارت الجمعة حتى أخرج أعمى يقاد(2) .
تاريخ البلاذري وحلية الأولياء وكتب أصحابنا عن جابر الأنصاري : أنّه استشهد أمير المؤمنين عليه السلام أنس بن مالك والبراء بن عازب والأشعث وخالد بن يزيد قول النبي صلى الله عليه و آله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فكتموا .
فقال لأنس : لا أماتك اللّه حتى يبتليك ببرص لا تغطيه العمامة(3) .
وقال للأشعث : لا أماتك اللّه حتى يذهب بكريمتيك ، وقال لخالد : لا أماتك اللّه إلاّ ميتة جاهلية ، وقال للبراء : لا أماتك اللّه إلاّ حيث هاجرت .
ص: 344
قال جابر : واللّه لقد رأيت أنسا ، وقد ابتلى ببرص يغطيه بالعمامة فما تستره ، ورأيت الأشعث ، وقد ذهبت كريمتاه وهو يقول : الحمد للّه الذي جعل دعاء أمير المؤمنين عليه السلام علي بالعماء في الدنيا ، ولم يدع عليّ في الآخرة فاعذب !!!
وأمّا خالد ، فإنّه لمّا مات دفنوه في منزله ، فسمعت بذلك كندة ، فجاءت بالخيل والإبل فعقرتها على باب منزله ، فمات ميتة جاهلية ، وأمّا البراء ، فإنّه ولي من جهة معاوية باليمن ، فمات بها ، ومنها كان هاجر ، وهي السراة(1) .
الوليد بن الحارث وغيره أنّه قال : إنّ عليا لمّا بلغه قتل بشر بن أرطأة من شيعته باليمن حين ولي عليهم من جهة معاوية قال : اللّهم إنّ بشرا باع دينه بالدنيا فاسلبه عقله .
فاختلط بشر ، فكان يدعو بالسيف ، فاتخذ له سيفا من خشب ، فكان يضرب به حتى يغشى عليه ، فإذا أفاق يقول : السيف ، فلم يزل ذلك دأبه حتى مات(2) .
* * *
ص: 345
ودعا عليه السلام على رجل في غزاة بني زبيد ، وكان في وجهه خال فتفشّى في وجهه حتى إسود بها وجهه كلّه(1) .
وقوله لرجل : إن كنت كاذبا فسلّط اللّه عليك غلام ثقيف ، قالوا : وما غلام ثقيف ؟ قال : غلام لا يدع للّه حرمة إلاّ انتهكها ، وأدرك الرجل الحجّاج فقتله(2) .
* * *
وحكم عليه السلام بحكم ، فقال المحكوم عليه : ظلمت - واللّه - يا علي !!! فقال : إن كنت كذّابا فغيّر اللّه صورتك ، فصار رأسه رأس خنزير .
وذكر الصاحب في رسالته الغراء عن أبي العيناء : أنّه لقى جدّ أبي العيناء الأكبر أمير المؤمنين عليه السلام ، فأساء مخاطبته ، فدعا عليه وعلى أولاده بالعمى ، فكلّ من عمى من أولاده ، فهو صحيح النسب(3) .
ص: 346
ويقال : أنّه دعا على وابصة بن معبد الجهيني - وكان من أهل الصفة بالرقّة لمّا قال له : فتنت أهل العراق وجئت تفتن أهل الشام - بالعمى والخرس والصمم وداء السوء ، فأصابه في الحال ، والناس إلى اليوم يرجمون المنارة التي كان يؤذن عليها .
أبو هاشم عبد اللّه بن محمد الحنفية : إنّ عليا عليه السلام دعا على ولد العباس بالشتات ، فلم يروا بني أم أبعد قبورا منهم ، فعبد اللّه بالمشرق ، ومعبد بالمغرب ، وقثم بمنفعة الرواح ، وثمامة بالأرجوان ، ومتمم بالخارز(1) .
وفي ذلك يقول كثير :
دعا دعوة ربّه مخلصا
فيا لك من قسم ما أبرّا
دعا بالنوى فساءت بهم
معارفة الدار برّا وبحرا
فمن مشرق ظلّ ثاويه
ومن مغرب منهم ما أضرّا
* * *
فضائل العشرة وخصائص العلوية : قال ابن مسكين : مررت أنا وخالي
ص: 347
أبو أمية على دار في دور حيّ من مراد ، فقال : أترى هذه الدار ؟ قلت : نعم ، قال : فإنّ عليا عليه السلام مرّ بها وهم يبنونها ، فسقطت عليه قطعة فشجّته، فدعا أن لا يتمّ بناؤها ، فما وضعت عليها لبنة ، قال : فكنت تمرّ عليها لا تشبه الدور(1).
وفي حديث الطرماح بن عدي وصعصعة بن صوحان :
أنّ أمير المؤمنين عليهم السلام إختصم إليه خصمان ، فحكم لأحدهما على الآخر ، فقال المحكوم عليه : ما حكمت بالسويّة ، ولا عدلت في الرعيّة ، ولا قضيّتك عند اللّه بالمرضيّة ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إخسأ يا كلب ، وكان في الحال يعوي(2) .
وقال ابن حماد :
وصاح في المرتاب في حكمه
إذ قال ذا حكم امرء جائر
إخسا فألقاه على أربع
كلبا فيا للهالك الدامر
* * *
ولمّا قال : ألا وإنّي أخو رسول اللّه عليهماالسلام ، وابن عمّه ، ووارث علمه ، ومعدن سرّه ، وعيبة ذخره ، ما يفوتني ما عمله رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولا ما
ص: 348
طلب ، ولا يغرب(1) علي ما دبّ ودرج ، وما هبط وما عرج ، وما غسق وانفرج ، كلّ ذلك مشروح لمن سأل ، مكشوف لمن وعى .
قال هلال بن نوفل الكندي في ذلك وتعمّق . . إلى أن قال : فكن يا بن أبي طالب بحيث الحقائق ، واحذر حلول البوائق .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : هب إلى سفر ، فواللّه ما تمّ كلامه حتى صار في صورة الغراب الأبقع ، يعني الأبرص .
وفي رواية : اللّهم إنّي قد كرهتهم وكرهوني ، ومللتهم وملّوني ، فأرحني وأرحهم ، فمات تلك الليلة(1) .
وروى حديث الطير جماعة ، منهم : الترمذي في جامعه ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ، والبلاذري في تاريخه ، والخركوشي في شرف المصطفى ، والسمعاني في فضائل الصحابة ، والطبري في الولاية ، وابن البيع في الصحيح ، وأبو يعلى في المسند ، وأحمد في الفضائل ، والنطنزي في الاختصاص .
وقد رواه محمد بن إسحاق ، ومحمد بن يحيى الأزدي ، وسعيد ، والمازني ، وابن شاهين ، والسدي ، وأبو بكر البيهقي ، ومالك ، وإسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة ، وعبد الملك بن عمير ، ومسعر بن كدام ، وداود بن علي بن عبد اللّه بن عباس ، وأبو حاتم الرازي بأسانيدهم عن أنس ، وابن عباس ، وأم أيمن .
ورواه ابن بطّة في الإبانة من طريقين ، والخطيب أبو بكر في تاريخ بغداد من سبعة طرق ، وقد صنّف أحمد بن محمد بن سعيد كتاب الطير .
وقال القاضي أحمد : قد صحّ عندي حديث الطير وما لي لفظه .
ص: 350
وقال أبو عبد اللّه البصري : إنّ طريقة أبي عبد اللّه الجبائي في تصحيح الأخبار يقتضي القول بصحّة هذا الخبر ، لإيراده عليه السلام يوم الشورى فلم ينكر .
قال الشيخ : قد استدل به أمير المؤمنين عليه السلام على فضله في قصّة الشورى بمحضر من أهلها ، فما كان فيهم إلاّ من عرفه وأقرّ به ، والعلم بذلك كالعلم بالشورى نفسها ، فصار متواترا ، وليس في الأمّة على إختلافها من دفع هذا الخبر .
وحدّثني أبو العزيز كادش العكبري عن أبي طالب الحربي العشاري عن ابن شاهين الواعظ في كتابه « ما قرب سنده » قال : حدّثنا نضر بن أبي القاسم الفرائضي قال : قال محمد بن عيسى الجوهري : قال : قال نعيم بن سالم بن قنبر : قال : قال أنس بن مالك . . الخبر .
وقد أخرجه علي بن إبراهيم في كتاب قرب الإسناد ، وقد رواه خمسة وثلاثون رجلاً من الصحابة عن أنس ، وعشرة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقد صحّ أنّ اللّه - تعالى - والنبي صلى الله عليه و آله يحبّانه ، وما صحّ ذلك لغيره فيجب الاقتداء به ، ومن عزا خبر الطائر إليه قصر الإمامة عليه .
ومجمع الحديث :
إنّ أنسا تعصّب بعصابة ، فسئل عنها ، فقال : هذه دعوة علي عليه السلام ، قيل : وكيف ذلك ؟ قال : أهدي إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله طائر مشوي ، فقال : اللّهم إئتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير ، فجاء علي عليه السلام ، فقلت له : رسول اللّه عنك مشغول ، وأحببت أن يكون رجلاً من قومي .
ص: 351
فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثانيا ، فجاء علي عليه السلام ، فقلت : رسول اللّه عنك مشغول .
فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثالثا ، فجاء علي عليه السلام ، فقلت : رسول اللّه عنك مشغول ، فرفع علي عليه السلام صوته وقال : وما يشغل عنّي رسول اللّه ، وسمعه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : يا أنس ، من هذا ؟ قلت : علي بن أبي طالب ، قال : إئذن له .
فلمّا دخل له قال له : يا علي ، إنّي قد دعوت اللّه ثلاث مرات أن يأتيني بأحبّ خلقه إليه وإليّ أن يأكل معي هذا الطير ، ولو لم تجئني في الثالثة لدعوت اللّه باسمك أن يأتيني بك ، فقال : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّي قد جئت ثلاث مرات كلّ ذلك يردّني أنس ويقول : رسول اللّه عنك مشغول ، فقال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ما حملك على هذا ! قلت : أحببت أن يكون رجلاً من قومي .
فرفع علي عليه السلام يده إلى السماء فقال : اللّهم إرم أنسا بوضح لا يستره من الناس .
وفي رواية : لا تواريه العمامة .
ثم كشف العمامة عن رأسه ، فقال : هذه دعوة علي(1) عليه السلام .
ص: 352
قال الحميري :
أما أتى في خبر الأنبل
في طائر أهدي إلى المرسل
سفينة مكّن في رشده
وأنس خان ولم يحصل
في ردّه سيد كلّ الورى
مولاهم في المحكم المنزل
فصدّه ذو العرش عن رشده
ثم غري(1) بالبرص الأنكل
* * *
وله أيضا :
نبئت أنّ أبانا كان عن أنس
يروي حديثا عجيبا معجبا عجبا
في طائر جاء مشويّا به بشر
يوما وكان رسول اللّه محتجبا
أدناه منه فلمّا أن رآه دعا
ربّا قريبا لأهل الخير منتجبا
أدخل إليّ أحبّ الخلق كلّهم
طرّا إليك فأعطاه الذي طلبا
فاغتر بالباب مغترّا فقال لهم
من ذا وكان وراء الباب مرتقبا
من ذا فقال علي قال إنّ له
شأنا له اهتمّ منه اليوم فاحتجبا
فقال لا تحجبن منّي أبا حسن
يوما وأبصر في إسراره الغضبا
من ردّه المرّة الأولى وقال له
لج واحمد اللّه واقبل كلّ ما وهبا
ص: 353
أهلاً وسهلاً بخلصائي وذي ثقتي
ومن له الحبّ من ربّ السما وجبا
وقال ثمّ رسول اللّه يا أنس
ماذا أصار بك التخليط مكتسبا
ماذا دعاك إلى أن صار خالصتي
وخير قومي لديك اليوم محتجبا
فقال يا خير خلق اللّه كلّهم
أردت حين دعوت اللّه مطّلبا
بأن يكون من الأنصار ذاك لكي
يكون ذاك لنا في قومنا حسبا
فقد دعا ربّه المحجوب في أنس
بأن يحلّ به سقم حوى كربا
فناله السوء حتى كان يرفعه
في وجهه الدهر حتى مات منتقبا
* * *
وله أيضا :
وفي طائر جاءت به أم أيمن
بيانا لمن بالحقّ يرضى ويقنع
فقال إلهي آت عبدك بالذي
تحبّ وحبّ اللّه أعلى وأرفع
ليأكل من هذا معي ويناله
فجاء علي من يصدّ ويمنع
فقال له إنّ النبي وردّه
على حاجة فارجع وكلّ ليرجع
فعاد ثلاثا كلّ ذاك يردّه
فأهوى بتأييد إلى الباب يقرع
فأسمعه القرع الوصي لبابه
فقال له ادخل بعد ما كاد يرجع
وقال له يشكو لقد جئت مرّة
وأخرى وأخرى كلّ ذلك أدفع
فسرّ رسول اللّه أكل وصيّه
وأنف الذي لا يشتهي ذاك يجدع
وقال له ما إن يحبّك صادق
من الناس إلاّ مؤمن متورّع
ويقلاك إلاّ كافر ومنافق
يفارق في الحقّ الأنام ويخلع
* * *
ص: 354
وله أيضا :
في قصّة الطائر المشوي حين دعا
محمد ربّه دعوات مبتهل
أدخل إليّ أحبّ الخلق كلّهم
طرّا إليك فمنه واجعلنه ولي
فجاء من بعده خير الورى رجل
عليه يقرع باب البيت في مهل
فقال مختبرا من ذا له أنس
فقال جاء علي جد بفتحك لي
فقال ترجع ولا تصغر أبا حسن
فإنّ عنك رسول اللّه في شغل
فانحاز غير بعيد ثم أعطفه
دعا النبي فدقّ الباب في رسل(1)
فقال أحمد من هذا تحاورهبالباب أدخله لا بوركت من رجل
فقال مبتدرا للباب يفتحهوحيدر قائم بالباب لم يزل
حتى إذا ما رأته عين أحمدهحيّى وقرّبه تقريب محتفل
فقال ما بك قل لي يا أبا حسناجلس فداك أبي يا مؤنسي فكل
* * *
وله أيضا :
أدخل إليّ أحبّ الخلق كلّهم
حبّا إليك وكان ذاك عليا
لمّا بدت لأخيه سحنة وجهه
ودنا فسلّم راضيا مرضيا
حيّى ورحّب مرحبا بأحبّهم
حبّا إلى ملك العلى وإليّا
* * *
وقال الصاحب :
علي له في الطير ما طار ذكره
وقامت به أعداؤه وهي تشهد
ص: 355
وقال الأصفهاني :
أمن له في الطير قال نبيّه
قولاً ينير بشرحه الأفقان
يا ربّ جئ بأحبّ خلقك كلّهم
شخصا إليك وخير من يغشاني
كيما يواكلني ويونس وحشتي
والشاهدان بقوله عدلان
فبدا علي كالهزير ووجهه
كالبدر يلمع أيّما لمعان
فتواكلا واستأنسا وتحدّثا
بأبي وأمّي ذلك الحدثان
* * *
وقال ابن حماد :
وفي قصّة الطير لمّا دعا
النبي الإله وأبدى الضرع
أيا ربّ ابعث إليّ أحبّ
خلقك يا من إليه الفزع
فلم يستتمّ النبي الدعاء
إذا بإمام الهدى قد رجع
ثلاث مرار فلمّا انتهى
إلى الباب دافعه واقترع
فقال النبي له ادخل فقد
أطلت احتباسك يا ذا الصلع
فخبّره أنّه جاءه
ثلاثا ودافعه من دفع
فقطّب في وجه من ردّه
وأنكر ما بأخيه صنع
فأورثه برصا فاحشا
فظلّ وفي الوجه منه بقع
* * *
وقال المفجع :
كان النبي لمّا تمنّى
حين أتوه طائرا مشويّا
إذ دعا اللّه أن يسوق أحبّ ال
خلق طرّا إليه سوقا وحيّا
ص: 356
وقال الصوري :
وأيّكم صار في فرشه
إذ القوم مهجته طالبونا
ومن شارك الطهر في طائر
وأنتم بذاك له شاهدونا
* * *
وقال الجبري :
والطائر المشويّ نصّ ظاهر
فتيقظّي يا ويك عن عمياك
* * *
وقال ابن زريك :
وفي الطائر المشويّ أوفى دلالة
لو استيقظوا من غفلة وسبات
* * *
وقال ابن العطار الواسطي الهاشمي :
ولقد أرانا اللّه أفضل خلقه
في الطائر المشويّ لمّا أن دعا
* * *
وممّن دعا له عليه السلام أم عبد اللّه بن جعفر ، قالت : مررت بعلي عليه السلام ، وأنا حبلى ، فدعاني ، فمسح على بطني ! وقال : اللّهم اجعله ذكرا ميمونا مباركا ، فولدت غلاما(1) .
ص: 357
إنتباه الخركوشي : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام سمع في ليلة الإحرام مناديا باكيا ، فأمر الحسين عليه السلام يطلبه ، فلمّا أتاه وجد شابا يبس نصف بدنه ، فأحضره ، فسأله علي عليه السلام عن حاله .
فقال : كنت رجلاً ذا بطر ، وكان أبي ينصحني ، فكان يوما في نصحه إذ ضربته ، فدعا عليّ بهذا الموضع ، وأنشأ شعرا ، فلمّا تمّ كلامه يبس نصفي ، فندمت وتبت وطيّبت قلبه ، فركب على بعير ليأتي بي إلى هاهنا ويدعو لي ، فلمّا انتصف البادية نفر البعير من طيران طائر ، ومات والدي .
فصلّى علي عليه السلام أربعا ، ثم قال : قم سليما ، فقام صحيحا ، فقال : صدقت ، لو لم يرض عنك لما سمعت .
وسمع ضرير دعاء أمير المؤمنين عليه السلام : اللّهم إنّي أسألك يا ربّ الأرواح الفانية ، وربّ الأجساد البالية ، أسألك بطاعة الأرواح الراجعة إلى أجسادها ، وبطاعة الأجساد الملتئمة إلى أعضائها ، وبانشقاق القبور عن أهلها ، وبدعوتك الصادقة فيهم ، وأخذك بالحقّ بينهم إذا برز الخلائق ينتظرون قضاءك ، ويرون سلطانك ، ويخافون بطشك ، ويرجون رحمتك « يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ إِلاّ مَنْ رَحِمَ اللّهُ »
« إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ » .
ص: 358
أسألك يا رحمن أن تجعل النور في بصري ، واليقين في قلبي ، وذكرك بالليل والنهار على لساني أبدا ما أبقيتني إنّك على كلّ شيء قدير .
قال : فسمعها الأعمى وحفظها ، ورجع إلى بيته الذي يأويه ، فتطهّر للصلاة وصلّى ، ثم دعا بها ، فلمّا بلغ إلى قوله : أن تجعل النور في بصري ، إرتد الأعمى بصيرا بإذن اللّه .
عقد المغربي : إنّ عمر أراد قتل الهرمزان ، فاستسقى ، فأتى بقدح ، فجعل ترعد يده ، فقال له في ذلك .
فقال : إنّي خائف أن تقتلني قبل أن أشربه ، فقال : إشرب ولا بأس عليك .
فرمى القدح من يده فكسره ، فقال : ما كنت لأشربه أبدا وقد آمنتني .
[ فقال علي عليه السلام : لا يجوز لك قتله وقد أمنته ] ، فقال : قاتلك اللّه ، لقد أخذت أمانا ، ولم أشعر به(1) .
وفي رواياتنا : أنّه شكا ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فدعا اللّه - تعالى - ، فصار القدح صحيحا مملوءا من الماء .
فلمّا رأى الهرمزان المعجز أسلم(2) .
ص: 359
واستجابة الدعوات المتواترات من الآيات الباهرات في خلق اللّه ، المستمر العادات ، التي لا يغيّرها إلاّ لخطب عظيم ، وإقامة حقّ يقين ، وذلك خصوصية للأنبياء والأئمة عليهم السلام .
ص: 360
ص: 361
ص: 362
وأمّا نقض العادة ، فعلى سبعة أنواع :
منها : ما كان من قوّته وشوكته .
شعبة عن قتادة عن أنس عن العباس بن عبد المطلب ، والحسن بن محبوب عن عبد اللّه بن غالب عن الصادق عليه السلام في خبر :
قالت فاطمة بنت أسد : فشددته وقمّطته بقماط ، فنتر(1) القماط ، ثم جعلته قماطين ، فنترهما(2) ، ثم جعلته ثلاثة وأربعة وخمسة وستّة ، منها أديم وحرير ، فجعل ينترها ، ثم قال : يا أمّاه لا تشدّي يدي ، فإنّي احتاج أن أبصبص لربّي بإصبعي(3) .
ص: 363
أنس عن عمر بن الخطاب : أنّ عليا عليه السلام رأى حيّة تقصده ، وهو في المهد ، وشدّت يداه في حال صغره ، فحوّل نفسه ، فأخرج يده ، وأخذ بيمينه عنقها ، وغمزها غمزة حتى أدخل أصابعه فيها ، وامسكها حتى ماتت .
فلمّا رأت ذلك أمّه نادت واستغاثت ، فاجتمع الحشم ، ثم قالت : كأنّك حيدرة .
« حيدرة » : اللبوة إذا غضبت من قبل أذى أولادها .
قال الحميري :
ويا من اسمه في الكتب معروف به حيدر
وسمّته به أمّ له صادقة المخبر
* * *
وقال دعبل :
أبو تراب حيدره
ذاك الإمام القسوره
مبيد كلّ الكفره
ليس له مناضل
مبارز ما يهب
وضيغم ما يغلب
وصادق لا يكذب
وفارس محاول
سيف النبي الصادق
مبيد كلّ فاسق
بمرهف ذي بارق
أخلصه الصياقل
* * *
ص: 364
جابر الجعفي قال : كان ظئرة علي عليه السلام التي أرضعته امرأة من بني هلال خلّفته في خبائها مع أخ له من الرضاعة ، وكان أكبر منه سنّا بسنة ، وكان عند الخباء قليب ، فمر الصبي نحو القليب ، ونكس رأسه فيه ، فتعلّق بفرد قدميه وفرد يديه ، أمّا اليد ففي فمه ، وأمّا الرجل ففي يديه .
فجاءت أمّه ، فأدركته ، فنادت في الحيّ : يا للحي ! من غلام ميمون أمسك عليّ ولدي ، فمسكوا الطفل من رأس القليب ، وهم يعجبون من قوّته وفطنته ، فسمّته أمّه مباركا .
وكان الغلام في بني هلال يعرف ب-« معلّق الميمون » وولده إلى اليوم(1) .
قال العوني :
واسم أخيه في بني هلال
فاسأل به إن كنت ذا سؤال
معلّق الميمون ذا المعالي
بذكره القوم على الليالي
موهبة خصّ بها صبيّا
* * *
وكان أبو طالب عليه السلام يجمع ولده وولد إخوته ، ثم يأمرهم بالصراع ، وذلك خلق في العرب ، فكان عليه السلام يحسر عن ذراعيه ، وهو طفل ، ويصارع كبار
ص: 365
إخوته وصغارهم ، وكبار بني عمّه وصغارهم ، فيصرعهم فيقول أبوه : ظهر علي ، فسمّاه ظهيرا(1) .
قال العوني :
هذا وقد لقّبه ظهيرا
أبوه إذ عاينه صغيرا
يصرع من إخوته الكبيرا
مشمّرا عن ساعد تشميرا
* * *
تراه عبلاً فتلاً قوّيا ، فلمّا ترعرع عليه السلام كان يصارع الرجل الشديد فيصرعه ، ويعلق بالجبار بيده ويجذبه فيقتله ، وربما قبض على مراق بطنه ورفعه إلى الهواء ، وربما يلحق للحصان الجاري فيصدمه ، فيردّه على عقبيه .
وكان عليه السلام يأخذ من رأس الجبل حجرا ، ويحمله بفرد يديه ، ثم يضعه بين يدي الناس ، فلا يقدر الرجل والرجلان والثلاثة على تحريكه(2) حتى قال أبو جهل فيه :
يا أهل مكة إنّ الذبح عندكم
هذا علي الذي قد جلّ في النظر
ما إن له مشبه في الناس قاطبة
كأنّه النار ترمي الخلق بالشرر
كونوا على حذر منه فإنّ له
يوما سيظهره في البدو والحضر
ص: 366
وإنّه عليه السلام لم يمسك بذراع رجل قطّ إلاّ مسك بنفسه ، فلم يستطع يتنفّس(1) .
ومنه : ما ظهر بعد النبي صلى الله عليه و آله : قطع الأميال وحملها إلى الطريق سبعة عشر ميلاً تحتاج إلى أقوياء حتى تحرّك ميلاً منها ، قطعها وحده ، ونقلها ونصبها ، وكتب عليها : هذا ميل علي .
ويقال : إنّه كان يتأبّط بإثنين ، ويدير واحدا برجله .
وكان منه في ضرب يده في الأسطوانة حتى دخل إبهامه في الحجر ، وهو باق في الكوفة .
وكذلك مشهد الكفّ في تكريت ، والموصل ، وقطيعة الدقيق ، وغير ذلك.
ومنه : أثر سيفه في صخرة جبل ثور عند غار النبي صلى الله عليه و آله ، وأثر رمحه في جبل من جبال البادية ، وفي صخرة عند قلعة خيبر(2) .
ومنه : ختم الحصا ، قال ابن عباس : صاحب الحصاة ثلاثة :
ص: 367
أمّ سليم ، وارثة الكتب ، طبع في حصاتها النبي صلى الله عليه و آله والوصي عليهماالسلام ، ثم أمّ الندى ، ثم حبابة بنت جعفر الوالبية الأسدية ، ثم أمّ غانم الأعرابية اليمانية ، وختم في حصاتهما أمير المؤمنين(1) عليه السلام .
وذلك مثل ما رويتم : أنّ سليمان كان يختم على النحاس للشياطين ، وعلى الحديد للجنّ ، فكان كلّ من رأى برقه أطاعه .
أبوسعيد الخدري، وجابر الأنصاري، وعبداللّه بن عباس في خبر طويل:
أنّه قال خالد بن الوليد : أتى الأصلع - يعني عليا عليه السلام - عند منصرفي من قتال أهل الردّة ! في عسكري ، وهو في أرض له ، وقد إزدحم الكلام في حلقه كهمهمة الأسد ، وقعقعة الرعد ، فقال لي : ويلك ، أكنت فاعلاً ؟ فقلت : أجل ، فاحمرت عيناه ، وقال : يا بن اللّخناء ، أمثلك يقدم على مثلي ، أو يجسر أن يدير اسمي في لهواته ، في كلام له . .
ثم قال : فنكّسني - واللّه - عن فرسي ، ولا يمكنني الإمتناع منه ، فجعل يسوقني إلى رحى للحارث بن كلدة ، ثم عمد إلى قطب الرحى الحديد الغليظ الذي عليه مدار الرحى ، فمدّه بكلتا يديه ، ولواه في عنقي كما يتفتل الأديم ، وأصحابي كأنّهم نظروا إلى ملك الموت ، فأقسمت عليه بحقّ اللّه ورسوله ، فاستحيى وخلّى سبيلي .
ص: 368
قالوا : فدعا أبو بكر جماعة من الحدّادين ، فقالوا : إنّ فتح هذا القطب لا يمكننا إلاّ أن نحميه بالنار .
فبقي في ذلك أياما ، والناس يضحكون منه ، فقيل : إنّ عليا عليه السلام جاء من سفره ، فأتى به أبو بكر إلى علي عليه السلام يشفع إليه في فكّه .
فقال علي عليه السلام : إنّه لمّا رأى تكاثف جنوده وكثرة جموعه أراد أن يضع منّي في موضعي ، فوضعت منه عند ما خطر بباله ، وهمّت به نفسه .
ثم قال : وأمّا الحديد الذي في عنقه ، فلعلّه لا يمكنني في هذا الوقت فكّه ، فنهضوا بأجمعهم ، فأقسموا عليه ، فقبض على رأس الحديد من القطب ، فجعل يفتل منه يمينه شبرا شبرا ، فيرمي به ، وهذا كقوله تعالى « وَأَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ »(1) .
ابن عباس ، وسفيان بن عيينة ، والحسن بن صالح ، ووكيع بن الجراح ، وعبيدة بن يعقوب الأسدي ، وفي حديث غيرهم : لا يفعل خالد ما أمرته(2) .
وفي حديث أبي ذر : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أخذ بإصبعه السبابة والوسطى فعصره عصرة ، فصاح خالد صيحة منكرة ، وأحدث في ثيابه ، وجعل يضرط ، وجعل يضرب برجليه(3) .
ص: 369
وفي رواية عمار : فجعل يقمص قماص البكر(1) ، فإذا له رغاء(2) وساغ ببوله في المسجد(3) .
وروي في كتاب البلاذري : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أخذه بإصبعيه السبابة والوسطى في حلقه وشاله بهما ، وهو كالبعير عظما ، وضرب به الأرض ، فدقّ عصعصه ، وأحدث مكانه .
أهل السير عن حبيب بن الجهم ، وأبي سعيد التميمي ، والنطنزي في الخصائص ، والأعثم في الفتوح ، والطبري في كتاب الولاية بإسناد له عن محمد بن القاسم الهمداني ، وأبو عبد اللّه البرقي عن شيوخه عن جماعة من أصحاب علي عليه السلام :
إنّه نزل أمير المؤمنين عليه السلام بالعسكر عند وقعة صفين عند قرية « صندودياء » ، فقال مالك الأشتر : ينزل الناس على غير ماء ؟ فقال : يا مالك ، إنّ اللّه سيسقينا في هذا المكان ، احتفر أنت وأصحابك ، فاحتفروا ، فإذا هم بصخرة سوداء عظيمة فيها حلقة لجين ، فعجزوا عن قلعها ، وهم مائة رجل .
ص: 370
فرفع أمير المؤمنين عليه السلام يده إلى السماء ، وهو يقول : طاب طاب ، يا عالم ، يا طيبوثا بوثة شميا كرباجا نوثا توديثا برجوثا ، آمين آمين ، يا ربّ العالمين ، يا ربّ موسى وهارون ، ثم اجتذبها فرماها عن العين أربعين ذراعا ، فظهر ماء أعذب من الشهد ، وأبرد من الثلج وأصفى من الياقوت ، فشربنا وسقينا ، ثم ردّ الصخرة ، وأمرنا أن نحثو عليها التراب .
فلمّا سرنا غير بعيد قال : من منكم يعرف موضع العين ؟ قلنا : كلّنا .
فرجعنا ، فخفي مكانها علينا ، فإذا راهب مستقبل من صومعة ، فلمّا بصر به أمير المؤمنين عليه السلام قال : شمعون ؟ قال : نعم ، هذا اسمي سمّتني به أمّي ، ما اطّلع عليه إلاّ اللّه ، ثم أنت .
قال : وما تشاء يا شمعون ؟ قال : هذا العين واسمه ، قال : هذا عين زاحوما - وفي نسخة : راجوه - وهو من الجنّة ، شرب منها ثلاثمائة نبيّا ، وثلاثة عشر وصيّا ، وأنا آخر الوصيّين شربت منه .
قال : هكذا وجدت في جميع كتب الإنجيل ، وهذا الدير بني على قالع هذه الصخرة ، ومخرج الماء من تحتها ، ولم يدركه عالم قبلي غيري ، وقد رزقنيه اللّه ، وأسلم .
وفي رواية : أنّه جبّ شعيب .
ثم رحل أمير المؤمنين عليه السلام ، والراهب يقدمه حتى نزل صفين ، فلمّا إلتقى الصفّان كان أوّل من أصابته الشهادة ، فنزل أمير المؤمنين عليه السلام ، وعيناه تهملان ، وهو يقول : المرء مع من أحبّ ، الراهب معنا يوم القيامة .
ص: 371
وفي رواية عبد اللّه بن أحمد بن حنبل : حدّثنا أبو محمد الشيباني ، حدّثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي سعيد التميمي قال : فسرنا فعطشنا ، فقال بعض القوم : لو رجعنا فشربنا .
قال : فرجع أناس ، وكنت فيمن رجع ، قال : فالتمسنا فلم نقدر على شيء ، فأتينا الراهب ، قال : فقلنا : أين العين التي هاهنا ؟ قال : أيّة عين ! قلنا : التي شربنا منها ، واستقينا وسقينا ، فالتمسناها فلم نجدها ، قال الراهب : لا يستخرجها إلاّ نبي أو وصي(1) .
قال الحميري :
ولقد سرى فيما يسير بليلة
بعد العشاء بكربلا في موكب
حتى أتى متبتّلاً في قائم
ألقى قواعده بقاع مجدب
يأتوه ليس بحيث يلقى عامرا
إلاّ الوحوش وغير أصلع أشيب
فدنا فصاح به فأشرف ماثلاً
كالنسر فوق شظيّة من مرتب
هل قرب قائمك الذي يؤتيه
ماء يصاب فقال ما من مشرب
إلاّ بغاية فرسخين ومن لنا
بالماء بين تفاوت في سبسب(2)
فثنى الأعنّة نحو وعث فاجتلىملساء تبرق كاللّجين المذهّب
قال اقلبوها إنّكم إن تقلبواترووا ولا تروون إن لم تقلب
ص: 372
فاعصوصبوا في قلعها فتمنّعت
منهم تمنّع صعبة لم تركب
حتى إذا أعيتهم أهوى لها
كفّا متى ترم المغالب تغلب
فكأنّها كرة بكفّ حزوّر(1)
عبل(2) الذراع دحا بها في ملعب
قال اشربوا من تحتها متسلسلاً
عذبا يزيد على الألذّ الأعذب
حتى إذا شربوا جميعا ردّها
ومضى فخلت مكانها لم يقرب
أعني ابن فاطمة الوصي ومن يقل
من فضله وفعاله لم يكذب
* * *
وله أيضا :
من قال للماء افجري فتفجّرت
ما كلّفت كفّا له محفارا
حتى تروّى جنده من مائها
لمّا جرى فوق الحضيض وفارا
وبكربلا آثار أخرى قبلها
أحيى بها الأنعام والأشجارا
وأتاه راهبها فأسلم طائعا
معه وأثنى الفارس المغورا
* * *
وقال ابن حماد :
من صاحب الجبّ إذ أوفى بعسكره
فلم يزل قاصدا للجبّ مجتابا
حتى إذا ما أروه رجّ صخرته
فخاله القوم بالمدحاة لعّابا
* * *
ص: 373
وقال السروجي :
وصخرة الراهب عن قليبه
اقلبها كمثل شيء يحتقر
حتى إذا ما شربوا أوردها
إلى المكان عاجلاً بلا ضجر
فأبصر الراهب أمرا قد علا
عن بشر يفعل أفعال القدر
آمن باللّه تعالى وأتى
إلى الإمام تارك الدين ستر
* * *
تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام : إنّ أبيّ بن أبي سلول وجد بن قيس اتخذا له دعوة عند حائط بستان ثلاثون ذراعا طوله في خمسة وعشرين ذراعا سمكه في ذراعين غلظه ، وفتّشا عن أصلها ، وأوقفا رجالاً خلف الحائط ، فتلقّاه عليه السلام بيسراه حتى أكل وأكلوا ، وقالوا في تعبه ، فقال عليه السلام : لست أجد له من التعب(1) بيساري إلاّ أقلّ ممّا(2) أجده من ثقل هذه اللقمة بيميني(3) .
ومنه : قلع باب خيبر .
ص: 374
روى [ عبد اللّه بن ] أحمد بن حنبل عن مشيخته عن جابر الأنصاري : أنّ النبي صلى الله عليه و آله دفع الراية إلى علي عليه السلام في يوم خيبر بعد أن دعا له ، فجعل
يسرع السير ، وأصحابه يقولون له : أرفق ، حتى انتهى إلى الحصن ، فاجتذب بابه ، فألقاه على الأرض ، ثم اجتمع منّا سبعون رجلاً ، وكان جهدهم أن أعادوا الباب(1) .
أبو عبد اللّه الحافظ بإسناده إلى أبي رافع : لمّا دنا علي عليه السلام من القموص(2) ، أقبلوا يرمونه بالنبل والحجارة ، فحمل حتى دنا من الباب فاقتلعه ، ثم رمى به خلف ظهره أربعين ذراعا ، ولقد تكلّف حمله أربعون رجلاً فما أطاقوه(3) .
قال الحميري :
وألقى باب حصنهم بعيدا
ولم يك يستقلّ بأربعينا
* * *
أبو القاسم محفوظ البستي في كتاب الدرجات : أنّه حمل بعد قتل مرحب عليهم ، فانهزموا إلى الحصن ، فتقدّم إلى باب الحصن ، وضبط حلقته ، وكان وزنها أربعين منّا ، وهزّ الباب ، فارتعد الحصن بأجمعه حتى ظنّوا زلزلة ، ثم هزّه أخرى فقلعه ، ودحا به في الهواء أربعين ذراعا(4) .
ص: 375
أبو سعيد الخدري : وهزّ حصن خيبر حتى قالت صفية : قد كنت جلست على طاق كما تجلس العروس ، فوقعت على وجهي ، فظننت الزلزلة ، فقيل : هذا علي عليه السلام هزّ الحصن يريد أن يقلع الباب(1) .
وفي حديث أبان عن زرارة عن الباقر عليه السلام : فاجتذبه إجتذابا ، وتترّس به ، ثم حمله على ظهره واقتحم الحصن إقتحاما ، واقتحم المسلمون ، والباب على ظهره(2) .
وفي الإرشاد : قال جابر : إنّ عليا عليه السلام حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه ، ففتحوها ، وإنّهم جرّبوه بعد ذلك ، فلم يحمله أربعون رجلاً(3) .
رواه أبو الحسن الوراق المعروف بغلام المصري عن ابن جرير الطبري التاريخي .
وفي رواية جماعة : خمسون رجلاً .
وفي رواية أحمد : سبعون رجلاً(4) .
ص: 376
ابن جرير الطبري صاحب المسترشد : أنّه حمله بشماله - وهو أربعة أذرع في خمسة أشبار في أربع أصابع عمقا حجرا أصلد - دون يمينه ، فأثرت فيه أصابعه ، وحمله بغير مقبض ، ثم تترّس فضارب الأقران حتى هجم عليهم ، ثم رجّه من ورائه أربعين ذراعا(1) .
قال ديك الجنّ :
سطا يوم بدر بأبطاله
وفي أحد لم يزل يحمل
وعن بأسه فتحت خيبر
ولم ينجها بابها المقفل
دحا أربعين ذراعا به
هزبر به دانت الأشبل
* * *
وفي رامش أفزاي : كان طول الباب ثمانية عشر ذراعا ، وعرض الخندق عشرون ، فوضع جانبا على طرف الخندق ، وضبط جانبا بيده حتى عبر عليه العسكر ، وكانوا ثمانية آلاف وسبعمائة رجل ، وفيهم من كان يتردّد ويخف(2) عليه .
وقد رجّ باب الحصن عنه بكفّه
وظلّ لأجساد اليهود يهبر(3)
وعبّر جيش العزّ من فوق زندهوما مسّه منه هناك تضجر
* * *
ص: 377
أبو عبد اللّه الجذلي : قال له عمر : لقد حملت منه ثقلاً ، فقال : ما كان إلاّ مثل جنّتي التي في يدي(1) .
وفي رواية أبان : فواللّه ، ما لقى علي عليه السلام من البأس تحت الباب أشدّ ما لقى من قلع الباب(2) .
الإرشاد : لمّا إنصرفوا من الحصون أخذه علي عليه السلام بيمناه ، فدحا به أذرعا من الأرض ، وكان الباب يغلقه عشرون رجلاً منهم(3) .
علي بن الجعد عن شعبة عن قتادة عن الحسن عن ابن عباس في خبر طويل : وكان لا يقدر على فتحه إلاّ أربعون رجلاً .
تاريخ الطبري : قال أبو رافع : سقط من شماله ترسه ، فقلع بعض أبوابه وتترّس بها ، فلمّا فرغ عجز خلق كثير عن تحريكها(4) .
روض الجنان : قال بعض الصحابة : ما عجبنا - يا رسول اللّه - من قوّته في حمله ورميه وإتراسه ، وإنّما عجبنا من إجساره وإحدى طرفيه على يده ، فقال النبي صلى الله عليه و آله كلاما معناه : يا هذا ، نظرت إلى يده ، فانظر إلى رجليه .
قال : فنظرت إلى رجليه ، فوجدتهما مملقتين ، فقلت : هذا أعجب ! رجلاه على الهواء ، فقال صلى الله عليه و آله : ليستا على الهواء ، وإنّهما على جناحي جبرئيل عليه السلام .
ص: 378
فأنشأ بعض الأنصار يقول :
إنّ امرءا حمل الرتاج(1) بخيبر
يوم اليهود بقدرة لمؤيّد
حمل الرتاج رتاج باب قموصهاوالمسلمون وأهل خيبر شهّد
فرمى به ولقد تكلّف ردّهسبعون كلّهم له متسدّد
ردّوه بعد تكلّف ومشقّةومقال بعضهم لبعض ازرد(2)
* * *
وقال الناشي :
والباب حين دحا به عن حصنهم
عشرين باعا(3) في الفضا دكداك
* * *
وقال الوراق :
علي رمى باب المدينة خيبر
ثمانين شبرا وافيا لم يثلم
* * *
وقال ابن حماد :
أم من دحا باب القموص ومن علا
في الحرب مرحب بالحسام القاضب
* * *
ص: 379
وقال ابن مكي :
فهزّها فاهتزّ من حولهم
حصنا بنوه حجرا جلمدا
ثم دحا الباب على نبذة
تمسح خمسين ذراعا عددا
وعبّر الجيش على راحته
حيدرة الطاهر لمّا وردا
* * *
وقال العوني :
ودنا إلى الباب المشيد وهزّه
هزّا رأيت الأرض منه ترجف
ورواية أخرى بأن دحى به
سبعين باعا والقتام مسجف(1)
* * *
وقال الحميري :
واذكر تحمّله الديار ولا تكن
ليهود خيبر لا تكون نسيّا
حمل الرتاج رتاج باب قموصها
فحسبته يمشي بها بختيّا
ما ردّه سبعون حتى الهثوا
سبعون موتنف الشباب قويّا
* * *
وقال ابن علوية :
أمن أقلّ لخيبر الباب الذي
أعيى به نفرا من الأعوان
هل مدّ حلقته فصيّر متنه
ترسا يقلّ به شبا القضبان
ترسا يصكّ به الوجوه بملتقى
حرب بها حمي الوطيس عوان
* * *
ص: 380
وقال ابن زريك :
والباب لمّا دحاه وهو في سغب
من الصيام وما يخفى تعبّده
وقلقل الحصن فارتاع اليهود له
وكان أكثرهم عمدا يفنّده
نادى بأعلى العلى جبريل ممتدحا
هذا الوصيّ وهذا الطهر أحمده
* * *
وقال الزاهي :
واقتلع الباب اقتلاعا معجزا
يسمع في دويّه ارتجاسه
كأنّه شرارة لموقد
أخرجها من ناره مقياسه
* * *
وقال تاج الدولة :
واقتلع الباب غداة خيبر
فكبّر الناس به وقد دحا
وقالت الأملاك لا سيف سوى
سيف علي وسواه لا فتى
وعبّر الجيش على راحته
والباب جسرا فوق يمناه بدا
* * *
وقال شاعر آخر :
ودحا الباب بكفّ صافحت
كفّ جبرائيل من غير اختلال
فتباهت فيه(1) أملاك العلى
وهي في أفلاكها عن ذي الجلال
* * *
ص: 381
وهذا كلّه خرق العادة ، ولا يتيسّر إلاّ لنبيّ أو وصيّ نبيّ ، وإذا لم يجز أن
يكون نبيّا لابد أن يكون وصيّا .
ص: 382
ص: 383
ص: 384
ومن عجائبه : طول ما لقي من الحروب لم ينهزم قطّ ، ولم ينله فيها شين ، ولا جراح سوء ، ولم يبارز أحدا إلاّ ظفر به ، ولا نجا من ضربته أحد فصلح منها ، ولم يفلت منه قرن ، ولم يخرج في حروبه إلاّ وهو ماش يهرول طوال الدهر بغير جند إلى العدوّ(1) ، وما قدّمت راية قوتل تحتها علي عليه السلام إلاّ انقلبوا صاغرين .
قال الحميري :
ما أمّ يوم الوغى زحفا برايته
إلاّ تضعضع ثم انصاع منهزما
أو بلّ مفرق من لم ينجه هرب
بأبيض منه من دمّ الفلاة دما
أو نال مهجته طعنا بنافذة
نجلا تفرغ من تحت الحجاب فما
* * *
ويروى : وثبته أربعون ذراعا إلى عمرو ، ورجوعه إلى خلف عشرون ذراعا ، وذلك خارج عن العادة .
ص: 385
وروي : ضربته على رجليه وقطعهما بضربة واحدة مع ما كان عليه من الثياب والسلاح .
وروي : أنّه ضرب مرحب الكافر يوم خيبر على رأسه ، فقطع العمامة والخوذة والرأس والحلق ، وما عليه من الجوشن من قدّام وخلف إلى أن قدّه بنصفين .
ثم حمل على سبعين ألف فارس فبدّدهم ، وتحيّر الفريقان من فعله ، فانهزموا إلى الحصن(1) .
وأصل مشهد البوق عند رحبة الشام أنّه عليه السلام أخبر أنّ الساعة خرج معاوية في خيله من دمشق ، وضرب البوق ، وسمع ذلك من مسيرة ثمانية عشر يوما ، وهو خرق العادة .
قال أبو العباس :
وحيال رحبة مالك أصغى إلى
نعرات بوق في دمشق يقعقع
فاهتزّ من طرب وقال لصحبه
هذا ابن هند للرحيل لمزمع
* * *
ص: 386
ومنه : الدكّة المشهورة في الكوفة التي يقال : إنّه رأى منها مكة وسلّم عليها ، وذلك مثل قولكم : يا سارية الجبل(1) .
ومسجد المجذاف في الرقّة ، وهو أنّه لمّا طلب الزواريق لحمل الشهداء ، قالوا : الزواريق ترعى ، فقال عليه السلام : كلامكم غثّ ، وقمصانكم رثّ ، لا شدّ اللّه بكم صنعا ، ولا أشبعكم إلاّ على قتب ، وعمل جائزة(2) عظيمة بمنزلة المجذاف ، وحمل الشهداء عليها ، فخربت الرقّة ، وعمرت الرافقة ، ولا يزالون في ضنك العيش .
وروت الغلاة(3) : أنّه عليه السلام صعد إلى السماء على فرس ، وينظر إليه أصحابه .
وقال : لو أردت لحملت إليكم ابن أبي سفيان ، وذلك نحو قوله تعالى « وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا » .
ص: 387
وخرج عن أبي زهرة ، وقطع مسيرة ثلاثة أيام بليلة واحدة ، وأصبح عند الكفار ، وفتح عليه ، فنزل « وَالْعادِياتِ ضَبْحاً »(1) .
وروي : أنّه رمي إلى حصن ذات السلاسل في المنجنيق ، ونزل على حائط الحصن ، وكان الحصن قد شدّ على حيطانه سلاسل فيها غرائر(2) من تبن أو قطن ، حتى لا يعمل فيها المنجنيق إذا رمى الحجر .
فقالت الغلاة : فمرّ في الهواء والترس تحت قدميه ، ونزل على الحائط ، وضرب السلاسل ضربة واحدة فقطعها ، وسقطت الغرائر ، وفتح الحصن(3) .
وروت الغلاة : أنّه نزلت فيه « وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّهِ فَأَتاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا » .
وذلك إن صحّ مثل صعود الملائكة ونزولهم ، وإسراء النبي صلى الله عليه و آله .
* * *
قال العوني
من الذي إلى الذين حسبوا
حصونهم مانعة من الردى
من حيث لم يحتسبوا فأيقنوا
لمّا أتى أنّ الحمام قد أتى
* * *
ص: 388
وقال السروجي :
وسار عنها بعد ذا مرتحلاً
في يومه عن المسير ما فتر
حتى أتى الحصن على شاهقه
يظنّه الناظر نجما قد زهر
وما له باب سوى سلسلة
ترخى مع الصبح وفي الليل تجر
فلم يجد منه النبي حيلة
وضلّت الأفكار فيه قد تحر
رمى إلى ذاك عليا في الهوى
بالمنجنيق في أمان المقتدر
وكانت الرمية غير واصل
فمرّ يمشي في الهوا حتى انحدر
فجدّل الأبطال فيه بعد ما
صار إلى الدين الحنيفي نفر
هذا وفي حصن الغراب قد جرى
معركة مرامها صعب الخطر
فحاز أموالاً وخيلاً وإما
غير أسير في الجبال قد قطر
ويوم تكريت إلى قلعتها
من جانب الماء لنقب قد حفر
ومرّ في الجرف إليها طالعا
وكان عند القوم من ذاك خبر
فبادروه عاجلاً بصخرة
لها دويّ الصوت عند المنحدر
فردّها بكفّه ثم ارتقى
في مطلع ما بين ضيق ووعر
فاستسلموا لمّا رأوا فعاله
تجلّ قدرا عن أفاعيل البشر
* * *
تفسير أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام : أنّه رأى عليا عليه السلام ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري في بئر عادية ، ورجال يرمونه بالأحجار ، فوقع
ص: 389
فيها ، فقالوا : أردنا واحدا فصار إثنين ، فأرسلوا صخرة مقدار مائتي من ، فاحتضنه علي عليه السلام ، وجعل رأس ثابت إلى صدره وانحنى عليه ، فوقعت الصخرة على مؤخر رأس علي عليه السلام ، فما كانت إلاّ كترويحة بمروحة .
ثم أرسلوا ثانية وثالثة ، ثم قالوا : لو كان لهما مائة ألف روح ما نجت واحدة منها ، فأذن اللّه لشفير البئر فانحط ، ولقرار البئر فارتفع ، فخرجا سالمين(1) .
قال خطيب منبج :
ومن كانت له بالشعب ممّا
أتاه الجنّ فيه راجمينا
فظلّله المطرق جبرئيل
وميكائيل خير مظلّلينا
* * *
وفيه : أنّه أرادت الفجرة ليلة العقبة قتل النبي صلى الله عليه و آله ، ومن بقي في المدينة قتل علي عليه السلام ، فلمّا تبعه وقصّ عليه بغضاءهم ، فقال : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى . . الخبر .
فحفروا له حفيرة طويلة وغطّوها ، فلمّا انصرف وبلغها أنطق اللّه فرسه ، فقال : سر بإذن اللّه ، فطفرت ، ثم أمر بكشفه ، فرأى عجبا(2) .
ص: 390
مسند أحمد وفضائله ، وسنن ابن ماجة : قال عبد الرحمن بن أبي ليلى :
كان أمير المؤمنين عليه السلام يلبس في البرد الشديد الثوب الرقيق ، وفي الحرّ الشديد القبا والثوب الثقيل ، وكان لا يجد الحرّ والبرد ، فكان - صلّى اللّه عليه وآله - دعا له يوم خيبر فقال : كفاك اللّه الحرّ والبرد(1) .
وفي رواية : اللّهم قه الحرّ والبرد(2) .
وفي رواية : اللّهم اكفه الحرّ والبرد(3) .
قال الأصفهاني :
أمن له في الحرّ والبرد استوت
منه بنعمة ربّه الألحان
فتراه يلبس في الشتاء غلالة(4)
وتراه طول الصيف في خفتان(5)
هل كان ذاك لأمّة من قبلهأو بعده فأبانه العصران
ص: 391
وقال الصاحب :
وكم دعوة للمصطفى فيه حقّقت
وآمال من عادى الوصي خوائب
فمن رمد آذاه جلاّه داعيا
لساعته والريح في الحرب عاصب
ومن سطوة للحرّ والبرد دوفعت
بدعوته عنه وفيها عجائب
* * *
وقال له عليه السلام يوناني : أعالج صفارك ، ولا علاج في دقّة ساقيك ، فسأله عليه السلام عمّا يزيد في الصفار ، فقال : شعرتان من هذا ، وقدر حبّة منه تقتل .
قال : كم هذا ؟ قال : قدر مثقالين .
فتناوله وقمحه ، فعرق ، وجعل الرجل يرتعد ، فتبسم عليه السلام وقال : يا عبد اللّه ، أصحّ ما كنت بدنا الآن ، لم يضرّني ما زعمت أنّه سمّ ، فغمّض عينيك ، فغمّض ، ثم قال : افتح عينيك ، ففتح ، ونظر إلى وجه علي عليه السلامفإذا هو أبيض أحمر ، فقال : زال الصفار بسمّك .
ثم ضرب بيده على أسطوانة عظيمة على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه ، وفوقه حجرتان ، فاحتملها مع الحيطان ، فغشي على اليوناني ، فلمّا أفاق قال عليه السلام : هذه قوّة الساقين الدقيقين(1) .
ص: 392
وروى حبيب بن حسن العتكي عن جابر الأنصاري قال : صلّى بنا أمير المؤمنين عليه السلام صلاة الصبح ، ثم أقبل علينا ، فقال : معاشر الناس ، أعظم اللّه أجركم في أخيكم سلمان ، فقالوا في ذلك .
فلبس عمامة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ودراعته ، وأخذ قضيبه وسيفه ، وركب على العضباء ، وقال لقنبر : عد عشرا ، قال : ففعلت ، فإذا نحن على باب سلمان .
قال زاذان : فلمّا أدرك سلمان الوفاة ، فقلت له : من المغسّل لك ؟ قال : من غسّل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقلت : إنّك في المدائن وهو بالمدينة ، فقال : يا زاذان ، إذا شددت لحيتي تسمع الوجبة .
فلمّا شددت لحيته سمعت الوجبة ، وأدركت الباب ، فإذا أنا بأمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : يا زاذان ، قضى أبو عبد اللّه سلمان ؟ قلت : نعم يا سيدي .
فدخل وكشف الرداء عن وجهه ، فتبسّم سلمان إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له : مرحبا - يا أبا عبد اللّه - إذا لقيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقل له ما مرّ على أخيك من قومك .
ثم أخذ في تجهيزه ، فلمّا صلّى عليه كنّا نسمع من أمير المؤمنين عليه السلام تكبيرا شديدا ، وكنت رأيت معه رجلين ، فقال : أحدهما جعفر أخي ، والآخر الخضر عليهماالسلام ، ومع كلّ واحد منهما سبعون صفّا من الملائكة ، في كلّ صفّ ألف ألف ملك(1) .
ص: 393
قال أبو الفضل التميمي :
سمعت منّي يسيرا من عجائبه
وكلّ أمر علي لم يزل عجبا
أدريت في ليلة سار الوصي إلى
أرض المدائن لمّا أن لها طلبا
فألحد الطهر سلمانا وعاد إلى
عراص يثرب والإصباح ما قربا
كآصف قبل ردّ الطرف من سبأ
بعرش بلقيس وافى تخرق الحجبا
في آصف لم تقل أأنت بلى
أنا بحيدر غال أورد الكذبا
إن كان أحمد خير المرسلين فذا
خير الوصيّين أو كلّ الحديث هبا
وقلت ما قلت من قول الغلاة فما
ذنب الغلاة إذا قالوا الذي وجبا
* * *
وقد ذكرنا مصارعته مع إبليس ، وأخذه عند الحرم ، ومحاربته الجنّ عند وادي بني المصطلق ، وفي بئر ذات العلم ، وغير ذلك .
وقال الأديب العادي :
من كان صنو النبي غير علي
من غسل الطهر ثم واراها
من كان جبريل معه بل يقدمه
وكان ميكال وسط بيداها
من قاتل الجنّ في القليب ترى
من قلع الباب ثم أرداها
من شيل في المنجنيق ثم دحا
غير علي وقد تولاّها
وقد خطا في السماء مبتسما
ثم ملا حصنهم بقتلاها
حتى أدانوا واثبتوا جزعا
إنّ إله السماء مولاها
ص: 394
وقال ابن حماد :
حدّث بلا حرج عن الليث الذي
تفنى لهيبته الليوث وتخشع
حدّث ولا حرج عن البحر الذي
فيه عجائب كلّها مستبدع
كم كربة قد فرّجتها كفّه
عن وجه أحمد والقوارع تقرع
وبذكره عرج الأمين مناديا
في الأفق يجهر بالنداء ويصدع
لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى
إلاّ علي المستعدّ الأصلع
لو رام يذبل كاد يذبل رهبة
أو رام رضوى لانثنى يتضعضع
ما قام قائم سيفه في كفّه
إلاّ رأيت له الفوارس تركع
سيف مضاربه الغوارب ما له
إلاّ يد العالي علي مطلع
أسد فرائسه الفوارس في الوغى
وكذا حماه هو الحمى المتشرّع
* * *
ومن كثرة فضله وفرط معجزاته ما غلوا فيه ، ولولا مباينته لجميع الأمّة بالبينونة التي لا تلحق ، والفضيلة التي لا تدرك ، والأعجوبة التي لا تنال ، ما كان مخصوصا من الغلو ، والإفراط في القول .
قال شاعر :
يا ويل نصّابة الأنام لقد
تتابعوا في الضلال بل تاهوا
قاسوا عتيقا بحيدر سخنت
عيونهم بالذي به فاهوا
كم بين من شكّ في هدايته
وبين من قيل إنّه اللّه
ص: 395
ص: 396
ص: 397
ص: 398
ابن وهبان والفتاك : مضينا بغابة فإذا بأسد بارك في الطريق ، وأشباله خلفه ، فلويت بدابّتي لأرجع ، فقال عليه السلام : إلى أين ؟ أقدم يا جويرية بن مسهر ، إنّما هو كلب اللّه ، ثم قال : « ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها »
الآية ، فإذا بالأسد قد أقبل نحوه ، فتبصص بذنبه ، وهو يقول : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته ، يا ابن عمّ رسول اللّه ، فقال : وعليك السلام يا أبا الحارث ، ما تسبيحك ؟
فقال : أقول : سبحان من ألبسني المهابة ، وقذف في قلوب عباده منّي المخافة(1) .
الباقر عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام لجويرية بن مسهر ، وقد عزم على
الخروج : أما أنّه سيعرض لك في طريقك الأسد ، قال : فما الحيلة ؟ فقال : تقرأه السلام ، وتخبره أنّي أعطيتك منه الأمان .
فبينما هو يسير إذ أقبل نحوه أسد ، فقال ، يا أبا الحارث ، إنّ أمير المؤمنين عليه السلام يقرأك السلام ، وأنّه قد آمنني منك . قال : فولّى وهمهم خمسا .
ص: 399
فلمّا رجع حكى ذلك لأمير المؤمنين عليه السلام ، فقال عليه السلام : فإنّه قال لك : فاقرأ وصيّ محمد منّي السلام ، وعقد بيده خمسا(1) .
وذكر ذلك المفضل الشيباني نحو ذلك عن جويرية : ورأى أسدا أقبل نحوه يهمهم ، ويمسح برأسه الأرض ، فتكلّم معه بشيء ، فسئل عنه عليه السلام ، فقال : إنّه يشكو الحبل ، ودعا لي وقال : لا سلّط اللّه أحدا منّا على أوليائك(2) .
قال ابن عضد الدولة :
من كلّم الثعبان إذ كلّمه
والليث قد كلّمه ليث الشرى(3)
* * *
وقال آخر :
وجاءه الجانّ على منبر
الكوفة يسعى سعي مستأثر
* * *
وقال ابن علوية :
أو يعلمون وما البصير كذي العمى
تأويل آية قصّة الثعبان
إذ جاء وهو على مراتب منبر
يعطي العباد مبارك العيدان
فأسرّ نجواه إليه ولم يروا
من قبل ذاك مناجيا للجان
سأل الحكومة بين حزبي قومه
عنه ودان لحكمه الحزبان
ص: 400
عمرو بن حمزة العلوي في فضائل الكوفة : أنّه كان أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم في محراب جامع الكوفة ، إذ قام بين يديه رجل للوضوء ، فمضى نحو رحبة الكوفة يتوضأ ، فإذا بأفعى قد لقيه في طريقه ليلتقمه ، فهرب من بين يديه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فحدّثه بما لحقه في طريقه .
فنهض أمير المؤمنين عليه السلام حتى وقف على باب الثقب الذي فيه الأفعى ، فأخذ سيفه وتركه في باب الثقب ، وقال : إن كنت معجزة مثل عصى موسى فأخرج الأفعى ، فما كان إلاّ ساعة حتى خرج يسّاره ، ثم رفع رأسه إلى الأعرابي وقال : إنّك ظننت أنّي رابع أربعة لمّا قمت بين يدي ، فقال : هو صحيح ، ثم لطم على رأسه وأسلم .
قال الوراق :
علي مناجي الأفعوان وجيشه
حواليه من جاث إليه وجثم
* * *
في الإمتحان : عمار بن ياسر وجابر الأنصاري :
كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام في البريّة ، فرأيته قد عدل عن الطريق فتبعته ، فرأيته ينظر إلى السماء ، ثم يتبسّم ضاحكا ، فقال : أحسنت أيّها الطير ، إذ صفرت بفضله .
ص: 401
فقلت له : مولاي أين الطير ؟ فقال : في الهواء ، تحبّ أن تراه وتسمع كلامه ؟ فقلت : نعم يا مولاي .
فنظر إلى السماء ، ودعا بدعاء خفي ، فإذا الطير يهوي إلى الأرض ، فسقط على يد أمير المؤمنين عليه السلام ، فمسح يده على ظهره ، فقال : انطق بإذن اللّه وأنا علي بن أبي طالب .
فأنطق اللّه الطير بلسان عربي مبين ، فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته ، فردّ عليه وقال له : من أين مطعمك ومشربك في هذه الفلاة القفراء التي لا نبات فيها ولا ماء ؟ فقال : يا مولاي ، إذا جعت ذكرت ولايتكم أهل البيت فأشبع ، وإذا عطشت فأتبرا من أعدائكم فأروى ، فقال : بورك فيك ، بورك فيك ، وطار .
مثل قوله تعالى : « يا أَيُّهَا النّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ »(1) .
قال الصاحب :
أفي الطير لمّا قد دعا فأجابه
وقد ردّه عنّي غبيّ موارب
أفي يوم خمّ إذ أشار بذكره
وقد سمع الإيصاء جاءٍ وذاهب
* * *
محمد بن وهبان الأزدي الديبلي في معجزات النبوة : عن البراء بن عازب في خبر عن أمير المؤمنين عليه السلام :
ص: 402
أنّه عبر في السماء خيط من الإوز طائرا على رأس أمير المؤمنين عليه السلام ، فصرصرن وصرخن ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : قد سلّمن عليّ وعليكم .
فتغامز أهل النفاق بينهم ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : يا قنبر ، ناد بأعلى صوتك : أيّها الإوز ، أجيبوا أمير المؤمنين وأخا رسول ربّ العالمين .
فنادى قنبر بذلك ، فإذا الطير ترفرف على رأس أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : قل لها : انزلن .
فلمّا قال لها رأيت الإوز ، وقد ضربت بصدورها إلى الأرض حتى صارت في صحن المسجد على أرض واحدة ، فجعل أمير المؤمنين عليه السلام
يخطبها بلغة لا نعرفها ، وهن يلززن بأعناقهن إليه ويصرصرن .
ثم قال لهن : انطقن بإذن اللّه العزيز الجبار .
قال : فإذا هن ينطقن بلسان عربي مبين : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، وخليفة ربّ العالمين . . الخبر .
وهذا كقوله تعالى « يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ »(1) .
علل الشرائع : عن علي بن حاتم القزويني بإسناده عن الأعمش عن إبراهيم بن علي بن أبي طالب :
إنّ أمير المؤمنين عليه السلام خرج ذات يوم، فوقف على الفرات وقال: يا هناش ،
ص: 403
فاطلع الجرّي رأسه ، فقال له علي عليه السلام : من أنت ؟ قال : أنا من أمّة بني إسرائيل عرضت عليّ ولايتكم فلم أقبلها ، فمسخت جرّيا(1) .
المعجزات والروضة ودلائل ابن عقدة : أبو إسحاق السبيعي والحارث الأعور : رأينا شيخا باكيا وهو يقول : أشرفت على المائة ، وما رأيت العدل إلاّ ساعة ، فسئل عن ذلك ، فقال : أنا حجر الحميري ، وكنت يهوديا أبتاع الطعام ، قدمت يوما نحو الكوفة ، فلمّا سرت بالقبّة(2) بالمسجد فقدت حمري ، فدخلت الكوفة إلى الأشتر ، فوجّهني إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا رآني قال : يا أخا اليهود ، إنّ عندنا علم البلايا والمنايا ، وما كان وما يكون ، أخبرك أم تخبرني بماذا جئت ؟
فقلت : بل تخبرني ، فقال : اختلست الجنّ مالك في القبّة ، فما تشاء ؟ قلت : إن تفضّلت عليّ آمنت بك .
فانطلق معي حتى إذا أتى القبّة ، وصلّى ركعتين ، ودعا بدعاء ، وقرأ « يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ » الآية ، ثم قال : يا عبد اللّه ، ما هذا العبث ، واللّه ما على هذا بايعتموني وعاهدتموني ، يا معشر الجنّ .
ص: 404
فرأيت مالي يخرج من القبّة ، فقلت : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه ، وأشهد أنّ عليا ولي اللّه ، ثم إنّي لمّا قدمت الآن وجدته مقتولاً .
قال ابن عقدة : إنّ اليهودي من سورات المدينة(1) .
قال الوراق القمّي :
علي دعا جنّا بكوفان ليلة
وقد سرقوا مال اليهودي عهرم
على نقض عهد أو بردّ متاعه
فردّوا عليه ماله لم يقسم
* * *
وحكى محمد بن الحنفية : إنقضاض غراب على خفّه ، وقد نزعه ليتوضأ وضوء الصلاة ، فإنساب فيه أسود ، فحمله الغراب حتى صار به في الجوّ ، ثم ألقاه فوقع منه الأسود ، ووقاه اللّه من ذلك(2) .
وفي الأغاني : أنّه قال المدائني : إنّ السيد الحميري وقف بالكناس وقال : من جاء بفضيلة لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام لم أقل فيها شعرا ، فله فرسي هذا وما عليّ .
فجعلوا يحدّثونه وينشدهم فيه ، حتى روى رجل عن أبي الرعل
المرادي : أنّه قدم أمير المؤمنين عليه السلام فتطهّر للصلاة ، فنزع خفّه ، فإنسابت
ص: 405
فيه أفعى ، فلمّا دعا ليلبسه إنقض غراب ، فحلّق به ثم ألقاه ، فخرجت الأفعى منه .
قال : فأعطاه السيد ما وعده ، وأنشأ يقول :
ألا يا قوم للعجب العجاب
لخفّ أبي الحسين وللحباب(1)
عدوّ من عداة الجنّ عبدبعيد في المرارة من صواب
كريه اللون أسود ذو بصيصحديد الناب أزرق ذو لعاب
أتى خفّا له فانساب فيهلينهش رجله منها بناب
فقضّ من السماء له عقابمن العقبان أو شبه العقاب
فطار به فحلّق ثم أهوىبه للأرض من دون السحاب
فصكّ بخفّه فانساب منهوولّى هاربا حذر الحصاب
فدوفع عن أبي حسن علينقيع سمامه بعد انسياب(2)
* * *
وله أيضا :
كمن في خفّ الوصي حيّة
سبسبها الراقي فيه بالحيل
فأرسل اللّه إليه ملكا
في صورة الطير الغداف المنحجل
فحلّق الخفّ وأحداق الورى
تراه في حجر الغداف معتقل
حتى هوى من جوفه نضاضة(3)
تنضح سمّا باللّعاب المنسدل
ص: 406
وقال الرضي :
أما في باب خيبر معجزات
تصدّق أو مناجاة الحباب
أرادت كيده واللّه يأبى
فجاء النصر من قبل الغراب
فطار به فحلّق ثم أهوى
يصكّ الأرض من دون السحاب
* * *
وقال الناشي :
ومن في خفّه طرح الأعادي
حبابا كي تلسعه الحباب
فحين أراد لبس الخفّ وافى
تمانعه من الخفّ الغراب
وطار به وأقلبه وفيه
حباب في الصعيد له انسياب
* * *
وقال ابن علوية :
كقصّة الأفعى التي في خفّه
كمنت ومنها تصرف النابان
رقشاء(1) تنفث بالسموم ضئيلة
صماء عادية لها قرنان
يدعى الحباب ولو تفهّم أمرهمن عابني تهوى الوصي شقاني
ماذا دعاه إلى الولوج لخيبةوضلالة في ذلك الشيخان
لمّا تيمّم لبسه ألوى بهفي الجوّ منقضّ من الغربان
حتى إذا ارتفعا به وتقلّباأهواه مثل مكابد حردان(2)
فهوى هوي الريح بين فروجهمتقطّعا قلقا على الصوان(3)
ص: 407
كتاب هواتف الجنّ : محمد بن إسحاق عن يحيى بن عبد اللّه بن الحارث عن أبيه قال : حدّثني سلمان الفارسي في خبر :
كنّا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله في يوم مطير ، ونحن ملتفّون(1) نحوه ، فهتف هاتف : السلام عليك يا رسول اللّه ، فردّ عليه السلام وقال : من أنت ؟
قال : عرفطة بن شمراخ أحد بني نجاح ، قال : إظهر لنا - رحمك اللّه - في صورتك .
قال سلمان : فظهر لنا شيخ أزب(2) أشعر ، قد لبس وجهه شعر غليظ متكاثف قد واراه ، وعيناه مشقوقتان طولاً ، وفمه في صدره ، فيه أنياب بادية طوال ، وأظفاره كمخالب السباع ، فقال الشيخ : يا نبي اللّه ابعث معي من يدعو قومي إلى الإسلام ، وأنا أردّه إليك سالما ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : أيّكم يقوم معه ، فيبلّغ الجنّ عنّي ، وله الجنّة ؟ فلم يقم أحد ، فقال ثانية وثالثة ، فقال علي عليه السلام : أنا يا رسول اللّه .
فالتفت النبي صلى الله عليه و آله إلى الشيخ ، فقال : وافني إلى الحرّة في هذه الليلة أبعث معك رجلاً يفصل حكمي ، وينطق بلساني ، ويبلغ الجنّ عنّي .
قال : فغاب الشيخ ، ثم أتى في الليل ، وهو على بعير كالشاة ، ومعه بعير آخر كارتفاع الفرس ، فحمل النبي صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام عليه ، وحملني خلفه ،
ص: 408
وعصب عيني وقال : لا تفتح عينيك حتى تسمع عليا عليه السلام يؤذن ، ولايروعك
ماترى ، فإنّك آمن ، فسار البعير ، فدفع سائرا يدفّ كدفيف النعام ، وعلي عليه السلام يتلو القرآن .
فسرنا ليلتنا حتى إذا طلع الفجر أذّن علي عليه السلام ، وأناخ البعير ، وقال : إنزل يا سلمان ، فحللت عيني ونزلت ، فإذا أرض قوراء(1) ، فأقام الصلاة وصلّى بنا ، ولم أزل أسمع الحسّ ، حتى إذا سلّم علي عليه السلام إلتفت ، فإذا خلق عظيم ، وأقام علي عليه السلام يسبّح ربّه حتى طلعت الشمس ، ثم قام خطيبا ، فخطبهم ، فاعترضته مردة منهم ، فأقبل علي عليه السلام فقال : أبالحقّ تكذّبون ؟ وعن القرآن تصدفون ؟ وبآيات اللّه تجحدون ؟
ثم رفع طرفه إلى السماء ، فقال : اللّهم بالكلمة العظمى ، والأسماء الحسنى ، والعزائم الكبرى ، والحيّ القيوم ، ومحيي الموتى ، ومميت الأحياء ، وربّ الأرض والسماء ، يا حرسة الجنّ ، ورصدة الشياطين ، وخدّام اللّه ، الشرهاليين ، وذوي الأرحام الطاهرة ، اهبطوا بالجمرة التي لا تطفأ ، والشهاب الثاقب ، والشواظ المحرق ، والنحاس القاتل ، بكهيعص والطواسين والحواميم ويس و« ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ »والذاريات
« وَالنَّجْمِ إِذا هَوى » « وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ »والأقسام العظام ، ومواقع النجوم ، لمّا أسرعتم الإنحدار إلى المردة المتولّعين المتكبّرين الجاحدين آثار ربّ العالمين .
ص: 409
قال سلمان : فأحسست بالأرض من تحتي ترتعد ، وسمعت في الهواء دويّا شديدا ، ثم نزلت نار من السماء صعق كلّ من رآها من الجنّ ، وخرّت على وجوهها مغشيّا عليها ، وسقطت أنا على وجهي .
فلمّا أفقت إذا دخان يفور من الأرض ، فصاح بهم علي عليه السلام : ارفعوا رؤوسكم ، فقد أهلك اللّه الظالمين .
ثم عاد إلى خطبته ، فقال :
يا معشر الجنّ والشياطين والغيلان وبني شمراخ وآل نجاح وسكّان الآجام والرمال والقفار وجميع شياطين البلدان ، إعلموا أنّ الأرض قد ملئت عدلاً كما كانت مملؤة جورا ، هذا هو الحقّ ، « فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنّى تُصْرَفُونَ » .
فقالوا : آمنا باللّه ورسوله وبرسول رسوله .
فلمّا دخلنا المدينة ، قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : ماذا صنعت ؟
قال : أجابوا وأذعنوا ، وقصّ عليه خبرهم ، فقال : لا يزالون كذلك هائبين إلى يوم القيامة(1) .
قال ابن حماد :
وليلة الجنّ مضى
وبينهم أمضى القضا
حتى إذا الفجر أضا
أقبل محمود السرى
* * *
ص: 410
وقال الزاهي :
من هبط الجبّ ولم يخش الردى
والماء منحل السقاء فجاسه
من أحرق الجنّ برجم شهبه
أشوظه يقدمها نحاسه
حتى انثنت لأمره مذعنة
ومنهم بالعوذ احتراسه
* * *
وقال الوراق القمّي :
علي دعى الجنّ في أرض يثرب
على دين ذي الآلاء حي هلمم
علي فرى يوم القليب بسيفه
جماجم كفار لهاميم ظلّم(1)
* * *
وحدّثني أبو منصور بإسناده ، والأصفهاني بإسناده إلى رجل قال : كنت أنا وعلي بن أبي طالب بصفين ، فرأيت بعيرا من إبل الشام جاء ، وعليه راكبه وثقله ، فألقى ما عليه ، وجعل يتخلّل الصفوف حتى انتهى إلى علي عليه السلام ، فوضع مشفره ما بين رأس علي
عليه السلام ومنكبه ، وجعل يحرّكها بجرانه(2) ، فقال علي عليه السلام : واللّه إنّها لعلامة بيني وبين رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : فجدّ الناس في ذلك اليوم ، واشتدّ قتالهم(3) .
ص: 411
وحدّثني أبو العزيز كادش العكبري بإسناد أورده : إنّ رجلاً من ناحية آذربيجان كان له إبلاً قد استصعبت عليه ، فجاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فأخبره بذلك وشكا إليه ، فقال عليه السلام : إذا انصرفت فصر إلى الموضع الذي هي فيه ، وقل : اللّهم إنّي أتوجّه إليك بنبيّك نبيّ الرحمة ، وأهل بيته الذين اخترتهم على علم على العالمين ، اللّهم فذلّل لي صعوبتها وحرانها ، واكفني شرّها ، فإنّك الكافي المعافي ، والغالب القاهر ، فانصرف الرجل .
فلمّا كان من قابل عاد ومعه جملة من أثمانها قد حمله إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال عليه السلام له : إنّها لمّا صرت إليها جاءتك لائذة خاضعة ذليلة ، فأخذت بنواصيها واحدا فواحدا ! قال : صدقت يا أمير المؤمنين ، كأنّك كنت حاضرا معي ، فتفضّل عليّ بقبول ما جئتك به ، فقال : إمض راشدا ، بارك اللّه لك فيه ، فبورك للرجل في ماله حتى ضاق عليه رحاب بلده(1) .
وفي حديث عمار : لمّا أرسل النبي صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام إلى مدينة عمان في قتال الجلندي بن كركرة ، وجرى بينهما حربا عظيما ، وضربا وجيعا ، دعا الجلندي بغلام يقال له « الكندي » ، وقال له : إن أنت خرجت إلى
ص: 412
صاحب العمامة السوداء والبغلة الشهباء ، فتأخذه أسيرا ، أو تطرحه مجدّلاً عفيرا ، أزوّجك ابنتي التي لم أنعم لأولاد الملوك بزواجها .
فركب الكندي الفيل الأبيض ، وكان مع الجلندي ثلاثون فيلاً ، وحمل بالأفيلة والعسكر على أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا نظر الإمام عليه السلام إليه نزل عن بغلته ، ثم كشف عن رأسه ، فأشرقت الفلاة طولاً وعرضا ، ثم ركب ودنا من الأفيلة ، وجعل يكلّمها بكلام لا يفهمه الآدميون ، وإذا بتسعة وعشرين فيلاً قد دارت رؤوسها ، وحملت على عسكر المشركين ، وجعلت تضرب فيهم يمينا وشمالاً ، حتى أوصلتهم إلى باب عمان ، ثم رجعت وهي تتكلّم بكلام يسمعه الناس : يا علي ، كلّنا نعرف محمدا صلى الله عليه و آله ، ونؤمن بربّ محمد صلى الله عليه و آله ، إلاّ هذا الفيل الأبيض ، فإنّه لا يعرف محمدا صلى الله عليه و آله ولا آل محمد عليهم السلام .
فزعق الإمام زعقته المعروفة عند الغضب المشهورة ، فارتعد الفيل ووقف ، فضربه الإمام بذي الفقار ضربة رمى رأسه عن بدنه ، فوقع الفيل إلى الأرض كالجبل العظيم ، وأخذ الكندي من ظهره .
فأخبر جبرئيل النبي صلى الله عليه و آله ، فارتقى على السور ، فنادى : أبا الحسن ، هبه لي ، فهو أسيرك ، فأطلق علي عليه السلام سبيل الكندي ، فقال : يا أبا الحسن ، ما حملك على إطلاقي ؟ قال : ويلك ، مدّ نظرك .
فمدّ عينيه ، فكشف اللّه عن بصره ، فنظر النبي صلى الله عليه و آله على سور المدينة وصحابته ، فقال : من هذا يا أبا الحسن ؟ فقال : سيدنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فقال : كم بيننا وبينه ؟ قال : مسيرة أربعين يوما .
ص: 413
فقال : يا أبا الحسن ، إنّ ربّكم عظيم ، ونبيّكم نبي كريم ، مدّ يدك ، فأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه .
وقتل علي عليه السلام الجلندي ، وغرق في البحر منهم خلقا كثيرا ، وقتل منهم كذلك ، وأسلم الباقون ، وسلّم الحصن إلى الكندي ، وزوّجه بابنة الجلندي ، وأقعد عندهم قوما من المسلمين يعلّموهم الفرائض .
وفي حديث صالح بن سماعة الطائي : أنّه قال أعرابي - أتاه من تيم مع القارصي - بعد ما سأله مسائل : إنّي قدمت بابن لي ألتمس له جملاً من العلم ، فلقّنه خبرا .
قال عليه السلام : ادن يا غلام ، قال الغلام : فأمدّ يده على ذؤابتيه ، فلا أنسى برد جهضتها على أم دماغيه ، قال لي : أتعلم ؟ قلت : بأبي ، وما أعلم ؟
قال : من ربّك ؟ قلت : اللّه ربّي .
قال : من نبيك ؟ قلت : محمد صلى الله عليه و آله .
قال : فأين قبلتك ؟ قلت : ها هي ذه تجاهيه ، وأومأت إلى الكعبة .
قال لي : أجب الصلاة إذا غربت في اليوباء ، واذكر ربّك ناشيا ، وإن ركبت الجلعباء ، ثم تركني .
فنهضت مع أبيه حتى قدمنا الحي ، وما شيء أحبّ إليّ من الصلاة .
ثم سألت عن القارصي ، قال : ذاك علي بن أبي طالب .
ص: 414
وأخذ عليه السلام البيعة على الجنّ بوادي العقيق بأن لا يظهروا في رحالتنا وجواد المسلمين ، وقضى منه ومن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وضلّت مائة ناقة حمراء تنظر في سواد ، وترعى في سواد ، فشكت الجنّ مأكلهم ، فقال : أوليس قد أبحت لكم النثيل(1) والعظام ، قالوا : يا أمير
المؤمنين ، على أن لا يستجمر بها ، فقال : لكم ذلك ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، فإنّ الشمس تضرّ بأطفالنا .
فأمر أمير المؤمنين عليه السلام الشمس أن ترجع ، فرجعت ، وأخذ عليها العهد أن لا تضرّ بأولاد المؤمنين من الجنّ والإنس .
ومنه حديث الملك الذي تضمّن كلمة ابن حماد ، وهي :
ولقد غدا يوما إلى الهادي إذا
بالباب معترضا شجاع أقرع(2)
فسعى إلى مولاي يلحس ثوبه
كالمستجير به يلوذ ويضرع
حتى إذا بصر النبي بكمّه
ويذوده بالرفق عنه ويدفع
ناداه رفقا يا علي فإنّ ذا
ملك له من ذي المعارج موضع
أخطا فاهبط من علو مكانه
فأتى بجاهك شافعا يستشفع
ص: 415
فادع الإله له ليغفر ذنبه
واشفع فإنّك شافع ومشفّع
فدعا علي والنبي وأخلصا
فعلا الشجاع يصيح وهو مجعجع
للّه من عبدين ليس لربّنا
عبدان أوجه منهما أو أطوع
* * *
وله أيضا :
ومن ناجاه ثعبان عظيم
بباب الطهر ألقته السحاب
رآه الناس فانجفلوا برعب
وأغلقت المسالك والرحاب
فلمّا أن دنا منه علي
تدانى الناس وانحشد الحباب
فكلّمه علي مستطيلاً
فأقبل لا يخاف ولا يهاب
ورنا رنّة وأنساب فيه
يقول وقد تستره الثياب
أنا ملك مسخت وأنت مولى
دعاؤك إن مننت به عجاب
أتيتك تائبا فاشفع إلى من
إليه من جنايتي المتاب
فأقبل داعيا وأتى أخوه
يؤمن في الدعاء له انسكاب
فلمّا أن أجيب أظلّ يعلو
كما يعلو لدى الجوّ العقاب
نبته بريش طاووس عليه
جواهر زانها التبر المذاب
يقول لقد نجوت بأهل بيت
بهم يصلى لظى وبهم يثاب
* * *
وقال الصنوبري :
وشافع الملك الراجي شفاعته
إذ جاءه ملك في خلق ثعبان
* * *
ص: 416
وقال ابن مكي :
ألم تبصروا الثعبان مستشفعا به
إلى اللّه والمعصوم يلحسه لحسا
فعاد كطاووس يطير كأنّه
تعشرم في الأملاك فاستوجب الحبسا
* * *
تفسير أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام : لمّا ناظرت اليهود عليا عليه السلامفي
النبوة نادى جمال اليهود : أيّتها الجمال ، إشهدي لمحمد ووصيه ، فنطقت جمالهم وثيابهم كلّها : صدقت يا علي ، إنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وإنّك - يا علي - حقّا وصيّه ، فآمن بعضهم ، وخزي آخرون .
فنزل « الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ » الكتاب أمير المؤمنين عليه السلام ، والمتّقين شيعته(1) .
أبو بكر الشيرازي في نزول القرآن في شأن علي عليه السلام
بالإسناد عن مقاتل عن محمد بن الحنفية عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله تعالى « إِنّا عَرَضْنَا
ص: 417
الأَمانَةَ » عرض اللّه أمانتي على السماوات السبع بالثواب والعقاب ، فقلن : ربّنا لا تحمّلنا(1) بالثواب والعقاب ، لكنّا نحملها بلا ثواب ولا عقاب .
وإنّ اللّه عرض أمانتي وولايتي على الطيور ، فأوّل من آمن بها البزاة البيض والقنابر ، وأوّل من جحدها البوم والعنقا ، فلعنهما اللّه - تعالى - من بين الطيور ، فأمّا البوم (2) فلا تقدر أن تظهر بالنهار لبغض الطير لها ، وأمّا العنقا ، فغابت في البحار لا ترى .
ص: 418
وإنّ اللّه عرض أمانتي على الأرضين ، فكلّ بقعة آمنت بولايتي جعلها طيبة زكية ، وجعل نباتها وثمرها حلوا عذبا ، وجعل ماؤها زلالاً ، وكلّ بقعة جحدت إمامتي ، وأنكرت ولايتي جعلها سبخا ، وجعل نباتها مرّا علقما ، وجعل ثمرها العوسج والحنظل ، وجعل ماءها ملحا أجاجا .
ثم قال : ( وَحَمَلَهَا الإِنْسانُ » يعني : أمّتك - يا محمد - ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وإمامته بما فيها من الثواب والعقاب « إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً »
لنفسه « جَهُولاً » لأمر ربّه ، من لم يؤدّها بحقّها فهو ظلوم غشوم .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : لا يحبّني إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق ولد حرام .
والطيور المختارة عندنا خمس : الراعبي ، والورشان ، والقنبرة ، والهدهد ، والبوم ، والسبب في سكونها الخراب أنّه لمّا قتل الحسين عليه السلام درأت عليه وقالت : لا سكنت بين قوم يقتلون ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ودخلت الخراب(1) .
ص: 419
قيل :
يا بومة القبّة الخضراء قد أنست
روحي بقربك إذ يستبشع البوم
ويا مثيرة أشجاني بنغمتها
حاشاك ما فيك تشويه ولا شوم
زهدت في زخرف الدنيا فأسكنك
الزهد الخراب فمن يذممك مذموم
ففي جبينك في وقت الظلام وقد
نام الأنام دليل الشوق مرسوم
* * *
تاريخ البلاذري قال أبو سحيلة : مررت أنا وسلمان بالربذة على أبي ذر ، فقال : إنّه سيكون فتنة ، فإن أدركتموها فعليكم بكتاب اللّه وعلي بن أبي طالب ، فإنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : علي أوّل من آمن بي ، وأوّل من يصافحني يوم القيامة ، وهو يعسوب المؤمنين(1) .
وقال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي أنت يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظالمين(2) .
أغاني أبي الفرج في حديث : إنّ المعلّى بن طريف قال : ما عندكم في قوله تعالى « وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ » ؟
فقال بشار : النحل المعهود ؟
ص: 420
قال : هيهات يا أبا معاذ ، النحل بنو هاشم « يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ » يعني العلم(1) .
قال الرضا عليه السلام في هذه الآية : قال النبي صلى الله عليه و آله : علي أميرها ، فسمّي أمير النحل(2) .
ويقال : إنّ النبي صلى الله عليه و آله وجّه عسكرا إلى قلعة بني ثعل ، فحاربهم أهل القلعة حتى نفذت أسلحتهم ، فأرسلوا إليهم كوار النحل ، فعجز عسكر النبي صلى الله عليه و آله عنها ، فجاء علي عليه السلام ، فذلّت النحل له ، فلذلك سمّي أمير النحل(3) .
وروي : أنّه وجد في غار نحل ، فلم يطيقوا به ، فقصده علي عليه السلام وشال(4) منه عسلاً كثيرا ، فسمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمير النحل واليعسوب .
ويقال : هو يعسوب الآخرة ، وهذا في الشرف في أقصى ذروته ، واليعسوب ذكر النحل وسيّدها ، ويتبعه سائر النحل .
قال أبو حنيفة الدينوري : متى عجز اليعسوب عن الطيران حملته النحل حملاً ، وبقية النحل لا تعسل بعده ، وجعل يطير في وجه الأرض(5) .
قال السروجي :
والنحل أضحى لعلي طائعا
ممتثلاً لأمره لمّا انزجر
ص: 421
والصحيح أنّه أنزل اللّه - تعالى - الملائكة النحليين ، فكان أميرهم .
قال العوني :
علي أمير النحل والنحل جنده
فهل لك علم بالأمير وبالنحل
* * *
وقال الوراق :
علي وبيت اللّه آية أحمد
ويعسوب دين المؤمن المتحرّم
* * *
وقال الصاحب :
أيعسوب دين اللّه صنو نبيه
ومن حبّه فرض من اللّه واجب
مكانك من فوق الفراقد لائح
ومجدك من أعلى السماك مراقب
وسيفك في جيد الأعالي قلائدا
قلائد لم يعكف عليهن ثاقب
* * *
ص: 422
ص: 423
ص: 424
روى أبو بكر بن مردويه في المناقب ، وأبو إسحاق الثعلبي في تفسيره : وأبو عبد اللّه النطنزي في الخصائص ، والخطيب في الأربعين ، وأبو أحمد الجرجاني في تاريخ جرجان ردّ الشمس لعلي عليه السلام .
ولأبي بكر الوراق كتاب طرق من روى ردّ الشمس ، ولأبي عبد اللّه الجعل مصنف في جواز ردّ الشمس ، ولأبي القاسم الحسكاني مسألة في تصحيح ردّ الشمس وترغيم النواصب الشمس ، ولأبي الحسن الشاذان كتاب بيان ردّ الشمس على أمير المؤمنين(1) .
وذكر أبو بكر الشيرازي في كتابه بالإسناد - عن شعبة عن قتادة عن الحسن البصري عن أمّ هاني - هذا الحديث مستوفى .
ص: 425
ثم قال : قال الحسن عقيب هذا الخبر : وأنزل اللّه - عزّ وجلّ - آيتين في ذلك :
قوله تعالى « وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً » يعني هذا يخلف هذا لمن أراد أن يذكر فرضا ، أو نام عليه ، أو أراد شكورا .
وأنزل أيضا : « يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ » .
وذكر أنّ الشمس ردّت عليه مرارا : الذي رواه سلمان ، ويوم البساط ، ويوم الخندق ، ويوم حنين ، ويوم خيبر ، ويوم قرقيساء(1) ، ويوم براثا ، ويوم الغاضرية ، ويوم النهروان ، ويوم بيعة الرضوان ، ويوم صفين ، وفي النجف ، وفي بني مازر ، وبوادي العقيق ، وبعد أحد ، وروى الكليني في الكافي أنّها رجعت بمسجد الفضيخ من المدينة(2) .
وأمّا المعروف مرّتان : في حياة النبي صلى الله عليه و آله بكراع الغميم(3) ، وبعد وفاته ببابل .
ص: 426
فأمّا في حال حياته صلى الله عليه و آله : ما روت أم سلمة ، وأسماء بنت عميس ، وجابر الأنصاري ، وأبو ذر ، وابن عباس ، والخدري ، وأبو هريرة ، والصادق عليه السلام :
إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى بكراع الغميم ، فلمّا سلّم نزل عليه الوحي ، وجاء علي عليه السلام ، وهو على ذلك الحال ، فأسنده إلى ظهره ، فلم يزل على تلك الحال حتى غابت الشمس ، والقرآن ينزل على النبي صلى الله عليه و آله .
فلمّا تمّ الوحي قال : يا علي ، صلّيت ؟ قال : لا ، وقصّ عليه ، فقال : ادع ليردّ اللّه عليك الشمس ، فسأل اللّه ، فردّت عليه بيضاء نقية .
وفي رواية أبي جعفر الطحاوي : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : اللّهم إنّ عليا كان في طاعتك وطاعة رسولك ، فاردد عليه الشمس ، فردّت ، فقام علي عليه السلام
وصلىّ ، فلمّا فرغ من صلاته وقعت الشمس ، وبدت(1) الكواكب(2) .
وفي رواية أبي بكر مهرويه : قالت أسماء : أما - واللّه - لقد سمعنا لها عند غروبها صريرا كصرير المنشار في الخشب(3) .
ص: 427
قال : وذلك بالصهباء في غزاة خيبر(1) .
وروي : أنّه صلّى إيماء ، فلمّا ردّت الشمس أعاد الصلاة بأمر رسول اللّه (2) صلى الله عليه و آله .
وسئل الصاحب أن ينشد في ذلك ، فأنشأ :
لا تقبل التوبة من تائب
إلاّ بحبّ ابن أبي طالب
أخي رسول اللّه بل صهره
والصهر لا يعدل بالصاحب
يا قوم من مثل علي وقد
ردّت عليه الشمس من غائب(3)
* * *
وقال المفجع البصري :
وعلي إذ نال رأس رسول
اللّه من حجره وسادا وطيّا
إذ يخال النبي لمّا أتاه
الوحي مغمى عليه أو مغشيّا
فتراخت عنه الصلاة ولم يوقظه
إلى أن كان شخصه منحيّا
فدعا ربّه فأنجزه الميعاد
من كان وعده مأتيّا
قال هذا أخي بحاجة ربّي
لم يزل شطر يومه مغشيّا
فاردد الشمس كي يصلّي في ال
وقت فعاد العشي بعد مضيّا
* * *
ص: 428
وقال الحميري :
ردّت عليه الشمس لمّا فاته
وقت الصلاة وقد دنت للمغرب
حتى تبلج نورها في أفقها
للعصر ثم هوت هوي الكوكب
وعليه قد ردّت ببابل مرّة
أخرى وما ردّت لخلق معرب
إلاّ ليوشع أو له من بعده
ولردّها تأويل أمر معجب
* * *
وله أيضا :
فلمّا قضى وحي النبي دعا له
ولم يك صلّى العصر والشمس تنزع
فردّت عليه الشمس بعد غروبها
فصار لها في أوّل الليل مطلع
* * *
وله أيضا :
علي عليه ردّت الشمس مرّة
بطيبة يوم الوحي بعد مغيب
وردّت له أخرى ببابل بعد
ما أفت(1) وتدلّت عينها لغروب
* * *
وقال ابن حماد :
قرن الإله ولائه بولائه
لمّا تزكّى وهو حان يركع
ص: 429
سمّاه ربّ العرش نفس محمد
يوم البهال وذاك ما لا يدفع
فالشمس قد ردّت عليه بخيبر
وقد ابتدت زهر الكواكب تطلع
وببابل ردّت عليه ولم يكن
واللّه خير من علي يوشع
* * *
وقال علي بن أحمد :
وغدير خم ليس ينكر فضله
إلاّ زنيم فاجر كفار
من ذا عليه الشمس بعد مغيبها
ردّت ببابل نبئن(1) يا حار
وعليه قد ردّت ليوم المصطفىيوما وفي هذا جرت أخبار
حاز الفضائل والمناقب كلّهاأنّى يحيط بمدحه الأشعار
* * *
وأمّا بعد وفاته عليه السلام : ما روى جويرية بن مسهر ، وأبو رافع ، والحسين بن علي عليه السلام :
إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا عبر الفرات ببابل صلّى بنفسه في طائفة معه العصر ، ثم لم يفرغ الناس من عبورهم حتى غربت الشمس ، وفات صلاة العصر من الجمهور ، فتكلّموا في ذلك ، فسأل اللّه - تعالى - ردّ الشمس عليه ، فردّها عليه .
ص: 430
فكانت في الأفق ، فلمّا سلّم القوم غابت ، فسمع لها وجيب شديد هال الناس ذلك ، وأكثروا التهليل والتسبيح والتكبير(1) .
ومسجد الشمس(2) بالصاعدية من أرض بابل شائع ذائع .
وعن ابن عباس بطرق كثيرة : أنّه لم تردّ الشمس إلاّ لسليمان وصي داود ، وليوشع وصي موسى ، ولعلي بن أبي طالب وصي محمد(3) صلوات اللّه عليهم أجمعين .
قال قدامة السعدي :
ردّ الوصي لنا الشمس التي غربت
حتى قضينا صلاة العصر في مهل
لا أنسه حين يدعوها فتتبعه
طوعا بتلبية هاها على عجل
فتلك آيته فينا وحجّته
فهل له في جميع الناس من مثل
أقسمت لا أبتغي يوما به بدلاً
وهل يكون لنور اللّه من بدل
حسبي أبو حسن مولى أدين به
ومن به دان رسل اللّه في الأول
* * *
ص: 431
وقال العوني :
ولا تنس يوم الشمس إذ رجعت له
بمنتشر وادي من النور ممتع
فذلك بالصهبا وقد رجعت له
ببابل أيضا رجعة المتطوّع
* * *
وقال ابن حماد :
وردّت لك الشمس في بابل
فساميت يوشع لمّا سمى
ويعقوب ما كان أسباطه
كنجليك سبطي نبي الهدى
* * *
وقال السروجي :
والشمس لم تعدل بيوم بابل
ولا تعدّت أمره حين أمر
جاءت صلاة العصر والحرب على
ساق فأومى نحوها ردّ النظر
فلم تزل واقفة حتى قضى
صلاته ثم هوت نحو المقر
* * *
وقال غيره :
من لم تردّ الشمس بعد نبيّه
إلاّ له بعد الحجاب المسدل
وببابل والقوم فرض دونه
يتقارعون على ورود المنهل
للّه معجزة أتت لولّيه
بين الملأ بعد النبي المرسل
* * *
ص: 432
فأمّا طعن الملاحدة أنّ ذلك يبطل الحساب والحركات .
فيجاب : بأنّ اللّه - تعالى - ردّها وردّ معها الفلك ، فلا يختلف الحساب والحركات .
أو يقول بردّها ثم يحدث فيها من السير ما يظهر ، وتلحق بموضعها ، ولا يظهر على الفلك ، وذلك يبني على حدوث العالم وإثبات المحدث .
وأمّا إعتراض ابن فورك في كتاب الفصول من تعليق الأصول : أنّه لو كان ذلك صحيحا لرآه جميع الناس في جميع الأقطار ، فالإنفصال منه بما أجيب عنه من إعترض على انشقاق القمر للنبي صلى الله عليه و آله .
قال السيد الرضي :
ردّت عليه الشمس يحدث ضوؤها
صبحا على بعد من الإصباح
من قاس ذا شرف به فكأنّما
وزن الجبال القود بالأشياح(1)
* * *
وقال ابن الحجّاج :
سيدي الذي رجعت له
شمس النهار كما أمر
ودعا فطار به البساط
كما روينا في الخبر
ص: 433
وقال ابن حماد :
يا إماما ما له إلاّ رسول اللّه شكل
لم يزل شأنك عند اللّه يعلو ويجلّ
وعليك الشمس ردّت ودجى الليل مطلّ
* * *
وله أيضا :
ردّت له الشمس وهو شان
لو علم الناس أيّ شان
* * *
وقال كشاجم :
ومن ردّ خالقنا شمسه
عليه وقد جنحت للطّفل(1)
ولو لم تعد كان في رأيهوفي وجهه من سناها بدل
* * *
وقال الحماني :
ابن(2) الذي ردّت عليه
الشمس في يوم الحجاب
ابن القسيم النار في يوم المواقف والحساب
مولاهم يوم الغديربرغم مرتاب وآب
* * *
ص: 434
وقال الصنوبري :
ردّت له الشمس في أفلاكها فقضى
صلاته غير ما ساه ولا وان
* * *
وقال العوني :
ذاك الذي رجعت شمس النهار له
بعد الأفول كأنّ الشمس لم تغب
* * *
وله أيضا :
إمامي كليم الشمس بعد غروبها
فردّت له من بعدما غربت عصرا
* * *
وله أيضا :
إنّي أنا عبد لمن ردّت له
شمس الضحى عند الغروب فانحرف
ردّت له حتى أقام فريضة
للظهر صلّى والضيا لم ينكشف
* * *
وقال الصاحب :
كان النبي مدينة العلم التي
حوت الكمال وكنت أفضل باب
ردّت عليك الشمس وهي فضيلة
ظهرت فلم تستر بكفّ نقاب
* * *
ص: 435
وله أيضا :
أوّل الناس صلاة
جعل التقوى جلاها
ردّت الشمس عليه
بعد ما غاب سناها
* * *
وقال الأصفهاني :
أمن عليه الشمس ردّت بعدما
كسى الظلام معاطف الجدران
حتى قضى ما فات من صلواته
في دبر يوم مشرق ضحيان
والناس من عجب رأوه وعاينوا
يترجّحون ترجّح السكران
ثم انثنت لمغيبها منحطّة
كالسهم طار بريشة الظهران(1)
* * *
وقال الحميري :
أمّ من عليه الشمس كرّت بعد ما
غربت وألبسها الظلام شعارا
حتى تلافى العصر في أوقاتها
واللّه آثره بها إيثارا
تمّت توارت بالحجاب حثيثة
جعل الإله لسيرها مقدارا
* * *
وقال أبو الفضل الإسكافي :
من ذا له شمس النهار تراجعت
بعد الأفول وقد تقضّى المطلع
ص: 436
حتى إذا صلّى الصلاة لوقتها
أفلت ونجم عشا الأخيرة تطلع
في دون ذلك للأنام كفاية
من فضله ولدى البصيرة مقنع
* * *
وقال ابن رزيك :
من ردّت الشمس من بعد المغيب له
فأدرك الفضل والأملاك تشهده
* * *
وقال ابن الرومي :
وله عجائب يوم سار بجيشه
يبغي لقصد النهروان المخرجا
ردّت عليه الشمس بعد غروبها
بيضاء تلمع وقدة وتأجّجا
* * *
وقال غيره :
من له آخى النبي المصطفى
يوم خمّ بالوفا دون الإهال
وله معجزة مشهورة
حين ردّ الشمس من بعد الزوال
* * *
وقال آخر :
لا ومن أمري ونهي
وحيائي في يديه
لا تواليت سوى من
ردّت الشمس عليه
* * *
ص: 437
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام عن جابر قال : كلّمت الشمس علي بن أبي طالب عليهماالسلام سبع مرات :
فأوّل مرّة : قالت له : يا إمام المسلمين ، اشفع لي إلى ربّي أن لا يعذّبني .
والثانية : قالت له : مرني أحرق مبغضيك ، فإنّي أعرفهم بسيماهم .
والثالثة : ببابل ، وقد فاتته العصر ، فكلّمها ، وقال لها : ارجعي إلى موضعك ، فأجابته بالتلبية .
والرابعة : قال : يا أيّتها الشمس ، هل تعرفين لي خطيئة ؟ قالت : وعزّة ربّي ، لو خلق اللّه الخلق مثلك لم يخلق النار .
والخامسة : فإنّهم اختلفوا في الصلاة في خلافة أبي بكر ، فخالفوا عليا عليه السلام ، فتكلّمت الشمس ظاهرة ، فقالت : الحقّ له وبيده ومعه ، سمعته قريش ومن حضره .
والسادسة : حين دعاها فأتته بسطل من ماء الحياة ، فتوضأ للصلاة ، فقال لها : من أنت ؟ فقالت : أنا الشمس المضيئة .
والسابعة : عند وفاته ، حين جاءت وسلّمت عليه ، وعهد إليها وعهدت إليه(1) .
وحدّثني ابن شيرويه الديلمي وعبدوس الهمداني والخطيب الخوارزمي
ص: 438
من كتبهم ، وأجازني جدّي الكيا شهرآشوب ومحمد الفتال من كتب أصحابنا نحو ابن قولويه ، والكشّي والعبدكي عن سلمان وأبي ذر وابن عباس وعلي بن أبي طالب عليه السلام :
أنّه لمّا فتح مكة وانتهيا إلى هوازن قال النبي صلى الله عليه و آله : قم يا علي ، وانظر كرامتك على اللّه ، كلّم الشمس إذا طلعت .
فقام علي عليه السلام فقال : السلام عليك أيّها العبد الدائب في طاعة اللّه ربّه ، فأجابته الشمس وهي تقول : وعليك السلام ، يا أخا رسول اللّه ووصيّه وحجّة اللّه على خلقه .
فانكب علي عليه السلام ساجدا شكرا للّه - تعالى - ، فأخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيقيمه ويمسح وجهه ، وقال : قم يا حبيبي ، فقد أبكيت أهل السماء من بكائك ، وباهى اللّه بك حملة عرشه .
ثم قال صلى الله عليه و آله : الحمد للّه الذي فضّلني على سائر الأنبياء ، وأيّدني بوصيّه سيد الأوصيّاء ، ثم قرأ «وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً »(1) الآية .
قال الناشي :
مكلّم الشمس بما
قال لها ربّ السما
تسمع منه الكلما
وهي له تقاول
* * *
ص: 439
وقال العوني :
إمامي كليم الشمس راجع نورها
فهل لكليم الشمس في القوم من مثل
* * *
وقال ابن حماد :
فردّ حين أظلمت
شمس الضحى وسلّمت
عليه إذ تكلّمت
بكلّ ما يجلو الغشا
* * *
وله أيضا :
ورجعت الشمس حين تكلّمت
وأبدت من أسماء الإمام حامها
* * *
وله أيضا :
من كلّمته الشمس لمّا سلّمت
جهرا عليه وكلّ شيء يسمع
يا أولاً يا آخرا يا ظاهرا
يا باطنا في الحجب سرّا مودع
* * *
وقال ابن هاني المغربي :
والشمس حاسرة القناع وودّها
لو تستطيع الأرض التقبيلا
وعلي أمير المؤمنين غمامة
نشأت تظلّل تاجه تظليلا
ومديرها من حيث شاء وطالما
زاحت تحت ظلاله جبريلا
* * *
ص: 440
ومنه ما تضمن كلمة ابن حماد :
روي عن ميثم التمار
في مسنده الأكبر
بأنّ الشمس لم تطلع
لنا عشرا ولم تظهر
فجئنا نسأل المرسل
ما للشمس لم تظهر
فقال المصطفى
أخبركم يا أيّها المعشر
علي كان بالعتب
على فاطم مستشعر
فغابت عنكم الشمس
رضاء للفتى حيدر
فلمّا أن رضى عادت
ولو لم يرض لم تظهر(1)
* * *
وأصاب الناس زلزلة على عهد أبي بكر ، ففزع إلى علي عليه السلام أصحابه ، فقعد علي عليه السلام على تلعة وقال : كأنّكم قد هالكم ، وحرّك شفتيه ، وضرب الأرض بيده .
ثم قال : ما لك ؟ اسكني ، فسكنت .
ثم قال : أنا الرجل الذي قال اللّه تعالى « إِذا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزالَها »
ص: 441
الآيات ، فأنا الإنسان الذي أقول لها : ما لك ؟ « يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها »
إياي تحدّث(1) .
وفي خبر آخر أنّه قال : لو كانت الزلزلة التي ذكرها اللّه في كتابه لأجابتني ، ولكنّها ليست بتلك(2) .
وفي رواية سعيد بن المسيب وعباية بن ربعي : أنّ عليا عليه السلام ضرب الأرض برجله ، فتحرّكت ، فقال : اسكني ، فلم يأن لك ، ثم قرأ « يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها »(3) .
شكا أبو هريرة إلى أمير المؤمنين عليه السلام شوق أولاده ، فأمره عليه السلام بغضّ الطرف ، فلمّا فتحها كان في المدينة في داره ، فجلس فيها هنيئة ، فنظر إلى علي عليه السلام في سطحه وهو يقول : هلمّ ننصرف ، وغضّ طرفه ، فوجد نفسه في الكوفة .
فاستعجب أبو هريرة ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ آصف أورد تختا من مسافة شهرين بمقدار طرفة عين إلى سليمان ، وأنا وصيّ رسول اللّه (4) صلى الله عليه و آله .
ص: 442
وروي عن الصادق عن أبيه عليهماالسلام قال : عرض لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام
خصومة ، فجلس في أصل جدار ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين ، الجدار يقع ، فقال له علي عليه السلام : امض ، كفى اللّه حارسا ، فقضى بين الرجلين وقام ، وسقط الجدار(1) .
ووجد عليه السلام مؤمنا لازمه منافق بالدين ، فقال : اللّهم بحقّ محمد وآله الطاهرين لمّا قضيت عن عبدك هذا الدين .
ثم أمره بتناول حجر ومدر ، فانقلبت له ذهبا أحمر ، فقضى دينه ، وكان الذي بقي أكثر من مائة ألف درهم(2) .
صالح بن كيسان وابن رومان رفعاه إلى جابر الأنصاري قال : جاء العباس إلى علي عليه السلام يطالبه بميراث النبي صلى الله عليه و آله ، فقال له : ما كان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله شيء يورث إلاّ بغلته « دلدل » ، وسيفه « ذو الفقار » ، ودرعه ، وعمامته « السحاب » ، وأنا أربى بك أن تطالب بما ليس لك ، فقال : لابد من ذلك ، وأنا أحقّ ! عمّه ووارثه دون الناس كلّهم .
فنهض أمير المؤمنين عليه السلام ، ومعه الناس حتى دخل المسجد ، ثم أمر بإحضار الدرع والعمامة والسيف والبغلة ، فأحضر ، فقال للعباس : يا عمّ ، إن أطقت النهوض بشيء منها فجميعه لك ، فإنّ ميراث الأنبياء لأوصيائهم - دون العالم - ولأولادهم ، فإن لم تطق النهوض ، فلا حقّ لك فيه ، قال : نعم .
فألبسه أمير المؤمنين عليه السلام الدرع بيده ، وألقى عليه العمامة والسيف ، ثم قال : انهض بالسيف والعمامة يا عمّ ، فلم يطق النهوض ، فأخذ منه ، وقال له : انهض بالعمامة ، فإنّه آية من نبينا ، فأراد النهوض ، فلم يقدر على ذلك ، وبقى متحيّرا .
ثم قال له : يا عمّ ، وهذه البغلة بالباب لي خاصة ولولدي ، فإن أطقت النهوض ركوبها فاركبها ، فخرج ومعه عدوي ، فقال له : يا عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خدعك علي عليه السلام فيما كنت فيه ، فلا تخدع نفسك في البغلة إذا وضعت رجلك في الركاب ، فاذكر اللّه وسمّ واقرأ « إِنَّ اللّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا » .
ص: 444
قال : فلمّا نظرت البغلة إليه مقبلاً مع العباس نفرت ، وصاحت صياحا ما سمعناه منها قطّ ، فوقع العباس مغشيا عليه ، واجتمع الناس ، وأمر بإمساكها ، فلم يقدر عليها .
ثم إنّ عليا عليه السلام دعا البغلة باسم ما سمعناه ، فجاءت خاضعة ذليلة ، فوضع رجله في الركاب ووثب عليها ، فاستوى عليها راكبا ، فاستدعى أن يركبا الحسن والحسين عليهماالسلام ، فأمرهما بذلك ، ثم لبس علي عليه السلام الدرع والعمامة والسيف ، وركبها وسار عليها إلى منزله ، وهو يقول : « هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ » أنا وهما ، أم تكفر أنت يا فلان .
قال الحميري :
رجل حوى إرث النبي محمد
قسما له من منزل الأقسام
بوصية قضيت بها مخصوصة
دون الأقارب من ذوي الأرحام
ولقد دعا العباس عند وفاته
بقبولها فأصبح بالإعدام
فحبا الوصي بها فقام بحقّها
لمّا حباه بها على الأعمام
* * *
وله أيضا :
وقد ورث النبي رداه يوما
وبردته ولائكة اللجام
* * *
وله أيضا :
وارث السيف والعمامة والراية
مطويّة وذات القيود
منه والبغلة التي كان عليها
والحرب يلقاه يوم الوقود
ص: 445
أبو جعفر الطوسي في الأمالي عن أبي محمد الفحام بالإسناد عن أبي مريم عن سلمان قال : كنّا جلوسا عند النبي صلى الله عليه و آله ، إذ أقبل علي بن أبي طالب عليه السلام ، فناوله النبي صلى الله عليه و آله حصاة .
فلمّا استقرت الحصاة في كفّه نطقت ب- : « لا إله إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه ، رضيت باللّه ربّا ، وبمحمد نبيّا ، وبعلي وليّا » ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : من أصبح منكم راضيا بولاية علي عليه السلام ، فقد آمن خوف اللّه وعقابه(1) .
قال العوني :
من صاحب المنديل والسطل ومن
في كفّه سبح للّه الحصا
* * *
وقال ابن حماد :
من سبّحت في كفّه بيض الحصا
ليكون ذاك لفضله تبيانا
من فيه أنزل هل أتى ربّ العلى
وجزاه حور العين والولدانا
* * *
وقال ديك الجن :
أشنا عليا وتفنيد الغلاة له
وفي غد يعرف الأفّاك والأشر
من ذا الذي كلّمته البيد والشجر
وسلّم الترب إذ ناداه والحجر
ص: 446
حتى إذا أبصر الأحياء من يمن
بربّها آمنوا من بعدما كفروا
الحقّ أبلج والأعلام واضحة
لو آمنت أنفس الشانين أو نظروا
* * *
جابر بن عبد اللّه وحذيفة بن اليمان وعبد اللّه بن العباس وأبو هارون العبدي عن عبد اللّه بن عثمان ، وحمدان بن المعافا عن الرضا عليه السلام ، ومحمد بن صدقة عن موسى بن جعفر عليه السلام ، ولقد أنبأني أيضا ابن شيرويه والديلمي بإسناده إلى موسى بن جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلامقالوا :
كنّا مع النبي صلى الله عليه و آله في طرقات المدينة ، إذ جعل خمسه في خمس أمير المؤمنين عليه السلام ، فواللّه ما رأينا خمسين أحسن منهما ، إذ مررنا على نخل المدينة ، فصاحت نخلة أختها : هذا محمد المصطفى ، وهذا علي المرتضى ، فاجتزناهما .
فصاحت ثانية بثالثة : هذا نوح النبي ، وهذا إبراهيم الخليل ، فاجتزناهما .
فصاحت ثالثة برابعة : هذا موسى وأخوه هارون ، فاجتزناهما .
فصاحت رابعة بخامسة : هذا محمد سيد النبيين ، وهذا علي سيد الوصيين .
فتبسم النبي صلى الله عليه و آله ، ثم قال : يا علي ، سمّ نخل المدينة « صيحانيا » ، فقد صاحت بفضلي وفضلك .
ص: 447
وروي : أنّه كان البستان لعامر بن سعد بعقيق السفلي(1) .
قال ابن حماد :
فتكلّم النخل الذي في وسطه
بفصاحة تتعجّب الثقلان
من نخلة قالت هناك لأختها
هذان أكرم من مشي هذان
هذا ابن عبد اللّه هذا صنوه
هذا علي العالم الرباني
قد صاح هذا النخل ينشر فضلهم
فلأجل ذلك سمّي الصيحاني
* * *
الحارث الأعور قال : خرجنا مع أمير المؤمنين عليه السلام حتى انتهينا إلى العاقول ، فإذا هو بأصل شجرة ، وقد وقع عنها لحاها وبقي عودها ، ثم ضربها بيده ، ثم قال : ارجعي لي - بإذن اللّه - خضراء نضرة مثمرة ، فإذا هي تهتزّ بأغصانها ، حملها الكمثرى ، فقطعنا منه وأكلنا ، وحملنا معنا .
فلمّا كان من الغد غدونا إليها ، فإذا نحن بها خضراء ، وإذا فيها الكمثرى(2) .
ص: 448
ووجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام إلى اليمن للمصالحة ، فلمّا أشرف على اليمن ، فإذا هم بأسرهم مقبلون ، مشرعون رماحهم ، مسنّون أسنتهم ، متنكّبون قسيهم ، شاهرون سلاحهم .
فنادى بأعلى صوته : يا شجر ، يا مدر ، يا ثرى ، محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقرئك السلام ، فلم تبق شجرة ، ولا مدرة ، ولا ثرى ، إلاّ ارتج بصوت واحد : وعلى محمد رسول اللّه وعليك السلام .
فاضطربت قوائم القوم ، وارتعدت ركبهم ، ووقع السلاح من أيديهم ، وأقبلوا إليه مسرعين ، فأصلح بينهم(1) .
قال الزاهي :
مكلّم الشمس ومن ردّت له
ببابل والغرب منها قد قبط
وراكض الأرض ومن أنبع للع-
-سكر ماء العين في الوادي القحط
بحر لديه كلّ بحر جدول
يغرف من تياره إذا اغتمط(2)
وليث غاب كلّ ليث عندهينظره العقل صغيرا إذ فلط(3)
باسط علم اللّه في الأرض ومنبحبّه الرحمن للرزق بسط
ص: 449
سيف لو أنّ الطفل يلقى سيفهبكفّه في يوم حرب لشمط(1)
يخطو إلى الحرب به مدّرعافكم به قد قدّ من رجس وقط
* * *
ورأى عليه السلام أنصاريا يأكل قشور الفاكهة ، وقد أخذها من المزبلة ، فأعرض عنه لئلا يخجل منه ، فأتى منزله ، وأتى إليه بقرصي شعير من فطوره ، وقال : أصب من هذا كلّما جعت ، فإنّ اللّه يجعل فيه البركة .
فامتحن ذلك ، فوجد فيه لحما ، وشحما ، وحلوا ، ورطبا ، وبطيخا ، وفواكه الشتاء ، وفواكه الصيف ، فارتعدت فرائص الرجل ، وسقط لوجهه .
فأقامه علي عليه السلام وقال : ما شأنك ؟ قال : كنت منافقا شاكّا فيما يقوله محمد صلى الله عليه و آله ، وفيما تقوله أنت ، فكشف اللّه لي عن السماوات والأرض والحجب ، فأبصرت كلّما تعدان به ، وتواعدان به ، فزال عنّي الشكّ(2) .
وأخذ العدوي من بيت المال ألف دينار ، فجاء سلمان على لسان أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له : ردّ المال إلى بيت المال ، فقد قال اللّه تعالى « وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ » .
ص: 450
فقال العدوي : وما أكثر سحر أولاد عبد المطلب ! ما عرف هذا قطّ أحد ، وأعجب من هذا ! أنّي رأيته يوما وفي يده قوس محمد صلى الله عليه و آله ، فسخرت منه ، فرماها من يده ، وقال : خذ عدوّ اللّه ، فإذا هي ثعبان مبين يقصد إليّ ، فحلّفته حتى أخذها ، وصارت قوسا(1) .
قال مهيار :
ولم أدر أنّ اللّه أخر آية
له بك في إظهار معجزها سرّ
فكنت عصى موسى هوت فتلقّفت
بآيتها البيضاء ما أفك السحر
* * *
وقعد علي عليه السلام للحاجة ، فرأته(2) المنافقون ، فقال : يا قنبر ، اذهب إلى تلك الشجرة والتي تقابلها ، وكان بينهما أكثر من فرسخ ، فناداهما : إنّ وصيّ محمد صلى الله عليه و آله يأمركما أن تتلاصقا ، فانضما بأمره .
فدارت المنافقون خلفه ، فأمرهما بالعود ، فانطلقتا ، وعادت كلّ واحدة تفارق الأخرى بالهزيمة ، ثم قعد ، فلمّا رفع ثوبه أعمى اللّه أبصارهم(3) .
ص: 451
وأنفذ أمير المؤمنين عليه السلام ميثم التمار في أمر ، فوقف على باب دكانه ، فأتى رجل يشتري التمر ، فأمره بوضع الدرهم ورفع التمر .
فلمّا انصرف ميثم وجد الدرهم بهرجا ، فقال في ذلك ، فقال عليه السلام : فإذا يكون التمر مرّا ، فإذا هو بالمشتري رجع وقال : هذا التمر مرّ .
تفسير الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام : كتب رجل من الشام إلى أمير المؤمنين عليه السلام : أنا بعيالي مثقل ، وعليهم إن خرجت خائف ، وبأموالي التي أخلفها ضنين ، وأحبّ اللحاق بك ، فجد لي يا أمير المؤمنين .
فبعث إليه : إجمع أهلك وعيالك ، وحصّل عندهم مالك ، وصلّ على ذلك كلّه على محمد وآله الطيبين ، ثم قل : اللّهم إنّ هذه كلّها ودائعي عندك بأمر عبدك ووليّك علي بن أبي طالب ، ثم قم وانهض إليّ ، ففعل الرجل ذلك .
وأخبر معاوية بهزيمته ، وأمر أن تسبى عياله ، وينهب ماله ، فذهبوا ، فألقى اللّه عليهم شبه عيال معاوية ، وأخصّ حاشيته ليزيد يقولون : نحن أخذنا هذا المال ، وهو لنا ، وأمّا عياله ، فقد استرقّيناهم وبعثناهم إلى السوق ، ومسخ اللّه المال عقارب وحيات ، فكلّما قصد لصوص ليأخذوا منه لدغوا ، فمات منهم قوم ، ومضى آخرون .
فقال علي عليه السلام يوما للرجل : أتحبّ أن يأتيك مالك وعيالك ؟ فقال : بلى .
ص: 452
فقال : اللّهم ائت بهم ، فإذا هم بحضرة الرجل ، فأخبروه بالقصّة ، فقال عليه السلام : إنّ اللّه - تعالى - ربما أظهر آية لبعض المؤمنين ليزيد في بصيرته ، ولبعض الكافرين ليبالغ في الإعذار إليه(1) .
واستفاض بين الخاص والعام :
أنّ أهل الكوفة فزعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام من الغرق لمّا زاد الفرات ، فاسبغ الوضوء وصلّى منفردا ، ثم دعا اللّه ، ثم تقدّم إلى الفرات متوكئا على قضيب بيده حتى ضرب به صفحة الماء ، وقال : انقص بإذن اللّه ومشيئته .
فغاض الماء حتى بدت الحيتان ، فنطق كثير منها بالسلام عليه بإمرة المؤمنين ، ولم ينطق منها أصناف من السمك ، وهي الجري ، والمارماهي ، والزمّار .
فتعجّب الناس لذلك ، وسألوه عن علّة ما نطق ، وصموت ما صمت ! فقال : أنطق اللّه ما طهر من السموك ، وأصمت عنّي ما حرّمه ونجّسه وأبعده(2) .
وفي رواية أبي محمد قيس بن أحمد البغدادي وأحمد بن الحسن القطيفي
ص: 453
عن الحسن بن ذكروان الفارسي الكندي : أنّه ضرب بالقضيب ، فقال : اسكن يا أبا خالد ، فنقص ذراعا ، فقال : أحسبكم ؟ قالوا : زدنا .
فبسط وطاءه ، وصلّى ركعتين ، وضرب الماء ضربة ثانية ، فنقص الماء ذراعا ، فقالوا : حسبنا يا أمير
المؤمنين ، فقال : واللّه ، لو شئت فأظهرت لكم الحصا .
وذلك كحنين الجذع ، وكلام الذئب للنبي صلى الله عليه و آله .
قال العوني :
علي علا فوق الفرات قضيبه
وجنباه بالتيار يلتطمان
ففي الضربة الأولى تقوّض شطره
وفي أختها ما قوّض الثلثان
* * *
وله أيضا :
من خاطب الحيتان لمّا برزت
مذعنة يوم العراق بالولا
من زجر الماء فغاض طائعا
لأمره من بعد ما كان طغا
* * *
وله أيضا :
إمامي فلاّق الفرات بعوده
وقالع باب الحصن بالساعد العبل
إمامي ضرّاب الجماجم في الوغى
مدير رحى الهيجاء بالأسر والقتل
* * *
وقال السروجي :
واذكر له يوم الفرات أنّها
أعجوبة معجزة ذات خطر
لمّا علاه بقضيب ثم قال
اسكن بمن سبع سماوات فطر
ص: 454
فالتطمت أمواجه في قعره
وغاض ثلثاه وقد كان زخر
ولو ذكرت بالفرات ما جرى
ووقعة البصرة أظهرت العبر
والنهروان ما نزلت ماشيا
ويوم صفين عن القلب خطر
* * *
وقال أبو الفتح :
فلمّا طغى الماء ماء الفرات
زجرت به زجر مستعلم
فعاد إلى الغرب خوف العقاب
ورحت إلى كرم مفعم
* * *
وقال الجبري :
والماء حين طغى الفرات فأقبلوا
ما بين باكية إليه وباك
قالوا أغثنا يا وصي المصطفى(1)
فالماء يؤذينا بوشك هلاك
فأتى الفرات وقال يا أرض ابلعيطوعا بإذن اللّه طاغي ماك
فأغاضه حتى بدت حصباؤهمن تحت راسخة من الأسماك
* * *
وقال ابن رزيك :
وفي الفرات حديث إذ طغى فأتى
كلّ إليه لخوف الهلك يقصده
فقال للماء غض طوعا فبان لهم
حصباؤه حين وافاه يهدده
* * *
ص: 455
وقال خطيب منبج :
وحين طغى الفرات وجاش ملاء
وبات له الورى متخوفينا
أتاه فردّه وعدا يسيرا
وظلّ الناس منه آمنينا
* * *
وقال غيره :
وأتى الفرات وقد طمت أمواجه
فعلاه ضربا بالعصا غضبانا
فهناك غار لوقته متذلّلاً
وأساخ من أمواجه وألانا
واليه أقبل كلّ ذاك مكلّما
حيتانه فاستنطق الحيتانا
* * *
وزعم أهل العراق في حديث النجف : أنّه كانت بحيرة تسمى « إن جف » من كثرة خريرها ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أن جفّ ، فسمّي النجف(1) .
سهل بن حنيف في حديثه : أنّه لمّا أخذ معاوية مورد الفرات أمر أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر أن يقول لمن على جانب الفرات : يقول لكم علي عليه السلام : اعدلوا عن الماء .
ص: 456
فلمّا قال ذلك عدلوا عنه ، فورد قوم أمير المؤمنين عليه السلام الماء ، وأخذوا منه ، فبلغ ذلك معاوية ، فأحضرهم وقال لهم في ذلك ، فقالوا : إنّ عمرو بن العاص جاء وقال : إنّ معاوية يأمركم أن تفرجوا عن الماء ، فقال معاوية لعمرو : إنّك لتأتي أمرا ، ثم تقول ما فعلته .
فلمّا كان من غد وكّل معاوية حجل بن عتاب النخعي في خمسة آلاف ، فانفذ أمير المؤمنين عليه السلام مالكا ، فنادى مثل الأول ، فمال حجل عن الشريعة ، فأورد أصحاب علي عليه السلام ، وأخذوا منه ، فبلغ ذلك معاوية ، فأحضر حجلاً ، وقال له في ذلك ، فقال له : إنّ ابنك يزيد أتاني فقال : إنّك أمرت بالتنحّي عنه ، فقال ليزيد في ذلك ، فأنكر ، فقال معاوية : فإذا كان غدا ، فلا تقبل من أحد ولو أتيتك حتى تأخذ خاتمي .
فلمّا كان يوم الثالث أمر أمير المؤمنين عليه السلام لمالك مثل ذلك ، فرأى حجل معاوية ، وأخذ منه خاتمه ، وانصرف عن الماء ، وبلغ معاوية ، فدعاه ، وقال له في ذلك ، فأراه خاتمه ، فضرب معاوية يده على يده ، فقال : نعم ، وإنّ هذا من دواهي علي عليه السلام .
وحدّثني محمد الشوهاني بإسناده : أنّه قدم أبو الصمصام العبسي إلى النبي صلى الله عليه و آله قال : متى يجئ المطر ؟ وأيّ شيء في بطن ناقتي هذه ؟ وأيّ شيء يكون غدا ؟ ومتى أموت ؟ فنزل « إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ »الآيات ، فأسلم الرجل ، ووعد النبي صلى الله عليه و آله أن يأتي بأهله ، فقال : اكتب يا أبا الحسن :
ص: 457
بسم اللّه الرحمن الرحيم ، أقرّ محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، وأشهد على نفسه في صحّة عقله وبدنه ، وجواز أمره أنّ لأبي صمصام العبسي عليه ، وعنده ، وفي ذمّته ، ثمانين ناقة حمر الظهور ، بيض العيون ، سود الحدق ، عليها من طرائف اليمن ، ونقط الحجاز .
وخرج أبو الصمصام ، ثم جاء في قومه بني عبس كلّهم مسلمين ، وسأل عن النبي صلى الله عليه و آله فقالوا : قبض ، قال : فمن الخليفة من بعده ؟ فقالوا : أبو بكر .
فدخل أبو الصمصام المسجد ، وقال : يا خليفة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّ لي على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمانين ناقة ، حمر الظهور ، بيض العيون ، سود الحدق ، عليها من طرائف اليمن ، ونقط الحجاز ، فقال : يا أخا العرب ، سألت ما فوق العقل ، واللّه ما خلّف رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلاّ بغلته الدلدل ، وحماره اليعفور ، وسيفه ذا الفقار ، ودرعه الفاضل ، أخذها كلّها علي بن أبي طالب عليه السلام ، وخلّف فينا فدك ، فأخذناها بحقّ !! ونبينا لا يورّث !!!
فصاح سلمان : « كردي ونكردي وحقّ از أمير المؤمنين ببردي » ، ردّوا العمل إلى أهله ، ثم ضرب بيده إلى أبي الصمصام ، فأقامه إلى منزل علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقرع الباب ، فنادى علي عليه السلام : ادخل يا سلمان ، ادخل أنت وأبو الصمصام .
فقال أبو الصمصام : هذه أعجوبة ! من هذا الذي سمّاني باسمي ، ولم يعرفني ؟! فعدّ سلمان فضائل علي عليه السلام .
فلمّا دخل وسلّم عليه قال : يا أبا الحسن ، إنّ لي على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمانين ناقة ، ووصفها ، فقال علي عليه السلام : أمعك حجّة ؟ فدفع إليه الوثيقة .
ص: 458
فقال علي عليه السلام : يا سلمان ، ناد في الناس : ألا من أراد أن ينظر إلى دين رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فليخرج غدا إلى خارج المدينة .
فلمّا كان الغد خرج الناس ، وخرج علي عليه السلام وأسرّ إلى ابنه الحسن عليه السلام
سرّا ، وقال : امض - يا أبا الصمصام - مع ابني الحسن عليه السلام إلى الكثيب من الرمل .
فمضى عليه السلام ومعه أبو الصمصام ، فصلّى الحسن عليه السلام ركعتين عند الكثيب ، وكلّم الأرض بكلمات لا ندري ما هي ، وضرب الكثيب بقضيب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فانفجر الكثيب عن صخرة ململة مكتوب عليها سطران من نور:
السطر الأوّل : بسم اللّه الرحمن الرحيم .
والثاني : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه .
فضرب الحسن عليه السلام الصخرة بالقضيب ، فانفجرت عن خطام ناقة ، فقال الحسن عليه السلام : اقتد يا أبا الصمصام ، فاقتاد أبو الصمصام ثمانين ناقة ، حمر الظهور ، بيض العيون ، سود الحدق ، عليها من طرائف اليمن ، ونقط الحجاز .
ورجع إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : استوفيت يا أبا الصمصام ؟ قال : نعم ، قال : فسلّم الوثيقة ، فسلّمها إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ، فأخذها وخرقها ، فقال : هكذا أخبرني أخي وابن عمّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّ اللّه - عزّ وجلّ - خلق هذه النوق في هذه الصخرة قبل أن يخلق ناقة صالح بألفي عام ، فقال المنافقون : هذا من سحر علي عليه السلام قليل(1) .
ص: 459
قال السيد الحميري :
نفسي فدا لمن قضى لا غيره
دين النبي وانجز الموعودا
فقضى المتاع على الجمال بفضله
من صخرة فاذكر له التمجيدا
من ذا يقاس بفضله وبقدره
أيقس بعبد من يكن معبودا
* * *
وقال العبدي :
حملت عمّن بغى قدما عليك إلى
أن ظنّ أنّك منه غير منتصف
لو شئت تمسخهم في دارهم مسخوا
أو شئت قلت بهم يا أرض فانخسف
لكن لهم مدّة ما زلت تعلمها
تقضى إلى أجل إذ ذاك لم تدف
وأين منك مقرّ الهاربين إذا
قادتهم نحوك الأملاك بالعنف
* * *
ص: 460
ص: 461
ص: 462
الباقر عليه السلام : مرض رسول اللّه صلى الله عليه و آله مرضة ، فدخل علي عليه السلام المسجد ، فإذا جماعة من الأنصار ، فقال لهم : أيسرّكم أن تدخلوا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قالوا : نعم .
فاستأذن لهم ، فدخلوا ، فجاء علي عليه السلام وجلس عند رأس رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأخرج يده من اللحاف وبين صدر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فإذا الحمى تنفضه نفضا شديدا ، فقال : أم ملدم ، اخرجي عن رسول اللّه ، وانتهرها .
فجلس رسول اللّه صلى الله عليه و آله وليس به بأس ، فقال : يا بن أبي طالب ، لقد أعطيت من خصال الخير حتى أنّ الحمى لتفزع منك .
وفي مقصورة العبدي :
ويوم عاد المرتضى الهادي وقد
كان رسول اللّه حمّ واشتكى
فمسّ صدر المصطفى بكفّه
فكاد أن يحرقها فرط الحمى
فقال يا أخي كذا فعلك بالطهر
فزالت خيفة من الندا
قال النبي الحمد للّه لقد
أعطاك ربّي يا أخي أهنا العطا
أكلّ شيء خائف بأسك حتى
هذه الحمى وعوفي وبرا
* * *
ص: 463
وله أيضا :
من زالت الحمى عن الطهر به
من ردّت الشمس له بعد العشا
من عبر الجيش على الماء ولم
يخش عليه بلل ولا ندا
* * *
عبد الواحد بن زيد : كنت في الطواف إذ رأيت جارية تقول لأختها : لا ، وحقّ المنتجب بالوصيّة ، الحاكم بالسويّة ، العادل في القضيّة ، العالي البنيّة ، زوج فاطمة المرضيّة ، ما كان كذا .
فقلت : أتعرفين عليا عليه السلام ؟ قالت : وكيف لا أعرف من قتل أبي بين يديه في يوم صفين ، وأنّه دخل على أمّي ذات يوم ، فقال لها : كيف أنت يا أمّ الأيتام ؟ فقالت : بخير ، ثم أخرجتني أنا وأختي هذه إليه ، وكان قد ركبني من الجدري ما ذهب له بصري ، فلمّا رآني تأوّه ، ثم قال :
ما إن تأوّهت من شيء رزيت به
كما تأوّهت للأطفال في الصغر
قد مات والدهم من كان يكفلهم
في النائبات وفي الأسفار والحضر
* * *
ثم أمرّ يده على وجهي ، فانفتحت عيني لوقتي ، وإنّي لأنظر إلى الجمل الشارد في الليلة الظلماء(1) . . الخبر .
ص: 464
قال ابن مكي :
أما ردّ كفّ العبد بعد انقطاعها
أما ردّ عينا بعدما طمست طمسا
* * *
تفسير الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام في قوله تعالى : « قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا » الآية ، إنّ اليهود قالوا : يا محمد ، إن كان دعاؤكم مستجابا فادعوا لابن رئيسنا هذا ليعافيه اللّه من البرص ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : يا أبا الحسن ، ادع اللّه له بالعافية ، فدعا فعوفي ، فصار أجمل الناس ، فشهد الشهادتين .
فقال أبوه : كان هذا وفاق صحّته ، فادع عليّ فقال : اللّهم إبله ببلاء ابنه ، فصار في الحال أبرص أجذم أربعين سنة ، آية للعالمين(1) .
الحاتمي بإسناده عن ابن عباس : أنّه دخل أسود إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وأقرّ أنّه سرق ، فسأله ثلاث مرات ، قال : يا أمير المؤمنين ، طهّرني فإنّي سرقت .
فأمر عليه السلام بقطع يده ، فاستقبله ابن الكواء ، فقال : من قطع يدك ؟
ص: 465
فقال : ليث الحجاز ، وكبش العراق ، ومصادم الأبطال ، المنتقم من الجهّال ، كريم الأصل ، شريف الفصل ، محلّ الحرمين ، وارث المشعرين ، أبو السبطين ، أوّل السابقين ، وآخر الوصيين من آل يس ، المؤيد بجبرائيل ، المنصور بميكائيل ، الحبل المتين ، المحفوظ بجند السماء أجمعين ، ذاك - واللّه - أمير المؤمنين على رغم الراغمين . . في كلام له ، قال ابن الكواء : قطع يدك وتثني عليه ! قال : لو قطعني إربا إربا ما ازددت له إلاّ حبّا .
فدخل على أمير المؤمنين عليه السلام ، وأخبره بقصّة الأسود ، فقال : يا بن الكواء ، إنّ محبّينا لو قطعناهم إربا إربا ما ازدادوا لنا إلاّ حبّا ، وإنّ في أعدائنا من لو ألعقناهم السمن والعسل ما ازدادوا لنا إلاّ بغضا ، وقال للحسن عليه السلام : عليك بعمّك الأسود .
فأحضر الحسن الأسود إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وأخذ يده ونصبها في موضعها ، وتغطّى بردائه ، وتكلّم بكلمات يخفيها ، فاستوت يده ، وصار يقاتل بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن استشهد بالنهروان ، ويقال : كان اسم هذا الأسود أفلح(1) .
وقال المشتاق :
فقال له إنّي جنيت فحدّني
ومن بعد حدّ اللّه مولاي فاقتلني
فجزّ يمين العبد من حدّ قطعها
ومرّ بها راض على المرتضى يثني
ص: 466
فقال له تمدح لمن لك قاطع
وذا عجب يسري به الناس في المدن
فقال لهم ما كان مولاي جائرا
أقام حدود اللّه بالعدل وأنصفني
فمرّوا بنحو المرتضى يخبرونه
فقال نعم استبشروا شيعتي منّي
ولو أنّني قطّعتهم في محبّتي
لما زال منهم بالولاء أحد عنّي
فألزق كفّ العبد مع عظم زنده
وعاد كأيام الرفاهة يستثني
ومرّ ينادي إنّني عبد حيدر
على ذاك يحييني الإله ويقبرني
* * *
وأبين إحدى يدي هشام بن عدي الهمداني في حرب صفين ، فأخذ علي عليه السلام يده ، وقرأ شيئا وألصقها ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما قرأت ؟ قال : فاتحة الكتاب ، كأنّه استقلّها ، فإنفصلت يده بنصفين ، فتركه علي عليه السلام ومضى .
* * *
ص: 467
قال ابن مكي :
رددت الكفّ جهرا بعد قطع
كردّ العين من بعد الذهاب
وجمجمة الجلندي وهو عظم
رميم جاوبتك عن الخطاب
* * *
وروى ابن بابويه في كتابه معرفة الفضائل وكتاب علل الشرائع أيضا عن حيان بن سدير عن الصادق عليه السلام ، وقد سئل : لم أخر أمير المؤمنين عليه السلام
العصر في بابل ؟ قال : إنّه لمّا صلّى الظهر إلتفت إلى جمجمة ملقاة ، فكلّمها أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : يا أيّتها الجمجمة ، من أين أنت ؟
فقالت : أنا فلان بن فلان ملك بلد آل فلان .
قال لها أمير المؤمنين : فقصّي عليّ الخبر ، وما كنت ؟ وما كان في عصرك ؟
فأقبلت الجمجمة تقصّ خبرها ، وما كان في عصرها من خير ومن شرّ ، فاشتغل بها حتى غابت الشمس ، فكلّمها بثلاثة أحرف من الإنجيل لئلا يفقه العرب كلامه(1) . . القصّة .
وقالت الغلاة(2) : نادى علي عليه السلام الجمجمة ، ثم قال : يا جلندي ابن
كراكر ، أين الشريعة ؟
ص: 468
فقال : هاهنا(1) .
فبنى هناك مسجدا ، وسمّي مسجد الجمجمة(2) ، وجلندي هذا ملك الحبشة صاحب الفيل الهادم للبيت أبرهة .
وقال شاعرهم :
من كلّم الأموات في يوم الفرات من القبور
إذ قال هل في مائكم عبر لملتمس العبور
قالوا له أنت العليم بكنه تصريف الأمور
فعلام تسأل أعظما رمما على مرّ الدهور
أنت الذي أنوار قدسك قد تمكن في الصدور
أنت الذي نصب النبي لقومه يوم الغدير
أنت الصراط المستقيم وأنت نور فوق نور
ص: 469
وقالت أيضا : أنّه نادى لسمكة : يا ميمونة ، أين الشريعة ؟ فأطلعت رأسها من الفرات وقالت : من عرف اسمي في الماء لا تخفى عليه الشريعة .
أمالي الشيباني : قال رشيد الهجري : كنت في بعض الطريق مع علي بن أبي طالب عليهماالسلام إذ التفت إليّ فقال : يا رشيد ، أترى ما أرى ؟ قلت : لا يا أمير المؤمنين ، وإنّه ليكشف لك الغطاء ما لا يكشف لغيرك ، قال : إنّي أرى رجلاً في ثبج(1) من النار يقول : يا علي استغفر لي ، لا غفر اللّه له .
كتاب ابن بابويه وأبي القاسم البستي والقاضي أبو عمرو بن أحمد عن جابر وأنس :
إنّ جماعة تنقّصوا عليا عليه السلام عند عمر ، فقال سلمان : أو ما تذكر - يا عمر - اليوم الذي كنت فيه وأبو بكر وأنا وأبو ذر عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وبسط لنا شملة ، وأجلس كلّ واحد منّا على طرف ، وأخذ بيد علي عليه السلام وأجلسه في وسطها ، ثم قال : قم يا أبا بكر وسلّم على علي عليه السلام بالإمامة وخلافة المسلمين ، وهكذا كلّ واحد منّا .
ص: 470
ثم قال : يا علي ، سلّم على هذا النور - يعني الشمس - فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أيّتها الآية المشرقة ، السلام عليك ، فأجابت القرصة وارتعدت وقالت : وعليك السلام .
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : اللّهم إنّك أعطيت لأخي سليمان صفيّك ملكا وريحا غدوّها شهر ورواحها شهر ، اللّهم أرسل تلك لتحملهم إلى أصحاب الكهف .
فقال علي عليه السلام : يا ريح احملينا ، إذا نحن في الهواء ، فسرنا ما شاء اللّه ، ثم قال : يا ريح ضعينا ، فوضعتنا عند الكهف ، فقام كلّ واحد منّا وسلّم ، فلم يردّوا الجواب ، فقام علي عليه السلام فقال : السلام عليكم أهل الكهف ، فسمعنا : وعليك السلام يا وصي محمد ، إنّا قوم محبوسون هاهنا من زمن دقيانوس ، فقال لهم : لم لا تردّوا سلام القوم ؟ فقالوا : نحن فتية لا نردّ إلاّ على نبيّ أو وصيّ نبيّ ، وأنت وصيّ خاتم النبيّين ، وخليفة رسول ربّ العالمين .
ثم قال : خذوا مجالسكم ، فأخذنا مجالسنا ، ثم قال : يا ريح احملينا ، فإذا نحن في الهواء ، فسرنا ما شاء اللّه ، ثم قال : يا ريح ضعينا ، فوضعتنا ، ثم ركض برجله الأرض ، فنبعت عين ماء ، فتوضأ وتوضأنا ، ثم قال : ستدركون الصلاة مع النبي صلى الله عليه و آله أو بعضها .
ثم قال : يا ريح احملينا ، ثم قال : ضعينا ، فوضعتنا فإذا نحن في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد صلّى من الغداة ركعة .
فقال أنس : فاستشهدني علي عليه السلام - وهو على منبر الكوفة - فداهنت ، فقال : إن كنت كتمتها مداهنة بعد وصيّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله إياك ، فرماك اللّه
ص: 471
ببياض في جسمك ، ولظى في جوفك ، وعمى في عينيك ، فما برحت حتى برصت وعميت ، فكان أنس لا يطيق الصيام في شهر رمضان ولا غيره(1) .
والبساط أهدوه أهل هربوق ، والكهف في بلاد الروم في موضع يقال له « اركدى » ، وكان في ملك باهتدت(2) ، وهو اليوم اسم الضيعة .
وفي خبر : أنّ الكساء أتى به خطي بن الأشرف أخو كعب ، فلمّا رأى معجزات علي عليه السلام أسلم ، وسماه النبي صلى الله عليه و آله محمدا .
قال خطيب منبج :
ومن حملته ريح اللّه حتى
أتى أهل الرقيم الراقدينا
ومن نادى بأهل الكهف حتى
أقرّوا بالولاية مفرحينا
* * *
وقال العوني :
علي كليم القوم في الكهف فاعلما
وقد صمّ من شيخاكما الصديان
* * *
وله أيضا :
علي طارق الكهف
بإعلان وإجهار
* * *
وله أيضا :
ومن حملته الريح فوق بساطه
فاسمع أهل الكهف حين تكلّما
ص: 472
وقال الحميري :
له البساط إذ سرى
وفتية الكهف دعا
فما أجابوا في الندا
سوى الوصي المرتضى
* * *
وله أيضا :
سل فتية الكهف الذين أتاهم
فأيقظ في ردّ السلام منامها
* * *
وقال البرقي :
حتى إذا يئسوا جواب سلامهم
قام الوصي إليهم إبداء
قال السلام عليكم من فتية
عبدوا الإله وتابعوا السناء
قالوا عليك من الإله تحية
تهدى إليك ورحمة وضياء
إنّا منعنا أن نكلّم هاتفا
إلاّ نبيّا كان أو موصاء
* * *
وقال الجبري :
والريح إذ مرّت فقيل لها احملي
طوعا وصيّ اللّه فوق قراك
فجرت رخاء بالبساط مطيعة
أمر الإله حشيشة الإيشاك
حتى إذا بلغ الرقيم بصحبة
ليزيل عنهم مرية الشكّاك
قال السلام عليكم فتبادروا
بالردّ بعد الصمت والإمساك
عن غيره فبدت ضغائن صدر ذي
حنق لستر نفاقه هتّاك
* * *
ص: 473
وقال ابن الأطيس :
وطارق الباب على كهفهم
في الخبر المشهور عن جابر
* * *
وقال ابن العضد :
من كلّم الفتية في الكهف ولم
يكلّموا حقّا سواه إذ دعا
* * *
وقال أبو الفتح :
وفي الكهف منقبة حسنها
على الرغم من معطس الأدلم
غداة يسلّم في صحبهم
سلام الصحاة على النوّم
فنادوه أجمع عليك السلام
فذاك عظيم لمستعظم
* * *
كتاب العلوي البصري : إنّ جماعة من اليمن أتوا النبي صلى الله عليه و آله فقالوا : نحن من بقايا الملل المتقدّمة من آل نوح ، وكان لنبيّنا وصيّ اسمه « سام » ، وخبر في كتابه أنّ لكلّ نبيّ معجزا ، وله وصيّ يقوم مقامه ، فمن وصيّك ؟ فأشار بيده نحو علي عليه السلام .
فقالوا : يا محمد ، إن سألناه أن يرينا سام بن نوح ، فيفعل ؟ فقال صلى الله عليه و آله : نعم بإذن اللّه ، وقال : يا علي ، قم معهم إلى داخل المسجد ، واضرب برجلك الأرض عند المحراب .
ص: 474
فذهب علي عليه السلام ، وبأيديهم صحف ، إلى أن دخل محراب رسول اللّه صلى الله عليه و آله
داخل المسجد ، فصلّى ركعتين ، ثم قام وضرب برجله الأرض ، فانشقت الأرض ، وظهر لحد وتابوت ، فقام من التابوت شيخ يتلألأ وجهه مثل القمر ليلة البدر ، وينفض التراب من رأسه ، وله لحية إلى سرّته ، وصلّى على علي عليه السلام ، وقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه سيد المرسلين ، وأنّك علي وصيّ محمد ، سيد الوصيّين ، وأنا سام بن نوح .
فنشروا أولئك صحفهم ، فوجدوه كما وصفوه في الصحف ، ثم قالوا : نريد أن يقرأ من صحفه سورة ، فأخذ في قراءته حتى تممّ السورة ، ثم سلّم على علي عليه السلام ، ونام كما كان ، فانضمت الأرض ، وقالوا بأسرهم : « إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الإِْسْلامُ » ، وآمنوا وأنزل اللّه « أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى » إلى قوله « أُنِيبُ » .
سلمان « شلقان(1) » قال : سمعت أبا عبد اللّه
عليه السلام يقول : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كانت له خؤولة في بني مخزوم ، وإنّ شابا منهم أتاه ، فقال : يا خال ، إنّ أخي وتربي مات ، وقد حزنت عليه حزنا شديدا ، فقال له : أتشتهي أن تراه ؟
قال : نعم ، قال : فأرني قبره .
ص: 475
فخرج وتقنّع برداء رسول اللّه صلى الله عليه و آله المستجاب ، فلمّا انتهى إلى القبر تكلّم بشفتاه ، ثم ركضه برجله ، فخرج من قبره وهو يقول : وميكا(1) ، بلسان الفرس ، فقال له علي عليه السلام : ألم تمت وأنت رجل من العرب ! فقال : نعم ، ولكنّا متنا على سنّة فلان وفلان ، فانقلبت ألسنتنا(2) .
وروي رواية أخرى تضمنت أبيات الجبري :
واليت حين دعا به في صرصر
فأجابه وأبيت حين دعاكا
* * *
وقال العوني :
إمامي الذي أحيى بصرصر ميّتا
وقالع باب الحصن في وقته قهرا
* * *
وله أيضا :
من ذا الذي أحيى له ربّ العلى
بصرصر ميتا دفينا في الثرى
* * *
وله أيضا :
ولإحيائه بصرصر الميت
غلا فيه كالمسيح فريق
ص: 476
وقال المرزكي :
ردّت له شمس الضحى بعدما
هوت هويّ الكوكب الغابر
* * *
وقال آخر :
ثمّة أحيى ميّتا باليا
فقام منشورا من الحافر
* * *
وقال الحميري :
فقال له فرمان عيسى بن مريم
بزعمك يحيي كلّ ميت ومقبر
فماذا الذي أعطيت قال محمد
لمثل الذي أعطيه إن شئت فانظر
إلى مثل ما أعطي فقالوا لكفرهم
ألا أرنا ما قلت غير معذّر
فقال رسول اللّه قم لوصيّه
فقام وقدما كان غير مقصّر
وردّاه بالمنجاب واللّه خصّه
وقال اتبعوه بالدعاء المبرر
فلمّا أتى ظهر البقيع دعا به
فرجت قبور بالورى لم تغيّر
فقالوا له يا وارث العلم اعفنا
ومنّ علينا بالرضى منك واغفر
* * *
إبراء المرضى وإحياء الموتى على أيدي الأنبياء والأوصياء عليهم السلام من فعل اللّه تعالى .
قال عيسى عليه السلام : « وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ » .
ص: 477
وقوله تعالى « وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي » « وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي » .
و« قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَ لَمْ تُؤمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ » الآيات .
وقال في عزير وأرميا : « أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ » إلى قوله « قَدِيرٌ » .
وكذلك في قصّة بني إسرائيل « وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ » فأحياهم .
ص: 478
ص: 479
ص: 480
الأعمش عن رواته عن حكيم بن جبير ، وعن عقبة الهجري عن عمّته ، وعن أبي يحيى قال : شهدت عليا عليه السلام على منبر الكوفة يقول : أنا عبد اللّه وأخو رسوله ، ورثت نبيّ الرحمة ، ونكحت سيدة نساء أهل الجنّة ، وأنا سيد الوصيّين ، وآخر أوصياء النبيّين ، لا يدّعي ذلك غيري إلاّ أصابه اللّه بسوء .
فقال رجل من عبس : لا يحسن أن يقول : أنا عبد اللّه وأخو رسوله ، فلم يبرح مكانه حتى تخبّطه الشيطان ، فجرّ برجله إلى باب المسجد(1) .
العياشي بإسناده إلى الصادق عليه السلام في خبر : قال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي ، إنّي سألت اللّه أن يوالي بيني وبينك ، ففعل ، وسألته أن يواخي بيني وبينك ، ففعل ، وسألته أن يجعلك وصيّي ، ففعل .
فقال رجل : لصاع من تمر في شنّ بال خير ممّا سأل محمد ربّه ، هلاّ سأل ملكا يعضده على عدوّه ، أو كنزا يستغنى به على فاقته .
ص: 481
فأنزل اللّه تعالى « فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ »(1) الآية .
وفي رواية : أصاب لقائله علّة .
أبو بصير عن الصادق عليه السلام : لمّا قال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي ، لولا أنّني أخاف أن يقولوا فيك ما قالت النصارى في المسيح لقلت اليوم فيك مقالة لا تمرّ بملأ من المسلمين إلاّ أخذوا التراب من تحت قدمك(2) .
قال الحارث بن عمر الفهري لقوم من أصحابه : ما وجد محمد لابن عمّه مثلاً إلاّ عيسى بن مريم ، يوشك أن يجعله نبيّا من بعده ، واللّه إنّ آلهتنا التي كنّا نعبد خيرا منه ، فأنزل اللّه تعالى « وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً »إلى قوله « وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ » .
وفي رواية أنّه نزل أيضا « إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ » الآية .
فقال النبي صلى الله عليه و آله : إتّق اللّه وارجع عمّا قلت من العداوة لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فقال : إذا كنت رسول اللّه ، وعلي وصيّك من بعدك ، وفاطمة
بنتك سيدة نساء العالمين ، والحسن والحسين إبناك سيدا شباب أهل الجنّة ،
ص: 482
وحمزة عمّك سيد الشهداء ، وجعفر الطيار ابن عمّك يطير مع الملائكة في الجنّة ، والسقاية للعباس عمّك ، فما تركت لسائر قريش ، وهم ولد أبيك ؟!
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ويلك يا حارث ، ما فعلت ذلك ببني عبد المطلب ، لكنّ اللّه فعله بهم ، فقال : « إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ » الآية ، فأنزل اللّه تعالى « وَما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ » .
ودعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله الحارث ، فقال : إمّا أن تتوب أو ترحل عنّا ، قال : فإنّ قلبي لا يطاوعني إلى التوبة ، ولكنّي أرحل عنك .
فركب راحلته ، فلمّا أصحر أنزل اللّه عليه طيرا من السماء في منقاره حصاة مثل العدسة ، فأنزلها على هامته ، وخرجت من دبره إلى الأرض ، ففحص برجله ، وأنزل اللّه - تعالى - على رسوله « سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ » بولاية علي بن أبي طالب .
قال : هكذا نزل به جبرئيل(1) عليه السلام .
قال العبدي :
شبّهه عيسى فصدّ قومه
كفرا وقالوا ضلّ فيه واعتدى
فجاءه الوحي بتكذيبهم
وقال ما كان حديثا يفترى
علّمه اللّه الذي كان وما
يكون في العالم جهر وخفى
* * *
ص: 483
وقال الحميري :
هو مولاك فاستطار ونادى
ربّه باستكانة وانتصاب
ربّ إن كان ذا هو الحقّ من
عندك تجزي به عظيم الثواب
ربّ أمطر من السماء بأحجار
علينا أو آتنا بعذاب
ثم ولّى وقال دونكموه
إنّ ربّي مصيبه بشهاب
فاطلبوه إذا تغيّب عنكم
فسعوا يطلبونه في الثياب
فإذا شلوه طريح عليه
لعنة اللّه بين تلك الروابي
* * *
زياد بن كليب : كنت جالسا في نفر ، فمرّ بنا محمد بن صفوان مع عبيد اللّه بن زياد ، فدخلا المسجد ، ثم رجعا الينا وقد ذهبت عينا محمد بن صفوان ، فقلنا : ما شأنه ؟ فقال : إنّه قام في المحراب وقال : إنّه من لم يسبّ عليا بنيّة ، فإنّه يسبّه بنيّته ، فطمس اللّه بصره .
* * *
وقد رواه عمر بن ثابت عن أبي معشر البلاذري والسمعاني والمطيري والنطنزي والفلكي :
إنّه مرّ بسعد بن مالك رجل يشتم عليا عليه السلام ، فقال : ويحك ، ما تقول ! قال : أقول ما تسمع، فقال: اللّهم إن كان كاذبا فأهلكه، فخبطه جمل بختي فقتله(1) .
ص: 484
ابن المسيب : صعد مروان المنبر وذكر عليا عليه السلام فشتمه ، قال سعيد : فهوّمت عيناي ، فرأيت كفّا في منامي خرجت من قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله عاقدة على ثلاث وستين ، وسمعت قائلاً يقول : يا أموي ، يا شقي ، « أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً » .
قال : فما مرّ بمروان إلاّ ثلاث حتى مات .
* * *
مناقب إسحاق العدل : أنّه كان في خلافة هشام خطيب يلعن أمير المؤمنين عليه السلام على المنبر ، فخرجت كفّ من قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله يرى الكفّ ، ولا يرى الذراع ، عاقدة على ثلاث وستين ، وإذا كلام من قبر النبي صلى الله عليه و آله : ويلك من أموي ، « أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً » ، وألقت ما فيها وإذا دخان أزرق .
قال : فما نزل عن منبره إلاّ وهو أعمى يقاد .
قال : وما مضت له إلاّ ثلاثة أيام حتى مات(1) .
* * *
وروى علماء واسط : أنّه لمّا رفعوا اللعائن جعل خطيب واسط يلعن ، فإذا هو بثور عبر الشطّ ، وشقّ السور ، ودخل المدينة ، وأتى الجامع ، وصعد المنبر ، ونطح الخطيب فقتله بها ، وغاب عن أعين الناس ، فشدّوا الباب الذي دخل منه ، وأثره ظاهر ، وسمّوه « باب الثور » .
ص: 485
وقال هاشمي : رأيت رجلاً بالشام قد إسودّ نصف وجهه ، وهو يغطّيه ، فسألته عن سبب ذلك ، فقال : نعم ، قد جعلت عليّ أن لا يسألني أحد عن ذلك إلاّ أخبرته :
كنت شديد الوقيعة في علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، كثير الذكر له بالمكروه ، فبينا أنا ذات ليلة نائم إذ أتاني آت في منامي ، فقال : أنت صاحب الوقيعة في علي عليه السلام ، فضرب شقّ وجهي ، فأصبحت وشقّ وجهي أسود كما ترى(1) .
* * *
شمر بن عطية قال : كان أبي ينال من علي عليه السلام ، فأُتي في المنام ، فقيل له : أنت السابّ عليا ؟ فحنق حتى أحدث في فراشه ، ثلاث ليال(2) .
* * *
وكان بالمدينة رجل ناصبي ، ثم تشيّع بعد ذلك ، فسئل عن السبب في ذلك ، فقال : رأيت في منامي عليا عليه السلام يقول لي : لو حضرت صفين مع من كنت تقاتل ؟
فأطرقت أفكر ، فقال عليه السلام : يا خسيس ، هذه مسألة تحتاج إلى هذا الفكر العظيم ، اصفعوا قفاه ، فصفعت حتى إنتبهت وقد ورم قفاي ، فرجعت عمّا كنت عليه .
* * *
ص: 486
أبو جعفر المنصور : كان قاص إذا فرغ من قصصه ذكر عليا عليه السلامفشتمه ، فبينما هو كذلك إذ ترك ذلك ، فسئل عن سببه .
فقال : واللّه ، لا أذكر له شتيمة أبدا ، بينا أنا نائم والناس قد جمعوا ، فيأتون النبي صلى الله عليه و آله ، فيقول لرجل : إسقهم ، حتى وردت على النبي صلى الله عليه و آله ، فقال له : اسقه ، فطردني ، فشكوت ذلك إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : اسقه ، فسقاني قطرانا ، وأصبحت وأنا أتجشأه وأبوله(1) .
الأعمش : أنّه حدّثه المنصور : وقع عمامة رجل فإذا رأسه رأس خنزير ، فسأله عن قصّته ، فقال : كنت مؤذّنا ثلاثين سنة ، وكنت ألعن عليا بين الأذان والإقامة مائة مرّة ، كلّ يوم خمسمائة مرّة ، ولعنته ليلة الجمعة ألف لعنة .
فبينما أنا نائم ، وقد لحقني العطش ، فإذا أنا برسول اللّه وعلي والحسن والحسين عليهم السلام ، فقلت للحسنين : إسقياني ، فلم يكلّماني ، فدنوت من علي عليه السلام ، فقلت : يا أبا الحسن ، إسقني ، فلم يسقني ، ولم يكلّمني ، فدنوت من النبي صلى الله عليه و آله ، فقلت : إسقني ، فرفع رأسه ، فبصر بي وقال : أنت اللاعن عليا عليه السلام في كلّ يوم خمسمائة مرّة ، وقد لعنته البارحة ألف مرّة ؟! فلم أحر إليه جوابا ، فتفل في وجهي وقال : إخس ء يا خنزير ، فواللّه ما أصبحت إلاّ وجهي ورأسي كخنزير(2) .
ص: 487
الحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام : كان إبراهيم بن هاشم المخزومي
واليا على المدينة ، وكان يجمعنا كلّ يوم جمعة قريبا من المنبر ويشتم عليا عليه السلام ، فلصقت بالمنبر فأغفيت ، ورأيت القبر قد إنفرج وخرج منه رجل عليه ثياب بيض ، فقال لي : يا أبا عبد اللّه ، ألا يحزنك ما يقول هذا ؟ قلت : بلى واللّه ، قال : إفتح عينيك ، انظر ما يصنع اللّه به ، وإذا هو قد ذكر عليا عليه السلام ، فرمى به من فوق المنبر فمات(1) .
* * *
عثمان بن عفان السجستاني : إنّ محمد بن عباد قال : كان في جواري صالح ، فرأى النبي صلى الله عليه و آله في منامه على شفير الحوض ، والحسن والحسين عليهماالسلام
يسقيان الأمّة ، فاستسقيت أنا ، فأبيا عليّ ، فأتيت النبي صلى الله عليه و آله أسأله ، فقال : لا تسقوه ، فإنّ في جوارك رجلاً يلعن عليا عليه السلام فلم تمنعه ، فدفع إليّ سكينا وقال : اذهب فاذبحه .
قال : فخرجت وذبحته ، ودفعت السكين إليه ، فقال : يا حسين ، إسقه ، فسقاني ، وأخذت الكأس بيدي ، ولا أدري أشربت أم لا .
فانتبهت ، وإذا بولولة ، ويقولون : فلان ذبح على فراشه ، وأخذ الشرط الجيران ، فقمت إلى الأمير ، فقلت : أصلحك اللّه ، هذا أنا فعلته ، والقوم براء ، وقصصت عليه الرؤيا ، فقال : إذهب جزاك اللّه خيرا(2) .
ص: 488
عبد اللّه بن السائب وكثير بن الصلت قالا : جمع زياد بن أبيه أشراف الكوفة في مسجد الرحبة ليحملهم على سبّ أمير المؤمنين عليه السلام والبراءة منه ، فأغفيت ، فإذا أنا بشخص طويل العنق ، أهدل(1) ، أهدب(2) ، قد سدّ ما بين السماء والأرض ، فقلت له : من أنت ؟
قال : أنا النقّاد ذو الرقبة ، طاعون بعثت إلى زياد ، فانتبهت فزعا ، فسمعنا الواعية عليه ، وأنشأت :
قد جشّم الناس أمرا ضاق ذرعهم
بحملهم حين أداهم إلى الرحبه
يدعوا على ناصر الإسلام داءا
له على المشركين الطول والغلبه
ما كان منتهيا عمّا أراد به
حتى تناوله النقّاد ذو الرقبه
فأسقط الشقّ منه ضربة عجبا
كما تناول ظلما صاحب الرحبه(3)
* * *
وكان مجنون يتشيّع ، والصبيان يرمونه بالحجارة ، فصعد يوم جمعة المنبر ، فقال :
نواصب قد لاموا عليّ سفاهة
بحبّ علي أمّ من لام زانيه
فإن تركوا لومي تركت هجاهم
وإن شتموا عرضي شتمت معاويه
ص: 489
ص: 490
ص: 491
ص: 492
أحاديث علي بن الجعد عن شعبة عن قتادة ، ومجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ السماء والأرض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحا(1) ، وإنّها لتبكي على العالم إذا مات أربعين شهرا ، وإنّ السماء والأرض ليبكيان عليك - يا علي - إذا قتلت أربعين سنة .
قال ابن عباس : لقد قتل أمير المؤمنين عليه السلام على الأرض بالكوفة ، فأمطرت السماء ثلاثة أيام دما .
أبو حمزة عن الصادق عليه السلام وقد روي أيضا عن سعيد بن المسيب : أنّه لمّا قبض أمير المؤمنين عليه السلام لم يرفع من وجه الأرض حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط(2) .
ص: 493
أربعين الخطيب وتاريخ النسوي : أنّه سأل عبد الملك بن مروان الزهري : ما كانت علامة يوم قتل علي عليه السلام ؟ قال : ما رفع حصاة من بيت المقدس إلاّ كان تحتها دم عبيط(1) .
ولمّا ضرب عليه السلام في المسجد سمع صوت : للّه الحكم لا لك - يا علي - ولا لأصحابك .
فلمّا توفي سمع في داره : « أَفَمَنْ يُلْقى فِي النّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ » الآية .
ثم هتف هاتف آخر : مات رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومات أبوكم .
الصفواني في الإحن والمحن ، والكليني في الكافي : أنّه لمّا توفي أمير المؤمنين عليه السلام جاء شيخ يبكي وهو يقول : اليوم انقطعت علاّقة النبوة ، حتى وقف بباب البيت الذي فيه أمير المؤمنين
عليه السلام ، فأخذ بعضادتي الباب ، فقال :
رحمك اللّه ، فلقد كنت أوّل الناس إسلاما ، وأخلصهم إيمانا ، وأشدّهم يقينا، وأخوفهم من اللّه، وأطوعهم لنبي اللّه، وآمنهم على أصحابه، وأفضلهم
ص: 494
مناقب ، وأكثرهم سوابق ، وأشبههم به خلقا وخلقا وسيماءا وفضلاً .
وكنت أخفضهم صوتا، وأعلاهم طودا ، وأقلّهم كلاما ، وأصوبهم منطقا، وأشجعهم قلبا ، وأحسنهم عملاً ، وأقواهم يقينا ، حفظت ما ضيّعوا، ورعيت ما أهملوا ، وشمّرت إذ اجتمعوا ، وعلوت إذ هلعوا ، ووقفت إذ شرعوا ، وأدركت أوتار ما ظلموا .
كنت على الكافرين عذابا واصبا ، وللمؤمنين كهفا وحصنا ، كنت كالجبل الراسخ لا تحرّكك العواصف ، كنت للطفل كالأب الشفيق ، وللأرامل كالبعل العطوف .
قسمت بالسويّة ، وعدلت في الرعية ، وأطفأت النيران ، وكسرت الأصنام ، وأذللت الأوثان ، وعبدت الرحمن . . في كلام له كثير .
فالتفتوا فلم يروا أحدا ، فسئل الحسن عليه السلام : من كان الرجل ؟
قال : الخضر(1) عليه السلام .
وفي أخبار الطالبيين : إنّ الروم أسروا قوما من المسلمين ، فأتى بهم إلى الملك ، فعرض عليهم الكفر فأبوا ، فأمر بإلقائهم في الزيت المغلي ، وأطلق منهم رجلاً يخبر بحالهم .
فبينما هو يسير ، إذ سمع وقع حوافر الخيل ، فوقف فنظر إلى أصحابه
ص: 495
الذين ألقوا في الزيت ، فقال لهم في ذلك ، فقالوا : قد كان ذلك ، فنادى مناد من السماء في شهداء البرّ والبحر : إنّ علي بن أبي طالب قد استشهد في هذه الليلة ، فصلّوا عليه ، فصلّينا عليه ، ونحن راجعون إلى مصارعنا .
أبو زرعة الرازي بإسناده عن منصور بن عمار : أنّه سئل عن أعجب ما رآه ، قال : ترى هذه الصخرة في وسط البحر ! يخرج من هذا البحر كلّ يوم طائر مثل النعامة ، فيقع عليها ، فإذا استوى واقفا تقيّأ رأسا ، ثم تقيّأ يدا ، وكذا عضوا عضوا ، ثم تلتئم الأعضاء بعضها إلى بعض حتى يستوي إنسانا قاعدا ، ثم يهمّ للقيام ، فإذا همّ للقيام نقره نقرة فأخذ رأسه ، ثم أخذه عضوا عضوا كما قائه .
قال : فلمّا طال عليّ ذلك ناديته يوما : ويك ، من أنت ؟ ثم التفت إليّ ، وقال هاتف : هو عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب ، وكّل اللّه به هذا الطير ، فهو يعذّبه إلى يوم القيامة ، وزعم أنّهم يسمعون العواء من قبره(1) .
وأخذ المسترشد من مال الحائر وكربلا والنجف ، وقال : إنّ القبر لا يحتاج إلى الخزانة ، وأنفق على العسكر ، فلمّا خرج قتل هو وابنه الراشد .
ص: 496
وسأل أبو مسكان الصادق عليه السلام عن القائم المائل في طريق الغري ؟ فقال : نعم ، إنّهم لمّا جاؤوا بسرير أمير المؤمنين عليه السلام إنحنى أسفا وحزنا على أمير المؤمنين(1) عليه السلام .
وفي المنارة إذ حنّت عليك فما
لت آية حار منها كلّ معجب
* * *
قال الغزالي : ذهب الناس إلى أنّ عليا عليه السلام دفن على النجف ، وأنّهم حملوه على الناقة ، فسارت حتى انتهت إلى موضع قبره فبركت ، فجهدوا أن تنهض فلم تنهض ، فدفنوه فيه(2) .
أبو بكر الشيرازي في كتابه عن الحسن البصري قال : أوصى علي عليه السلام
عند موته للحسن والحسين عليهماالسلام وقال لهما : إن أنا متّ ، فإنّكما ستجدان عند رأسي حنوطا من الجنّة ، وثلاثة أكفان من إستبرق الجنّة ، فغسّلوني ، وحنّطوني بالحنوط ، وكفّنوني .
قال الحسن عليه السلام : فوجدنا عند رأسه طبقا من الذهب عليه خمس شمّامات من كافور الجنّة ، وسدرا من سدر الجنّة .
ص: 497
فلمّا فرغوا من غسله وتكفينه أتى البعير ، فحملوه على البعير بوصية منه ، وكان قال : فسيأتي البعير إلى قبري ، فيقف عنده ، فأتى البعير حتى وقف على شفير القبر ، فواللّه ما علم أحد من حفره ، فأُلحد فيه بعد ما صلّي عليه ، وأظلّت الناس غمامة بيضاء وطيور بيض ، فلمّا دفن ذهبت الغمامة والطيور(1) .
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام ما جاء في تهذيب الأحكام عن سعد الإسكاف قال : حدّثني أبو عبد اللّه عليه السلام قال :
لمّا أصيب أمير المؤمنين عليه السلام قال للحسن والحسين عليهماالسلام : غسّلاني وكفّناني وحنّطاني ، واحملاني على سريري ، واحملا مؤخّره تكفيان مقدّمه ، فإنّكما تنتهيان إلى قبر محفور ، ولحد ملحود ، ولبن موضوع ، فالحداني ، واشرجا اللبن عليّ ، وارفعا لبنة ممّا يلي رأسي ، فانظروا ما تسمعان(2) .
وعن منصور بن محمد بن عيسى عن أبيه عن جدّه زيد بن علي عن أبيه عن جدّه الحسين بن علي في خبر طويل يذكر فيه :
أوصيكما وصيّة ، فلا تظهرا على أمري أحدا ، فأمرهما أن يستخرجا من الزاوية اليمنى لوحا ، وأن يكفّناه فيما يجدان ، فإذا غسّلاه وضعاه على
ص: 498
ذلك اللوح ، وإذا وجدا السرير يشال مقدّمه يشيلان مؤخّره ، وأن يصلّي الحسن عليه السلام مرّة ، والحسين عليه السلام مرّة صلاة إمام ، ففعلا كما رسم ، فوجدا اللوح وعليه مكتوب : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، هذا ما ذخره نوح النبي - صلّى اللّه عليه - لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
وأصابا الكفن في دهليز الدار موضوعا فيه حنوط قد أضاء نوره على نور النهار(2) .
وروي أنّه قال الحسين عليه السلام وقت الغسل :
أما ترى إلى خفّة أمير المؤمنين عليه السلام ! فقال الحسن : يا أبا عبد اللّه ، إنّ معنا قوما يعينوننا .
فلمّا قضيا صلاة العشاء الآخرة إذا قد شيل مقدّم السرير ، ولم نزل نتبعه إلى أن وردنا إلى الغري ، فأتينا إلى قبر على ما وصف أمير المؤمنين عليه السلام ، ونحن نسمع خفق أجنحة كثيرة ، وضجّة وجلبة ، فوضعنا السرير وصلّينا على أمير المؤمنين عليه السلام كما وصف لنا ، ونزلنا قبره ، فاضجعناه في لحده ، ونضدنا عليه اللبن .
وفي الخبر عن الصادق عليه السلام : فأخذ اللبنة من عند الرأس بعد ما أشرجا عليه اللبن ، فإذا ليس في القبر شيء ، وإذا هاتف يهتف :
أمير المؤمنين كان عبدا صالحا ، فألحقه اللّه بنبيه ، وكذلك يفعل الأوصياء
ص: 499
بعد الأنبياء ، حتى لو أنّ نبيا مات بالمشرق ، ومات وصيّه بالمغرب ، لألحق الوصيّ بالنبيّ(1) .
وفي خبر عن أم كلثوم بنت علي عليه السلام : فانشق القبر عن ضريح ، فإذا هو
بساجة مكتوب عليها بالسريانية : « بسم اللّه الرحمن الرحيم ، هذا قبر حفره نوح لعلي بن أبي طالب وصيّ محمد قبل الطوفان بسبعمائة سنة » ، فانشق القبر فلا ندر ي [ اندس أبي في القبر أم أسري به الى السماء (2)] .
* * *
سلام على قبر تضمّن حيدرا
ونوحا وعنهم آدم غير غائب
* * *
وعنها رضي اللّه عنها : أنّه لمّا دفن عليه السلام سمع ناطق يقول : أحسن اللّه لكم العزاء في سيّدكم وحجّة اللّه على خلقه(3) .
التهذيب في خبر : أنّه نفذ إسماعيل بن عيسى غلاما له أسود شديد البأس يعرف ب-« الجمل » في ذي الحجّة سنة ثلاث وتسعين ومائة في جماعة ، وقال : امضوا إلى هذا القبر الذي قد إفتتن به الناس ، ويقولون :
ص: 500
أنّه قبر علي حتى تنبشون إلى قعره ، فحفروا حتى نزلوا خمسة أذرع ، فبلغوا إلى موضع صلب عجزوا عنه ، فنزل الحبشي ، فضرب ضربة سمع طنينها في البرّ ، ثم ضرب ثانية وثالثة ، ثم صاح صيحة ، وجعل يستغيث ، فأخرجوه بالحبل ، فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى ترقوته دم ، فحملوه على البغل ، ولم يزل ينتشر من عضده وسائر شقّه الأيمن .
فرجعوا إلى العباسي ، فلمّا رآه إلتفت إلى القبلة ، وتاب من فعله وتبرّأ ، ومات الغلام من وقته ، وركب في الليل إلى علي بن مصعب بن جابر ، فسأله أن يعمل على القبر صندوقا .
قال أبو جعفر الطوسي : حدّثني أبو الحسن محمد بن تمام الكوفي قال : حدّثني أبو الحسن بن الحجاج قال :
رأينا هذا الصندوق ، وذلك قبل أن يبنى عليه الحائط الذي بناه الحسن بن زيد(1) .
وفي الأمالي : أنّه خرج بعض الخلفاء يتصيّد في ناحية الغريّين والثويّة ، وأرسل الكلاب ، فلجأت الظباء إلى أكمة ، ورجعت الكلاب ، ثم إنّ الطباء هبطت منها ، وصنعت الكلاب مثل الأول .
فسأل شيخا من بني أسد ، فقال : إنّ فيها قبر علي بن أبي طالب عليهماالسلام جعله اللّه حرما لا يأوي إليه شيء إلاّ أمن(2) .
ص: 501
ومن ذلك تسخير الجماعة إضطرارا لنقل فضائله مع ما فيها من الحجّة عليهم ، حتى إن أنكره واحد ردّ عليه صاحبه ، وقال : هذا في التواريخ والصحاح والسنن والجوامع والسير والتفاسير ممّا أجمعوا على صحّته ، فإن لم يكن في واحد يكن في آخر .
ومن جملة ذلك ما أجمعوا عليه ، أو روى مناقبه خلق كثير منهم حتى صار علما ضروريا .
كما صنّف :
ابن جرير الطبري كتاب الغدير .
وابن شاهين كتاب المناقب ، وكتاب فضائل فاطمة عليهاالسلام .
ويعقوب بن شيبة تفضيل الحسن والحسين عليهماالسلام ، ومسند أمير المؤمنين عليه السلام
وأخباره وفضائله .
والجاحظ كتاب العلوي ، وكتاب فضل بني هاشم على بني أمية .
وأبو نعيم الأصفهاني منقبة المطهّرين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ، وما نزل في القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام .
وأبو المحاسن الروياني الجعفريات .
والموفّق المكّي كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السلام ، وكتاب ردّ الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام .
ص: 502
وأبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي كتاب نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين عليه السلام .
وأبو صالح عبد الملك المؤذّن كتاب الأربعين في فضائل الزهراء عليهاالسلام .
وأحمد بن حنبل مسند أهل البيت عليهم السلام ، وفضائل الصحابة .
وأبو عبد اللّه محمد بن أحمد النطنزي الخصائص العلوية على سائر البريّة .
وابن المغازلي كتاب المناقب .
وأبو القاسم البستي كتاب المراتب .
وأبو عبد اللّه البصري كتاب الدرجات .
والخطيب أبو تراب كتاب الحدائق .
مع الكتمان والميل ، وذلك خرق العادة شهد بفضائله معادوه ، وأقرّ بمناقبه جاحدوه .
قال الشاعر :
شهد الأنام بفضله حتى العدا
والفضل ماشهدت به الأعداء
* * *
وقال آخر :
يروي مناقبهم لنا أعداؤهم
لا فضل إلاّ ما رواه حسود
* * *
ص: 503
ومن جملة ذلك كثرة مناقبه مع ما كانوا يدفنونها ويتوعّدون على روايتها .
روى مسلم والبخاري وابن بطّة والنطنزي عن عائشة في حديثها بمرض النبي صلى الله عليه و آله : فقالت في جملة ذلك :
فخرج النبي صلى الله عليه و آله بين رجلين من أهل بيته ، أحدهما الفضل ورجل آخر ، يخطّ قدماه عاصبا رأسه(1) ، تعني عليا عليه السلام .
وقال معاوية لابن عباس : إنّا كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي ، فكفّ لسانك .
قال : أفتنهانا عن قراءة القرآن ؟ قال : لا ، قال : أفتنهانا عن تأويله ؟ قال : نعم ، قال : أفنقرأه ولا نسأل ! قال : سل عن غير أهل بيتك ، قال : إنّه منزل علينا ! أفنسأل غيرنا ، أتنهانا أن نعبد اللّه ، فإذا تهلك الأمّة ، قال : إقرؤا ولا ترووا ما أنزل اللّه فيكم ، « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ » .
ثم نادى معاوية : أن برئت الذمّة ممّن روى حديثا من مناقب علي(2) .
حتى قال عبد اللّه بن شداد الليثي : وددت أنّي أترك أن أحدّث بفضائل علي بن أبي طالب عليهماالسلام يوما إلى الليل ، وأنّ عنقي ضربت(3) .
ص: 504
فكان المحدّث يحدّث بحديث في الفقه ، أو يأتي بحديث المبارزة ، فيقول : قال رجل من قريش .
وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول : حدّثني رجل من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وكان الحسن البصري يقول : قال أبو زينب(1) .
وسئل ابن جبير عن حامل اللواء ، فقال : كأنّك رخي البال(2) .
وقال الشعبي : لقد كنت أسمع خطباء بني أمية يسبّون عليا عليه السلام على منابرهم ، فكأنّما يشال بضبعة إلى السماء ، وكنت أسمعهم يمدحون أسلافهم يكشفون عن جيفة(3) .
ورأى أعرابية في مسجد الكوفة تقول : يا مشهورا في السماوات ، ويا مشهورا في الأرضين ، ويا مشهورا في الآخرة جهدت الجبابرة والملوك على إطفاء نورك ، وإخماد ذكرك ، فأبى اللّه لذكرك إلاّ علوّا ، ولنورك إلاّ ضياء ونماء ، ولو كره المشركون .
قيل : لمن تصفين ؟
قالت : ذاك أمير المؤمنين ، فالتفت فلم ير أحدا(4) .
* * *
ص: 505
ابن نباتة :
نشرت حيلة قريش فزادته
إلى صيحة القيامة فتلا(1)
* * *
ومن ذلك ما طبقت الأرض بالمشاهد لأولاده ، وفشت المنامات من مناقبه ، فيبرئ الزمنى ، ويفرج المبتلى ، وما سمع هذا لغيره عليه السلام .
ص: 506
باب 4 : ما تفرّد من مناقبه عليه السلام
فصل 1 : في منزلته عند الميزان والكتاب والحساب ونحوها
( 7 - 18 )
الآيات··· 9
وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ··· 9
فَأَمّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ··· 9
فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ··· 10
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤلُونَ··· 10
إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤ'c7دَ . .كانَ عَنْهُ مَسْؤلاً··· 12
فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ··· 13
إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ··· 15
فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ··· 16
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . .··· 16
أخبار أمير المؤمنين في الجنّة··· 17
ص: 507
فصل 2 : في أ نّه جواز الصراط وقسيم الجنّة والنار
( 19 - 34 )
الآيات··· 21
فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ··· 21
يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ··· 22
جواز الصراط ولاية علي عليه السلام··· 23
قسيم الجنّة والنار··· 24
عنده صحيفة فيها أسماء أهل الجنّة وأهل النار··· 31
استلام مفاتح الجنّة والنار··· 32
حلقة باب الجنّة··· 33
فصل 3 : في أ نّه الساقي والشفيع
( 35 - 50 )
الساقي على حوض الكوثر··· 37
وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ··· 39
الشفيع يوم المحشر··· 43
فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ··· 43
الشفعاء خمسة··· 43
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى··· 44
وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً··· 44
وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ··· 44
نقش خاتم الصاحب··· 45
ص: 508
فصل 4 : في القرابة
( 51 - 60 )
الآيات··· 53
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ··· 53
وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالأَرْحامَ··· 53
وَأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ··· 53
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا··· 54
خصائصه في القرابة··· 55
هاشمي من هاشميين··· 55
ابن عمّ النبي صلى الله عليه و آله··· 55
ابن النبي صلى الله عليه و آله··· 55
ابناه ابنا النبي صلى الله عليه و آله··· 56
خصائص ليست لأحد غيره··· 57
شعره في المفاخرة··· 58
مفاخرته عند عمر··· 59
النتيجة··· 60
فصل 5 : في آثار حمله وكيفية ولادته
( 61 - 72 )
خطبة أبي طالب في نكاح فاطمة بنت أسد··· 63
الليلة التي علقت به أمّه عليه السلام··· 64
ص: 509
ولادته عليه السلام··· 65
ولادته في الكعبة··· 66
خروجها من الكعبة ومراسيم بعد الولادة··· 68
تسميته عليه السلام··· 69
موضع ولادته في الكعبة··· 70
النتيجة··· 70
فصل 6 : في الطهارة والرتبة
( 73 - 86 )
الآيات··· 75
إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ··· 75
وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنامَ··· 75
إنّه معصوم لم يشرك قطّ وبايع النبي في صغره··· 77
لم يشرب الخمر قطّ ولم يأكل ما حرّم اللّه ··· 80
لم يأتي بفاحشة قطّ··· 81
تربّى في حجر النبي صلى الله عليه و آله··· 82
خطبته في هذا الشأن··· 84
من خطبته القاصعة··· 84
النتيجة··· 85
ص: 510
فصل 7 : في المصاهرة مع النبي
صلى الله عليه و آله
( 87 - 96 )
الآيات··· 89
فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً··· 89
لولا علي عليه السلام لما كان لفاطمة عليهاالسلام كفو··· 90
فضله عليه السلام على الثلاثة في المصاهرة··· 92
مهر فاطمة عليهاالسلام··· 93
فصل 8 : في الأُخوة
( 97 - 112 )
حديث المؤاخاة··· 99
وارث النبي صلى الله عليه و آله··· 105
النتيجة··· 109
فصل 9 : في الجوار حديث سدّ الأبواب
( 113 - 124 )
معترضون على سدّ الأبواب··· 116
موضع بيته عليه السلام··· 117
لا يجنب في المسجد إلاّ النبي وعلي عليهماالسلام··· 122
النتيجة··· 124
ص: 511
فصل 10 : في الأولاد
( 125 - 136 )
الآيات··· 127
وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ··· 127
إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ··· 127
خصائص ذريّته··· 128
منزلتهم عند الناس··· 128
تبرك عمر بذريّته··· 129
أعرف الناس نسبا وأخصّهم فضلاً··· 129
شرف التزويج فيهم··· 130
في الحساب··· 131
لا يوجد في أولاد الصحابة مثل أولاده··· 131
فصل 11 : في المشاهد
( 137 - 144 )
بعض مشاهد أمير المؤمنين عليه السلام··· 140
مشاهد أولاده··· 141
فصل 12 : في ظلامة أهل البيت عليهم السلام
( 145 - 162 )
وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً··· 147
ص: 512
خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في التظلّم··· 147
اللّهم إنّي استعديك على قريش··· 152
الخطبة الشقشقية··· 152
تظلّم الزهراء عليهاالسلام··· 156
كلامها عليهاالسلام مع أم سلمة··· 156
كلامها عليهاالسلام مع الأوّل··· 157
كلامها عليهاالسلام مع الأنصار··· 157
نصبر منكم على مثل حزّ المدى··· 160
تظلّمها عند أمير المؤمنين عليه السلام··· 161
أبيات لها عليهاالسلام ترثي أباها صلى الله عليه و آله··· 162
فصل 13 : في مصائب أهل البيت عليهم السلام
( 163 - 178 )
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ··· 165
إخبار النبي صلى الله عليه و آله ببعض المصائب··· 165
غصب الخمس··· 167
النتيجة··· 167
صور من الظلم الكثير··· 169
فصل 14 : في الإختصاص بالنبي صلى الله عليه و آله
( 179 - 212 )
نفس النبي صلى الله عليه و آله··· 181
ص: 513
فيما اختصّه به··· 185
النتيجة··· 188
تحنّنه··· 189
منزلته من النبي صلى الله عليه و آله··· 189
تقبيله··· 189
مسح العرق عن وجهه··· 190
يلقمه الموز··· 190
تمريضه··· 191
الاشتياق له··· 192
يدخل عليكم رجل من أهل الجنّة··· 193
اللّهم لا تمتني حتى تريني عليا··· 193
اللّهم لا تدعني فردا··· 194
من إنشائه الأسرار عليه··· 196
صاحب سرّه··· 196
مناجاته··· 196
دفاع النبي عن مناجاته··· 198
ما اختصّه به عند وفاته··· 200
سالت نفسه في كفّ أمير المؤمنين··· 200
مناجاته عند الوفاة··· 201
مقاسمته حنوط الجنّة··· 201
جعله لمصالح حرمه··· 203
كشف فرية عائشة··· 203
ص: 514
وقعة أحد··· 204
دعاؤه له··· 205
النتيجة··· 206
كاتب الوحي والعهد··· 206
له عليه السلام من النبي صلى الله عليه و آله ساعة لم تكن لغيره··· 206
رخصّ لعلي عليه السلام ما لم يرخّص لغيره··· 208
ذخيرة النبي صلى الله عليه و آله للمهمّات··· 210
عيبة سرّه صلى الله عليه و آله··· 211
أعطاه جميع سلاحه وحبوته··· 212
باب 5
ذكره عند الخالق وعند المخلوقين
فصل 1 : في تحف اللّه - عزّ وجلّ - له
( 215 - 226 )
تحفة السلام من اللّه ··· 217
قميص هارون هدية من للّه ··· 217
فرس بسرجه ولجمه هدية من اللّه ··· 218
تفاحة هدية من الطالب الغالب··· 218
أترجة هدية من الطالب الغالب··· 219
جام من فضّة نزل من السماء··· 219
ص: 515
لوزة من السماء هدية لخاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله··· 220
رمّانة لا يذوقها إلاّ نبي أو وصي··· 220
عنقود عنب هدية من اللّه ··· 222
جارية خلقها اللّه لعلي عليه السلام في الجنّة··· 224
إشتراء الحبّ من جبرئيل··· 224
فصل 2 : في محبّة الملائكة إياه
( 227 - 254 )
صور أمير المؤمنين عليه السلام في السماء··· 229
أهل السماء أشدّ معرفة له عليه السلام من أهل الأرض··· 232
هروب إبليس منه عليه السلام يوم بدر··· 232
معرفة عزرائيل بأمير المؤمنين عليه السلام··· 233
وصول برد إيمانه عليه السلام الى قلب جبرئيل··· 234
إعانة الملائكة له عليه السلام في الحرب والقتال··· 234
قول جبرئيل له إنّك أحقّ بابن عمّك منّي··· 237
جبرئيل يسمعه الأذان··· 238
إذا برز للقتال حفّت به الملائكة··· 239
جبرئيل وميكائيل يقاتلان نيابة عنه عليه السلام··· 239
الملائكة يعينونه وينصرونه في الحروب··· 240
جبرئيل يأخذ بيده··· 242
لم يقاتل حتى تنزل الملائكة··· 242
ص: 516
ملكا يقاتل على صورة علي عليه السلام··· 243
سلام الملائكة عليه عليه السلام··· 245
الملائكة تخدمه في الوضوء··· 248
مواضع مشاهدته عليه السلام جبرئيل على صورة دحية··· 250
خدمه عليه السلام جبرئيل في عدّة مواضع··· 251
النتيجة··· 253
فصل 3 : في مقاماته مع الأنبياء والأوصياء
( 255 - 262 )
كلامه مع وصي موسى··· 257
كلامه مع شمعون··· 257
كلامه مع الخضر··· 258
دفاع النبي صلى الله عليه و آله بعد وفاته عنه عليه السلام··· 261
النتيجة··· 262
فصل 4 : في أحواله عليه السلام مع إبليس وجنوده
( 263 - 276 )
عجب إبليس ممّن يسبّ عليا عليه السلام··· 265
مصارعته عليه السلام مع إبليس··· 265
أعانته الملائكة على إبليس··· 268
منع إبليس من طعام الجنّة··· 269
ص: 517
توبيخ إبليس عند تجهيز النبي··· 271
استخلافه رجلاً من الجنّ··· 272
نصيحة إبليس للصوفي··· 272
هاتف يهدي خيثمة التميمي··· 273
أبيات لإبليس في أهل العباء··· 274
النتيجة··· 275
فصل 5 : في ذكره عليه السلام في الكتب
( 277 - 288 )
بعث الرسل بنبوة محمد ووصيّه علي عليهماالسلام··· 279
فضل علي عليه السلام في التوراة··· 280
بشائر أبي طالب بولادته عليهماالسلام··· 280
ذكره في كتاب شمعون الصفا··· 282
ذكره في كتاب من أملاء المسيح··· 283
اسمه في كتاب اليهود « إليا »··· 284
كثرة المبشرون به··· 285
النتيجة··· 287
فصل 6 : في إخباره عليه السلام بالغيب
( 289 - 318 )
إخباره عليه السلام الجاثليق بما في قلبه وما جرى له··· 291
ص: 518
إخباره عليه السلام ابن الأفلح بموضع فرسه··· 293
تأخذ طريق الكرخة !··· 293
إخباره عليه السلام بما يجري على البيت الحرام··· 294
إخباره عليه السلام بما يجري لمعاوية··· 294
إخباره عليه السلام بما في بيت المال··· 296
إخباره عليه السلام بما في قراب سيف العدوي··· 296
معرفته عليه السلام الرجل بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق··· 297
إخباره عليه السلام رسول عائشة بكلّ ما جرى بينهما··· 298
إخباره عليه السلام بنية الرجل الذي بعثه معاوية ليغتاله··· 299
إخباره عليه السلام بالقوم الذين بايعوا الضبّ··· 300
إخباره عليه السلام بمصير أبي موسى الأشعري··· 301
إخباره عليه السلام برجوع من شذّ عنه في طريق الكوفة··· 301
إخباره عليه السلام بمسير ومصير طلحة والزبير··· 302
إخباره عليه السلام الثقفية بمن أخفتهم في البيوت··· 302
إستنصاره عليه السلام بالحجّة المنتظر··· 303
إخباره عليه السلام بمصير الأشعث بن قيس··· 304
إخباره عليه السلام بعدد المقتولين في النهروان··· 305
إخباره عليه السلام ببناء مدينة بغداد··· 305
إخباره عليه السلام بمصير ابن أبي الدنيا··· 306
إخباره عليه السلام بما يخصّ براثا··· 307
إخباره عليه السلام بما جرى للرجل الذي أراد الزواج بأمّه··· 310
ص: 519
إخباره عليه السلام المرأة التي لعنته أنّها سلقلقية··· 311
إخباره عليه السلام بالعيون التي تظلمه··· 313
إخباره عليه السلام الأسقف بالشامة التي بين كتفيه··· 314
إخباره عليه السلام بفتح البصرة والمدد القادم من الكوفة··· 315
سبب مجيء أويس في صفين··· 315
إخباره عليه السلام عمّا جرى في النهروان··· 315
إخباره عليه السلام حجر أنّه سيعرض عليه سبّه والبراءة منه··· 316
إخباره عليه السلام الرجل الذي مدحه بما في نفسه··· 317
فصل 7 : في إخباره بالمنايا والبلايا والأعمار
( 319 - 340 )
علّم رشيد الهجري علم البلايا··· 321
إخباره عن قتل الحسين عليه السلام··· 321
إخباره عليه السلام أنّ عمر بن سعد سيقتل الحسين عليه السلام··· 321
إخباره أنّ ابن عرفطة لم يمت وسيحمل رايته ابن جماز لقتال الحسين عليه السلام··· 322
إخباره أنّ الحسين عليه السلام يقتل قبل أن يقضي الحجّ··· 323
إخباره عليه السلام البراء أنّه سيخذل الحسين عليه السلام··· 324
إخباره بمصرع الحسين عليه السلام في مسيره الى صفين··· 324
إخباره بشهادته عليه السلام··· 325
إخباره عليه السلام بقتل جماعة··· 326
إخباره بقتل مذرع··· 327
ص: 520
إخباره بمقتل حجر وأصحابه··· 327
إخباره بالفتن من بعده··· 327
إخباره بتسلّط معاوية على أهل الكوفة··· 328
إخباره بتسلّط الحجّاج على أهل البصرة··· 328
إخباره بخروج الترك والزنج··· 329
الخطبة اللؤلؤية··· 329
الخطبة الغراء··· 330
خطبة الأقاليم··· 331
خطبة القصيّة··· 331
خطبة الملاحم المعروفة بالزهراء··· 332
خطبة له سمّى فيها ملوك بني أمية··· 334
إخباره عن خراب البلدان··· 335
إخباره خولة الحنفيّة بما جرى لها منذ حملها··· 337
النتيجة··· 339
فصل 8 : في إجابة دعواته
( 341 - 360 )
لا تتعرّضوا لدعوة علي عليه السلام··· 343
دعاؤه على طلحة والزبير··· 343
دعاؤه على من كذّبه بالعمى··· 343
دعاؤه على أنس والبراء والأشعث وخالد··· 344
ص: 521
دعاؤه على بشر بن أرطاة··· 345
دعاؤه على رجل في غزاة بني زبيد··· 346
دعاؤه على من كذب عليه··· 346
دعاؤه على جدّ أبي العيناء··· 346
دعاؤه على وابصة بن معبد··· 347
دعاؤه على ولد العباس بالشتات··· 347
دعاؤه على دار سقطت عليه منها قطعة فشجّته··· 347
قال لرجل ردّ حكمه إخسأ يا كلب فصار كلبا··· 348
قال لرجل هب الى سفر فصار في صورة غراب أبقع··· 348
أصاب دعاه جماعة··· 349
دعاؤه أن يريحه اللّه منهم··· 349
دعاؤه على أنس في حديث الطائر··· 350
دعاؤه لأم عبد اللّه بن جعفر··· 357
دعاؤه لشاب يبس نصفه··· 358
أعمى دعا بدعاء أمير المؤمنين عليه السلام فارتد بصيرا··· 358
دعاؤه للقدح الذي كسره الهرمزان··· 359
النتيجة··· 360
فصل 9 : في نواقض العادات منه
( 361 - 382 )
نقض العادة في قوّته وشوكته··· 363
قطع قماطه ليبصبص بإصبعه لربّه··· 363
ص: 522
قتل حيّة قصدته وهو في المهد··· 364
معلّق الميمون··· 365
كان يظهر على كلّ من يصارعه وهو طفل··· 365
صور من قوّته عليه السلام··· 366
ما ظهر منه بعد النبي صلى الله عليه و آله··· 367
أثر سيفه ورمحه··· 367
ختم الحصا··· 367
تطويق خالد بن الوليد بقطب الرحى··· 368
رفع صخرة عجز عن حملها مائة رجل··· 370
تلقّي الحائط العظيم بيساره··· 374
قوته في قلع باب خيبر··· 374
النتيجة··· 382
فصل 10 : في معجزاته في نفسه
( 383 - 396 )
في الحروب··· 385
ضربة عمرو··· 385
ضربة مرحب··· 386
مشهد البوق··· 386
رأى مكة من الدكّة في الكوفة··· 387
ص: 523
مسجد المجذاف في الرقّة··· 387
صور من معجزاته في نفسه··· 387
إنقاذه ثابت بن قيس من البئر العادية··· 389
نجاته من محاولة الاغتيال ليلة العقبة··· 390
لا يجد الحرّ والبرد لدعاء النبي صلى الله عليه و آله··· 391
قوّة الساقين الدقيقتين··· 392
انتقاله من المدينة الى المدائن لتجهيز سلمان··· 393
صور مرّت من معزاته··· 394
النتيجة··· 395
فصل 11 : في إنقياد الحيوانات له
( 397 - 422 )
إنقياد الأسود له عليه السلام··· 399
حديث الثعبان··· 401
حديث الطير··· 401
حديث الإوز··· 402
حديث الجرّي··· 403
حديث الجنّ واليهودي في الكوفة··· 404
حديث الغراب والأفعى··· 405
حديث تبليغ الجنّ··· 408
ص: 524
حديث البعير الشامي في صفين··· 411
خبر الأبل التي استصعبت على صاحبها··· 412
حديث أفيلة الجلندي··· 412
حديث الغلام الذي علّمه أمير المؤمنين عليه السلام··· 414
حديث أخذه البيعة من الجنّ··· 415
حديث الملك الذي استشفع به عليه السلام··· 415
حديث شهادة جمال اليهود وثيابهم··· 417
حديث عرض ولايته عليه السلام على الحيوانات وسائر المخلوقات··· 417
الطيور المختارة··· 419
حديث النحل وإنّه عليه السلام يعسوب المؤمنين··· 420
فصل 12 : في طاعة الجمادات له
( 423 - 460 )
حديث ردّ الشمس··· 425
نزول آيتين في ردّ الشمس··· 425
ردّ الشمس عليه مرارا··· 426
ردّ الشمس في حياة النبي صلى الله عليه و آله··· 427
ردّ الشمس بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله··· 430
ردّ الشمس للأوصياء··· 431
ردّ على شبهات من أنكر ردّ الشمس··· 433
ص: 525
كلّمت الشمس عليا عليه السلام سبع مرات··· 438
كلامه مع الشمس بأمر النبي صلى الله عليه و آله··· 438
كلّم الأرض وسكّن زلزالها··· 441
نقل عليه السلام أبا هريرة من الكوفة إلى المدينة وبالعكس بطرفة عين··· 442
كفى اللّه حارسا··· 443
قلب عليه السلام الحجر والمدر ذهبا أحمر··· 443
بنا ألان الحديد لداود··· 443
إنقياد بغلة النبي صلى الله عليه و آله . . له··· 444
نطقت الحصاة في كفّه··· 446
صياح نخل المدينة بفضل النبي وفضل الوصي عليهماالسلام··· 447
أمر أصل شجرة ميّتة فأثمرت الكمثرى··· 448
كلامه مع الشجر والمدر والثرى في اليمن··· 449
ناول أنصاريا قرصين فيهما طعوم مختلفة··· 450
حوّل قوس النبي صلى الله عليه و آله ثعبانا هاجم الثاني··· 450
أمر شجرتين فانضمتا··· 451
قلب التمر الحلو مرّا··· 452
حفظ مال وليّه من معاوية ومن اللصوص··· 452
أمر الفرات فنقص وكلّمته الأسماك··· 453
أمر البحيرة فجفّت··· 456
تصرّف أمير المؤمنين عليه السلام في معاوية وجيشه··· 456
معجزة تسليمه عليه السلام النوق التي وعده بها النبي صلى الله عليه و آله··· 457
ص: 526
فصل 13 : في أُموره مع المرضى والموتى
( 461 - 478 )
أخرج الحمى عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله··· 463
شفاء اليتيمة من العمى والجدري··· 464
شفاء الولد وإلقاء بلاءه على أبيه··· 465
قطع يد سارق وأرجعها كما كانت··· 465
قطعت يد رجل في صفين فألصقها ثم قطعها··· 467
كلامه عليه السلام مع الجمجمة··· 468
كلامه عليه السلام مع السمكة··· 470
كلامه مع رجل رآه في ثبج من نار··· 470
كلامه مع أصحاب الكهف « حديث البساط »··· 470
كلامه مع سام بن نوح··· 474
كلامه مع ميت··· 475
النتيجة··· 477
فصل 14 : فيمن غيّر اللّه حالهم وأهلكهم ببغضه أو سبّه
( 479 - 490 )
عقاب رجل من عبس··· 481
عقاب من إستهزأ بدعاء النبي لعلي عليهماالسلام··· 481
عقاب الحارث بن عمر الفهري··· 482
عقاب من سبّ عليا عليه السلام··· 484
أبيات لمجنون كان يتشيّع··· 489
ص: 527
فصل 15 : فيما ظهر بعد وفاته
( 491 - 506 )
بكاء السماء والأرض عليه أربعين سنة··· 493
مطرت السماء دما لقتله··· 493
فاضت الأرض بالدم يوم قتله··· 493
الهواتف عند وفاته··· 494
كلام الخضر عند وفاته··· 494
صلاة شهداء البرّ والبحر عليه··· 495
عذاب قاتله وعواؤه في قبره··· 496
أخذ من مال الحائر والنجف فقتل هو وابنه··· 496
إنحناء المنارة أسفا وحزنا عليه··· 497
أخبار تجهيزه ودفنه··· 497
حديث تجهيزه ودفنه من طريق أهل البيت··· 498
ما جرى على القبر الشريف··· 500
تسخير الجماعة إضطرارا لنقل فضائله··· 502
بعض من صنّفه في فضائله من العامّة··· 502
كثرة مناقبه مع ما كانوا يدفنونها ويتوعّدون على روايتها··· 504
طبقت الأرض بمشاهد أولاده وفشت المنامات من مناقبه··· 506
الفهرست··· 507
ص: 528
عنوان و نام پديدآور:مناقب آل ابی طالب/ تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب. تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.
مشخصات نشر:قم: المکتبه الحیدریه، 1432ق = 1390.
مشخصات ظاهری:12ج
وضعیت فهرست نویسی:در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)
يادداشت:ج.9. (چاپ اول)
شماره کتابشناسی ملی:2481606
ص: 1
مناقب آل أبي طالب
تأليف الإمام الحافظ رشيد الدين أبي عبد اللّه محمد بن علي بن شهرآشوب
ابن أبي نصر بن أبي الجيش السروي المازندراني
المتوفى سنة 588 ه
الجزء السادس
تحقيق السيد علي السيد جمال أشرف الحسيني
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
باب (1) 6 : قضايا أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
إعلم أنّ أحكامه على خمسة أوجه :
في زمن النبي صلى الله عليه و آله .
وزمن أبي بكر .
وزمن عمر .
وزمن عثمان .
وفي زمانه عليه السلام .
ص: 5
ص: 6
ص: 7
ص: 8
تفسير يوسف القطان عن وكيع الثوري عن السدي قال : كنت عند عمر بن الخطاب ، إذ أقبل كعب بن الأشرف ومالك بن الصيفي وحي بن أخطب ، فقالوا : إنّ في كتابكم : « وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالأَْرْضُ » إذا كان سعة جنّة واحدة كسبع سماوات وسبع أرضين ، فالجنان كلّها يوم القيامة أين تكون ؟
فقال عمر : لا أعلم .
فبينما هم في ذلك ، إذ دخل علي عليه السلام فقال : في أيّ شيء أنتم ؟
فالتفت اليهودي وذكر المسألة ، فقال عليه السلام لهم : خبّروني إنّ النهار إذا أقبل الليل أين يكون ؟ والليل إذا أقبل النهار أين يكون ؟
فقال له : في علم اللّه يكون ، قال علي عليه السلام : كذلك الجنان تكون في علم اللّه .
فجاء علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه و آله وأخبره بذلك ، فنزل : « فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » .
ص: 9
الواقدي وإسحاق الطبري : أنّ عمير بن وائل الثقفي أمره حنظلة بن أبي سفيان أن يدّعي على علي عليه السلام ثمانين مثقال من الذهب وديعة عند محمد صلى الله عليه و آله ، وأنّه هرب من مكة ، وأنت وكيله ، فإن طلب بيّنة الشهود ، فنحن معشر قريش نشهد عليه ، وأعطوه على ذلك مائة مثقال من الذهب ، منها قلادة عشر مثاقيل لهند .
فجاء وادّعى على علي عليه السلام ، فاعتبر الودائع كلّها ، ورأى عليها أسامي أصحابها ، ولم يكن لما ذكره عمير خبرا .
فنصح له نصحا كثيرا ، فقال : إنّ لي من يشهد بذلك ، وهو أبو جهل ، وعكرمة ، وعقبة بن أبي معيط ، وأبو سفيان ، وحنظلة ، فقال عليه السلام : مكيدة تعود إلى من دبّرها .
ثم أمر الشهود أن يقعدوا في الكعبة ، ثم قال لعمير : يا أخا ثقيف ، أخبرني الآن حين دفعت وديعتك هذه إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أيّ الأوقات كان ؟ قال : ضحوة نهار ، فأخذها بيده ودفعها إلى عبده .
ثم استدعى بأبي جهل وسأله عن ذلك ، قال : ما يلزمني ذلك .
ثم استدعى بأبي سفيان وسأله ، فقال : دفعها عند غروب الشمس ، وأخذها من يده ، وتركها في كمّه .
ثم استدعى حنظلة وسأله عن ذلك ، فقال : كان عند وقت وقوف الشمس في كبد السماء ، وتركها بين يديه إلى وقت انصرافه .
ثم استدعى بعقبة وسأله عن ذلك ، فقال : تسلّمها بيده ، وأنفذها في الحال إلى داره ، وكان وقت العصر .
ص: 10
ثم استدعى بعكرمة وسأله عن ذلك ، فقال : كان بزوغ الشمس أخذها ، فأنفذها من ساعته إلى بيت فاطمة عليهاالسلام .
ثم أقبل على عمير وقال له : أراك قد إصفرّ لونك ، وتغيّرت أحوالك ! قال : أقول الحقّ ، ولا يفلح غادر ، وبيت اللّه ما كان لي عند محمد صلى الله عليه و آله وديعة ، وأنّهما حملاني على ذلك ، وهذه دنانيرهم ، وعقد هند عليها اسمها مكتوب .
ثم قال علي عليه السلام : إئتوني بالسيف الذي في زاوية الدار ، فأخذه وقال : أتعرفون هذا السيف ؟ فقالوا : هذا لحنظلة ، فقال أبو سفيان : هذا مسروق ، فقال عليه السلام : إن كنت صادقا في قولك ، فما فعل عبدك مهلع الأسود ؟ قال : مضى إلى الطائف في حاجة لنا ، فقال عليه السلام : هيهات أن يعود تراه ! إبعث إليه أحضره إن كنت صادقا ، فسكت أبو سفيان .
ثم قام في عشرة عبيد لسادات قريش ، فنبشوا بقعة عرفها ، فإذا فيها العبد مهلع قتيل ، فأمرهم بإخراجه ، فأخرجوه وحملوه إلى الكعبة ، فسأله الناس عن سبب قتله ، فقال : إنّ أبا سفيان وولده ضمنوا له رشوة عتقه ، وحثّاه على قتلي ، فكمن لي في الطريق ، ووثب عليّ ليقتلني ، فضربت رأسه ، وأخذت سيفه ، فلمّا بطلت حيلتهم أرادوا الحيلة الثانية بعمير .
فقال عمير : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
أبو داود وابن ماجة في سننهما ، وابن بطّة في الإبانة ، وأحمد في فضائل الصحابة ، وأبو بكر مردويه في كتابه بطرق كثيرة عن زيد بن أرقم :
ص: 11
أنّه قيل للنبي صلى الله عليه و آله : أتى إلى علي عليه السلام باليمن ثلاثة نفر يختصمون في ولدهم ، كلّهم يزعم أنّه وقع على أمّه في طهر واحد ، وذلك في الجاهلية ، فقال علي عليه السلام : إنّهم شركاء متشاكسون ، فقرع على الغلام باسمهم ، فخرجت لأحدهم ، فألحق الغلام به ، وألزمه ثلثي الديّة لصاحبيه ، وزجرهما عن مثل ذلك .
فقال النبي صلى الله عليه و آله : الحمد للّه الذي جعل فينا أهل البيت من يقضي على سنن داود(1) .
أحمد بن حنبل في المسند ، وأحمد بن منيع في أماليه بإسنادهما إلى حماد بن سلمة عن سماك عن حبيش بن المعتمر ، وقد رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام ، واللّفظ له :
أنّه قضى أمير المؤمنين عليه السلام في أربعة نفر إطلعوا على زبية الأسد(2) ، فخرّ أحدهم ، فاستمسك الثاني بالثالث ، واستمسك الثالث بالرابع .
ص: 12
فقضى عليه السلام بالأول فريسة الأسد ، وغرّم أهله ثلث الديّة لأهل الثاني ، وغرّم أهل الثاني لأهل الثالث ثلثي الديّة ، وغرّم أهل الثالث لأهل الرابع الديّة كاملة .
وانتهى الخبر إلى النبي صلى الله عليه و آله بذلك ، فقال صلى الله عليه و آله : لقد قضى أبو الحسن فيهم بقضاء اللّه فوق عرشه(1) .
أبو عبيد في غريب الحديث ، وابن مهدي في نزهة الأبصار عن الأصبغ بن نباتة :
أنّه قضى عليه السلام في القارصة(2) ، والقامصة(3) ، والواقصة(4) ، وهن ثلاث جوار كن يلعبن ، فركبت إحداهن صاحبتها ، فقرصتها الثالثة ، فقمصت المركوبة ، فوقعت الراكبة فوقصت عنقها ، فقضى بالديّة أثلاثا ، وأسقط حصّة الراكبة لما أعانت على نفسها .
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و آله فاستصوبه(5) .
ص: 13
وقضى عليه السلام في قوم وقع عليهم حائط فقتلهم ، وكان في جماعتهم إمرأة مملوكة ، وأخرى حرّة ، وكان للحرّة ولد طفل من حرّ ، وللجارية المملوكة طفل من مملوك ، فلم يعرف الحرّ من الطفلين من المملوك ، فقرع بينهما ، وحكم بالحرّية لمن خرج سهم الحرّية عليه ، وحكم في ميراثهما بالحكم في الحرّ ومولاه ، فأمضى النبي صلى الله عليه و آله ذلك(1) .
مصعب بن سلام عن الصادق عليه السلام : أنّ رجلين إختصما إلى النبي صلى الله عليه و آلهفي بقرة قتلت حمارا ، فقال صلى الله عليه و آله : إذهبا إلى أبي بكر واسألاه عن ذلك ، فلمّا سألاه ، قال : بهيمة قتلت بهيمة لا شيء على ربّها .
فأخبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأشار بهما إلى عمر ، فقال كما قال أبو بكر .
فأخبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بذلك ، فقال صلى الله عليه و آله : إذهبا إلى علي عليه السلام ، فكان قوله عليه السلام : إن كانت البقرة دخلت على الحمار في مأمنه ، فعلى ربّها قيمة الحمار لصاحبه ، وإن كان الحمار دخل على البقرة في مأمنها فقتلته ، فلا غرم على صاحبها .
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لقد قضى بينكما بقضاء اللّه (2) .
ص: 14
في أحاديث البصريين عن أحمد عن جابر ، قال معاوية بن قرّة عن رجل من الأنصار : أنّ رجلاً أوطأ بعيره أدحي(1) نعّام فكسر بيضها ، فانطلق إلى علي عليه السلام ، فسأله عن ذلك ، فقال له علي عليه السلام : عليك بكلّ بيضة جنين ناقة ، أو ضراب ناقة .
فانطلق إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فذكر ذلك له ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : قد قال علي عليه السلام بما سمعت ، ولكن هلمّ إلى الرخصة عليك بكلّ بيضة صوم يوم ، أو طعام مسكين(2) .
جابر وابن عباس : أنّ أبي بن كعب قرأ عند النبي صلى الله عليه و آله : « وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً » ، فقال النبي صلى الله عليه و آله لقوم عنده ، وفيهم أبو بكر ، وعبيدة ، وعمر ، وعثمان ، وعبد الرحمن : قولوا الآن : ما أوّل نعمة رغّبكم(3) اللّه بها ، وبلاكم بها ؟
فخاضوا من المعاش والرياش والذرّيّة والأزواج ، فلمّا أمسكوا ، قال : يا أبا الحسن ، قل .
فقال عليه السلام : إنّ اللّه خلقني ولم أك شيئا مذكورا ، وأن أحسن بي ، فجعلني
ص: 15
حيّا لا مواتا ، وأن أنشأني - فله الحمد - في أحسن صورة ، وأعدل تركيب ، وأن جعلني متفكّرا واعيا لا أبله ساهيا ، وأن جعل لي شواعرا أدرك بها ما ابتغيت ، وجعل فيّ سراجا منيرا ، وأن هداني لدينه ، ولن يضلّني عن سبيله ، وأن جعل لي مردّا في حياة لا إنقطاع لها ، وأن جعلني ملكا مالكا لا مملوكا ، وأن سخّر لي سمائه وأرضه ، وما فيهما ، وما بينهما من خلقه ، وأن جعلنا ذكرانا قوّاما على حلائلنا لا إناثا .
وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول في كلّ كلمة : صدقت ، ثم قال : فما بعد هذا ؟ فقال علي عليه السلام : « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها » .
فتبسّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقال: ليهنئك الحكمة ، ليهنئك العلم ، يا أبا الحسن، أنت وارث علمي ، والمبيّن لأمّتي ، ما اختلفت فيه من بعدي(1) . . الخبر .
الحلية أبو صالح الحنفي عن علي عليه السلام قال : قلت : يا رسول اللّه أوصني ، قال : قل ربّي اللّه ثم استقم ، قال : قلت ربّي اللّه ، وما توفيقي إلاّ باللّه عليه
توكّلت وإليه أنيب ، فقال : ليهنئك العلم يا أبا الحسن ، لقد شربت العلم شربا ، ونهلته نهلاً(2) .
ص: 16
فضائل أحمد إسماعيل بن عياش بإسناده عن علي عليه السلام : قضى في عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأعجب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : الحمد للّه الذي جعل
الحكمة فينا أهل البيت .
ولنا(1) :
العلم قالوا لعلي ولا
ملك له واستكبروا تيها
ما سلّموا للّه في نصبه
قل لمن الأرض ومن فيها
* * *
وقال الحميري :
وإنّ عليا قال في الصيد قبل أن
ينزل في التنزيل ما كان أوجبا
قضى فيه قبل الوحي خير قضيّة
فأنزلها الرحمن حقّا مرتّبا
على قاتل الصيد الحرام كمثله
من النعم المفروض كان معقّبا
إلى البيت بيت اللّه معتمدا
إذا تعمّده كيلا يعود فيعطبا
* * *
ص: 17
ص: 18
ص: 19
ص: 20
الخاصّة والعامّة : أنّ أبا بكر أراد أن يقيم الحدّ على رجل شرب الخمر ، فقال الرجل : إنّي شربتها ولا علم لي بتحريمها ، فارتجّ(1) عليه .
فأرسل إلى علي عليه السلام يسأله عن ذلك ، فقال : مر نقيبين من رجال المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين والأنصار ، وينشدانهم هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم ، أو أخبره بذلك عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فإن شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحدّ عليه ، وإن لم يشهد أحد بذلك ، فاستتبه وخلّ سبيله ، وكان الرجل صادقا في مقاله ، فخلّى سبيله(2) .
وسأله آخر عن رجل تزوّج بإمرأة بكر ، فولدت عشيّة ، فحاز ميراثه الابن والأم ، فلم يعرف .
فقال علي عليه السلام : هذا رجل له جارية حبلى منه ، فلمّا تمخّضت مات الرجل .
ص: 21
وجاء آخر برجل فقال : إنّ هذا ذكر أنّه احتلم بأمّي ، فدهش ، فقال عليه السلام : إذهب به فأقمه في الشمس وحدّ ظلّه ، فإنّ الحلم مثل الظلّ ، ولكنّا سنضربه حتى لا يعود يؤذي المسلمين(1) .
أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : أراد قوم على عهد أبي بكر أن يبنوا مسجدا بساحل عدن ، فكان كلّما فرغوا من بنائه سقط ، فعادوا إليه ، فسألوه ، فخطب وسأل الناس وناشدهم إن كان عند أحد منكم علم هذا فليقل !
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : احتفروا في ميمنته وميسرته في القبلة ، فإنّه يظهر لكم قبران مكتوب عليهما : أنا رضوى ، وأختي حبّى ، متنا لا نشرك باللّه العزيز الجبار ، وهما مجرّدتان ، فاغسلوهما وكفّنوهما وصلّوا عليهما وادفنوهما ، ثم ابنوا مسجدكم ، فإنّه يقوم بناؤه ، ففعلوا ذلك ، فكان كما قال(2) عليه السلام .
قال ابن حماد :
وقال للقوم إمضوا الآن فاحتفروا
أساس قبلتكم تفضوا إلى حزن
ص: 22
عليه لوح من العقيان محتفر
فيه بخطّ من الياقوت مندفن
نحن ابنتا تبّع ذي الملك من يمن
حبّى ورضوى بغير الحقّ لم ندن
متنا على ملّة التوحيد لم نك من
صلّى إلى صنم كلاّ ولا وثن
* * *
وسأله نصرانيان : ما الفرق بين الحبّ والبغض ؟ ومعدنهما واحد ؟ وما الفرق بين الرؤيا الصادقة والرؤيا الكاذبة ؟ ومعدنهما واحد ؟
فأشار إلى عمر ، فلمّا سألاه أشار إلى علي عليه السلام ، فلمّا سألاه عن الحبّ والبغض ، قال : إنّ اللّه - تعالى - خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، فأسكنها الهواء ، فمهما تعارف هناك اعترف هاهنا ، ومهما تناكر هناك اختلف هاهنا .
ثم سألاه عن الحفظ والنسيان ، فقال : إنّ اللّه - تعالى - خلق ابن آدم وجعل لقلبه غاشية ، فمهما مرّ بالقلب والغاشية منفتحة حفظ وحصا ، ومهما مرّ بالقلب والغاشية منطبقة لم يحفظ ، ولم يحص .
ثم سألاه عن الرؤيا الصادقة والرؤيا الكاذبة ، فقال عليه السلام : إنّ اللّه - تعالى - خلق الروح وجعل لها سلطانا ، فسلطانها النفس ، فإذا نام العبد خرج الروح وبقي سلطانه ، فيمرّ به جيل من الملائكة ، وجيل من الجنّ ، فمهما كان من الرؤيا الصادقة فمن الملائكة ، ومهما كان من الرؤيا الكاذبة فمن الجنّ ، فأسلما على يده وقتلا معه يوم صفين .
ص: 23
ابن جريح عن الضحاك عن ابن عباس : أنّ النبي صلى الله عليه و آله اشترى من أعرابي ناقة بأربعمائة درهم ، فلمّا قبض الأعرابي المال صاح : الدراهم والناقة لي .
فأقبل على أبو بكر ، فقال : إقض فيما بيني وبين الأعرابي ، فقال : القضية واضحة تطلب البيّنة .
فأقبل عمر ، فقال كالأول .
فأقبل علي عليه السلام فقال : أتقبل الشاب المقبل ؟ قال : نعم ، فقال الأعرابي : الناقة ناقتي والدراهم دراهمي ، فإن كان بمحمد شيئا فليقم البيّنة على ذلك ، فقال عليه السلام : خلّ عن الناقة وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله - ثلاث مرات - ، فاندفع ، فضربه ضربة ، فاجتمع أهل الحجاز أنّه رمى برأسه ، وقال بعض أهل العراق : بل قطع منه عضوا ، فقال : يا رسول اللّه ، نصدّقك على الوحي ولا نصدّقك على أربعمائة درهم !
وفي خبر عن غيره : فالتفت النبي صلى الله عليه و آله إليهما ، فقال : هذا حكم اللّه لا ما حكمتما به .
ذكره ابن بابويه في الأمالي ، ومن لا يحضره الفقيه .
ورواية أخرى في حكومة أعرابي آخر - تسعين درهما عن الصادق عليه السلام - قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا علي ، أقتلت الأعرابي ؟ قال : لأنّه كذّبك يا رسول اللّه ، ومن كذّبك فقد حلّ دمه(1) .
ص: 24
فتيا الجاحظ وتفسير الثعلبي : أنّه سئل أبو بكر عن قوله تعالى : « وَفاكِهَةً وَأَبًّا » ، فقال : أيّ سماء تظلّني ؟! أو أيّة أرض تقلّني ؟! أم أين أذهب ؟! أم كيف أصنع ؟! إذا قلت في كتاب اللّه بما لم أعلم !! أمّا الفاكهة فأعرفها ، وأمّا الأبّ فاللّه أعلم(1) .
وفي روايات أهل البيت عليهم السلام : أنّه بلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : إنّ الأبّ هو الكلأ والمرعى ، وإنّ قوله « وَفاكِهَةً وَأَبًّا » اعتداد من اللّه[ بإنعامه ] على خلقه فيما غذاهم به ، وخلقه لهم ولأنعامهم ممّا يحيى به أنفسهم(2) .
وسأل رسول ملك الروم أبا بكر عن رجل لا يرجو الجنّة ، ولا يخاف النار ، ولا يخاف اللّه ، ولا يركع ، ولا يسجد ، ويأكل الميتة والدم ، ويشهد بما لا يرى ، ويحبّ الفتنة ، ويبغض الحقّ ! فلم يجبه .
فقال عمر : إزددت كفرا إلى كفرك .
فأخبر بذلك علي عليه السلام ، فقال : هذا رجل من أولياء اللّه ، لا يرجو الجنّة ، ولا يخاف النار ، ولكن يخاف اللّه ، ولا يخاف اللّه من ظلمه ، وإنّما يخاف من
ص: 25
عدله ، ولا يركع ولا يسجد في صلاة الجنازة ، ويأكل الجراد والسمك ، ويأكل الكبد ، ويحبّ المال والولد « أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ » ، ويشهد بالجنّة والنار ، وهو لم يرها ، ويكره الموت وهو حقّ .
وفي مقال : لي ما ليس للّه ، فلي صاحبة وولد ، ومعي ما ليس مع اللّه ، معي ظلم وجور ، ومعي ما لم يخلق اللّه ، فأنا حامل القرآن ، وهو غير مفتري ، وأعلم ما لم يعلم اللّه ، وهو قول النصارى : أنّ عيسى ابن اللّه ، وصدّق النصارى واليهود في قولهم « وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ .. » الآية(1) .
وكذّب الأنبياء والمرسلين ، كذّب إخوة يوسف عليهم السلام حيث قالوا : أكله الذئب ، وهم أنبياء اللّه ومرسلون إلى الصحراء ، وأنا أحمد النبي ، أحمده ، وأنا عليّ ، عليّ في قومي ، وأنا ربّكم ، أرفع وأضع ربّ كمّي أرفعه وأضعه .
وسأله عليه السلام رأس الجالوت بعد ما سأل أبا بكر ، فلم يعرف : ما أصل الأشياء ؟ فقال عليه السلام : هو الماء ، لقوله تعالى « وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ » .
وما جمادان تكلّما ؟ فقال : هما السماء والأرض .
وما شيئان يزيدان وينقصان ، ولا يرى الخلق ذلك ؟ فقال : هما الليل والنهار .
ص: 26
وما الماء الذي ليس من أرض ولا سماء ؟ فقال : الماء الذي بعث سليمان إلى بلقيس ، وهو عرق الخيل إذا هي أجريت في الميدان .
وما الذي يتنفّس بلا روح ؟ فقال : « وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ » .
وما القبر الذي سار بصاحبه ؟ فقال : ذاك يونس لمّا سار به الحوت في البحر(1) .
قال ابن حماد :
علم الذي قد كان أو هو كائن
والعلم فيه مقسّم ومجمّع
كم مشكل أعيى على حسّاده
حتى إذا بلغوا به وتسكّعوا(2)
لجأوا إليه أذلّة فأنارهحتى غدت ظلماؤه تتقشّع
وهو الغنيّ بعلمه عن غيرهوالخلق مفتقر إليه أجمع
* * *
وقال غيره :
وكيف يعدله قوم وإن علموا
علما وما بلغوا معشار ما علما
أو كيف يعدله في الحرب معتدل
قوم إذا نكلوا عنها مضى قدما
* * *
ص: 27
ص: 28
ص: 29
ص: 30
إثبات النصّ : إنّ غلاما طلب مال أبيه من عمر ، وذكر أنّ والده توفي بالكوفة والولد طفل بالمدينة ، فصاح عليه عمر وطرده ، فخرج يتظلّم منه ، فلقيه علي عليه السلام وقال : ائتوني به إلى الجامع حتى أكشف أمره ، فجيء به ، فسأله عن حاله ، فأخبره بخبره ، فقال علي عليه السلام : لأحكمن فيكم بحكومة حكم اللّه بها من فوق سبع سماواته ، لا يحكم بها إلاّ من ارتضاه لعلمه .
ثم استدعى بعض أصحابه وقال : هات محفرة ، ثم قال : سيروا بنا إلى قبر والد الصبي ، فساروا ، فقال : احفروا هذا القبر وانبشوه ، واستخرجوا لي ضلعا من أضلاعه ، فدفعه إلى الغلام ، فقال له : شمّه .
فلمّا شمّه انبعث الدم من منخريه ، فقال عليه السلام : إنّه ولده ، فقال عمر : بانبعاث الدم تسلّم إليه المال ! فقال : إنّه أحقّ بالمال منك ومن سائر الخلق أجمعين .
ثم أمر الحاضرين بشمّ الضلع ، فشمّوه فلم ينبعث الدم من واحد منهم ، فأمر أن أعيد إليه ثانية ، وقال شمّه ، فلمّا شمّه انبعث الدم انبعاثا كثيرا ، فقال عليه السلام : إنّه أبوه ، فسلّم إليه المال ، ثم قال : واللّه ما كذبت ولا كذبت .
ص: 31
وأتي إليه برجل وامرأة ، فقال الرجل لها : يا زانية ! فقالت : أنت أزنى منّي ، فأمر بأن يجلدا ، فقال علي عليه السلام : لا تعجلوا ! على المرأة حدّان وليس على الرجل شيء منها ، حدّ لفريتها ، وحدّ لإقرارها على نفسها ، لأنّها قذفته ، إلاّ أنّها تضرب ولا تضرب بها الغاية .
عمرو بن داود عن الصادق عليه السلام : أنّ عقبة بن أبي عقبة مات ، فحضر جنازته علي عليه السلام وجماعة من أصحابه ، وفيهم عمر ، فقال علي عليه السلام لرجل كان حاضرا : إنّ عقبة لمّا توفى حرمت امرأتك ، فاحذر أن تقربها .
فقال عمر : كلّ قضاياك - يا أبا الحسن - عجيب ! وهذه من أعجبها ! يموت الإنسان فتحرم على آخر امرأته ! فقال : نعم ، إنّ هذا عبد كان لعقبة تزوّج امرأة حرّة ، وهي اليوم ترث بعض ميراث عقبة ، فقد صار بعض زوجها رقّا لها ، وبضع المرأة حرام على عبدها حتى تعتقه ويتزوّجها .
فقال عمر : لمثل هذا نسألك عمّا اختلفنا فيه(1) .
روض الجنان عن أبي الفتوح الرازي : أنّه حضر عنده أربعون نسوة وسألنه عن شهوة الآدمي ، فقال : للرجل واحد وللمرأة تسعة ، فقلن :
ص: 32
ما بال الرجال لهم دوام ومتعة وسراري بجزء من تسعة ، ولا يجوز لهن إلاّ زوج واحد مع تسعة أجزاء ؟ فافحم .
فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فأمر أن تأتي كلّ واحدة منهن بقارورة من ماء ، وأمرهن بصبّها في إجانة ، ثم أمر كلّ واحدة منهن تغرف ماءها ، فقلن : لا يتميّز ماؤنا !
فأشار عليه السلام أن لا يفرّقن بين الأولاد ، وإلاّ لبطل النسب والميراث .
وفي رواية يحيى بن عقيل : إنّ عمر قال : لا أبقاني اللّه بعدك يا علي .
وجاءت امرأة إليه فقالت :
ما ترى أصلحك اللّه
وأثرى لك أهلا
في فتاة ذات بعل
أصبحت تطلب بعلا
بعد إذن من أبيها
أترى ذلك حلاّ
* * *
فأنكر ذلك السامعون ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : احضريني بعلك ، فأحضرته ، فأمره بطلاقها ففعل ، ولم يحتجّ لنفسه بشيء ، فقال عليه السلام : إنّه عنين ، فأقرّ الرجل بذلك ، فأنكحها رجلاً من غير أن تقضي عدّة .
أبو بكر الخوارزمي : إذا عجز الرجال عن الإمتاع(1) فتطليق الرجال إلى النساء .
ص: 33
الرضا عليه السلام : قضى أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة محصنة فجر بها غلام صغير ، فأمر عمر أن ترجم ، فقال عليه السلام : لا يجب الرجم ، إنّما يجب الحدّ ، لأنّ الذي فجر بها ليس بمدرك .
وأمر عمر برجل يمني محصن فجر بالمدينة أن يرجم ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لا يجب عليه الرجم ، لأنّه غائب عن أهله ، وأهله في بلد آخر ، إنّما يجب عليه الحدّ .
فقال عمر : لا أبقاني اللّه لمعضلة لم يكن لها أبو الحسن .
عمرو بن شعيب ، والأعمش ، وأبو الضحى ، والقاضي ، وأبو يوسف عن مسروق : أتي عمر بامرأة أنكحت في عدّتها ففرّق بينهما ، وجعل صداقها في بيت المال ، وقال : لا أجيز مهرا ردّ نكاحه ، وقال : لا تجتمعان أبدا .
فبلغ ذلك عليا عليه السلام فقال : وإن كانوا جهلوا السنّة ، لها المهر بما استحل من فرجها ، ويفرّق بينهما ، فإذا انقضت عدّتها فهو خاطب من الخطاب .
فخطب عمر الناس ، فقال : ردّوا الجهالات إلى السنّة ، ورجع عمر إلى قول علي عليه السلام(1) .
ص: 34
ومن ذلك ذكر الجاحظ عن النظّام في كتاب الفتيا ما ذكر عمرو بن داود عن الصادق عليه السلام قال : كان لفاطمة عليهاالسلام جارية يقال لها « فضّة » ، فصارت من بعدها لعلي عليه السلام ، فزوّجها من أبي ثعلبة الحبشي ، فأولدها ابنا ، ثم مات عنها أبو ثعلبة ، وتزوّجها من بعده أبو مليك الغطفاني ، ثم توفي ابنها من أبي ثعلبة ، فامتنعت من أبي مليك أن يقربها ، فاشتكاها إلى عمر ، وذلك في أيامه .
فقال لها عمر : ما يشتكي منك أبو مليك يا فضّة ؟ فقالت : أنت تحكم في ذلك وما يخفى عليك .
قال عمر : ما أجد لك رخصة ، قالت : يا أبا حفص ، ذهب بك المذاهب ، إنّ ابني من غيره مات ، فأردت أن استبرئ نفسي بحيضة ، فإذا أنا حضت علمت أنّ ابني مات ولا أخ له ، وإن كنت حاملاً كان الولد في بطني أخوه .
فقال عمر : شعرة من آل أبي طالب أفقه من عدي(1) .
الأصبغ بن نباتة : إنّ عمر حكم على خمسة نفر في زنا بالرجم ، فخطّاه أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك ، وقدّم واحدا فضرب عنقه ، وقدّم الثاني
ص: 35
فرجمه ، وقدم الثالث فضربه الحدّ ، وقدّم الرابع فضربه نصف الحدّ - خمسين جلدة - ، وقدّم الخامس فعزّره .
فقال عمر : كيف ذلك ! فقال عليه السلام : أمّا الأوّل فكان ذميّا زنى بمسلمة ، فخرج عن ذمّته ، وأمّا الثاني فرجل محصن زنى فرجمناه ، وأمّا الثالث فغير محصن فضربناه الحدّ ، وأمّا الرابع فعبد زنى فضربناه نصف الحدّ ، وأمّا الخامس فمغلوب على عقله مجنون فعزّرناه .
فقال عمر : لا عشت في أمّة لست فيها يا أبا الحسن(1) .
حدائق أبي تراب الخطيب ، وكافي الكليني ، وتهذيب أبي جعفر عن عاصم بن ضمرة : أنّ غلاما وامرأة أتيا عمر ، فقال الغلام : هذه - واللّه - أمّي حملتني في بطنها تسعا ، وأرضعتني حولين كاملين ، فانتفت منّي وطردتني ، وزعمت أنّها لا تعرفني ، فأتوا بها مع أربعة إخوة لها وأربعين قسامة يشهدون لها أنّ هذا الغلام مدّع ظلوم يريد أن يفضحها في عشيرتها ، وأنّها بخاتم ربّها لم يتزوّج بها أحد ، فأمر عمر بإقامة الحدّ عليه .
فرأى عليا عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين عليه السلام ، احكم بيني وبين أمّي ، فجلس عليه السلام موضع النبي صلى الله عليه و آله فقال : لك وليّ ؟ قالت : نعم ، هؤلاء أربعة إخوتي .
ص: 36
فقال : حكمي عليكم جائز وعلى أختكم ؟
قالوا : نعم .
قال : أشهد اللّه وأشهد من حضر أنّي زوّجت هذه الامرأة من هذا الغلام بأربعمائة درهم ، والنقد من مالي ، يا قنبر عليّ بالدراهم ، فأتاه بها ، فقال : خذها فصبّها في حجر امرأتك ، وخذ بيدها إلى المنزل .
فصاحت المرأة الأمان يا بن عم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ! هذا - واللّه - ولدي ، زوّجني إخوتي هجينا(1) ، فولدت منه هذا ، فلمّا بلغ وترعرع أنفوا ، وأمروني أن أنتفي منه وخفت منهم ، فأخذت بيد الغلام فانطلقت به .
فنادى عمر : لولا علي عليه السلام لهلك عمر(2) .
قال ابن حماد :
قال الإمام فولّيني ولاك لكي
أقرر الحكم قالت أنت تملكني
فقال قومي لقد زوّجته بك قم
فادخل بزوجك يا هذا ولا تشن
فحين شدّ عليها كفّه هتفت
أتستحل ترى بابنى تزوّجني
إنّي من أشرف قومي نسبة وأبو
هذا الغلام مهين في العشير دني
فكنت زوّجته سرّا فأولدني
هذا ومات وأمري فيه لم يبن
فظلت أكتمه أهلي ولو علموا
لكان كلّ امرئ منهم يعيّرني
* * *
ص: 37
ورووا أنّه أتي بحامل قد زنت ، فأمر برجمها ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : هب لك سبيل عليها ، فهل لك سبيل على ما في بطنها ! واللّه تعالى يقول « وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى » .
قال : فماذا أصنع بها ؟ قال : احتط عليها حتى تلد ، فإذا ولدت ووجدت لولدها من يكفله فأقم الحدّ عليها ، فلمّا ولدت ماتت .
فقال عمر : لولا علي لهلك عمر(1) .
قال الأصفهاني :
وبرجم أخرى مثقل في بطنها
طفل سويّ الخلق أو طفلان
نودوا ألا انتظروا فإن كانت زنت
فجنينها في البطن ليس بزاني
* * *
المنهال عن عبد الرحمن بن عائد الأزدي قال : أتي عمر بن الخطاب بسارق فقطعه ، ثم أتي به الثانية فقطعه ، ثم أتي به الثالثة ، فأراد قطعه ، فقال علي عليه السلام : لا تفعل قد قطعت يده ورجله ، ولكن احبسه(2) .
ص: 38
إحياء علوم الدين عن الغزالي : أنّ عمر قبّل الحجر ، ثم قال : إنّي لأعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع ، ولولا أنّي رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقبّلك لما قبّلتك ، فقال علي عليه السلام : بل هو يضرّ وينفع ، فقال : وكيف ؟ قال : إنّ اللّه - تعالى - لمّا أخذ الميثاق على الذرّيّة كتب اللّه عليهم كتابا ، ثم ألقمه هذا الحجر ، فهو يشهد للمؤمن بالوفاء ، ويشهد على الكافر بالجحود .
قيل : فذلك قول الناس عند الإستلام : اللّهم إيمانا بك ، وتصديقا بكتابك ، ووفاء بعهدك ، هذا ما رواه أبو سعيد الخدري(1) .
وفي رواية شعبة عن قتادة عن أنس : فقال له علي عليه السلام : لا تقل ذلك ، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما فعل فعلاً ، ولا سنّ سنّة إلاّ عن أمر اللّه نزل على حكمه . . وذكر باقي الحديث(2) .
فضائل العشرة : أنّه أتي عمر بابن أسود انتفى منه أبوه ، فأراد عمر أن يعزّره ، فقال علي عليه السلام للرجل : هل جامعت أمّه في حيضها ؟ قال : نعم ، قال : فلذلك سوّده اللّه .
ص: 39
فقال عمر : لولا علي لهلك عمر .
وفي رواية الكلبي : قال أمير المؤمنين عليه السلام : فانطلقا ، فإنّه ابنكما ، وإنّما غلب الدم النطفة(1) . . الخبر .
القاضي النعمان في شرح الأخبار عن عمر بن حماد القتاد بإسناده عن أنس قال : كنت مع عمر بمنى إذ أقبل أعرابي ومعه ظهر(2) ، فقال لي عمر : سله هل يبيع الظهر ؟ فقمت إليه فسألته ، قال : نعم .
فقام إليه فاشترى منه أربعة عشر بعيرا ، ثم قال : يا أنس ، إلحق هذا الظهر ، فقال الأعرابي : جرّدها من أحلاسها(3) وأقتابها ، فقال عمر : إنّما اشتريتها بأحلاسها وأقتابها .
فاستحكما عليا عليه السلام فقال : كنت اشترطت عليه أقتابها وأحلاسها ؟ فقال عمر : لا .
قال : فجردّها له ، فإنّما لك الإبل .
فقال عمر : يا أنس ، جرّدها وادفع أقتابها وأحلاسها إلى الأعرابي وألحقها بالظهر ، ففعلت(4) .
ص: 40
وفيه عن يزيد بن أبي خالد بإسناده إلى طلحة بن عبد اللّه قال : أتي عمر بمال فقسمه بين المسلمين ، ففضلت منه فضلة ، فاستشار فيها من حضره من الصحابة ، فقالوا : خذها لنفسك ، فإنّك إن قسمتها لم يصب كلّ رجل منها(1) إلاّ ما[ لا ] يلتفت إليه !
فقال علي عليه السلام : اقسمها أصابهم من ذلك ما أصابهم ، فالقليل في ذلك والكثير سواء .
[ فقسمها عمر ] ، ثم التفت إلى علي عليه السلام فقال : ويد لك مع أياد لم أجزك بها(2)(3) .
وفيه وقال أبو عثمان النهدي(4) : جاء رجل إلى عمر فقال : إنّي طلّقت امرأتي في الشرك تطليقة ، وفي الإسلام تطليقتين ، فما ترى ؟
فسكت عمر ، فقال له الرجل : ما تقول ؟ قال : كما أنت حتى يجيء علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
ص: 41
فجاء علي عليه السلام فقال : قصّ عليه(1) قصّتك ، فقصّ عليه القصّة ، فقال
علي عليه السلام : هدم الإسلام ما كان قبله ، هي عندك على واحدة(2) .
أبو القاسم الكوفي والقاضي النعمان في كتابيهما قالا : رفع إلى عمر أنّ عبدا قتل مولاه ، فأمر بقتله ، فدعاه علي عليه السلام فقال له : أقتلت مولاك ؟
قال : نعم ، قال : فلم قتلته ؟
قال : غلبني على نفسي ، وأتاني في ذاتي .
فقال لأولياء المقتول : أدفنتم وليّكم ؟
قالوا : نعم ، قال : ومتى دفنتموه ؟
قالوا : الساعة ، قال لعمر : احبس هذا الغلام ، فلا تحدث فيه حدثا حتى تمرّ ثلاثة أيام ، ثم قال لأولياء المقتول : إذا مضت ثلاثة أيام فاحضرونا .
فلمّا مضت ثلاثة أيام حضروا ، فأخذ علي عليه السلام بيد عمر وخرجوا ، ثم وقف على قبر الرجل المقتول ، فقال علي عليه السلام لأوليائه : هذا قبر صاحبكم ؟ قالوا : نعم ، قال احفروا ، فحفروا حتى انتهوا إلى اللحد ، فقال : أخرجوا ميّتكم ، فنظروا إلى أكفانه في اللحد ، ولم يجدوه ، فأخبروه بذلك .
ص: 42
فقال علي عليه السلام : اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، واللّه ما كذبت ولا كذبت ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : من يعمل من أمّتي عمل قوم لوط ثم يموت على ذلك ، فهو مؤجل إلى أن يوضع في لحده ، فإذا وضع فيه لم يمكث أكثر من ثلاث حتى تقذفه الأرض إلى جملة قوم لوط المهلكين ، فيحشر معهم(1) .
وذكر فيهما عمر بن حماد بإسناده عن عبادة بن الصامت قال : قدم قوم من الشام حجّاجا ، فأصابوا أدحي نعامة فيه خمس بيضات ، وهم محرمون ، فشووهن وأكلوهن ، ثم قالوا : ما أرانا إلاّ وقد أخطأنا ، وأصبنا الصيد ونحن محرمون ، فأتوا المدينة ، وقصّوا على عمر القصّة .
فقال : انظروا إلى قوم من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله فاسألوهم عن ذلك ليحكموا فيه ، فسألوا جماعة من الصحابة ، فاختلفوا في الحكم في ذلك ، فقال عمر : إذا اختلفتم فها هنا رجل كنّا أمرنا إذا اختلفنا في شيء فيحكم فيه .
فأرسل إلى امرأة يقال لها « عطية » ، فاستعار منها أتانا(2) ، فركبها وانطلق بالقوم معه حتى أتى عليا عليه السلام ، وهو بينبع ، فخرج إليه علي عليه السلام
فتلقّاه ، ثم قال له : هلاّ أرسلت الينا فنأتيك !!! فقال عمر : الحكم يؤتى في بيته ، فقصّ عليه القوم .
ص: 43
فقال علي عليه السلام لعمر : مرهم فليعمدوا إلى خمس قلائص(1) من الإبل فليطرقوها للفحل ، فإذا نتجت اهدوا ما نتج منها جزاء عمّا أصابوا .
فقال عمر : يا أبا الحسن ، إنّ الناقة قد تجهض .
فقال علي عليه السلام : وكذلك البيضة قد تمرق(2) ، فقال عمر : فلهذا أمرنا أن نسألك(3) .
وروي من اختلافهم في امرأة المفقود ، فذكروا أنّ عليا عليه السلام حكم بأنّها لا تتزوّج حتى يجيء نعي موته ، وقال : هي امرأة ابتليت فلتصبر ، وقال عمر : تتربّص أربع سنين ، ثم يطلّقها ولي زوجها ، ثم تتربّص أربعة أشهر وعشرا ، ثم رجع إلى قول علي(4) عليه السلام .
وكان الهيثم في جيش ، فلمّا جاء جاءت امرأته بعد قدومه بستّة أشهر بولد ، فأنكر ذلك منها ، وجاء به عمر وقصّ عليه ، فأمر برجمها ، فأدركها علي عليه السلام من قبل أن ترجم ، ثم قال لعمر : أربع على نفسك ، إنّها
ص: 44
صدقت ، إنّ اللّه - تعالى - يقول « وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً » وقال « وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ » ، فالحمل والرضاع ثلاثون شهرا .
فقال عمر : لولا علي لهلك عمر ، وخلّى سبيلها ، وألحق الولد بالرجل(1) .
* * *
شرح ذلك : أقلّ الحمل أربعون يوما ، وهو زمن انعقاد النطفة ، وأقلّه لخروج الولد حيّا ستّة أشهر ، وذلك أنّ النطفة تبقى في الرحم أربعين يوما ، ثم تصير علقة أربعين يوما ، ثم تصير مضغة أربعين يوما ، ثم تتصوّر في أربعين يوما ، وتلجها الروح في عشرين يوما ، فذلك ستّة أشهر ، فيكون الفصال في أربعة وعشرين شهرا ، فيكون الحمل في ستّة أشهر .
وروى شريك وغيره : أنّ عمر أراد بيع أهل السواد ، فقال له علي عليه السلام : إنّ هذا مال أصبتم ولن تصيبوا مثله ، وإن بعتهم فبقي من يدخل في الإسلام لا شيء له ، قال : فما أصنع ؟ قال : دعهم شوكة للمسلمين ، فتركهم على أنّهم عبيد .
ثم قال علي عليه السلام : فمن أسلم منهم فنصيبي منه حرّ(2) .
ص: 45
أحمد بن عامر بن سليمان الطائي عن الرضا عليه السلام في خبر : أنّه أقرّ رجل بقتل رجل ابن رجل من الأنصار ، فدفعه عمر إليه ليقتله به ، فضربه ضربتان بالسيف حتى ظنّ أنّه هلك ، فحمل إلى منزله وبه رمق ، فبرئ الجرح بعد ستّة أشهر ، فلقيه الأب وجرّه إلى عمر ، فدفعه إليه عمر ، فاستغاث الرجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال لعمر : ما هذا الذي حكمت به على هذا الرجل ؟ فقال : النفس بالنفس ، قال : ألم يقتله مرّة ؟ قال : قد قتلته ثم عاش ، قال : فيقتل مرّتين ؟! فبهت ، ثم قال : « فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ » .
فخرج عليه السلام : فقال للأب ألم تقتله مرّة ؟ قال : بلى ، فيبطل دم ابني ، قال : لا ، ولكن الحكم أن تدفع إليه ، فيقتصّ منك مثل ما صنعت به ، ثم تقتله بدم ابنك ، قال : هو - واللّه - الموت ولابد منه ، قال : لابد أن يأخذ بحقّه ، قال : فإنّي قد صفحت عن دم ابني ، ويصفح لي عن القصاص ، فكتب بينهما كتابا بالبراءة .
فرفع عمر يده إلى السماء ، وقال : الحمد للّه أنتم أهل بيت الرحمة يا أبا الحسن ، ثم قال : لولا علي لهلك عمر .
العامّة والخاصّة : إنّ قدامة بن مظعون شرب خمرا ، فأراد عمر أن يحدّه ، فقال : إنّه لا يجب عليّ الحدّ ، لقوله تعالى « لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا » الآية ، فدرأ عنه الحدّ .
ص: 46
فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فقال : ليس قدامة من أهل هذه الآية ، ولا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرم اللّه « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ » لا يستحلّون حراما ، فاردد قدامة واستتبه ممّا قال ، فإن تاب فأقم الحدّ عليه ، وإن لم يتب فاقتله ، فقد خرج من الملّة .
فاستيقظ عمر لذلك ، فعرف قدامة الخبر فأظهر التوبة ، فحدّه عمر ثمانين(1) .
الحسن وعطا وقتادة وشعبة وأحمد : أنّ مجنونة فجر بها رجل ، وقامت البينة عليها بذلك ، فأمر عمر بجلدها ، فعلم بذلك أمير المؤمنين عليه السلام فقال : ردّوها ، وقولوا له : أما علمت أنّ هذه مجنونة آل فلان ، وأنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : رفع القلم عن المجنون حتى يفيق ، إنّها مغلوبة على عقلها ونفسها .
فقال عمر : فرّج اللّه عنك لقد كدت أهلك في جلدها(2) .
وأشار البخاري إلى ذلك في صحيحه .
وروى جماعة منهم إسماعيل بن صالح عن الحسن : أنّه استدعى امرأة كان يتحدّث عندها الرجال ، فلمّا جاءها رسله ارتاعت ، وخرجت معهم ،
ص: 47
فأملصت(1) فوقع إلى الأرض ولدها يستهلّ ثم مات .
فبلغ عمر ذلك ، فسأل الصحابة عن ذلك ، فقالوا بأجمعهم : نراك مؤدّبا ولم ترد إلاّ خيرا ، ولا شيء عليك في ذلك ، فقال : أقسمت عليك - يا أبا الحسن - لتقولنّ ما عندك ، فقال عليه السلام : إن كان القوم قاربوك فقد غشّوك ، وإن كانوا ارتأوا فقد قصّروا ، الديّة على عاقلتك ، لأنّ القتل الخطأ للصبي يتعلّق بك .
فقال : أنت - واللّه - نصحتني ، واللّه لا تبرح حتى تجري الديّة على بني عدي ، ففعل ذلك أمير المؤمنين(2) عليه السلام .
وقد أشار الغزالي إلى ذلك في الإحياء عند قوله : ووجوب الغرم على الإمام إذا كما نقل من إجهاض المرأة جنينها خوفا من عمر(3) !!
ورووا أنّ امرأتين تنازعتا على عهده في طفل ادعته كلّ واحدة منهما ولدا لها بغير بيّنة ، فغمّ عليه ، وفزع فيه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فاستدعى المرأتين ووعظهما وخوفهما ، فأقامتا على التنازع ، فقال عليه السلام : ائتوني بمنشار ، فقالتا : ما تصنع به ؟ قال : أقدّه بنصفين ، لكلّ واحدة منكما نصفه .
ص: 48
فسكتت إحداهما ، وقالت الأخرى : اللّه اللّه يا أبا الحسن ، إن كان لابد من ذلك فقد سمحت له بها ، فقال : اللّه أكبر ، هذا ابنك دونها ، ولو كان ابنها لرقّت عليه وأشفقت ، فاعترفت الأخرى بأنّ الولد لها دونها .
وهذا حكم سليمان في صغره(1) .
قيس بن الربيع عن جابر الجعفي عن تميم بن حزام الأسدي : أنّه دفع إلى عمر منازعة جاريتين تنازعتا في ابن وبنت ، فقال : أين أبو الحسن عليه السلام مفرّج الكرب ؟
فدعي له به ، فقصّ عليه القصّة ، فدعا بقارورتين فوزنهما ، ثم أمر كلّ واحدة فحلبت في قارورة ، ووزن القارورتين ، فرجحت إحداهما على الأخرى ، فقال : الابن للتي لبنها أرجح ، والبنت للتي لبنها أخفّ .
فقال عمر : من أين قلت ذلك يا أبا الحسن ؟ فقال : لأنّ اللّه جعل للذكر مثل حظّ الأنثيين .
وقد جعلت الأطباء ذلك أساسا في الاستدلال على الذكر والأنثى(2) .
وصبّت امرأة بياض البيض على فراش ضرّتها وقالت : قد بات عندها رجل، وفتّش ثيابها، فأصاب ذلك البياض، وقصّ على عمر فهمّ أن يعاقبها.
ص: 49
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ائتوني بماء حار قد أغلي غليانا شديدا ، فلمّا أتي به أمرهم فصبّوا على الموضع ، فانشوى ذلك البياض ، فرمى به إليها و « قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ » امسك عليك زوجك ، فإنّها حيلة تلك التي قذفتها فضربها الحدّ(1) .
تهذيب الأحكام زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى الله عليه و آله فقال : ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها فلا ينزل ؟ فقالت الأنصار : الماء من الماء ، وقال المهاجرون : إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل .
فقال عمر : ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال عليه السلام : أتوجبون عليه الرجم والحدّ ، ولا توجبون عليه صاعا من ماء ؟! إذا التقى الختانان وجب عليه الغسل(2) .
أبو المحاسن الروياني في الأحكام : أنّه ولد في زمانه مولودان ملتصقان أحدهما حي والآخر ميت ، فقال عمر : يفصل بينهما بحديد .
ص: 50
فأمر أمير المؤمنين عليه السلام أن يدفن الميت ويرضع الحي ، ففعل ذلك ، فتميّز الحي من الميت بعد أيام(1) .
وهمّ عمر أن يأخذ حلي الكعبة ، فقال علي عليه السلام : إنّ القرآن أنزل على النبي صلى الله عليه و آله والأموال أربعة : أموال المسلمين ، فقسّموها بين الورثة في الفرائض ، والفيئ فقسّمه على مستحقّه ، والخمس فوضعه اللّه حيث وضعه ، والصدقات فجعلها اللّه حيث جعلها ، وكان حلي الكعبة - يومئذٍ - فتركه على حاله ، ولم يتركه نسيانا ، ولم يخف عليه مكانه ، فأقرّه حيث أقرّه اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله .
فقال عمر : لولاك لافتضحنا ، وترك الحلي بمكانه(2) .
الواحدي في البسيط وابن مهدي في نزهة الأبصار بالإسناد عن ابن جبير قال : لمّا انهزم إسفيذهميار قال عمر : ما هم بيهود ولا نصارى ، ولا لهم كتاب ، وكانوا مجوسا .
ص: 51
فقال علي بن أبي طالب عليهماالسلام : بلى ، كان لهم كتاب ، ولكنّه رفع ، وذلك أنّ ملكا لهم سكر ، فوقع على ابنته - أو قال : على أخته - ، فلمّا أفاق قال : كيف الخروج منها ؟ قيل : تجمع أهل مملكتك فتخبرهم أنّك ترى ذلك حلالاً ، وتأمرهم أن يحلّوه .
فجمعهم وأخبرهم أن يتابعوه ، فأبوا أن يتابعوه ، فخدّ لهم أخدودا في الأرض ، وأوقد فيها النار ، وعرضهم عليها ، فمن أبى قبول ذلك قذفه في النار ، ومن أجاب خلّى سبيله(1) .
وروى جابر بن يزيد وعمر بن أوس وابن مسعود ، واللفظ له : إنّ عمر قال : لا أدري ما أصنع بالمجوس ، أين عبد اللّه بن عباس ؟ قالوا : ها هو ذا ، فجاء ، فقال : ما سمعت عليا عليه السلام يقول في المجوس ؟ فإن كنت لم تسمعه فاسأله عن ذلك .
فمضى ابن عباس إلى علي فسأله عن ذلك فقال « أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ » ثم أفتاه .
وأتي إليه بامرأة تزوّج بها شيخ ، فلمّا أن واقعها مات على بطنها ،
ص: 52
فجاءت بولد فأذاعوا بنوه أنّها فجرت ، فأمر برجمها ، فرآها أمير المؤمنين عليه السلام فقال : هل تعلمون أيّ يوم تزوّجها ؟ وفي أيّ يوم واقعها ؟ وكيف كان جماعه لها ؟ قالوا : لا ، قال : ردّوا المرأة .
فلمّا إن كان من الغد بعث إليها ، فجاءت ومعها ولدها ، ثم دعا أمير المؤمنين عليه السلام بصبيان أتراب ، فقال لهم : العبوا ، حتى إذا ألهاهم اللّعب صاح بهم أمير المؤمنين عليه السلام ، فقام الصبيان وقام الغلام فاتّكأ على راحتيه ، فدعا به أمير المؤمنين عليه السلام وورّثه من أبيه ، وجلد إخوته المفترين حدّا حدّا ، وقال : عرفت ضعف الشيخ باتّكاء الغلام على راحتيه حين أراد القيام(1) .
أربعين الخطيب : إنّ امرأة شهد عليها الشهود أنّهم وجدوها في بعض مياه العرب مع رجل يطأها ليس ببعل لها ، فأمر عمر برجمها ، فقالت : اللّهم أنت تعلم أنّي بريئة ، فغضب عمر ، وقال : وتجرحي الشهود أيضا !
فأمر أمير المؤمنين عليه السلام أن يسألوها ، فقالت : كان لأهلي إبل ، فخرجت في إبل أهلي ، وحملت معي ماء ، ولم يكن في إبلي لبن ، وخرج معي خليط ، وكان في إبله لبن ، فنفذ مائي فاستسقيته ، فأبى أن يسقيني حتى أمكّنه من نفسي ، فأبيت ، فلمّا كادت نفسي تخرج أمكنته من نفسي .
ص: 53
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : اللّه أكبر « فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ » « فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ »(1) .
قال ابن الأصفهاني في كلمته :
لا يهتدون لما اهتدى الهادي له
ممّا به الحكمان يشتبهان
في رجم جارية زنت مضطرّة
خوف الممات بعلّة العطشان
إذ قال ردّوها فردّت بعدما
كادت تحلّ عساكر الموتان
وبرجم أخرى والدا عن ستّة
فأتى بقصّتها من القرآن
إذ أقبلت تجري إليها أختها
حذرا على حدّ الفؤاد حصان
* * *
الخطيب في الأربعين قال ابن عباس : كنّا في جنازة ، فقال علي عليه السلام لزوج أم الغلام أمسك عن امرأتك ، فقال له عمر : ولم يمسك عن امرأته ، اخرج ممّا جئت به ؟ قال : نعم ، تريد أن تستبرئ رحمها ، فلا يلقى فيها شيء فيستوجب به الميراث من أخيه ، ولا ميراث له .
فقال عمر : أعوذ باللّه من معضلة لا علي لها(2) .
ص: 54
وفي تهذيب الأحكام : أنّه استودع رجلان امرأة وديعة ، وقالا لها : لا تدفعيها إلى واحد منّا حتى نجتمع عندك ، ثم انطلقا فغابا ، فجاء أحدهما إليها فقال : أعطيني وديعتي ، فإنّ صاحبي قد مات ، فأبت حتى كثر اختلافه ، فأعطته ، ثم جاء صاحبه ، فقال : هاتي وديعتي ، فقالت المرأة : أخذها صاحبك ، وذكر أنّك قد متّ .
فارتفعا إلى عمر ، فقال لها عمر : ما أراك إلاّ قد ضمنت ، فقالت المرأة : اجعل عليا عليه السلام بيني وبينه .
فقال علي عليه السلام : هذه الوديعة عندي ، وقد أمرتماها أن لا تدفعها إلى واحد منكما حتى تجتمعان عندها ، فائتني بصاحبك ، فلم يضمّنها ، وقال : إنّما أرادا أن يذهبا بمال المرأة(1) .
وفي أربعين الخطيب قال ابن سيرين : إنّ عمر سأل الناس وقال : كم يتزوّج المملوك ؟ وقال لعلي عليه السلام : إياك أعني يا صاحب المعافري - رداء كان عليه - قال عليه السلام : ثنتين(2) .
ص: 55
وفي غريب الحديث عن أبي عبيد أيضا : قال أبو صبرة : جاء رجلان إلى عمر ، فقالا له : ما ترى في طلاق الأمة ؟ فقام إلى حلقة فيها رجل أصلع فسأله ، فقال : إثنتان ، فالتفت إليهما فقال : إثنتان ، فقال له أحدهما : جئناك وأنت أمير المؤمنين فسألناك عن طلاق الأمة ، فجئت إلى رجل فسألته ، فواللّه ما كلّمك ، فقال له عمر : ويلك أتدري من هذا ؟! هذا علي بن أبي طالب ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : لو أنّ السماوات والأرض وضعت في كفّة ووضع إيمان علي عليه السلام في كفّة لرجح إيمان علي عليه السلام .
ورواه مصقلة بن عبد اللّه (1) .
قال العبدي :
إنّا روينا في الحديث خبرا
يعرفه سائر من كان روى
أنّ ابن خطاب أتاه رجل
فقال كم عدّة تطليق الإما
فقال يا حيدر كم تطليقة
للأمة اذكره فأومى المرتضى
بإصبعيه فثنى الوجه إلى
سائله قال اثنتان وانثنى
قال له تعرف هذا قال لا
قال له هذا علي ذو العلى
* * *
ص: 56
ص: 57
ص: 58
العامّة والخاصّة : أنّ امرأة نكحها شيخ كبير فحملت ، فزعم الشيخ أنّه لم يصل إليها ، وأنكر حملها ، فسأل عثمان المرأة : هل افتضّك الشيخ ؟ وكانت بكرا ، فقالت : لا ، فأمر بالحدّ .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ للمرأة سمّين سمّ الحيض ، وسمّ البول ، فلعلّ الشيخ كان ينال منها ، فسال ماؤه في سمّ المحيض ، فحملت منه .
فقال الرجل : قد كنت أُنزل الماء في قبلها من غير وصول إليها بالافتضاض ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : الحمل له ، والولد له ، وأرى عقوبته على الإنكار له(1) .
كشّاف الثعلبي وأربعين الخطيب وموطأ مالك بأسانيدهم عن بعجة بن بدر الجهني : أنّه أتي بامرأة قد ولدت لستّة أشهر ، فهمّ برجمها .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إن خاصمتك بكتاب اللّه خصمتك ، إنّ اللّه - تعالى - يقول « وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً » ، ثم قال : « وَالْوالِداتُ
ص: 59
يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ » ، فحولين مدّة الرضاع ، وستّة أشهر مدّة الحمل ، فقال عثمان : ردّوها ، ثم قال : ما عَند عثمان بعد أن بعث إليها تردّ(1) .
الخاصّة والعامّة : أنّ رجلاً كان لديه سريّة فأولدها ، ثم اعتزلها وأنكحها عبدا له ، ثم توفي ، فعتقت بملك ابنها لها ، فورث زوجها ولدها ، ثم توفي الابن فورثت من ولدها زوجها ، فارتفعا إليه يختصمان تقول : هذا عبدي ، ويقول هو : هي امرأتي ، ولست مفرجا عنها .
فقال : هذه مشكلة ، وأمير المؤمنين عليه السلام حاضر فقال عليه السلام : سلوها هل جامعها بعد ميراثها له ؟ فقالت : لا ، فقال : لو علم أنّه فعل ذلك لعذّبته ، اذهبي فإنّه عبدك ليس له عليك سبيل ، إن شئت تعتقيه أو تسترقّيه أو تبيعيه ، فذلك لك(2) .
ورووا أنّ مكاتبة زنت على عهده ، وقد عتق منها ثلاثة أرباع ، فسأل
ص: 60
عثمان أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : تجلد بحساب الحرية ، وتجلد منها بحساب الرقّ ، فقال زيد بن ثابت : تجلد بحساب الرقّ ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : كيف تجلد بحساب الرقّ ، وقد عتق ثلاثة أرباعها ؟ وهلاّ جلدتها[ بحساب ] الحريّة[ فإنّها ] فيها أكثر ، فقال[ زيد ] : لو كان ذلك كذلك لوجب توريثها
بحساب الحريّة ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أجل ذلك واجب ، فأفحم زيد(1) .
سفيان بن عيينة بإسناده عن محمد بن يحيى قال : كان لرجل امرأتان ، امرأة من الأنصار ، وامرأة من بني هاشم ، فطلّق الأنصارية ، ثم مات بعد مدّة ، فذكرت الأنصارية التي طلّقها أنّها في عدّتها ، وقامت عند عثمان البيّنة بميراثها منه ، فلم يدر ما يحكم به ، وردّهما إلى علي عليه السلام ، فقال : تحلف أنّها لم تحض بعد أن طلّقها ثلاث حيض وترثه ، فقال عثمان للهاشمية : هذا قضاء ابن عمّك، قالت: قد رضيته فلتحلف وترث ، فتحرّجت الأنصارية من اليمين ، وتركت الميراث(2) .
وكانت يتيمة عند رجل ، فتخوّفت المرأة أن يتزوّجها ، فدعت بنسوة
ص: 61
حتى أمسكنها ، وأخذت عذرتها بأصبعها ، فلمّا قدم زوجها رمت المرأة اليتيمة بالفاحشة ، وأقامت البيّنة من جاراتها ، فرفع ذلك إلى عثمان - أو إلى عمر - ، فجاء بهم إلى علي عليه السلام ، فسألها البيّنة ، فقالت : جيراني هؤلاء .
فأخرج أمير المؤمنين عليه السلام السيف من غمده ، فطرحه بين يديه ، ثم دعا امرأة الرجل ، فأدارها بكلّ وجه ، فأبت أن تزول عن قولها ، فردّها ودعا بإحدى الشهود وجثا على ركبتيه ، ثم قال : تعرفيني ! أنا علي بن أبي طالب ، وهذا سيفي ، وقد قالت امرأة الرجل ما قالت ، وأعطيتها الأمان ، وإن لم تصدقيني لأمكننّ السيف منك ، فقالت : الأمان على الصدق ، قال : فاصدقي ، فقالت : لا - واللّه - إنّها رأت جمالاً وهيئة ، فخافت فساد زوجها ، فسقتها المسكر ، ودعتنا فأمسكناها فافتضّتها بأصبعها ، فقال عليه السلام : اللّه أكبر ، أنا أوّل من فرق الشهود بعد دانيال النبي عليه السلام .
فألزمها حدّ القاذف ، وألزمهنّ جميعا العقر(1) ، وجعل عقرها أربعمائة درهم ، وأمر المرأة أن تنتفي من الرجل ، ويطلّقها زوجها ، وزوّجه الجارية ، وساق عنه عليه السلام .
فقال عمر : يا أبا الحسن ، فحدّثنا بحديث دانيال ، فحكى عليه السلام : أنّ ملكا من ملوك بني إسرائيل كان له قاضيان ، وكان لهما صديق ، وكان رجلاً
ص: 62
صالحا ، وكان له امرأة جميلة ، فوجه الملك الرجل إلى موضع ، فقال الرجل للقاضيين : أوصيكما بامرأتي خيرا ، فقالا : نعم .
فخرج الرجل ، وكان القاضيان يأتيان باب الصديق ، فعشقا امرأته ، فراوداها عن نفسها فأبت ، فقالا : لنشهدن عليك عند الملك بالزنا ، ثم لنرجمنّك ، فقالت : افعلا ما أحببتما .
فأتيا الملك ، فشهدا عنده بأنّها بغت ، فدخل على الملك من ذلك أمر عظيم ، وقال للوزير : ما لك في هذا من حيلة ؟ فقال : ما عندي في هذا شيء .
ثم خرج ، فإذا هو بغلمان يلعبون ، وفيهم دانيال ، فقال دانيال : يا معشر الصبيان تعالوا حتى أكون أنا الملك ، وتكون أنت - يا فلان - العابدة ، ويكون فلان وفلان القاضيين الشاهدين عليها ، ثم جمع ترابا ، وجعل سيفا من قصب ، ثم قال للصبيان : خذوا هذا فنحّوه إلى مكان كذا وكذا ، وخذوا بيد هذا إلى موضع كذا ، ثم دعا بأحدهما ، فقال له : قل حقّا ، فإن لم تقل حقّا قتلتك بما تشهد ، قال : أشهد أنّها بغت ، قال : متى ؟ قال : يوم كذا وكذا ، قال : مع من ؟ قال : مع فلان بن فلان ، قال : وأين ؟ قال : موضع كذا وكذا ، قال : ردّوه إلى مكانه ، وهاتوا الآخر .
فلمّا جاء قال له : بما تشهد ؟ فقال : أشهد أنّها بغت ، قال : متى ؟ قال : يوم كذا وكذا ، قال : مع من ؟ قال : مع فلان بن فلان ، قال : فأين ؟ قال : في موضع كذا وكذا .
ص: 63
فخالف صاحبه ، فقال دانيال : اللّه أكبر ، شهدا بزور ، يا فلان ناد في الناس : إنّما شهدا على فلانة بالزور ، فاحضروا قتلهما .
فذهب الوزير إلى الملك مبادرا ، فأخبره الخبر ، فحكم الملك في القاضيين ، فاختلفا فقتلهما(1) .
مسند أحمد وأبي يعلى : روى عبد اللّه بن الحارث بن نوفل الهاشمي : أنّه اصطاد أهل الماء حجلاً(2) فطبخوه ، وقدموا إلى عثمان وأصحابه ، فأمسكوا ، فقال عثمان : صيد لم نصده ، ولم نأمر بصيده ، اصطادوه قوم حلّ فاطعموناه ، فما به بأس ، فقال رجل : إنّ عليا عليه السلام يكره هذا .
فبعث إلى علي عليه السلام ، فجاء وهو غضبان ملطّخ بدنه(3) بالخبط ، فقال له : إنّك لكثير الخلاف علينا !! فقال عليه السلام : اذكروا اللّه ، من شهد النبي صلى الله عليه و آله أتى بعجز حمار وحشي وهو محرم ، فقال : إنّا محرمون ، فأطعموه أهل الحلّ ؟ فشهد إثنا عشر رجلاً من الصحابة ، ثم قال : اذكروا اللّه ، رجلاً شهد النبي صلى الله عليه و آله أتى بخمس بيضات من بيض النعام ، فقال : إنّا محرمون ، فأطعموه أهل الحلّ ؟ فشهد إثنا عشر رجلاً من الصحابة .
ص: 64
فقام عثمان ، ودخل فسطاطه ، وترك الطعام على أهل الماء(1) .
قال أبو الحسن المرادي :
يا سائلي عن علي والألى عملوا
به من السوء ما قالوا وما فعلوا
لم يعرفوه فعادوه لجهلهم
والناس كلّهم أعداء ما جهلوا
* * *
ص: 65
ص: 66
ص: 67
ص: 68
من لا يحضره الفقيه : أنّه عبر أمير المؤمنين عليه السلام بعد قتال البصرة على امرأة وجنينها مطروحين على الطريق ، فسأل[ عن ] ذلك ، فقالوا : كانت حاملاً ففزعت حين رأت القتال والهزيمة(1) ، قال : فسألهم أيّهما مات قبل
صاحبه ؟
قالوا : ابنها .
فدعا بزوجها أبي الغلام الميّت فورّثه من ابنه ثلثي الديّة ، وورّث أمّه ثلث الديّة ، ثم ورّث الزوج من من امرأته الميّتة نصف ثلث الديّة التي ورثته من ابنها الميّت ، وورّث قرابة الميّت الباقي .
قال : ثم ورّث الزوج أيضا من ديّة المرأة الميّتة نصف الديّة ، وهو ألفان وخمسمائة درهم ، وذلك أنّها لم يكن لها ولد غير الذي رمت به حين فزعت .
قال : وأدّى ذلك من بيت مال البصرة(2) .
ص: 69
الأحكام الشرعية عن الخزاز القمّي قال سلمة بن كهيل قال : أتي أمير المؤمنين عليه السلام برجل قد قتل رجلاً خطأ ، فقال له عليه السلام : من عشيرتك وقرابتك ؟
قال : قرابتي بالموصل .
قال : فسأل عنه أمير المؤمنين عليه السلام فلم يجد له قرابة ، فكتب إلى عامله بالموصل :
أمّا بعد ، فإنّ فلان بن فلان ، وحليته كذا وكذا قتل رجلاً من المسلمين خطأ ، فذكر أنّه من أهل الموصل ، وأنّ له بها قرابة وأهل بيت ، وقد بعثت به إليك مع رسولي فلان بن فلان ، وحليته كذا وكذا ، فإذا ورد عليك إن شاء اللّه ، وقرأت كتابي ، فافحص عن أمره ، وسل عن قرابته من المسلمين ، فإن كان من أهل الموصل ممّن ولد بها ، وأصبت له بها قرابة من المسلمين فاجمعهم ، ثم انظر إن كان منهم رجل يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه عن ميراثه أحد من قرابته ، وكانوا قرابته سواء في النسب ، وكان له قرابة من قبل أبيه ، وعلى قرابته من قبل أمّه من الرجال المذكورين من المسلمين ، ثم اجعل على قرابته من قبل أبيه ثلثي الديّة ، وعلى قرابته من قبل أمّه ثلث الديّة .
وإن لم يكن له قرابة من قبل أبيه ففضّ الديّة على قرابته من قبل أمّه من الرجال المذكورين المسلمين ، ثم خذهم بها ، واستأدهم الديّة في
ص: 70
ثلاث سنين ، فإن لم يكن له قرابة من قبل أمّه ، ولا قرابة من قبل أبيه ، ففضّ الديّة على أهل الموصل ممّن ولد بها ونشأ ، فلا تدخل فيهم غيرهم من أهل البلد ، ثم استأد ذلك منهم في ثلاث سنين في كلّ سنة نجم(1) حتى تستوفيه إن شاء اللّه .
وإن لم يكن لفلان بن فلان قرابة من أهل الموصل ، ولا يكون من أهلها فردّه إليّ مع رسولي فلان بن فلان إن شاء اللّه ، وأنا وليّه والمؤدّي عنه ، وإلاّ أبطل دم امرئ مسلم(2) .
وقضى عليه السلام في عين فرس فقئت بربع ثمنها يوم فقئت عينها(3) .
عدي بن حاتم عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : يوم التقى هو ومعاوية بصفين ، فرفع بها صوته يسمع أصحابه : واللّه ، لأقتلنّ معاوية وأصحابه ، ثم يقول في آخر قوله : إن شاء اللّه ، يخفض بها صوته ، وكنت قريبا منه .
ص: 71
فقلت : يا أمير المؤمنين ، إنّك حلفت على ما فعلت ثم استثنيت ، فما أردت بذلك !
فقال : إنّ الحرب خدعة ، وأنا عند المؤمن غير كذوب ، فأردت أن أحرض أصحابي عليهم لكي لا يفشلوا ، ولكي يطمعوا فيهم ، فأفقههم ينتفعوا بها بعد اليوم إن شاء اللّه (1) .
الصادق عن أمير المؤمنين عليهماالسلام في رجل أمر عبده أن يقتل رجلاً ، فقال : وهل العبد عند الرجل إلاّ كسوطه ، أو كسيفه ، يقتل السيد ، ويودع العبد السجن(2) .
قال : ولي ثلاثة قتلاً ، فدعوا إلى علي عليه السلام ، أمّا واحد منهم أمسك رجلاً ، وأقبل الآخر فقتله ، والثالث وقف في الرؤية يراهم .
فقضى في الذي كان في الرؤية أن تسمل عيناه ، وفي الذي أمسك أن يسجن حتى يموت كما أمسك ، وفي الذي قتله أن يقتل(3) .
ص: 72
نقلة الأخبار ، وذكر صاحب فضائل العشرة : أنّه ولد على عهد أمير المؤمنين عليه السلام مولود له رأسان وصدران على حقو واحد ، فسئل عليه السلام : كيف يورث ؟ قال : يترك حتى ينام ، ثم يصاح به ، فإن انتبها جميعا كان له ميراث واحد ، وإن انتبه أحدهما وبقى الآخر كان له ميراث إثنين(1) .
وفيما أخبرنا به أبو علي الحدّاد بإسناده إلى سلمة بن عبد الرحمن في خبر قال : أتي عمر بن الخطاب برجل له رأسان وفمان وأنفان وقبلان ودبران وأربعة أعين في بدن واحد ، ومعه أخت ، فجمع عمر الصحابة وسألهم عن ذلك ، فعجزوا .
فأتوا عليا عليه السلام ، وهو في حائط له ، فقال : قضيّته أن ينوّم ، فإن غمض الأعين أو غطّ من الفمين جميعا فبدن واحد ، وإن فتح بعض الأعين ، أو غطّ أحد الفمين فبدنان ، هذه قضيّته .
وأمّا القضية الأخرى ، فيطعم ويسقى حتى يمتلي ، فإن بال من المبالين جميعا ، وتغوّط من الغائطين جميعا فبدن واحد ، وإن بال أو تغوّط من أحدهما فبدنان .
وقد ذكره الطبري في كتابه .
ص: 73
عمار الذهبي عن أبي الصهباء قال : قام ابن الكواء إلى علي عليه السلام - وهو على المنبر - وقال : إنّي وطأت دجاجة ميّتة ، فخرجت منها بيضة فآكلها ؟ قال : لا .
قال : فإن استحضنتها فخرج منها فرخ آكله ؟ قال : نعم ، قال : فكيف ؟ قال : لأنّه حيّ خرج من ميّت ، وتلك ميّتة خرجت من ميّتة(1) .
الحسن بن علي العبدي عن سعد بن طريف عن شريح : أنّ امرأة أتت إليه فقالت : إنّ لي ما للرجال وما للنساء ، فقال : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام يقضي على المبال ، قالت : فإنّي أبول بهما وينقطعان معا ، فاستعجب شريح .
قالت : وأعجب من هذا ! جامعني زوجي فولدت منه ، وجامعت جاريتي فولدت منّي .
فضرب شريح إحدى يديه على الأخرى متعجّبا ، ثم جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقالت : هو كما ذكر ، فقال لها : فمن زوجك ؟ قالت : فلان بن فلان .
فبعث إليه فدعاه ، وسأله عمّا قالت ؟ قال : هو كذلك ، فقال له عليه السلام : لأنت أجرى من صائد الأسد حين تقدم عليها بهذه الحال .
ص: 74
ثم قال : يا قنبر ، ادخل مع أربع نسوة فعدّ أضلاعها ، فقال زوجها : لا آمن عليها رجل ، ولا ائتمن عليها امرأة ، فأمر دينار الخصي أن يشدّ عليه ثيابا ، وأخلاه في بيت ، ثم ولجه وأمره بعدّ أضلاعه ، فكانت من الجانب الأيمن ثمانية ، ومن الجانب الأيسر سبعة ، فلبسها ثياب الرجال وألحقها بهم .
فقال الزوج: يا أميرالمؤمنين، ابنة عمّي قد ولدت منّي تلقحها بالرجال ؟! فقال عليه السلام : إنّي حكمت فيها بحكم اللّه ، إنّ اللّه - تعالى - خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى ، فأضلاع الرجال تنقص ، وأضلاع النساء تمام(1) .
وروى بعض أهل النقل : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أمر عدلين أن يحضرا بيتا خاليا ، وأحضر الشخص معهما ، وأمر بنصب مرآتين : أحدهما مقابلة لفرج الشخص ، والأخرى مقابلة للمرآة الأخرى ، وأمر الشخص أن يكشف عن عورته في مقابلة المرآة حيث لا يراه العدلان ، وأمر العدلين بالنظر في المرآة المقابلة لها ، فلمّا تحقّق العدلان صحّة ما ادعاه الشخص من الفرجين اعتبر حاله بعد أضلاعه(2) .
إسماعيل بن موسى بإسناده : أنّ رجلاً خطب إلى رجل ابنة له عربية ،
ص: 75
فأنكحها إياه ، ثم بعث إليه بابنة له أمّها أعجمية ، فعلم بذلك بعد أن دخل بها ، فأتى معاوية وقصّ عليه القصّة ، فقال : معضلة لها أبو الحسن عليه السلام .
فاستأذنه وأتى الكوفة وقصّ على أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : على أبي الجارية أن يجهّز الإبنة التي أنكحها إياه بمثل صداق التي ساق إليه فيها ، ويكون صداق التي ساق منها لأختها بما أصاب من فرجها ، وأمره أن لا يمسّ التي تزفّ إليه حتى تقضي عدّتها ، ويجلد أبوها نكالاً لما فعل(1) .
التهذيب في خبر عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنّه لمّا نهى عن أكل الطحال قال قصاب : يا أمير المؤمنين ، ما الكبد والطحال إلاّ سواء ! فقال له : كذبت يا لكع ، ائتني بتور(2) من ماء أنبئك بخلاف ما بينهما .
فأتى بكبد وطحال وتور من ماء ، فقال : شقّ الكبد من وسطه ، والطحال من وسطه ، ثم رماهما في الماء جميعا ، فابيضّت الكبد ، ولم ينقص منه شيء ، ولم يبيضّ الطحال ، وخرج ما فيه كلّه ، وصار دما كلّه ، وبقى جلدا وعروقا .
فقال له : هذا خلاف ما بينهما ، هذا لحم ، وهذا دم(3) .
ص: 76
ابن بطّة وشريك بإسنادهما عن ابن أبجر العجلي قال : كنت عند معاوية ، فاختصم إليه رجلان في ثوب ، فقال أحدهما : ثوبي ، وأقام البيّنة ، وقال الآخر : ثوبي ، اشتريته من السوق من رجل لا أعرفه ، فقال معاوية : لو كان لها علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
فقال ابن أبجر : فقلت له : قد شهدت عليا عليه السلام قضى في مثل هذا ، وذلك أنّه قضى بالثوب للذي أقام البيّنة ، وقال للآخر : اطلب البائع .
فقضى معاوية بذلك بين الرجلين(1) .
وبهذا الإسناد : أنّ عليا عليه السلام دفع إليه مملوك قتل حرّا ، قال : يدفع إلى أولياء المقتول ، فدفع إليهم ، فعفوا عنه ، فقال له الناس : قتلت رجلاً وصرت حرّا ، فقال عليه السلام : لا ، هو ردّ على مواليه(2) .
جابر بن عبد اللّه بن يحيى قال : جاء رجل إلى علي عليه السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي كنت أعزل عن امرأتي ، وإنّها جاءت بولد .
ص: 77
فقال عليه السلام : وأناشدك اللّه ، هل وطأتها ثم عاودتها قبل أن تبول ؟ قال : نعم ، قال : فالولد لك(1) .
وسئل أمير المؤمنين عليه السلام عن علّة ما يصلّى فيه من الثياب ؟
فقال عليه السلام : إنّ الإنسان إذا كان في الصلاة ، فإنّ جسده وثيابه وكلّ شيء حوله يسبّح(2) .
وقال عليه السلام : فرض اللّه - تعالى - الإيمان تطهيرا من الشرك ، والصلاة تنزيها عن الكبر، والزكاة تسبيبا للرزق ، والصيام إبتلاء لإخلاص الحقّ ، والحجّ تقوية للدين ، والجهاد عزّا(3) الإسلام ، والأمر بالمعروف مصلحة للعوام ، والنهي عن المنكر ردعا للسفهاء ، وصلة الأرحام منماة للعدد ، والقصاص حقنا للدماء ، وإقامة الحدود إعظاما للمحارم ، وترك شرب الخمر تحصينا للعقل ، ومجانبة السرقة إيجابا للعفّة ، وترك الزنا تحقيقا للنسب ، وترك اللواط تكثيرا للنسل ، والشهادات استظهارا عن المجاحدات ،
ص: 78
وترك الكذب تشريفا للصدق ، والسلام أمانا من المخاوف ، والأمانة نظاما للأمّة ، والطاعة تعظيما للسلطان(1)(2) .
وسئل عليه السلام عن الوقوف بالحلّ لم لا يكون بالحرم ؟
فقال : لأنّ الكعبة بيته ، والحرم داره ، فلمّا قصدوا وافدين أوقفهم بالباب يتضرّعون إليه .
قيل له : فالمشعر الحرام لم صار في الحرم ؟
قال : لأنّه لمّا أذن لهم بالدخول أوقفهم بالحجاب الثاني ، فلمّا طال تضرّعهم أذن لهم بتقريب قربانهم ، فلمّا قضوا تفثهم وتطهّروا بها من الذنوب التي كانت حجابا بينهم وبينه أذن لهم بالزيارة له على الطهارة .
قيل له : فلم حرم الصيام أيام التشريق ؟
قال: لأنّ القوم زوار اللّه في ضيافته ، ولا يجمل لمضيف أن يصوّم أضيافه .
فقيل له : والتعلّق بأستار الكعبة لأيّ معنى هو ؟
قال : مثله مثل رجل له عند آخر جناية وذنب ، فهو يتعلّق به يتضرّع إليه ويخضع له رجاء أن يتجافى له عن ذنبه(3) .
ص: 79
محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال : قضى أمير المؤمنين عليه السلام في أربعة نفر اطلعوا في زبية الأسد ، فخرّ أحدهم ، فاستمسك بالثاني ، فاستمسك بالثالث ، فاستمسك بالرابع .
فقضى في الأوّل فريسة الأسد ، وغرّم أهله ثلث الديّة للثاني ، وغرّم الثاني لأهل الثالث ثلثي الديّة ، وغرّم الثالث لأهل الرابع الديّة كاملة(1) .
ابن مهدي في نزهة الأبصار والزمخشري في المستقصي عن ابن سيرين وشريح القاضي : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام رأى شابا يبكي ، فسأل عليه السلام عنه ، فقال : إنّ أبي سافر مع هؤلاء ، فلم يرجع حين رجعوا ، وكان ذا مال عظيم ، فرفعتهم إلى شريح فحكم عليّ .
فقال
عليه السلام متمثلاً :
أوردها سعد وسعد مشتمل
يا سعد ما تروي على هذا الإبل
* * *
ص: 80
ثم قال : إنّ أهون السقي التشريع ، أي كان ينبغي لشريح أن يستقصي في الاستكشاف عن خبر الرجل ، ولا يقتصر على طلب البيّنة(1) .
وروى أبو جعفر فيمن لا يحضره الفقيه ، والكليني في الكافي ، والطوسي في التهذيب ، وابن فياض في شرح الأخبار أنّه قال :
إنّي أحكم بحكم داود عليه السلام ، ونظر في وجوههم ، ثم قال : ما تظنّون ؟ تظنّون أنّي لا أعلم بما صنعتم بأبي هذا الفتى ، إنّي إذا لقليل العلم .
ثم فرّق بينهم ، ودعا واحدا واحدا يقول : أخبرني ، ولا ترفع صوتك ، وسأله عن ذهابهم ونزولهم ، وعامهم وشهرهم ويومهم ، ومرض الرجل وموته ، وغسله وتكفينه والصلاة عليه ، ودفنه وموضع قبره ، وأمر عبد اللّه بن أبي رافع بكتابة قوله ، فلمّا كتب كبّر وكبّر الناس معه ، فظنّ الآخر أنّه أخبرهم بذلك ، ثم أمر بردّ الرجل إلى مكانه .
ودعا بآخر[ فسأله ] عمّا سأل الأوّل ، فخالفه في الكلام كلّه ، فكبّر أيضا ، ثم دعا بثالث ، ثم برابع ، فكان يتلجلج ، فوعظه وخوفه ، فاعترف أنّهم قتلوا الرجل وأخذوا ماله ، وأنّهم دفنوه في موضع كذا بالقرب من الكوفة .
فكان يستدعي بعد ذلك واحدا واحدا ويقول: أصدقني عن حالك، وإلاّ نكّلت بك ، فقد وضح لي الحقّ في قضيّتكم ، فيعترف الرجل مثل صاحبه .
فأمر بردّ المال وإنهاك العقوبة ، وعفا الشاب عن دمائهم .
ص: 81
فسألوه عن حكم داود عليه السلام ، فقال : إنّ داود عليه السلام مرّ بغلمان يلعبون وينادون واحدا منهم : أي مات الدين ، فقال داود عليه السلام : ومن سمّاك بهذا الاسم ؟ قال : أمّي ، قال : انطلق بنا إلى أمّك .
فقال : يا أمّة اللّه ، ما اسم ابنك هذا ؟ وما كان سبب ذلك ؟ قالت : إنّ أباه خرج في سفر له ومعه قوم ، وأنا حامل بهذا الغلام ، فانصرف قومي ولم ينصرف زوجي ، فسألتهم عنه ، فقالوا : مات ، وسألتهم عن ماله ، فقالوا : ما ترك مالاً ، فقلت لهم : وصّاكم بوصيّة ؟ قالوا : نعم ، زعم أنّك حبلى ، وإن ولدت جارية أو غلاما فسمّيه مات الدين ، فسمّيته كما وصّى .
فقال لها : فهل تعرفين القوم ؟ قالت : نعم ، قال : انطلقي معي إلى هؤلاء ، فاستخرجهم من منازلهم .
فلمّا حضروا حكم فيهم بهذه الحكومة ، فثبت عليهم الدم ، واستخرج منهم المال ، ثم قال : يا أمة اللّه ، سمّي ابنك هذا ب-« عاش الدين »(1) .
ابن المسيب : أنّه كتب معاوية إلى أبي موسى الأشعري يسأله أن يسأل عليا عليه السلام عن رجل يجد مع امرأته رجلاً يفجر بها فقتله ، ما الذي يجب عليه ؟
ص: 82
قال : إن كان الزاني محصنا فلا شيء على قاتله ، لأنّه قتل من يجب عليه القتل(1) .
وفي رواية صاحب الموطأ : فقال عليه السلام : أنا أبو الحسن ، فإن لم يقم أربعة
شهداء فليعط برمّته(2) .
السكوني : أنّ ستّة نفر لعبوا في الفرات ، فغرق واحد منهم ، فشهد إثنان منهم على ثلاثة منهم أنّهم غرّقوه ، وشهد الثلاثة على الإثنين أنّهما غرّقاه ، فألزم الإثنين ثلاثة أخماس الديّة ، وألزم الثلاثة خمسي الديّة ، بحساب الشهادة(3) .
محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام : قضى أمير المؤمنين عليه السلام في أربعة نفر شربوا فسكروا ، فأخذ بعضهم على بعض السلاح فاقتتلوا ، فقتل إثنان وجرح إثنان ، فأمر بالمجروحين فضرب كلّ واحد منهما ثمانين جلدة ، وقضى
ص: 83
ديّة المقتولين على المجروحين ، وأمر أن يقاس جراح المجروحين ، فترفع من الديّة ، وإن مات من المجروحين أحد ، فليس على أولياء المقتول شيء .
وفي رواية أنّه قال : ديّة المقتولين على قبائل الأربعة بعد مقاصّة الحيّين منهما بديّة جراحهما ، لأنّه لعلّ كلّ واحد منهما قتل صاحبه(1) .
ونفذ رجل غلاما مع ابنه إلى الكوفة ، فتخاصما ، فضربه الابن ، فنكل عنه الغلام وسبّه حتى ادعى أنّه مملوكه ، فتحاكما إلى أمير المؤمنين عليه السلام .
فقال لقنبر : اثقب في الحائط ثقبين ، ثم قال لأحدهما : ادخل رأسك في هذا الثقب ،[ ثم قال للآخر : ادخل رأسك في هذا الثقب ] ثم قال : يا قنبر ، عليّ بالسيف - سيف رسول اللّه صلى الله عليه و آله - عجّل اضرب رقبة العبد منهما .
قال : فأخرج الغلام رأسه مبادرا ، ومكث الآخر في الثقب ، فأدّب الغلام على ما صنع ، ثم ردّه إلى مولاه ، وقال : لئن عدت لأقطعن يدك(2) .
الصادق عليه السلام : تزوّج رجل من الأنصار امرأة على عهد أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا كان ليلة البناء بها عمدت المرأة إلى رجل صديق لها فأدخلته الحجلة ، فلمّا دخل الزوج يباضع أهله ثار الصديق ، واقتتلا في البيت ،
ص: 84
فقتل الزوج الصديق ، وقامت المرأة فضربت الزوج ضربة ، فقتلته بالصديق . فقال عليه السلام : تضمن المرأة ديّة الصديق ، وتقتل بالزوج(1) .
الأصبغ : وصى رجل ودفع إلى الوصي عشرة آلاف درهم ، وقال : إذا أدرك ابني فاعطه ما أحببت منها .
فلمّا أدرك استعدى عليه أمير المؤمنين عليه السلام ، قال له : كم تحبّ أن تعطيه ؟ قال : ألف درهم ، قال : اعطه تسعة آلاف درهم ، فهي التي أحببت ، وخذ الألف .
وقضى عليه السلام في ثلاثة نفر اشتركوا في بعير ، فأخذه أحد الثلاثة فعقله وشدّ يديه جميعا ، ومضى في حاجة ، فجاء الرجلان ، فخلّيا يدا واحدة وتركا واحدة ، وتشاغلا عنه ، فقام البعير يمشي على ثلاثة قوائم ، فتردّى في بئر ، فانكسر البعير ، فأدركوا زكاته فنحروه ، ثم باعوا لحمه ، فأتاهم الرجل ، فقال : لم حللتموه حتى أجيء وأحفظه أو يحفظه أحدكما .
فقضى على شريكيه الثلث من أجل أنّه كان قد أوثق حقّه وعقل البعير فخلّياه ، فنظروا في ثمن لحم البعير ، فإذا هو ثلث الثمن بقدر ما كان للرجل الثلث ، فأخذه كلّه بحقّه ، وخرج الرجلان صفرا ، فذهب حظّه بحظّهما .
ص: 85
وروي أنّ امرأة تشبّهت لرجل بجاريته ، واضطجعت على فراشه ليلاً فوطأها ، فأمر أمير المؤمنين عليه السلام بإقامة الحدّ على الرجل سرّا ، وعلى المرأة جهرا(1) .
أبو عبيد في غريب الحديث : أنّ امرأة جاءته ، فذكرت أنّ زوجها يأتي جاريتها ، فقال عليه السلام : إن كنت صادقة رجمناه ، وإن كنت كاذبة جلدناك ، فقالت : ردّوني إلى أهلي غيرى نغرة ، معناه : أنّ جوفها يغلي من الغيظ والغيرة(2) .
وروي : أنّ ابن مسعود قال فيمن غشى جارية امرأته : لا حدّ عليه(3) ، فقال عليه السلام : أبا عبد الرحمن إنّما كان هذا قبل ان تنزل الحدود .
شهد إثنان على رجل بالسرقة أنّه سرق درعا ، فجعل الرجل يناشده
ص: 86
لمّا نظر في البيّنة ، وجعل يقول : لو كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما قطع يدي أبدا ، قال : ولم ؟ قال : يخبره ربّه أنّي بريء !
فدعا عليه السلام للشاهدين وقال لهما : اتقيا اللّه ، ولا تقطعا يد الرجل ظلما ، وناشدهما ، ثم قال : ليقطع أحدهما يده ، ويمسك أحدهما يده .
فلمّا تقدّما إلى المسطبة(1) ليقطعوه اضطرب الناس حتى اختلطوا ، فلمّا اختلطوا أرسلا الرجل في غمار الناس وفرّا حين اختلط الناس ، فأخبروا أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : من يدلّني على الشاهدين أنكّلهما(2) .
وحكم عليه السلام في وصيّة بجزء من مال أنّه السبع من قوله تعالى : « لِكُلِّ
بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ »(3) .
وفي وصيّة بسهم أنّه الثمن من قوله : « إِنَّمَا الصَّدَقاتُ »(4) .
وفي قول واحد : أعتق عنّي كلّ عبد قديم في ملكي ، أن يعتق ما في ملكه
ص: 87
ستّة أشهر من قوله تعالى : « وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ »(1) .
وفي نذر « حين » أن يصوم ستّة أشهر من قوله : « تُؤتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ »(2) .
وفي نهج البلاغة : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام رفع إليه رجلان سرقا في مال اللّه - تعالى - أحدهما من مال اللّه ، والآخر من عرض الناس(3) .
فقال عليه السلام : أمّا هذا فهو من مال اللّه ، ولا حدّ عليه ، مال اللّه أكل بعضه بعضا ، وأمّا الآخر فعليه الحدّ الشديد ، فقطع يده(4) .
يحيى بن سعد عن عمر بن سعد الرقّي قال : قال الصادق عليه السلام : مات عقبة بن عامر الجهني ، وترك خيرا كثيرا من أموال ومواشي وعبيد ، وكان له عبدان يقال لأحدهما « سالم » ، والآخر « ميمون » ، فورثه ابن عمّ له ، وأعتقوا العبدين .
ص: 88
وجاءت امرأة إلى علي عليه السلام فذكرت أنّها امرأة عقبة ، وأنكرها بنو العمّ ، فشهد لها سالم وميمون ، وعدّلا ، وذكرت المرأة أنّها حامل .
فقال عليه السلام : يوقف نصيب المرأة ، فإن جاءت بولد ، فلا شيء لها ولا لولدها من الميراث ، لأنّه إنّما شهد لهما على قولهما عبدان لهما ، وإن لم تأت بولد ، فلها
الربع ، لأنّه قد شهد لها بالزوجيّة حرّان قد أعتقهما من يستحقّ الميراث(1) .
وقضى في رجل ضرب على صدره ، فادعى أنّه نقص نفسه ، فقال عليه السلام : إنّ النفس يكون في المنخر الأيمن وفي الأيسر ساعة ، فإذا طلع الفجر يكون في المنخر الأيمن إلى أن تطلع الشمس ، وهو ساعة .
فأقعد المدّعي من حين يطلع الفجر إلى طلوع الشمس ، وعدّ أنفاسه ، وأقعد رجلاً في سنّه يوم الثاني من وقت طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وعدّ أنفاسه ، ثم أعطى المصاب بقدر ما نقص من نفسه عن نفس الصحيح .
وحكم عليه السلام فيمن ادعى أنّه ذهب بصره ، أن يربط عينه الصحيحة ببيضة ، ويدنو منه رجل ، فيبصره بعينه المصابة ، ثم يتنحّى عنه إلى الموضع الذي ينتهي بصره إليه(2) .
ص: 89
وكتب ملك الروم إلى معاوية يسأله عن خصال ، فكان فيما سأله : أخبرني عن لا شيء ، فتحيّر ، فقال عمرو بن العاص : وجّه فرسا فارها إلى معسكر علي عليه السلام ليباع ، فإذا قيل للذي هو معه بكم ؟ يقول : بلا شيء ، فعسى أن تخرج المسألة .
فجاء الرجل إلى عسكر علي عليه السلام ، إذ مرّ به علي عليه السلام ومعه قنبر ، فقال : يا قنبر ، ساومه . فقال : بكم الفرس ؟
قال : بلا شيء ، قال : يا قنبر ، خذ منه ، قال : أعطني لا شيء ، فأخرجه إلى الصحراء ، وأراه السراب ، فقال : ذلك لا شيء ، قال : اذهب فخبّره ، قال : وكيف قلت ؟ قال : أما سمعت بقول اللّه - تعالى - « يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً »(1) .
الأصبغ : كتب ملك الروم إلى معاوية : إن أجبتني عن هذه المسائل حملت إليك الخراج ، وإلاّ حملت أنت ، فلم يدر معاوية ، فأرسلها إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأجاب عنها .
فقال : أوّل ما اهتز على وجه الأرض النخلة ، وأوّل شيء صحّ عليها وادٍ باليمن ، وهو أوّل وادٍ فار فيه الماء ، والقوس أمان لأهل الأرض كلّها
ص: 90
عند الغرق ما دام يرى في السماء ، والمجرّة أبواب فتحها اللّه على قوم ، ثم أغلقها فلم يفتحها .
قال : فكتب بها معاوية إلى ملك الروم ، فقال : واللّه ما خرج هذا إلاّ من كنز نبوة محمد صلى الله عليه و آله ، فحمل إليه الخراج(1) .
الرضا عن آبائه عليهم السلام : سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن المدّ والجزر ما هما ؟ فقال عليه السلام : ملك موكّل بالبحار يقال له « رومان » ، فإذا وضع قدمه في البحر فاض ، وإذا أخرجها غاض(2) .
وسأله عليه السلام ابن الكواء : كم بين السماء والأرض ؟ فقال : دعوة مستجابة .
قال : وما طعم الماء ؟ قال : طعم الحياة .
وكم بين المشرق والمغرب ؟ فقال عليه السلام : مسيرة يوم للشمس(3) .
وما أخوان ولدا في يوم وماتا في يوم ، وعمر أحدهما خمسون ومائة سنة ، وعمر الآخر خمسون سنة ؟
ص: 91
فقال عليه السلام : عزير وعزرة أخوه ، لإنّ عزيرا أماته اللّه مائة عام ، ثم بعثه(1) .
وعن بقعة ما طلعت عليها الشمس إلاّ لحظة واحدة ؟ فقال : ذلك البحر الذي فلقه اللّه لبني إسرائيل .
وعن إنسان يأكل ويشرب ولا يتغوّط ؟ قال عليه السلام : ذلك الجنين .
وعن شيء شرب وهو حي، وأكل وهو ميّت، فقال: ذلك عصا موسى عليه السلام
شربت وهي في شجرتها غضّة ، وأكلت لمّا التقفت حبال السحرة وعصيّهم .
وعن بقعة علت على الماء في أيام طوفان ؟ فقال عليه السلام : ذاك موضع الكعبة ، لأنّها كانت ربوة .
وعن مكذوب عليه ليس من الجنّ ولا من الإنس ؟ فقال : ذلك الذئب ، إذ كذب عليه إخوة يوسف عليه السلام .
وعن من أوحي إليه ليس من الجنّ ولا من الإنس ؟ فقال : « وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ » .
وعن أطهر بقعة على وجه الأرض لا تجوز الصلاة عليها ؟ فقال : ذلك ظهر الكعبة .
وعن رسول ليس من الجنّ والإنس والملائكة والشياطين ؟ فقال : الهدهد « اذْهَبْ بِكِتابِي هذا » .
وعن مبعوث ليس من الجنّ والإنس والملائكة والشياطين ؟ فقال : ذلك الغراب « فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً » .
ص: 92
وعن نفس في نفس ليس بينهما قرابة ولا رحم ؟ فقال عليه السلام : ذلك يونس النبي عليه السلام في بطن الحوت .
ومتى القيامة ؟ قال : عند حضور المنيّة وبلوغ الأجل .
وما عصا موسى عليه السلام ؟ فقال : كان يقال لها « الأربية » ، وكان من عوسج ، طولها سبعة أذرع بذراع موسى عليه السلام ، وكانت من الجنّة أنزلها جبرئيل عليه السلام على شعيب عليه السلام(1) .
ابن عباس : أنّ أخوين يهوديين سألا أمير المؤمنين عليه السلام عن واحد لا ثاني له ، وعن ثان لا ثالث له إلى مائة متّصلة نجدها في التوراة والإنجيل ، وهي في القرآن يتلونه .
فتبسّم أمير المؤمنين عليه السلام وقال : أمّا الواحد : فاللّه ربّنا الواحد القهار لا شريك له .
وأمّا الإثنان : فآدم وحوا ، لأنّهما أوّل إثنين .
وأمّا الثلاثة : فجبرائيل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام ، لأنّهم رأس الملائكة على الوحي .
وأمّا الأربعة : فالتوراة والإنجيل والزبور والفرقان .
وأمّا الخمسة : فالصلاة أنزلها اللّه على نبينا وعلى أمّته ، ولم ينزلها على نبي كان قبله ، ولا على أمّة كانت قبلنا ، وأنتم تجدونه في التوراة .
ص: 93
وأمّا الستّة : فخلق اللّه السماوات والأرض في ستّة أيام .
وأمّا السبعة : ف- « سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً » .
وأمّا الثمانية : « وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ » .
وأمّا التسعة : فآيات موسى عليه السلام التسع .
وأمّا العشرة : ف- « تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ » .
وأمّا الأحد عشر : فقول يوسف لأبيه « إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً » .
وأمّا الإثنا عشر : فالسنة إثنا عشر شهرا .
وأمّا الثلاثة عشر : قول يوسف لأبيه « وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ » ، فالأحد عشر إخوته ، والشمس أبوه والقمر أمّه .
وأمّا الأربعة عشر : فأربعة عشر قنديلاً من النور معلّقة بين السماء السابعة والحجب ، تسرج بنور اللّه إلى يوم القيامة .
وأمّا الخمسة عشر : فأنزلت الكتب جملة منسوجة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا لخمسة عشر ليلة مضت من شهر رمضان .
وأمّا الستّة عشر : فستّة عشر صفّا من « الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ » .
وأمّا السبعة عشر : فسبعة عشر اسما من أسماء اللّه مكتوبة بين الجنّة والنار ، لولا ذلك لزفرت زفرة أحرقت من في السماوات والأرض .
وأمّا الثمانية عشر : فثمانية عشر حجابا من نور معلّقة بين العرش والكرسي ، لولا ذلك لذابت الصمّ الشوامخ ، واحترقت السماوات والأرض وما بينهما من نور العرش .
ص: 94
وأمّا التسعة عشر : فتسعة عشر ملكا خزنة جهنم .
وأمّا العشرون : فأنزل الزبور على داود - على نبينا وآله وعليه السلام - في عشرين يوما من شهر رمضان .
وأمّا الأحد والعشرون : فألان اللّه لداود عليه السلام فيها الحديد .
وأمّا في إثنين وعشرين : فاستوت سفينة نوح عليه السلام .
وأمّا الثلاثة وعشرون : ففيه ميلاد عيسى عليه السلام ، ونزول المائدة على بني إسرائيل .
وأمّا في أربعة وعشرين : فردّ اللّه على يعقوب عليه السلام بصره .
وأمّا خمسة وعشرون : فكلّم اللّه موسى عليه السلام تكليما بواد المقدس كلّمه خمسة وعشرين يوما .
وأمّا ستّة وعشرين : فقيام إبراهيم عليه السلام في النار ، أقام فيها حيث صارت بردا وسلاما .
وأمّا سبعة وعشرون : فرفع اللّه إدريس عليه السلام مكانا عليّا ، وهو ابن سبع وعشرين سنة .
وأمّا ثمان وعشرون : فمكث يونس عليه السلام في بطن الحوت .
[ وأمّا تسعة وعشرون : ردّ اللّه بصر يعقوب عليه السلام عليه ] .
وأمّا الثلاثون : « وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً » .
وأمّا الأربعون : تمام ميعاده « وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ » .
وأمّا الخمسون : خمسون ألف سنة .
وأمّا الستون : كفارة الإفطار « فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً » .
ص: 95
وأمّا السبعون : « سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا » .
وأمّا الثمانون : « فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً » .
وأمّا التسعون : ف- « تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً » .
وأمّا المائة : « فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ » .
فلمّا سمعا ذلك أسلما ، فقتل أحدهما في الجمل ، والآخر في صفين(1) .
وقال عليه السلام في جواب سائل : أمّا الزوجان الذي لابد لأحدهما من صاحبه ولا حياة لهما ، فالشمس والقمر .
وأمّا النور الذي ليس من الشمس ولا من القمر ولا النجوم ولا المصابيح ، فهو عمود أرسله اللّه - تعالى - لموسى عليه السلام في التيه .
وأمّا الساعة التي ليس من الليل ولا من النهار ، فهي الساعة التي قبل طلوع الشمس .
وأمّا الابن الذي أكبر من أبيه ، وله ابن أكبر منه ، فهو عزير ، بعثه اللّه وله أربعون سنة ، ولابنه مائة وعشر سنين .
وما لا قبلة له فالكعبة ، وما لا أب له فالمسيح ، وما لا عشيرة له فآدم(2) .
ص: 96
وسئل عليه السلام : كيف أصبحت ؟ فقال : أصبحت وأنا الصدّيق الأوّل ، والفاروق الأعظم ، وأنا وصيّ خير البشر ، وأنا الأوّل ، وأنا الآخر ، وأنا الباطن ، وأنا الظاهر ، وأنا بكلّ شيء عليم ، وأنا عين اللّه ، وأنا جنب اللّه ، وأنا أمين اللّه على المرسلين .
بنا عُبد اللّه ، ونحن خزّان اللّه في أرضه وسمائه ، وأنا أحيي وأميت ، وأنا حيّ لا أموت .
فتعجّب الأعرابي من قوله .
فقال عليه السلام : أنا الأوّل : أوّل من آمن برسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وأنا الآخر : آخر من نظر فيه لما كان في لحده .
وأنا الظاهر : فظاهر الإسلام ، وأنا الباطن : بطين من العلم .
وأنا بكلّ شيء عليم : فإنّي عليم بكلّ شيء أخبره اللّه به نبيّه ، فأخبرني به .
فأمّا عين اللّه : فأنا عينه على المؤمنين والكفرة .
وأمّا جنب اللّه : ف- « أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ » ، ومن فرّط فيّ فقد فرّط في اللّه .
ولم يجز لنبيّ نبوة حتى يأخذه ختاما من محمد صلى الله عليه و آله ، فلذلك سمّي خاتم النبيّين محمد صلى الله عليه و آله سيّد النبيّين ، فأنا سيّد الوصيّين .
وأمّا خزّان اللّه في أرضه : فقد علمنا ما علّمنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بقول صادق .
ص: 97
وأنا أحيي : أحيي سنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنا أميت : أميت البدعة ، وأنا حيّ لا أموت : لقوله تعالى « وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ » .
كتاب أبي بكر الشيرازي : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام خطب في جامع البصرة ، فقال فيها : معاشر المؤمنين المسلمين ، إنّ اللّه - عزّ وجلّ - أثنى على نفسه فقال : هو الأوّل والآخر ، يعني قبل كلّ شيء ، والآخر يعني بعد كلّ شيء ، والظاهر على كلّ شيء ، والباطن لكلّ شيء ، سواء علمه عليه ، سلوني قبل أن تفقدوني ، فأنا الأوّل ، وأنا الآخر . . إلى آخر كلامه ، فبكى أهل البصرة كلّهم ، وصلّوا عليه .
قال العبدي :
لك قال النبي هذا علي
أوّلٌ آخرٌ سميعٌ عليم
ظاهرٌ باطنٌ كما قالت الشمس
جهارا وقولها مكتوم
* * *
وقال محمد بن أبي نعمان :
جسد طهّره ربّ البرايا
واجتباه واصطفاه من علي
وارتضاه وحباه لمعان
لطفت عن كلّ معنى معنوي
وصفيّ ووصيّ وإمام
عادل بعد النبي
وهو في الباطن من
مكنون سرّ أوحدي
ص: 98
أوّل في الكون من قبل البرايا
آخر في الآخري
فهو في الظاهر شخص بشري
ناطق من جسم ربّ آدمي
وهو في الباطن جسم ملكي
أبطحي قرشي هاشمي وولي
* * *
وقال الزاهي :
وهو لكلّ الأوصياء آخر
يضبطه التوحيد في الخلق انضبط
باطن علم الغيب والظاهر في
كشف الإشارات وقطب المغتبط
محيي بحدّي سيفه الدين كما
أمات ما أبدع أرباب اللغط
* * *
وقال(1) عليه السلام : أنا دحوت أرضها ، وأنشأت جبالها ، وفجّرت عيونها ، وشققت أنهارها ، وغرست أشجارها ، وأطعمت ثمارها ، وأنشأت سحابها ، وأسمعت رعدها ، ونوّرت برقها ، وأضحيت شمسها ، وأطلعت قمرها ، وأنزلت قطرها ، ونصبت نجومها .
وأنا البحر القمقام الزاخر ، وسكّنت أطوادها ، وأنشأت جواري الفلك فيها ، وأشرقت شمسها ، وأنا جنب اللّه وكلمته ، وقلب اللّه ، وبابه الذي يؤتى منه ، ادخلوا الباب سجّدا ، أغفر لكم خطاياكم ، وأزيد المحسنين ،
ص: 99
وبي وعلى يدي تقوم الساعة ، وفي يرتاب المبطلون ، وأنا الأوّل والآخر ، والظاهر والباطن ، وأنا بكلّ شيء عليم .
شرح ذلك :
عن الباقر عليه السلام : أنا دحوت أرضها ، يقول : أنا وذرّيتي الأرض التي يسكن إليها .
وأنا أرسيت جبالها ، يعني : الأئمة ذرّيتي هم الجبال الرواكد التي لا تقوم إلاّ بهم .
وفجّرت عيونها ، يعني : العلم الذي ثبت في قلبه جرى على لسانه .
وشققت أنهارها ، يعني : منه انشعب الذي من تمسّك بها نجا .
وأنا غرست أشجارها ، يعني : الذرّية الطيبة .
وأطعمت أثمارها ، يعني : أعمالهم الزكية .
وأنا أنشأت سحابها ، يعني : ظلّ من استظل ببنائها .
وأنا أنزلت قطرها ، يعني : حياة ورحمة .
وأنا أسمعت رعدها ، يعني : لما يسمع من الحكمة ، ونورت برقها ، يعني : بنا استنارت البلاد .
وأضحيت شمسها ، يعني : القائم منّا نور على نور ساطع ، واطلعت قمرها ، يعني : المهدي من ذرّيتي ، وأنا نصبت نجومها ، يهتدى بنا ويستضاء بنورنا .
وأنا البحر القمقام الزاخر ، يعني : أنا إمام الأمّة ، وعالم العلماء ، وحكم الحكماء ، وقائد القادة ، يفيض علمي ثم يعود إليّ ، كما أنّ البحر يفيض ماءه على ظهر الأرض ، ثم يعود إليه بإذن اللّه .
ص: 100
وأنا أنشأت جواري الفلك فيها ، يقول : أعلام الخير وأئمة الهدى منّي .
وسكّنت أطوادها ، يقول : فقأت عين الفتنة ، وأقتل أصول الضلالة .
وأنا جنب اللّه وكلمته ، وأنا قلب اللّه ، يعني : أنا سراج علم اللّه ، وأنا باب اللّه : من توجه بي إلى اللّه غفر له .
وقوله : بي وعلى يدي تقوم الساعة ، يعني : الرجعة قبل القيامة ، ينصر اللّه في ذرّيتي المؤمنين ، والى المقام المشهود .
قال أبو العلى :
وهل تناكرت الأحلام وانقلبت
فيهم فأصبح نور اللّه منكشفا
إلاّ أضاء لهم عنها أبو حسن
بعلمه وكفاهم حرّها وشفى
وهل نظير له في الزهد بينهم
ولو أضاح لدينا أو بها كلفا
وهل أطاع النبي المصطفى بشر
من قبله وحذا آثاره وقفا
* * *
ص: 101
ص: 102
ص: 103
ص: 104
ص: 105
ص: 106
اجتمعت الأمّة أنّ هذه الآية نزلت في علي عليه السلام لمّا تصدّق بخاتمه وهو راكع ، لا خلاف بين المفسّرين في ذلك .
ذكره الثعلبي ، والماوردي ، والقشيري ، والقزويني ، والرازي ، والنيسابوري ، والفلكي ، والطوسي ، والطبري ، في تفاسيرهم : عن السدي ، ومجاهد ، والحسن ، والأعمش ، وعتبة بن أبي حكيم ، وغالب بن عبد اللّه ، وقيس بن الربيع ، وعباية الربعي ، وعبد اللّه بن عباس ، وأبي ذر الغفاري .
وذكره ابن البيع في معرفة أصول الحديث : عن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام .
والواحدي في أسباب نزول القرآن : عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس .
والسمعاني في فضائل الصحابة : عن حميد الطويل عن أنس .
وسلمان بن أحمد في معجمه الأوسط عن عمار .
وأبو بكر البيهقي في المصنف .
ومحمد الفتال في التنوير ، وفي الروضة : عن عبد اللّه بن سلام ، وأبي صالح ، والشعبي ، ومجاهد ، وزرارة بن أعين عن محمد بن علي عليهماالسلام .
ص: 107
والنطنزي في الخصائص : عن ابن عباس .
والإبانة عن الفلكي عن جابر الأنصاري، وناصح التميمي، وابن عباس.
والكلبي في روايات مختلفة الألفاظ متّفقة المعاني .
وفي أسباب النزول عن الواحدي : أنّ عبد اللّه بن سلام أقبل ، ومعه نفر من قومه ، وشكوا بعد المنزل عن المسجد ، وقالوا : إنّ قومنا لمّا رأونا أسلمنا رفضونا ، ولا يكلّمونا ولا يجالسونا ولا يناكحونا ، فنزلت هذه الآية .
فخرج النبي صلى الله عليه و آله إلى المسجد ، فرأى سائلاً ، فقال : هل أعطاك أحد شيئا ؟ قال : نعم ، خاتم فضّة - وفي رواية : خاتم ذهب - ، قال : من أعطاكه ؟ قال : أعطانيه هذا الراكع(1) .
تفسير الثعلبي : في رواية أبي ذر : أنّ السائل قال : اللّهم اشهد أنّي سألت في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولم يعطني أحد شيئا ، وكان علي عليه السلام
راكعا ، فأومى بخنصره اليمنى ، فأقبل السائل حتى أخذه من خنصره ، وذلك بعين رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ص: 108
فلمّا فرغ رسول اللّه صلى الله عليه و آله من صلاته رفع رأسه إلى السماء ، وقال : اللّهم إنّ أخي موسى عليه السلام سألك فقال : « رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي » إلى قوله « أَمْرِي » ، فأنزلت عليه قرآنا « سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما » ، اللّهم وأنا محمد نبيك وصفيّك ، اللّهم « اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي »عليا « أَخِي اشْدُدْ بِهِ » ظهري .
قال أبو ذر : فواللّه ، ما استتمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله الكلمة حتى نزل جبريل عليه السلام من عند اللّه ، فقال : يا محمد ، اقرأ ، قال : وما اقرأ ؟ قال : اقرأ : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ »(1) . . الآية .
أبو جعفر عليه السلام : إنّ رهطا من اليهود أسلموا ، منهم : عبد اللّه بن سلام ، وأسيد ، وثعلبة ، وبنيامين ، وسلام ، وابن صوريا ، فقالوا : يا رسول اللّه ، إنّ موسى عليه السلام أوصى إلى يوشع بن نون عليه السلام ، فمن وصيّك - يا رسول اللّه - ؟ ومن ولّيت بعدك ؟ فنزلت هذه الآية .
ثم قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : قوموا ، فقاموا ، فأتوا المسجد ، فإذا السائل خارج ، فقال : يا سائل ، ما أعطاك أحد شيئا ؟ قال : نعم ، هذا الخاتم .
ص: 109
قال : من أعطاكه ؟ قال : أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلّي ، قال : على أيّ حال أعطاك ؟ قال : راكعا .
فكبر النبي صلى الله عليه و آله ، وكبر أهل المسجد ، فقال صلى الله عليه و آله : علي بن أبي طالب وليّكم بعدي ، فقالوا : رضينا باللّه ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا ، وبعلي وليّا .
فأنزل اللّه - تعالى - « وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ » . . الآية(1) .
كتاب أبي بكر الشيرازي : أنّه لمّا سأل السائل وضعها على ظهره إشارة إليه أن ينزعها ، فمدّ السائل يده ونزع الخاتم من يده ، ودعا له ، فباهى اللّه - تعالى - ملائكته بأمير المؤمنين عليه السلام ، وقال : ملائكتي ، أما ترون عبدي جسده في عبادتي ، وقلبه معلّق عندي ، وهو يتصدّق بماله طلبا لرضاي ، أشهدكم أنّي رضيت عنه وعن خلفه ، يعنى ذرّيته ، ونزل جبرئيل عليه السلامبالآية .
وفي رواية أبي ذر : كان عليه السلام في صلاة الظهر(1) .
وروي : أنّه كان في نافلة الظهر(2) .
أمالي ابن بابويه : قال عمر بن الخطاب : لقد تصدّقت بأربعين خاتما وأنا راكع لينزل في ما نزل في علي بن أبي طالب ، فما نزل(3) .
الباقر عليه السلام في قوله تعالى « وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا » . . الآية[ يعني عليا عليه السلام (4)] .
أسباب النزول عن الواحدي : « وَمَنْ يَتَوَلَّ » يعني يحبّ(5) « اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا » يعني عليا « فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ » يعني شيعة اللّه
ص: 111
ورسوله ووليّه « هُمُ الْغالِبُونَ » يعني هم الغالبون(1) على جميع العباد ، فبدأ في هذه الآية بنفسه ، ثم بنبيّه ، ثم بوليّه ، وكذلك في الآية الثانية(2) .
وفي الحساب « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » .
ووزنه :
محمد المصطفى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وبعده المرتضى علي بن أبي طالب وعترته عليهم السلام ، وعدد حساب كلّ واحد منهما ثلاثة آلاف وخمسمائة وثمانون .
الكافي جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه عليهم السلام قال : لمّا نزلت « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ » اجتمع نفر من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله في مسجد المدينة ، وقال بعضهم لبعض : ما تقولون في هذه الآية ؟ قال بعضهم : إن كفرنا بهذه الآية كفرنا بسائرها ، وإن آمنّا فإنّ هذا ذلّ حين يسلّط علينا علي بن أبي طالب عليه السلام !
فقالوا : قد علمنا أنّ محمدا صلى الله عليه و آله
صادق فيما يقول ، ولكن نتوالاّه ولا نطيع
ص: 112
عليا فيما أمرنا ، فنزل « يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها » يعني ولاية
محمد(1) صلى الله عليه و آله « وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ » بولاية علي(2) .
علي بن جعفر عن أبي الحسن عليه السلام في قوله تعالى « وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى » أوحى اللّه إليه :
يا محمد ، إنّي أمرت فلم أطع ، فلا تجزع أنت إذا أمرت فلم تطع في وصيّك(3) .
فقوله تعالى « وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » أثبت الولاية لمن جعله وليّا لنا على وجه بالتخصيص ، ونفى معناها عن غيره، ويعني بوليّكم القائم بأموركم ، ومن يلزمكم طاعته.
وإذ ثبت ذلك ثبتت إمامته ، لأن لا أحد يجب له التصرّف في الأمّة ،
وفرض الطاعة له بعد النبي صلى الله عليه و آله إلاّ من كان إماما لهم .
ص: 113
وثبتت أيضا عصمته ، لأنّه سبحانه إذا أوجب له فرض الطاعة مثل ما أوجبه لنفسه ولنبيه صلى الله عليه و آله اقتضى ذلك طاعته في كلّ شيء ، وهذا برهان عصمته ، لأنّه لو لم يكن كذلك لجاز منه الأمر بالقبيح ، فيقبح طاعته ، وإذا قبحت كان - تعالى - قد أوجب فعل القبيح ، وفي علمنا أنّ ذلك لا يجوز عليه سبحانه ، ودليل على وجوب العصمة .
والدليل على أنّ لفظة « وليّ » في الآية تفيد الأولى ما ذكره المبرّد في كتاب العبارة عن صفات اللّه أنّ الوليّ هو الأولى .
وقال النبي صلى الله عليه و آله : أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها ، ومنه أولياء الدم ، وفلان وليّ أمر الرعية :
ونعم وليّ الأمر بعد ولّيه
ومنتجع التقوى ونعم المؤدّب
* * *
وما يعترض به السائل فلا يلتفت إليه .
واختصاص الآية ببعض المؤمنين حيث وصفهم بإيتاء الزكاة يوجب خروج من لم يؤتها .
ومن حيث خصّ إيتائهم بحال الركوع ، ولم يحصل ذلك لجميع المؤمنين .
ص: 114
ومن حيث نفي الولاية عن غير المذكورين في الآية بإدخال لفظة « إنّما » ، و« إيتاء الزكاة » في حال الركوع لم يدع لأحد غيره(1) .
والرواية متواترة من طريق الشيعة ، وظاهرة من طرق المخالفين ، وتجري الأخبار بلفظ الجمع ، وهو واحد مجرى الأخبار بذلك عن الواحد ، قوله تعالى « الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ » الآية ، وقوله : « إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ » ، وقوله : « يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ » .
ثم إنّ قوله : « وَالَّذِينَ آمَنُوا » ليس على العموم ، بل بعضهم ، لأنّه وصف بإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة في حال الركوع(2) .
قال خزيمة بن ثابت :
فديت عليا إمام الورى
سراج البريّة مأوى التقى
وصيّ الرسول وزوج البتول
إمام البريّة شمس الضحى
ففضّله اللّه ربّ العباد
وأنزل في شأنه هل أتى
تصدّق خاتمه راكعا
فأحسن بفعل إمام الورى
* * *
وله أيضا :
أبا حسن تفديك نفسي وأسرتي
وكلّ بطيء في الهدى ومسارع
أيذهب مدح من محبّك ضائعا
وما المدح في جنب الإله بضائع
ص: 115
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا
علي فدتك النفس يا خير راكع
فأنزل فيك اللّه خير ولاية
وبيّنها في محكمات الشرائع
* * *
وأنشأ حسان بن ثابت ، وهو في ديوان الحميري :
علي أمير المؤمنين أخو الهدى
وأفضل ذي نعل ومن كان حافيا
وأوّل من أدّى الزكاة بكفّه
وأوّل من صلّى ومن صام طاويا
فلمّا أتاه سائل مدّ كفّه
إليه ولم يبخل ولم يك جافيا
فدسّ إليه خاتما وهو راكع
وما زال أوّاها إلى الخير داعيا
فبشّر جبريل النبي محمدا
بذاك وجاء الوحي في ذاك ضاحيا
* * *
وقال الحميري :
من كان أوّل من تصدّق راكعا
يوما بخاتمه وكان مشيرا
من ذاك قول اللّه إنّ وليّكم
بعد الرسول ليعلم الجمهورا
* * *
وله أيضا :
وأوّل مؤمن صلّى وزكّى
بخاتمه على رغم الكفور
وقد وجب الولاء له علينا
بذلك في الجهاد وفي الضمير
* * *
وله أيضا :
نفسي الفداء لراكع متصدّق
يوما بخاتمه فآب سعيدا
أعني الموحّد قبل كلّ موحد
لا عابدا صنما ولا جلمودا
ص: 116
أعني الذي نصر النبي محمدا
ووقاه كيد معاشر ومكيدا
سبق الأنام إلى الفضائل كلّها
سبق الجواد لذي الرهان بليدا
* * *
وله أيضا :
وأنزل فيه ربّ الناس آيا
أقرّت من مواليه العيونا
بأنّي والنبي لكم وليّ
ومؤتون الزكاة وراكعونا
ومن يتولّ ربّ الناس يوما
فإنّهم لعمري فائزونا
* * *
وله أيضا :
ومن أنزل الرحمن فيهم هل أتى
لمّا تحدّوا للنذور وفاء
من خمسة جبريل سادسهم وقد
مدّ النبي على الجميع عباء
من ذا بخاتمه تصدّق راكعا
فأثابه ذو العرش منه ولاء
* * *
وقال الرضي :
ومن سمحت بخاتمه يمين
تضنّ بكلّ عالية الكعاب
أهذا البحر يكسف بالدياجي
وهذى الشمس تطمس بالضباب
* * *
وقال دعبل :
نطق القرآن بفضل آل محمد
وولاية لعليّه لم تجحد
بولاية المختار من خير الذي
بعد النبيّ الصادق المتودّد
ص: 117
إذ جاءه المسكين حال صلاته
فامتدّ طوعا بالذراع وباليد
فتناول المسكين منه خاتما
هبط الكريم الأجوديّ الأجود(1)
فاختصّه الرحمن في تنزيلهمن حاز مثل فخاره فليعدد
إنّ الإله وليّكم ورسولهوالمؤمنين فمن يشأ فليجحد
يكن الإله خصيمه فيها غداواللّه ليس بمخلف في الموعد
* * *
وقال العوني :
ومن بخاتمه منهم تصدّق في
وقت الصلاة فقد سئلوا ومابذلوا
من أنزل اللّه فيه هل أتى وله
فضل كفضل رسول اللّه متّصل
* * *
وله أيضا :
أبن لي من في القوم جاد بخاتم
على السائل المعنى إذا جاء قانعا
وجاد به سرّا فأفشاه ربّه
وبيّن من كان المصدّق راكعا
* * *
وقال العبدي :
ذا المصدّق في الصلاة بخاتم
وبقوته للمستكين السارب
* * *
وله أيضا :
تصدّق بالخاتم للّه راكعا
فأثنى عليه اللّه في محكم الذكر
ص: 118
وقال ابن حماد :
وأنزل فيه اللّه وحيا مفصّلاً
لدى هل أتى إذ قال يوفون بالنذر
* * *
وله أيضا :
من كان بالنذر وفى
أو لليتيم أسعفا
فانظر بماذا أتحفا
إذا قرأت هل أتى
من كان زكّى راكعا
بخاتم تواضعا
لذي الجلال خاشعا
فأنزلت آي الولا
* * *
وقال الصاحب :
ألم تعلموا أنّ الوصي هو الذي
آتى الزكاة وكان في المحراب
ألم تعلموا أنّ الوصي هو الذي
حكم الغدير له على الأصحاب
* * *
وله أيضا :
هل مثل برّك في حال الركوع وما
برّ كبرّك برّا للمزكّينا
هل مثل ذلك للعاني الأسير
وللطفل الصغير وقد أعطيت مسكينا
* * *
ص: 119
وقال الوراق :
علي أبو السبطين صدّق راكعا
بخاتمه سرّا ولم يتجهم
فلمّا أتاه سائل مدّ كفّه
فلم يستو حتى حباه بخاتم
* * *
وقال الصفي البصري :
يا من بخاتمه تصدّق راكعا
إنّي ادخرتك للقيامة شافعا
اللّه عرّفني وبصّرني به
فمضيت في ديني بصيرا سامعا
* * *
وقال نصر بن المنتصر :
ومن أقام خاشعا صلاته
يؤتي الزكاة راكعا لمن أتى
ومن له ملك كبير ناعم
في الخلد لا تنكره في هل أتى
* * *
وقال الأصفهاني :
أفمن بخاتمه تصدّق راكعا
يرجو بذاك رضى القريب الداني
حتى تقرّب منه بعد نبيّه
بولاية بشواهد ومعان
بولائه في آية لولاتها
نزلت حصاهم أوّل وإثنان
فالأوّل الصمد المقدّس ذكره
ونبيّه ووصيّه التبعان
هل في تلاوتها بآي ذوي هدى
من قبل ثالث أهلها يليان
هذي الولاية إن تعود عليهما
من بعده من عقدها قسمان
* * *
ص: 120
وقال أبو الحسين :
من جاد للمسكين بالقوت ولم
يمنعه حرّ الصيام والطوى
من منّ بالخاتم منه راكعا
للطالب الرفد عطاء وحبا
* * *
وقال شاعر آخر :
أو في الصلاة مع الزكاة أقامها
واللّه يرحم عبده الصبّارا
من ذا بخاتمه تصدّق راكعا
وأسرّه في نفسه إسرارا
* * *
وقال بعض الأدباء :
ليس كالمصطفى ولا كعلي
سيد الأوصياء من يدّعيه
من يوالي غير الإمام علي
رغبة منه فالتراب بفيه
هذه إنّما وليّكم اللّه
أتت بالولاء من اللّه فيه
فإذا ما اقتضى به اللفظ معنى
الجمع كانت من بعده لبنيه
* * *
ص: 121
ص: 122
ص: 123
ص: 124
أبو جعفر بن بابويه في الأمالي بطرق كثيرة عن جويبر عن الضحاك عن أبي هارون العبدي عن ربيعة السعدي ، وعن أبي إسحاق الفزاري عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام كلّهم عن ابن عباس .
وروى عن منصور بن الأسود عن الصادق عن آبائه عليهم السلام ، واللّفظ له ، قال :
لمّا مرض النبي صلى الله عليه و آله مرضه الذي توفي فيه اجتمع إليه أهل بيته وأصحابه ، فقالوا : يا رسول اللّه ، إن حدث بك حدث فمن لنا بعدك ؟ ومن القائم فينا بأمرك ؟ فلم يجبهم جوابا وسكت منهم ، فلمّا كان اليوم الثاني أعادوا عليه القول ، فلم يجبهم عن شيء ممّا سألوه ، فلمّا كان اليوم الثالث ، قالوا : يا رسول اللّه ، إن حدث بك حادث فمن لنا بعدك ؟ ومن القائم لنا بأمرك ؟
فقال لهم : إذا كان غدا هبط نجم من السماء في دار رجل من أصحابي ، فانظروا من هو ! فهو خليفتي فيكم من بعدي ، والقائم بأمري ، ولم يكن فيهم أحد إلاّ وهو يطمع أن يقول له : أنت القائم من بعدي .
فلمّا كان اليوم الرابع جلس كلّ واحد منهم في حجرته ينتظر هبوط النجم إذ انقض نجم من السماء قد علا ضوؤه على ضوء الدنيا ، حتى وقع في
ص: 125
حجرة علي عليه السلام ، فماج(1) القوم وقالوا : لقد ضل هذا الرجل وغوى ، وما ينطق في ابن عمّه إلاّ بالهوى ، فأنزل اللّه في ذلك « وَالنَّجْمِ إِذا هَوى »(2) الآيات .
ويقال ونزل : قد « جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ » .
وفي رواية نوف البكالي : أنّه سقط في منزل علي عليه السلام نجم أضاءت له المدينة وما حولها(3) .
والنجم كانت الزهرة . وقيل : بل الثريا(4) .
قال ابن حماد :
قال الإمام هو الذي في داره
ينقضّ نجم الليل ساعة يطلع
فانقض في دار الوصي فغاضهم
وغدت له ألوانهم تتمقّع(5)
قالوا أمال به الهوى في صنوهوتوازروا إلبا عليه وشنّعوا
* * *
وله أيضا :
نصّ عليه أحمد
في خبر لا يجحد
والقوم كلّ يشهد
قال لهم وما افترى
ص: 126
من ذا هو نجم الأفق
في داره عند الغسق
فهو الإمام المستحق
لا تقعدوا عنه بطا
قالوا بدا في حكمه
هوى لابن عمّه
يجعلها بزعمه
فقال والنجم إذا
في تلكم الدار هوى
ما ضلّ ذا ولا غوى
صاحبكم كما ادعى
بل هو حقّ قد أتى
* * *
وله أيضا :
وقول محمد في النجم لمّا
هوى في داره حيدرة الأمير
* * *
وقال خطيب منبج :
ويوم النجم حين هوى فقاموا
على أقدامهم متألّمينا
فقالوا ضلّ هذا في علي
وصار له من المتعصّبينا
وأنزل ذو العلى في ذاك وحيا
تعالى اللّه خير المنزلينا
بأنّ محمدا ما ضلّ فيه
ولكن أظهر الحقّ المبينا
* * *
وقال العوني :
ومن هوى النجم إلى حجرته
فأنزل اللّه إذا النجم هوى
* * *
ص: 127
وقال ابن علوية :
هل تعلمون حديث النجم إذ هوى
في داره من دون كلّ مكان
قالوا أشر نحو النبي بنعمة
نسمع له ونطعه بالإذعان
قال النبي ستكفرون إن أنتم
ملتم عليه بخاطر العصيان
وستعلمون من المزنّ بفضله
ومن المشار إليه بالأزمان(1)
قالوا أبنه فلم نخالف أمرهفيما يجيء به من البرهان
فإليه أومِ فقال إنّ علامةفيها الدليل على مراد العاني
فابغوا الثريا في السطوح فإنّهامن سطح صاحبكم كلمع يمان
سكنت رواعده وقلّ وميضهفتبيّنته حسائر العوران
فضلاً عن العين البصير بقلبهوالمبصر الأشياء بالأعيان
حتى إذا صدعت حقائق أمرهنفروا نفور طرائد البهزان(2)
زعموا بأنّ نبينا اتبع الهوىوأتاهم بالإفك والعدوان
كذبوا وربّ محمد وتبدّلواوجروا إلى عمه وضدّ بيان
* * *
وقال مهيار :
أنا الذي لو سجد النجم لكم
ما كنت مرتابا ولا مستكبرا
* * *
ص: 128
تاريخ الخطيب ، والبلاذري ، وحلية أبي نعيم ، وإبانة العكبري : سفيان الثوري عن الأعمش عن الثوري عن علقمة عن ابن مسعود قال :
أصاب فاطمة عليهاالسلام صبيحة يوم العرس رعدة ، فقال لها النبي صلى الله عليه و آله : يا فاطمة ، زوّجتك سيّدا في الدنيا ، وأنّه في الآخرة لمن الصالحين .
يا فاطمة ، لمّا أراد اللّه - تعالى - أن يملكك بعلي أمر اللّه - تعالى - جبرئيل ، فقام في السماء الرابعة ، فصفّ الملائكة صفوفا ، ثم خطب عليهم ، فزوّجك من علي عليه السلام ، ثم أمر اللّه - سبحانه - شجر الجنان ، فحملت الحلي والحلل ، ثم أمرها فنثرته على الملائكة ، فمن أخذ منهم - يومئذٍ - شيئا أكثر ممّا أخذه غيره افتخر به إلى يوم القيامة .
قالت أم سلمة : لقد كانت فاطمة عليه السلام تفتخر على النساء ، لأنّها من خطب عليه جبرئيل(1) عليه السلام .
تاريخ بغداد : وشرف المصطفى ، وشرح الألكاني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد اللّه عن النبي صلى الله عليه و آله : أنّه نظر إلى علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فقال : أنت سيد في الدنيا ، وسيد في الآخرة ، من أحبّك فقد أحبّني ،
ص: 129
ومن أحبّني فقد أحبّ اللّه ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض اللّه (1) .
حلية الأولياء ، وفضائل السمعاني ، وكتاب الطبراني ، والنطنزي بالإسناد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحسن بن علي عليهماالسلام قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
ادعوا لي سيد العرب - يعني عليا عليه السلام - ، فقالت عائشة : ألست سيد العرب ؟ قال : أنا سيد ولد آدم ، وعلي سيد العرب .
فلمّا جاء أرسل إلى الأنصار فأتوه ، فقال : معاشر الأنصار علي ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعده ، قالوا : بلى يا رسول اللّه ، قال : هذا علي فأحبوه لحبّي ، وأكرموه لكرامتي ، فأن جبرئيل أمرني بالذي قلت لكم عن اللّه عزّ وجلّ(2) .
ورواه أبو بشير عن سعيد بن عائشة في كتاب السؤدد .
وفي رواية : فقالت عائشة : وما السيّد ؟ قال : من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي(3) .
ص: 130
أبو حنيفة بإسناد له إلى فاختة أم هاني : قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي : أنت سيّد الناس في الدنيا ، وسيّد الناس في الآخرة .
الحلية قال الشعبي : قال علي عليه السلام : قال النبي صلى الله عليه و آله : مرحبا بسيّد المسلمين ، وإمام المتّقين(1) . . الخبر .
وفي الخبر المسند : أنا سيّد النبيّين ، وعلي سيّد الوصيّين(2) .
وفي الخبر للحسين عليه السلام : أنت السيّد وابن السيّد وأخو السيّد(3) .
وفي الحساب : سيّد النجباء ، جمال الأئمة ، اتفقا في مائة وإحدى وستّين .
وهكذا قولهم : جمال النجباء ، سيّد الأئمة ، استويا في العدد .
وإذا قلت : سيد النجباء جمال الأئمة يكون وزنه السيد علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
وكذلك إذا قلت : جمال النجباء سيّد الأئمة .
* * *
ص: 131
قال الصاحب :
سيد الناس حيدره
هذه حين تذكره
لعن اللّه كلّ من
ردّ هذا وانكره
هو غيض لناصبيه
وهو حتف لمخبره
* * *
وله أيضا :
أيا ابن عمّ رسول اللّه أفضل من
ساد الأنام وساس الهاشميّينا
أنت الإمام ومنظور الأنام فمن
يردّ ما قلته يقمع براهينا
* * *
قوله :
حبّ علي علو همّه
لأنّه سيّد الأئمه
* * *
ص: 132
ص: 133
ص: 134
الأمّة على قولين في معنى « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ » .
أحدها : أنّها في أئمتنا عليهم السلام .
والثاني : أنّها في أمراء السرايا .
وإذا بطل أحد الأمرين ثبت الآخر ، وإلاّ خرج الحقّ عن الأمّة .
والذي يدلّ على أنّها في أئمتنا عليهم السلام أنّ ظاهرها يقتضي عموم طاعة أولي الأمر من حيث عطفه - تعالى - الأمر بطاعتهم على الأمر بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه و آله ، ومن حيث أطلق الأمر بطاعتهم ، ولم يخصّ شيئا من شيء ، لأنّه - سبحانه - لو أراد خاصّا لبيّنه ، وفي فقد البيان منه - تعالى - دليل على إرادة الكلّ .
وإذا ثبت ذلك ثبتت إمامتهم ، لأنّه لا أحد تجب طاعته على ذلك الوجه بعد النبي صلى الله عليه و آله إلاّ الإمام ، وإذا قضت وجوب طاعة أولي الأمر على العموم لم يكن بدّ من عصمتهم ، وإلاّ أدّى إلى أن يكون - تعالى - قد أمر بالقبيح ، لأنّ من ليس بمعصوم لا يؤمن منه وقوع القبيح ، فإذا وقع كان الإقتداء به قبيحا .
ص: 135
وإذا ثبت دلالة الآية على العصمة وعموم الطاعة بطل توجهها إلى أمراء السرايا ، لارتفاع عصمتهم واختصاص طاعتهم .
وقال بعضهم : هم علماء أمّة العامّة ، وهم مختلفون ، وفي طاعة بعضهم عصيان بعض ، وإذا أطاع المؤمن بعضهم عصى الآخر ، واللّه - تعالى - لا يأمر بذلك .
ثم إنّ اللّه - تعالى - وصف أولي الأمر بصفة تدلّ على العلم والإمرة جميعا ، قوله تعالى : « وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَْمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الأَْمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ » ، فردّ الأمر إلى الخوف للأمراء ، والاستنباط للعلماء ، ولا يجتمعان إلاّ لأمير عالم(1) .
الشعبي : قال ابن عباس : هم أمراء السرايا ، وعلي عليه السلام أوّلهم(2) .
وسأل الحسن بن صالح بن حي جعفر الصادق عليه السلام عن ذلك ، فقال : الأئمة من أهل بيت رسول اللّه (3) صلى الله عليه و آله .
تفسير مجاهد : إنّما نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام حين خلّفه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالمدينة ، فقال : يا رسول اللّه ، أتخلّفني بين النساء والصبيان ؟! فقال : يا علي ، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى حين قال له « اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ » ، فقال : بلى واللّه .
ص: 136
« وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ » قال : علي بن أبي طالب عليه السلام ، ولاّه اللّه أمر الأمّة بعد محمد صلى الله عليه و آله حين خلّفه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالمدينة ، فأمر اللّه العباد بطاعته وترك خلافه(1) .
وفي إبانة الفلكي : أنّها نزلت لمّا شكى أبو بردة من علي(2) عليه السلام . . الخبر .
قال الحميري :
أوليس قد فرضت علينا طاعة
لأولي الأمور فهل لها تأويل
ما كان خبّرنا بذاك محمد
خبرا له في المسندات أصول
إنّ الخليفة بعده هذا الذي
فيها عليه من الخطاب يحيل
* * *
وله أيضا :
وقال اللّه في القرآن قولاً
يردّ عليكم ما تدّعونا
أطيعوا اللّه ربّ الناس ربّا
وأحمد والأولى المتأمّرينا
فذلكم أبو حسن علي
وسبطاه الولاة الفاضلونا
* * *
وتنحّل ابن الجهم هذا المعنى للمتوكّل ، فقال :
كفاكم بأنّ اللّه فوّض أمره
إليكم وأوحى أن أطيعوا أولي الأمر
ص: 137
ولم يسأل الناس النبي محمد
سوى ودّ ذي القربى القريبة من أجر
ولا يقبل الإيمان إلاّ بحبّكم
وهل يقبل اللّه الصلاة بلا طهر
* * *
ص: 138
وأمّا الخبر : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى : إلاّ أنّه لا نبي بعدي .
فقد أخرجه الشيخان في صحيحهما ، والنطنزي في الخصائص : أنّه سأل رجل شافعي عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ النبوة(1) .
وصنّف أحمد بن محمد بن سعد كتابا في طرقه قد تلقّته الأمّة بالقبول إجماعا ، وقد قال صلى الله عليه و آله ذلك مرارا ، منها :
لمّا خلّفه في غزاة تبوك على المدينة والحرم فريدا ، لأنّ تبوك بعيدة
ص: 139
منها ، فلم يأمن أن يصيروا إليها ، وأنّه قد علم أنّه لا يكون هناك قتال ، وخرج في جيش أربعين ألف رجل ، وخلّف جيشا ، وهو علي عليه السلاموحده ، وقد قال اللّه - تعالى - في غيره : « رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ » الآية ، فما ظنّك بالمدينة ليس فيها إلاّ منافق أو امرأة(1) .
قال أبو سعيد الخدري : فلمّا وصل النبي صلى الله عليه و آله إلى الجرف(2) أتاه علي عليه السلام ، فقال : يا نبي اللّه ، زعم المنافقون أنّك إنّما خلّفتني استثقلتني وتخفّفت منّي !
فقال صلى الله عليه و آله : كذبوا ، إنّما خلّفتك لما ورائي ، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ، أفلا ترضى - يا علي - أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي(3) ، فرجع علي عليه السلام .
وفي روايات كثيرة : إلاّ أنّه لا نبي بعدي ، ولو كان لكنته(4) .
رواه الخطيب في التاريخ ، وعبد الملك العكبري في الفضائل ، وأبو بكر بن مالك ، وابن الثلاج ، وعلي بن الجعد في أحاديثهم ، وابن فياض في شرح الأخبار عن عماد بن مالك عن سعيد عن أبيه .
ووجه الدليل من هذا الخبر : أنّ هارون
عليه السلام لمّا كان تاليا لموسى عليه السلام في
ص: 140
رتبة الفضل ، فكذلك أمير المؤمنين عليه السلام يجب أن يتلو النبي صلى الله عليه و آله في الفضل ، إلاّ ما استثناه من رتبة النبوة ، فيجب القطع على أنّه أفضل الصحابة .
ثم إنّه صلى الله عليه و آله أوجب لأمير المؤمنين عليه السلام جميع منازل هارون من موسى إلاّ
النبوة ، وما علم انتفاؤه من الأخوة ، ولا شبهة أنّ من جملة منازله منه أنّه كان خليفة له على قومه ، ومفترض الطاعة عليهم ، ومستحقّا لمقامه من بعده فيهم ، وفي هذا ثبوت إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، وثبوت عصمته ، لأنّ إيجاب طاعته على الإطلاق يقتضي أنّه لا يقع منه القبيح ، ودخول الاستثناء في الخبر يبطل حمل المخالف له على منزلة واحدة ، وهو استخلافه له على المدينة ، لأنّ من حقّه أن يخرج من الكلام ما لولاه لدخل تحته ، فيجب تناوله لجملة يصحّ أن يخرج الاستثناء بعضها ، ولأنّ الحال التي فيها ينفي المستثنى فيها يجب أن يثبت المستثنى منه لوجوب المطابقة بينهما .
وإذا نفى صلى الله عليه و آله بالاستثناء النبوة بعد وفاته وجب أن يكون ما عداها ثابتا في تلك الحال ، وعلى هذا كأنّه قال : أنت منّي بعد وفاتي بمنزلة هارون من موسى في حياته ، وإذا ثبت ذلك لم يجز حمل الخبر على ما ادعوه أنّ ذلك يختصّ بحال الحياة .
ثم إنّه يوجب الاستثناء أنّه لو كان بعدي نبي لكان علي عليه السلام ، وإذا كان لم يجز بعده نبي يكون أخوه ووزيره وخليفته ، لقوله تعالى « وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي » ، ولقوله « اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي » .
ومن خصّه محمد صلى الله عليه و آله بمنزلة هارون تنزّه أن يختلج في تقديمه الظنون(1) .
ص: 141
وفي كاملة ديك الجن :
إنّ النبي لم يزل يقول
والخير ما فاه به الرسول
إنّك منّي يا علي ويا أخي
بحيث من موسى وهارون النبي
لكنّه ليس نبي بعدي
فأنت خير العالمين عندي
* * *
وقال شاعر آخر :
وكان لأحمد الهادي وزيرا
كما هارون كان وزير موسى
وكان له أخا وأمين غيب
على الوحي المنزّل حين يوحى
وصيّ محمد وأبو بنيه
وأوّل ساجد للّه صلّى
* * *
وقال ابن علوية :
رحل النبي إلى تبوك وإنّه
لمخلّف عنه بأمر الماني
حذرا على أموالها وضعافها
وكرائم النسوان والصبيان
من ماكرين منافقين تخلّفوا
فتنوا إلى أهليه صرف عنان
ولكاشحيه عداوة في تركه
خوض بلا مرض ولا نسيان
فأتى النبي مبادرا وفؤاده
متخلّع من لاعج الرجفان
لم يا أمين اللّه أنت مخلّفي
عنها ولست عن الجهاد بوان(1)
أو لم تجدني ذا بلاء في الوغىحسن بحيث تناطح الكبشان
ص: 142
قال النبي له فداك أحبّتيلم تؤت من سأم ولا استرزان(1)
بأبي أبا حسن أما ترضى بأنبوّئت أكرم منزل ومكان
أصبحت منّي يا علي كمثل ماهارون أصبح من فتى عمران
إلاّ النبوة إنّها محظورةمن أن تصير أخي في إنسان
* * *
وقال ابن مكي :
ألم تعلموا أنّ النبي محمد
بحيدره أوصى ولم يسكن الرمسا
وقال لهم والقوم في خمّ حضّرا
ويتلو الذي فيه وقد همسوا همسا
علي كزرّي من قميصي وإنّه
نصيري ومنّي مثل هارون من موسى
* * *
وقال الزاهي :
غداة دعاه المصطفى وهو مزمع
لقصد تبوك وهو للسير مضمر
فقال أقم دوني بطيبة واعلمن
بأنّك للفجّار بالحقّ مبهر(2)
فلمّا مضى الطهر النبي تظاهرتعليه رجال بالمقال وأجهروا
ص: 143
فقالوا علي قد قلاه محمدوذاك من الأعداء(1) إفك ومنكر
فألفيته دون المعرّس فانثنىوقالوا علي قد أتاك يكفر(2)
فعلاّك خير الخلق من فوق شاهقوذاك من اللّه العلي مقدر
فقال رسول اللّه هذا إمامكمله اللّه ناجى أيّها المتحيّر
* * *
وقال الناشي :
فلا سيما حين واخيته(3)
وقد سار بالجيش يبغي تبوكا
فقال أناس قلاه النبيفصرت إلى الطهر إذ أخفضوكا
فقال النبي جوابا لماتؤدي إلى سمعه لفظ فيكا(4)
ألم ترض إنّا على رغمهمكموسى وهارون إذا واقفوكا
ولو كان بعدي نبيا كماجعلت الوزير جعلت الشريكا
ولكنّني خاتم المرسلينوأنت الخليفة إن طاوعوكا
* * *
وقال ابن حماد :
نصّ النبي على الهادي أبي الحسن
نصّا على صدقه أجمعت أنت معي
ص: 144
في قوله لك منّي اليوم منزلة
كانت لهارون من موسى فلا ترع(1)
وإنّما قال هذا حين خلّفهعلى المدينة إن أنصفت فاقتنع
* * *
وقال العوني :
هذا أخي مولاكم وإمامكم
وهو الخليفة إن لقيت حماما
منّي كما هارون من موسى فلا
تألوا(2) لحقّ إمامكم إعظاما
إن كان هارون النبي لقومهما غاب موسى سيّدا وإماما
فهو الخليفة والإمام وخير منأمضى القضاء وجفّف الأقلاما
* * *
وله أيضا :
أما رويت يا بعيد الذهن
ما قاله أحمد كالمهني
أنت كهارون لموسى منّي
إذ قال موسى لأخيه اخلفني
فاسألهم لم خالفوا الوصيا
* * *
وقال محمد بن نصر بن هشام :
إنّ عليا لم يزل محنة
لرابح الدين ومغبون
ص: 145
أنزله في نفسه المصطفى
منزلة لم تك بالدون
صيّره هارون في قومه
لعاجل الدين وللدين
فارجع إلى الأعراف حتى ترى
ما صنع القوم بهارون
* * *
وقال الرئيس أبو يحيى ابن الوزير أبو القاسم المغربي :
هل في رسول اللّه من أسوة
لم يقتد القوم بما سنّ فيه
أخوك هل خولفت فيه كما
خالف موسى قومه في أخيه
* * *
وقال الحماني :
وأنزله منه على رغمة العدى
كهارون من موسى على قدم الدهر
فمن كان في أصحاب موسى وقومه
كهارون لا زلتم على زلل الكفر
* * *
وقال ابن الأطيس :
من قال فيه المصطفى معلنا
أنت له(1) الحوض لدى الحشر
أنت أخي أنت وصيّي كماهارون من موسى في الأمر
* * *
ص: 146
وقال منصور النمري :
رضيت حكمك لا أبغي به بدلاً
لأنّ حكمك بالتوفيق مقرون
آل الرسول خيار الناس كلّهم
وخير آل رسول اللّه هارون
* * *
وقال أبان اللاحقي :
أشهد أنّ لا إله إلاّ
الخالق الرازق الكبير
محمد عبده رسول
جاء بحقّ عليه نور
وأنّ هارون مرتضانا
في العلم ما أن له نظير
* * *
وقال الصاحب :
وصيّره هارون بين قومه
كهارون موسى فابحثوا وتبدّلوا
* * *
وله أيضا :
حاله حالة هارون
لموسى فافهماها
* * *
وقال زيد بن علي عليه السلام :
ومن شرف الأقوام يوما ترابه
فإنّ عليا شرّفته المناقب
وقول رسول اللّه والحقّ قوله
وإن رغمت منه أنوف كواذب
ص: 147
بأنّك منّي يا علي معالنا
كهارون من موسى أخ لي وصاحب
* * *
وقال الصنوبري :
أليس من حلّ منه في أخوّته
محلّ هارون من موسى بن عمران
* * *
ص: 148
ص: 149
ص: 150
الحمد للّه الذي أمال عنّا عنان البلاء فأحسن إمالته ، الرحمن الذي أزال عنّا الأذى فأتم إزالته ، الرحيم الذي أقال لنا الذنب فأحسن إقالته ، رجى العبيد وخوّفهم فأظهر جماله وجلالته ، وأرسل النبي صلى الله عليه و آله فأوضح لنا دلالته ، أمره بالدعوة ، وتكفّل له بالعصمة ، فأحسن كفالته ، وقال : « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ » .
الواحدي في أسباب نزول القرآن بإسناده عن الأعمش وأبي الحجاف عن عطية عن أبي سعيد الخدري ، وأبو بكر الشيرازي فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام بالإسناد عن ابن عباس ، والمرزباني في كتابه عن ابن عباس قال :
نزلت هذه الآية « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » يوم غدير خمّ في علي بن أبي طالب(1) .
تفسير ابن جريح ، وعطاء ، والثوري ، والثعلبي : أنّها نزلت في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام(2) .
ص: 151
إبراهيم الثقفي بإسناده عن الخدري وبريدة الأسلمي ومحمد بن علي : أنّها نزلت يوم الغدير في علي عليه السلام .
تفسير الثعالبي(1) : قال جعفر بن محمد : معناه « بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام ، فلمّا نزلت هذه الآية أخذ النبي صلى الله عليه و آلهبيد علي عليه السلام ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه(2) .
وعنه بإسناده عن الكلبي : نزلت أن يبلّغ فيه ، فأخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيد علي عليه السلام ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه(3) .
فقوله « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ » فيه خمسة أشياء : كرامة ، وأمر ، وحكاية ، وعزل ، وعصمة .
أمر اللّه نبيه أن ينصب عليا عليه السلام إماما ، فتوقّف فيه لكراهته تكذيب القوم ، فنزلت « فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ » . . الآية ، فأمرهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يسلّموا على علي عليه السلام بالإمرة ، ثم نزل بعد أيام « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ »(4) .
ص: 152
وجاء في تفسير قوله تعالى : « فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى » ليلة المعراج في علي عليه السلام ، فلمّا دخل وقته قال : « بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » و « ما أَوْحى » ، أي « بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ » في علي عليه السلام ليلة المعراج(1) .
قال المرتضى :
للّه درّ اليوم ما أشرفا
ودرّ ما كان به أعرفا
ساق الينا فيه ربّ العلى
ما أمرض الأعداء أو أتلفا
وخصّ بالأمر عليا وإن
بدّل من بدّل أو حرّفا
إن كان قولاً كافيا فالذي
قال بخمّ وحده قد كفى
قيل له بلغ فإن لم يكن
مبلغا عن ربّه ما وفى
* * *
وقال الزاهي :
من قال أحمد في يوم الغدير له
بالنفل في خبر بالصدق مأثور
قم يا علي فكن بعدي لهم علما
واسعد بمنقلب في البعث محبور
مولاهم أنت والموفي بأمرهم
نصّ بوحي على الأفهام مسطور
ص: 153
وذاك أن إله العرش قال له
بلّغ وكن عند أمري خير مأمور
فإن عصيت ولم تفعل فإنّك ما
بلّغت أمري ولم تصدع بتذكيري
* * *
وقال المحبرة :
قام النبي له بشرح ولاية
نزل الكتاب بها من الديّان
إذ قال بلّغ ما أمرت به وثق
منهم بعصمة كالئ حنان
فدعا الصلاة جماعة وأقامه
علما بفضل مقالة وبيان
نادى ألست وليّكم قالوا بلى
حقّا فقال فذا الوليّ الثاني
فدعا له ولمن أجاب بنصره
ودعا الإله على ذوي الخذلان
* * *
وقال ابن حماد :
وقيل له بلّغ من اللّه عزمة
فقام عشاء والضحى قد تصعدا
بكفّ علي رافعا آخذا بها
يدلّ لهم أكرم بها من يد يدا
فنادى بما نادى به من ولائه
على كلّ من صلّى وصام ووحّدا
* * *
وله أيضا :
وقال لأحمد بلّغ قريشا
أكن لك عاصما أن تستكينا
فإن لم تبلّغ الأنباء عنّي
فما أنت المبلّغ والأمينا
فأبرز كفّه للناس حتى
تبيّنها جميع الحاضرينا
فأكرم بالذي رفعت يداه
وأكرم بالذي رفع اليمينا
ص: 154
فقال لهم وكلّ القوم مصغ
لمنطقه وكلّ يسمعونا
ألا هذا أخي ووصيّي حقّا(1)
وموفي العهد والقاضي الديونا
ألا من كنت مولاه فهذاله مولى فكونوا قابلينا(2)
تولّى اللّه من والى علياوعادى مبغضيه الشانئينا
فأن لم تحفظوا الميثاق بعديوتدعوه رجعتم كافرينا
* * *
الباقر والصادق عليهماالسلام في قوله تعالى : « أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ » ألم نعلمك من وصيّك ؟! فجعلناه ناصرك ومذلّ عدوّك « الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ » ، وأخرج منه سلالة الأنبياء الذين يهتدون ، « وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ » ، فلا أذكر إلاّ ذكرت معي ، « فَإِذا فَرَغْتَ » من دنياك « فَانْصَبْ »
عليا للولاية(3) ، تهتدي به الفرقة .
عبد السلام بن صالح عن الرضا عليه السلام : ألم نشرح لك صدرك يا محمد ، ألم
نجعل عليا وصيّك ؟ ووضعنا عنك وزرك بقتل مقاتلة الكفار وأهل التأويل بعلي ؟ ورفعنا لك بذلك ذكرك أي رفعنا مع ذكرك يا محمد له(4) .
ص: 155
زينة أبي حاتم الرازي : أنّ جعفر بن محمد عليهماالسلام قرأ « فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ » قال : « فَإِذا فَرَغْتَ » من إكمال الشريعة « فَانْصَبْ » لهم عليا عليه السلامإماما .
ص: 156
الحمد للّه الذي كوّن الأشياء فخصّ من بينها تكوينكم ، الرحمن الذي أنزل عليه السكينة فضمن فيها تسكينكم ، ليّن قلوبكم بقبول معرفته فألطف تليينكم ، ولقّنكم كلمة توحيده فأحسن تلقينكم ، وعلم أذان الشهادة فأذن بلطفه تأذينكم ، وملّككم في دار الدين على سرّ الإسلام فأتمّ دينكم .
أبو سعيد الخدري وجابر الأنصاري قالا : لمّا نزلت « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » قال النبي صلى الله عليه و آله : اللّه أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضى الربّ برسالتي وولاية علي بن أبي طالب عليه السلام بعدي(1) .
رواه النطنزي في الخصائص .
العياشي عن الصادق عليه السلام : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » بإقامة حافظه « وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي » بولايتنا « وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِْسْلامَ دِيناً » أي تسليم النفس لأمرنا .
الباقر والصادق عليهماالسلام : نزلت هذه الآية يوم الغدير(2) .
ص: 157
وقال يهودي لعمر : لو كان هذا اليوم فينا لاتّخذناه عيدا ، فقال ابن عباس : وأيّ يوم أكمل من هذا العيد(1) .
ابن عباس : إنّ النبي صلى الله عليه و آله توفى بعد هذه الآية بإحدى وثمانين يوما(2) .
السدي : لم ينزل اللّه بعد هذه الآية حلالاً ولا حراما ، وحجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ذي الحجّة ومحرم وقبض .
وروى أنّه لمّا نزل « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ » أمره اللّه - تعالى - أن ينادي بولاية علي عليه السلام ، فضاق النبي صلى الله عليه و آله بذلك ذرعا لمعرفته بفساد قلوبهم ، فأنزل « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ » ، ثم نزل « اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ » ، ثم نزل « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ »(3) .
وفي هذه الآية خمس بشارات : إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضى الرحمن ، وإهانة الشيطان ، ويأس الجاحدين ، قوله تعالى : « الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ » .
ص: 158
وعيد المؤمنين ، في الخبر : الغدير عيد اللّه الأكبر(1) .
ابن عباس : اجتمعت في ذلك اليوم خمسة أعياد : الجمعة ، والغدير ، وعيد اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، ولم يجتمع هذا فيما سمع قبله(2) .
وفي رواية الخدري : أنّه كان يوم الخميس(3) .
وقال العودي :
أما قال إنّ اليوم أكملت دينكم
وأتممت بالنعماء منّي عليكم
* * *
وقال أيضا :
أطيعوا اللّه ثمّ رسوله تفوزوا
ولا تعصوا أولي الأمر منكم
* * *
وقال الطاهر :
عيد في يوم الغدير المسلّم
وانكر العيد عليه المجرم
يا جاحدي الموضع واليوم وما
فاه به المختار تبّا لكم
فأنزل اللّه تعالى جدّه
« الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ »
واليوم « أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي »
وإن من نصب الأمام(4) المنعم
ص: 159
وقال الحميري :
ومن أكملتم الإيمان فارضوا
عباد اللّه في الإسلام دينا
وقال ولا وربّك لا يفيئوا
إليك ولا يكونوا مؤمنينا
* * *
وله أيضا :
بعد ما قام خطيبا معلنا
يوم خمّ باجتماع المحفل
قال إنّ اللّه قد أخبرني
في معاريض الكتاب المنزل
أنّه أكمل دينا قيما
بعلي بعد أن لم يكمل
وهو مولاكم فويل للذي
يتولّى غير مولاه الولي
وهو سيفي ولساني ويدي
ونصيري أبدا لم يزل
ووصيي وصفي والذي
حبّه في الحشر خير العمل
نوره نوري ونوري نوره
وهو بي متّصل لم يفصل
وهو فيكم من مقامي بدل
ويل لمن بدل عهد البدل
* * *
وقال آخر :
أيّ عذر لأناس سمعوا
من رسول اللّه ما قال بخم
قال قال اللّه في تنزيله
إنّ دين اللّه في ذي اليوم تم
* * *
العلماء مطبقون على قول هذا الخبر ، وإنّما وقع الخلاف في تأويله .
ص: 160
ذكره : محمد بن إسحاق ، وأحمد البلاذري ، ومسلم بن الحجاج ، وأبو نعيم الأصفهاني ، وأبو الحسن الدارقطني ، وأبو بكر بن مردويه ، وابن شاهين ، وأبو بكر الباقلاني ، وأبو المعالي الجويني ، وأبو إسحق الثعلبي ، وأبو سعيد الخركوشي ، وأبو المظفر السمعاني ، وأبو بكر بن شيبة ، وعلي بن الجعد ، وشعبة ، والأعمش ، وابن عباس ، وابن الثلاج ، والشعبي ، والزهري ، والإقليشي ، وابن البيع ، وابن ماجة ، وابن عبد ربّه ، والألكاني ، وأبو يعلى الموصلي من عدّة طرق ، وأحمد بن حنبل من أربعين طريقا ، وابن بطّة من ثلاث وعشرين طريقا ، وابن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقا ، في كتاب الولاية ، وأبو العباس بن عقدة من مائة وخمس طرق ، وأبو بكر الجعابي من مائة وخمس وعشرين طريقا(1) .
وقد صنّف علي بن هلال المهلبي كتاب الغدير ، وأحمد بن محمد بن سعد كتاب من روى غدير خمّ ، ومسعود الشجري كتابا فيه رواة هذا الخبر وطرقها ، واستخرج منصور اللاتي الرازي في كتابه أسماء رواتها على حروف المعجم .
وذكر عن الصاحب الكافي أنّه قال : روى لنا قصّة غدير خمّ : القاضي أبو بكر الجعابي عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي عليه السلام ، وطلحة ، والزبير ، والحسن عليه السلام ، والحسين عليه السلام ، وعبد اللّه بن جعفر ، وعباس بن عبد المطلب ، وعبد اللّه بن عباس ، وأبو ذر ، وسلمان ، وعبد اللّه بن عمر ،
ص: 161
وعبد الرحمن ، وأبو قتادة ، وزيد بن أرقم ، وجرير بن حميد ، وعدي بن حاتم ، وعبد اللّه بن أنيس ، والبراء بن عازب ، وأبو أيوب ، وأبو برزة الأسلمي ، وسهل بن حنيف ، وسمرة بن جندب ، وأبو الهيثم ، وعبد اللّه بن ثابت الأنصاري ، وسلمة بن الأكوع ، والخدري ، وعقبة بن عامر ، وأبو رافع ، وكعب بن عجرة ، وحذيفة بن اليمان ، وأبو مسعود البدري ، وحذيفة بن أسيد ، وزيد بن ثابت ، وسعد بن عبادة ، وخزيمة بن ثابت ، وحباب بن عتبة ، وجندب بن سفيان ، وعمر بن أبي سلمة ، وقيس بن سعد ، وعبادة بن الصامت ، وأبو زينب ، وأبو ليلى ، وعبد اللّه بن ربيعة ، وأسامة بن زيد ، وسعد بن جنادة ، وخباب بن سمرة ، ويعلي بن مرّة ، وابن قدامة الأنصاري ، وناجية بن عميرة ، وأبو كاهل ، وخالد بن الوليد ، وحسان بن ثابت ، والنعمان بن عجلان ، وأبو رفاعة ، وعمرو بن الحمق ، وعبد اللّه بن يعمر ، ومالك بن الحويرث ، وأبو الحمراء ، وضمرة بن الحبيب ، ووحشي بن حرب ، وعروة بن أبي الجعد ، وعامر بن النميري ، وبشير بن عبد المنذر ، ورفاعة بن عبد المنذر ، وثابت بن وديعة ، وعمرو بن حريث ، وقيس بن عاصم ، وعبد الأعلى بن عدي ، وعثمان بن حنيف ، وأبي بن كعب .
ومن النساء : فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وعائشة ، وأم سلمة ، وأم هاني ، وفاطمة بن حمزة .
وقال صاحب الجمهرة في الخاء والميم : خمّ ؛ موضع نصّ النبي صلى الله عليه و آلهفيه على علي عليه السلام .
ص: 162
وذكره عمرو بن أبي ربيعة في مفاخرته .
وذكره حسان في شعره .
وفي رواية عن الباقر عليه السلام قال : لمّا قال النبي صلى الله عليه و آله يوم غدير خمّ بين ألف وثلاثمائة رجل : من كنت مولاه فعلي مولاه . . الخبر(1) .
الصادق عليه السلام : نعطي حقوق الناس بشهادة شاهدين ، وما أعطى أمير المؤمنين عليه السلام حقّه بشهادة عشرة آلاف نفس ، يعني الغدير .
والغدير في وادي الأراك على عشرة فراسخ من المدينة ، وعلى أربعة أميال من الجحفة ، عند شجرات خمس دوحات عظام .
أنشد الكميت عند الباقر عليه السلام :
ويوم الدوح دوح غدير خمّ
أبان له الولاية لو أطيعا
ولكنّ الرجال تبايعوها
فلم أر مثلها خطرا منيعا
ولم أر مثل هذا اليوم يوما
ولم أر مثله حقّا أضيعا
فلم أقصد بهم لعنا ولكن
أساء بذاك أولّهم صنيعا
ص: 163
فصار لذاك أقربهم لعدل
إلى جور وأقربهم مضيعا
أضاعوا أمر قائدهم فضلّوا
وأقربهم لدى الحدثان ريعا
تناسوا حقّه فبغوا عليه
بلا ترة وكان لهم قريعا(1)
* * *
وقال مهيار :
واسألهم يوم خمّ بعد ما عقدوا
له الولاية لم خانوا ولم خلعوا
قول صحيح ونيات بها دغل
لا ينفع السيف صقل تحته طبع(2)
إنكارهم بأمير المؤمنين لهابعد اعترافهم عار به ادرعوا
ونكثهم بك ميلاً عن وصيتهشرع لعمرك ثان بعده شرعوا
* * *
والمجمع عليه أنّ الثامن عشر من ذي الحجة كان يوم غدير خمّ ، فأمر النبي صلى الله عليه و آله مناديا ، فنادى : الصلاة جامعة ، وقال : من أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : اللّه ورسوله ، فقال : اللّهم اشهد .
ثم أخذ بيد علي عليه السلام ، فقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله .
ص: 164
ويؤكد ذلك أنّه استشهد به أمير المؤمنين عليه السلام يوم الدار حيث عدّد فضائله ، فقال : أفيكم من قال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من كنت مولاه فعلي مولاه ؟ فقالوا : لا ، فاعترفوا بذلك ، وهم جمهور الصحابة .
ومن خطبة للصاحب : الجليل الذي كفله صغيرا وربّاه ، وبالعلم وبالحكمة غذّاه ، وعلى كتفه رقّاه ، وساهمه في المسجد وساواه ، وقام الغدير وناداه ، ورفع ضبعه(1) وأعلاه ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه .
* * *
ص: 165
وقال حسان بن ثابت :
يناديهم يوم الغدير نبيّهم
بخمّ وأسمع بالنبي مناديا
يقول فمن مولاكم ووليّكم
فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا
إلهك مولانا وأنت وليّنا
ولا نجدن منّا لك اليوم عاصيا
فقال له قم يا علي فإنّني
رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليّه
فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللّهم وال وليّه
وكن للذي عادى عليا معاديا
* * *
وقال قيس بن سعد :
قلت لمّا بغى العدو علينا
حسبنا ربّنا ونعم الوكيل
حسبنا ربّنا الذي فتق البصرة
بالأمس والحديث طويل
وعلي إمامنا وإمام
لسوانا أتى به التنزيل
يوم قال النبي من كنت مولاه
فهذا مولاه خطب جليل
إنّما قاله النبي على الأمّة
حتما ما فيه قال وقيل
* * *
وقال الصاحب :
وقالوا علي علا قلت لا
فإنّ العلى بعلي علا
ص: 166
ولكن أقول كقول النبي
وقد جمع الخلق كلّ الملا
ألا إنّ من كنت مولى له
يوالي عليا وإلاّ فلا
* * *
وقال أبو الفرج :
تجلّى الهدى يوم الغدير على الشبه
وبرّز إبريز البيان عن الشبه(1)
وأكمل ربّ العرش للناس دينهمكما نزل القرآن فيه فاعربه
وقام رسول اللّه في الجمع جاذبابضبع علي ذي التعالى من الشبه
وقال ألا من كنت مولى لنفسهفهذا له مولى فيالك منقبه
* * *
وقال ابن الرومي :
يا هند لم أعشق ومثلي لا يرى
عشق النساء ديانة وتحرّجا
لكنّ حبّي للوصيّ مخيّم
في الصدر يسرح في الفؤاد تولّجا
فهو السراج المستنير ومن به
سبب النجاة من العذاب لمن نجا
وإذا تركت له المحبّة لم أجد
يوم القيامة من ذنوبي مخرجا
قل لي أأترك مستقيم طريقه
جهلاً واتّبع الطريق الأعوجا
ص: 167
وأراه كالتبر المصفّى جوهرا
وأرى سواه لناقديه مبهرجا
ومحلّه من كلّ فضل بيّن
عال محل الشمس أو بدر الدجى
قال النبي له مقالاً لم يكن
يوم الغدير لسامعيه ممجمجا(1)
من كنت مولاه فذا مولى لهمثلي وأصبح بالفخار متوّجا
وكذاك إذ منع البتول جماعةخطبوا وأكرمه بها إذا زوجا
* * *
وقال ابن حماد :
يوم الغدير لأشرف الأيام
وأجلّها قدرا على الإسلام
يوم أقام اللّه فيه إمامنا
أعني الوصيّ إمام كلّ إمام
قال النبي بدوح خمّ رافعا
كفّ الوصي يقول للأقوام
من كنت مولاه فذا مولى له
بالوحي من ذي العزّة العلاّم
هذا وزيري في الحياة عليكم
فإذا قضيت فذا يقوم مقامي
يا ربّ والي من أقرّ له الولا
وأنزل بمن عاداه سوء حمام
* * *
وقال أبو العلا :
علي إمامي بعد الرسول
سيشفع في عرصة الحقّ لي
ولا أدّعي لعلي سوى
فضائل في العقل لم يشكل
ولا أدّعي أنّه مرسل
ولكن إمام بنصّ جلي
ص: 168
وقول الرسول له إذ أتى
له سيما الفاضل المفضل
ألا أنّ من كنت مولى له
فمولاه من غير شكّ علي
* * *
وقال القاضي التنوخي :
وزير النبي المصطفى ووصيّه
ومشبهه في شيمة وضرائب(1)
ومن قال في يوم الغدير محمدوقد خاف من غدر العداة النواصب
أما أنّني أولى بكم من نفوسكمفقالوا بلى ريب المريب الموارب
فقال لهم من كنت مولاه منكمفهذا أخي مولاه بعدي وصاحبي
أطيعوه طرّا فهو منّي بمنزلكهارون من موسى الكليم المخاطب
* * *
وقال الأمير أبو فراس :
تبّا لقوم بايعوا أهواءهم
فيما يسؤهم في غد عقباه
أتراهم لم يسمعوا ما خصّه
منه النبي من المقال أتاه
إذ قال في يوم الغدير معالنا
من كنت مولاه فذا مولاه
ص: 169
وقال دعبل :
فقال ألا من كنت مولاه منكم
فهذا له مولى ببعد وفاتي
أخي ووصيي وابن عمّي ووارثي
وقاضي ديوني من جميع عداتي
* * *
وقال الملك الصالح :
ويوم خمّ وقد قال النبي له
بين الحضور وشالت عضده يده
من كنت مولى له هذا يكون له
مولى أتاني به أمر يؤكّده
من كان يخذله فاللّه يخذله
أو كان يعضده فاللّه يعضده
* * *
وقال بقراط النصراني :
أليس بخمّ قد أقام محمد
عليا باحضار الملا والمواسم
فقال لهم من كنت مولاه منكم
فمولاكم بعدي علي بن فاطم
فقال إلهي كن وليّ وليّه
وعاد أعاديه على رغم راغم
* * *
وقال الجوهري :
أما أخذت عليكم إذ نزلت بكم
غدير خم عقودا بعد إيمان
وقد جذبت بضبعي خير من وطئ
البطحا من مضر العليا وعدنان
ص: 170
وقلت واللّه يأبى أن أقصّر أو
أعف الرسالة عن شرح وتبيان
هذا علي لمولى من بعثت له
مولى وطابق سرّي فيه إعلاني
هذا ابن عمّي ووالي منبري وأخي
ووارثي دون أصحابي وإخواني
هذا يحلّ إذا قايست من بدني
محلّ هارون من موسى بن عمران
* * *
وقال العوني :
إمامي له يوم الغدير أقامه
نبي الهدى ما بين من أنكر الأمرا
وقام خطيبا فيهم إذ أقامه
ومن بعد حمد اللّه قال لهم جهرا
ألا إنّ هذا المرتضى بعل فاطم
علي الرضى صهري فأكرم به صهرا
ووارث علمي والخليفة فيكم
إلى اللّه من أعدائه كلّهم أبرا
سمعتم أطعتم هل وعيتم مقالتي
فقالوا جميعا ليس نعدوا له أمرا
ص: 171
سمعنا أطعنا أيّها المرتضى فكن
على ثقة منّا وقد حاولوا عذرا
* * *
وله أيضا :
من قال أحمد في يوم الغدير له
من كنت مولاه من عجم ومن عرب
فإنّ هذا له مولى ومنذرها
يا حبّذا هو من مولى ويا بأبى
* * *
ومن قصائد الحميري :
وقال هذا فيكم خليفتي
ومن عليه في الأمور المتّكل
نحن كهاتين وأومى بأصبع
من كفّه عن كفّه لم تنفصل
لا تبتغوا بالطهر بعدي بدلاً
فليس فيكم لعلي من بدل
يا ربّ والي من يوالي حيدرا
وعاد من عاداه واخذل من خذل
يا خالقي بلّغت ما نزله
إليّ جبريل وعنه لم أحل
* * *
وله أيضا :
ألم يسمعوا يوم الغدير مقاله
تأمر(1) خير الناس عودا ومعتصر
ص: 172
يقول ألا هذا ابن عمّي ووارثي
وأوّل من صلّى وأوّل من نصر
وليّكم بعدي فوالوا وليّه
وكونوا لمن عادى عدوّا لمن كفر
* * *
وله أيضا :
جحدوا ما قاله في صنوه
يوم خمّ بين دوح منتظم
أيّها الناس فمن كنت له
واليا يوجب حقّي في القدم
فعلي هو مولاه لمن
كنت مولاه قضاء قد حتم
* * *
وله أيضا :
أحمد الخير بأعلى صوته
قال قولاً فيه لم يفتعل
إنّما مولاكم بعدي إذا
حان موتي ودنا مرتحلي
ابن عمّي ووزيري فسقوا
ماء صبر بنقيع الحنظل
قطّبوا في وجهه وائتمروا
بينهم فيه بأمر معضل
* * *
وله أيضا :
منحت الهوى المحض منّي الوصيّا
ولا أمنح الودّ إلاّ عليا
دعاني النبي عليه السلام
إلى حبّه فأحببت النبيا
فعاديت فيه وواليته
وكنت لمولاه فيه وليّا
أقام بخمّ بحيث الغدير
فقال فاسمع صوتا نديّا
ألا ذا إذا متّ مولاكم
فافهمه العرب والأعجميا
ص: 173
وله أيضا :
يوم قام النبي في ظلّ دوح
والورى في وديقة صيخود(1)
رافعا كفّه بيمني يديهبائحا باسمه بصوت بديد
أيّها المسلمون هذا خليليووزيري ووارثي وعضيدي
وابن عمّي ألا فمن كنت مولاهفهذا مولاه فارعوا عهودي
وعلي منّي بمنزلة هارونبن عمران من أخيه الودود
* * *
وله أيضا :
يا بايع الدين بدنياه
ليس بهذا أمر اللّه
فارجع إلى اللّه وألق الهوى
إنّ الهوى في النار مأواه
من أين أبغضت علي الرضى
وأحمد قد كان يرضاه
جهدك أن تسلبه اليوم ما
كان رسول اللّه أعطاه
من ذا الذي أحمد من بينهم
يوم غدير الخم ناداه
أقامه من بين أصحابه
وهم حواليه فسمّاه
هذا علي بن أبي طالب
مولى لمن قد كنت مولاه
فوال من والاه يا ذا العلى
وعاد من قد كان عاداه
* * *
ص: 174
وله أيضا :
فقام مأمورا وفي كفّه
كفّ علي لهم تلمع
رافعهاللناس أكرم بها
كفّا وبالكفّ التي ترفع
من كنت مولاه فهذا له
مولى فلم يرضوا ولم يقنعوا
* * *
وله أيضا :
به وصّى النبي غداة خمّ
جمع الناس لو حفظوا النبيّا
وناداهم ألست لكم بمولى
عباد اللّه فاستمعوا إليّا
فمن ذا كنت مولاه فإنّي
جعلت له أبا حسن وليّا
فعادى اللّه من عداه منكم
وكان بمن تولاّه حفيّا
* * *
وله أيضا :
يوم الغدير وكلّ القوم قد حضروا
من كنت مولاه في سرّ وإجهار
هذا أخي ووصيي في الأمور ومن
يقوم فيكم مقامي عند تذكار
يا ربّ عاد الذي عاداه من بشر
واركسه في درك للخزي والعار
* * *
ص: 175
وله أيضا :
إذ قال للناس من مولاكم قبلاً
يوم الغدير فقالوا أنت مولانا
أنت الرسول ونحن الشاهدون على
أن قد نصحت وقد أبنت تبيانا
هذا وليّكم بعدي أمرت به
حتما فكونوا له حزبا وأعوانا
هذا أبرّكم برّا وأكثركم
علما وأوّلكم باللّه إيمانا
هذا له قربة منّي ومنزلة
كانت لهارون من موسى بن عمرانا
* * *
وله أيضا :
وقام محمد بغدير خمّ
فنادى معلنا صوتا نديّا
لمن وافاه من عرب وعجم
وحفّوا حول دوحته حنيّا
ألا من كنت مولاه فهذا
له مولى وكان به حفيّا
إلهي عاد من عادى عليا
وكن لوليه ربّي وليّا
* * *
وله أيضا :
وبخمّ إذ قال الإله بعزمه
قم يا محمد لا تقصّر واخطب
ص: 176
وانصب أبا حسن لقومك إنّه
هادٍ وما بلّغت إن لم تنصب
فدعاه ثم دعاهم فأقامه
لهم فبين مصدّق ومكذّب
جعل الولاية بعده لمهذّب
ما كان يجعلها لغير مهذّب
* * *
وله أيضا :
لقد سمعوا مقالته بخمّ
غداة يضمّهم وهو الغدير
فمن أولى بكم منكم فقالوا
مقالة واحد وهم الكثير
جميعا أنت مولانا وأولى
بنا منّا وأنت لنا نذير
فقال لهم علانية جهارا
مقالة ناصح وهم حضور
فإنّ وليّكم بعدي علي
ومولاكم هو الهادي الوزير
وزيري في الحياة وعند موتي
ومن بعدي الخليفة والأمير
فوالى اللّه من والاه منكم
وقابله لدى الموت السرور
وعادى اللّه من عاداه منكم
وحلّ به لدى الموت النشور
* * *
وقال البشنوي :
وقد شهدوا عيد الغدير وأسمعوا
مقال رسول اللّه من غير كتمان
ألست بكم أولى من الناس كلّهم
فقالوا بلى يا أفضل الإنس والجان
ص: 177
فقام خطيبا بين أعواد منبر
ونادى بأعلى الصوت جهرا بإعلان
بحيدرة والقوم خرس أذلّة
قلوبهم ما بين خلف وعينان
فلبّى مجيبا ثم أسرع مقبلاً
بوجه كمثل البدر في غصن البان(1)
فلاقاه بالترحيب ثم ارتقى بهإليه وصار الطهر للمصطفى ثان
وشال بعضديه وقال وقد صغىإلى القوم أقصى القوم تاللّه والداني
علي أخي لا فرق بيني وبينهكهارون من موسى الكليم بن عمران
ووارث علمي والخليفة في غدعلى أمّتي بعدي إذا زرت جثماني
فيا ربّ من والى عليا فوالهودان مدانيه ولا تنصر الشاني
* * *
ص: 178
وله أيضا :
أأترك مشهور الحديث وصدقه
غداة بخمّ قام أحمد خاطبا
ألست لكم مولى ومثلي وليّكم
علي فوالوه وقد قلت واجبا
* * *
وقال شاعر :
وفي خم إذ شال النبي بضبعه
بحضرة أصحاب له ذات كثرة
فمن كنت مولاه فهذا وليّه
فهل بعد هذا من بيان وشهرة
* * *
ص: 179
فضائل أحمد ، وأحاديث أبي بكر بن مالك ، وإبانة ابن بطّة ، وكشف الثعلبي عن البراء قال :
أقبلنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع ، كنّا بغدير خمّ ، فنادى : إنّ الصلاة جامعة ، وكسح النبي صلى الله عليه و آله تحت شجرتين ، فأخذ بيد علي عليه السلام ، فقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه ، فقال : أو لست أولى من كلّ مؤمن بنفسه ؟ قالوا : بلى ، قال : هذا مولى من أنا مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه .
فقال : فلقيه عمر بن الخطاب ، فقال : هنيئا لك يابن أبي طالب ، أصبحت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة(1) .
أبو سعيد الخدري في خبر : ثم قال النبي صلى الله عليه و آله : يا قوم هنئوني ، هنئوني ، إنّ اللّه خصّني بالنبوة ، وخصّ أهل بيتي بالإمامة .
فلقي عمر بن الخطاب أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : طوبى لك - يا أبا الحسن - أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة .
الخركوشي في شرف المصطفى عن البراء بن عازب في خبر : قال
ص: 180
النبي صلى الله عليه و آله : اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، فلقيه عمر بعد ذلك ، فقال : هنيئا لك يا بن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة(1) .
ذكر أبو بكر الباقلاني في التمهيد متأوّلاً له(2) .
السمعاني في فضائل الصحابة بإسناده عن سالم ابن أبي الجعد قال : قيل لعمر بن الخطاب : إنّك تصنع بعلي عليه السلام شيئا لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله قال : إنّه مولاي(3) .
وقال الحميري :
وقال محمد بغدير خمّ
عن الرحمن ينطق باعتزام
يصيح وقد أشار إليه فيكم
إشارة غير مصنطع للكلام
ألا من كنت مولاه فهذا
أخي مولاه فاستمعوا كلامي
فقام الشيخ يقدمهم إليه
وقد حصدت يداه من الرخام
ينادي أنت مولاي ومولى
الأنام فلم عصى مولى الأنام
* * *
وله أيضا :
فقلت أخذت عهدكم على ذا
فكونوا للوصي مساعدينا
لقد أصبحت مولانا جميعا
ولست عن ولائك راغبينا
ص: 181
وله أيضا :
قام النبي يوم خمّ خاطبا
بجانب الدوحات أو حيالها
فقال من كنت له مولى فذا
مولاه ربّ اشهد مرارا قالها
إنّ رجالاً بايعته إنّما
بايعت اللّه فلم بدالها
قالوا سمعنا وأطعنا أجمعا
وأسرعوا بالألسن اثتقالها
وجاءهم مشيخة يقدمهم
شيخ يهنى حبذا منالها
قال له بخ بخ من مثلك
أصبحت مولى المؤمنين يا لها
* * *
وقال العوني :
حتى لقد قال ابن خطاب له
لمّا تقوّض من هناك وقاما
أصبحت مولاي ومولى كلّ من
صلّى لربّ العالمين وصاما
* * *
وقال أيضا :
نادى ولم يك كاذبا بخّ بخ أبا
حسن تريع الشيب والشبان
أصبحت مولى المؤمنين جماعة
مولى أناثهم مع الذكران
* * *
وقال خطيب منبج :
وقال لهم رضيتم بي وليّا
فقالوا يا محمد قد رضينا
فقال وليّكم بعدي علي
ومولاكم فكونوا عارفيا
ص: 182
فقام لقوله عمر سريعا
وقال له مقال الواصفينا
هنيئا يا علي أنت مولى
علينا ما بقيت وما بقينا
* * *
معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام في خبر : لمّا قال النبي صلى الله عليه و آله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، قال العدوي : ولا واللّه ، ما أمره بهذا !! وما هو إلاّ شيء يتقوّله !! فأنزل اللّه تعالى « وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأَْقاوِيلِ » ، إلى قوله : « عَلَى الْكافِرِينَ » يعني محمدا « وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ » يعني به عليا(1) .
حسّان الجمال عن أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر : فلمّا رأوه رافعا يده ، يعني رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال بعضهم : انظروا إلى عينيه تدوران كأنّهما عينا مجنون !!
فنزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية : « وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ » إلى آخر السورة(2) .
قال الحميري :
فقال ألا من كنت مولاه منكم
فمولاه من بعدي علي فاذعنوا
فقال شقيّ منهم لقرينه
وكم من شقيّ يستزل ويفتن
ص: 183
يمدّ بضبعيه عليا وإنّه
لما بالذي لم يؤته لمزيّن
كأن لم يكن في قلبه ثقة به
فيا عجبا إنّي ومن أن يوقن
* * *
عمر بن يزيد : سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن قوله تعالى : « قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ » قال : بالولاية ، قال : قلت : وكيف ذلك ، قال : إنّه لمّا نصبه للناس قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، ارتاب الناس ، فقالوا : إنّ محمدا صلى الله عليه و آلهليدعونا في كلّ وقت إلى أمر جديد ، وقد بدأ بأهل بيته يملّكهم رقابنا ، ثم قرأ « قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ » ، فقد أدّيت لكم ما افترض عليكم ربّكم « أَنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنى وَفُرادى » أمّا « مَثْنى » ، فيعني طاعة الإمام من ذريّتهما من بعده ، ولا - واللّه - يا ثاني ما عنى غيرك(1) .
المرتضى قال في التنزيه : إنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا نصّ على أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة في إبتداء الأمر جاءه قوم من قريش ، قالوا له : يا رسول اللّه ، إنّ الناس قريبوا عهد بالإسلام ، ولا يرضوا أن تكون النبوة فيك والإمامة في ابن عمّك ، فلو عدلت بها إلى حين لكان أولى !
فقال لهم النبي صلى الله عليه و آله : ما فعلت ذلك برأيي فاتخيّر فيه ، ولكن اللّه أمرني به وفرضه عليّ .
ص: 184
فقالوا له : فإذا لم تفعل ذلك مخافة الخلاف على ربّك ، فاشرك معه في الخلافة رجلاً من قريش يسكن إليه الناس ! ليتمّ لك الأمر ، ولا تخالف الناس عليك ، فنزل « لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ »(1) .
عبد العظيم الحسني عن الصادق عليه السلام في خبر : قال رجل من بني عدي :
اجتمعت إليّ قريش ، فأتينا النبي صلى الله عليه و آله ، فقالوا : يا رسول اللّه ، إنّا تركنا عبادة الأوثان واتبعناك ، فأشركنا في ولاية علي عليه السلام ، فنكون شركاء !
فهبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه و آله فقال : يا محمد « لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ » ، الآية .
قال الرجل : فضاق صدري ، فخرجت هاربا لما أصابني من الجهد ، فإذا أنا بفارس قد تلقّاني على فرس أشقر عليه عمامة صفراء يفوح منه رائحة المسك ، فقال : يا رجل ، لقد عقد محمد عقدة لا يحلّها إلاّ كافرا أو منافق .
قال : فأتيت النبي صلى الله عليه و آله فأخبرته ، فقال : هل عرفت الفارس ؟ ذاك
جبرئيل عليه السلام عرض عليكم عقد ولاية إن حللتم العقد أو شككتم كنت خصمكم يوم القيامة .
قال الحميري :
وقام محمد بغدير خم
فنادى معلنا صوتا بديّا
ألا من كنت مولاه فهذا
له مولى وكان به حفيّا
ص: 185
إلهي عاد من عادى عليا
وكن لوليه مولى وليّا
فقال مخالف منهم عتلّ
لأولاهم به قولاً خفيّا
لعمر أبيك لو يسطيع هذا
لصيّر بعده هذا نبيّا
فنحن بسوء رأيهما نعادي
بني تيم ولا نهوي عديّا
* * *
الباقر عليه السلام قال : قام ابن هند وتمطّى وخرج مغضبا واضعا يمينه على عبد اللّه بن قيس الأشعري ، ويساره على المغيرة بن شعبة ، وهو يقول : واللّه لا نصدّق محمدا على مقالته ! ولا نقرّ عليا ولايته ، فنزل : « فَلا صَدَّقَ وَلا صَلّى » الآيات .
فهمّ به رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يردّه فيقتله ، فقال له جبرئيل عليه السلام : « لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ » ، فسكت عنه رسول اللّه (1) صلى الله عليه و آله .
* * *
وقال في قوله تعالى : « قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ » ذلك قول أعداء اللّه لرسوله من خلفه ، وهم يرون أنّه لا يسمع قولهم : لو أنّه جعلنا أئمة دون علي عليه السلام ، أو « بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ » .
قال اللّه - عزّ وجلّ - ردّا عليهم « قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ »(2) الآية .
ص: 186
وقال أبو الحسن الماضي : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله دعا الناس إلى ولاية علي عليه السلام ليس إلاّ(1) ، فاتهموه وخرجوا من عنده ، فأنزل اللّه : « قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً إِلاّ بَلاغاً مِنَ اللّهِ وَرِسالاتِهِ » في علي عليه السلام، « وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ » في ولاية علي عليه السلام « فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً »(2) .
* * *
وعنه صلى الله عليه و آله في قوله تعالى : « وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ » فيك « وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ » بوصيّك « أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً »(3).
* * *
وعن بعضهم عليهم السلام في قوله تعالى : « وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ » يا محمد ، بما أوحى إليك من ولاية علي عليه السلام « أَلَمْ نُهْلِكِ الأَْوَّلِينَ » الذين كذبوا الرسل في طاعة الأوصياء « كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالُْمجْرِمِينَ » من أجرم إلى آل محمد صلى الله عليه و آله ، وركب من وصيّه ما ركب(4) .
* * *
أبو عبد اللّه عليه السلام « وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ » ما تقول في علي عليه السلام « قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ »(5) .
ص: 187
وقال العوني :
أليس قام رسول اللّه يخطبهم
يوم الغدير وجمع الناس محتفل
وقال من كنت مولاه فذاك له
من بعد مولى فواخاه وما فعلوا
لو سلّموها إلى الهادي أبى حسن
كفى البريّة لن تستوحش السبل
هذا يطالبه بالضعف محتفيا
وتلك يجدونها في محفل جمل
* * *
وقال الحميري :
من كنت مولاه فهذا له
مولى فلا تابوا بتكفار
* * *
وقال ابن حماد :
ألا إنّ هذا وليّ لكم
أطيعوا فويل لمن لم يطع
* * *
أبو عبيد ، والثعلبي ، والنقاش ، وسفيان بن عينيه ، والرازي ، والقزويني والنيسابوري ، والطبرسي ، والطوسي في تفاسيرهم :
إنّه لمّا بلّغ رسول صلى الله عليه و آله بغدير خمّ ما بلّغ ، وشاع ذلك في البلاد أتى الحارث بن النعمان الفهري - وفي رواية أبي عبيد جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العيدري - فقال : يا محمد ، أمرتنا عن اللّه بشهادة « أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمدا رسول اللّه » ، وبالصلاة والصوم والحجّ والزكاة ،
ص: 188
فقبلنا منك ، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمّك ففضلته علينا ، وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فهذا شيء منك أم من اللّه ؟!!! فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : والذي لا إله إلاّ هو ، إنّ هذا من اللّه .
فولى الحارث يريد راحلته وهو يقول : اللّهم إن كان ما يقول محمد صلى الله عليه و آله حقّا « فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ » ، فما وصل إليها حتى رماه اللّه بحجر ، فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله ، وأنزل اللّه تعالى : « سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ »(1) الآية .
وفي شرح الأخبار : أنّه نزل : « أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ »(2) .
ورواه أبو نعيم الفضل بن دكين(3) .
قال العوني :
يقول رسول اللّه هذا لأمّتي
هو اليوم مولى ربّ ما قلت فاسمع
فقام جحود ذو شقاق منافق
ينادي رسول اللّه من قلب موجع
أعن ربّنا هذا أم أنت اخترعته
فقال معاذ اللّه لست بمبدع
فقال عدوّ اللّه لاهمّ إن يكن
كما قال حقّا بي عذابا فأوقع
فعوجل من أفق السماء بكفره
بجندلة فانكب ثاو بمصرع
* * *
ص: 189
وفي الخبر : أنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يخبر عن وفاته بمدّة ويقول : قد حان منّي خفوق من بين أظهركم ، وكان المنافقون يقولون : لئن مات محمد صلى الله عليه و آله ليخرب دينه ، فلمّا كان موقف الغدير ، قالوا : بطل كيدنا ، فنزلت « الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا »(1) الآية .
قال السيد المرتضى :
أمّا الرسول فقد أبان ولاءه
لو كان ينفع حائرا أن ينذرا
أمضى مقالاً لم يقله مؤمنا
أو شاد ذكرا لم يشده معذرا
وثنى إليه رقابهم وأقامه
علما على باب النجاة مشهرا
ولقد شفى يوم الغدير معاشر
ثلجت نفوسهم وأودى معشرا
فلقت به أحقادهم فموجع
نفسا ومانع أنّه أن يجهرا
* * *
وقال الحميري :
قد قام يوم الدوح خير الورى
بوجهه للناس مستقبل
لكن تواصوا بعلي الهدى
أن لا يوالوه وأن يخذلوا
* * *
وقال أبو تمام الطائي :
ويوم الغدير استوضح الحقّ أهله
بفيها وما فيها حجاب ولا ستر
ص: 190
أقام رسول اللّه يدعوهم بها
ليقربهم عرفا وينهاهم نكر
يمدّ بضبعيه ويعلم أنّه
وليّ ومولاكم فهل لكم خبر
يروح ويغدو بالبيان لمعشر
يروح بهم بكر ويغدو بهم عمرو
أحجّة ربّ العالمين ووارث
النبي ألا عهد وفيّ ولا أصر
فكان له جهرا بإثبات حقّه
وكان لهم في بزّه حقّه ستر(1)
* * *
وقال البشنوي :
فقال كبيرهم ما الرأي فيما
ترون يردّد الأمر الجلي
سمعتم قوله قولاً بليغا
وأوصى بالخلافة في علي
فقالوا حيلة نصبت علينا
ورأي ليس بالعقد الوفي
ندبّر غير هذا في أمور
ننال بها من العيش السني
سنجعلها إذا ما مات شورى
لتيمى هنالك أو عدي
* * *
وروي : أنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا فرغ من غدير خمّ ، وتفرّق الناس اجتمع نفر من قريش يتأسّفون على ما جرى ، فمرّ بهم ضبّ ، فقال بعضهم : ليت محمدا صلى الله عليه و آله أمّر علينا هذا الضبّ دون علي عليه السلام !
ص: 191
فسمع ذلك أبو ذر، فحكى ذلك لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فبعث إليهم وأحضرهم، وعرض عليهم مقالهم ، فأنكروا وحلفوا ، فأنزل اللّه تعالى : « يَحْلِفُونَ بِاللّهِ ما قالُوا » الآية ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : ما أظلّت الخضر . . الخبر .
وفي رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام في خبر : أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : أمّا جبرئيل عليه السلام نزل عليّ وأخبرني : أنّه يؤتى يوم القيمة بقوم إمامهم ضبّ ، فانظروا أن لا تكونوا أولئك ، فإنّ اللّه - تعالى - يقول « يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ » .
وقال ابن طوطي :
ويوم غدير قد أقروا بفضله
وفي كلّ وقت منهم الغدر اضمروا
أرى دوح خم والنبي محمد
ينادي بأعلى الصوت منهم ويجهر
ألست إذن أولى بكم من نفوسكم
فقالوا بلى والقوم في الجمع حضّر
فقال لهم من كنت مولاه منكم
فمولاه بعدي حيدر المتخيّر
فوال مواليه وعاد عدوّه
أيا ربّ وانصره لمن ظلّ ينصر
فلمّا مضى الهادي لحال سبيله
أبانوا له العذر القبيح وأظهروا
ص: 192
وله أيضا :
من نصّ عليه يوم الغدير
كان الإمام بلا تخيير
* * *
قوله « من كنت مولاه » : لفظة « مولى » تفيد الأولى بالتدبير والتصرّف وفرض الطاعة ، لأنّه صلى الله عليه و آله عقّب قوله : « ألست أولى بكم من أنفسكم » ، ولو كان غير ذلك لكان معمّيا في كلامه، وإذا ثبت ذلك فلايكون إلاّ الإمام .
ثم إنّ ظاهره يقتضي إيجاب موالاته ونصرته ، وتحريم خذلانه وعداوته بإطلاق ، من حيث جعل موالاة اللّه ونصرته لناصره عليه السلام
ومواليه ، وخذلانه وعداوته لخاذله ومعاديه ، وذلك دليل عصمته ، لإنّ جواز القبيح عليه صحّة وقوعه ، فإذا وقع أوجب خلاف ما حكم به النبي صلى الله عليه و آله وأوجبه ، وهذا لا يجوز عليه .
أمالي أبي عبد اللّه النيسابوري ، وأمالي أبي جعفر الطوسي ، في خبر عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام أنّه قال : حدّثني أبي عن أبيه :
إنّ يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض ، إنّ للّه - تعالى - في الفردوس قصرا لبنة من فضّة ، ولبنة من ذهب ، فيه مائة ألف قبّة حمراء ، ومائه ألف خيمة من ياقوتة خضراء ، ترابه المسك والعنبر ، فيه أربعة
ص: 193
أنهار : نهر من خمر ، ونهر من ماء ، ونهر من لبن ، ونهر من عسل ، حواليه أشجار جميع الفواكه، عليه الطيور وأبدانها من لؤلؤ ، وأجنحتها من ياقوت، تصوّت بألوان الأصوات ، إذا كان يوم الغدير وردوا إلى ذلك القصر أهل السماوات يسبّحون اللّه ويقدّسونه ويهلّلونه ، فتطاير تلك الطيور ، فتقع في ذلك الماء ، وتتمرّغ على ذلك المسك والعنبر ، فإذا اجتمع الملائكة طارت فينفض ذلك عليهم ، وإنّهم في ذلك اليوم ليتهادون نثار فاطمة عليهاالسلام .
فإذا كان آخر اليوم نودوا : انصرفوا إلى مراتبكم ، فقد أمنتم من الخطر والزلل إلى قابل في هذا اليوم تكرمة لمحمد صلى الله عليه و آله وعلي عليه السلام(1) . . الخبر .
مصباح المتهجّد في خطبة الغدير : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : إنّ هذا يوم عظيم الشأن ، فيه وقع الفرج ، ورفع الدرج ، وصحّت الحجج ، وهو يوم الإيضاح والإفصاح عن المقام الصراح ، ويوم كمال الدين ، ويوم العهد المعهود ، ويوم الشاهد والمشهود ، ويوم تبيان العقود عن النفاق والجحود ، ويوم البيان عن حقائق الإيمان ، ويوم دحر الشيطان ، ويوم البرهان ، « هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ » ، هذا يوم الملأ الأعلى الذي « أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ » ، هذا يوم الإرشاد ، ويوم المحنة للعباد ، ويوم الدليل عن الذوّاد ، هذا يوم إبداء إخفاء الصدور ومضمرات الأمور ، هذا يوم النصوص على أهل الخصوص ، هذا يوم شيث ، هذا يوم إدريس ، هذا يوم يوشع ، هذا يوم شمعون(2) .
ص: 194
قال البشنوي :
يوم الغدير لدى الولاية عيد
ولدى النواصب فضله مجحود
يوم يوسم في السماء بأنّه
العهد وفيه ذلك المعهود
والأرض بالميراث أضحت وسمة
لو طاع موطود وكفّ حسود
* * *
وقال الشاعر :
يوم الغدير سوى العيدين لي عيد
يوم يسرّ به السادات والصيد
نال الإمامة فيه المرتضى وله
فيه من اللّه تشريف وتمجيد
* * *
قال الفنجكردي :
لا تنكرن غدير خمّ إنّه
كالشمس في إشراقها بل أظهر
فيه إمامة حيدر وكماله
وجلاله حتى القيامة تذكر
* * *
قال شاعر :
وناصبي شديد النصب قابلني
يوم الغدير بوجه غير ذي جذل
فقال قل لي ماذا اليوم قلت له
اليوم عيد أمير المؤمنين علي
* * *
ص: 195
ص: 196
ص: 197
ص: 198
صحيح الترمذي : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال يوم الحديبية لسهيل بن عمرو ، وقد سأله ردّ جماعة ، فروي أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : يا معشر قريش ، لتنتهوا أو ليبعثنّ
اللّه عليكم من يضرب رقابكم على الدين ، امتحن اللّه قلبه بالإيمان ، قالوا : من هو يا رسول اللّه ؟ قال : هو خاصف النعل ، وكان أعطى عليا عليه السلام نعله يخصفها(1) .
الخطيب في التاريخ ، والسمعاني في الفضائل : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : لا تنتهوا يا معشر قريش حتى يبعث اللّه رجلاً امتحن قلبه بالإيمان(2) . . الحديث سواء .
وروى ابن بطّة في الإبانة حديث خاصف النعل بسبعة طرق : منها ما رواه أبو سعيد الخدري ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول اللّه ؟!
ص: 199
قال : لا ، قال عمر : أنا هو يا رسول اللّه ؟!
قال : لا ، ولكنّه خاصف النعل ، فابتدرنا ننظر ، فإذا هو علي عليه السلام يخصف نعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله(1) .
وكاتبني الخطيب في الأربعين بإسناده عن الخدري ما روينا بأسانيد عن جابر بن زيد عن الباقر عليه السلام : أنّ النبي صلى الله عليه و آله انقطع شسع نعله ، فرفعها إلى علي عليه السلام ليصلحها ، فقال صلى الله عليه و آله : إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن
كما قاتلت على تنزيله .
قال أبو سعيد : فخرجت فبشّرته بما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلم يكترث به فرحا كأنّه قد سمعه(2) .
ذكره أحمد في الفضائل ، والبخاري ، ومسلم ، ولفظه لمسلم عن الخدري : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :[ يكون في أمّتي ] فرقتان ، فيخرج من بينهما فرقة ثالثة[ مارقة ] يلي قتلهم أولاهم بالحقّ(3) .
فانظر إلى تسمية علي عليه السلام بأنّه أولى بالحقّ .
ص: 200
قال ابن علوية :
وله إذا ذكر الفخار فضيلة
بلغت مدى الغايات باستيقان
إذ قال أحمد أنّ خاصف نعله
لمقاتل بتأوّل القرآن
قوما كما قاتلت عن تنزيله
فإذا الوصي بكفّه نعلان
هل بعد ذاك على الرشاد دلالة
من قائم بخلافة ومعان
* * *
وقال العوني :
وقال إنّي على التنزيل قلت لكم
محاربا ذاك قولاً لا أحرفه
وذاك بعدي على التأويل حربكم
من في يديه قبال النعل يخصفه
فمن له علم تأويل الكتاب بها
أولى مكلفه رعيا مكلفه
* * *
وله أيضا :
علي خاصف النعل
يقول غير مهذار
* * *
وقال الحميري :
وفي خاصف النعل البيان وعبرة
لمعتبر إذ قال والنعل يرقع
لأصحابه في مجمع أنّ منكم
وأنفسكم شوقا إليه تطلّع
إماما على تأويله غير جابر
يقاتل بعدي لا يضلّ ويهلع
فقال أبو بكر أنا هو قال لا
فقال أبو حفص أنا هو فاسفع(1)
ص: 201
فقال لهم لا لا ولكنّه أخيوخاصف نعلي فاعرفوه المرقّع
* * *
وله أيضا :
ومن خاصف نعل النبي محمد
أرضى الإله بفعله الغفارا
* * *
وله أيضا :
هل مثل فعلك عند النعل تخصفها
لو لم يكن جاحدوا التفضيل لاهينا
* * *
وقال الصاحب بن عبا :
وفي خصفه للنعل لمّا أحلّه
بحيث تراءته النجوم الثواقب
* * *
وقال أبو هاشم :
ألم تسمعوا قول النبي محمد
غداة علي قاعد يخصف النعلا
فقال عليه بالإمامة سلّموا
فقد أمر الرحمن أن تفعلوا كلا
فيا أيّها الحبل المتين الذي به
تمسّكت لا أبغى سوى حبله حبلا
* * *
وقال العبدي :
لمّا أتاه القوم في حجراته
والطهر يخصف نعله ويرقع
قالوا له إن كان أمرا من لنا
خلف إليه في الحوادث نرجع
قال النبي خليفتي هو خاصف
النعل الزكي العالم المتورّع
ص: 202
وقال الوراق القمّي :
علي الذي قد كان للنعل خاصفا
وفي الحرب مقداما إلى كلّ معلم
* * *
وقال البشنوي :
خير البرية خاصف النعل الذي
شهد النبي بحقّه في المشهد
وبعلمه وقضائه وبسيفه
شهد الرسول مع الملائك فاشهد
* * *
وقال ابن الحجاج :
أنا مولاي علي ذو العلا
ليس مولاي عتيقا ودلاما
أتوالى خاصف النعل الذي
لم يكن يأكل أموال اليتاما
* * *
ص: 203
ص: 204
ص: 205
ص: 206
لا يجوز أن يمضي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بلا وصيّ ، لقوله تعالى « كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ » الآيات .
ولقوله عليه السلام : من مات بغير وصيّة مات ميتة جاهلية(1) ، وقال اللّه تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ » الآية .
ولأنّ الأنبياء كلّهم مضوا بالوصيّة ، وقال اللّه تعالى « فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ » .
الطبري بإسناده عن أبي الطفيل : أنّه قال لأصحاب الشورى : أناشدكم اللّه ، هل تعلمون أنّ لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وصيّا غيري ؟
قالوا : اللّهم لا(2) .
ص: 207
سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد عن سلمان الفارسي قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إنّ وصيي وخليفتي ، وخير من أترك بعدي ، ينجز موعدي ، ويقضى ديني علي بن أبي طالب(1) عليه السلام .
الطبري بإسناد له عن سلمان قال: قلت لرسول اللّه صلى الله عليه و آله: يا رسول اللّه، إنّه لم يكن نبي إلاّ وله وصيّ ، فمن وصيّك ؟ قال : وصيّي وخليفتي في أهلي ، وخير من أترك بعدي، مؤدّي ديني، ومنجز عداتي علي بن أبيطالب(2) عليه السلام.
مطير بن خالد عن أنس وقيس بن ماناه ، وعبادة بن عبد اللّه عن سلمان كليهما عن النبي صلى الله عليه و آله : يا سلمان ، سألتني من وصيّي من أمّتي ، فهل تدري لمن كان أوصى إليه موسى عليه السلام ، قلت : اللّه ورسوله أعلم ، قال : أوصى إلى يوشع ، لأنّه كان أعلم أمّته ، ووصيي وأعلم أمّتي بعدي علي بن أبي طالب(3) .
وروى قريبا منه أحمد في فضائل الصحابة(4) .
ص: 208
أبو رافع قال : لمّا كان اليوم الذي توفى فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله غشي عليه ، فأخذت بقدميه أقبلهما وأبكى ، فأفاق وأنا أقول : من لي ولولدي بعدك يا رسول اللّه ؟ فرفع إليّ رأسه وقال : اللّه بعدي ووصيّي صالح المؤمنين(1) .
زيد بن علي عن أبيه عليهماالسلام : أنّ أبا ذر لقيه علي عليه السلام ، فقال أبو ذر : أشهد لك بالولاء والإخاء(2) والوصيّة(3) .
وروى أبو بكر بن مردويه مثل ذلك عن سلمان والمقداد وعمار .
عكرمة عن ابن عباس : أنّ جبرئيل عليه السلام نظر إلى علي عليه السلام فقال : هذا وصيّك .
ص: 209
الأعمش عن عبابة عن ابن عباس : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتاه جبرئيل عليه السلام وعنده علي عليه السلام ، فقال : هذا علي عليه السلام خير الوصيّين(1) .
النبي صلى الله عليه و آله : خلق اللّه - تعالى - مائة ألف نبي ، وأربعة وعشرين ألف نبي ، وأنا أكرمهم على اللّه ، ولا فخر ، وخلق اللّه - عزّ وجلّ - مائة ألف وصيّ ، وأربعة وعشرين ألف وصيّ ، فعلي عليه السلام أكرمهم على اللّه (2) .
المسعودي عن عمر بن زياد الباهلي عن شريك بن الفضيل بن سلمة عن أم هاني بنت أبي طالب قالت : قلت : يا رسول اللّه ، إنّ ابن أمّي يؤذيني ! تعني عليا عليه السلام ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ عليا لا يؤذي مؤمنا ، إنّ اللّه طبعه على خلقي ، يا أم هاني إنّه أمير في الأرض ، وأمير في السماء ، إنّ اللّه جعل لكلّ نبي وصيّا ، فشيث وصيّ آدم عليهماالسلام ، ويوشع وصيّ موسى عليهماالسلام ، وآصف وصيّ سليمان عليهماالسلام ، وشمعون وصيّ عيسى عليهماالسلام ، وعلي عليه السلام وصيّي ، وهو خير الأوصياء في الدنيا والآخرة ، وأنا صاحب الشفاعة يوم القيامة ، وأنا الداعي ، وهو المؤدّي(3) .
ص: 210
حلية أبي نعيم وولاية الطبري : قال النبي صلى الله عليه و آله : يا أنس ، يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين ، وسيّد المرسلين ، وقائد الغرّ المحّجلين ، وخاتم الوصيّين .
قال أنس : قلت : اللّهم اجعله رجلاً من الأنصار !! وكتمته ، إذ جاء علي عليه السلام ، فقال : من هذا ؟ يا أنس ، قلت : علي عليه السلام ، فقام مستبشرا واعتنقه ، ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ، فقال علي عليه السلام : يا رسول اللّه ، لقد رأيتك صنعت بي شيئا ما صنعته بي قبل ! قال : وما يمنعني وأنت تؤدّي عنّي ، وتسمعهم صوتي ، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي(1) .
وهذا من قول اللّه - عزّ وجلّ - « وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ » ، فأقام علي عليه السلام لبيان ذلك .
وقد تقدّم حديث الوصيّة في بيعته العشيرة بالاتفاق .
واستدل بالحساب على أنّه وصيّ ، فقالوا : علي بن أبي طالب ، ميزانه في الحساب « أعزّ الأوصياء » ، لاتفاقهما في مائتين وسبعة عشر .
ص: 211
ومن كلام الصاحب : صنوه الذي واخاه ، وأجابه حين دعاه ، وصدّقه قبل الناس ولبّاه ، وساعده وواساه ، وشيّد الدين وبناه ، وهزم الشرك وأخزاه ، وبنفسه على الفراش فداه ، ومانع عنه وحماه ، وأرغم من عانده وقلاه ، وغسّله وواراه ، وأدّى دينه وقضاه ، وقام بجميع ما أوصاه ، ذلك أمير المؤمنين عليه السلام لا سواه .
وقال ابن حماد :
أوصى النبي وفيها مقنع لهم
لو لم يكونوا له بالبهت غصّابا
وقال أنت كهارون الخليفة من
موسى على قومه بالحقّ إذ غابا
وقال أنت أخي إذ كان بينهم
أخي وقارب أشباها وأضرابا
وقال في يوم نجران أباهلهم
بأكرم الخلق أخوالاً وأحسابا
أنا مدينة علم اللّه وهو لها
باب فمن رامها فليقصد البابا
وقال إنّي سأعطيها غدا رجلاً
ما كان في الحرب فرّارا وهيّابا
* * *
والإجماع في حديث ابن عباس في وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال النبي صلى الله عليه و آله : يا عباس ، يا عمّ رسول اللّه ، تقبل وصيّتي ، وتنجز عدتي ، وتقضي ديني ؟ فقال العباس : يا رسول اللّه ، عمّك شيخ كبير ذو عيال كثير ، وأنت تباري الريح سخاء وكرما ، وعليك وعد لا ينهض به عمّك .
ص: 212
فأقبل على علي عليه السلام ، فقال : تقبل وصيّتي ، وتنجز عدتي ، وتقضي ديني ؟ فقال : نعم يا رسول اللّه ، فقال : ادن منّي .
فدنا منه ، وضمّه إليه ، ونزع خاتمه من يده ، وقال له : خذ هذا فضعه في يدك ، ودعا بسيفه ودرعه - ويروى : أنّ جبرئيل نزل بها من السماء - فجيء بها إليه ، فدفعها إلى علي عليه السلام فقال : اقبض هذا في حياتي ، ودفع إليه بغلته وسرجها ، وقال : امض على اسم اللّه إلى منزلك ، ثم أغمي عليه(1) . . القصّة .
ابن عبد ربّه في العقد ، بل روته الأمّة بأجمعها ، عن أبي رافع وغيره : أنّ عليا عليه السلام نازع العباس إلى أبي بكر في برد النبي صلى الله عليه و آله وسيفه وفرسه ، فقال أبو بكر : أين كنت - يا عباس - حين جمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بني عبد المطلب ، وأنت أحدهم ، فقال : أيّكم يؤازرني فيكون وصيّي وخليفتي في أهلي وينجز موعدي ويقضي ديني ؟ فقال له العباس : فما أقعدك مجلسك هذا ؟ تقدّمته وتأمّرت عليه ! فقال أبو بكر : اغدرا يا بني عبد المطلب(2) .
وقال متكلّم لهارون الرشيد : أريد أن أقرّر هشام بن الحكم بأنّ عليا عليه السلام كان ظالما ، فقال له : إن فعلت فلك كذا وكذا ، وأمر به .
ص: 213
فلمّا حضر المتكلّم ، فقال المتكّلم : يا أبا محمد : روت الأمّة بأجمعها أنّ عليا عليه السلام نازع العباس إلى أبي بكر في برد النبي صلى الله عليه و آله وسيفه وفرسه ، قال : نعم ، قال : فأيّهما الظالم لصاحبه ، فخاف من الرشيد ، فقال : لم يكن فيهما ظالم ، قال : فيختصم إثنان في أمر وهما جميعا محقّان ؟! قال : نعم ، اختصم الملكان إلى داود ، وليس فيهما ظالم ، وإنّما أرادا أن ينبّهاه على الحكم ، كذلك هذان تحاكما إلى أبي بكر ليعرّفاه ظلمه(1) .
قال ابن علوية :
ختن النبي وعمّه أكرم به
ختنا وصنو أبيه في الصنوان
خصمان مؤتلفان ما لم يحضرا
باسا وعند الناس يختلفان
جهر الباطن بغيه ولباطن
منها إلى الصديق يختصمان
لم يجهلا حكم القضيّة في الذي
جاءا إلى الفاروق يصطحبان
لكن للازم حجّة كانا بها
ذهبا على الأقوام يتخذان
قولاً به مكرا كما دخلا على
داود قالا لا تخف خصمان
* * *
وقال عقبة بن أبي لهب يخاطب بها عائشة :
أعايش خلي عن علي وعتبه
بما ليس فيه إنّما أنت والده
وصيّ رسول اللّه من دون أهله
فأنت على ما كان من ذاك شاهده
* * *
ص: 214
الأشعث بن قيس كتب في جواب أمير المؤمنين عليه السلام :
أتانا الرسول رسول الوصيّ
علي المهذّب من هاشم
وصيّ النبيّ وذو صهره
وخير البريّة في العالم
* * *
وقال كثير عزة :
وصيّ النبيّ المصطفى وابن عمّه
وفكّاك أغلال وقاضي مغارم
* * *
وقال الحميري :
وصي النبي المصطفى وابن عمّه
وأوّل من صلّى لذي العزّة العالي
وناصره في كلّ يوم كريهة
إذا كان يوم ذو هرير وزلزال
* * *
وله أيضا :
أنت الوصي وصي المصطفى نزلت
من ذي العلى فيك من فرقان آيونا
وأنت من أحمد الهادي بمنزلة
قد كان أثبتها موسى لهارونا
أتاك من عنده علما حباك به
فكنت فيه أمينا فيه مأمونا
* * *
وله أيضا :
هذا الإمام الذي إليه
أسند خير الورى الوصيّه
حكمت حكم النبيّ عدلاً
ولم تجر قطّ في قضيّه
أنت شبيه النبيّ حقّا
في الحكم والخلق والسجيّه
ص: 215
وله أيضا :
هذا وصيّي فيكم وخليفتي
لا تجهلوه فترجعوا كفّارا
* * *
وله أيضا :
محمد خير بني غالب
وبعده ابن أبي طالب
هذا نبيّ ووصيّ له
وتعزل العالم في جانب
* * *
وقال الحسين بن النضر الفهري :
إنّ النبي محمدا ووصيّه
في كلّ سابقة هما أخوان
قمران نسلهما النجوم فثاقب
منها وخاف خامد اللمعان
* * *
وقال جرير بن عبد اللّه البجلي :
عليّ وصيّ له بعده
خليفتنا القائم المنتقم
له الفضل والسبق والمكرمات
وبيت النبوة والمدعم
* * *
وأنشد :
علي وصيّ المصطفى ووزيره
وأوّل من صلّى لذي العرش واتقى
* * *
وقال غيره :
اللّه أيّدني بحبّ نبيّه
وأعزّني بولايتي لوصيّه
ص: 216
قال اللّه تعالى : « هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلّهِ الْحَقِّ » ، فلا حظّ فيها لأحد إلاّ من ولاه سبحانه ، كما قال تعالى : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا »
الآية .
وقال « فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ » الآية .
وقال : « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ » .
وقال النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : من كنت مولاه فعلي مولاه ، والمولى بمعنى
الأولى بدليل قوله تعالى : « مَأْواكُمُ النّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ »(1) .
قال لبيد :
فقدت كلا الفرجين تحسب أنّه
مولى المخافة خلفها وأمامها
* * *
أبو سعيد الخدري ، وعبد اللّه بن عباس ، وبريدة الأسلمي ، وزيد بن أرقم قال النبي صلى الله عليه و آله : من كنت وليّه فعلي وليّه .
ص: 217
ذكره أحمد في الفضائل(1) ، والألكاني في الشرح(2) .
محمد بن إسحاق ، والأجلح بن عبد اللّه ، وعبد اللّه بن بريدة ، والباقر عليه السلام : قال النبي عليه السلام : علي وليّكم بعدي(3) .
عمران بن الحصين ، وبريدة ، وابن عباس ، وجابر الأنصاري ، وعمر بن علي قال النبي صلى الله عليه و آله : علي منّي وأنا منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي(4) .
الثعلبي بإسناده عن عطاء ، عن ابن عباس قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : اللّه ربّي ولا إمارة لي معه(5) ، وعلي وليّ من كنت وليّه ، ولا إمارة لي معه .
ص: 218
قالوا : من سمّاه اللّه وليّا كان بالنصّ حريّا ، فهذا يقتضي أنّ عليا عليه السلام ولي اللّه .
وقال الصاحب بن عباد :
إنّ المحبّة للوصيّ فريضة
أعني أمير المؤمنين عليّا
قد كلّف اللّه البريّة كلّها
واختاره للمؤمنين وليّا
* * *
وله أيضا :
علي وليّ المؤمنين لديكم
ومولاكم من بين كهل ومعظم
علي من الغصن الذي منه أحمد
ومن سائر الأشجار أولاد آدم
* * *
وقال الفضل بن عباس :
وكان وليّ الأمر بعد محمد
علي وفي كلّ المواطن صاحبه
وصيّ رسول اللّه حقّا وصهره
وأوّل من صلّى وما ذمّ جانبه
* * *
وقال الكميت :
ونعم ولي الأمر بعد نبيّه
ومنتجع التقوى ونعم المؤدّب
* * *
ص: 219
وقال أبو عمر البعلبكي :
على مولى لجميع الورى
لا شكّ في هذا ولا مريه
بذاك جاء النصّ عن أحمد
متّصلاً كالماء في الجريه
فمن رأيتم أنفه راغما
فصيّروا في أنفه خزيه
* * *
ص: 220
ص: 221
ص: 222
روى جماعة من الثقات عن الأعمش عن عباية الأسدي عن علي عليه السلام ، والليث عن مجاهد ، والسدي عن أبي مالك ، وابن أبي ليلى ، عن داود بن علي ، عن أبيه وابن جريح عن عطاء ، وعكرمة وسعيد بن جبير ، كلّهم عن ابن عباس .
وروى العوام بن حوشب عن مجاهد ، وروى الأعمش عن زيد بن وهب عن حذيفة كلّهم عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال :
ما أنزل اللّه - تعالى - آية في القرآن فيها « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » إلاّ وعلي عليه السلام أميرها وشريفها(1) .
وفي رواية حذيفة : إلاّ كان لعلي بن أبي طالب لبّها ولبابها(2) .
وفي روايات : إلاّ علي عليه السلام رأسها وأميرها(3) .
ص: 223
وفي رواية يوسف بن موسى القطّان ، ووكيع بن الجراح : أميرها وشريفها ، لأنّه أوّل المؤمنين إيمانا(1) .
وفي رواية إبراهيم الثقفي ، وأحمد بن حنبل ، وابن بطّة العكبري عن عكرمة ، عن ابن عباس : إلاّ علي عليه السلام رأسها وشريفها وأميرها(2) .
وفي صحيفة الرضا
عليه السلام ليس في القرآن « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » إلاّ في حقّنا ، ولا في التوراة « يا أيّها الناس » إلاّ فينا(3) .
وفي تفسير مجاهد قال : ما كان في القرآن « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » ، فإنّ لعلي عليه السلام سابقة ذلك الآية ، لأنّه سبقهم إلى الإسلام(4) ، فسمّاه اللّه في تسع وثمانين موضعا أمير المؤمنين ، وسيّد المخاطبين إلى يوم الدين(5) .
الصادق عليه السلام : « وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ . . » إلى أربع آيات نزلت في ولاية علي عليه السلام ، وما كان من قوله صلى الله عليه و آله : سلّموا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين(6) .
ص: 224
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : « وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ »
قال : نزلت في رجل أمره رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يسلّم على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين ، فلمّا قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ترك ما أمره به وما وفى .
وروى علماؤهم ، كالمنقري بإسناده إلى عمران بن بريدة الأسلمي .
وروى يوسف بن كليب المسعودي بإسناده عن داود عن بريدة ، وروى عباد بن يعقوب الأسدي بإسناده عن داود السبيحي ، عن أبي بريدة :
أنّه دخل أبو بكر على رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : اذهب وسلّم على أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله : وأنت حيّ ؟ قال : وأنا حيّ ، ثم جاء عمر ، فقال له مثل ذلك .
وفي رواية السبيعي : أنّه قال عمر : ومن أمير المؤمنين ؟ قال : علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، قال : عن أمر اللّه وأمر رسوله ؟!!! قال : نعم(1) .
إبراهيم الثقفي عن عبد اللّه بن جبلة الكناني عن ذريح المحاربي ، عن الثمالي عن الصادق عليه السلام :
إنّ بريدة كان غائبا بالشام ، فقدم وقد بايع الناس أبا بكر ، فأتاه في مجلسه ، فقال : يا أبا بكر ، هل نسيت تسليمنا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين واجبة من اللّه ورسوله ، قال : يا بريدة ، إنّك غبت وشهدنا ، وإنّ اللّه يحدث الأمر بعد الأمر ، ولم يكن اللّه - تعالى - يجمع لأهل هذا البيت النبوة والملك(2) !! .
ص: 225
الثقفي والسري بن عبد اللّه بإسنادهما : أنّ عمران بن الحصين ، وأبا بريدة قالا لأبي بكر : قد كنت أنت - يومئذٍ - فيمن سلّم على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين ، فهل تذكر ذلك اليوم أم نستيه ؟ قال : بل أذكره ، فقال بريدة : فهل ينبغي لأحد من المسلمين أن يتأمّر على أمير المؤمنين ؟ فقال عمران : النبوة والإمامة لا تجتمع في بيت واحد ! فقال له بريدة : « أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ
الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً » ، فقد جمع اللّه لهم النبوة والملك .
قال : فغضب عمر ، وما زلنا نعرف في وجهه الغضب حتى مات(1) .
وأنشد بريدة الأسلمي :
أمر النبي معاشرا هم أسوة
ولازم أن يدخلوا فيسلّموا
تسليم من هو عالم مستيقن
أنّ الوصيّ هو الإمام القائم(2)
* * *
الأعمش ، عن عباية الأسدي ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله قال لأم سلمة : اسمعي واشهدي ، هذا علي أمير المؤمنين وسيّد المسلمين(3) .
ص: 226
بشير الغفاري ، والقاسم بن جندب ، وأبو الطفيل عن أنس بن مالك في خبر : أتيت النبي صلى الله عليه و آله بوضوء ، فقال: يا أنس، يدخل عليك من هذا الباب الساعة أمير المؤمنين وسيّد المسلمين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، وخاتم الوصيّين ، قال أنس : فدخل علي(1) عليه السلام .
ابن عباس قال علي عليه السلام : السلام عليك يا رسول اللّه ، فقال : وعليك السلام يا أمير المؤمنين ، ورحمة اللّه وبركاته ، قال : يا رسول اللّه ، أنت حيّ وتسمّيني أمير المؤمنين ! قال : نعم ، إنّما سمّاك جبرئيل من عند اللّه وأنا
حيّ ، يا علي مررت بنا أمس وأنا وجبرئيل في حديث ، فلم تسلّم علينا ، فقال : ما بال أمير المؤمنين لم يسلّم علينا ؟! أما - واللّه - لو سلّم لسررنا ولرددنا عليه(2) .
وروى الخلق ، منهم ابن مخلد عن علي عليه السلام قال : دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فوجدته نائما ورأسه في حجر دحية الكلبي ، فسلّمت عليه ، فقال دحية : وعليكم السلام ، يا أمير المؤمنين ، ويا فارس المسلمين ، ويا قائد الغرّ المحجّلين ، وقاتل الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين .
ص: 227
وقال : إمام المتّقين ، ثم قال لي : تعال خذ رأس نبيّك في حجرك ، فأنت أحقّ بذلك ، فلمّا دنوت من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ووضعت رأسه في حجري لم أر دحية .
ففتح رسول اللّه صلى الله عليه و آله عينيه وقال : يا علي ، من كنت تكلّم ؟
قلت : دحية ، وقصصت عليه القصّة ، فقال لي : لم يكن دحية ، وإنّما كان جبرئيل عليه السلام أتاك ليعرفك أنّ اللّه - تعالى - سمّاك بهذه الأسماء(1) .
الحارث بن الخزرج - صاحب راية الأنصار - قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : لا يتقدّمك إلاّ كافر ، وإنّ أهل السماوات يسمّونك أمير المؤمنين(2) .
وقال خطيب منبج :
ومن بالإمرة اجتمعت عليه
ملائكة السماء مسلّمينا
وسلّم فيه جبرئيل عليه
علانية برغم الساخطينا
* * *
ولم يجوّز أصحابنا أن يطلق هذا اللّفظ لغيره من الأئمة عليهم السلام .
وقال رجل للصادق عليه السلام : يا أمير المؤمنين !
فقال : مه ، فإنّه لا يرضى بهذه التسمية أحد إلاّ ابتلى ببلاء أبي جهل(3) .
ص: 228
أبان بن الصلت عن الصادق عليه السلام : سمّي أمير المؤمنين ، إنّما هو من ميرة العلم ، وذلك أنّ العلماء من علمه امتاروا ، ومن ميرته استعملوا(1) .
سلمان : سئل النبي صلى الله عليه و آله فقال : إنّه يميرهم العلم ، يمتار منه ولا يمتار من أحد(2) .
وقد ذكرنا هذا المعنى في باب مولده .
وقال ابن عباس : إنّما سمّي أمير المؤمنين ، لأنّه أوّل الناس إيمانا .
أمالي ابن سهل أحمد القطّان ، وكافي الكليني بإسنادهما إلى جابر الجعفي قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : لو علم الناس متى سمّي أمير المؤمنين ما أنكروا ولايته .
قلت : رحمك اللّه ، ومتى سمّي ؟
قال : إنّ ربّك - عزّ وجلّ - حين « أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ » قال : « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ » ، وأنّ محمدا رسولي ، وأنّ عليا أمير المؤمنين(3) .
ص: 229
وقال الحميري :
بأبي أنت وأمّي
يا أمير المؤمنينا
بأبي أنت وأمّي
وبرهطي أجمعينا
وبأهلي وبمالي
وبناتي والبنينا
وفدتك النفس منّي
يا إمام المتّقينا
وأمين اللّه والوارث
علم الأوّلينا
ووصيّ المصطفى
أحمد خير المرسلينا
ووليّ الحوض والذا
ئد عنه المحدثينا
* * *
ولغيره :
فرض الإله على الأنام ولاءه
وعليه في القرآن حثّ وحرّضا
واللّه علّمه العلوم بأسرها
ممّا أبان لخلقه أو أغمضا
سمّي أمير المؤمنين كرامة
من ربّنا لإمامنا العدل الرضا
* * *
وقال شاعر :
هذا الإمام لمن ظللت نبيّه
فارضوا أميركم بلا رزيان
هذا أمير المؤمنين فسلّموا
طرّا عليه بإمرة السلطان
* * *
ص: 230
ذكر الخطيب في ثلاثة مواضع من تاريخ بغداد : أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال يوم الحديبية ، وهو آخذ بيد علي عليه السلام : هذا أمير البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور من نصره ، ومخذول من خذله ، يمدّ بها صوته(1) .
أحمد في مسند الأنصار ، وأبو يوسف الفسوي في المعرفة والتاريخ ، والألكاني وأبو القسم الألكاني في الشرح عن بريدة والبراء ، قالا : بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعثين إلى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب ، وعلى الآخر خالد بن الوليد ، وقال صلى الله عليه و آله : إذ التقيتم فعلي عليه السلام على الناس ، وإذا افترقتما فكلّ واحد على جنده(2) .
فكان صلى الله عليه و آله يؤمّره على الناس لا يؤمّر عليه أحد(3) .
وقال الحميري :
علي إمام رضى النبي
بمحضرهم قد دعاه أميرا
وكان الخصيص به في الحياة
فصاهره واجتباه عشيرا
ص: 231
أبو بكر الشيرازي فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام ، عن مقاتل ، عن عطاء في قوله تعالى : « وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ » كان في التوراة : « يا موسى إنّي اخترتك ووزيرا هو أخوك - يعني هارون - لأبيك وأمّك كما اخترت لمحمد إليا ، هو أخوه ووزيره ووصيّه والخليفة من بعده ، طوبى لكما من أخوين ، وطوبى لهما من أخوين ، إليا أبو السبطين الحسن والحسين ، ومحسن الثالث من ولده ، كما جعلت لأخيك هارون شبرا وشبيرا ومشبرا » .
وقال العوني :
سمّي إليا ابن ملكان الذي
يعرف في توراة موسى بالكبر
* * *
وفي منقبة المطهّرين ، وفيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام تصنيفي أبي نعيم الأصفهاني ، وخصائص العلوية عن النطنزي ما روى شعبة بن الحكم عن ابن عباس قال :
أخذ النبي صلى الله عليه و آله - ونحن بمكة - بيدي وبيد علي عليه السلام،
فصعد بنا إلى «ثبير(1)»، ثم صلّى بنا أربع ركعات ، ثم رفع رأسه إلى السماء فقال : اللّهم إنّ موسى بن
ص: 232
عمران سألك ، وأنا محمد نبيك أسألك : أن تشرح لي صدري ، وتيّسر لي أمري ، وتحلل عقدة من لساني ليفقه قولي « وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي »
علي بن أبي طالب « أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي » .
قال ابن عباس : فسمعت مناديا ينادي : يا أحمد ، قد أوتيت ما سألت .
وفي رواية « وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي » عليا « أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي »(1) الآيات .
تفسير القطّان ووكيع بن الجراح ، وعطاء الخراساني ، وأحمد في الفضائل أنّه قال ابن عباس :
سمعت أسماء بنت عميس تقول : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيقول : اللّهم إنّي أقول كما قال موسى بن عمران : اللّهم « اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي » يكون لي صهرا وختنا(2) .
السمعاني في فضائل الصحابة بالإسناد عن مطر عن أنس قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ خليلي ووزيري وخليفتي في أهلي ، وخير من أترك بعدي من ينجز موعدي ويقضي ديني علي بن أبي طالب(3) .
ص: 233
وفي أمالي أبي الصلت الأهوازي بالإسناد عن أنس قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ أخي ووزيري ووصيّي وخليفتي في أهلي علي بن أبي طالب(1) .
وفي خبر : أنت الإمام بعدي والأمير ، وأنت الصاحب بعدي والوزير ، ومالك في أمّتي من نظير(2) .
والوزير من الوزر ، وهو الملجأ ، وبه سمّي الجبل العظيم .
ومن الأوزار ، وهي الأمتعة والأسلحة ، لأنّه مقلّد خزائن الملك .
ومن الوزر الذي هو الذنب ، لأنّه يتحمّل أثقال الملك .
ومن الأزر ، وهو الظهر ، معناه : اشدد به ظهري(3) .
قال ابن الحجاج :
أنا مولى محمد وعلي
والإمامين شبر وشبير
أنا مولى وزير أحمد يا من
قد حباه ملكه بخير وزير
* * *
وقال الحميري :
وكان له أخا وأمين غيب
على الوحي المنزّل حين يوحى
وكان لأحمد الهادي وزيرا
كما هارون كان وزير موسى
ص: 234
وقال الأستاذ أبو العباس الضبي :
لعلي المطهّر الشهير
مجد أناف على ثبير
صنو النبي محمد
ووصيّه يوم الغدير
* * *
وقال شاعر آخر :
من كان صاهره وكان وزيره
وأبا بنيه محمدا مختار
* * *
وقال آخر :
وزير النبي وذو صهره
وسيف المنيّة في الظالمينا
* * *
ص: 235
الباقر عليه السلام في قوله تعالى « أُولئِكَ لَهُمُ الأَْمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ » نزلت في علي(1) عليه السلام .
قال الحميري :
وصيّ محمد وأمين غيب
ونعم أخو الإمامة والوصيّه
* * *
وله أيضا :
أشهد باللّه وآلائه
والمرء مأجور على صدقه
أنّ علي بن أبي طالب
كان أمين اللّه في خلقه
* * *
وقال دعبل :
صيّره هارونه في قومه أمينه
فقد قضى ديونه ولم يكن بماطل
* * *
وقال محمد بن علي العلوي :
ذاك أمين اللّه والباب الذي
يهلك يوم البعث من لم يدخل
منه إلى مدينة العلم التي
قال الرسول بابها الهادي علي
ص: 236
وقال جرير بن عبد اللّه البجلي :
أمين الإله وبرهانه
ونور البريّة والمعتصم
* * *
وقال شاعر آخر :
من لم يكن بأمين اللّه معتصما
فليس بالصلوات الخمس ينتفع
* * *
وقال آخر :
واللّه صيرهم أمان عباده
فيها وليس سواهم بأمان
* * *
ص: 237
ص: 238
ص: 239
ص: 240
ص: 241
ص: 242
ومنها : ادعوا إليّ خليلي ، فدعوا فلان ابن فلان فأعرض(1) .
فإذا ثبت أنّ عليا عليه السلام كان أحبّ الخلق إلى اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله ، فلا يجوز لغيره أن يتقدّم عليه ، وقد قال اللّه - تعالى - « قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ » .
إبانة بن بطّة ، وفضائل أحمد في خبر عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ولقد عاتب اللّه أصحاب محمد صلى الله عليه و آله في غير آي من القرآن ، وما ذكر عليا عليه السلام إلاّ بخير(2) .
وذلك نحو قوله « وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ » .
وقوله تعالى : « وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ » الآية .
وقوله تعالى في آية المناجاة : « فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللّهُ عَلَيْكُمْ » .
* * *
ص: 244
البخاري : توفي النبي صلى الله عليه و آله وهو عنه راض(1) ، يعني عن علي عليه السلام .
وقد ذكرنا أنّه أولى الناس بقوله تعالى : « لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ » ، لأنّه قد صحّ أنّه لم يفرّ قطّ من زحف ، وما ثبت ذلك لغيره(2) .
قال الكميت :
إذ الرحمن يصدع بالمثاني
وكان له أبو حسن مطيعا
حظوظا في مسرّته ومولى
إلى مرضاة خالقه سريعا
* * *
قوله تعالى : « إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا » .
قال النبي صلى الله عليه و آله : علي بن أبي طالب على دين إبراهيم عليه السلام ومنهاجه وشيعته أولى الناس به(3) .
عبد اللّه بن البجير عنه صلى الله عليه و آله قال : علي أولى بالمؤمنين بعدي(4) .
ص: 245
المسعودي بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال النبي صلى الله عليه و آله : أفضل أمّتي علي عليه السلام(1) .
وفي رواية : علي بن أبي طالب عليه السلام أفضل أمّتي(2) .
عبد الرزاق عن معمر قال : سألت سفيان عن أفضل الصحابة ؟ قال : علي عليه السلام .
قال الناشي :
وأفضل خلق اللّه بعد محمد
ووارثه علم الغيوب وغاسله
وعيبة علم اللّه والصادق الذي
يقول بمرّ القول إن قال قائله
عليم بما لا يعلم القول مظهر
من العلم من كلّ البريّة جاهله
يجيب بحكم اللّه في كلّ شبهة
فيبهر طبّ الغيّ منه دلائله
إذا قال قولاً صدّق الوحي قوله
وكذّب دعوى كلّ رجس يناضله
* * *
وقال ابن الحجاج :
قاتل اللّه من يفضّل خلقا على
علي وتبدى بمن علمت بديّا
* * *
ص: 246
ص: 247
ص: 248
عن الباقرين عليهماالسلام في قوله « وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ » « وَهُوَ الْحَقُّ » علي بن أبي طالب(1) .
وفي قراءة ابن مسعود : « والذي أنزل عليك الكتاب هو الحقّ ومن يؤمن به » يعني علي بن أبي طالب يؤمن به ، « وَمِنَ الأَْحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ » أنكروا من تأويله ما أنزل في علي عليه السلام وآل محمد صلى الله عليه و آله وآمنوا ببعضه ، وأمّا المشركون فأنكروا كلّه(2) .
محمد بن مروان عن السدي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله تعالى :
« أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ » ، قال : علي عليه السلام « كَمَنْ هُوَ أَعْمى » ، قال : الأوّل .
ص: 249
أبو الورد عن أبي جعفر عليه السلام « أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ » ، قال : علي بن أبي طالب(1) عليه السلام .
جابر عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى « يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ
الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ » ، يعني بولاية علي عليه السلام « وَإِنْ تَكْفُرُوا » بولايته « فَإِنَّ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ »(2) .
الباقر عليه السلام : « وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤمِنْ » يعني بولاية علي بن أبي طالب ، « وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ »(3) .
وعنه عليه السلام في قوله « وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ » يسألونك يا محمد : علي وصيّك « قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ » لوصيّي(4) .
ص: 250
وعنه عليه السلام في قوله تعالى : « يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ »
من عادى أمير المؤمنين « وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ » الذي أمرهم به رسول اللّه صلى الله عليه و آله في علي عليه السلام .
زيد بن علي في قوله تعالى « أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ » ، كان علي عليه السلام يسأل ولا يسأل .
وقوله تعالى : « وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ » يعني عليا عليه السلام إن لم يكن معصوما .
الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى : « وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِْنْسانَ لَفِي خُسْرٍ » يعني أبا جهل « إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ » ذكر علي عليه السلام وسلمان(1) .
ويروى أنّه : قرأ رسول اللّه صلى الله عليه و آله في علي : « وَالْعَصْرِ » إلى آخرها .
أبي بن كعب نزلت « وَالْعَصْرِ » في أمير المؤمنين وأعدائه(2) .
ص: 251
بيانه :
« إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا » لقوله « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا »
الآية .
وقوله « وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ » لقوله تعالى : « يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكاةَ » .
وقوله : « وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ » لقوله : الحقّ مع علي ، وعلي مع الحقّ(1) .
« وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ » ، لقوله : « وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ
وَحِينَ الْبَأْسِ » .
وأخبرنا الحداد عن أبي نعيم بإسناده قال ابن عباس : « وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ » علي بن أبي طالب(2) .
تفسير الثمالي في قوله تعالى « طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ » إنّ من الآيات مناديا ينادى من السماء في آخر الزمان : ألا إنّ الحقّ مع علي عليه السلام وشيعته(3) .
ص: 252
مسند أبي يعلى عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال : مرّ علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : الحقّ مع ذا ، الحقّ مع ذا(1) .
وسئل أبو ذر عن اختلاف الناس عنه ، فقال : عليك بكتاب اللّه والشيخ علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : علي مع الحقّ ، والحقّ معه ، وعلي لسانه ، والحقّ يدور حيث ما دار علي(2) .
وسلّم محمد بن أبي بكر يوم الجمل على عائشة فلم تكلّمه ، فقال : أسألك باللّه الذي لا إله إلاّ هو ، سمعتك تقولين : الزم علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : الحقّ مع علي وعلي مع الحقّ ، لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض ، قالت : بلى ، قد سمعت ذلك منه(3) .
وأتى عبد اللّه ومحمد ابنا بديل إلى عائشة وناشداها بذلك فاعترفت(4) .
ص: 253
وقد ذكر السمعاني في فضائل الصحابة إلاّ أنّه قال : علي مع الحقّ ، والحقّ مع علي(1) . . الخبر .
اعتقاد أهل السنة ، روى سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه و آله : علي مع الحقّ ، والحقّ مع علي ، والحقّ يدور حيث ما دار علي(2) .
وروى عبيد اللّه بن عبد اللّه حليف بني أمية : أنّ معاوية قال لسعد : أنت الذي لا تعرف حقّنا من باطل غيرنا ، فتكون معنا أو علينا ، فجرى بينهما كلام ، فروى سعد هذا الخبر ، فقال معاوية : لتجيئني بمن سمعه معك أو لأفعلن ! قال : أم سلمة ، فدخلوا عليها ، قالت : صدق ، في بيتي قاله(3) .
وروى مالك بن جعونة العرني نحو هذا .
الخطيب في تاريخه عن ثابت مولى أبي ذر قال : دخلت على أم سلمة ، فرأيتها تبكي وقالت : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : علي مع الحقّ ، والحقّ مع علي ، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة(4) .
الأصبغ : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : ويل لمن جهل معرفتي ولم
يعرف حقّي ، ألا إنّ حقّي هو حقّ اللّه ، ألا إنّ حقّ اللّه هو حقّي(5) .
ص: 254
عبد اللّه بن رزين الغافقي : أنّه جاء علي عليه السلام ورجلان يختصمان إلى عمر ، فقال : يا أبا الحسن ، الحقّ لمن ؟ فقال عليه السلام : خذ حقّك .
وقال الشاعر :
علي بلا شكّ مع الحقّ لم يزل
به الحقّ مقرونا كسنّين في فم
* * *
وأنشد آخر :
ليس من الغرب إلى الشرق
مثل علي سيد الخلق
لو رجع الحقّ إلى أهله
فكان أولى الناس بالحقّ
* * *
واستدلّت المعتزلة بهذا الخبر في تفضيل علي عليه السلام ، وقالت الإمامية : ظاهر الخبر يقتضي عصمته ووجوب الاقتداء به ، لأنّه صلى الله عليه و آله لا يجوز أن يخبر على الإطلاق بأنّ الحقّ معه ، والقبيح جائز وقوعه منه ، لأنّه إذا وقع كان الخبر كذبا ، وذلك لا يجوز عليه صلى الله عليه و آله .
ص: 255
ص: 256
ص: 257
ص: 258
تفسيري أبو عبيدة وعلي بن حرب الطائي : قال عبد اللّه بن مسعود : الخلفاء أربعة :
آدم عليه السلام « إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً » .
وداود عليه السلام « يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الأَْرْضِ » يعني بيت المقدس .
وهارون عليه السلام قال موسى عليه السلام : « اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي » .
وعلي عليه السلام « وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ » يعني عليا عليه السلام ، « لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » آدم وداود وهارون عليهم السلام « وَلَُيمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً » يعني أهل مكة « يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً » ، « وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ » بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام « فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ » يعني العاصين للّه ولرسوله(1) .
ص: 259
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : من لم يقل أنّي رابع الخلفاء فعليه لعنة اللّه (1) .
ثم ذكر نحو هذا المعنى أبو عبد اللّه عليه السلام : إذا كان يوم القيامة نودي : أين خليفة اللّه في أرضه ، فيقوم داود عليه السلام ، فيقال : لسنا أردناك ، وإن كنت خليفة اللّه في أرضه .
فيقوم أمير المؤمنين عليه السلام فيأتي النداء : يا معشر الخلائق ، هذا علي بن أبي طالب خليفة اللّه في أرضه ، وحجّته على عباده ، فمن تعلّق بحبله في دار الدنيا فليتعلّق بحبله في هذا اليوم ، ليستضئ بنوره ، ويشيّعه إلى الجنّة(2) .
كتابي أبي بكر بن مردويه ومحمد السمعاني بإسنادهما عن عبد الرزاق عن أبيه عن مينا عن ابن مسعود قال : كنت مع النبي صلى الله عليه و آله وقد تنفّس الصعداء ، فقلت : ما لك يا رسول اللّه ؟ قال : نعيت إليّ نفسي ، يا بن مسعود ، قلت : استخلف ؟ قال : من ؟ قلت : أبا بكر ! فسكت .
ثم مضى ساعة ، ثم تنفّس ، فقلت : ما شأنك يا رسول اللّه ؟ قال : نعيت إليّ نفسي ، فقلت : استخلف ؟ قال : من ؟ قلت : عمر ! فسكت .
ثم مضى ساعة ، ثم تنفّس ، فقلت : ما شأنك يا رسول اللّه ؟ قال : نعيت إليّ نفسي ، قلت : فاستخلف ؟ قال : من ؟ قلت : علي بن أبي طالب ، فسكت .
ص: 260
ثم قال : والذي نفسي بيده ، لئن أطاعوه ليدخلن الجنّة أجمعين أكتعين(1)(2) .
ونهى هارون الرشيد أن يقال لعلي عليه السلام « خليفة » ، قال أبو معاوية الضرير : يا أمير المؤمنين ! قالت تيم : منّا خليفة رسول اللّه ، وقالت بنو أميّة : منّا خليفة الخلفاء ، فأين حظّكم يا بني هاشم من الخلافة ؟ واللّه ما حظّكم منها إلاّ علي بن أبي طالب عليه السلام ، فرجع الرشيد عمّا كان يقول(3) .
وقال الحميري :
أشهد باللّه وآلائه
والمرء عمّا قاله يسأل
أنّ علي بن أبي طالب
خليفة اللّه الذي يعدل
وأنّه قد كان من أحمد
كمثل هارون ولا مرسل
لكن وصيّا خازنا عنده
علم من اللّه به يعمل
* * *
ص: 261
وقال الصاحب بن عباد :
علي أمير المؤمنين خليفة
شهدت له بالجنّة المتعاليه
وإنّى لا أرجو من مليكي كرامة
بحبّ علي يوم أعطى كتابيه
* * *
وفي الألفية :
لمن الخلافة والوزارة هل هما
إلاّ له وعليه يتّفقان
أو ما هما فيما تلاه إلهكم
في محكم الآيات مكتوبان
أدلوا بحجّتكم وقولوا قولكم
ودعوا حديث فلانكم وفلان
هيهات ظلّ ضلالكم أن تهتدوا
وتفهّموا لمقطع السلطان
* * *
وقال ابن طوطي :
خليفة ربّ العرش بعد محمد
رضيت له واللّه أعلى وأكبر
* * *
وما أليق به قول يزيد بن مزيد في ممدوحه :
خلافة اللّه في هارون ثابتة
وفي بنيه إلى أن ينفخ الصور
إرث النبي لكم من دون غيركم
حقّ من اللّه في القرآن مسطور
* * *
ص: 262
أمالي ابن بابويه قال الباقر عليه السلام : لمّا نزل قوله تعالى « وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ » ، قام رجلان من مجلسيهما ، فقالا : يا رسول اللّه ، هو التوراة ؟ قال : لا ، قالا : هو الإنجيل ، قال : لا ، قالا : فهو القرآن ، قال : لا .
فأقبل علي عليه السلام ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : هذا هو الإمام الذي أحصى اللّه
- تعالى - فيه كلّ شيء(1) .
ويعني بقوله تعالى : « وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً » ، كأنّه إمام المتّقين لا غير ، والجنّة أعدّت للمتّقين .
معجم الطبراني عن أعليم الجهني ، وفي أخبار أهل البيت عليهم السلام عن أسعد بن زرارة ، عن النبي صلى الله عليه و آله قال : ليلة أسرى بي ربّي فأوحى إليّ
ص: 263
في علي بثلاث : أنّه إمام المتّقين ، وسيّد المسلمين ، وقائد الغرّ المحجّلين(1) .
وفي رواية أبي الصلت الأهوازي : يا علي ، إنّك سيد المسلمين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجلين ، ويعسوب المؤمنين(2) .
يوسف القطّان في تفسيره عن شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله تعالى : « يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ » قال : إذا كان يوم القيامة دعا اللّه - عزّ وجلّ - أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، وأعلام التقى ، أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام ، ثم يقال لهم : جوزوا الصراط أنتم وشيعتكم ، وادخلوا الجنّة بغير حساب .
ثم يدعوا أئمة الفسق ، وإنّ - واللّه - يزيد منهم ، فيقال له : خذ بيد شيعتك إلى النار بغير حساب .
الخاصّ والعامّ عن الرضا عن آبائه عليهم السلام ، عن النبي صلى الله عليه و آله قال : يدعى كلّ أناس بإمام زمانهم ، وكتاب ربّهم ، وسنّة نبيّهم(3) .
الصادق عليه السلام : ألا تحمدون اللّه ؟!
ص: 264
إذا كان يوم القيامة يدعى كلّ قوم إلى من يتولّونه ، وفزعنا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وفزعتم أنتم إلينا ، فإلى أين ترون أن نذهب بكم ؟! إلى الجنّة وربّ الكعبة ، قالها ثلاثا(1) .
قال الشاعر :
إمامان أمّا واحد فعلى الهدى
وآخر يدعو للضلالة كاذب
* * *
وقال العوني :
هو الحقّ الإمام بغير شكّ
فهل تدرون ما معنى الإمام
هو المولى الوليّ وقد أتاكم
به الفرقان من غير إحتشام
أم اتخذوا هنالك أولياء
بل اللّه الوليّ بلا اكتهام(2)
* * *
وقال قيس بن سعد :
هذا علي وابن عمّ المصطفى
أوّل من أجابه ممّن دعا
هذا الإمام لا نبالي من غوى
* * *
وقال شاعر آخر :
حبّ الإمام على الأنام فريضة
أعني أمير المؤمنين عليّا
فرض الإله على البريّة حبّه
واختاره للمؤمنين وليّا
ص: 265
وأنشد :
أشهد باللّه وآلائه
شهادة يعلمها ربّي
أنّ عليا بعد خير الورى
إمام أهل الشرق والغرب
من لم يقل مثل الذي قلته
جاءت به الرعناء في الدرب
* * *
ص: 266
قوله تعالى « وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ » .
أنبأني الحافظ أبو العلي بإسناده عن شريك بن عبد اللّه عن أبي ربيعة عن أبي بريدة عن أبيه قال النبي صلى الله عليه و آله :
لكلّ نبيّ وصيّ ووارث ، وإنّ عليا عليه السلام وصيّي ووارثي(1) .
فضائل الصحابة عن أحمد عن زيد بن أوفى قال صلى الله عليه و آله في خبر : وأنت بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ، وأنت أخي ووارثي ، قال : وما أرث منك يا رسول اللّه ؟
قال : ما ورث الأنبياء قبلي ، قال : وما ورّث الأنبياء قبلك ؟ قال : كتاب اللّه ، وسنّة نبيّه(2) .
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : ورث علي عليه السلام علم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وورثت فاطمة عليهاالسلامتركته(3) .
والخبر المشهور : أنت وارث علم الأوّلين والآخرين .
ص: 267
قال ابن حماد :
ذاك علي المرتضى العالي الذي
بفخره قد فخرت عدنانه
صنو النبيّ هديه كهديه
إذ كلّ شيء شكله عنوانه
وصيّه حقّا وقاضي دينه
إذ اقتضت ديونه ديّانه
ناصحه الناصر حقّا إذ غدا
سواه ضدّ سرّه إعلانه
ووارث علم الهدى أمينه
في أهله وزيره خلصانه
* * *
وقال آخر :
آل النبي المصطفى أئمّتي
ومعدن الميراث والنبوة
* * *
ص: 268
ص: 269
ص: 270
ابن مجاهد في التاريخ ، والطبري في الولاية ، والديلمي في الفردوس ، وأحمد في الفضائل ، والأعمش عن أبي وائل ، وعن عطية عن عائشة ، وقيس عن أبي حازم عن جرير بن عبد اللّه قالوا :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : علي خير البشر ، فمن أبى فقد كفر ، ومن رضى فقد شكر(1) .
أبو الزبير وعطية العوفي وجواب قال كلّ واحد منهم : رأيت جابرا يتوكّأ على عصاه ، وهو يدور في سكك المدينة ومجالسهم ، وهو يروي هذا الخبر ، ثم يقول : معاشر الأنصار أدّبوا أولادكم على حبّ علي ، فمن أبى فلينظر في شأن أمّه(2) .
ص: 271
الداري بإسناده عن الأصبغ بن نباته ، عن جميع التيمي كليهما عن عائشة : أنّها لمّا روت هذا الخبر قيل لها : فلم حاربتيه ؟ قالت : ما حاربته من ذات نفسي إلاّ حملني طلحة والزبير(1)(2) .
وفي رواية : أمر قدر وقضاء غلب(3) !!
أبو وائل ، ووكيع ، وأبو معاوية ، والأعمش ، وشريك ، ويوسف القطّان بأسانيدهم : أنّه سئل جابر وحذيفة عن علي عليه السلام ، فقالا : علي خير البشر ، لا يشكّ فيه إلاّ كافر .
وروى عطاء عن عائشة مثله ، ورواه سالم بن أبي الجعد عن جابر بأحد عشر طريقا(4) .
الطبري في تاريخه : إنّ المأمون أظهر القول بخلق القرآن ، وتفضيل علي بن أبي طالب عليهماالسلام وقال : هو أفضل الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في شهر ربيع الأوّل سنة إثنى عشر ومائتين(5) .
ص: 272
وقالت البغداديون وأكثر البصريين من المعتزلة أفضل الخلق بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهو اختيار أبي عبد اللّه البصري(1) .
قال أبو الطفيل الكناني :
أشهد باللّه وآلائه
وآل يس وآل الزمر
أنّ علي بن أبي طالب
بعد رسول اللّه خير البشر
لو يسمعوا قول نبي الهدى
من حاد عن حبّ علي كفر
* * *
وقال الحسن بن حمزة العلوي :
جاء إلينا في الخبر
بأنّه خير البشر
فمن أبى فقد كفر
بفضل من يفاضل
* * *
وقال خطيب خوارزم :
إنّ عليا سيّد الأوصياء
مولى أبي بكر ومولى عمر
أقصر عن أسيافه قيصر
وإنّ كسرى عن قناه انكسر
انحجرت آساد يوم الوغى
لمّا اكتسى للحرب جلد النمر
لم يتقلّد سيفه في الوغى
إلاّ ونادى الدين جاء الظفر
وهل أتى مدح فتى هل أتى
لغيره في هل أتى إذ نذر
فيا لها من سير في العلى
تتلى على الناس كمثل السور
ص: 273
أبو بكر الهذلي عن الشعبي : أنّ رجلاً أتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : يا رسول اللّه ، علّمني شيئا ينفعني اللّه به ، قال : عليك بالمعروف ، فإنّه ينفعك في عاجل دنياك وآخرتك ، إذ أقبل علي عليه السلام ، فقال : يا رسول اللّه ، فاطمة تدعوك ، قال : نعم ، فقال الرجل : من هذا يا رسول اللّه ؟ قال : هذا من الذين قال اللّه فيهم : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ »(1) .
ابن عباس وأبو برزة وابن شرحبيل والباقر عليه السلام قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي مبتدأ : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ » ، أنت وشيعتك ، وميعادي وميعادكم الحوض ، إذا حشر الناس جئت أنت وشيعتك غرّا محجّلين(2) .
أبو نعيم الأصفهاني فيما نزل من القرآن في علي عليه السلام بالإسناد عن شريك بن عبد اللّه ، عن أبي إسحاق عن الحرث قال علي عليه السلام : نحن أهل بيت
لانقاس بالناس ، فقام رجل فأتى ابن عباس فأخبره بذلك، فقال: صدق
ص: 274
علي عليه السلام أوليس النبي صلى الله عليه و آله لا يقاس بالناس ، وقد نزل في علي عليه السلام « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ »(1) .
أبو بكر الشيرازي في كتاب نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين عليه السلامأنّه
حدّث مالك بن أنس عن حميد ، عن أنس بن مالك قال : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا » نزلت في علي(2) صدّق أوّل الناس برسول اللّه صلى الله عليه و آله « وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ » تمسّكوا بأداء الفرائض « أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ » يعني عليا عليه السلامأفضل الخليقة بعد النبي صلى الله عليه و آله . . إلى آخر السورة(3) .
الأعمش عن عطية ، عن الخدري ، وروى الخطيب عن جابر : أنّه لمّا نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه و آله : علي خير البريّة .
وفي رواية جابر : كان أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا أقبل علي عليه السلام قالوا : جاء خير البريّة(4) .
ص: 275
قال البياري :
ألا اقرأ لم يكن وتأمّلنها
تجد فيها خسار الناصبيّه
أمير المؤمنين لنا إمام
له العلياء والرتب السنيّه
فلم أنكرتم لو قلت يوما
بأنّ المرتضى خير البريّه
ستذكر بغضه وقلاه يوما
أتاك ردى وحمّ لك المنيّه(1)
* * *
وقال أبو الحسين فاذشاه :
من قال ليس المرتضى خير الورى
بعد النبي فهو في قعر لظى
* * *
وقال القاسم بن يوسف :
حلفت بربّ الورى المعتلى
على خلقه الطالب الغالب
لأحمد خير بني غالب
ومن بعده ابن أبي طالب
فهذا النبي وهذا الوصي
ويعتزل الناس في جانب
* * *
وقال الحميري :
أشهد باللّه وآلائه
واللّه عمّا قلته سائل
أنّ علي بن أبي طالب
لخير ما حاف وما ناعل
* * *
ص: 276
وقال الخطيب خوارزم :
إنّ علي بن أبي طالب
خير الورى والطالب الغالب
خير الورى والطالب الغالب
بعد النبي ابن أبي طالب
يا طالبا مثل علي وهل
في الخلق مثل ! الفتى الطالب
* * *
ص: 277
البلاذري في التاريخ قال عطية : قلنا لجابر بن عبد اللّه : أخبرنا عن علي عليه السلام ، قال : كان خير الناس بعد رسول اللّه (1) .
ابن عبدوس الهمداني ، والخطيب الخوارزمي في كتابيهما بالإسناد عن سلمان الفارسي قال عليه السلام : إنّ أخي ووزيري وخير من أخلّفه بعدي علي بن أبي طالب عليهماالسلام(2) .
تاريخ الخطيب روى الأعمش عن عدي ، عن زر ، عن عبيد اللّه ، عن علي عليه السلام قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من لم يقل علي خير البشر فقد كفر(3) .
وعنه في التاريخ بالإسناد عن علقمة ، عن عبد اللّه قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : خير رجالكم علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وخير شبابكم الحسن والحسين عليهماالسلام ، وخير نسائكم فاطمة بنت محمد(4) صلى الله عليه و آله .
ص: 278
وقال الحميري :
ألم يك خيرهم أهلاً وولدا
وأفضلهم معا لا ينكرونا
ألم يك أهله خير الأنام
وسبطاه رئيس الفائزينا
* * *
الطبريان في الولاية والمناقب بإسنادهما إلى مسروق عن عائشة : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : هم شرّ الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة ، وأقربهم إلى اللّه وسيلة(1) . أي المخدج وأصحابه .
ودخل سعد بن أبي وقاص على معاوية بعد مصالحة الحسن عليه السلام ، فقال معاوية : مرحبا بمن لا يعرف حقّا فيتبعه ، ولا باطلاً فيجتنبه ، فقال : أردت أن أعينك على علي عليه السلام بعد ما سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول لابنته فاطمة عليهاالسلام : أنت خير الناس أبا وبعلاً(2) .
قال الفضل بن عتبة :
ألا إنّ خير الناس بعد محمد
مهيمنه التاليه في العرف والنكر
* * *
ص: 279
وقال ابن أبي لهب :
وأوّل من صلّى وصنو نبيّه
وأوّل من أردى الغواة لدى بدر
* * *
وقال أحمد بن يوسف :
خير من صلّى وصام ومن
مسح الأركان والحجبا
ووصيّ المصطفى وأخ
دون ذي القربى وإن قربا
وأمير المؤمنين به
تؤثر الأخبار والكتبا
* * *
وروى عن سلمان أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : خير هذه الأمّة علي بن أبي طالب(1) عليه السلام .
الطالقاني عن الوليد بن المسلم عن حنظل بن أبي سفيان ، عن شهر بن حوشب قال : لمّا دوّن عمر بن الخطاب الدواوين بدأ بالحسن وبالحسين عليهماالسلام ، فملأ حجرهما من المال ، فقال ابن عمر : تقدّمهما عليّ ولي صحبة وهجرة دونهما !! فقال عمر : اسكت - لا أمّ لك - أبوهما خير من أبيك ، وأمّهما خير من أمّك(2) .
ص: 280
وقال عمر النوقاني :
أشهد باللّه وآلائه
شهادة بالحقّ لا بالمرا
أنّ علي بن أبي طالب
خيرالورى من بعد خير الورى
* * *
وقال المفجع الكاتب :
أيّها اللائمي بحبّي عليا
قم ذميما إلى الجحيم خزيّا
ألخير(1) الأنام قصرت لا زلت
مذودا عن الهدى مزويّا
* * *
وقال ابن الحجاج :
أبعد سبعين ما شوقتني أملي
إلاّ غرورا بتعليل المنى أملا
هيهات قد أبصرت عيني بحجبتها
في قصد أخراي فيما لي عليّ ولي
فمذهبي أنّ خير الناس كلّهم
بعد النبيّ أمير المؤمنين علي
* * *
وقال الناشي :
إنّ الإمام علي عند خالقه
غداة فينا أخوه فاعرف الذنبا
هذا نبي وهذا خير أمّته
دينا وأعلى البرايا كلّهم نسبا
ص: 281
وقال ديك الجن :
إنّ عليا خير أهل الأرض
بعد النبي فاربعي أو أمضي
* * *
وقال غيره :
إنّ عليا خير من عليها
بعد النبي المصطفى إليها
* * *
ص: 282
ص: 283
ص: 284
الباقر عليه السلام في قوله تعالى « فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ » إلى ولاية علي عليه السلام
« سَبِيلاً » ، وهو على السبيل(1)(2) .
جعفر وأبو جعفر عليه السلام في قوله : « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا » يعني بني أمية(3) « وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ » عن ولاية علي بن أبي طالب عليهماالسلام(4) .
أبو حمزة وزرارة بن أعين : أنّ أبا جعفر عليه السلام قال : « هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي » علي بن أبي طالب عليهماالسلام(5) .
وفي رواية : وآل محمد(6) .
الباقر عليه السلام قال : « هذِهِ سَبِيلِي » يعني نفسه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلي(7) عليه السلام
ص: 285
من شيعة آل محمد(1) .
وفي رواية : يعني بالسبيل عليا عليه السلام ، ولا ينال ما عند اللّه إلاّ بولايته .
هارون بن الجهم وجابر عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : « فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا » من ولاية جماعة وبني أمية « وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ » آمنوا بولاية علي عليه السلام ، وعلي عليه السلام هو السبيل(2) .
إبراهيم الثقفي بإسناده إلى أبي بزرة الأسلمي قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله « أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ » سألت اللّه أن يجعلها لعلي عليه السلام ، ففعل(3) .
أبو الحسن الماضي عليه السلام قال « إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ » بولاية وصيك « قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ وَ اللّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ » ، والسبيل هو الوصي « إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا » برسالتك « ثُمَّ كَفَرُوا » بولاية وصيك « فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى يُؤفَكُونَ
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللّهِ » ارجعوا إلى ولاية علي عليه السلام
ص: 286
يستغفر لكم النبي صلى الله عليه و آله من ذنوبكم « لَوَّوْا رُؤسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ » عن ولاية علي عليه السلام « وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ »(1) .
أبو ذر عن النبي
صلى الله عليه و آله - في خبر - في قوله : « وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ » يعني عليا عليه السلام .
ابن عباس في قوله : « فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً » الآيات : إنّ سبيل اللّه في هذا الموضع علي بن أبي طالب عليهماالسلام(2) .
قوله : « وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ » ، في الخبر : هو الوصي بعد النبي(3) .
وفي الخبر المشهور عن النبي صلى الله عليه و آله : ستفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة ، إحداهما ناجية وسائرها هالكة(4) .
زاذان عن أمير المؤمنين عليه السلام : والذي نفسي بيده ، لتفترقن هذه الأمّة على ثلاث وسبعين فرقة ، إثنتان وسبعين في النار وواحدة في الجنّة ، وهم الذين قال اللّه : « وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ » ، وهم أنا وشيعتي(5) .
ص: 287
وروى عن الباقرين عليهماالسلام أنّهما قالا : نحن هم(1) .
وقال شرف الدولة :
إذ افترقت في الدين سبعون فرقة
ونيف على ما جاء في سالف النقل
أفي الفرقة الهلاك آل محمد
أم الفرقة اللاتي نجت منهم قل لي
إذا كان مولى القوم منهم فإنّني
رضيت بهم لا زال في ظلّهم ظلي
فخلّ عليا لي إماما وآله
وأنتم من الباقين في أوسع الحل
* * *
ص: 288
ومن تفسير وكيع بن الجراح عن سفيان الثوري ، عن السدي ، عن أسباط ومجاهد ، عن عبد اللّه بن عباس في قوله : « اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ » قال : قولوا معاشر العباد : ارشدنا إلى حبّ النبي صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام(1) .
تفسير الثعلبي وكتاب ابن شاهين عن رجاله ، عن مسلم بن حيان ، عن بريدة في قول اللّه « اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ » قال : صراط محمد وآله عليهم السلام(2) .
الباقران عليهماالسلام : « اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ » قالا : دين اللّه الذي نزل به جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه و آله « صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ » فهديتهم بالإسلام وبولاية علي بن أبي طالب عليه السلام ، ولم تغضب عليهم ولم يضلّوا(3) « الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ » اليهود والنصارى والشكّاك الذين لا يعرفون إمامة أمير المؤمنين عليه السلام « الضّالِّينَ » عن إمامة علي بن أبي طالب عليهماالسلام(4) .
ص: 289
وقال أبو جعفر الهاروني في قوله : « وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ » ، وأمّ الكتاب الفاتحة ، يعني أنّ فيها ذكره ، قوله : « اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ » . . السورة(1) .
الأعمش عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله : « فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ » هو - واللّه - محمد صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام « وَمَنِ
اهْتَدى » فهم أصحاب محمد(2) صلى الله عليه و آله .
الخصائص بالإسناد عن الأصبغ ، عن علي عليه السلام ، وفي كتبنا عن جابر ، عن أبي جعفر في قوله : « وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِالآْخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ » قال : عن ولايتنا(3) .
أبو عبد اللّه عليه السلام في قوله : « أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى »
ص: 290
أي أعداؤهم « أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » ، قال : سلمان والمقداد وعمار وأصحابه(1) .
وفي التفسير « وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً » يعني القرآن وآل محمد عليهم السلام .
علي بن عبد اللّه بن عباس عن أبيه وزيد بن علي بن الحسين عليهم السلام : « وَاللّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ » يعني به الجنّة ، « وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » يعني به ولاية علي بن أبي طالب(2) عليه السلام .
جابر بن عبد اللّه : أنّ النبي صلى الله عليه و آله هيّأ أصحابه عنده ، إذ قال - وأشار بيده
إلى علي عليه السلام - « هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ »(3) الآية ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : كفاك يا عدوي .
ص: 291
ابن عباس : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يحكم وعلي عليه السلام بين يديه مقابلته ، ورجل عن يمينه ، ورجل عن شماله ، فقال : اليمين والشمال مضلّة ، والطريق المستوي الجادة ، ثم أشار بيده وأنّ « هذا صِراط عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ »فاتبعوه(1).
الحسن قال : خرج ابن مسعود فوعظ الناس ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، أين الصراط المستقيم ؟ فقال : الصراط المستقيم ، طرفه في الجنّة ، وناحيته عند محمد صلى الله عليه و آله وعلي عليه السلام ، وحافتاه دعاة ، فمن استقامت له الجادة أتى محمدا صلى الله عليه و آله ، ومن زاغ عن الجادة تبع الدعاة(2) .
الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام « فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » قال: إنّك على ولاية علي عليه السلام، وهو الصراط المستقيم(3).
ومعنى ذلك : أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام الصراط إلى اللّه ، كما يقال « فلان باب السلطان » إذا كان يوصل به إلى السلطان .
ص: 292
ثم إنّ الصراط هو الذي عليه علي عليه السلام يدلّك وضوحا على ذلك قوله : « صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ » يعني :
نعمة الإسلام ، لقوله : « وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ » .
والعلم « وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ » .
والذريّة الطيّبة ، لقوله : « إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ » الآية .
واصلاح الزوجات ، لقوله : « فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ » .
فكان علي عليه السلام في هذه النعم في أعلى ذراها .
وقال الحميري :
سمّاه جبار السما
صراط حقّ فسما
فقال في الذكر وما
كان حديثا يفترى
هذا صراطي فاتبعوا
وعنهم لا تخدعوا
فخالفوا ما سمعوا
والخلف ممّن شرعوا
واجتمعوا واتفقوا
وعاهدوا ثم التقوا
إن مات عنهم وبقوا
أن يهدموا ما قد بنى
* * *
وله أيضا :
وأنت صراطه الهادي إليه
وغيرك ما ينجّي الماسكينا
* * *
ص: 293
وله أيضا :
علي ذا صراط هدى
فطوبى لمن إليه هدى
* * *
وقال الحميري :
وله صراط اللّه دون عباده
من يهده يرزق تقى ووقارا
في الكتب مسطور مجلّى باسمه
وبنعته فاسأل به الأحبارا
* * *
وقال العوني :
إمامي صراط اللّه منهاج قصده
إذا ضلّ من أخطا الصواب عن السبل
* * *
ص: 294
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : فابتغوا « وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ » أنا وسيلته ، وأنا وولدي ذريّته .
وقال الصاحب بن عباد :
العدل والتوحيد والإمامه
والمصطفى المبعوث من تهامه
وسيلتي في عرصة القيامه
* * *
وقال ابن الخشّاب الكاتب :
حبّ علي بن أبي طالب
وسيلتي تسعف بالمغفره
* * *
ص: 295
ص: 296
ص: 297
ص: 298
الباقر عليه السلام في قوله تعالى : « ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النّاسِ » علي بن أبي طالب(1) .
أبو جعفر الصائغ : سمعت الصادق عليه السلام يقول في قوله تعالى : « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً » قال : نحن الحبل(2) .
محمد بن علي العنبري بإسناده عن النبي صلى الله عليه و آله : أنّه سأل أعرابي عن هذه الآية ، فأخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله يده فوضعها على كتف علي عليه السلام ، فقال : يا أعرابي ، هذا حبل اللّه فاعتصم به .
فدار الأعرابي من خلف علي عليه السلام والتزمه ، ثم قال : اللّهم إنّي أشهدك أنّي اعتصمت بحبلك ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة ، فلينظر إلى هذا .
وروى نحوا من ذلك الباقر والصادق(3) عليهماالسلام .
وقال الحميري :
إنّا وجدنا له فيما نخبره
بعروة العرش موصولاً بها سببا
ص: 299
حبلاً متينا بكفّيه له طرف
سدّ العراج إليه العقد والكربا
من يعتصم بالقوي من حبله فله
أن لا يكون غدا في حال من عطبا
* * *
وقال العوني :
إمامي حبل اللّه عروة حقّه
فطوبى وطوبى من تمسّك بالحبل
* * *
سفيان بن عيينة عن الزهري ، عن أنس بن مالك في قوله تعالى : « وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللّهِ » قال : نزل في علي عليه السلام كان أوّل من أخلص وجهه للّه « وَهُوَ مُحْسِنٌ » أي مؤمن مطيع « فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » قول لا إله إلاّ اللّه « وَإِلَى اللّهِ عاقِبَةُ الأُْمُورِ »(1) واللّه ما قتل علي بن أبي طالب إلاّ عليها .
وروى : « فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » يعني ولاية علي عليه السلام(2) .
الرضا عليه السلام : قال النبي صلى الله عليه و آله : من أحبّ أن يتمسّك بالعروة الوثقى ، فليتمسّك بحبّ علي بن أبي طالب عليهماالسلام(3) .
ص: 300
وقال ابن حماد :
هو العروة الوثقى هو الجنب إنّما
يفرط فيه الخاسر العمه الغفل
* * *
وله أيضا :
علي علي القدر عند مليكه
وإن أكثرت فيه الغواة ملالها
وعروته الوثقى التي من تمسّكت
يداه بها لم يخش قطّ انفصامها
* * *
تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان النسوي ، والكلبي ، ومجاهد ، وأبي صالح ، والمغربي ، عن ابن عباس : أنّه رأت حفصة النبي صلى الله عليه و آله في حجرة عائشة مع مارية القبطية ، قال : أتكتميني على حديثي ، قالت : نعم ، قال : فإنّها عليّ حرام ليطيب قلبها ، فأخبرت عائشة وبشّرتها من تحريم مارية .
فكلّمت عائشة النبي صلى الله عليه و آله في ذلك ، فنزل « وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً » إلى قوله : « هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤمِنِينَ » ، قال : صالح المؤمنين - واللّه - علي عليه السلام ، يقول اللّه : واللّه حسبه « وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ »(1) .
ص: 301
البخاري وأبو يعلى الموصلي قال ابن عباس : سألت عمر بن الخطاب عن المتظاهرتين ! قال : حفصة وعائشة(1) .
السري عن أبي مالك عن ابن عباس ، وأبو بكر الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام ، والثعلبي بالإسناد عن موسى بن جعفر عليه السلام ، وعن أسماء بنت عميس ، عن النبي صلى الله عليه و آله قال :
« وَصالِحُ الْمُؤمِنِينَ » علي بن أبي طالب عليهماالسلام(2) .
[ زيد بن علي عليهماالسلام : إنّ(3) الناصر للحقّ « وَصالِحُ الْمُؤمِنِينَ » علي بن أبي طالب(4) (5)] .
ورواه أبو نعيم الأصفهاني بالإسناد عن أسماء بنت عميس .
ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله : إنّ عليا عليه السلام باب الهدى بعدي ، والداعي إلى ربّي ، وهو صالح المؤمنين ، « وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللّهِ وَعَمِلَ صالِحاً »(6) . . الآية .
ص: 302
وقال أمير المؤمنين عليه السلام على المنبر : أنا أخو المصطفى خير البشر ، من هاشم سنامه الأكبر ، ونبأ عظيم جرى به القدر ، « وَصالِحُ الْمُؤمِنِينَ »
مضت به الآيات والسور .
وإذا ثبت أنّه « صالح المؤمنين » ، فينبغي كونه أصلح من جميعهم بدلالة العرف والاستعمال ، كقولهم : فلان عالم قومه ، وشجاع قبيلته .
قال الناشي :
إذ أسرّ النبي فيه حديثا
عند بعض الأزواج ممّن يليه
نبأتها به وأظهره اللّه
عليه وجاء من قبل فيه
يسأل المصطفى فيعرف بعضا
بعد إبطان بعضه يستحيه
وغدا يعتب اللّتين بقصد
أبديا سرّه إلى حاسديه
فأبى اللّه أن يتوبا إلى اللّه
فقد صاغ قلب من يتّقيه
أو تحيا تظاهرا فهو مولاه
وجبريل ناصر في ذويه
ثم خير الورى أخوه علي
ناصر المؤمنين من ناصريه
* * *
وقال الوراق القمّي :
علي دعاه اللّه في الذكر صالحا
كما قاله الرحمن في المتحرّم
* * *
ص: 303
أبو نعيم في حلية الأولياء : روى عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه ، والواحدي في أسباب نزول القرآن عن بريدة ، وأبو القاسم بن حبيب في تفسيره عن زر بن حبيش عن علي بن أبي طالب ، واللّفظ له :
قال علي بن أبي طالب عليهماالسلام : ضمّني رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : أمرني ربّي أن أدنيك ولا أقصيك ، وأن تسمع وتعي(1) .
تفسير الثعلبي في رواية بريدة : وأن أعلّمك وتعي ، وحقّ على اللّه أنّ تسمع وتعي ، فنزلت « وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ »(2) .
ذكره النطنزي في الخصائص .
أخبار أبي رافع قال عليه السلام : إنّ اللّه - تعالى - أمرني أن أدنيك ولا أقصيك ، وأن أعلّمك ولا أجفوك ، وحقّ عليّ أن أطيع ربّي فيك ، وحقّ عليك أن تعي(3) .
محاضرات أبو القاسم الراغب : قال الضحاك وابن عباس ، وفي أمالي الطوسي قال الصادق عليه السلام ، وفي بعض كتب الشيعة عن سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه السلام ، قالوا : « وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ » أذن علي عليه السلام(4) .
ص: 304
الباقر عليه السلام : قال النبي صلى الله عليه و آله لمّا نزلت هذه الآية : واللّه أذنك يا علي(1) .
كتاب الياقوت عن أبي عمر ، وغلام تغلب ، والكشف والبيان عن الثعلبي قال عبد اللّه بن الحسن ، في كتاب الكليني ، واللّفظ له عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله : لمّا نزلت « وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ »
قلت : اللّهم اجعلها أذن علي ، فما سمع شيئا بعده إلاّ حفظه(2) .
سعيد بن جبير عن ابن عباس : « وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ » علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، ثم قال : قال النبي صلى الله عليه و آله : ما زلت أسأل اللّه - تعالى - منذ أنزلت أن تكون أذنيك يا علي(3) .
تفسير القشيري وغريب العزيزي : لمّا نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام : إنّي دعوت اللّه أن يجعل هذه أذنك(4) .
جابر الجعفي وعبد اللّه بن الحسين ومكحول : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّي سألت ربّي أن يجعلها أذنك يا علي ، اللّهم اجعل أذنا واعية أذن علي(5) ، ففعل ، فما نسيت شيئا سمعته بعد(6) .
ص: 305
قال الوراق القمّي :
علي وعت أذناه ما قال أحمد
لدعوته فيه ولم يتصمّم
* * *
وقال الحميري :
وصيّ محمد وأمين غيب
ونعم أخو الإمامة والوزير
إذا ما آية نزلت عليه
يضيق بها من القوم الصدور
دعاها صدره وحنت عليها
أضالعه واحكمها الضمير
* * *
وفي المحبره :
وبه تنزّل أن أذنى وحيه
للعلم واعية فمن ساواني
* * *
تفسير القطّان عن وكيع ، عن سفيان ، عن السدي ، عن عبد خير ، عن علي بن أبي طالب عليهماالسلام قال : أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : يا محمد ، هذا الأمر بعدك لنا أم لمن ؟ قال : يا صخر ، الأمر بعدي لمن هو بمنزلة هارون من موسى ، قال : فأنزل اللّه تعالى « عَمَّ
ص: 306
يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ » منهم المصدّق بولايته وخلافته ، ومنهم المكذّب بهما .
ثم قال : « كَلاّ » وردّ هو عليهم « سَيَعْلَمُونَ » خلافته بعدك أنّها حقّ « ثُمَّ كَلاّ سَيَعْلَمُونَ » ، ويقول : يعرفون ولايته وخلافته ، إذ يسألون عنها في قبورهم ، فلا يبقى ميّت في شرق ولا غرب ، ولا في برّ ولا في بحر ، إلاّ ومنكر ونكير يسألانه عن الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام بعد الموت ، يقولان للميّت : من ربّك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيّك ؟ ومن إمامك ؟(1) .
وروى علقمة أنّه خرج يوم صفين رجل من عسكر الشام وعليه سلاح ، ومصحف فوقه ، وهو يقول : « عَمَّ يَتَساءَلُونَ » ، فأردت البراز ، فقال عليه السلام : مكانك وخرج بنفسه ، وقال : أتعرف « النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ
فِيهِ مُخْتَلِفُونَ » ؟ قال : لا ، قال : واللّه إنّي أنا النبأ العظيم الذي فيّ اختلفتم ، وعلى ولايتي تنازعتم ، وعن ولايتي رجعتم بعد ما قبلتم ، وببغيكم هلكتم بعد ما بسيفي نجوتم ، ويوم غدير قد علمتم ، ويوم القيامة تعلمون ما علمتم ، ثم علاه بسيفه ، فرمى رأسه ويده ، ثم قال :
أبى اللّه إلاّ أنّ صفين دارنا
وداركم ما لاح في الأفق كوكب
وحتى تموتوا أو نموت وما لنا
وما لكم عن حومة الحرب مهرب(2)
ص: 307
وفي رواية الأصبغ : واللّه إنّي أنا « النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ كَلاّ سَيَعْلَمُونَ » حين أقف بين الجنّة والنار ، فأقول : هذا لي وهذا لك(1) . . الخبر .
أبو المضا صبيح عن الرضا عليه السلام : قال علي : ماللّه نبأ أعظم منّي(2) .
وروى أنّه لمّا هربت الجماعة يوم أحد كان علي عليه السلام يضرب قدّامه وجبريل عليه السلام على يمين النبي صلى الله عليه و آله ، وميكائيل عليه السلام عن يساره ، فنزل « قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ » .
قال العوني :
يا أيّها النبأ العظيم كفاك أن
سمّاك ربّك في القران عظيما
إنّي لأعلم أنّ من والاكم
والى الإله الواحد القيوما
* * *
وله أيضا :
هو النبأ العالي العظيم الذي دعا
تطيل البرايا في نباه اختصامها
فهل يطفئ الكفار أنوار فضله
وربّ العلى قد مدّها وأدامها
* * *
وقائل :
يا من هو النبأ الأعلى العلي ومن
لم يخف عن علمه غيب ولم يغب
ص: 308
وقال السوسي :
إذا نادت صوارمه سيوفا
فليس لها سوى نعم جواب
طعام سيوفه مهج الأعادي
وفيض دم الرقاب لها شراب
وبين سنانه والدرع صلح
وبين البيض والبيض اصطحاب
هو النبأ العظيم وفلك نوح
وباب اللّه وانقطع الخطاب
* * *
ص: 309
ص: 310
ص: 311
ص: 312
الواحدي في الوسيط وفي أسباب النزول قال عطاء في قوله تعالى : « أَفَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلإِْسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ » نزلت في علي وحمزة عليهماالسلام ، « فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ » في أبي جهل وولده(1) .
أبو جعفر عليهماالسلام في قوله : « يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ » يقول : من الكفر إلى الإيمان ، يعني إلى الولاية لعلي عليه السلام(2) .
الباقر عليه السلام في قوله : « وَالَّذِينَ كَفَرُوا » بولاية علي بن أبي طالب عليهماالسلام « أَوْلِياؤهُمُ الطّاغُوتُ » نزلت في أعدائه ومن تبعهم أخرجوا الناس من النور ، والنور ولاية علي عليه السلام ، فصاروا إلى الظلمة ولاية أعدائه(3) .
ص: 313
وقد نزل فيهم : « فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ » .
وقوله تعالى « يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ » .
وقال أبو الحسن الماضي عليه السلام : « يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤا » ولاية أمير المؤمنين عليه السلام « بِأَفْواهِهِمْ وَاللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ » متمّ الإمامة(1) .
مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله : « وَما يَسْتَوِي الأَْعْمى » أبو جهل ، « وَالْبَصِيرُ » أمير المؤمنين عليه السلام ، « وَلاَ الظُّلُماتُ » أبو جهل ، « وَلاَ النُّورُ » أمير المؤمنين عليه السلام « وَلاَ الظِّلُّ » يعني ظلّ أمير المؤمنين عليه السلام في الجنّة ، « وَلاَ الْحَرُورُ » يعني جهنم .
ثم جمعهم جميعا فقال : « وَما يَسْتَوِي الأَْحْياءُ » علي وحمزة عليهماالسلاموجعفر والحسن والحسين وفاطمة وخديجة عليهم السلام ، « وَلاَ الأَْمْواتُ » كفّار مكة(2) .
أبو خالد الكابلي عن الباقر عليه السلام في قوله : « فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ
ص: 314
وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا » يا أبا خالد ، النور - واللّه - الأئمة من آل محمد عليهم السلام(1) .
قوله : « أَتْمِمْ لَنا نُورَنا » ألحق بنا شيعتنا .
الصادق عليه السلام في قوله « انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ » ، قال : إنّ اللّه - تعالى - يقسم النور يوم القيامة على قدر أعمالهم ، ويقسم للمنافق ، فيكون في إبهام رجله اليسرى ، فيطفئوا نوره .. الخبر .
ثم قرأ الصادق عليه السلام : فينادون من وراء السور : « أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى »(2) .
وقلت أنا :
قلبي المخمور من صهبائكم
فافشؤا ذا الخمر عن مخموركم
طور سيناء أنتم يا سادتي
يا متى ميعادنا في طوركم
يا أمير المؤمنين المرتضى
( انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ )
قد طلبنا فضلكم قبل النوى
انظروا طولاً إلى مأموركم
ص: 315
قال الوامق(1) :
إذا ظلّت طرق الرشاد عن الهدى
قال رسول اللّه كانت مصابحا
سليل علي المرتضى وابن فاطم
معاشر كانوا للغواية رامحا
وليس يوالي أهل بيت محمد
سوى عاقل في دينه ظلّ راجحا
* * *
وحدّثني شيرويه الديلمي وأبو الفضل الحسيني السروي بالإسناد عن حماد بن ثابت ، عن عنيد بن عمير الليثي ، عن عثمان بن عفان قال عمر بن الخطاب : إنّ اللّه - تعالى - خلق ملائكة من نور وجه علي بن أبي طالب(2) عليه السلام .
قال ابن رزيك :
هو النور نور اللّه والنور مشرق
علينا ونور اللّه ليس يزول
سما بين أملاك السماوات ذكره
نبيه فما ان يعتريه خمول
ص: 316
وقال ابن علوية :
نور يضيء به البلاد وجنّة
للخائفين وعصمة اللهفان
بحر تلاطم حافتاه بنايل
فيه القريب ومن نأى سيان
* * *
وقال الوراق :
علي هو النور الذي كان أولاً
مع المصطفى قبل المصوّر آدم
* * *
وقال ابن حماد :
للّه في أرضه نور به ثبتت
على بريّته الأحكام والحجج
* * *
ص: 317
أبو بكر الشيرازي في كتابه ، وأبو صالح في تفسيره عن مقاتل ، عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى : « ذلِكَ الْكِتابُ » يعني القرآن ، وهو الذي وعد اللّه موسى وعيسى عليهماالسلام أنّه ينزله على محمد صلى الله عليه و آله في آخر الزمان هو هذا « لا رَيْبَ فِيهِ » أي لا شكّ فيه أنّه من عند اللّه نزل « هُدىً » يعني تبيانا ونذيرا « لِلْمُتَّقِينَ » علي بن أبي طالب عليهماالسلام الذي لم يشرك باللّه طرفة عين ، وأخلص للّه العبادة يبعث إلى الجنّة بغير حساب هو وشيعته .
الباقر عليه السلام في سورة البقرة : « الم » اسم من أسماء اللّه ، ثم أربع آيات في
نعت المؤمنين ، وآيتان في نعت الكافرين ، وثلاثة عشرة آية في نعت المنافقين(1) .
أبوالحسن الماضي عليه السلام: « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ »،
قال : هو الذي أرسل رسوله بالولاية لوصيّه ، والولاية هي دين الحقّ .
ص: 318
قلت :[ « لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ » قال : ] ليظهره(1) على الأديان عند قيام القائم ،[ قال : ] يقول اللّه : « وَاللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ » ولاية القائم « وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ » لولاية(2) علي عليه السلام(3) .
وعنه في قوله تعالى : « لَمّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنّا بِهِ » ، وقال : « الْهُدى »
الولاية « آمَنّا » بمولانا « فَمَنْ » آمن بولاية مولاه « فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً »(4) .
أبو الورد عن أبي جعفر عليه السلام : « وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى » قال : في أمر علي بن أبي طالب عليهماالسلام(5) .
الزمخشري في الكشاف ، والألكاني في شرح حجج أهل السنّة : يحكى عن الحجاج أنّه قال للحسن : ما رأيك في أبي تراب ؟
ص: 319
قال : إنّ اللّه جعله من المهتدين ، قال : هات لما تقوله برهانا ، قال : إنّ اللّه - تعالى - يقول في كتابه « وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها » إلى قوله « إِلاّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ » ، فكان علي عليه السلام هو أوّل من هدى اللّه مع النبي صلى الله عليه و آله(1) .
وروى أنّه نزل فيه :
« وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ » .
وقوله « وَيَزِيدُ اللّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً » .
وقال كشاجم :
فكم شبهة بهداه حلل
وكم بحجة بحجاه فصل
ومن أطفأ اللّه نار الضلال
وهي ترمي الهدى بالشعل
* * *
قال الوراق :
علي هدى فاختاره اللّه ربّه
لصفوته ردّا على كلّ مسلم
* * *
ص: 320
صنّف أحمد بن محمد بن سعيد كتابا في قوله « إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ
هادٍ » نزلت في أمير المؤمنين(1) عليه السلام .
ابن العباس والضحاك ، والزجاج « إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ » رسول اللّه صلى الله عليه و آله « وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ » علي أمير المؤمنين عليه السلام .
الحسكاني في شواهد التنزيل ، والمرزباني فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام : قال أبو برزة : دعا لنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالطهور ، وعنده علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فأخذ بيد علي عليه السلام بعدما تطهّر ، فألصقها بصدره ، ثم قال « إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ » ، ثم ردّها إلى صدر علي عليه السلام ثم قال : « وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ » ، ثم قال : أنت منار الأنام ، وراية الهدى ، وأمين القرآن ، وأشهد على ذلك أنّك كذلك(2) .
ص: 321
الحافظ أبو نعيم بثلاثة طرق عن حذيفة بن اليمان قال النبي صلى الله عليه و آله : إن تستخلفوا عليا عليه السلام - وما أراكم فاعلين - تجدوه هاديا مهديا ، يحملكم على المحجّة البيضاء(1) .
وعنه فيما نزل في أمير المؤمنين عليه السلام بالإسناد عن عطاء بن السائب عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وعن شيرويه في الفردوس عن ابن عباس ، واللّفظ لأبي نعيم :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنا منذر ، والهادي علي ، يا علي بك يهتدي المهتدون(2) .
ورواه الفلكي المفسر .
الثعلبي في الكشف عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لمّا نزلت هذه الآية وضع رسول اللّه صلى الله عليه و آله يده على صدره وقال : أنا المنذر ، وأومى بيده إلى منكب علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : أنت الهادي ، يا علي بك يهتدي المهتدون بعدي(3) .
عبد اللّه بن عطاء عن أبي جعفر عليه السلام قال النبي صلى الله عليه و آله : أنا المنذر ، وعلي الهادي(4) .
ص: 322
أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و آله قال : أنا منذر ، وأنت الهادي لكلّ قوم(1) .
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن هذه الآية ، فقال لي : هادي هذه الأمّة علي بن أبي طالب عليهماالسلام(2) .
الثعلبي عن السدي عن عبد خير عن علي بن أبي طالب عليهماالسلام قال : المنذر النبي صلى الله عليه و آله ، والهادي رجل من بني هاشم ، يعني نفسه(3) .
الحافظ أبو نعيم بالإسناد عن عبد خير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنا المنذر ، والهادي رجل من بني هاشم .
وفي الحساب :
« إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ » ، وزنه : خاتم الأنبياء الحجج محمد المصطفى ، عدد حروف كلّ واحد منهما ألف وخمسمائة وثلاثة وثلاثون .
وباقي الآية : « وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ » ، وزنه : علي وولده بعده ، وعدد كلّ واحد منهما مائتان وإثنان وأربعون .
ص: 323
أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس في قوله : « وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ » يعني من أمّة محمد صلى الله عليه و آله يعني علي بن أبي طالب عليهماالسلام « يَهْدُونَ بِالْحَقِّ » يعني يدعو بعدك - يا محمد صلى الله عليه و آله - إلى الحقّ « وَبِهِ يَعْدِلُونَ » في الخلافة بعدك .
ومعنى الأمّة العلم في الخير(1) لقوله : « إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً » يعني علما في الخير ، وهذا اسم من أسماء اللّه - تعالى - أجري عليه ، وهو كذلك .
فإنّا علمنا بعصمته أنّ ظاهره كباطنه ، وأنّه يلزمنا موالاته ظاهرا وباطنا ، كما يلزم في النبي صلى الله عليه و آله السلم ، وأنّه لا يضلّ أحدا ، ولا يضلّ عن الحقّ أبدا ، فهو هاد ومهدي .
ثابت البناني في قوله : « وَإِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى » قال : إلى ولاية علي عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام(2) .
ص: 324
وفي الحساب :
« إِلاّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً » « ثُمَّ اهْتَدى » ، وزنه : إلى ولاية المرتضى علي والأئمة بعده ، وعدد حروف كلّ واحد منهما ألف وثمانمائة وإثنان وخمسون .
قال الحميري :
هما أخوان ذا هاد إلى ذا
وذا فينا لأمّته نذير
فأحمد منذر وأخوه هاد
دليل لا يضلّ ولا يحير
كسابق حلبة وله مظل
أمام الخيل حيث يرى البصير
* * *
وله أيضا :
علي هادينا الذي نحن من
بعد عمانا فيه نستبصر
لمّا دجى الدين ورّق الهدى
وجار أهل الأرض واستكبروا
* * *
وله أيضا :
من كان في الدين نور يستضاء به
وكان من جهلها بالعلم شافيها
كان النبي بوحي اللّه منذرها
وكان ذا بعده لا شكّ هاديها
* * *
ص: 325
ص: 326
ص: 327
ص: 328
الطبري بإسناده عن جابر بن عبد اللّه عن علي عليه السلام ، وروى الأصبغ ، وزين العابدين ، والباقر ، والصادق ، والرضا عليهم السلام ، : أنّه قال أمير المؤمنين - صلوات اللّه عليه - « أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ » أنا(1) .
الحافظ أبو نعيم بثلاثة طرق عن عباد بن عبد اللّه الأسدي في خبر قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : « أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ » رسول اللّه صلى الله عليه و آله على بينة من ربّه ، وأنا الشاهد(2) .
ذكره النطنزي في الخصائص .
حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس : « أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ »
قال : هو رسول اللّه صلى الله عليه و آله « وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ » قال : علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، كان - واللّه - لسان رسول اللّه صلى الله عليه و آله(3) .
ص: 329
كتاب فصيح الخطيب : أنّه سأله ابن الكواء فقال : وما أنزل فيك ؟ قال : قوله « أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ » .
وقد روى زاذان نحوا من ذلك(1) .
الثعلبي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : « أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ » الشاهد علي عليه السلام(2) .
وقد رواه القاضي أبو عمرو عثمان بن أحمد ، وأبو نصر القشيري في كتابيهما ، والفلكي المفسّر رواه عن مجاهد ، وعن عبد اللّه بن شداد .
الثعلبي في تفسيره عن حبيب بن يسار عن زاذان ، وعن جابر بن عبد اللّه ، كليهما عن علي عليه السلام قال « أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ » ، فرسول اللّه صلى الله عليه و آله « عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ »(3) ، وأنا شاهد منه(4) .
وفي الحساب :
« أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ » ، وزنه : رسول اللّه سيد الأنبياء أحمد ، جملة حروف كلّ واحد منهما سبعمائة وستّة عشر .
ص: 330
وتمام الآية : « وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ » ، وزنه : علي بن أبي طالب شاهد برّ زكي وفيّ ، وعدد حروف كلّ واحد منهما ثمانمائة وإثنان وستون .
قال ابن حماد :
ذا على التبيان يتلوه منه
شاهد ناب عنه كلّ مناب
ذا نذير وذاك هاد فهل
يجحد ذا غير جاهل مرتاب
* * *
وقرأ ابن مسعود : « أفمن أوتي علم من ربّه ويتلوه شاهد منه علي(1) » .
كان شاهد النبي صلى الله عليه و آله على أمّته بعده ، فشاهد النبي صلى الله عليه و آله يكون أعدل الخلائق ، فكيف يتقدّم عليه دونه .
وقال الحميري :
من عنده علم الكتاب وحكمه
من شاهد يتلوه منه نذارا
علم البلايا والمنايا عنده
فصل الخطاب نمى إليه وصارا
* * *
وقال البشنوي :
التالي التنزيل غضّا هكذا
قال النبي الطهر ذوا الإرسال
* * *
ص: 331
قوله تعالى : « فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤلاءِ شَهِيداً » ، فالأنبياء شهداء على أممهم ، ونبينا صلى الله عليه و آله شهيد على الأنبياء عليهم السلام ، وعلي عليه السلام شهيد للنبي صلى الله عليه و آله ، ثم صار في نفسه شهيدا .
قوله تعالى : « قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ » الآية ، وقد بيّنا صحّته فيما تقدّم .
سليم بن قيس الهلالي عن علي عليه السلام : إنّ اللّه - تعالى - إيانا عنى بقوله : « شُهَداءَ عَلَى النّاسِ » ، فرسول اللّه صلى الله عليه و آله شاهد علينا ، ونحن شهداء اللّه على خلقه ، وحجّته في أرضه ، ونحن الذين قال اللّه - تعالى - « وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً »(1).
ص: 332
ويقال : أنّه المعني بقوله : « وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ » .
مالك بن أنس عن سمّي بن أبي صالح في قوله : « وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ » ، قال : الشهداء يعني عليا وجعفرا وحمزة والحسن والحسين عليهم السلام ، هؤلاء سادات الشهداء « وَالصّالِحِينَ » يعني سلمان وأبا ذر والمقداد وعمار وبلالاً وخبابا ، « وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » يعني : في الجنّة « ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفى بِاللّهِ عَلِيماً » ، إنّ منزل علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، ومنزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله واحد(1) .
ص: 333
أبو عبيد في غريب الحديث : أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لأمير المؤمنين عليه السلام : إنّ لك بيتا في الجنّة ، وإنّك لذو قرنيها(1) .
سويد بن غفلة ، وأبو الطفيل : قال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ ذا القرنين كان ملكا عادلاً ، فأحبّه اللّه ، وناصح اللّه فنصحه اللّه ، أمر قومه بتقوى اللّه ،
فضربوه على قرنه بالسيف ، فغاب عنهم ما شاء اللّه ، ثم رجع إليهم فدعاهم إلى اللّه ، فضربوه على قرنه الآخر بالسيف ، فذلك قرناه ، وفيكم مثله(2) .
يعني نفسه ، لأنّه ضرب على رأسه ضربتين : أحدهما يوم الخندق ، والثاني ضربة ابن ملجم .
الرضي في مجازات الآثار النبوية : عنى رأس الأمّة ، إنّ ذا القرنين إنّما
ص: 334
يكونان فيه ، وهذا يدلّ على أنّه كان رأس أمّته ورئيس أسرته(1) .
ويقال : إنّي كذي القرنين ، أي الإسكندر الرومي ، ويدلّ أيضا على سيادته ، لأنّه كان أخذ بأزمة الملوك .
وإن أراد اسم نبي من الأنبياء ، فهو أفضل أهل زمانه ، كما كان ذو القرنين في زمانه .
وقال ثعلب : كان وصفه ببلوغ غايات المثابين في الجنّة ، كأنّه أخذ طرفي الجنّة .
وقال ثعلب أيضا : أي ذو جبليها ، يعني الحسن والحسين عليهماالسلام .
وقال : أي طرفي الأمّة ، أي أنت إمام في الابتداء ، والمهدي ولدك إمام في الانتهاء .
ويجوز[ أن يكون ذلك ] من قولهم : « عصرت الفرس قرنا أو قرنين » أي استخرجت عرقه بالجري مرّة أو مرّتين ، وكأنّه عليه السلام ذو اقتباس العلم الظاهر ، واستخراج العلم الباطن(2) .
قال الحميري :
وهو فينا كذي القرنين فيهم
برجعته له لون نظيره
ص: 335
ونادى أعرابي النبي صلى الله عليه و آله ، فخرج إليه في رداء ممشّق(1) ، فقال الأعرابي : فخرجت إليّ فكأنّك فتى ! قال : نعم ، يا أعرابي ، أنا الفتى ، وابن الفتى ، وأخو الفتى ، فقال : أنت الفتى ، وكيف غير ذلك(2) ؟ فقال صلى الله عليه و آله أما سمعت اللّه يقول « قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ » ، فأنا ابن إبراهيم عليه السلام ، وأمّا أخو الفتى ، فإنّ مناديا ينادي من السماء يوم أحد : « لا سيف إلاّ ذو الفقار ، ولا فتى إلاّ علي » ، فعلي أخي وأنا أخوه(3) .
قال الباخرزي :
لا فتى في الأنام إلاّ علي
فارو هذاالحديث إن شئت عنّا
* * *
ص: 336
وقال غيره :
أنا مولى الفتى
أنزل فيه هل أتى
إلى متى أكتمه
أكتمه إلى متى
* * *
قال الخطيب خوارزم :
فتوى رسول اللّه أن لا فتى
إلاّ علي بن أبي طالب
وذو الفقار العضب(1) لم يحكه
سيف وإنّ السيف بالضارب
قد اصطفى الغالب زوج البتولبعد أبيها من بني غالب
* * *
ص: 337
أحمد بن حميد الهاشمي قال : وجد في كتاب الجامع : جعفر الصادق عليه السلام في قوله تعالى : « وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ » أنّه قال : رسول اللّه صلى الله عليه و آله القصر المشيد ، والبئر المعطلة علي عليه السلام(1) .
علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام قال : البئر المعطلة الإمام الصامت ، والقصر المشيد الإمام الناطق(2) .
وقالوا : إنّما مثّل به عليا عليه السلام ، لأنّه مرتفع مثل القصر المشيد ، والبئر المعطلة التي لا يستقي منها الماء .
قال السوسي :
هو البئر والقصر المشيد وحطّة
فمن نالها يسعد ومن لم ينل خسر
* * *
وقال العوني :
هو القصر والبئر المعطلة التي
متى فتحت تروي الأنام من الشرب
ص: 338
فمن دخل القصر المشيد بناؤه
فلا ظمأ يلقى هناك ولا تعب
* * *
قال الناشي :
هو البئر والقصر المشيد بناؤه
وعين إله الخلق والجنب والأذن
إذا ما اشترى المرء الجنان بحبّه
غدا رابحا في البعث ما قارن الغبن
* * *
وقال ابن حماد :
صاحب البئر التي قد عطّلت
وهو ذو القصر المشيد المشرف
ليس من جوهره جوهرة
مثل من جوهره من خزف
* * *
قال الشاعر :
بئر معطّلة وقصر مشيد
مثل لآل محمد مستطرف
فالقصر فضلهم الذي لا يرتقى
والبئر علمهم الذي لا ينزف
* * *
ص: 339
ص: 340
فصل 9 : في أنّه الصدّيق والفاروق والصدق والصادق والمعني بقوله : « سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا »(1)
ص: 341
ص: 342
علي بن الجعد عن شعبة عن قتادة عن الحسن عن ابن عباس في قوله تعالى : « وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ » ، قال : صدّيق هذه الأمّة علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، هو الصدّيق الأكبر ، والفاروق الأعظم(1) .
ثم قال : « وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ » قال ابن عباس : وهم : علي وحمزة وجعفر عليهم السلام، فهم صدّيقون، وهم شهداء الرسل على أممهم قد بلّغوا الرسالة.
ثم قال : « لَهُمْ أَجْرُهُمْ »(2) على التصديق بالنبوة « وَنُورُهُمْ » على الصراط(3) .
ص: 343
مالك بن أنس عن سمّي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله : « وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ » يعني محمدا صلى الله عليه و آله ، « وَالصِّدِّيقِينَ » يعني عليا عليه السلام ، وكان أوّل من صدّقه ، « وَالشُّهَداءِ » يعني عليا وجعفرا وحمزة والحسن والحسين(1) عليهم السلام .
النبيون كلّهم صديقون ، وليس كلّ صدّيق نبي ، والصدّيقون كلّهم صالحون ، وليس كلّ صالح صدّيقا ، ولا كلّ صدّيق شهيد ، وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام صدّيقا شهيدا صالحا ، فاستحقّ ما في الآيتين من وصف سوى النبوة .
ص: 344
وكان أبو ذر يحدّث شيئا فكذبوه ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : ما أظلّت الخضراء .. الخبر ، فدخل - وقتئذٍ - علي عليه السلام ، فقال صلى الله عليه و آله : إلاّ هذا(1) الرجل المقبل ، فإنّه الصديق الأكبر ، والفاروق الأعظم(2) .
ابن بطّة في الإبانة ، وأحمد في الفضائل عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه ، وشيرويه في الفردوس عن داود بن بلال :
قال النبي صلى الله عليه و آله : الصدّيقون ثلاثة : علي بن أبي طالب ، وحبيب النجار ، ومؤمن آل فرعون ، يعني : حزقيل .
وفي رواية : وعلي بن أبي طالب ، وهو أفضلهم(3) .
وذكر أمير المؤمنين عليه السلام مرارا : أنا الصديق الأكبر ، والفاروق
الأعظم(4) .
ص: 345
ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله : إنّ عليا عليه السلام صدّيق هذه الأمّة وفاروقها ومحدّثها ، وإنّه هارونها ويوشعها وآصفها وشمعونها ، إنّه باب حطّتها وسفينة نجاتها ، إنّه طالوتها وذو قرنيها(1) .
كعب الأحبار : أنّه سأل عبد اللّه بن سلام قبل أن يسلم : يا محمد ، ما اسم علي عليه السلام فيكم ؟ قال : عندنا الصدّيق الأكبر ، فقال عبد اللّه : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه ، إنّا لنجد في التوراة محمد نبي
الرحمة ، وعلي مقيم الحجّة(2) .
قال السيد الحميري :
شهيدي اللّه يا صدّيق
هذي الأمّة الأكبر
بأنّي لك صافي الودّ
في فضلك لا أستر
* * *
وله أيضا :
صدّيقنا الأكبر فاروقنا
فاروق بين الحقّ والباطل
* * *
وله أيضا :
ففاروق بين الهدى والضلال
وصدّيق أمّتنا الأكبر
* * *
ص: 346
وقال القمّي :
علي هو الصديّق علامة الورى
وفاروقها بين الحطيم وزمزم
* * *
وقال غيره :
إذا كذبت أسماء قوم عليهم
فاسمك صدّيق له شاهد عدل
* * *
أنشد بعضهم :
أوّل من صدّق به
وهو مجلّي كربه
* * *
ص: 347
أبو سخيلة : سألت أبا ذر فقلت : إنّي قد رأيت اختلاطا(1) ، فماذا تأمرني ؟
قال : عليك بهاتين الخصلتين : كتاب اللّه ، والشيخ علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : هذا أوّل من آمن بي ، وأوّل
من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو الفاروق الذي يفرق بين الحقّ والباطل(2) .
الحسن عن أبي ليلى الغفاري قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ستكون من بعدي فتنة ، فإذا كان كذلك فالزموا علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فإنّه الفاروق بين الحقّ والباطل(3) .
استخرجه شيرويه في الفردوس .
وسمّي « فاروقا » ، لأنّه يفرق بين الجنّة والنار .
وقيل : لأنّ ذكره يعرف بين محبّه ومبغضه .
ص: 348
قال ابن حماد :
وهو المفرّق بين أهل الكفر
والإيمان فادع الصادق الفاروقا
* * *
قال الحميري :
ويا فاروق بين الحقّ
والباطل في المصدر
* * *
وقال شاعر :
فقال من الفاروق إن كنت عالما
فقلت الذي قد كان للدين مظهر
علي أبو السبطين علامة الورى
وما زال للأحكام يبدي وينشر
* * *
وأنشد بعضهم :
أجّل عباد اللّه بعد ابن عمّه
وأفضل إنسان علا فوق منبر
* * *
وأنشد أيضا :
حبّ علي بن أبي طالب
للناس مقياس ومعيار
يخرج ما في القلب غشا كما
يخرج غشّ الذهب النار
* * *
وأنشد غيره :
إذا ما التبر حكّ على محكّ
تبيّن غشّه من غير شكّ
وفينا الغشّ والذهب المصفى
علي بيننا شبه المحكّ
ص: 349
علماء أهل البيت عليهم السلام عن الباقر عليه السلام ، والصادق ، والكاظم ، والرضا ،
وزيد بن علي عليهم السلام في قوله تعالى : « وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ
أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ » قالوا : هو علي(1) عليه السلام .
وروت العامّة عن إبراهيم الحكم عن أبيه عن السدي عن ابن عباس ، وروى عبيدة بن حميد عن منصور عن مجاهد ، وروى النطنزي في الخصائص عن ليث عن مجاهد ، وروى الضحاك أنّه قال ابن عباس : فرسول اللّه صلى الله عليه و آله « جاءَ بِالصِّدْقِ » ، وعلي عليه السلام « صَدَّقَ بِهِ »(2) .
أمير المؤمنين عليه السلام « فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ » قال : الصدق ولاية أهل البيت
عليهم السلام(3) .
ص: 350
الرضا عليه السلام قال النبي صلى الله عليه و آله : « وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ » ، الصدق علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
الصادق والرضا عليهماالسلام قالا : إنّه محمد وعلي عليهماالسلام(2) .
ص: 351
الكلبي وأبو صالح عن ابن عباس : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ » أي كونوا مع علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
ذكره الثعلبي في تفسيره عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام ، وعن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس .
وذكره إبراهيم الثقفي عن ابن عباس ، والسدي ، وجعفر بن محمد ، عن أبيه(1) عليه السلام .
تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان حدّثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ » أمر اللّه الصحابة أن يخافوا اللّه ، ثم قال « وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ » يعني مع محمد وأهل بيته عليهم السلام(2) .
شرف النبي صلى الله عليه و آله عن الخركوشي ، والكشف عن الثعلبي قالا : روى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن
ص: 352
علي عليهماالسلام في هذه الآية قال : محمد وعلي عليهماالسلام(1) .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : فنحن الصادقون(2) عترته ، وأنا أخوه في الدنيا والآخرة .
وفي التفسير : المراد بالصادقين هم الذين ذكرهم اللّه - تعالى - في قوله : « رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ » .
عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق عن علي عليه السلام قال : فينا نزلت « رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ » ، فأنا - واللّه - المنتظر ، وما بدّلت تبديلاً(3) .
أبو الورد عن أبي جعفر عليه السلام « مِنَ الْمُؤمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا » ، قال : علي وحمزة وجعفر .
« فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ » قال : عهده ، وهو : حمزة وجعفر .
« وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ » قال : علي بن أبي طالب عليهماالسلام(4) .
وقال المتكلّمون : ومن الدلالة على إمامة علي عليه السلام قوله : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ » .
ص: 353
فوجدنا عليا عليه السلام بهذه الصفة ، لقوله « وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ
وَحِينَ الْبَأْسِ » يعني : الحرب « أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ » ، فوقع الإجماع بأنّ عليا عليه السلام أولى بالإمامة من غيره ، لأنّه لم يفرّ من زحف قطّ ، كما فرّ غيره في غير موضع(1) .
أبو روق عن الضحاك وشعبة عن الحكم عن عكرمة ، والأعمش عن سعيد بن جبير ، والعزيزي السجستاني في غريب القرآن عن أبي عمر ، وكلّهم عن ابن عباس :
أنّه سئل عن قوله : « سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا » ، فقال : نزل في علي عليه السلام ، لأنّه ما من مسلم إلاّ ولعلي عليه السلام في قلبه محبّة(2) .
أبو نعيم الأصفهاني ، وأبو الفضل الشيباني ، وابن بطّة العكبري ، وبالإسناد عن محمد بن الحنفية ، وعن الباقر عليه السلام في خبر قالا :
لا يلقى مؤمن إلاّ وفي قلبه ودّ لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته(3) عليهم السلام .
زيد بن علي عليهماالسلام : أنّ عليا
عليه السلام أخبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال رجل : إنّي أحبّك في اللّه - تعالى - ، فقال : لعلّك - يا علي - اصطنعت إليه معروفا ،
ص: 354
قال : لا - واللّه - ما اصطنعت له معروفا ، فقال : الحمد للّه الذي جعل قلوب المؤمنين تتوق إليك بالمودّة ، فنزل هذه الآيات(1) .
وروى الثعلبي ، وزيد بن علي ، والأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وحمزة الثمالي عن الباقر عليه السلام ، وعبد الكريم الخراز ، وحمزة الزيات ، عن البراء بن عازب ، كلّهم عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال لعلي عليه السلام :
قل : اللّهم اجعل لي عندك عهدا ، واجعل لي في قلوب المؤمنين ودّا ، فقالهما علي عليه السلام ، وأمّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فنزلت هذه الآية .
رواه الثعلبي في تفسيره عن البراء بن عازب ، ورواه النطنزي في الخصائص عن البراء ، وابن عباس ، ومحمد بن علي(2) عليه السلام .
وفي رواية قال عليه السلام : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ » ، قال : هو علي عليه السلام « وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا » قال : بنوا أمية قوم ظلمة(3) .
ص: 355
ص: 356
ص: 357
ص: 358
أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِْيمانِ » قال : فإنّ الإيمان ولاية علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
أبو عبد اللّه عليه السلام « حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِْيمانَ » علي بن أبي طالب عليهماالسلام « وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ » : الأوّل ، والثاني ، والثالث(2) .
الباقر عليه السلام وزيد بن علي: « وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِْيمانِ » قال: بولاية علي عليه السلام(3).
ص: 359
الباقر والصادق عليهماالسلام في قوله تعالى « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِْيمانِ فَتَكْفُرُونَ »[ قالا : الى ولاية علي عليه السلام (1)](2) .
الثعلبي في تفسيره ، وقد روى أبو صالح عن ابن عباس : أنّ عبد اللّه بن أبي وأصحابه تملّقوا مع علي عليه السلام في الكلام ، فقال علي عليه السلام : يا عبد اللّه ، اتق اللّه ولا تنافق ، فإنّ المنافق شرّ خلق اللّه ، فقال : مهلا يا أبا الحسن ! واللّه إنّ إيماننا كإيمانكم ، ثم تفرّقوا .
فقال عبد اللّه : كيف رأيتم ما فعلت ؟ فأثنوا عليه ، فنزل ، « وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا »(3) الآية .
تفسير الهذيل ومقاتل عن محمد بن الحنفية في خبر طويل ، والحديث مختصر : « إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤنَ » بعلي بن أبي طالب عليهماالسلام وأصحابه ، فقال اللّه تعالى : « اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ » يعني يجازيهم في الآخرة جزاء استهزائهم بأمير المؤمنين عليه السلام(4) .
ص: 360
قال ابن عباس : وذلك أنّه إذا كان يوم القيامة أمر اللّه الخلق بالجواز على الصراط ، فيجوز المؤمنون إلى الجنّة ، ويسقط المنافقون في جهنم ، فيقول اللّه : يا مالك استهزئ بالمنافقين في جهنم ، فيفتح مالك بابا في جهنم إلى الجنّة ويناديهم : معشر المنافقين ، ها هنا فاصعدوا من جهنم إلى الجنّة ، فيسبح المنافقون في نار جهنم سبعين خريفا ، حتى إذا بلغوا إلى ذلك الباب ، وهمّوا بالخروج أغلقه دونهم ، وفتح بابا إلى الجنّة في موضع آخر ، فيناديهم : من هذا الباب فاخرجوا إلى الجنّة ، فيسبحون مثل الأوّل ، فإذا وصلوا إليه أغلق دونهم ، ويفتح في موضع آخر ، وهكذا أبد الآبدين .
ص: 361
الباقر عليه السلام في قوله : « إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الإِْسْلامُ » قال : التسليم لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام[ بالولاية (1)] .
قال ابن طوطي :
ومظهر دين اللّه بالسيف عنوة
وما كان دين اللّه لولاه يظهر
ولولاه ما صلّى لذي العرش مسلم
ولكن سبيل الحقّ يعفو ويدثر
* * *
وقال ابن حماد :
يا سيدي يا إمامي يا أبا حسن
واللّه ما عبد الرحمن لولاكما
* * *
وقال الأديب :
واللّه لولا الإمام حيدرة
ما تليت سورة ولا طاها
ولم يصوموا ولم يصلّوا ولا
يحجّ بيت أطابه اللاها
* * *
ص: 362
وقال السروجي :
كلاّ وحقّ أمير النحل حيدرة
صنو النبي أمير المؤمنين علي
خير البريّة آباء أشرفها
قدرا وأسمحها كفّا لمبتذل
لولاه ما قام للإسلام قائمة
ولااستقام طريق غير مشتكل
* * *
ص: 363
الباقر والصادق عليهماالسلام في قوله تعالى : « إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ » قالا : الدين علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
الباقر عليه السلام : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ »
علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، قلت : « فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ » قال : الدين أمير المؤمنين عليه السلام(2) .
قوله تعالى « سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً » ، ومن سنّتهم إقامة الوصيّ .
وقال الصاحب بن عباد :
حبّ علي بن أبي طالب
هو الذي يهدي إلى الجنّه
إن كان تفضيلي له بدعة
فلعنة اللّه على السنّه
* * *
الألفية :
أحيى له سنن النبي وعدله
فأقام دار شرائع الإيمان
وسقى موات الدين من صوب الهدى
بعد الجدوب فقرن في العمران
وتفرّجت كرب النفوس بذكره
لمّا استفاض وأشرق الحرمان
صلّى الإله على ابن عمّ محمد
منه صلاة تغمّد بجنان
* * *
ص: 366
زين العابدين وجعفر الصادق عليهماالسلام قالا : « ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً » في ولاية علي عليه السلام « وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ » قالا : لا تتّبعوا غيره(1) .
وقال شريك وأبو حفص وجابر : « ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً » في ولاية علي عليه السلام(2) .
أبو جعفر عليه السلام : « ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً » في ولاية علي(3) عليه السلام .
ص: 367
محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليه السلام : « إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ »
قال : يعني جبرئيل عليه السلام عن اللّه في ولاية علي عليه السلام .
قلت : « وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤمِنُونَ » .
قال: قالوا: إنّ محمدا صلى الله عليه و آلهكذّاب على ربّه، وما أمره اللّه بهذا في علي عليه السلام ، فأنزل اللّه بذلك قرآنا، فقال : إنّ ولاية علي عليه السلام« تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا » محمد صلى الله عليه و آله « بَعْضَ الأَْقاوِيلِ . . »(1) .. الآيات .
أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : « إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ » في أمر الولاية « يُؤفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ » عن الولاية أفك عن الجنّة(2) .
عبد اللّه بن جندب : سألت أبا الحسن عليه السلام عن قوله : « وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ » قال : إمام إلى إمام(3) .
ص: 368
أبو عبد اللّه عليه السلام في قوله : « وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ » قال : ذلك
حمزة وجعفر وعبيدة ، وسلمان وأبو ذر ، والمقداد وعمار ، وهدوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام(1) .
ص: 369
ص: 370
ص: 371
ص: 372
تاريخ الخطيب والإحن والمحن : روى أنس : أنّه نظر النبي صلى الله عليه و آله إلى علي عليه السلام فقال : أنا وهذا حجّة اللّه على خلقه(1) .
الفردوس عن الديلمي قال صلى الله عليه و آله : أنا وعلي حجّة اللّه على عباده(2) .
وفي الحساب :
« كمال حججي بعلي » اتفقا في مائة واثني عشر ، و« من الحجّة على خلقه ووصيّ المصطفى على أهله ؟ » ، وزنه : « المرتضى علي بن أبي طالب » عدد كلّ واحد منهما ألف وستمأة وثمانية وتسعون .
قال ابن حماد :
يا حجّة اللّه والدليل على
الحقّ إليك السبيل قد وضحا
* * *
ص: 373
[ وله : ]
وحجّته التي ثبتت وقامت
علينا يا أبا حسن وفينا
* * *
وله أيضا :
هو الحجة العظمى الذي بولايته
تبيّن أولاد الحلال من العهر
* * *
ص: 374
أبو صالح عن ابن عباس في قوله تعالى : « وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً » أي من ترك ولاية علي عليه السلام أعماه اللّه وأصمّه عن الهدى(1) .
أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام : يعني ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، قلت « وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى » قال : يعني أعمى البصيرة في الآخرة ، أعمى القلب في الدنيا عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام .
قال : وهو متحيّر في الآخرة يقول : « لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا » قال : الآيات الأئمة « فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى » يعني تركتها ، وكذلك اليوم تترك في النار ، كما تركت الأئمة فلم تطع أمرهم ، ولم تسمع قولهم .
قال : « وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الآْخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى » كذلك نجزي من أشرك بولاية أمير المؤمنين عليه السلام(2) . . الخبر .
ص: 375
كتاب ابن رميح : قال أبو جعفر عليه السلام « قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ » ، قال : أمير المؤمنين عليه السلام(1) .
وقال ابن عباس في قوله : « ذِكْراً رَسُولاً » النبي صلى الله عليه و آله ذكر من اللّه ، وعلي عليه السلام ذكر من محمد صلى الله عليه و آله ، كما قال : « وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ »(2) .
تفسير الثعلبي : قال علي عليه السلام في قوله « فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ » نحن أهل الذكر(3) .
إبانة أبي العباس الفلكي : قال علي عليه السلام : ألا إنّ الذكر رسول اللّه صلى الله عليه و آله
ص: 376
ونحن أهله(1) ، ونحن الراسخون في العلم(2) ، ونحن منار الهدى(3) ، وأعلام التقى(4) ، ولنا ضربت الأمثال(5) .
الباقر عليه السلام : إنّ النبي صلى الله عليه و آله أوتي علم النبيّين ، وعلم الوصيّين ، وعلم من هو كائن إلى أن تقوم الساعة ، ثم تلا « هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي »
يعني النبي صلى الله عليه و آله(6) .
قال ابن مكي :
ذكره في القرآن غمر السفور
والتوراة ثم الإنجيل ثم الزبور
خصّه اللّه بالعلوم فاضحى
وهو ينبئ بسرّ كلّ ضمير
حافظ العلم عن أخيه عن اللّه
خبيرا عن اللطيف الخبير
* * *
ص: 377
وقال غيره :
إمامي هو المذكور في الذكر والذي
أشار إليه بالولاء خاتم الرسل
* * *
ص: 378
الباقر عليه السلام في قوله تعالى « لَوْ أَنَّ اللّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ » قال : لولاية علي عليه السلام ، فردّ اللّه عليهم « بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ » .
وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : ما للّه آية أكبر منّي(1) .
قال الحميري :
وإنّك آية للناس بعدي
تخبّر أنّهم لا يوقنون
* * *
وقال شاعر :
تولّى الشباب وجاء المشيب
فأيقظني فعرفت الطريقا
فتمّمته قاصدا للذي
له أخذ اللّه أخذا وثيقا
وأكّده المصطفى موجبا
له كلّ وقت عليه حقوقا
وواخاه من دون أصحابه
وكان بذلك منه حقيقا
وزوّجه المصطفى فاطما
وكان عليه عطوفا شفيقا
* * *
ص: 379
أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : « وَيُؤتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ »
علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
وكذا كان يقرأ ابن مسعود : « فإن تولّوا أعداءه وأتباعهم فإنّي أخاف عليهم عذاب يوم عظيم » .
أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن أبي صالح في قوله : « وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ » قال : فضّل اللّه محمدا صلى الله عليه و آله بالعلم والعقل .
الباقر والصادق عليهماالسلام في قوله تعالى : « ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤتِيهِ مَنْ يَشاءُ »من عباده(2) ، وفي قوله « وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ »أنّهما نزلا فيهم .
قال أبو الحسين فاذشاه :
قد ارتضاه للوصاة واصطفى
لأنّه الأفضل بعد المصطفى
من لم يفضّله على البريّه
فهو لغير رشده سويّه
ص: 380
في تاريخ بغداد أنّه روى السدي ، والكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال :
« بِفَضْلِ اللّهِ » يعني النبي صلى الله عليه و آله ، « وَبِرَحْمَتِهِ »(1) علي عليه السلام(2) .
الباقر عليه السلام : « فَضْلُ اللّهِ » الإقرار برسول اللّه صلى الله عليه و آله « وَرَحْمَتُهُ » الإقرار بولاية علي عليه السلام(3) .
ابن عباس في قوله : « وَلَوْلا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ » : فضل اللّه محمد صلى الله عليه و آله ، ورحمته علي عليه السلام(4) .
وقال : « فَضْلُ اللّهِ » علي عليه السلام ، « وَرَحْمَتُهُ » فاطمة عليهاالسلام .
ص: 381
الباقر عليه السلام : « يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ » ، الرحمة : علي بن أبي طالب(1) .
وقال ابن علوية :
هذا الذي دون الجبلّة نصره
بالنفس منه ما حواه وقاني
فضل الإله أنا ورحمة ربّكم
هذا وآفة طاعة الشيطان
* * *
ص: 382
الباقر عليه السلام في قوله تعالى : « يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ » قال : عرّفهم ولاية علي عليه السلام ، وأمرهم بولايته ، ثم أنكروا بعد وفاته(1) .
مجاهد في قوله « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً » كفرت بنو أمية بمحمد صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام(2) .
تفسير وكيع : قال ابن عباس في قوله : « أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً » عند أبي طالب « فَآوى » إلى أبي طالب يحفظك ويربيك « وَوَجَدَكَ » في قوم ضلال ، فهداهم بك إلى التوحيد(1) .
« وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى » بمال خديجة(2) .
« فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ وَأَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ »
أظهر القرآن ، وحدّثهم بما أنعم اللّه به عليك(3) .
قال الحسن : « وَأَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ » يا محمد ، حدّث العباد بمنن أبي طالب عليك ، وحدّثهم بفضائل علي عليه السلام في كتاب اللّه لكي يعتقدوا ولايته .
واشتهر أنّه نزل في يوم الغدير « وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي »(4) .
* * *
ص: 384
قال الحميري :
ونعمتي الكبرى على الخلق من غدا
لها شاكرا دامت وأعطى تمامها
* * *
وقال الناشي :
يا نعمة اللّه التي بشكرها
يبسط من رزق الأنام ما بسط
جبريل أضحى بكم مفتخرا
بذكركم بين البرايا مغتبط
* * *
ص: 385
ص: 386
ص: 387
ص: 388
الباقر عليه السلام في قوله تعالى : « ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ » قال : كرهوا عليا عليه السلام ، وكان أمر اللّه بولايته يوم بدر وحنين ، ويوم بطن نخلة ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، نزلت فيه خمس عشرة آية في الحجّة التي صدّ فيها رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن المسجد الحرام بالجحفة وخمّ(1) .
* * *
ص: 389
وعنى بقوله تعالى : « وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ » عليا(1) عليه السلام .
قد تقدّم في كتابنا هذا أنّ المعني بقوله تعالى : « إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِْحْسانِ » علي وولده عليهم السلام(2) .
قال الناشي :
حميد رفيع القدر عند مليكه
رفيع وجيه لا تردّ وسائله
وخلصان ربّ العرش نفس محمد
وقد كان من خير الورى من يباهله
* * *
ص: 390
ابن زاذان وأبو داود السبيعي عن أبي عبد اللّه الجدلي قال أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها »(1) يا أبا عبد اللّه ، الحسنة حبّنا ، والسيئة بغضنا(2) .
تفسير الثعلبي : ألا أنبئك بالحسنة التي من جاء بها دخل الجنّة ، والسيئة التي من جاء بها أكبّه اللّه في النار ، ولم يقبل معها عملاً ؟ قلت : بلى ، قال : الحسنة حبّنا ، والسيئة بغضنا(3) .
الباقر عليه السلام : الحسنة ولاية علي عليه السلام وحبّه ، والسيئة عداوته وبغضه ، ولا يرفع معها عمل(4) .
وقال عليه السلام : « وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً » ، قال : المودّة لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام .
ص: 391
وقد رواه الثعلبي عن ابن عباس(1) .
قال ابن حجاج :
فأنت إمامنا المهدي فينا
وليس لمن يخالفنا إمام
وأنت العروة الوثقى أمرت
فليس لها من اللّه انفصام
* * *
ص: 392
الرضا عن أبيه عن جدّه عليهم السلام في قوله تعالى : « فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها » قال : هو التوحيد ، ومحمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وعلي أمير المؤمنين عليه السلام ، إلى هاهنا التوحيد(1) .
أبو جعفر عليه السلام : أنّه جاء رجل إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : يا رسول اللّه ، من قال : « لا إله إلاّ اللّه » مؤمن ؟ قال : إنّ أعدائنا تلحق باليهود والنصارى ، إنّكم لا تدخلون الجنّة حتى تحبّوني ، وكذب من زعم أنّه يحبّني ويبغض هذا ، يعني عليا عليه السلام(2) .
أمالي الطوسي ، والقمّي ، ومسند أبي الفتح الحفار ، وابن شبل الوكيل : روى علي بن بلال عن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه و آله عن جبرئيل عن ميكائيل عن إسرافيل عليهم السلام عن الّلوح عن القلم قال: يقول اللّه - تعالى - :
ص: 393
ولاية علي بن أبي طالب حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي(1) .
قال الرضا عليه السلام : بشروطها ، وأنا من شروطها(2) .
قال دعبل :
أعدّ للّه يوم يلقاه
دعبل أن لا إله إلاّ هو
يقولها صادقا عساه بها
يرحمه في القيامة اللّه
اللّه مولاه والنبي ومن
بعدهما فالوصيّ مولاه
* * *
وقال البشنوي :
ولست أبالي بأيّ البلاد
قضى اللّه نحبي إذا ما قضاه
ولا أين حطّت إذا مضجعي
ولا من جفاه ولا من قلاه
إذا كنت أشهد أن لا إله
إلاّ هو الحقّ فيما قضاه
وأنّ محمدا المصطفى
نبي وأنّ عليا أخاه
وفاطمة الطهر بنت الرسول
رسولاً هدانا إلى ما هداه
وابناهما فهما سادتي
فطوبى لعبد هما سيداه
* * *
ص: 394
قال الرضا عليه السلام في قوله تعالى : « تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ » قال : زلزلة الأرض فاتبعتها خروج الدابّة .
وقال عليه السلام : « أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَْرْضِ تُكَلِّمُهُمْ » قال : علي عليه السلام(1) .
أبو عبد اللّه الجدلي قال أمير المؤمنين عليه السلام : أنا دابّة الأرض(2) .
حلية الأولياء : روى أنس ، وأبو برزة عن النبي صلى الله عليه و آله قال : إنّ ربّ العالمين عهد لي عهدا في علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فقال : إنّه راية الهدى ، ومنار الإيمان ، وإمام أوليائي ، ونور جميع من أطاعني(3) .
قال العوني :
ودابّة اللّه التي
توسم كلّ الأمّة
بميسم في الجبهة
فيعرف الأفاضل
ص: 395
وقال الحميري :
وهو الذي يسم الوجوه بميسم
حتى يلاقى عدوّه موسوما
* * *
وله أيضا :
إذا خرجت دابّة الأرض لم تدع
عدوّا له إلاّ خطيما بميسم(1)
متى يراها من ليس من أهل ودّهمن الإنس والجنّ العفاريت يخطم
* * *
ص: 396
أبو عبد اللّه عليه السلام في خبر : ونحن كعبة اللّه ، ونحن قبلة اللّه . .
قال أبو الفضل :
هو قبلة اللّه التي أظهرها لنا
وشهاب نور للهداية تلمع
لولاه لم يك للنبي دلالة
ولملّة الإسلام باب يشرع
* * *
وقال العوني :
إمامي محراب الهدى معشر التقى
سماه المعالي منبر العلم والفضل
هو القبلة الوسطى ترى الوفد حولها
وهم حرم اللّه المهمين والحل
وآيته الكبرى وحجّته التي
أقيمت على من كان منّا له عقل
* * *
ص: 397
قوله تعالى « بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ » نزلت فيه وفي أولاده(1) عليهم السلام .
قال العوني :
وآية بقيّة لربّنا مرضيّة
وحجّة سنيّة يصبوا إليها العاقل
* * *
ص: 398
علي بن حاتم في كتاب الأخبار لأبي الفرج بن شاذان : أنّه نزل قوله تعالى : « بَلْ كَذَّبُوا بِالسّاعَةِ » يعني كذّبوا بولاية علي عليه السلام .
وهو المروي عن الرضا(1) عليه السلام .
* * *
ص: 399
الباقر عليه السلام في قوله تعالى: « يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ » ، قال : اليسر أمير المؤمنين
عليه السلام ، والعسر فلان وفلان(1) .
* * *
ص: 400
هو المقدّم في الحسب ، والنسب ، والعلم ، والأدب ، والإيمان ، والحرب ، والأمّ والأب .
قال العوني :
ومن كشف الهيجاء عن وجه أحمد
وما زال قدما في الحروب مقدّما
* * *
وقال ابن طوطي :
أقام على عهد النبي محمد
ولم يتغيّر بعده إذ تغيّروا
* * *
ص: 401
ص: 402
ص: 403
ص: 404
جاء في تفسير أهل البيت عليهم السلام : أنّ قوله « هَلْ أَتى عَلَى الإِْنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ » ، يعني به عليا عليه السلام ، وتقدير الكلام : ما أتى على الإنسان زمان من الدهر إلاّ وكان فيه « شَيْئاً مَذْكُوراً » ، وكيف لم يكن مذكورا وأنّ اسمه مكتوب على ساق العرش ، وعلى باب الجنّة .
والدليل على هذا القول قوله : « إِنّا خَلَقْنَا الإِْنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ » ، ومعلوم أنّ آدم عليه السلام لم يخلق من النطفة .
أبو عبد اللّه عليه السلام في قوله : « كَلاّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ » إلى قوله « سَفَرَةٍ » قال : الأئمة « كِرامٍ بَرَرَةٍ قُتِلَ الإِْنْسانُ ما أَكْفَرَهُ » قال : ، الإنسان أمير المؤمنين عليه السلام ، يقول : « ما أَكْفَرَهُ » عندهم حتى قتلوه ، وقيل : ما الذي فعل حتى قتلوه(1) .
ص: 405
أبو الحسن الماضي عليه السلام : إنّ ولاية علي عليه السلام « لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ وَإِنّا لَنَعْلَمُ
أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ » ، وأنّ عليا عليه السلام « لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ » ، وأنّ ولايته « لَحَقُّ الْيَقِينِ »(1) .
المحبرة :
أمن على المسكين جاد بقوته
ومع اليتيم مع الأسير العاني
حتى تلا التالون فيهم سورة
عنوانها هل أتى على الانسان
* * *
ص: 406
الحاكم الحسكاني بالإسناد عن أبي الطفيل عن أمير المؤمنين عليه السلام : « وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ » قال : أنا ذلك الرجل السلم على رسول اللّه (1) صلى الله عليه و آله .
العياشي بالإسناد عن أبي خالد عن الباقر عليه السلام قال : الرجل السلم : حقّا علي عليه السلام وشيعته(2) .
الحسن بن زيد عن آبائه عليهم السلام : « وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ » هذا مثلنا أهل البيت(3) .
وقال السدي : كلّ موضع روى عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول : حدّثني « رجل من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله » ، أو « قال رجل من البدريين » إنّما عنى علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وكان أصحابه يعرفون ذلك ولا يسألونه عن اسمه .
* * *
ص: 407
وقد ثبت أنّ قوله : « رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ » ، وقوله تعالى : « وَعَلَى الأَْعْرافِ رِجالٌ » نزلتا فيه(1) .
قال الكميت :
نفسي فدا من رسول اللّه قال له
منّي ومن بعده أدنى لتقليل
الحازم الأمر والميمون طائره
والمستضاء به والصادق القيل
* * *
أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن عشمة العدل بإسناده عن ابن عباس قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنت أخي وصاحبي(2) .
* * *
ص: 408
قوله تعالى : « إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ » الآية نزلت فيه(1) .
أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة البصرة : أنا عبد اللّه وأخو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنا الصديق الأكبر ، والفاروق الأعظم ، لا يقوله غيري إلاّ كذّاب(2)(3) .
فهو عبد اللّه على معنى الافتخار ، كما قال : كفى لي فخرا أن أكون لك عبدا(4) .
قال أبو فراس :
اقرؤوا عن القرآن ما في فضله
وتأمّلوه واعرفوا فحواه
لو لم ينزل فيه إلاّ هل أتى
من دون كلّ منزل لكفاه
ص: 409
من كان أوّل من حوى القران من
نطق النبي ولفظه وحكاه
من بات فوق فراشه متنكّرا
لما أظلّ فراشه أعداه
من ذا أراد إلهنا بمقالة
الصادقون القانتون سواه
من خصّه جبريل من ربّ العلى
بتحيّة من جنّة وحباه
أنسيتم يوم الكساء وأنّه
ممّن حواه مع النبي كساه
إذ قال جبريل بهم متشرّفا
أنا منكم قال النبي كذاه
* * *
ص: 410
أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام : « وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً » قال: الوالدان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلي(1) عليه السلام .
سالم الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام ، وأبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه عليه السلام : نزلت في رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوفي علي عليه السلام .
وروى مثل ذلك في حديث ابن جبلة .
وروى أبو المصابيح عن الرضا عليه السلام قال النبي صلى الله عليه و آله : أنا وعلي الوالدان(2) .
وعن بعض الأئمة صلى الله عليه و آله : « لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ وَوالِدٍ وَما وَلَدَ » ، قال : أمير المؤمنين عليه السلام ، « وَما وَلَدَ » من الأئمة(1) .
الثعلبي في ربيع المذكرين ، والخركوشي في شرف النبي صلى الله عليه و آله عن عمار وجابر وأبي أيوب ، وفي الفردوس عن الديلمي ، وفي أمالي الطوسي عن أبي الصلت بإسناده عن أنس ، كلّهم عن النبي صلى الله عليه و آله قال :
حقّ علي عليه السلام على الأمّة كحقّ الوالد على الولد(2) .
وفي كتاب الخصائص عن أنس : حقّ علي بن أبي طالب عليهماالسلام على المسلمين كحقّ الوالد على الولد(3) .
مفردات أبي القاسم الراغب قال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي ، أنا وأنت أبوا هذه الأمّة ، ولحقّنا عليهم أعظم من حقّ أبوي ولادتهم ، فإنّا ننقذهم إن أطاعونا من النار إلى دار القرار ، ونلحقهم من العبودية بخيار الأحرار(4) .
ص: 412
قال القاضي أبو بكر أحمد بن كامل : يعني : أنّ حقّ علي عليه السلام على كلّ مسلم أن لا يعصيه أبدا ، ولنا كذاك ، قال رفع اللّه قدره : أنا وأنت أبوا هذه الأمّة .
قال أبو الطفيل الكناني :
وقلنا علي لنا والد
ونحن له في ولاة الولد
* * *
وقال حارثة بن قدامة السعدي :
من حقّه عندي كحقّ الوالد
ذاك علي كاشف الأوابد(1)
خير إمام راكع وساجد
* * *
قال السوسي :
أنت الأب البرّ صلّى اللّه خالقنا
عليك من مشفق بربّنا حدب
نحن التراب بنا كناك أحمد يا
أبا تراب لمعنى ذاك لا لقب
* * *
ص: 413
ص: 414
ص: 415
ص: 416
رأيت في مصحف ابن مسعود ثمانية مواضع اسم علي عليه السلام .
ورأيت في كتاب الكافي عشرة مواضع فيها اسمه .
تفصيلها :
[ 1 ]
أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قوله تعالى : « وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ »
في ولاية علي والأئمة من بعده « فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً » .
هكذا أنزلت(1) .
[ 2 ]
أبو بصير عنه عليه السلام : « فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ » ، يا معشر
المكذّبين حيث أتاكم رسالة ربّي في علي والأئمة من بعده ، هكذا أنزلت(2) .
ص: 417
[ 3 ]
أبو بصير عنه عليه السلام : في قوله : « سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ » بولاية علي عليه السلام « لَيْسَ لَهُ دافِعٌ »، ثم قال: هكذا - واللّه - نزل بها جبرئيل عليه السلامعلى محمد صلى الله عليه و آله(1) .
[ 4 ]
عمار بن مروان عن منحل عنه عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية ، هكذا « يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا » على عبدنا(2) في علي عليه السلام « نُوراً مُبِيناً »(3) .
[ 5 ]
جابر عنه عليه السلام : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمد صلى الله عليه و آله : هكذا « وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا » في علي بن أبي طالب « فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ »(4) .
[ 6 ]
أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السلام : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا ، « فَأَبى أَكْثَرُ النّاسِ » بولاية علي عليه السلام « إِلاّ كُفُوراً »(5) .
ص: 418
[ 7 ]
جابر عنه عليه السلام قال : هكذا نزلت هذه الآية « وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ » في علي « لَكانَ خَيْراً لَهُمْ »(1) .
[ 8 ]
وعنه عليه السلام : ونزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا « وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ »
في ولاية علي عليه السلام « فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنّا أَعْتَدْنا لِلظّالِمِينَ » لآل محمد صلى الله عليه و آله « ناراً »(2) .
[ 9 ]
وعنه عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا(3) » آل محمد صلى الله عليه و آله حقّهم « لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلاّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً » .
ثم قال : « يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ » في ولاية علي عليه السلام « فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا » بولاية علي عليه السلام « فَإِنَّ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ »(4) .
[ 10 ]
محمد بن سنان عن الرضا عليه السلام في قوله : « كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ » بولاية
ص: 419
علي عليه السلام « ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » يا محمد صلى الله عليه و آله من ولاية علي عليه السلام ، هكذا في الكتاب(1) .
[ 11 ]
مخطوطة أبو الحسن الماضي عليه السلام في قوله : « إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ »
بولاية علي عليه السلام « تَنْزِيلاً »(2) .
[ 12 ]
ووجدت في كتاب المنزل عن الباقر عليه السلام : « بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللّهُ » في علي عليه السلام(3) .
[ 13 ]
وعنه عليه السلام في قوله « وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ » في علي عليه السلام « قالُوا أَساطِيرُ الأَْوَّلِينَ »(4) .
[ 14 ]
وعنه عليه السلام : « وَالَّذِينَ كَفَرُوا » بولاية علي بن أبي طالب « أَوْلِياؤهُمُ الطّاغُوتُ » .
قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية كذا(5) .
ص: 420
[ 15 ]
وعنه في قوله : « إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ » في علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا(1) .
[ 16 ]
عيسى بن عبد اللّه عن أبيه عن جدّه في قوله : « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ » في علي عليه السلام « وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ » عذّبتك عذابا أليما ، فطرح عدوي اسم علي عليه السلام .
[ 17 ]
التهذيب والمصباح في دعاء الغدير : وأشهد أنّ الإمام الهادي الرشيد أمير المؤمنين الذي ذكرته في كتابك فقلت : « وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ »(2) .
[ 18 ]
وروى الصادق عن أبيه عن جدّه عليهم السلام قال : قال يوما الثاني لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّك لا تزال تقول لعلي عليه السلام : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، فقد ذكر اللّه هارون في القرآن(3) ، ولم يذكر عليا عليه السلام ، فقال صلى الله عليه و آله : يا غليظ ، يا جاهل ، أمّا سمعت اللّه يقول : « هذا صِراط عَليّ مُسْتَقِيمٌ »(4) ، وقرئ مثله في رواية جابر .
ص: 421
أبو بكر الشيرازي في كتابه بالإسناد عن شعبة عن قتادة قال : سمعت البصري يقرأ هذا الحرف « هذا صِراط عَليّ مُسْتَقِيمٌ » .
قلت : ما معناه ؟
قال : هذا طريق علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، ودينه طريق دين مستقيم ، فاتبعوه وتمسّكوا به ، فإنّه واضح لا عوج فيه(1) .
[ 19 ]
الباقر عليه السلام في قوله : « إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ » إنّ الينا إياب هذا الخلق ، و « عَلَيْنا حِسابَهُمْ »(2) .
[ 20 ]
أبو بصير عن الصادق عليه السلام في خبر : إنّ إبراهيم عليه السلام كان قد دعا اللّه أن يجعل له « لِسانَ صِدْقٍ فِي الآْخِرِينَ » ، فقال اللّه تعالى : « وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا » يعني علي بن أبي طالب عليهماالسلام(3) .
[ 21 ]
وفي مصحف ابن مسعود « حَقِيقٌ عَلى » علي عليه السلام « أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ » .
ص: 422
قال العوني :
هذا وتسمية جاءت مصرحة
لصاحب الأمر للألباب تكشفه
إنّا جعلنا لهم من فوز رحمتنا
لسان صدق عليا ثم يردفه
بقوله هو في أم الكتاب لدى
الباري علي حكيم لا يعنّفه
إلاّ ضعيف أساس العقل باطله
عن احتمال صريح الحقّ مضعفه
* * *
وله أيضا :
اللّه قال فاستمع ما قالا
إذ شرف الآباء والأنسالا
وآل إبراهيم فازوا آلا
إنّا وهبنا لهم أفضالا
لسان صدق منهم عليا
* * *
وقيل : لم يسمّ أحد من ولد آدم عليه السلام بهذا الاسم إلاّ أنّ الرجل من العرب كان يقول : إنّ ابني هذا علي يريد به العلو ، لا أنّه اسمه(1) .
قال ابن حماد :
اللّه سمّاه عليا عنده
فما على علائه خلق علا
ص: 423
وقال العوني :
هو المثل الأعلى كفاك باسمه
علي علا في الاسم والبأس والحسب
* * *
وقال ابن حماد :
سلام على أحمد المرسل
سلام على الفاضل المفضل
سلام على من علا في العلى
فسمّاه ربّ علي علي
* * *
وقيل : لأنّه أعلى من ساجله في الحرب من قوله « وَأَنْتُمُ الأَْعْلَوْنَ » ، والعلي الفرس الشديد الجري ، والشديد من كلّ شيء .
يا علي لقد علوت على الخلق
وسمّاك ذو الجلال عليا
* * *
وقيل : لإنّ داره في الجنان تعلو حتى تحاذي منازل الأنبياء ، وليس نبي يعلو منزله على منزل علي عليه السلام .
ومنه « الدَّرَجاتُ الْعُلى »(1) .
ص: 424
قال ابن حماد :
يا خير ناء وخير دان
يا صاحب الذكر والمثاني
يا حجّة اللّه في البرايا
نورك باق على الزمان
يا صاحب الحوض والمسمّى
بقاسم النار والجنان
يا عروة فاز ماسكوها
في عرصة الحشر بالأمان
سمّاك ربّ العلى عليا
إذ لم تزل عالي المكان
يا سيدا ما له نظير
ولا شبيه ولا مدان
* * *
وقيل : لأنّه زوّج في أعلى السماوات ، ولم يزوّج أحد من خلق اللّه في ذلك الموضع غيره(1) .
قال العوني :
علي على عند ذي العرش عاليا
علي تعالى عن شبيه وعن ندّ
سمام العدى بحر الندى علم الهدى
بعيد المدى من خصّ بالعلم والرشد
له زوّج المختار للطهر فاطما
وردّ سواه مرغما أقبح الردّ
ص: 425
وقيل : لأنّه علا على منكب رسول اللّه صلى الله عليه و آله بقدميه طاعة للّه عند حطّ الأصنام من سطح مكة ، ولم يعل أحد على ظهر نبي غيره(1) .
أنا مولى لعلي
وعلي لي ولي
بأبي اسم علي
بأبي ذكر علي
* * *
وقيل : لأنّه مشتق من اسم اللّه ، قوله تعالى : « وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ » .
قال ابن حماد :
اللّه سمّاه عليا باسمه
فسما علوّا في العلى وسموقا
واختاره دون الورى وأقامه
علما إلى سبل الهدى وطريقا
أخذ الإله على البرية كلّها
عهدا له يوم الغدير وثيقا
وغداة واخى المصطفى أصحابه
جعل الوصي له أخا وشفيقا
* * *
وقيل : لأنّ له علوا في كلّ شيء ، على النسب ، على الإسلام ، على العلم ، على الزهد ، على السخاء ، على الجهاد ، على الأهل ، على الولد ، على الصهر .
على علي في المواقف كلّها
ولكنّهم قد خانهم فيه مولد
ص: 426
وهذه الجملة إنّما تكون من أسماء الإفعال ، وقد جمع العوني هذه الروايات :
إنّ عليا عند أهل العلم
أوّل من سمّي بهذا الاسم
سبقا كذا في الفضل عد مليا
وقال قوم قد علا برازا
أقرانه يبتزها ابتزازا
فهو علي إذ علا العدّيا
وفرقة قالت علي الدار
في جنّة الخلد مع الأبرار
إذ نال منه المنزل العلويا
وقال قوم بل علا مكانا
ظهر النبي إذ حطّم الأوثانا
فنال منه المرتقى العليا
وفرقة قالت علي إنّما
معناه إذ أملك في أعلى السما
خصّ بها لولاه آدميا
وفرقة قالت علاهم علما
وكان أعلاهم أبا وأما
فوال كهف الكرم الفتيا * * *
ص: 427
وفي خبر : أنّ النبي صلى الله عليه و آله سمّاه « المرتضى » ، لأنّ جبرئيل عليه السلام هبط إليه وقال : يا محمد ، إنّ اللّه - تعالى - قد ارتضى عليا لفاطمة عليهماالسلام ، وارتضى فاطمة لعلي عليهماالسلام .
وقال ابن عباس : كان علي عليه السلام يتّبع في جميع أمره مرضاة اللّه - تعالى - ورسوله(1) ، فلذلك سمّي المرتضى .
* * *
ص: 428
وقال جابر الجعفي : الحيدر هو الحازم النظّار في دقائق الأشياء .
وقيل : هو الأسد .
وقال عليه السلام : أنا الذي سمّتني أمّي حيدره(1) .
* * *
ص: 429
ابن عباس قال : لمّا نكل المسلمون عن مقارعة طلحة العبدري تقدّم إليه أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال طلحة : من أنت ؟ فحسر عن لثامه ، فقال : أنا القضم ، أنا علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
يدعو أنا القضم القضاضة والذي
يعمى العدو إذا دنا الزحفان
* * *
ص: 430
ورأيت في كتاب الردّ على أهل التبديل : إنّ في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام : « يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً » يعني من أصحاب علي عليه السلام(1) .
وفي كتاب ما نزل في أعداء آل محمد صلى الله عليه و آله في قوله « وَيَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ » رجل من بني عدي ، ويعذّبه علي عليه السلام ، فيعضّ على يديه ويقول : العاضّ ، وهو رجل من بني تيم « يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً » أي شيعيا .
ابن بابويه في علل الشرائع : عن ابن عباس قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إذا كان يوم القيامة ، ورأى الكافر ما أعدّ اللّه - تبارك وتعالى - لشيعة علي عليه السلام من الثواب والزلفى والكرامة قال : « يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً »
أي يا ليتني كنت من شيعة علي عليه السلام(2) .
البخاري ، ومسلم ، والطبري ، وابن البيع ، وأبو نعيم ، وابن مردويه أنّه قال : بعض الأمراء لسهل بن سعد : سبّ عليا عليه السلام فأبى ، فقال : أمّا إذا
ص: 431
أبيت فقل : لعن اللّه أبا تراب ، فقال : واللّه إنّه إنّما سمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آلهبذلك ، وهو أحبّ الأسماء إليه(1)(2) .
البخاري ، والطبري ، وابن مردويه ، وابن شاهين ، وابن البيع في حديث : أنّ عليا عليه السلام غضب على فاطمة عليهاالسلام وخرج ، فوجده رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : قم يا أبا تراب ، قم يا أبا تراب(3)(4) .
الطبري وابن إسحاق ، وابن مردويه ، أنّه قال عمار : خرجنا مع النبي صلى الله عليه و آله في غزوة العشيرة ، فلمّا نزلنا منزلاً نمنا ، فما نبهنا إلاّ كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : يا أبا تراب ، لمّا رآه ساجدا معفّرا وجهه في التراب : أتعلم من أشقى الناس ؟ أشقى الناس إثنان : أحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، وأشقاها الذي يخضب هذه ، ووضع يده على لحيته(5) .
علل الشرائع عن القمّي في حديث ابن عمر : أنّه نظر النبي صلى الله عليه و آله إلى علي عليه السلام ، وهو يعمل في الأرض وقد اغبّر ، فقال : ما ألوم الناس في أن
ص: 432
يكنوك « أبا تراب » ، فتمعّر وجه علي عليه السلام ، فأخذ بيده وقال : أنت أخي ووزيري وخليفتي في أهلي(1) . . الخبر .
وقال الحسن بن علي عليهماالسلام وسئل عن ذلك ، فقال : إنّ اللّه يباهي بمن يصنع كصنيعك الملائكة ، والبقاع تشهد له .
قال : فكان عليه السلام يعفّر خديه ، ويطلب الغريب من البقاع لتشهد له يوم القيامة ، فكان إذا رآه والتراب في وجهه يقول : يا أبا تراب ، افعل كذا ، ويخاطبه بما يريد .
وحدّثني أبو العلاء الهمداني بالإسناد عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس في حديث : أنّ عليا عليه السلام خرج مغضبا ، فتوسّد ذراعه ، فطلبه النبي صلى الله عليه و آله حتى وجده ، فوكزه برجله ، فقال : قم ، فما صلحت أن تكون إلاّ أبا تراب ، أغضبت عليّ حين آخيت بين المهاجرين والأنصار ولم أواخ بينك وبين أحد منهم ؟ أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى(2)(3) . . الخبر .
وجاء في رواية : أنّه كنّي بأبي تراب ، لأنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : يا علي ، أوّل من ينفض التراب عن رأسه أنت(4) .
ص: 433
وروى عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه كان يقول : إنّا كنّا نمدح عليا عليه السلام إذا قلنا له « أبا تراب(1) » .
قال السوسي :
أنا وجميع من فوق التراب
فدىً لتراب نعل أبي تراب
إمام مدحه ذكري ودأبي
وقلبي نحوه ما عشت صاب
* * *
وله أيضا :
خدّي فداء لنعل كان يلبسها
أبو تراب ومن خدّي على الترب
لو كنت أحسن أن أجدى بمحجنة
لخاصف النعل لم أعدل ولم أغب
* * *
ص: 434
وسمّوه « أصلع قريش(1) » من كثرة لبس الخوذ على الرأس .
قال ابن عباس : كان عليا عليه السلام أنزع من الشرك ، بطين من العلم(2) ، وذلك مدح له .
علل الشرائع عن القمّي : قال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا أراد اللّه بعبد خيرا رماه بالصلع ، فتحاتّ الشعر من رأسه ، وها أنا ذا(3) .
قال البختري :
ذكرتهم سيماه سيما علي
إذ غدا أصلعا عليهم بطينا
* * *
قال أبو نواس :
ومدامة من خمر حانة قرقف(4)
صفراء ذات تلهّب وتشعشع
رقّت كدين الناصبي وقد صفت
كصفا الولي الخاشع المتشيّع
باكرتها وجعلت أنشق ريحها
وأمصّ درّتها كدرّة مرضع
في فتية رفضوا العتيق ونعثلاً
وعنوا بأروع في العلوم مشفّع
وتيقّنوا أن ليس ينفع في غد
غير البطين الهاشمي الأنزع
ص: 435
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : أنا سيف اللّه على أعدائه ، ورحمته على أوليائه(1) .
* * *
ص: 436
ابن البيع في أصول الحديث ، والخركوشي في شرف النبي صلى الله عليه و آله ، وشيرويه
في الفردوس ، واللفظ له ، بأسانيدهم :
أنّه كان الحسن والحسين عليهماالسلام في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله يدعوانه « يا أبة » ، ويقول الحسن عليه السلام لأبيه : « يا أبا الحسين » ، والحسين عليه السلام يقول : « يا أبا الحسن » ، فلمّا توفي رسول اللّه صلى الله عليه و آله دعواه « يا أبانا »(1) .
وفي رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام : ما سمّاني الحسن والحسين « يا أبه » حتى توفي رسول اللّه (2) صلى الله عليه و آله .
وقيل : أبو الحسن مشتق من اسم الحسن .
* * *
ص: 437
النطنزي في الخصائص : قال داود بن سليمان : رأيت شيخا على بغلة قد احتوشته الناس ، فقلت : من هذا ؟ قالوا : هذا شاهانشاه العرب ، هذا علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
* * *
ص: 438
ص: 439
ص: 440
جهاده نوعان : في حال حياة النبي صلى الله عليه و آله ، وبعد وفاته صلى الله عليه و آله .
ففي حال حياته ما كانت حرب إلاّ وكان له أثر فيها .
قال أبو تمام الطائي :
أخوه إذا عدّ الفخار وصهره
فلا مثله أخ ولا مثله صهر
وشدّ به أزر النبي محمد
كما شدّ من موسى بهارونه الأزر
وما زال لبّاسا دياجير غمرة
يمزّقها عن وجهه الفتح والنصر
هو السيف سيف اللّه في كلّ موطن
وسيف الرسول لادكان ولا دثر
فأيّ يد للظلم لم يبر زندها
ووجه ضلال ليس فيه له أثر
ثوى ولأهل الدين أمن بحدّه
وللواصمين الدين في حدّه أثر
ص: 441
يسدّ به الثغر المخوف من الردى
ويعتاض من أرض العدو به الثغر
بأحد وبدر حين هاج برجله
ففرسانه أحد وهاج بهم بدر
ويوم حنين والنضير وخيبر
وبالخندق الثاوي بعقوته عمرو(1)
سما للمنايا الحمر حتى تكشفت
وأسيافه حمر وأرماحه حمر
مشاهد كان اللّه شاهد كربها
وفارجه والأمر ملتبس أمر(2)
* * *
قال العلوي :
سائلا عنّا قريشا وليالينا الأول
نحن أصحاب حنين والمنايا تنتصل
وببدر حين ولّوا قللاً بعد قلل
ولنا يوم بصفين ويوم بجمل
* * *
ص: 442
وقال السوسي :
ذاك الإمام ما شابه بخل
ولا ثنى قلبه عن قرنه فشل
من وجهه قمر في لحظه قدر
في سخطه أجل من عفوه أمل
إذا مشى الخيزلي والسيف في يده
حسبت بدر الدجى في كفّه رجل
ما زال في الأرض أبطال فمذ نشأ
الوصي يبطلهم يوم الوغى بطلوا
بنى ببدر فقال المبصرون له
جلالة ملك ذا الشخص أو رجل
سل شلّة البيض من سلّ النفوس لها
ومن تخطّت به الخطيّة الأسل
تراه يقطع آجال الكماة إذا
ما واصل السيف ضرب منه متّصل
حسامه يتثنى عند هزّته
لأنّه من طلا أعدائه ثمل
للسيف في يده ضحك وليس فم
وللرؤوس بكا منه ولا مقل
والموت لو مات لم ينسب إليه ولم
يجد له غير سيف المرتضى بدل
ص: 443
سائل به في الوغى والموت يقذفه
والرعب مقتبل والضرب مختبل
والبيض إن واصلت بيض الرؤوس غدت
لها الرؤوس عن الأجساد تنتقل
والمشرفيّة عند الضرب مشرفة
والسمهريّة عند الطعن تشتعل
والخيل راكعة في النقع ساجدة
لها من الدم ثوب مسبل خضل
والنقع ليل وهاتيك الأسنّة قد
يلمعن فيه نجوم ثمّ أو شعل
هناك تلقى به سيفا بمضربه
جهل على معشر للحقّ قد جهلوا
والليث يختل إذ لاقى فريسته
وذا يبارز جرزا ليس يختبل
والليث يفرس وحش البيد من قرم(1)
ومن فريسة هذا الفارس البطل
فإن أشار بيسراه إلى جبلصلدا تدكدك منه ذلك الجبل
* * *
ص: 444
وقال الناشي :
وقد أطلق بعد الأسر
عمرو الليث من معدي
وقد جدّل في خيبر
آلافا بلا عدّ
ولا ولّى كمن ولّى
ولا مال عن القصد
* * *
وقال العوني :
إمامي الذي أردى الفوارس منهم
وقالع أسد من سروجهم قهرا
وشيبة أرداه ومرحب بعده
وأردى بحدّ المشرفي الفتى عمروا
* * *
وقال ابن حماد :
وشدّ أزر النبي الطهر قبل به
وحبّذا بأبي السبطين من وزر
فاسأل به يوم بدر والقليب وما
سواه كان إلى الهيجا بمبتدر
واسأل بخيبر إذ ولّى برايته
أفنى اليهود بضرب السلّة البتر
وقيل رايات قوم وحده وهم
من خيفة القتل قد ولّوا على الدبر
ويوم سلع فسل عمرا غداة ثوى
منه بخدّ على الرمضاء منعفر
ص: 445
وأقاد عمرو بن معدي في عمامته
مطوقا منه طوق الذلّ والصغر
ويوم بدر سلوا الرايات خافقة
ماذالقوا من هريت الشدق ذيمرر(1)
ويوم صفين إذ ملّت صفوفهم
واجعل القوم خوف الموت كالحمر
والنهروان فسل عنه الشراة لقد
أضحوا ضحاياه فوق الترب كالجزر
* * *
وقال العوني :
وسل ببدر وأحد والنضير فإن
أنصفت فرقة بين الليث والضبع
ويوم خيبر قد أخبرت إذ نكست
بالذلّ رايته والجبن والضرع
* * *
وله أيضا :
من ببدر سواه بادر لا يسأم
قطّ الطلى وقطف الرؤوس(2)
من جنى في الحنين أصلاب من لا
قاه كالليث ممعنا في الفريس
ص: 446
من بسلع سمى لعمرو وعمر
يتحامى حماة أسد الخليس
فعلاه بضربة قدّ منها
قدّه مسرعا مع القربوس
* * *
ومن قصائد الصاحب :
هو البدر في الهيجاء بدر وغيره
فرائصه من ذكره السيف ترعد
وكم خبر في خيبر قد رويتم
ولكنّكم مثل النعام تشردّوا
وفي أحد قد ولّى الرجال وسيفه
يسوّد وجه الكفر وهو مسوّد
ويوم حنين حنّ للغلّ بعضكم
وصارمه عضب الغرار مهنّد(1)
* * *
ومن أخرى :
من كمولانا علي
والوغى يحمى لظاها
اذكروا أفعال بدر
لست أعني ما سواها
اذكروا ظلمة أحد
إنّه شمس ضحاها
* * *
ومن أخرى :
وفي يوم بدر غنية وكفاية
وقد ذللت من مضربيك المصاعب
وفي أحد لمّا أتيت وبعضهم
وإن سألوا صرحت أسوان هارب
ص: 447
وفي يوم عمرو أي لعمري مناقب
مبنيّة ما مثلهن مناقب
وفي مرحب لو يعلمون قناعة
وفي كلّ يوم للوصيّ مراحب
وفي خيبر أخباره الغرّ بيّنت
حقيقتها والليث بالسيف لاعب
* * *
وقال الشاعر :
إذا الحرب قامت على ساقها
وشبّت وخلّى الصديق الصديقا
وضاع الزمام وطاب الحمام
ولم يبلع الليث في الحلق ريقا
رأيت عليا إمام الهدى
يميت فريقا ويحيي فريقا
وتلك له عادة لم تزل
به منذ كان وليدا حليقا
فأوّل حرب جرت للرسول
فأضرم في جانبيها حريقا
يقهقه في كفّه ذو الفقار
وتسمع للهام منه شهيقا
تضعضع أركانه ضربة
كأنّ براحته منجنيقا
وكم من قتيل وكم من أسير
فدوه فأطلق يدعى الطليقا
* * *
وأنشد آخر :
قدّ عمرا ومرحبا وسبيعا
ذو الخمار الغضنفر البهلولا(1)
ص: 448
وأتى بالهمام عمرو بن معدي
في يديه من بعد عزّ ذليلا
* * *
وأنشد :
ليث الحروب إذا الكروب تحلّلت
يسقي بكأس الموت من لاقاه
كم من عزيز قد أذلّ بسيفه
وأزال عنه عزّه وعلاه
سل عنه يوم بني النضير وخيبر
وبأحد كم من فارس أرداه
وبسلع عمرو العامري أباده
لمّا أتى جهلاً يروم لقاه
وأتى بعمرو في العمامة خاضعا
كالعبد يخشع في يدي مولاه
وأباد شيبة والوليد وعتبة
ولذي الخمار بذي الفقار علاه
* * *
ص: 449
ص: 450
ص: 451
ص: 452
في الصحيحين : أنّه نزل قوله تعالى : « هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا » في ستّة نفر من المؤمنين والكفار تبارزوا يوم بدر ، وهم حمزة وعبيدة وعلي عليهم السلام ، والوليد وعتبة وشيبة(1) .
وقال البخاري : وكان أبو ذر يقسم باللّه أنّها نزلت فيهم .
وبه قال عطاء ، وابن خيثم ، وقيس بن عبادة ، وسفيان الثوري ، والأعمش ، وسعيد بن جبير ، وابن عباس(2) .
ثم قال ابن عباس : « فَالَّذِينَ كَفَرُوا » يعني عتبة وشيبة والوليد « قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ »(3) الآيات .
وأنزل في أمير المؤمنين عليه السلام وحمزة وعبيدة : « إِنَّ اللّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ » إلى قوله « صِراطِ الْحَمِيدِ »(4) .
ص: 453
أسباب النزول : روى قيس بن سعد بن عبادة عن علي بن أبي
طالب عليه السلامقال : فينا نزلت هذه الآية ، وفي مبارزينا يوم بدر إلى قوله « عَذابَ الْحَرِيقِ »(1) .
وروى جماعة عن ابن عباس نزل قوله : « أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ » يوم بدر في هؤلاء الستة(2) .
شعبة وقتادة وابن عباس في قوله تعالى « وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى »
أضحك أمير المؤمنين وحمزة وعبيدة عليهم السلام يوم بدر المسلمين ، وأبكى كفار مكة حتى قتلوا ودخلوا النار(3) .
الباقر عليه السلام في قوله تعالى : « وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ »
ص: 454
نزلت في حمزة وعلي وعبيدة عليهم السلام(1) .
تفسير أبي يوسف النسوي وقبيصة بن عقبة عن الثوري عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى : « أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ » الآية نزلت في علي وحمزة وعبيدة عليهم السلام « كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَْرْضِ » عتبة وشيبة والوليد(2) .
الكلبي : نزلت في بدر « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤمِنِينَ »(3) .
أورده النطنزي في الخصائص عن الحداد عن أبي نعيم والصادق والباقر عليهماالسلام : نزلت في علي عليه السلام « وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ » .
ص: 455
المؤرخ وصاحب الأغاني ومحمد بن إسحاق : كان صاحب راية رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم بدر علي بن أبي طالب عليه السلام(1) .
لمّا التقى الجمعان تقدّم عتبة وشيبة والوليد قالوا : يا محمد ، أخرج إلينا أكفاءنا من قريش ، فتطاولت الأنصار لمبارزتهم ، فدفعهم النبي صلى الله عليه و آلهوأمر عليا وحمزة وعبيدة عليهم السلام بالمبارزة ، فحمل عبيدة على عتبة ، فضربه على رأسه ضربة فلقت هامته ، وضرب عتبة عبيدة على ساقه فأطنّها ، فسقطا جميعا ، وحمل شيبة على حمزة ، فتضاربا بالسيف حتى انثلما ، وحمل علي عليه السلام على الوليد ، فضربه على حبل عاتقه ، وخرج السيف من إبطه(2) .
وفي إبانة الفلكي : أنّ الوليد كان إذا رفع ذراعه ستر وجهه من عظمها وغلظها .
ص: 456
ثم اعتنق حمزة وشيبة ، فقال المسلمون : يا علي ، أما ترى هذا الكلب يهرّ عمّك ، فحمل علي عليه السلام عليه ، ثم قال : يا عم طأطئ رأسك ، وكان حمزة أطول من شيبة ، فأدخل حمزة رأسه في صدره ، فضربه علي عليه السلام
فطرح نصفه ، ثم جاء إلى عتبة وبه رمق ، فأجهز عليه(1) .
وكان حسان يقول في قتل عمرو بن عبد ود :
ولقد رأيت غداة بدر عصبة
ضربوك ضربا غيرضرب المحصر
أصحبت لا تدري ليوم كريهة
يا عمرو أو لجسيم أمر منكر(2)
* * *
فأجابه بعض بني عامر :
كذبتم وبيت اللّه لا تقتلوننا
ولكن بسيف الهاشمين فافخروا
بسيف ابن عبد اللّه أحمد في الوغى
بكفّ علي نلتم ذاك فاقصروا
ولم تقتلوا عمرو بن ودّ ولا ابنه
ولكنّه كفو الهزبر الغضنفر
علي الذي في الفخر طال ثناؤه
فلاتكثروا الدعوى عليه فتفجروا
ببدر خرجتم للبراز فردّكم
شيوخ قريش حسرة وتأخّروا
فلمّا أتاهم حمزة وعبيدة
وجاء علي بالمهنّد يخطر
فقالوا نعم أكفاء صدق فأقبلوا
إليهم سراعا إذ بغوا وتجبّروا
فجال علي جولة هاشمية
فدمّرهم لمّا عتوا وتكبروا
* * *
ص: 457
وفي مجمع البيان : أنّه قتل سبعة وعشرين مبارزا(1) .
وفي الإرشاد : قتل خمسة وثلاثين(2) .
وقال زيد بن وهب : قال أمير المؤمنين عليه السلام - وذكر حديث بدر - : وقتلنا من المشركين سبعين ، وأسرنا سبعين(3) .
محمد بن إسحاق : أكثر قتلى المشركين يوم بدر كان لعلي عليه السلام .
المرزباني في كتاب أشعار الملوك والخلفاء : إنّ عليا عليه السلام أشجع العرب حمل يوم بدر ، وزعزع الكتيبة ، وهو يقول :
لن يأكلوا التمر بظهر مكّه
من بعدها حتى تكون الركّه
* * *
وقال عبد اللّه بن رواحة :
ليهن علي يوم بدر حضوره
ومشهده بالخير ضربا مرعبلا(1)
كائن له من مشهد غير حامليظلّ له رأس الكمّي مجدّلا
وغادر كبش القوم في القاع ثاوياتخال عليه الزعفران المعلّلا
صريعا يبوء القشعمان(2) برأسهوتدنوا إليه الضبع طولاً لتأكلا
* * *
وقالت هند في عتبة وشيبة :
أياعين جودي بدمع سرب
على خير خندف لم ينقلب
تداعى له رهطه غدوة
بنو هاشم وبنو المطلب
يذيقونه حدّ أسيافهم
يعزّونه بعد ما قد شجب(3)
ص: 459
ووجدت في كتاب المقنع قول هند :
أبي وعمّي وشقيق بكري
أخي الذي كان كضوء البدر
بهم كسرت يا علي ظهري(1)
* * *
وكان أسيد بن أياس يحرّض المشركين ، مشركي قريش على علي عليه السلام
ويقول :
في كلّ مجمع غاية أجزاكم
جزع أبر على المذاكي القرح
للّه درّكم ألمّا تنكروا
قد ينكر الحرّ الكريم ويستحي
هذا ابن فاطمة الذي أفناكم
ذبحا وقتلة قصعة لم تذبح
أعطوه خرجا واتّقوا بضريبة
فعل الذليل وبيعة لم تربح
أين الكهول وأين كلّ دعامة
في المعضلات وأين زين الأبطح
أفناهم قصعا وضربا يفتري
بالسيف يعمل حدّه لم يصفح(2)
* * *
قال الحميري :
من كان أوّل من أباد بسيفه
كفّار بدر واستباح دماء
من ذاك نوّه جبرئيل باسمه
في يوم بدر يسمعون نداء
لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى
إلاّ علي رفعة وعلاء
ص: 460
وأنشد بعضهم :
وفي يوم بدر حين بارز شيبة
بعضب حسام والأسنّة تلمع
فبادره بالسيف حتى أذاقه
حمام المنايا والمنيّات تركع
وصيّره نهبا لذئب وقشعم
عليه من الغربان سود وأبقع
* * *
وأنشد أيضا :
وله ببدر وقعة مشهورة
كانت على أهل الشقاء دمارا
فأذاق شيبة والوليد منيّة
إذ صبّحاه جحفلاً جرّارا
وأذاق عتبة مثلها أهوى لها
عضبا صقيلاً مرهفا بتّارا
* * *
وقال الصاحب :
عجبت ملائكة السماء لحربه
في يوم بدر والجهاد جهاد
فحكاه عنه جبرئيل لأحمد
إسناد مجد ليس فيه سياد
صرع الوليد لموقف شاب الوليد
لهوله وتهارب الأعضاد
وأذاق عتبة بالحسام عقوبة
حسمت بها الأدواء وهي تلاد
أحلاف حرب أرضعوا أخلافها
فكأنّهم لحروبهم أولاد
ما كان في قتلاه إلاّ باسل
فكأنّما صمصامه نقاد
* * *
المحبرة :
وله ببدر إن ذكرت بلاءه
يوما يشيب ذوائب الولدان
ص: 461
كم من كمّي حلّ عقدة بأسه
فيه وكان ممنع الأركان
فرأى به هصرا يهاب خبابه
كالضيغم المتبسّل الغضبان
يسقى مماصعه بكأس منيّة
شيبت بطعم الصاب والخطبان(1)
إذ من ذوي الرايات جدّل عصبة
كانوا كأسد الغاب من خفان
* * *
ص: 462
ص: 463
ص: 464
ابن عباس في قوله تعالى : « ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ » نزلت في علي عليه السلام غشيه النعاس يوم أحد(1) ، والخوف مسهر ، والأمن منيم(2) .
كتاب الشيرازي : روى سفيان الثوري عن واصل عن الحسن عن ابن عباس في قوله تعالى : « وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ » قال : صاح إبليس يوم أحد في عسكر رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ محمدا صلى الله عليه و آله قد قتل ، « وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ » قال : واللّه ، لقد أجلب إبليس على أمير المؤمنين عليه السلامكلّ خيل كانت في غير طاعة اللّه ، واللّه إنّ كلّ راجل قاتل أمير المؤمنين عليه السلام كان من رجالة إبليس .
ص: 465
تاريخ الطبري وأغاني الأصفهاني : أنّه كان صاحب لواء قريش كبش الكتيبة طلحة بن أبي طلحة العبدري نادى : معاشر أصحاب محمد صلى الله عليه و آله ، إنّكم تزعمون أنّ اللّه يعجّلنا بسيوفكم إلى النار ، ويعجّلكم بسيوفنا إلى الجنّة ، فهل منكم من أحد يبارزني ؟
قال قتادة : فخرج إليه علي عليه السلام وهو يقول :
أنا ابن ذي الحوضين عبد المطلب
وهاشم المطعم في العام السغب
أفي بميعادي وأحمي عن حسب
* * *
قال : فضربه علي عليه السلام فقطع رجله فبدت سوأته .
وهو قول ابن عباس والكلبي .
وفي روايات كثيرة : أنّه ضربه في مقدّم رأسه ، فبدت عيناه ، قال : أنشدك اللّه والرحم يا ابن عم ، فانصرف عنه ، ومات في الحال .
ثم بارزهم حتى قتل منهم ثمانية ، ثم أخذ باللواء صواب - عبد حبشي لهم - ، فضرب على يده ، فأخذه باليسرى ، فضرب عليها ، فأخذ اللواء وجمع المقطوعتين على صدره ، فضرب على أمّ رأسه ، فسقط اللواء .
ص: 466
قال حسان بن ثابت :
فخرتم باللواء وشرّ فخر
لواء حين ردّ إلى صواب
* * *
فسقط اللواء ، فأخذته عمرة بنت الحارث بن علقمة بن عبد الدار ، فصرعت وانهزموا .
وقال حسان بن ثابت :
ولولا لواء الحارثية أصبحوا
يباعون في الأسواق بالثمن الوكس
* * *
فانكب المسلمون على الغنائم ، ورجع المشركون فهزموهم(1) .
زيد بن وهب : قلت لابن مسعود : انهزم الناس إلاّ علي وأبو دجانة وسهل بن حنيف .
قال : انهزموا إلاّ علي عليه السلام وحده ، وثاب إليهم أربعة عشر : عاصم بن ثابت ، وأبو دجانة ، ومصعب بن عمير ، وعبد اللّه بن جحش ، وشماس بن عثمان بن شريد ، والمقداد ، وطلحة ، وسعد ، والباقون من الأنصار(2) .
ص: 467
وأنشد :
وقد تركوا المختار في الحرب مفردا
وفرّ جميع الصحب عنه وأجمعوا
وكان علي غائصا في جموعهم
لهاماتهم بالسيف يفري ويقطع
* * *
عكرمة قال :[ سمعت عليا عليه السلام يقول ] : لحقني من الجزع ما لم أملك نفسي ، وكنت أمامه أضرب بسيفي ، فرجعت أطلبه فلم أره - يعني عليا عليه السلام - ، فقلت : ما كان رسول اللّه
صلى الله عليه و آله ليفرّ ، وما رأيته في القتلى ، وأظنّه رفع من بيننا ! فكسرت جفن سيفي وقلت في نفسي : لأقاتلن به حتى أقتل ، وحملت على القوم ، فأفرجوا ، فإذا أنا برسول اللّه صلى الله عليه و آله قد وقع على الأرض مغشيّا عليه ، فوقفت على رأسه ، فنظر إليّ وقال : ما صنع الناس يا علي عليه السلام ؟ قلت: كفروا - يا رسول اللّه - وولّوا الدبر من العدوّ وأسلموك(1).
تاريخ الطبري ، وأغاني الأصفهاني ، ومغازي ابن إسحاق ، وأخبار أبي رافع : أنّه أبصر رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى كتيبة فقال : احمل عليهم ، فحمل عليهم وفرّق جمعهم ، وقتل عمرو بن عبد اللّه الجمحي ، ثم أبصر كتيبة أخرى ، فقال : ردّ عنّي ، فحمل عليهم ، ففرّق جماعتهم ، وقتل شيبة بن مالك العامري .
ص: 468
وفي رواية أبي رافع : ثم رأى كتيبة أخرى ، فقال : احمل عليهم ، فحمل عليهم فهزمهم ، وقتل هاشم بن أمية المخزومي ، فقال جبرئيل : يا رسول اللّه ، إنّ هذه لهي المواساة ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّه منّي وأنا منه ، فقال جبرئيل عليه السلام : وأنا منكما .
فسمعوا صوتا :
لا سيف إلاّ ذو الفقار
ولا فتى إلاّ علي(1)
* * *
وزاد ابن إسحاق في روايته :
فإذا ندبتم هالكا
فابكوا الوفي وأخا الوفي(2)
* * *
وكان المسلمون لما أصابهم من البلاء أثلاثا : ثلث جريح ، وثلث قتيل ، وثلث منهزم(3) .
تفسير القشيري وتاريخ الطبري : أنّه انتهى أنس بن النضر إلى عمر وطلحة في رجال وقال : ما يجلسكم ؟ قالوا : قتل محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ! قال :
فما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ص: 469
ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل(1) .
وروي أنّ أبا سفيان رأى النبي صلى الله عليه و آله مطروحا على الأرض ، فتفأّل بذلك ظفرا ، وحثّ الناس على النبي صلى الله عليه و آله ، فاستقبلهم علي عليه السلام وهزمهم ، ثم حمل النبي صلى الله عليه و آله إلى أحد ونادى : معاشر المسلمين ، ارجعوا ، ارجعوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فكانوا يثوبون ويثنون على علي عليه السلام ويدعون له .
وكان قد انكسر سيف علي عليه السلام ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : خذ هذا السيف ، فأخذ « ذا الفقار » ، وهزم القوم .
وروي عن أبي رافع بطرق كثيرة : أنّه لمّا انصرف المشركون يوم أحد بلغوا الروحاء(2)، قالوا : لا للكواعب أردفتم ، ولا محمدا صلى الله عليه و آله قتلتم ، ارجعوا .
فبلغ ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فبعث في آثارهم عليا عليه السلام في نفر من الخزرج ، فجعل لا يرتحل المشركون من منزل إلاّ نزله علي عليه السلام ، فأنزل اللّه تعالى : « الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ »(3) .
ص: 470
وفي خبر أبي رافع : أنّ النبي صلى الله عليه و آله تفل على جراحه ودعا له ، وبعثه خلف المشركين ، فنزلت فيه الآية .
الحجاج بن غلاظ السهمي :
للّه أيّ مذنب عن حربه
أعني ابن فاطمة المعمّ المخولا(1)
جادت يداك له بعاجل طعنةتركت طليحة للجبين مجندلا
وشددت شدّة باسل فكشفتهمبالسيف إذ يهوون أحول أحولا
وعللت سيفك بالدماء ولم يكنلتردّه حرّان حتى ينهلا(2)
* * *
قال أبو العلاء السروي :
وهل عرفنا وهل قالوا سواه فتى
بذي الفقار إلى أقرانه زلفا
يدعوا النزال وعجل القوم محتبس
والسامري بكفّ الرعب قد ترفا
مفرّج عن رسول اللّه كربته
يوم الطعان إذا قلب الجبان هفا(3)
* * *
وقال العلوي الجماني :
وواقع يوم أحد بهم جلاد
يزايل بين أعضاد الشؤون
ص: 471
فلم يترك لعبد الدار قدما
يقيم لواء طاغية اللعين
فأفضوا باللواء إلى صواب
فعانقه معانقة الوضين(1)
فخذّمه أبو حسن فأهوىصريعا لليدين وللجبين
ونودوا لا فتى إلاّ عليوليس لذي الفقار حشا جفون(2)
* * *
وقال السوسي :
وفي أحد سل عنه تخبر إذ أتى
إليه أبو سفيان في الشوك والشجر
فوافاه جبريل عن اللّه قائلاً
أبا قاسم الق الحديد على الحجر
فنادى الهزبر الليث حيدر في الوغى
وقال لهذا اليوم مثلك انتظر
وشبّهته إذ ذو الفقار بكفّه
كبدر الدجى في كفّه كوكب السحر
* * *
وقال ابن العلوية :
وله بأحد بعد ما في وجهه
شبح النبي وكلّم الشفتان
وانقض منه المسلمون وأظهروا
متطايرين تطاير الخيفان
ص: 472
ونداؤهم قتل النبي وربّنا
قتل النبي فكان غير معان
ويقول قائلهم ألا يا ليتنا
نلنا أمانا من أبي سفيان
وأبو دجانة والوصيّ وصيّه
بالروح أحمد منهما يقيان
فرّوا وما فرّا هناك وأدبروا
وهما بحبل اللّه معتصمان
حتى إذا ولّى سماك مثخنا
فغشى عليه أيّما غشيان
وأخو النبي مطاعن ومضارب
عنه ومنه وقد وهى العضدان
يدعو أنا القضم القضاضة الذي
يقمي العدوّ إذا دنا الرحوان
* * *
وقال الحميري :
وله بلاء يوم أحد صالح
والمشرقية تأخذ الأدبارا
إذ جاء جبريل فنادى معلنا
في المسلمين وأسمع الأبرارا
لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى
إلاّ علي إن عددت فخارا
* * *
نصر ابن المنتصر الأنصاري :
ومن ينادي جبرئيل معلنا
والحرب قد قامت على ساق الورى
لا سيف إلاّ ذو الفقار فاعلموا
ولا فتى إلاّ علي في الوغى
* * *
ص: 473
ولغيره :
وسل بأحد يوم أردى طلحة
بصارم مثل الشهاب المشتعل
وخلّف العبد صوابا جاثما
يبكيه ذو الودّ بدمع مقتبل
* * *
ص: 474
ص: 475
ص: 476
أبو كريب ومحمد بن يحيى الأزدي في أماليهما ، ومحمد بن إسحاق والعمادي في مغازيهما ، والنطنزي والبلاذري في تاريخيهما ، والثعلبي والواحدي في تفسيريهما ، وأحمد بن حنبل وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما ، وأحمد والسمعاني وأبو السعادات في فضائلهم ، وأبو نعيم في حليته ، والأشنهي في إعتقاده ، وأبو بكر البيهقي في دلائل النبوة ، والترمذي في جامعه ، وابن ماجة في سننه ، وابن بطّة في إبانته من سبع عشرة طريقا :
عن عبد اللّه بن عباس ، وعبد اللّه بن عمر ، وسهل بن سعد ، وسلمة بن الأكوع ، وبريدة الأسلمي ، وعمران بن الحصين ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه ، وأبو سعيد الخدري ، وجابر بن عبد اللّه الأنصاري ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبي هريرة : أنّه لمّا خرج مرحب برجله بعث النبي صلى الله عليه و آله أبا بكر برايته مع المهاجرين في راية بيضاء ، فعاد يؤنب قومه ويؤنبونه .
ثم بعث عمر من بعده ، فرجع يجبن أصحابه ويجبنونه ، حتى ساء النبي صلى الله عليه و آله ذلك ، فقال : لأعطين الراية غدا رجلاً يحبّ اللّه ورسوله ، ويحبّه اللّه ورسوله ، كرّارا غير فرّار ، يأخذها عنوة(1) .
ص: 477
وفي رواية : يأخذها بحقّها(1) .
وفي رواية : لا يرجع حتى يفتح اللّه على يديه(2) .
فمن أحقّ بهذا الأمر من رجل
يحبّه اللّه بل من ثم يشرفه
أحبّ ذا الخلق عند اللّه أكرمه
وأكرم الخلق أتقاه وأرأفه
* * *
البخاري ومسلم أنّه قال : لمّا قال النبي صلى الله عليه و آله حديث الراية بات الناس يذكرون ليلتهم أيّهم يعطاها ، فلمّا أصبح الصبح غدوا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله كلّهم يرجو أن يعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب عليه السلام ؟ فقال : هو يشتكي عينيه ، فقال : فأرسلوا إليه ، فأتي به ، فتفل النبي صلى الله عليه و آله في عينيه ودعا له ، فبرأ ، فأعطاه الراية(3) .
وفي رواية ابن جرير ومحمد بن إسحاق : فغدت قريش يقول بعضهم
ص: 478
لبعض : أمّا علي عليه السلام فقد كفيتموه ، فإنّه أرمد لا يبصر موضع قدمه ، فلمّا أصبح قال : ادعوا لي عليا عليه السلام ، فقالوا : به رمد ، فقال : أرسلوا إليه وادعوه .
فجاء على بغلته وعينه معصوبة بخرقة برد قطري ، فأخذ سلمة بن الأكوع بيده ، وأتى به إلى النبي(1) صلى الله عليه و آله . . القصّة .
وفي رواية الخدري : أنّه بعث إليه سلمان وأبا ذر ، فجاءا به يقاد ، فوضع النبي صلى الله عليه و آله رأسه على فخذه وتفل في عينيه ، فقام وكأنّهما جزعان ، فقال له : خذ الراية وامض بها ، فجبرئيل عليه السلام معك ، والنصر أمامك ، والرعب مثبوت في صدور القوم ، واعلم - يا علي - أنّهم يجدون في كتابهم أنّ الذي يدمّر عليهم اسمه « إليا » ، فإذا لقيتهم فقل : أنا علي ، فإنّهم يخذلون إن شاء اللّه تعالى(2) .
فضائل السمعاني أنّه قال سلمة : فخرج أمير المؤمنين عليه السلام بها يهرول هرولة حتى ركز رايته في رضخ من حجارة تحت الحصن ، فاطلع إليه يهودي ، فقال : من أنت ؟ فقال : أنا علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فقال اليهودي : غلبتم وما أنزل على موسى عليه السلام(3) .
كتاب
ابن بطّة عن سعد وجابر وسلمة:فخرج يهرول هرولة وسعد يقول:
ص: 479
يا أبا الحسن ! أربع يلحق بك الناس ، فخرج إليه مرحب في عامّة اليهود ، وعليه مغفر وحجر قد ثقبه مثل البيضة على أمّ رأسه ، وهو يرتجز ويقول :
قد علمت خيبر أنّي مرحب
شاك سلاحي بطل مجرّب
أطعن أحيانا وحينا أضرب
إذا الليوث أقبلت تلتهب
* * *
فقال علي عليه السلام :
أنا الذي سمّتني أمّي حيدره
ضرغام آجام وليث قسوره
على الأعادي مثل ريح صرصره
أكيلكم بالسيف كيل السندره
أضرب بالسيف رقاب الكفره(1)
* * *
قال مكحول : فأحجم عنه مرحب لقول ظئر له : غالب كلّ غالب ، الحيدر بن أبي طالب(2) ، فأتاه إبليس في صورة شيخ ، فحلف أنّه ليس بذلك الحيدر ، والحيدر في العالم كثير ، فرجع(3) .
ص: 480
وقال الطبري وابن بطّة : روى بريدة أنّه ضربه على مقدّمه فقدّ الحجر والمغفر ، ونزل في رأسه حتى وقع في الأضراس ، وأخذ المدينة(1) .
والطبري في التاريخ والمناقب ، وأحمد في الفضائل ومسند الأنصار : أنّه سمع أهل العسكر صوت ضربته(2) .
وفي مسلم : لمّا فلق علي عليه السلام رأس مرحب كان الفتح(3) .
ابن ماجة في السنن : إنّ عليا عليه السلام لمّا قتل مرحب أتى برأسه إلى رسول
اللّه (4) صلى الله عليه و آله .
السمعاني في حديث ابن عمر : ، أنّ رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال : يا رسول اللّه ، اليهود قتلوا أخي ، فقال : لأعطين الراية(5) . . الخبر .
قال ابن عمر : فما تتامّ آخرنا حتى فتح لأوّلنا ، فأخذ علي عليه السلام قاتل الأنصاري ، فدفعه إلى أخيه فقتله(6) .
ص: 481
الواقدي : فواللّه ما بلغ عسكر النبي صلى الله عليه و آله أخيراه حتى دخل علي عليه السلام حصون اليهود كلّها ، وهي : قموص ، وناعم ، وسلالم ، ووطيخ ، وحصن المصعب بن معاد وغنم .
وكانت الغنيمة نصفها لعلي عليه السلام ونصفها لسائر الصحابة .
شعبة وقتادة والحسن وابن عباس : أنّه نزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه و آله فقال له : إنّ اللّه - تبارك وتعالى - يأمرك - يا محمد - ويقول لك : إنّي بعثت جبرئيل إلى علي عليه السلام لينصره ، وعزّتي وجلالي ، ما رمى علي عليه السلام حجرا إلى أهل خيبر إلاّ رمى جبرئيل عليه السلام حجرا ، فادفع - يا محمد - إلى علي عليه السلام
سهمين من غنائم خيبر ، سهما له وسهم جبرئيل عليه السلاممعه .
فأنشأ خزيمة بن ثابت هذه الأبيات :
وكان علي أرمد العين يبتغي
دواء فلمّا لم يحسّ مداويا
شفاه رسول اللّه منه بتفلة
فبورك مرقيّا وبورك راقيا
وقال سأعطي الراية اليوم صارما
كميّا محبّا للرسول مواليا
يحبّ الإله والإله يحبّه
به يفتح اللّه الحصون الأوابيا
فأصفى بها دون البريّة كلّها
عليا وسمّاه الوزير المواخيا(1)
ص: 482
قال المرتضى :
للّه درّ فوارس في خيبر
حملوا على الإسلام يوما منكرا
عصفوا بسلطان اليهود وأولجوا
تلك الجوانح لوعة وتحسّرا
واستلحموا أبطالهم واستخرجوا
الأزلام من أيديهم والميسرا
وبمرحب ألوى فتى ذو حمرة
لا تصطلي وبسالة لا تعترى
إن خرّ خرّ مطبّقا أو قال قال
مصدّقا أو رام رام مظفّرا
فثناه مصفّر البنان كأنّما
لطخ الحمام عليه صفّا مصفرا
تهفوا العقاب بشلوه ولقد هفت
زمنا به شمّ الذوائب والذرى
* * *
وقال الأسود :
أم من يقول له سأعطي رايتي
من لم يفرّ ولم يكن بجبان
رجلاً يحبّ اللّه وهو يحبّه
فيما ينال السبق يوم رهان
وعلى يديه يفتح اللّه بعدنا
وافى النبي بردّها الرجلان
فدعا عليا وهو أرمد لا يرى
أن تستمر بمشيه الرجلان
فهوى إلى عينيه يتفل فيهما
وعليهما قد أطبق الجفنان
فمضى بها مستبشرا وكأنّما
من ريقه عيناه مرآتان
فأتاه بالفتح النجيح ولم يكن
يأتي بمثل فتوحه العمران(1)
ص: 483
وقال ابن حماد :
ويوم خيبر إذ عادوا برايته
كما علمت لخوف الموت هرّابا
فقال إنّي سأعطيها غدا رجلاً
ما كان في الحرب فرّارا وهيّابا
يحبّه اللّه فانظر هل دعا أحدا
غير الوصيّ فقل إن كنت مرتابا
* * *
وله أيضا :
ويوم خيبر قد أخبرت من نكست
بالذلّ رايته والجبن والضرع
هناك قال رسول اللّه سوف غدا
يمضي بها رجل لم يؤت من جزع
فحين أوردها مولاي أصدرها
بالعزّ والنصر والإجلال والمنع
من بعد ما قلعت كفاه بابهم
ولم يكن قطّ لولاه بمقتلع
وخلّف العنكبوت الفحل مطرحا
قرا ومرحب للعقبان والخمع(1)
* * *
ومنها :
سيف علي بن أبي طالب
دانت وما دانت له عنوة
ذاك الذي دانت له خيبر
حتى قد هدى عرسها الأكبر
* * *
وله أيضا :
وصاحب يوم الفتح والراية التي
برجعتها أخزى الإله دلامها
وقال سأعطيها غدا رجلاً بها
ملبا يوفي حقّها وزمامها
ص: 484
وقال له خذ رايتي وامض راشدا
فما كنت أخشى من لديك انهزامها
فمرّ أمير المؤمنين مشمّرا
برايته والنصر يسري أمامها
فزجّ بباب الحصن عن أهل خيبر
وسقى الأعادي حتفها وحمامها
وجدّل فيها مرحبا وهو كبشها
وأوسع آناف اليهود ارتغامها
* * *
ومنها :
وفي خيبر في يوم لاقاه مرحب
وقد فرّ منه معشر فتصدّعوا
فقال رسول اللّه أحبو برايتي
فتى غير فرّار ولا يتزعزع
تقيّا يحبّ اللّه واللّه ربّه
أشدّ له حبّا وبالشكر يوزع
وكان علي أرمدا فدعا له
فأذهب عنه الحرّ والبرد أجمع
فناداه بالسيف الحسام ولم يزل
يقاتل أهل الشرك قدما ويقلع
وآب بنصر اللّه والفتح غانما
وقد حاز ما قد كان في الحصن يجمع
* * *
ص: 485
ومنها :
من ذاالذي قال الرسول بخيبر
والحرب مضرمة تريد صلاءا
أين الذي أحببته ويحبّه
الرحمن امتحن الغداة لواءا
حتى يكون ولم يفرّ ولم يزل
يفري الرقاب بسيفه إفراءا
وتحصّنوا منه بباب حديدهم
فدحا به قلعا فكان هباءا
واجتث دابرهم وفلّ جموعهم
وسبى من النسوان والأبناءا
* * *
ومنها :
ويوم الحصن إذ فجأت رجال
فوارس خيبر مستسلمينا
فولّى المسلمون وتبعتهم
خيول المشركين وقد ضرينا
فقال لهم رسول اللّه إنّي
سأحبو باللواء فتى أمينا
يحبّ اللّه وهو له محبّ
وليس يدين دين الهاربينا
يكرّ فلا يهلّل حين يلقى
إذا رعبت قلوب الخائفينا
فناولها أبا حسن عليا
يفلّ بها جموع الخيبرينا
وأيّده الإله بجند صدق
من الملأ الكرام الكاتبينا
فغادر مرحبا وبني بنيه
عراة بالدماء مرمّلينا
* * *
ومنها :
محمد النبي وقال إنّي
سأدفعها إلى يقظان سهم
سأعطيها غدا رجلاً أمينا
برئ الصدر من كذب وإثم
يحبّ اللّه ليس بذي ارتياب
جميع القلب يأخذها ويرمي
ص: 486
بها جيش الكتيبة لا يولّي
ولا يلقى بهم من غير قدم
فلمّا كان من غده دعاني
وفي العينين من رمد وغمّ
فداوى أحمد بالتفل عيني
وأكرمني برايته ابن عمّي
وشيّعني وأوصاني بتقوى
إلهي في الذي أيدي وأكمي
فلم أزجر بحمد اللّه حتى
صممت يهود خيبر أيّ صمّ
دخلت قموصها وقتلت ممّن
بها من ساكنيها كلّ قرم
* * *
ومنها :
من ذا الذي فجع اليهود بمرحب
إذ هابه عمر وفرّ فرارا
وأتى يجبّن صحبه وجميعهم
قد صادفوه هوايلاً غوّارا
قال النبي لأحبونّ برايتي
من عاش لا نكسا ولا خوّارا(1)
رجل أحبّ إلهه وأحبّه
لا ينثني حتى يبيح ديارا
فدعا أبا حسن فجاء وعينه
رمداء أشهره به إشهارا
فشفاه ممّا قد دهاه بتفلة
وأجاره منها فعاش مجارا
فسما بخيبر واستباح حريمهم
واجتثّهم من أصلهم وأبارا
* * *
ومنها :
سأعطي امرءا إن شاء ذو العرش رايتي
قويّا أمينا مستقلاً بها غدا
ص: 487
يحبّ إلهي والإله يحبّه
لدى الحرب ميمون النقيبة أصيدا
ففاز بها منه علي ولم يزل
علي معانا في الأمور مؤيّدا
على عادة منه جرت في عدوّه
وكلّ امرئ جار على ما تعوّدا
* * *
وقال شاعر آخر :
وأعطاه دون الناس راية خيبر
ولم ينصرف إلاّ بفتح ونصرة
* * *
وقال آخر :
خذ الراية الصفراء أنت أميرها
وأنت لكشف الكرب في الحرب تدخر
وأنت غدا في الحشر لا شكّ حامل
لوائي وكلّ الخلق نحوك تنظر
فصادفه شرّ البريّة مرحب
على فرس عال من الخيل أشقر
فجدّله في ضربة مع جواده
وأهوى ذبال السيف في الأرض يحفر
ص: 488
ومرّ أمين اللّه في الجو قائلاً
وقد أظهر التسبيح وهو مكبّر
ولا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى
لمعركة إلاّ علي الغضنفر
* * *
وقال آخر
فسل عنه في خيبر مرحبا
غداة الصهاكي منه ذعر
فمرّ أبو حسن حيدر
كليث العرين إذا ما انحدر
فرجّ ببابهم عنوة
فكم قد أباد وكم قد أسر
* * *
ص: 489
ص: 490
ص: 491
ص: 492
ابن مسعود والصادق عليه السلام في قوله تعالى : « وَكَفَى اللّهُ الْمُؤمِنِينَ الْقِتالَ »
بعلي بن أبي طالب عليهماالسلام وقتله عمرو بن عبد ودّ(1) .
وقد رواه أبو نعيم الأصفهاني فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام
بالإسناد عن سفيان الثوري عن رجل عن مرّة عن عبد اللّه (2) .
وقال جماعة من المفسرين في قوله تعالى : « اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ
جاءَتْكُمْ جُنُودٌ » أنّها نزلت في علي عليه السلام يوم الأحزاب .
ص: 493
ولمّا عرف النبي صلى الله عليه و آله اجتماعهم حفر الخندق بمشورة سلمان ، وأمر بنزول الذراري والنساء في الآكام .
وكانت الأحزاب على الخمر والغناء ، والمسلمون كأنّ على رؤوسهم الطير لمكان عمرو بن عبد ودّ العامري الملقب ب-« عماد العرب » ، وكان في مائة ناصية من الملوك وألف مقرعة(1) من الصعاليك ، وهو يعدّ بألف فارس .
فقيل في ذلك :
عمرو بن ودّ كان أوّل فارس
جزع المداد(2) وكان فارس يليل
* * *
سمّي فارس يليل ، لأنّه أقبل في ركب من قريش حتى إذا كان بيليل - وهو وادٍ - عرضت لهم بنو بكر ، فقال لأصحابه :
امضوا ، فمضوا وقام في وجوه بني بكر حتى منعهم من أن يصلوا إليه ، وكان الخندق المداد .
ص: 494
وقال : ولمّا انتدب عمرو للبراز جعل يقول : هل من مبارز ؟ والمسلمون يتجاوزون عنه(1) ، فركز رمحه على خيمة النبي صلى الله عليه و آله وقال : ابرز يا محمد !! فقال صلى الله عليه و آله : من يقوم إلى مبارزته فله الإمامة بعدي ؟ فنكل الناس عنه(2) .
قال حذيفة : قال النبي صلى الله عليه و آله : ادن منّي يا علي ، فنزع عمامته السحاب من رأسه وعمّمه بها تسعة أكوار(3) ، وأعطاه سيفه(4) ، وقال : امض لشأنك ، ثم قال : اللّهم أعنه(5) .
وروي : أنّه لمّا قتل عمرو أنشد :
ضربته بالسيف فوق الهامه
بضربة صارمة هدامه
أنا علي صاحب الصمصامه
وصاحب الحوض لدى القيامه
أخو رسول اللّه ذي العلامه
قد قال إذ عمّمني عمامه
أنت الذي بعدي له الإمامه(6)
* * *
ص: 495
محمد بن إسحاق : أنّه لمّا ركز عمرو رمحه على خيمة النبي صلى الله عليه و آله قال : يا محمد ابرز !
ثم أنشأ يقول :
ولقد بححت من النداء
بجمعكم هل من مبارز
ووقفت إذ جبن الشجاع
بموقف البطل المناجز
إنّي كذلك لم أزل
متسرّعا نحو الهزاهز(1)
إنّ الشجاعة والسماحةفي الفتى خير الغرائز
* * *
في كلّ ذلك يقوم علي عليه السلام ليبارزه ، فيأمره النبي صلى الله عليه و آله بالجلوس(2) لمكان بكاء فاطمة عليهاالسلام عليه من جراحاته في يوم أحد ، وقولها : ما أسرع أن يوتم الحسن والحسين عليه السلام باقتحامه الهلكات !!
فنزل جبرئيل عليه السلام عن اللّه - تعالى - أن يأمر عليا عليه السلام بمبارزته ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي ، ادن منّي وعمّمه بعمامته ، وأعطاه سيفه ، وقال : امض لشأنك ، ثم قال : اللّهم أعنه .
فلمّا توجّه إليه قال النبي صلى الله عليه و آله : خرج الإيمان سائره إلى الكفر سائره(3) .
ص: 496
قال السروجي :
ويوم عمرو العامري إذ أتى
في عسكر مل ء الفضاء قد انتشر
فكان من خوف اللعين قبل ذاك
محمد لخندق قد احتفر
نادى بصوت قد علا من جهله
يدعو عليا للبراز فابتدر
إليه شخص في الوغى عاداته
سفك دم الأقران بالعضب الذكر
فعندها قال النبي معلنا
والدمع في خدّ كأمثال الدرر
هذا هو الإسلام كلّ بارز
إلى جميع الشرك يا من قد حضر
* * *
قال محمد بن إسحاق : فلمّا لاقاه علي أنشأ يقول :
لا تعجلن فقد أتاك
مجيب صوتك غير عاجز
ذو نيّة وبصيرة
والصبر منجي كلّ فائز
إنّي لأرجو أن أقيم
عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقى
ذكرها عند الهزاهز(1)
* * *
ويروى له عليه السلام في أمالي النيسابوري :
يا عمرو قد لاقيت فارس بهمة(2)
عند اللقاء معاود الإقدام
يدعو إلى دين الإله ونصرهوالى الهدى وشرائع الإسلام
ص: 497
إلى قوله عليه السلام :
شهدت قريش والبراجم(1) كلّها
أن ليس فيها من يقوم مقامي
* * *
وروي : أنّ عمروا قال : ما أكرمك قرنا !
الطبري والثعلبي : قال علي عليه السلام : يا عمرو إنّك كنت في الجاهلية تقول : لا يدعوني أحد إلى ثلاثة إلاّ قبلتها ، أو واحدة منها ، قال : أجل .
قال : فإنّي أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأن تسلم لربّ العالمين ، قال : أخّر عنّي هذه .
قال : أما أنّها خير لك لو أخذتها ، ثم قال : ترجع من حيث جئت ، قال : لا تحدّث نساء قريش بهذا أبدا .
قال : تنزل تقاتلني ، فضحك عمرو وقال : ما كنت أظنّ أحدا من العرب يرومني عليها ، وإنّي لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك ، وكان أبوك لي نديما ، قال : لكنّي أحبّ أن أقتلك .
قال : فتناوشا ، فضربه عمرو في الدرقة(2) فقدّها ، وأثبت فيه السيف ، وأصاب رأسه فشجّه ، وضربه على عاتقه فسقط .
ص: 498
وفي رواية حذيفة : ضربه على رجليه بالسيف من أسفل ، فوقع على قفاه .
قال جابر : فثار بينهما قترة ، فما رأيتهما ، وسمعت التكبير تحتها ، وانكشف أصحابه حتى طفرت خيولهم الخندق ، وتبادر المسلمون يكبّرون ، فوجدوه على فرسه برجل واحدة يحارب عليا عليه السلام ، ورمى رجله نحو علي عليه السلام ، فخاف من هيبتها رجلان ووقعا في الخندق .
وقال الطبري : ووجدوا نوفلاً في الخندق ، فجعلوا يرمونه بالحجارة ، فقال لهم : قتلة أجمل من هذه ، ينزل بعضكم لقتالي ، فنزل إليه علي عليه السلام فطعنه في ترقوته بالسيف حتى أخرجه من مراقه .
ثم جرح منية بن عثمان العبدري ، فانصرف ومات في مكة .
وروي : ولحق هبيرة فأعجزه ، فضرب على قربوس سرجه وسقط درعه ، وفرّ عكرمة وضرار(1) .
فأنشأ أمير المؤمنين عليه السلام يقول :
وكانوا على الإسلام إلبا(2) ثلاثة
وقد فرّ من تحت الثلاثة واحد
ص: 499
وفرّ أبو عمرو هبيرة لم يعد
إلينا وذو الحرب المجرّب عائد
نهمتم سيوف الهند أن يقفوا لنا
غداه التقينا والرماح القواصد(1)(2)
* * *
قال جابر : شبهت قصّته بقصّة داود عليه السلام قوله تعالى « فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللّهِ » الآية .
قالوا : فلمّا جزّ رأسه من قفاه بسؤال منه ، قال علي عليه السلام :
أعلي تقتحم الفوارس هكذا
عنّي وعنهم خبّروا أصحابي
عبد الحجارة من سفاهة رأيه
وعبدت ربّ محمد بصوابي
اليوم تمنعني الفرار حفيظتي
ومصمّم في الهام ليس بناب
أرديت عمرا إذ طغى بمهنّد
صافي الحديد مجرّب قصّاب
لا تحسبن اللّه خاذل دينه
ونبيّه يا معشر الأحزاب
* * *
ص: 500
عمرو بن عبيد : لمّا قدم علي عليه السلام برأس عمرو استقبله الصحابة ، فقبّل أبو بكر رأسه(1) ، وقال : المهاجرون والأنصار رهين شكرك ما بقوا .
الواقدي والخطيب الخوارزمي عن عبد الرحمن السعدي بإسناده عن بهرم بن حكيم عن أبيه عن جدّه عن النبي صلى الله عليه و آله قال :
لمبارزة علي بن أبي طالب عليهماالسلام لعمرو بن عبد ودّ أفضل من عمل أمّتي إلى يوم القيامة(2) .
أبو بكر بن عياش : لقد ضرب علي عليه السلام ضربة ما كان في الإسلام أعزّ منها ، وضرب ضربة ما كان فيه أشأم منها(3) .
ويقال : أنّ ضربة ابن ملجم وقعت على ضربة عمرو .
ص: 501
ومن كلمات السيد :
وفي يوم جاء المشركون بجمعهم
وعمرو بن عبد في الحديد مقنّع
فجدّله شلوا صريعا لوجهه
رهينا بقاع حوله الضبع يجمع
وأهلكهم ربّي وردّوا بغيضهم
كما أهلكت عاد الطغاة وتبّع
* * *
ومنها :
وعمرو قد سقى كأسا بسلع
أقبّ كأنّه أسد مغير(1)
فنادى هل يرى حسب برازوهل عند امرئ حرّ نكير
* * *
ومنها :
ويوم سلع إذ أتى عاديا
عمرو بن عبد مصلتا يخطر
يخطر بالسيف مدلاًّ كما
يخطر فحل الصرمة الدوسر(2)
إذ جلّل السيف على رأسهأبيض عضبا حدّه مبتر
فخرّ كالجذع وأوداجهيثغب(3) منها حلب أحمر
ينفث من فيه دما معجلاًكأنّما ناظره العصفر
* * *
ص: 502
ومنها :
وعمرو بن عبد قدّمته شئانه
بأبيض مصقول الغرارين فصّال
كأنّ على أثوابه من نجيعه
عصير البرايا أو نضيحة جريال
غداة مشى الأكفاء من آل هشام
إلى عبد شمس في سرابيل أهوال
كأنّهم والسابغات عليهم
مصاعب أجمال مشت تحت أحمال
* * *
وقال ابن حماد :
من دعاه المصطفى عند انقطاع الحيل
يوم سلع والوغى يرمي بمثل الشعل
حين كان القوم من عمرو الكمّي البطل
أين صنوي أين صهري أين من هو بدلي
أين من يكشف عنّي كلّ خطب جلل
عندها أيقن عمرو باقتراب الأجل
بحسام من كمّي فالق للقلل
ثم ألقاه لقى الجسم تريب الحلل
وانثنى نحو أخيه غير ما محتفل
وغدا في الجوّ جبريل مليّا يسأل
رافع الصوت ينادي لا فتى إلاّ علي
* * *
ص: 503
وله أيضا :
وسل عنه في سلع وعن عظم فعله
بعمرو ونار الحرب تذكى اضطرامها
وأفئدة الأبطال ترجف خيفة
وقد أحقب الرعب الشديد كلامها
فقام إليه من أقام بسيفه
حلائله ثكلى تطيل التزامها
* * *
وقال ابن حجاج :
فديت فتى دعاه جبرئيل
وهم بين الخنادق في انحصار
وعمروا قد سقاه الموت صرفا
ذباب السيف مشحوذ الغرار
دعا أن لا فتى إلاّ علي
وأن لا سيف إلاّ ذو الفقار
* * *
وقال المرزكي :
وفي الأحزاب جاءتهم جيوش
تكاد الشامخات لها تميد
فنادى المصطفى فيه عليا
وقد كادوا بيثرب أن يكيدوا
فأنت لهذه ولكلّ يوم
تذلّ لك الجبابرة الأسود
فسقى العامري كؤوس حتف
فهزّمت الجحافل والجنود
* * *
ص: 504
وقال غيره :
ووقعة الأحزاب إذ طاولها
من خيفة الأبطال عقل البطل
والناس ممّا نالهم في حيرة
حول رسول اللّه عند الدلدل
وقد بدا عمرو وعمرو بطل
تخافه نفس الكمّي البطل
فذاق من سيف علي ضربة
أنسته طعم الرحيق السلسل
* * *
ص: 505
ص: 506
باب 6 : قضايا أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
فصل 1 : في قضاياه حال حياة النبي صلى الله عليه و آله
( 7 - 18 )
الآيات··· 9
فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ··· 9
حكمه في مكيدة حنظلة بن أبي سفيان··· 10
حكمه في ولد إختصم فيه ثلاثة نفر··· 11
حكمه في أربعة وقعوا في زبية الأسد··· 12
حكمه في القارصة والقامصة والواقصة··· 13
حكمه في قوم وقع عليهم حائط فقتلهم··· 14
حكمه في بقرة قتلت حمارا··· 14
حكمه في رجل أوطأ بعيره أدحي فكسر بيضها··· 15
ما أوّل نعمة رغّب اللّه بها وبلى بها ؟··· 15
ليهنك العلم يا أبا الحسن··· 16
الحمد للّه الذي جعل الحكمة فينا أهل البيت··· 17
ص: 507
فصل 2 : في قضاياه في عهد أبي بكر
( 19 - 28 )
حكمه في رجل شرب الخمر وقال لا علم لي بتحريمها··· 21
حكمه في رجل تزوّج بامرأة بكر فولدت عشيّة··· 21
حكمه في رجل قال لآخر أنّه احتلم بأمّه··· 22
حكمه في مسجد كلّما فرغوا من بنائه سقط··· 22
جوابه على أسئلة النصرانيين··· 23
حكمه في رجل خاصم النبي صلى الله عليه و آله في دراهم··· 24
معنى قوله تعالى وَفاكِهَةً وَأَبًّا··· 25
جوابه على سؤال رسول ملك الروم··· 25
جوابه على أسئلة رأس الجالوت··· 26
فصل 3 : في ذكر قضاياه في عهد عمر
( 29 - 56 )
لأحكمن فيكم بحكومة حكم اللّه بها··· 31
حكمه في امرأة قالت لرجل أنت أزنى منّي··· 32
قول عمر لمثل هذا نسألك عمّا اختلفنا فيه··· 32
لا أبقاني اللّه بعدك يا علي··· 32
حكمه في زوجة عنين··· 33
حكمه في محصنة فجر بها غلام صغير··· 34
لا أبقاني اللّه لمعضلة لم يكن لها أبو الحسن··· 34
ص: 508
حكمه في امرأة أنكحت في عدّتها··· 34
شعرة من آل أبي طالب أفقه من عدي··· 35
حكمه على خمسة نفر في زنا··· 35
حكمه في أمّ انتفت من ولدها··· 36
حكمه في حامل قد زنت··· 38
حكمه في السارق ثلاث مرات··· 38
إنّ الحجر الأسود يضرّ وينفع··· 39
حكمه في ابن أسود انتفى منه أبوه··· 39
حكمه بين عمر والأعرابي··· 40
حكمه في ما فضل من قسمة بيت المال··· 41
كما أنت حتى يجيء علي بن أبي طالب عليهماالسلام··· 41
حكمه في رجل قتله عبده دفاعا عن نفسه··· 42
حكمه في حجّاج أصابوا بيض نعّامة··· 43
حكمه في زوجة المفقود··· 44
حكمه في إمرأة ولدت لستّة أشهر··· 44
حكمه في بيع أهل السواد··· 45
حكمه في رجل اقتصّوا منه ثم عاش··· 46
حكمه في قدامة شارب الخمر··· 46
حكمه في مجنونة فجر بها··· 47
حكمه في امرأة دعاها عمر فأملصت خوفا··· 47
حكمه في إمرأتين تنازعتا في طفل··· 48
أين أبو الحسن عليه السلام مفرّج الكرب ؟··· 49
حكمه في امرأة اتهمتها ضرّتها بالخيانة··· 49
ص: 509
حكمه فيمن يأتي أهله ولا ينزل··· 50
حكمه في مولودين ملتصقين أحدهما ميّت··· 50
حكمه في حلي الكعبة··· 51
حكمه في المجوس··· 51
ما سمعت عليا عليه السلام يقول في المجوس ؟··· 52
حكمه في ابن شيخ نفاه إخوته··· 52
حكمه في امرأة اضطرت الى الزنا··· 53
أعوذ باللّه من معضلة لا علي عليه السلام لها··· 54
حكمه في امرأة استودعها رجلان وديعة··· 55
حكمه في عدد زوجات المملوك··· 55
حكمه في طلاق الأمة··· 56
فصل 4 : في ذكر قضاياه في عهد عثمان
( 57 - 66 )
حكمه عليه السلام في امرأة حملت من شيخ كبير فأنكره··· 59
حكمه عليه السلام في امرأة ولدت لستّة أشهر··· 59
حكمه عليه السلام في مسألة مشكلة··· 60
حكمه عليه السلام في مكاتبة زنت وقد عتق منها ثلاثة أرباع··· 60
حكمه بين أنصارية وهاشمية في ميراث··· 61
حكمه عليه السلام بحكم دانيال بتفريق الشهود··· 61
حديث دانيال··· 62
حكمه في المحرم يأكل الصيد··· 64
ص: 510
فصل 5 : في قضاياه فيما بعد بيعة العامّة
( 67 - 104 )
حكمه عليه السلام في امرأة وجنينها ماتا فزعا من القتال··· 69
حكمه عليه السلام في من قتل رجلاً خطأ وهو من بلد آخر··· 70
حكمه عليه السلام في عين فرس فقئت··· 71
حلف عليه السلام ليقتلن معاوية وأصحابه ثم استثنى··· 71
حكمه عليه السلام في رجل أمر عبده أن يقتل رجلاً··· 72
حكمه في ثلاثة اشتركوا في قتل رجل··· 72
حكمه عليه السلام في توريث مولود له رأسان وصدران على حقو واحد··· 73
حكمه عليه السلام في رجل له رأسان وقبلان ودبران . .··· 73
حكمه عليه السلام في بيضة خرجت من دجاجة ميتة··· 74
حكمه عليه السلام في زوجة لها ما للرجال وما للنساء··· 74
معضلة لها أبو الحسن عليه السلام··· 75
الفرق بين الطحال والكبد··· 76
لو كان لها علي بن أبي طالب عليهماالسلام··· 77
حكمه عليه السلام في مملوك قتل حرّا··· 77
حكمه عليه السلام في رجل يعزل عن امرأته فجاءت بولد··· 77
علّة ما يصلّى فيه من الثياب··· 78
من كلامه عليه السلام في العلل··· 78
علل مناسك الحجّ··· 79
حكمه في أربعة نفر اطلعوا في زبية الأسد ..··· 80
قضية حكم فيها ثلاثة شريح وأمير المؤمنين وداود عليهماالسلام··· 80
حديث حكم داود··· 82
ص: 511
حكمه عليه السلام في رجل وجد رجلاً يفجر بامرأته فقتله··· 82
حكمه عليه السلام على جماعتين في قضية إغراق رجل في الفرات··· 83
حكمه عليه السلام في جماعة سكروا واقتتلوا··· 83
حكمه عليه السلام في عبد ادعى أنّ ابن مولاه مملوكه··· 84
حكمه في امرأة أدخلت صديقها الحجلة فاقتتل مع زوجها··· 84
حكمه عليه السلام في رجل قال لوصيه اعطي ابني ما أحببت من مالي··· 85
حكمه في ثلاثة نفر اشتركوا في بعير ..··· 85
حكمه عليه السلام في امرأة تشبّهت لرجل بجاريته فوطأها··· 86
ردّت المرأة غيرى نغرة··· 86
حكمه عليه السلام في رجل غشى جارية امرأته··· 86
من يدلّني على الشاهدين أنكّلهما··· 86
حكمه عليه السلام في وصيّة بجزء المال ووصيّة بسهم··· 87
حكمه في تحديد معنى « قديم » ومعنى « حين »··· 87
حكمه في رجلين سرقا··· 88
حكمه في توريث عقبة بن عامر الجهني··· 88
حكمه عليه السلام في رجل ادعى أنّه نقص نفسه··· 89
حكمه عليه السلام في رجل ادعى أنّه ذهب بصره··· 89
معنى لا شيء··· 90
أجوبته عليه السلام على مسائل ملك الروم من معاوية··· 90
معنى المدّ والجزر··· 91
أجوبة مسائل ابن الكوا··· 91
مسائل يهوديّين عن الواحد الى المائة··· 93
ص: 512
جواب عدّة مسائل··· 96
جواب من سأله كيف أصبحت··· 97
سلوني قبل أن تفقدون··· 98
خطبة له عليه السلام مع شرحها عن الباقر عليه السلام··· 99
باب 7 : النصوص على إمامته عليه السلام
فصل 1 : في قوله تعالى : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ... »
( 105 - 122 )
إجماع الأمّة على نزول الآية فيه عليه السلام··· 107
رواية الواحدي··· 108
رواية الثعلبي··· 108
حديث الباقر عليه السلام··· 109
رواية أبي بكر الشيرازي··· 110
متى تصدّق عليه السلام بالخاتم ؟··· 110
تصدّق عمر بأربعين خاتما فلم ينزل فيه شيء··· 111
وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا··· 111
في الحساب··· 112
يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها··· 112
يا محمد لا تجزع إذا أمرت فلم تطع في وصيك··· 113
النتيجة··· 113
ص: 513
فصل 2 : في قوله تعالى : « وَالنَّجْمِ إِذا هَوى »
( 123 - 132 )
سقط النجم في بيت أمير المؤمنين··· 125
النجم الهاوي··· 126
إنّه عليه السلام سيد في الدنيا والآخرة··· 129
في الحساب··· 131
فصل 3 : في معنى قوله « أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ... »
( 133 - 148 )
نزول الآية في أئمتنا··· 135
حديث المنزلة··· 139
وجه الدليل في حديث المنزلة··· 140
فصل 4 : في قصّة يوم الغدير
( 149 - 196 )
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ . .··· 151
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ··· 155
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ..··· 157
آية الإكمال آخر ما نزل من القرآن··· 158
بشائر آية الإكمال··· 158
ص: 514
الغدير عيد المؤمنين الأكبر··· 159
الذين خرّجوا ورووا حديث الغدير··· 160
موقع غدير خم··· 163
من كنت مولاه فعلي مولاه··· 164
خطبة للصاحب··· 165
أشعار في الغدير··· 166
أصبحت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة··· 180
موقف المنافقين يوم الغدير··· 183
قريش تقترح المشاركة في الأمر !··· 184
ردّ اللّه على موقف المنافقين··· 186
موقف الحارث بن النعمان الفهري··· 188
يأس المنافقين بعد يوم الغدير··· 190
يؤتى يوم القيامة بقوم إمامهم ضبّ··· 191
دلالات قوله « من كنت مولاه .. »··· 193
فضل يوم الغدير··· 193
فصل 5 : في خاصف النعل
( 197 - 204 )
تهديده صلى الله عليه و آله قريش بخاصف النعل··· 199
خاصف النعل أولاهم بالحقّ··· 199
ص: 515
فصل 6 : في أنّه عليه السلام الوصي والولي
( 205 - 220 )
في أنّه عليه السلام الوصي··· 207
الاستدلال على الوصيّة مطلقا··· 207
الاستدلال على الوصية لأمير المؤمنين··· 207
أنّه عليه السلام خير الوصيّين··· 210
أنّه عليه السلام خاتم الوصيين··· 211
الاستدلال بالحساب··· 211
من كلام الصاحب··· 212
الإجماع على الوصيّة له عند وفاته صلى الله عليه و آله··· 212
شهادة أبي بكر بالوصيّة له عليه السلام··· 213
مناظرة هشام بحضور هارون العباسي··· 213
في أنّه عليه السلام الولي··· 217
الآيات··· 217
الأحاديث··· 217
النتيجة··· 219
فصل 7 : في أنّه عليه السلام أمير المؤمنين والوزير والأمين
( 221 - 238 )
في أنّه عليه السلام أمير المؤمنين··· 223
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا··· 223
ص: 516
أمر صلى الله عليه و آله بالتسليم عليه عليه السلام بإمرة المؤمنين··· 224
سمّاه النبي صلى الله عليه و آله أمير المؤمنين في حياته··· 226
اسمه في السماء أمير المؤمنين··· 227
اختصاص هذا اللّقب بالإمام علي عليه السلام··· 228
في علّة تسميته بأمير المؤمنين··· 229
متى سمّي أمير المؤمنين··· 229
علي عليه السلام أمير البررة··· 231
كان صلى الله عليه و آله يؤمّره على الناس لا يؤمّر عليه أحد··· 231
في أنّه عليه السلام الوزير··· 232
معنى الوزير··· 234
في أنّه عليه السلام الأمين··· 236
باب 8 : تعريف باطنه عليه السلام
فصل 1 : في أنّه أحبّ الخلق إلى اللّه - تعالى - وإلى رسوله
( 241 - 246 )
دلالة كونه أحبّ الخلق الى اللّه ··· 243
لم يذكر اللّه عليا عليه السلام إلاّ بخير··· 244
رضى اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله عنه عليه السلام··· 245
إنّه أولى بالمؤمنين··· 245
إنّه أفضل الأمّة··· 246
ص: 517
فصل 2 : في أنّه مع الحقّ والحقّ معه
( 247 - 256 )
الآيات··· 249
وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ··· 249
أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ··· 249
يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ··· 250
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ··· 250
وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ··· 250
لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ··· 251
أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ··· 251
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ··· 251
سورة العصر··· 251
تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ··· 252
الأخبار··· 253
الحقّ يدور حيث ما دار علي··· 253
إعتراف عائشة والصحابة··· 253
الإستدلال بهذا الخبر··· 255
فصل 3 : في أنّه الخليفة والإمام والوارث
( 257 - 268 )
في أنّه الخليفة··· 259
ص: 518
الخلفاء أربعة··· 259
نهى هارون العباسي أن يقال لعلي عليه السلام خليفة··· 261
في أنّه عليه السلام الإمام··· 263
الآيات··· 263
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ··· 263
وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً··· 263
يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ··· 264
في أنّه عليه السلام الوارث··· 267
فصل 4 : في أنّه عليه السلام خير الخلق بعد النبي صلى الله عليه و آله
( 269 - 282 )
إنّه خير البشر ومن أبى فقد كفر··· 271
قول جابر وحذيفة وعائشة في ذلك··· 271
قول المأمون··· 272
قول البغداديين والبصريين والمعتزلة··· 273
أنّه عليه السلام خير البرية··· 274
أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ··· 274
قول الصحابة··· 275
أنّه عليه السلام خير من خلّفه النبي صلى الله عليه و آله بعده··· 278
أنّه عليه السلام خير الرجال··· 278
أنّه عليه السلام خير الخلق والخليقة··· 279
أنّه عليه السلام خير هذه الأمّة··· 280
ص: 519
فصل 5 : في أنّه السبيل والصراط المستقيم والوسيلة
( 283 - 298 )
في أنّه عليه السلام السبيل··· 285
أنّه عليه السلام الفرقة الناجية··· 287
أنّه عليه السلام الصراط المستقيم··· 289
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ··· 289
فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ··· 290
الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِالآْخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ··· 290
أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ··· 290
وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً··· 291
وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ··· 291
هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ··· 291
هذا صِراط عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ··· 292
إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ··· 292
النتيجة··· 292
أنّه عليه السلام الوسيلة··· 295
فصل 6 : في أنّه حبل اللّه والعروة الوثقى وصالح المؤمنين ...
( 297 - 310 )
أنّه عليه السلام حبل اللّه ··· 299
أنّه عليه السلام العروة الوثقى··· 300
ص: 520
أنّه عليه السلام صالح المؤمنين··· 301
النتيجة··· 303
أنّه عليه السلام الأذن الواعية··· 304
أنّه عليه السلام النبأ العظيم··· 306
فصل 7 : في أنّه النور والهدى والهادي
( 311 - 326 )
أنّه عليه السلام النور··· 313
فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ··· 313
يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ··· 313
وَما يَسْتَوِي الأَْعْمى وَالْبَصِيرُوَلاَ الظُّلُماتُ وَلاَ النُّورُ··· 314
فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا··· 314
انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ··· 315
خلق ملائكة من نور وجه علي عليه السلام··· 316
أنّه عليه السلام الهدى··· 318
هُدىً لِلْمُتَّقِينَ··· 318
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى··· 318
لَمّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنّا بِه··· 319
وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى··· 319
إِلاّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ··· 319
آيتان نزلتا فيه··· 320
أنّه عليه السلام الهادي··· 321
إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ··· 321
ص: 521
في الحساب··· 323
أنّه عليه السلام أ مّة··· 324
النتيجة··· 324
وَإِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى··· 324
في الحساب··· 325
فصل 8 : في أنّه الشاهد والشهيد والشهداء وذو القرنين ...
( 327 - 340 )
أنّه عليه السلام الشاهد··· 329
أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ··· 329
في الحساب··· 330
النتيجة··· 331
أنّه عليه السلام الشهيد··· 332
وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤلاءِ شَهِيداً··· 332
قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ··· 332
لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ··· 332
وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ··· 333
الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ··· 333
أنّه عليه السلام ذو قرنيها··· 334
معنى « ذو قرنيها »··· 334
أنّه عليه السلام الفتى··· 336
أنّه عليه السلام البئر المعطلة··· 338
وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ··· 338
ص: 522
فصل 9 : في أنّه الصدّيق والفاروق والصدق والصادق ...
( 341 - 356 )
أنّه عليه السلام الصدّيق··· 343
الآيات··· 343
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ··· 343
مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ··· 344
النتيجة··· 344
الأخبار··· 345
أنّه عليه السلام الفاروق··· 348
علّة تسميته بالفاروق··· 348
أنّه عليه السلام الصدق··· 350
وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ··· 350
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ··· 350
أنّه عليه السلام الصادق··· 352
وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ··· 352
النتيجة··· 353
أنّه عليه السلام المعني بقوله ( سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا )··· 354
فصل 10 : في أنّه عليه السلام الإيمان والإسلام والدين والسنة ...
( 357 - 370 )
أنّه عليه السلام الإيمان··· 359
إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِْيمانِ··· 359
حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِْيمانَ··· 359
ص: 523
وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِْيمانِ··· 359
إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِْيمانِ فَتَكْفُرُونَ··· 360
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا··· 360
أنّه عليه السلام الإسلام··· 362
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الإِْسْلامُ··· 362
أنّه عليه السلام الدين··· 364
وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ··· 364
فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ··· 364
إِنَّ اللّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ··· 364
ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ··· 365
أنّه عليه السلام السنّة··· 366
سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا··· 366
أنّه عليه السلام السلام··· 367
ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً··· 367
أنّه عليه السلام القول··· 368
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ··· 368
إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ··· 368
وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ··· 368
وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ··· 369
فصل 11 : في أنّه عليه السلام حجّة اللّه وذكره وآيته وفضله ورحمته ونعتمه
( 371 - 386 )
أنّه عليه السلام الحجّة··· 373
ص: 524
في الحساب··· 373
أنّه عليه السلام الذكر··· 375
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً··· 375
إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ··· 376
ذِكْراً رَسُولاً··· 376
فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ··· 376
هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي··· 377
أنّه عليه السلام آياته··· 379
بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها··· 379
أنّه عليه السلام فضله··· 380
وَيُؤتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ··· 380
آيتان نزلتا فيه··· 380
أنّه عليه السلام رحمته··· 381
بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ··· 381
وَلَوْلا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ··· 381
يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ··· 382
أنّه عليه السلام نعمته··· 383
يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ··· 383
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً··· 383
ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ··· 383
وَأَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ··· 384
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي··· 384
ص: 525
فصل 12 : في أنّه الرضوان والإحسان والجنّة والفطرة ...
( 387 - 402 )
أنّه عليه السلام الرضوان··· 389
وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ··· 389
أنّه عليه السلام الإحسان··· 390
وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ··· 390
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِْحْسانِ··· 390
أنّه عليه السلام الحسنة والجنّة··· 391
مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها··· 391
وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً··· 391
أنّه عليه السلام الفطرة··· 393
فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها··· 393
ولاية علي بن أبي طالب حصني··· 393
أنّه عليه السلام دابّة الأرض··· 395
تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ··· 395
أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَْرْضِ··· 395
أنّه عليه السلام الكعبة والقبلة··· 397
أنّه عليه السلام بقية اللّه ··· 398
بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ··· 398
أنّه عليه السلام الساعة··· 399
بَلْ كَذَّبُوا بِالسّاعَةِ··· 399
ص: 526
أنّه عليه السلام اليسر··· 400
يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ··· 400
أنّه عليه السلام المقدّم··· 401
فصل 13 : في أنّه المعني بالإنسان والرجل والرجال ...
( 403 - 414 )
أنّه عليه السلام المعني بالإنسان··· 405
هَلْ أَتى عَلَى الإِْنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ··· 405
قُتِلَ الإِْنْسانُ··· 405
أنّه عليه السلام المعني بالرجل··· 407
وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ··· 407
أنّه عليه السلام المعني بالرجال··· 408
أنّه عليه السلام عبداللّه ··· 409
إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ··· 409
عبد اللّه افتخارا··· 409
أنّه عليه السلام المعني بالوالد··· 411
وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً··· 411
أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ··· 411
وَوالِدٍ وَما وَلَدَ··· 412
حقّه أعظم من حقّ الأبوين··· 412
ص: 527
فصل 14 : في تسميته بعلي والمرتضى وحيدرة وأبي تراب وغير ذلك
( 415 - 438 )
تسميته بعلي عليه السلام··· 417
مواضع ذكر اسم علي في القرآن··· 417
علّة تسميته بعلي عليه السلام··· 423
لم يسبقه أحد بالتسمية··· 423
لأنّه أعلى من ساجله في الحرب··· 424
لإنّ داره في الجنان تعلو··· 424
لأنّه زوّج في أعلى السماوات··· 425
لأنّه علا على منكب رسول اللّه صلى الله عليه و آله··· 426
لأنّه مشتق من اسم اللّه ··· 426
لأنّ له علوا في كلّ شيء··· 426
تسميته المرتضى··· 428
تسميته حيدرة··· 429
تسميته القضم··· 430
تسميته بأبي تراب··· 431
يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً··· 431
سمّاه النبي صلى الله عليه و آله أبا تراب··· 431
تسميته أصلع قريش··· 435
تسميته سيف اللّه ورحمته على أوليائه··· 436
تسميته أبا الحسن و أبا الحسين··· 437
تسميته شاهانشاه العرب··· 438
ص: 528
باب 9 : مختصر من مغازيه صلوات اللّه عليه
جهاده نوعان··· 441
فصل 1 : فيما نقل عنه في يوم بدر
( 451 - 462 )
الآيات··· 453
هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا··· 453
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ··· 454
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى··· 454
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ··· 454
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤمِنِينَ··· 455
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ··· 455
الأخبار··· 456
صاحب راية النبي صلى الله عليه و آله في بدر··· 456
قتلى أمير المؤمنين عليه السلام في بدر··· 456
أراجيزه عليه السلام يوم بدر··· 458
ما قيل من الشعر في يوم بدر··· 459
فصل 2 : فيما ظهر منه عليه السلام في يوم أُحد
( 463 - 474 )
الآيات··· 465
ص: 529
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً··· 465
وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ··· 465
الأخبار··· 466
مبارزته ابن أبي طلحة وأصحاب الألوية··· 466
انهزم الناس إلاّ علي عليه السلام ونفر قليل··· 467
أمير المؤمنين عليه السلام يلاحق المشركين··· 470
ما قيل من الشعر في يوم أحد··· 471
فصل 3 : في مقامه عليه السلام في غزوة خيبر
( 475 - 490 )
لأعطين الراية غدا رجلاً يحبّ اللّه ورسوله . .··· 477
دفعها له وهو أرمد··· 478
مبارزته عليه السلام مرحب اليهودي··· 479
أمير المؤمنين عليه السلام فاتح الحصون كلّها··· 481
سهمه عليه السلام من الغنائم··· 482
ما قيل من الشعر في يوم خيبر··· 482
فصل 4 : في قتاله عليه السلام في يوم الأحزاب
( 491 - 506 )
الآيات··· 493
وَكَفَى اللّهُ الْمُؤمِنِينَ الْقِتالَ··· 493
اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ··· 493
ص: 530
الأخبار··· 494
عمرو بن ودّ فارس يليل··· 494
مبارزته عمرو بن ودّ··· 495
مقتل ابن ودّ··· 498
تشابه موقف أمير المؤمنين وداود عليهماالسلام··· 500
شعر أمير المؤمنين لمّا جزّ رأس عمرو··· 500
أبو بكر يشكر أمير المؤمنين!··· 501
مبارزة الإمام أفضل من عمل الأمّة··· 501
أعزّ ضربة وأشأم ضربة في الإسلام··· 501
ما قيل من الشعر في يوم الأحزاب··· 502
الفهرست··· 507
ص: 531
عنوان و نام پديدآور:مناقب آل ابی طالب/ تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب. تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.
مشخصات نشر:قم: المکتبه الحیدریه، 1432ق = 1390.
مشخصات ظاهری:12ج
وضعیت فهرست نویسی:در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)
يادداشت:ج.9. (چاپ اول)
شماره کتابشناسی ملی:2481606
ص: 1
مناقب آل أبي طالب
تأليف الإمام الحافظ رشيد الدين أبي عبد اللّه محمد بن علي بن شهرآشوب
ابن أبي نصر بن أبي الجيش السروي المازندراني
المتوفى سنة 588 ه
الجزء السابع
تحقيق السيد علي السيد جمال أشرف الحسيني
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
السلاسل : اسم ماء .
أبو القاسم بن شبل الوكيل وأبو الفتح الحفار بإسنادهما عن الصادق عليه السلام ، ومقاتل والزجاج ووكيع والثوري والسدي وأبو صالح وابن عباس :
أنّه أنفذ النبي صلى الله عليه و آله أبا بكر في سبعمائة رجل ، فلمّا صار إلى الوادي وأراد الانحدار ، فخرجوا إليه فهزموه ، وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا .
فلمّا قدموا على النبي صلى الله عليه و آله بعث عمر ، فرجع منهزما .
فقال عمرو بن العاص : ابعثني يا رسول اللّه ، فإنّ الحرب خدعة ، ولعلّي أخدعهم ، فبعثه ، فرجع منهزما .
وفي رواية : أنّه أنفذ خالدا فعاد كذلك .
فساء النبي صلى الله عليه و آله ذلك ، فدعا عليا عليه السلام وقال : أرسلته كرّارا غير فرّار ، فشيّعه إلى مسجد الأحزاب ، فسار بالقوم متنكّبا عن الطريق يسير بالليل ويكمن بالنهار ، ثم أخذ على محجّة غامضة ، فسار بهم حتى استقبل الوادي من فمه ، ثم أمرهم أن يعكموا(1) الخيل ، وأوقفهم في مكان وقال : لا تبرحوا ، وانتبذ أمامهم ، وأقام ناحية منهم .
ص: 7
فقال خالد - وفي رواية قال عمر - : أنزلنا هذا الغلام في وادٍ كثير الحيّات والهوام والسباع ، أمّا سبع يأكلنا ، أو يأكل دوابنا ، وأمّا حيّات تعقرنا وتعقر دوابنا ، وأمّا يعلم بنا عدوّنا فيأتينا ويقتلنا .
فكلّموه : نعلو الوادي ، فكلّمه أبو بكر فلم يجبه ، فكلّمه عمر فلم يجبه ، فقال عمرو بن العاص : إنّه لا ينبغي أن نضيّع أنفسنا ، انطلقوا بنا نعلو الوادي ، فأبى ذلك المسلمون .
ومن روايات أهل البيت عليهم السلام : أنّه أبت الأرض أن تحملهم .
قالوا : فلمّا أحسّ عليه السلام الفجر قال : اركبوا بارك اللّه فيكم ، وطلع الجبل حتى إذا انحدر على القوم وأشرف عليهم ، قال لهم : اتركوا عكمة دوابكم .
قال : فشمّت الخيل ريح الإناث فصهلت ، فسمع القوم صهيل خيلهم ، فولّوا هاربين .
وفي رواية مقاتل والزجاج : أنّه كبس القوم وهم غادون ، فقال : يا هؤلاء ، أنا رسول رسول اللّه صلى الله عليه و آله إليكم أن تقولوا : « لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمدا رسول اللّه » وإلاّ ضربتكم بالسيف ، فقالوا : انصرف عنّا كما انصرف ثلاثة ، فإنّك لا تقاومنا ، فقال عليه السلام : إنّني لا انصرف ، أنا علي بن أبي طالب ، فاضطربوا ، وخرج إليه الأشداء السبعة ، وناصحوه وطلبوا الصلح ، فقال عليه السلام : إمّا الإسلام وإمّا المقاومة .
فبرز إليه واحد بعد واحد ، وكان أشدّهم آخرهم ، وهو سعد بن مالك العجلي ، وهو صاحب الحصن ، فقتلهم فانهزموا ، ودخل بعضهم في الحصن ، وبعضهم استأمنوا ، وبعضهم أسلموا ، وأتوه بمفاتيح الخزائن .
ص: 8
قالت أم سلمة : انتبه النبي صلى الله عليه و آله من القيلولة ، فقلت : اللّه جارك ما لك ؟ فقال : أخبرني جبرئيل بالفتح ، ونزلت « وَالْعادِياتِ ضَبْحاً » .
* * *
أبو منصور الكاتب :
أقسم بالعاديات ضبحا
حقّا وبالموريات قدحا
* * *
وقال المدني :
وقوله والعاديات ضبحا
يعني عليا ذا أغار صبحا
على سليم فشناها كفحا(1)
فأكثر القتل بها والجرحا
وأنتم في الفرش نايمونا
* * *
فبشر النبي صلى الله عليه و آله أصحابه بذلك ، وأمرهم باستقباله ، والنبي صلى الله عليه و آلهتقدّمهم .
فلمّا رأى علي عليه السلام النبي صلى الله عليه و آله ترجّل عن فرسه ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : اركب ، فإنّ اللّه ورسوله عنك راضيان ، فبكى علي عليه السلام فرحا .
فقال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي ، لولا أنّي أشفق أن تقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النصارى في المسيح(2) . . الخبر .
* * *
ص: 9
وقال العوني :
من ذا سواه إذا تشاجرت القنا
وأبى الكماة الكرّ والإقداما
وتصلصلت حلق الحديد وأظهرت
فرسانها التصجاج والإحجاما(1)
ورأيت من تحت العجاج لنقعهافوق المغافر والوجوه قتاما
كشف الإله بسيفه وبرأيهيظمى الجواد ويروي الصمصاما
ووزيره جبريل يقحمه الوغىطوعا وميكال الوغى إقحاما
* * *
وقال الحميري :
وفي ذات السلاسل من سليم
غداة أتاهم الموت المبين
وقد هزموا أبا حفص وعمرا
وصاحبه مرارا فاستطيروا
وقد قتلوا من الأنصار رهطا
فحلّ النذر أو وجبت نذور
أذاد الموت مشيخة ضخاما
جحاجحة يسدّ بها الثغور
* * *
ص: 10
ص: 12
قوله تعالى : « وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَْرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤمِنِينَ » يعني عليا عليه السلام ، وثمانية من بني هاشم .
ابن قتيبة في المعارف ، والثعلبي في الكشف : الذين ثبتوا مع النبي صلى الله عليه و آله يوم حنين بعد هزيمة الناس : علي عليه السلام ، والعباس والفضل ابنه ، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، ونوفل وربيعة أخواه ، وعبد اللّه بن الزبير بن عبد المطلب ، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب ، وأيمن مولى النبي صلى الله عليه و آله .
وكان العباس عن يمينه ، والفضل عن يساره ، وأبو سفيان ممسك بسرجه عند نفر بغلته ، وسائرهم حوله ، وعلي عليه السلام يضرب بالسيف بين يديه .
وفيه يقول العباس :
نصرنا رسول اللّه في الحرب تسعة
وقد فرّ من قد فرّ عنه فاقشعوا
* * *
وقال مالك بن عباد الغافقي :
لم يواس النبي غير بني هاشم
عند السيوف يوم حنين
ص: 13
هرب الناس غير تسعة رهط
فهم يهتفون للناس أين
ثم قاموا مع النبي على الموت
فآبوا زينا لنا غير شين
* * *
وقال خطيب منبج :
وقد ضاقت فجاج الأرض جمعا
عليهم ثم ولّوا مدبرينا
وليس دون النبي سوى علي
يقارع دونه المتحاربينا
وعباس يصيح بهم أثيبوا
ليثبتهم وهم لا يثبتونا
فأومى جبرئيل إلى علي
وقد صار الثرى بالنقع طينا
فقال هو الوفي فهل رأيتم
وفيّا مثله في العالمينا
* * *
وقال المرزكي :
ويوم حنين إذ ولّوا هزيما
وقد نشرت من الشرك البنود(1)
فغادرهم لدى الفلوات صرعىولم تغن المغافر والحديد
فكم من غادر ألقاه شلواعفير الترب يلثمه العبيد
هم بخلوا بأنفسهم وولّواوحيدرة بمهجته يجود
* * *
فكانت الأنصار خاصة تنصرف إذ كمن أبو جرول على المسلمين ،
ص: 14
وكان على جمل أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام هوازن ، إذا أدرك أحدا طعنه برمحه ، وإذا فاته الناس دفع لمن وراه ، وجعل يقتلهم ، وهو يرتجز :
أنا أبو جرول لا براح
حتى يبيح القوم أو يباح
* * *
فنهد له أمير المؤمنين عليه السلام فضرب عجز بعيره فصرعه، ثم ضربه ففطره(1).
ثم قال :
قد علم القوم لدى الصباح
أنّي لدى الهيجاء ذو نطاح
* * *
فانهزموا .
وعدّ قتلى علي عليه السلام فكانوا أربعين(2) .
وقال
عليه السلام :
ألم تر أنّ اللّه أبلى رسوله
بلاء عزيزا ذا اقتدار وذا فضل
بما أنزل الكفار دار مذلّة
فذاقوا هوانا من إسار ومن قتل
فأمسى رسول اللّه قد عزّ نصره
وكان رسول اللّه أرسل بالعدل
فجاء بفرقان من اللّه منزل
مبيّنة آياته لذوي العقل
ص: 15
فأنكر أقوام فزاغت قلوبهم
فزادهم الرحمن خبلاً إلى خبل(1)
* * *
وقال سلامة :
أين كانوا في حنين ويلهم
وضرام الحرب تخبو وتهب
ضاقت الأرض على القوم بما
رحبت فاستحسن القوم الهرب
* * *
ص: 16
في غزوات شتى(1)
وفي غزاة الطائف كان النبي صلى الله عليه و آله حاصرهم أياما ، وأنفذ عليا عليه السلام في خيل ، وأمره أن يطأ ما وجد ، ويكسر كلّ صنم وجده .
فلقيته خيل خثعم وقت الصبوح في جموع ، فبرز فارسهم وقال : هل من مبارز ؟
فقال النبي صلى الله عليه و آله : من له ؟ فلم يقم أحد ، فقام إليه علي عليه السلام ، وهو يقول :
إنّ على كلّ رئيس حقّا
أن يروي الصعدة أو يدقّا(2)
* * *
ثم ضربه فقتله ، ومضى حتى كسر الأصنام ، فلمّا رآه النبي صلى الله عليه و آله كبر للفتح ، وأخذ بيده وناجاه طويلاً .
ثم خرج من الحصن نافع بن غيلان بن مغيث ، فلقيه علي عليه السلام ببطن « وج(3) » ، فقتله وانهزموا(4) .
ص: 17
وفي يوم الفتح برز أسد بن غويلم قاتل العرب ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : من خرج إلى هذا المشرك فقتله فله على اللّه الجنّة ، وله الإمامة بعدي ، فاحرنجم(1) الناس ، فبرز علي عليه السلام فقال :
ضربته بالسيف وسط الهامه
بضربة صارمة هدامه
فبتكت(2) من جسمه عظامه
وبيّنت من رأسه عظامه(3)
* * *
وقتل عليه السلام من بني النظير خلقا منهم « غرور » الرامي إلى خيمة النبي صلى الله عليه و آله .
فقال حسان :
للّه أيّ كريهة أبليتها
ببني قريظة والنفوس تطلع
أردى رئيسهم وآب بتسعة
طورا يشلّهم وطورا يدفع(4)
* * *
وقال السوسي :
فلمّا أتاهم حيدر قال ذا لذا
أتاكم مليك الأمر فالحذر الحذر
أتاكم فتى ما فرّ قطّ خلاف من
كمن زاركم يوما برايته وفرّ
فلاقاهم مولاي بالسيف ضاربا
كجمر الغضا لم يبق منه ولم يذر
ص: 18
وأنفذ النبي صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام إلى بني قريظة وقال : سر على بركة اللّه .
فلمّا أشرفوا ورأوا عليا عليه السلام قالوا : أقبل إليكم قاتل عمرو .
وقال آخر :
قتل علي عمرو
صاد علي صقرا
قصم علي ظهرا
هتك علي سترا
* * *
فقال علي عليه السلام : الحمد للّه الذي أظهر الإسلام وقمع الشرك ، فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فقتل علي عليه السلام منهم عشرة .
وقتل عليه السلام في بني المصطلق مالكا وابنه(1) .
قال شاعر :
إمامي الذي حسر الكرب
عن وجه أحمد حتى انحسر
ومن في حنين حنا سيفه
ظهورا من الشرك لمّا ظهر
ومن جزع الموت عمرو بن ودّ
كذلك عمرو بن معدي أسر
ويوم قريظة أخت النظير
لتقريظه فيه يوما أمر
* * *
ص: 19
تاريخ الطبري محمد بن إسحاق : لمّا انهزمت هوازن كانت رايتهم مع ذي الخمار ، فلمّا قتله علي عليه السلام أخذها عثمان بن عبد اللّه بن ربيعة ، فقاتل بها حتى قتل(1) .
قال المرزكي :
هذا الذي أردى الوليد وعتبة
والعامري وذا الخمار ومرحبا
* * *
ومن حديث عمرو بن معدي كرب : أنّه رأى أباه منهزما من خثعم على فرس له ، قال : انزل عنه فاليوم ظلم ، فقال له : إليك يا مائق(2) ، فقالوا : اعطه ، فركب ، ثم رمى خثعم بنفسه حتى خرج من بين أظهرهم ، ثم كرّ عليهم ، وفعل ذلك مرارا ، فحمل عليهم بنو زبيد ، فانهزمت خثعم ، فقيل له : « فارس اليمن » و« مائق بني زبيد »(3) .
وقال الشاعر :
إذا أنت ضاقت عليك الأمور
فناد بعمرو بن معدي كرب
* * *
ص: 20
الزمخشري في ربيع الأبرار : وكان إذا رأى عمر بن الخطاب عمرو بن معدي كرب قال : الحمد للّه الذي خلقنا وخلق عمروا(1) .
وكان كثيرا ما يسئل عن غاراته ، فيقول : قد محا سيف علي عليه السلام
الصنائع .
وقال العباس بن مرداس :
إذا مات عمرو قيل للخيل أوطئي
زبيدا فقد أودى بنجدتها عمرو
* * *
وقال العوني :
ومن منهم قدّ ابن ودّ بسيفه
وقاد ابن معدي بالعمامة خاضعا
وكان ابن معدي حين يلقاه واحد
يعدّ بألف منهم أن يدافعا
وكان أبو حفص يلذّ حديثه
بما كان من غاراته قبل شائعا
فنباه عنه إذ أتى بحديثه
علي فأضحى ساكنا متراجعا
فإن قيل حدّث قال قد جاء من محت
صنائعه بالسيف تلك الصنائعا
* * *
ومع مبارزته جذبه أمير المؤمنين عليه السلام والمنديل في عنقه حتى أسلم ، وكان أكثر فتوح العجم على يديه(2) .
ص: 21
قال ابن حماد :
وفي يوم سلع سقى العامري
عمرو بن ودّ كؤس السلع(1)
وجاء بعمرو بن معدي كربوهو للعتاة قديما قمع
* * *
وله أيضا :
والعنكبوت غداة جاء بجحفل
لجب الجوائب بالفوارس مزبد
فسقاه كأسا ظلّ بعد وروده
شرب المنيّة وهو عطشان صد
* * *
ص: 22
ص: 23
ص: 24
السدي : نزل قوله تعالى « وَاتَّقُوا فِتْنَةً » في أهل بدر خاصة ، فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا(1) .
الصادق عليه السلام في قوله تعالى : « وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَْرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ » قال : ما قوتل أهل هذه(2) ، يعني البصرة .
وقرأ أمير المؤمنين عليه السلام يوم البصرة : « وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ
ص: 25
وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ »
ثم قال : لقد عهد إليّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : يا علي ، لتقاتلن الفئة الناكثة ، والفئة الباغية ، والفرقة المارقة « إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ »(1) .
الأعمش عن شقيق وزر بن حبيش عن حذيفة ، وذكر السمعاني في الفضائل ، والديلمي في الفردوس عن جابر الأنصاري ، وروي عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام ، واللّفظ لهما في قوله تعالى « فَإِمّا نَذْهَبَنَّ بِكَ » يا محمد من مكة إلى المدينة « فَإِنّا » رادّوك منها و« مُنْتَقِمُونَ » منهم [ بعلي بن أبي طالب عليهماالسلام (2)] .
تفسير الكلبي : يعني حرب الجمل .
عمار وحذيفة وابن عباس والباقر والصادق عليهماالسلام : أنّه نزلت في علي عليه السلام « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ . . » . . الآية .
ص: 26
وروي عن علي عليه السلام يوم البصرة : واللّه ما قوتل على هذه الآية حتى اليوم(1) ، وتلا هذه الآية .
ابن عباس : لمّا علم اللّه أنّه ستجري حرب الجمل قال لأزواج النبي صلى الله عليه و آله « وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الأُْولى »(2) .
وقال تعالى « يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ » في حربها مع علي عليه السلام .
ص: 27
شعبة والشعبي والأعثم وابن مردويه وخطيب خوارزم في كتبهم بالأسانيد عن ابن عباس ومسعود وحذيفة وقتادة وقيس بن أبي حازم وأم سلمة وميمونة وسالم بن أبي الجعد ، واللّفظ له :
أنّه ذكر النبي صلى الله عليه و آله خروج بعض نسائه ، فضحكت عائشة ، فقال : انظري يا حميراء لا تكونين هي .
ثم التفت إلى علي عليه السلام فقال : يا أبا الحسن ، إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها(1) .
فقال الزاهي :
كم نهيت عن تبرّج فعصت
وأصبحت للخلاف متّبعه
قال لها في البيوت قرّي
فخالفته العفيفة الورعه
* * *
وقال السوسي :
وما للنساء وحرب الرجال
فهل غلبت قطّ أنثى ذكر
ولو أنّها لزمت بيتها
ومغزلها لم ينلها ضرر
ص: 28
وقال الحميري :
جاءت مع الأشقين في هودج
تزجى إلى البصرة أجنادها
كأنّها في فعلها هرّة
تريد أن تأكل أولادها
* * *
وقال الأحنف بن قيس :
حجابك أخفى للذي تسترينه
وصدرك أوعى للذي لا أقولها
فلا تسلكنّ الوعر صعبا محاله
فتغبرّ من سحب الملاء ذيولها
* * *
بلغ عائشة قتل عثمان وبيعة علي عليه السلام ب-« سرف(1) » ، فانصرفت إلى مكة تنتظر الأمر ، فتوجّه طلحة والزبير وعبد اللّه بن عامر بن كريز ، فعزموا على قتال علي عليه السلام ، واختاروا عبد اللّه بن عمر للإمامة ! فقال : أتلقوني بين مخالب علي عليه السلام وأنيابه ؟ ثم أدركهم يعلى بن منبه من اليمن وأقرضهم ستين ألف دينار(2) .
والتمست عائشة من أمّ سلمة الخروج فأبت(3) .
ص: 29
وسألت حفصة فأجابت(1) .
ثم خرجت عائشة في أوّل نفر .
فكتب الوليد بن عتبة :
بني هاشم ردّوا سلاح ابن أختكم
ولا تهبوه لا تحلّ مواهبه(2)(3)
* * *
وأنشأ لمّا ظفر أمير المؤمنين عليه السلام :
ألا يا أيّها الناس عندي الخبر
بأنّ الزبير أخاكم غدر
وطلحة أيضا حذا فعله
ويعلى بن منبه فيمن نفر(4)
* * *
فأنشأ أمير المؤمنين عليه السلام أبياتا منها :
فتن تحلّ بهم وهنّ شوارع
يسقى أواخرها بكأس الأوّل
فتن إذا نزلت بساحة أمّة
أذنت بعدل بينهم متنفّل
* * *
فتقدّمت عائشة إلى الحوأب - وهو ماء نسب إلى الحوأب بنت كليب بن وبرة - فصاحت كلابها ، فقالت : إنا للّه وإنا إليه راجعون ردّوني .
ص: 30
ذكر الأعثم في الفتوح ، والماوردي في أعلام النبوة ، وشيرويه في الفردوس ، وأبو يعلى في المسند ، وابن مردويه في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ، والموفق في الأربعين ، وشعبة والشعبي وسالم بن أبي الجعد في أحاديثهم ، والبلاذري والطبري في تاريخهما :
إنّ عائشة لمّا سمعت نباح الكلاب قالت : أيّ ماء هذا ؟ فقالوا : الحوأب ! قالت : إنا للّه وإنا إليه راجعون ، إنّي لهيته ، قد سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعنده نساؤه يقول : ليت شعري أيّتكنّ تنبحها كلاب الحوأب(1) ؟
وفي رواية الماوردي : أيّتكنّ صاحبة الجمل الأريب(2) تخرج فتنبحها كلاب الحوأب يقتل من يمينها ويسارها قتلى كثير ، وتنجو بعد ما كاد تقتل(3) .
قال الحميري :
تهوى من البلد الحرام فنبهت
بعد الهدوء كلاب أهل الحوأب
يحدو الزبير بها وطلحة عسكر
يا للرجال لرأي أم مشجب
ص: 31
ذئبان قادهما الشقاء وقادها
للخير فاقتحما بها في منشب
يا للرجال لرأي أمّ قادها
ذئبان يكتنفانها في أذؤب
أمّ تدبّ إلى ابنها ووليّها
بالمؤذيات له دبيب العقرب
* * *
وله أيضا :
أعائش ما دعاك إلى قتال
الوصي وما عليه تنقمينا
أ لم يعهد إليك اللّه ألاّ
تري أبدا من المتبرجينا
وأن ترخي الحجاب وأن تقرّي
ولا تتبرجي للناظرينا
وقال لك النبي أيا حميرا
سيبدي منك فعل الحاسدينا
وقال ستنبحين كلاب قوم
من الأعراب والمتعرّبينا
وقال ستركبين على خدب
وإنّني لعلي فيه ظالمة
ويا زبير أقيلاني أقيلاني
فأقسما قسما باللّه أنّهما
قد خلف الماء خلف المنزل الثاني
وطأطأت رأسها عمدا وقد علمت
بأنّ أحمد لم يخبر ببهتان
* * *
فلمّا نزلت الخريبة قصدهم عثمان بن حنيف وحاربهم ، فتداعوا إلى الصلح ، فكتبوا بينهم كتابا أنّ لعثمان دار الإمارة وبيت المال والمسجد إلى أن يصل إليهم علي عليه السلام .
فقال طلحة لأصحابه في السرّ : واللّه لئن قدم علي عليه السلام البصرة لنؤخذن بأعناقنا ، فأتوا على عثمان بياتا في ليلة ظلماء ، وهو يصلّي بالناس العشاء الآخرة ، وقتلوا منهم خمسين رجلاً ، واستأسروه ونتفوا شعره وحلقوا رأسه وحبسوه .
فبلغ ذلك سهل بن حنيف ، فكتب إليهما : أعطي اللّه عهدا لئن لم تخلّوا سبيله لأبلغن من أقرب الناس إليكما ، فأطلقوه .
ثم بعثا عبد اللّه بن الزبير في جماعة إلى بيت المال ، فقتل أبا سلمة الزطّي في خمسين رجلاً .
وبعثت عائشة إلى الأحنف تدعوه ، فأبى واعتزل بالجلحاء من البصرة في فرسخين ، وهو في ستّة آلاف .
ص: 33
فأمّر علي عليه السلام سهل بن حنيف على المدينة ، وقثم بن العباس على مكة ، وخرج في ستّة آلاف إلى الربذة ، ومنها إلى ذي قار(1) .
وأرسل الحسن عليه السلام وعمار إلى الكوفة ، وكتب : من عبد اللّه ووليّه علي أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة جبهة الأنصار وسنام العرب ، ثم ذكر فيه قتل عثمان ، وفعل طلحة والزبير وعائشة ، ثم قال : إنّ دار الهجرة قد قلعت بأهلها ، وقلعوا بها ، وجاشت جيش المرجل ، وقامت الفتنة على القطب ، فأسرعوا إلى أميركم ، وبادروا [ جهاد ]عدوّكم(2) .
فلمّا بلغا الكوفة ، قال أبو موسى الأشعري : يا أهل الكوفة ، اتقوا اللّه « وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً » « وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤمِناً مُتَعَمِّداً »
الآية ، فسكّته عمار ، فقال أبو موسى : هذا كتاب عائشة تأمرني أن تكفّ أهل الكوفة ، فلا تكونن لنا ولا علينا ، ليصل إليهم صلاحهم ، فقال عمار : إنّ اللّه - تعالى - أمرها بالجلوس فقامت ، وأمرنا بالقيام لندفع الفتنة فنجلس ؟
فقام زيد بن صوحان ومالك الأشتر في أصحابهما وتهدّدوه .
فلمّا أصبحوا قام زيد بن صوحان وقرأ : « الم أَحَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ » الآية ، ثم قال : أيّها الناس ، سيروا إلى
أمير المؤمنين عليه السلام ، وانفروا إليه أجمعين ، تصيبوا الحقّ راشدين .
ص: 34
ثم قال عمار : هذا ابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله يستنفركم فأطيعوه . . في كلام له .
وقال الحسن بن علي عليهماالسلام : أجيبوا دعوتنا ، وأعيوننا على ما بلينا به . . في كلام له .
فخرج قعقاع بن عمر وهند بن عمر وهيثم بن شهاب وزيد بن صوحان والمسيب بن نجيبة ويزيد بن قيس وحجر بن عدي وابن مخدوج والأشتر يوم الثالث في تسعة آلاف ، فاستقبلهم علي عليه السلام على فرسخ وقال : مرحبا بكم أهل الكوفة ، وفئة الإسلام ، ومركز الدين . . في كلام له .
وخرج إلى علي عليه السلام من شيعته من أهل البصرة من ربيعة ثلاثة آلاف رجل .
وبعث الأحنف إليه : إن شئت أتيتك في مائتي فارس فكنت معك ، وإن شئت اعتزلت ببني سعد ، فكففت عنك ستّة آلاف سيف ، فاختار علي عليه السلام اعتزاله(1) .
الأعثم في الفتوح : أنّه كتب أمير المؤمنين عليه السلام إليهما : أمّا بعد : فإنّي لم أرد الناس حتى أرادوني ، ولم أبايعهم حتى أكرهوني ، وأنتما ممّن أراد بيعتي .
ص: 35
ثم قال عليه السلام بعد كلام : ورفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه بعد إقراركما(1) .
البلاذري : لمّا بلغ عليا عليه السلام قولهما : ما بايعناه إلاّ مكرهين تحت السيف ! قال : أبعدهما اللّه أقصى دارا وأحرّ نارا .
الأعثم : وكتب عليه السلام إلى عائشة : أمّا بعد : فإنّك خرجت من بيتك عاصية للّه - تعالى - ولرسوله محمد صلى الله عليه و آله تطلبين أمرا كان عنك موضوعا ، ثم تزعمين أنّك تريدين الإصلاح بين المسلمين ، فخبّريني ما للنساء وقود العساكر والإصلاح بين الناس ، وطلبت كما زعمت بدم عثمان ، وعثمان رجل من بني أمية ، وأنت امرأة من بني تيم بن مرّة ، ولعمري إنّ الذي عرّضك للبلاء ، وحملك على العصبية لأعظم إليك ذنبا من قتلة عثمان ، وما غضبت حتى أغضبت ، ولا هجت حتى هيّجت ، فاتقي اللّه - يا عائشة - وارجعي إلى منزلك ، وأسبلي عليك سترك [ والسلام ] .
وقالت عائشة : قد جلّ الأمر عن الخطاب ، احكم كما تريد فلن ندخل في طاعتك(2) .
فأنشأ حبيب بن يساف الأنصاري :
أبا حسن أيقظت من كان نائما
وما كان من يدعى إلى الحقّ يتّبع
ص: 36
وإنّ رجالاً بايعوك وخالفوا
هواك وأجروا في الضلال وضيعوا
وطلحة فيها والزبير قرينه
وليس لما لا يدفع اللّه مدفع
وذكرهم قتل ابن عفان خدعة
هم قتلوه والمخادع يخدع(1)
* * *
وسأل ابن الكواء وقيس بن عباد أمير المؤمنين عليه السلام عن قتال طلحة والزبير ، فقال : إنّهما بايعاني بالحجاز وخلعاني بالعراق ، فاستحللت قتالهما لنكثهما بيعتي(2) .
تاريخ الطبري والبلاذري : أنّه ذكر مجيء طلحة والزبير إلى البصرة قبل الحسن عليه السلام ، فقال : يا سبحان اللّه ، ما كان للقوم عقول أن يقولوا : واللّه ما قتله غيركم(3) .
تاريخ الطبري : قال يونس النحوي : فكّرت في أمر علي عليه السلام وطلحة والزبير إن كانا صادقين أنّ عليا عليه السلام قتل عثمان ، فعثمان هالك ، وإن كذبا عليه فهما هالكان .
تاريخ الطبري : قال رجل من بني سعد :
صنتم حلائلكم وقدتم أمّكم
هذا لعمرك قلّة الإنصاف
ص: 37
أمرت بجرّ ذيولها في بيتها
فهوت تشقّ البيد بالإيجاف
عرضا يقاتل دونها أبناؤها
بالنبل والخطّي والأسياف(1)
* * *
وقال الحميري :
وبيعة ظاهر بايعتموها
على الإسلام ثم نقضتموها
وقد قال الإله لهنّ قرنا
فما قرّت ولا أقررتموها
يسوق لها البعير أبو حبيب
لحين أبيه إذ سيرتموها
* * *
وقال الناشي :
ألا يا خليفة خير الورى
لقد كفر القوم إذ خالفوكا
أدلّ الدليل على أنّهم
أتوك وقد سمعوا النصّ فيكا
خلافهم بعد دعواهم
ونكثهم بعد ما بايعوكا
طغوا بالخريبة واستنجدوا
بصفين والنهر إذ صالتوكا
أناس هم حاصروا نعثلاً
ونالوه بالقتل ما استأذنوكا
فيا عجبا منهم إذ جنوا
دما وبثاراته طالبوكا
* * *
وقال ابن حماد :
يبغون ثارا ما استحلّوا قتله
ورووا عليه الفسق والكفرانا
ص: 38
وأنفذ أمير المؤمنين عليه السلام زيد بن صوحان وعبد اللّه بن عباس ، فوعظاها وخوّفاها(1) .
وفي رامش أفزاي : أنّها قالت : لا طاقة لي بحجج علي عليه السلام(2) .
فقال ابن عباس : لا طاقة لك بحجج المخلوق ! فكيف طاقتك بحجج الخالق ؟!
جمل أنساب الأشراف : أنّه زحف علي عليه السلام بالناس غداة يوم الجمعة لعشر ليال خلون من جمادي الآخرة سنة ست وثلاثين :
وعلى ميمنته الأشتر وسعيد بن قيس .
وعلى ميسرته عمار وشريح بن هاني .
وعلى القلب محمد بن أبي بكر وعدي بن حاتم .
وعلى الجناح زياد بن كعب وحجر بن عدي .
وعلى الكمين عمرو بن الحمق وجندب بن زهير .
وعلى الرجالة أبو قتادة الأنصاري .
وأعطى رايته محمد بن الحنفية .
ص: 39
ثم أوقفهم من صلاة الغداة إلى صلاة الظهر يدعوهم ويناشدهم ، ويقول لعائشة : إنّ اللّه أمرك أن تقرّي في بيتك ، فاتقي اللّه وارجعي ، ويقول لطلحة والزبير : خبأتما نساءكما وأبرزتما زوجة رسول اللّه صلى الله عليه و آله واستنفرتماها ، فيقولان : إنّما جئنا للطلب بدم عثمان ، وأن يردّ الأمر شورى .
وألبست عائشة درعا ، وضربت على هودجها صفائح الحديد ، وألبس الهودج درعا(1) ، وكان الهودج لواء أهل البصرة ، وهو على جمل يدعى عسكرا(2) .
ابن مردويه في كتاب الفضائل من ثمانية طرق : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال للزبير : أما تذكر يوما كنت مقبلاً بالمدينة تحدّثني إذ خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله فرآك معي ، وأنت تبسم إليّ ، فقال لك : يا زبير ، أتحبّ عليا ؟ فقلت : وكيف لا أحبّه وبيني وبينه من النسب والمودّة في اللّه ما ليس لغيره ؟ فقال : إنّك ستقاتله وأنت ظالم عليه ، فقلت : أعوذ باللّه من ذلك(3) ؟
ص: 40
وقد تظاهرت الروايات أنّه قال عليه السلام : أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لك : يا زبير تقاتله ظلما وضرب كتفك ، قال : اللّهم نعم ، قال : أفجئت تقاتلني ؟ فقال : أعوذ باللّه من ذلك(1) .
قال الصاحب :
أفي القول نصّا للزبير محذّرا
تحاربه بالظلم حين تحارب
* * *
ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام : دع هذا ، بايعتني طائعا ، ثم جئت محاربا ، فما عدا ممّا بدا ؟ فقال : لا جرم - واللّه - لا قاتلتك(2) .
حلية الأولياء : قال عبد الرحمن بن أبي ليلى : فلقيه عبد اللّه ابنه فقال : جبنا جبنا ! فقال : يا بني قد علم الناس أنّي لست بجبان ، ولكنّي ذكرني علي عليه السلام شيئا سمعته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فحلفت أن لا أقاتله ، فقال : دونك غلامك فلان اعتقه كفارة ليمينك(3) .
نزهة الأبصار عن ابن مهدي أنّه قال همام الثقفي :
أيعتق مكحولاً ويعصي نبيه
لقد تاه عن قصد الهدى ثمّة عوق
لشتان ما بين الضلالة والهدى
وشتان من يعصي آله ويعتق(4)
* * *
ص: 41
وفي رواية قالت عائشة : لا - واللّه - بل خفت سيوف ابن أبي طالب ، أما أنّها طوال حداد تحملها سواعد أنجاد ، ولئن خفتها فلقد خافها الرجال من قبلك(1) .
فرجع إلى القتال ، فقيل لأمير المؤمنين عليه السلام : إنّه قد رجع ، فقال : دعوه ، فإنّ الشيخ محمول عليه .
ثم قال : أيّها الناس غضّوا أبصاركم ، وعضّوا نواجذكم ، وأكثروا من ذكر ربّكم ، وإياكم وكثرة الكلام ، فإنّه فشل(2) .
ونظرت عائشة إليه وهو يجول بين الصفين ، فقالت : انظروا إليه كأنّ فعله فعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم بدر ! أما - واللّه - ما ينتظر بكم(3) إلاّ زوال الشمس ، فقال علي عليه السلام : يا عائشة ، عمّا قليل لتصبحنّ نادمين .
فجدّ الناس في القتال ، فنهاهم أمير المؤمنين عليه السلام وقال : اللّهم إنّي أعذرت وأنذرت ، فكن لي عليهم من الشاهدين .
ثم أخذ المصحف وطلب من يقرأ عليهم « وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤمِنِينَ
ص: 42
اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما » الآية ، فقال مسلم المجاشعي : ها أنا ذا ، فخوّفه بقطع يمينه وشماله وقتله ، فقال : لا عليك يا أمير المؤمنين ، فهذا قليل في ذات اللّه ، فأخذه ودعاهم إلى اللّه ، فقطعت يده اليمنى ، فأخذه بيده اليسرى فقطعت ، فأخذه بأسنانه فقتل .
فقالت أمّه :
يا ربّ إنّ مسلما أتاهم
بمحكم التنزيل إذ دعاهم
يتلو كتاب اللّه لا يخشاهم
فزمّلوه زمّلت لحاهم(1)
* * *
فقال عليه السلام : الآن طاب الضراب(2) .
وقال لمحمد بن الحنفية والراية في يده : يا بني تزول الجبال ولا تزل ، عضّ ناجذك ، أعر اللّه جمجمتك ، تد في الأرض قدميك ، ارم ببصرك أقصى القوم ، وغضّ بصرك ، واعلم أنّ النصر من اللّه (3) .
ثم صبر سويعة ، فصاح الناس من كلّ جانب من وقع النبال ، فقال عليه السلام : تقدّم يا بني ، فتقدّم ، وطعن طعنا منكرا . وقال عليه السلام :
ص: 43
إطعن بها طعن أبيك تحمد
لا خير في حرب(1) إذا لم توقد
بالمشرفي والقنا المسدّدوالضرب بالخطّي والمهنّد(2)
* * *
فأمر الأشتر أن يحمل ، فحمل وقتل هلال بن وكيع صاحب ميمنة الجمل(3) .
وكان زيد يرتجز ويقول :
ديني ديني
وبيعي بيعي
وجعل مخنف بن مسلم يقول :
قد عشت يا نفس وقد غنيت
دهرا وقبل اليوم ما عييت
وبعد ذا لا شكّ قد فنيت
أما مللت طول ما حييت(4)
فخرج عبد اللّه بن اليثربي(5) قائلاً :
يا ربّ إنّي طالب أبا الحسن
ذاك الذي يعرف حقّا بالفتن
ص: 44
فبرز إليه علي عليه السلام قائلاً :
إن كنت تبغي أن ترى أبا الحسن
فاليوم تلقاه ملبّا فاعلمن
وضربه ضربة مجوفة(1) .
فخرج بنو ضبّة ، وجعل يقول بعضهم :
نحن بنو ضبّة أصحاب الجمل
والموت أحلى عندنا من العسل
ردّوا علينا شيخنا بمرتحل
إنّ عليا بعد من شرّ النذل(2)
وقال آخر :
نحن بنو ضبّة أعداء علي
ذاك الذي يعرف فيهم بالوصي(3)
وكان عمرو بن اليثربي يقول :
إن تنكروني(4) فأنا ابن اليثربي
قاتل علباء وهند الجملي(5)
ثم ابن صوحان على دين علي(6)
ص: 45
فبرز إليه عمار قائلاً :
لاتبرح العرصة يا ابن اليثربي
اثبت أقاتلك على دين علي(1)
وأرداه عن فرسه ، وجرّ برجله إلى علي عليه السلام فقتله بيده ، فخرج أخوه قائلاً :
أضربكم ولو أرى عليا
عمّمته أبيض مشرفيا
وأسمر عنطنطا(2) خطّيا
أبكي عليه الولد والوليّا
فخرج علي عليه السلام متنكّرا ، وهو يقول :
يا طالبا في حربه عليّا
يمنحه أبيض مشرفيّا
اثبت ستلقاه بها مليّا
مهذّبا سميدعا(3) كميّا
فضربه فرمى نصف رأسه(4) .
فناداه عبد اللّه بن خلف الخزاعي - صاحب منزل عائشة بالبصرة - أتبارزني ؟ فقال عليه السلام : ما أكره ذلك ، ولكن - ويحك - يا ابن خلف ما راحتك في القتل وقد علمت من أنا ؟ فقال : ذرني من بذخك(5) يا ابن أبي طالب(6) .
ص: 46
ثم قال :
إن تدن منّي يا علي فترا
فإنّني دان إليك شبرا
بصارم يسقيك كأسا مرّا
ها إنّ في صدري عليك وترا
فبرز إليه علي عليه السلام قائلا :
يا ذا الذي يطلب منّي الوترا
إن كنت تبغي أن تزور القبرا
حقّا وتصلى بعد ذاك جمرا
فادن تجدني أسدا هزبرا
أصعطك(1) اليوم ذعافا صبرا
فضربه فطير جمجمته .
فخرج مازن الضبّي قائلاً :
لا تطمعوا في جمعنا المكلّل
الموت دون الجمل المجلّل(2)
فبرز إليه عبد اللّه بن نهشل قائلاً :
إن تنكروني فأنا ابن نهشل
فارس هيجاء وخطب فيصل
فقتله .
ص: 47
وكان طلحة يحثّ الناس ويقول : عباد اللّه الصبر الصبر . . في كلام له(1) .
البلاذري : إنّ مروان بن الحكم قال : واللّه ما أطلب ثاري بعثمان بعد اليوم أبدا ، فرمى طلحة بسهم فأصاب ركبته ، والتفت إلى أبان بن عثمان وقال : لقد كفيتك أحد قتلة أبيك(2) .
معارف القتيبي: إنّ مروان قتل طلحة يوم الجمل بسهم، فأصاب ساقه(3).
قال الحميري :
واختل من طلحة المزهو حبته
سهم بكفّ قديم الكفر غدّار
في كفّ مروان مروان اللعين أرى
رهط الملوك ملوكا غير أخيار
* * *
وله أيضا :
واغتر طلحة عند مختلف القنا
عبل الذراع شديد أصل المنكب
فاختل حبّة قلبه بمدلق(4)
ريان من دم جوفه المتصبّب
في مارقين من الجماعة فارقواباب الهدى وجبا الربيع المخضب
* * *
ص: 48
وحمل أمير المؤمنين عليه السلام في بني ضبّة ، فما رأيتهم إلاّ كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف .
فانصرف الزبير فتبعه عمرو بن جرموز ، وحزّ رأسه ، وأتى به إلى أمير المؤمنين(1) عليه السلام . . القصّة .
قال الحميري :
أمّا الزبير فحاص حين بدت له
جاؤوا ببرق في الحديد الأشهب
حتى إذا أمن الحتوف وتحته
عاري النواهق ذونجاء صهلب(2)
أثوى ابن جرموز عمير شلوهبالقاع منعفرا كشلو التولب(3)
* * *
وقال غيره :
طار الزبير على إحصار ذي خضل
عبل الشوى لاحق المتنين محصار
حتى أتى واديا لاقى الحمام به
من كفّ محتبس كالصيد مغوار
* * *
ص: 49
فقالوا : يا عائشة ، قتل طلحة والزبير ، وجرح عبد اللّه بن عامر من يدي علي عليه السلام ، فصالحي عليا عليه السلام ، فقالت : كبر عمرو عن الطوق ، وجلّ أمر عن العتاب ، ثم تقدّمت .
فحزن علي عليه السلام وقال : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، فجعل يخرج واحد بعد واحد ، ويأخذ الزمام حتى قطع ثمان وتسعين رجلاً ، ثم تقدّمهم كعب بن سون(1) الأزدي ، وهو يقول :
يا معشر الناس عليكم أمّكم
فإنّها صلاتكم وصومكم
والحرمة العظمى التي تعمّكم
لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم
فقتله الأشتر(2) .
فخرج ابن جفير الأزدي يقول :
قد وقع الأمر بما لم يحذر
والنبل يأخذن وراء العسكر
وأمّنا في خدرها المشهّر
فبرز إليه الأشتر قائلاً :
اسمع ولا تعجل جواب الأشتر
واقرب تلاقي كأس موت أحمر
ينسيك ذكر الجمل المشهّر
ص: 50
فقتله ، ثم قتل عمير الغنوي وعبد اللّه بن عتاب بن أسيد ، ثم جال في الميدان جولاً وهو يقول :
نحن بنو الموت به غذينا
فخرج إليه عبد اللّه بن الزبير ، فطعنه الأشتر وأرداه ، وجلس على صدره ليقتله ، فصاح عبد اللّه :
اقتلوني ومالكا
واقتلوا مالكا معي
فقصد إليه من كلّ جانب ، فخلاّه وركب فرسه ، فلمّا رأوه راكبا تفرّقوا عنه(1) .
وشدّ رجل من الأزد على محمد بن الحنفية ، وهو يقول :
يا معشر الأزد كرّوا
فضربه ابن الحنفية فقطع يده وقال :
يا معشر الأزد فرّوا(2)
فخرج الأسود بن البختري السلمي قائلاً :
ارحم إلهي الكلّ من سليم
وانظر إليه نطرة الرحيم
ص: 51
فقتله عمرو بن الحمق(1) .
فخرج جابر الأزدي قائلاً :
يا ليت أهلي من عمار حاضري
من سادة الأزد وكانوا ناصري
فقتله محمد بن أبي بكر(2) .
وخرج عوف القيني(3) قائلاً :
يا أمّ يا أمّ خلا منّي الوطن
لا أبتغي القبر ولا أبغي الكفن
فقتله محمد بن الحنفية(4) .
فخرج بشر الضبي قائلاً :
ضبّة أبدي للعراق عمعمه(5)
وأضرمي الحرب العوان(6) المضرمه
فقتله عمار(7) .
* * *
ص: 52
وكانت عائشة تنادي بأرفع صوت : أيّها الناس ! عليكم بالصبر ، فإنّما يصبر الأحرار .
فأجابها كوفي :
يا أمّ يا أمّ عققت فاعلموا
والأم تغذو ولدها وترحم
أما تراكم من شجاع يكلم
وتجتلي هامته والمعصم(1)
وقال آخر :
قلت لها وهي على مهوات
إنّ لنا سواك أمهات
في مسجد الرسول ثاويات(2)
فقال الحجاج بن عمر الأنصاري :
يا معشر الأنصار قد جاء الأجل
إنّي أرى الموت عيانا قد نزل
فبادروه نحو أصحاب الجمل
ما كان في الأنصار جبن وفشل
فكلّ شيء ما خلا اللّه جلل
وقال خزيمة بن ثابت :
لم يغضبوا للّه إلاّ للجمل
والموت خير من مقام في جمل
والموت أحرى من فرار وفشل
ص: 53
وقال شريح بن هاني :
لاعيش إلاّ ضرب أصحاب الجمل
والقول لا ينفع إلاّ بالعمل
ما إن لنا بعد علي من بدل(1)
وقال هاني بن عروة المذحجي :
يا لك حرب حثّها جمّالها
قائدة ينقصها ضلالها
هذا علي حوله أقيالها
وقال سعد بن قيس الهمداني :
قل للوصي اجتمعت قحطانها
إن يك حرب أضرمت نيرانها(2)
وقال عمار :
إنّي لعمار وشيخي ياسر
صاح كلانا مؤمن مهاجر
طلحة فيها والزبير غادر
والحقّ في كفّ علي ظاهر
وقال الأشتر :
هذا علي في الدجى مصباح
نحن بذا في فضله فصاح(3)
ص: 54
وقال عدي بن حاتم :
أنا عدي ونماني حاتم
هذا علي بالكتاب عالم
لم يعصه في الناس إلاّ ظالم
وقال عمرو بن الحمق :
هذا علي قائد نرضى به
أخو رسول اللّه في أصحابه
من عوده النامي ومن نصابه
وقال رفاعة بن شداد البجلي :
إنّ الذين قطعوا الوسيله
ونازعوا على علي الفضيله
في حربه كالنعجة الأكيله
وشكّت السهام الهودج حتى كأنّه جناح نسر أو شوك قنفذ ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ما أراه يقاتلكم غير هذا الهودج ، اعقروا الجمل .
وفي رواية : عرقبوه ، فإنّه شيطان .
وقال لمحمد بن أبي بكر : انظر إذا عرقب الجمل فأدرك أختك فوارها .
فعرقب رجل منه ، فدخل تحته رجل ضبّي ، ثم عرقب أخرى عبد
الرحمن فوقع على جنبه ، فقطع عمار نسعه ، فأتاه علي عليه السلام ودقّ رمحه على
ص: 55
الهودج وقال : يا عائشة ، أهكذا أمرك رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تفعلي ؟ فقالت : يا أبا الحسن ، ظفرت فأحسن ، وملكت فاسجح(1)(2) ، فقال لمحمد بن أبي بكر : شأنك وأختك ، فلا يدن منها أحد سواك .
فقال : فقلت لها : ما فعلت بنفسك ؟ عصيت ربّك ، وهتكت سترك ، ثم أبحت حرمتك ، وتعرّضت للقتل(3) .
فذهب بها إلى دار عبد اللّه بن خلف الخزاعي ، فقالت : أقسمت عليك أن تطلب عبد اللّه بن الزبير جريحا كان أو قتيلاً ، فقال : إنّه كان هدفا للأشتر .
فانصرف محمد إلى العسكر فوجده ، فقال : اجلس يا مشؤوم أهل بيته ، فأتاها به ، فصاحت وبكت ، ثم قالت : يا أخي ، استأمن له من علي عليه السلام .
فأتى أمير المؤمنين عليه السلام فاستأمن له منه ، فقال عليه السلام : أمّنته ، وأمّنت جميع الناس(4) .
ص: 56
وكانت وقعة الجمل بالخريبة(1) ، ووقع القتال بعد الظهر وانقضى عند المساء .
فكان مع أمير المؤمنين عليه السلام عشرون ألف رجل ، منهم البدريون ثمانون رجلاً ، وممّن بايع تحت الشجرة مائتان وخمسون ، ومن الصحابة ألف وخمسمائة رجل .
وكانت عائشة في ثلاثين ألفا أو يزيدون ، منها(2) المكيون ستمائة رجل .
قال قتادة : قتل يوم الجمل عشرون ألفا(3) .
وقال الكلبي : قتل من أصحاب علي عليه السلام ألف راجل وسبعون فارسا(4) ، منهم : زيد بن صوحان ، وهند الجملي ، وأبو عبد اللّه العبدي ، وعبد اللّه بن رقبة(5) .
وقال أبو مخنف والكلبي : قتل من أصحاب الجمل من الأزد خاصّة أربعة آلاف رجل ، ومن بني عدي ، ومواليهم تسعون رجلاً ، ومن بني بكر بن وائل ثمانمائة رجل ، ومن بني حنظلة تسعمائة رجل ، ومن بني ناجية أربعمائة رجل ، والباقي من أخلاط الناس إلى تمام تسعة آلاف
ص: 57
إلاّ تسعين رجلاً(1) .
والقرشيون منهم : طلحة ، والزبير ، وعبد اللّه بن عتاب بن أسيد ، وعبد اللّه بن حكيم بن حزام ، وعبد اللّه بن شافع بن طلحة ، ومحمد بن طلحة ، وعبد اللّه بن أبي خلف الجمحي ، وعبد الرحمن بن معد ، وعبد اللّه بن معد .
وعرقب الجمل أولاً أمير المؤمنين عليه السلام ، ويقال : مسلم بن عدنان ، ويقال : رجل من الأنصار ، ويقال : رجل ذهلي .
وقيل لعبد الرحمن بن صرد التنوخي : لم عرقبت الجمل(2) ؟ فقال :
عقرت ولم أعقر بها لهوانها
عليّ ولكنّي رأيت المهالكا
وما زالت الحرب العوان تحثّها
بنوهاتها حتى هوى القود باركا
فأضجعته بعد البروك لجنبه
فخرّ صريعا كالثنية مالكا
فكانت شرارا إذ أطيقت بوقعه
فيا ليتني عرقبته قبل ذالكا
* * *
وقال عثمان بن حنيف :
شهدت الحروب فشيبنني
فلم أر يوما كيوم الجمل
أشدّ على مؤمن فتنة
وأقتل منهم لحرق بطل
فليت الظعينة في بيتها
ويا ليت عسكر لم يرتحل(3)
ص: 58
وقال ابن حماد :
كليم شمس رجعت
طوعا له في جحفل
مدحيّ باب خيبر
قتّال أهل الجمل
أنت مردي كلّ طاغ
في القرون الأول
سل به يوم صفين ويوم الجمل
* * *
وقال مهيار :
احتج قوم بعد ذاك بهم
بفاضحات ربّها يوم الجمل
فقيل فيهم من لوى ندامة
عنانه من المضاع فاعتزل
فأسرع العامل في قناته
فردّ بالكرّة كرّ وحمل
ومنهم من تاب بعد موته
وليس بعد الموت للمرء عمل
* * *
ص: 59
ص: 60
ص: 61
ص: 62
تفسير الحسن والسدي ووكيع والثعلبي ومسند أحمد : أنّه قال الزبير في قوله تعالى : « وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً » لقد لبثنا أزمانا ولا نرى من أهلها ، فإذا نحن المعنيون بها(1) .
قال السدي في قوله تعالى : « فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ » نزلت في حربين ، يوم صفين ويوم الجمل ، فسمّى اللّه أصحاب الجمل وصفين ظالمين ، ثم قال : « وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ » بالنصر والحقّ مع أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه .
قال بعض المفسرين في قوله تعالى : « قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَْعْرابِ
ص: 63
سَتُدْعَوْنَ » فيما بعد « إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ » إنّهم أهل صفين(1) ، وذلك أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال للأعراب الذين تخلّفوا عنه بالحديبية ، وعزموا على خيبر « قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللّهُ مِنْ قَبْلُ »(2) .
أبو سعيد الخدري وعبد اللّه بن عمر قالا في قوله تعالى : « ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ » كنّا نقول : ربّنا ونبيّنا واحد وديننا واحد ، فما هذه الخصومة ؟
فلمّا كان حرب صفين وشدّ بعضنا على بعض بالسيوف ، قلنا : نعم ، هو هذا(3) .
قال الباقر عليه السلام : قال أمير المؤمنين عليه السلام وهو يقاتل معاوية : « فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ » الآية ، هم هؤلاء وربّ الكعبة(4) .
قال ابن مسعود : قال النبي صلى الله عليه و آله : أئمة الكفر معاوية وعمرو بن العاص(5) .
ص: 64
قال محمد بن منصور :
أكرم بقوم فيهم عمّارهم
وتصول منه على العدى كفان
وأويس القرني يقدم جمعهم
حسبي بهذا حجّة وكفاني
* * *
ص: 65
ولمّا فرغ أمير المؤمنين عليه السلام من الجمل نزل في الرحبة ، السادس من رجب ، وخطب فقال : الحمد للّه الذي نصر وليّه وخذل عدوه ، وأعزّ الصادق المحقّ ، وأذلّ الناكث المبطل(1) .
ثم إنّه عليه السلام دعا الأشعث بن قيس من ثغر أذربيجان ، والأحنف بن قيس من البصرة ، وجرير بن عبد اللّه البجلي من همدان ، فأتوه إلى الكوفة(2) .
فوجّه جريرا إلى معاوية يدعوه إلى طاعته ، فلمّا بلّغها توقّف معاوية في ذلك حتى قدم شرحبيل الكندي ، ثم خطب فقال : أيّها الناس قد علمتم أنّي خليفة عمر وخليفة عثمان ، وقد قتل عثمان مظلوما ، وأنا وليّه وابن عمّه وأولى الناس بطلب دمه ، فماذا رأيكم ؟ فقالوا : نحن طالبون بدمه(3) .
ص: 66
فدعا عمرو بن العاص على أن يطعمه مصر ، فكان عمرو يأمر بالحمل والحط مرارا ، فقال له غلامه « وردان » : تفكّر أنّ الآخرة مع علي عليه السلام ، والدنيا مع معاوية ؟! فقال عمرو :
يا قاتل اللّه وردانا وفطنته
أبدى لعمري ما في الصدر وردان(1)
* * *
فلمّا ارتحل قال ابن عمرو له :
ألا يا عمرو ما أحرزت نصرا
ولا أنت الغداة إلى رشاد
أبعت الدين بالدنيا خسارا
وأنت بذاك من شرّ العباد
فانصرف جرير .
* * *
فكتب معاوية إلى أهل المدينة : إنّ عثمان قتل مظلوما ، وعلي آوى قتلته ، فإن دفعهم الينا كففنا عنه ، وجعلنا هذا الأمر شورى بين المسلمين ، كما جعله عمر عند وفاته ، فانهضوا - رحمكم اللّه - معنا إلى حربه .
ص: 67
فأجابوه بكتاب فيه :
معاوي إنّ الحقّ أبلج واضح
وليس كما ربّصت أنت ولا عمرو
نصبت لنا اليوم ابن عفان خدعة
كمانصب الشيخان إذ زخرف الأمر
رميتم عليا بالذي لم يضرّه
وليس له في ذاك نهي ولا أمر
وما ذنبه إن نال عثمان معشر
أتوه من الأحياء تجمعهم مصر
وكان علي لازما قعر بيته
وهمّته التسبيح والحمد والذكر
فما أنتما لا درّ درّ أبيكما
وذكركم الشورى وقد وضح الأمر
فما أنتما والنصر منّا وأنتما
طليق أسارى ما تبوح(1) بها الخمر(2)
* * *
ص: 68
وجاء أبو مسلم الخولاني بكتاب من عنده إلى أمير المؤمنين عليه السلاميذكر فيه : وكان أنصحهم للّه خليفته ! ثم خليفة خليفته ! ثم الخليفة الثالث المقتول ظلما ! فكلّهم حسدت ، وعلى كلّهم بغيت !! عرفنا ذلك ، ثم نظرك الشزر ، وقولك الهجر ، وتنفّسك الصعداء ، وإبطاؤك عن الخلفاء ، وفي كلّ ذلك تقاد كما يقاد الجمل المغشوش ، ولم تكن لأحد منهم أشدّ حسدا منك لابن عمّك ، وكان أحقّهم أن لا تفعل ذلك لقرابته وفضله ، فقطعت رحمه ، وقبّحت حسنه ، فأظهرت له العداوة ، وبطّنت له بالغشّ ، وألّبت الناس عليه ، فقتل معك في المحلّة ، وأنت تسمع الهائعة ، ولا تدرأ عنه بقول ولا فعل .
فلمّا وصل الخولاني وقرأ الكتاب على الناس ، قالوا : كلّنا قاتلون ، ولأفعاله منكرون .
فكان جواب أمير المؤمنين عليه السلام : وبعد ، فإنّي رأيت قد أكثرت في قتلة عثمان ، فادخل فيما دخل فيه المسلمون من بيعتي ، ثم حاكم القوم إليّ أحملك وإياهم على كتاب اللّه وسنة نبيه صلى الله عليه و آله ، وأمّا تلك التي تريدها ، فإنّها خدعة الصبي عن اللبن .
ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لعلمت أنّي من أبرأ الناس من دم عثمان ، وقد علمت أنّك من أبناء الطلقاء الذين لا تحلّ لهم الخلافة .
ص: 69
[ أمير المؤمنين عليه السلام يحضّ(1) الناس ]
وأجمع عليه السلام على المسير ، وحضّ الناس على ذلك(2) .
قال ابن مردويه : قال ابن أبي حازم التميمي وأبو وائل : قال أمير المؤمنين عليه السلام : انفروا إلى بقية الأحزاب أولياء الشيطان ، انفروا إلى من يقول : كذب اللّه ورسوله(3) .
وجاء رجل من عبس(4) إلى أمير المؤمنين عليه السلام فسئل : ما الخبر ؟ فقال : إنّ في الشام يلعنون قاتلي عثمان ، ويبكون على قميصه ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ما قميص عثمان بقميص يوسف ، ولا بكاؤهم عليه إلاّ كبكاء أولاد يعقوب .
فلمّا فتح الكتاب وجده بياضا فحوقل(5) .
فقال قيس بن سعد :
ولست بناج من علي وصحبه
وإن تك في جابلق لم تك ناجيا
* * *
ص: 70
وكتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام : ليت القيامة قد قامت ، فترى المحقّ من المبطل .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : « يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِها » الآية .
الشاذكوني : رفع رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام كتابا في آخره :
فازجر حمارك لا يرتع بروضتنا
إذا تردّ وقيذ العين مكروبا
* * *
فقال لعبد اللّه بن أبي رافع اكتب : إنّ بيعتي شملت الخاصّ والعامّ ، وإنّما الشورى للمؤمنين من المهاجرين الأوّلين ، والسابقين بالإحسان من البدريّين ، وإنّما أنت طليق ابن طليق ، لعين ابن لعين ، وثني ابن وثني ، ليست لك هجرة ، ولا سابقة ، ولا منقبة ، ولا فضيلة ، وكان أبوك من الأحزاب الذين حاربوا اللّه ورسوله ، فنصر اللّه عبده ، وصدق وعده ، وهزم الأحزاب .
ثم وقع في آخر الكلام :
ألم تر قومي إذ دعاهم أخوهم
أجابوا وإن يغضب على القوم يغضب(1)
ص: 71
وكتب معاوية : اتق اللّه - يا علي - وذر الحسد !!! فلطالما لم ينتفع به أهله ، ولا تفسدنّ سابقة قدمك بشرّ من حديثك ، فإنّ الأعمال بخواتيمها ، ولا تعمدنّ بباطل في حقّ من لا حقّ له ، فإنّك إن تفعل ذلك فلا تضرّ إلاّ نفسك ، ولن تمحق إلاّ عملك .
فأجابه عليه السلام بعد كلام : عظتي لا تنفع من حقّت عليه كلمة العذاب ، ولم يخف العقاب ، ولا يرجو للّه وقارا ، ولم يخف حذارا ، فشأنك وما أنت عليه من الضلالة والحيرة والجهالة تجد اللّه - عزّ وجلّ - في ذلك بالمرصاد .
ثم قال في آخره : فأنا أبو الحسن ، قاتل جدّك عتبة ، وعمّك شيبة ، وأخيك حنظلة ، الذين سفك اللّه دماءهم على يدي في يوم بدر ، وذلك السيف معي ، وبذلك القلب ألقى عدوّي .
ومن كلامه : متى ألفيت بني عبد المطلب عن الأعداء ناكلين ، وبالسيوف مخوّفين « فالبث قليلاً يلحق الهيجا جمل » ، فسيطلبك من تطلب ، وتقرّب منك من تستبعد ، وأنا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان ، شديد زحامهم ، ساطع قتامهم ، متسربلين سرابيل الموت ، أحبّ اللقاء إليهم لقاء ربّهم ، قد صحبتهم ذريّة بدريّة ، وسيوف هاشميّة ، قد عرفت مواقع نصالها في أخيك وخالك وجدّك ، وما هي من الظالمين ببعيد .
ص: 72
فنهاه عمرو عن مكاتبته ، ولم يكتب إلاّ بيتا :
ليس بيني وبين قيس عتاب
غير طعن الكلى وضرب الرقاب(1)
* * *
قال أمير المؤمنين عليه السلام : قاتلت الناكثين ، وهؤلاء القاسطين ، وسأقاتل المارقين(2) .
ثم ركب فرس النبي صلى الله عليه و آله وقصده في تسعين ألفا .
قال سعيد بن جبير : منها تسعمائة رجل من الأنصار ، وثمانمائة من المهاجرين .
وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى : سبعون رجلاً من أهل بدر ، ويقال : مائة وثلاثون رجلاً .
وخرج معاوية في مائة وعشرين ألفا يتقدّمهم مروان ، وقد تقلّد بسيف عثمان(3) ، فنزل صفين في المحرم على شريعة الفرات ، وقال :
أتاكم الكاشر عن أنيابه
ليث العرين جاء في أصحابه(4)
ص: 73
ومنعوا عليا عليه السلام وأصحابه الماء(1) ، فأنفذ علي عليه السلام شبث بن ربعي الرياحي ! وصعصعة بن صوحان ، فقالا في ذلك لطفا وعنفا ، فقالوا : أنتم قتلتم عثمان عطشا .
فقال عليه السلام : ارووا السيوف من الدماء ترووا من الماء ، فالموت في حياتكم مقهورين ، والحياة في موتكم قاهرين(2)(3) .
فقال الشاعر :
أتحمون الفرات على رجال
وفي أيديهم الأسل الظباء
وفي الأعناق أسياف حداد
كأنّ القوم عندهم النساء
وقال الأشتر :
ميعادنا الآن بياض الصبح
لا يصلح الزاد بغير ملح
وقال الأشعث :
لأوردنّ خيلي الفراتا
شعث النواصي أو يقال فاتا
ص: 74
وحملا في سبعة عشر ألف رجل حملة رجل واحد ، ففرّق بعضهم ، وانهزم الباقون ، فأمر علي عليه السلام أن لا يمنعوهم الماء .
وكان نزوله عليه السلام بصفين لليالي بقين من ذي الحجّة سنة ستّ وثلاثين .
فأمر معاوية للنقّابين أن ينقّبوا تحت معسكر علي عليه السلام متفرّقين ، ونودوا أنّه يجري عليكم الماء ، فقال : هذه خدعة ، فصاحوا ثم انقلبوا ، فلمّا أصبحوا رأوا معاوية في معسكرهم ، فقال علي عليه السلام :
فلو أنّي أطعت عصيت قومي
إلى ركن اليمامة أو شئام
ولكنّي إذا أبرمت أمرا
يخالفني أقاويل الطغام
* * *
فتقدّم الأشتر وقتل صالح بن فيروز العتلي ، ومالك بن الأدهم ، وزياد بن عبيد الكناني، وزامل بن عبيد الخزاعي ، ومالك بن روضة الجمحي مبارزة.
وطعن الأشعث لشرحبيل بن السمط ولأبي الأعور السلمي .
فخرج حوشب ذو الظليم وذو الكلاع في نفر ، فقالوا : امهلونا هذه الليلة ، فقالوا : لا نبيت إلاّ في معسكرنا ، فانكشفوا .
ص: 75
ثم إنّ عليا عليه السلام أنفذ سعيد بن قيس الهمداني وبشر بن عمرو الأنصاري ليدعواه إلى الحقّ ، فانصرفا بعدما احتجّا عليه .
ثم أنفد شبث بن ربعي الرياحي وعدي بن حاتم الطائي وبريدة بن قيس الأرحبي وزياد بن حفص بمثل ذلك .
فكان معاوية يقول : سلّموا قتلة عثمان لأقتلهم به ، ثم نعتزل الأمر حتى يكون شورى .
فتقاتلوا في ذي الحجّة ، وأمسكوا في المحرم ، فلمّا استهل صفر سنة سبع وثلاثين أمر علي عليه السلام ، فنودي في أهل الشام بالإعذار(1) والإنذار ، ثم عبأ عسكره :
فجعل على ميمنته : الحسن والحسين وعبد اللّه بن جعفر ومسلم بن عقيل عليهم السلام .
وعلى ميسرته : محمد بن الحنفية ومحمد بن أبي بكر وهاشم بن عتبة المرقال .
وعلى القلب : عبد اللّه بن العباس والعباس بن ربيعة بن الحارث والأشتر والأشعث .
ص: 76
وعلى الجناح : سعد بن قيس الهمداني وعبد اللّه بن بديل بن ورقاء الخزاعي ورفاعة بن شداد البجلي وعدي بن حاتم .
وعلى الكمين : عمار بن ياسر وعمرو بن الحمق وعامر بن واثلة الكناني وقبيصة بن جابر الأسدي(1) .
وجعل معاوية على ميمنته : ذا الكلاع الحميري وحوشب ذا الظليم .
وعلى الميسرة : عمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة .
وعلى القلب: الضحاك بن قيس الفهري وعبدالرحمن بن خالد بن الوليد.
وعلى الساقة : بسر بن أرطأة الفهري .
وعلى الجناح : عبد اللّه بن مسعدة الفزاري ، وهمام بن قبيصة النمري .
وعلى الكمين : أبا الأعور السلمي ، وحابس بن سعد الطائي(2) .
فبعث علي عليه السلام إلى معاوية أن اخرج إليّ أبارزك ، فلم يفعل(3) .
وقد جرى بين العسكرين أربعون وقعة يغلبها أهل العراق :
أوّلها : يوم الأربعاء بين الأشتر وحبيب بن مسلمة .
ص: 77
والثاني : بين المرقال وأبي الأعور السلمي .
والثالث : بين عمار وعمرو بن العاص .
والرابع : بين ابن الحنفية وعبيد اللّه بن عمر .
والخامس : بين عبد اللّه بن العباس والوليد بن عقبة .
والسادس : بين سعد بن قيس وذي الكلاع ، إلى تمام الأربعين وقعة آخرها ليلة الهرير(1) .
ص: 78
خرج عون بن عوف الحارثي قائلاً :
إنّي أنا عون أخو الحروب
صاحبها ولست بالهروب
* * *
فبارزه علقمة قائلاً :
يا عون لو كنت امرءا حازما
لم تبرز الدهر إلى علقمه
لقيت ليثا أسدا باسلاً
يأخذ بالأنفاس والغلصمه(1)
* * *
وخرج أحمر مولى عثمان قائلاً :
إنّ الكتيبة عند كلّ تصادم
تبكي فوارسها على عثمان
* * *
فأجابه كيسان مولى علي عليه السلام :
عثمان ويحك قد مضى لسبيله
فاثبت لحدّ مهنّد وسنان
* * *
فقتله الأحمر .
ص: 79
فقال علي عليه السلام : قتلني اللّه إن لم أقتلك ، أخذ بجربان درعه ورفعه وضربه على الأرض ، وجعل يجول في الميدان ويقول :
لهف نفسي وقليل ما أسر
ما أصاب الناس من خير وشر
لم أرد في الدهر يوما حربهم
وهم الساعون في الشرّ الشمر
* * *
فحث معاوية غلامه حريثا أن يغتال عليا عليه السلام في قتله ، فطيّر أمير المؤمنين عليه السلام قحفه في الهواء ، وجعل يجول ويقول :
ألا احذروا في حربكم أبا الحسن
فلا تروموه فذا من الغبن
فإنّه يدقّكم دقّ الطحن
ولا يخاف في الهياج من ومن(1)
* * *
وخرج عمرو بن العاص مرتجزا يقول :
لا عيش إن لم ألق يوما هاشما
ذاك الذي جشّمني المجاشما
ذاك الذي يشتم عرضي ظالما
ذاك الذي لم ينج منّي سالما
* * *
ص: 80
فبرز هاشم مرتجزا :
ذاك الذي نذرت فيه النذرا
ذاك الذي أعذرت فيه العذرا
ذاك الذي ما زال ينوي الغدرا
أو يحدث اللّه لأمر أمرا
* * *
فضربه هاشم(1) .
وخرج عبد الرحمن بن خالد بن الوليد يقول :
قل لعلي هكذا الوعيد
أنا ابن سيف اللّه لا مزيد
وخالد ابن نبته الوليد
قد فتر الحرب فزيدوا زيدوا
* * *
فبرز الأشتر مرتجزا يقول :
بالضرب أوفي ميتة مؤخره
يا ربّ جنّبني سبيل الفجره
ولا تخيّبني ثواب البرره
واجعل وفاتي بأكفّ الكفره
* * *
فضربه الأشتر ، فانصرف قائلاً : أفنانا دم عثمان ، فقال معاوية : هذه قاشرة(2) الصباة في اللعب ، فاصبر فإنّ اللّه مع الصابرين(3) .
ص: 81
وخرج معاوية يشير إلى همدان وهو يقول :
لا عيش إلاّ فلق قحف الهام
من أرحب ويشكر شبام
قوم هم أعداء أهل الشام
كم من كريم بطل همام
وكم قتيل وجريح ذام
كذاك حرب السادة الكرام
* * *
فبرز سعيد بن قيس يرتجز ويقول :
لاهمّ ربّ الحلّ والحرام
لا تجعل الملك لأهل الشام
* * *
فحمل وهو مشرع رمحه ، فولّى معاوية هاربا ، ودخل في غمار القوم ، وجعل قيس يقول :
يا لهف نفسي فاتني معاويه
على طم(1) كالعقاب هاويه
والراقصات لا يعود ثانيهإلاّ هوى معفرا في الهاويه(2)
* * *
وبرز أبو الطفيل الكناني قائلاً :
تحامت كنانة في حربها
وحامت تميم وحامت أسد
ص: 82
وهامت هوازن من بعدها
فما حام منها ومنهم أحد
طحنّا الفوارس يوم العجاج
وسقنا الأراذل سوق النكد(1)
* * *
وجال علي عليه السلام في الميدان قائلاً :
أنا علي فسألوني تخبروا
ثم ابرزوا لي في الوغى وابدروا
سيفي حسام وسناني يزهر
منّا النبي الطاهر المطّهر
وحمزة الخير ومنّا جعفر
وفاطم عرسي وفيها مفخر
هذا لهذا وابن هند محجر
مذبذب مطرد مؤخر(2)
* * *
فاستخلفه عمرو بن الحصين السكوني على أن يطعنه ، فرآه سعيد بن قيس فطعنه ، وأنشد :
أقول له وفي رمحي حشاه
وقد قرّت بمصرعه العيون
ألا يا عمرو عمرو بني حصين
وكلّ فتى ستدركه المنون
أتدرك أن تنال أبا حسين
بمعضلة وذا ما لا يكون
* * *
وأنفذ معاوية ذا الكلاع إلى بني همدان ، فاشتبكت الحرب بينهم إلى الليل ، ثم انهزم أهل الشام .
ص: 83
ثم أنشأ أمير المؤمنين عليه السلام أبياتا منها :
فوارس من همدان ليسوا بعزّل
غداة الوغى من شاكر وشبام
يقودهم حامي الحقيقة ماجد
سعيد بن قيس والكريم محام
جزى اللّه همدان الجنان فإنّهم
سهام العدى في كلّ يوم حمام(1)
* * *
وبرز أبو أيوب الأنصاري فنكلوا عنه ، فحاذى معاوية حتى دخل فسطاطه ، فترفّع ابن منصور ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام :
وعلّمنا الحرب آباؤنا
وسوف نعلّم أيضا بنينا
* * *
وخرج رجل في براز رجل كوفي ، فصرعه الكوفي فإذا هو أخوه ، فقالوا : خلّه ، فأبى أن يطلقه إلاّ بأمر علي عليه السلام ، فأذن له بذلك(2) .
وبرز عبد اللّه بن خليفة الطائي في جماعة من طي وارتجز :
ص: 84
يا طي طي السهل والأجبال
ألا أثبتوا بالبيض والعوالي
فقاتلوا أئمة الضلال(1)
* * *
وخرج من العسكر زهاء ألف رجل ، فاقتتلوا حتى لم يبق منهم أحد .
وفيهم يقول شبث بن ربعي :
وقاتلت الأبطال منّا ومنهم
وقام نساء حولنا ونحيب(2)
* * *
وخرج بسر بن أرطأة مرتجزا :
أكرم بجند طيّب الأردان
جاؤوا يكونوا أوليا الرحمن
إنّي أتاني خبر شجاني
أنّ عليا نال من عثمان
* * *
فبرز إليه سعيد بن قيس قائلا :
بؤسن لجند ضائع الإيمان
أسلمهم بسر إلى الهوان
إلى سيوف لبني همدان
* * *
فانصرف بسر من طعنته مجروحا(3) .
ص: 85
وخرج أدهم بن لام القضاعي مرتجزا :
أثبت لوقع الصارم الصقيل
فأنت لا شكّ أخو قتيل
* * *
فقتله حجر بن عدي .
فخرج الحكم بن الأزهر قائلاً :
يا حجر حجر بني عدي الكندي
اثبت فإنّي ليس مثلي بعدي
* * *
فقتله حجر .
فخرج إليه مالك بن مسهر القضاعي يقول :
إنّي أنا ابن مالك بن مسهر
أنا ابن عمّ الحكم بن الأزهر(1)
* * *
فأجابه حجر :
إنّي حجر وأنا ابن مسعر
أقدم إذا شئت ولا تؤخر
ص: 86
وبرز علقمة ، فأصيب في رجله ، وقتل من أهل العراق : عمير بن عبيد المحاربي ، وبكر بن هوذة النخعي وابنه حيّان ، وسعيد بن نعيم ، وأبان بن قيس ، فحمل علي عليه السلام فهزمهم ، فقال معاوية : كنت أرجو اليوم ظفرا .
وبرز الأشتر ، وجعل يقتل واحدا بعد واحد ، فقال معاوية في ذلك ، فبرز عمرو بن العاص في أربعمائة فارس إليه ، وتبع الأشتر مائتا رجل من نخع ومذحج ، وحمل الأشتر عليه ، فوقعت الطعنة في القربوس فانكسر ، وخرّ عمرو صريعا وسقطت ثناياه ، فاستأمنه .
وبرز الأصبغ بن نباتة قائلاً :
حتى متى ترجو البقا يا أصبغ
إنّ الرجاء للقنوط يدمغ
* * *
وقاتل حتى حرّك معاوية من مقامه .
وخرج عوف المرادي قائلاً :
أنا المرادي واسمي عوف
هل من عراقي عصاه سيف
ص: 87
فبرز إليه كعبر الأسدي قائلاً :
الشام فيها لقوي مغور
أنا العراقي واسمي كعبر
* * *
فقتله .
ورأى معاوية على تلّ فقصد نحوه ، فلمّا قرب منه حمل عليه مرتجزا :
ويلي عليك يا بني هند
أنا الغلام الأسدي حمد
* * *
فأخذه أهل الشام بالطعان والضراب ، فانسل من بينهم قائلاً :
فلو نلته نلت الذي ليس بعدها
من الأمر شيء غير مين(1) مقالي
ولو متّ من يتلى له ألف ميتةلقلت لما قد نلت لست أبالي
* * *
وخرج عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فبرز إليه حارثة بن قدامة السعدي فقتله .
ص: 88
وخرج أبو الأعور السلمي فانصرف من طعنة زياد بن كعب الهمداني مجروحا .
وقتل بنو همدان خلقا كثيرا من أهل الشام ، فقال معاوية :
« بنو همدان أعداء عثمان »
وبرز عمير بن عطارد التميمي في قومه قائلاً :
قد صابرت في حربها تميم
لها حديث ولها قديم
دين قديم وهدى قديم
* * *
فقاتلوا إلى الليل .
وبرز قيس بن سعد وقال :
أنا ابن سعد وأبي عباده
والخزرجيون رجال ساده
حتى متى أنثني إلى الوساده
يا ذا الجلال لقّني الشهاده
ص: 89
فخرج بسر بن أرطأة الفهري وارتجز :
أنا ابن أرطأة الجليل القدر
في أسرة من غالب وفهر
إن أرجع اليوم بغير وتر
فقد قضيت في ابن سعد نذري
* * *
فانصرف مجروحا من ضربة قيس .
وخرج المخارق بن عبد الرحمن وقتل المرادي ومسلم الأزدي ورجلين آخرين .
فبرز إليه علي عليه السلام متنكّرا فقتله ، وقتل سبعة بعده .
وخرج كريب بن الصباح فقتل المبرقع الخولاني وشرحبيل البكري والحارث الحكيمي وعبد الرحمن الهمداني ، فقتله أمير المؤمنين عليه السلام ، ثم قتل الحرث بن وداع والمطاع بن المطلب وعروة بن داود .
وخرج مولى لمعاوية مرتجزا :
أنا الحارث ما بي من حذر
مولى ابن صخر وبه انتصر
* * *
فقتله قنبر .
ص: 90
وخرج بريد الكلبي قائلاً :
لقد ضلّت معاشر من نزار
إذا انقادوا لمثل أبي تراب
* * *
فقتله الأشتر .
وخرج مشجع الجذامي فطعنه عدي بن حاتم .
ونادى خالد السدوسي : من يبايعني على الموت ؟ فأجابه تسعة آلاف ، فقاتلوا حتى بلغوا فسطاط معاوية ، فهرب معاوية ، فنهبوا فسطاطه .
وأنفذ معاوية إليه فقال : يا خالد ، لك عندي إمرة خراسان متى ظفرت ، فاقصر ويحك عن فعالك هذا ، فنكل عنها ، فتفل أصحابه في وجهه ، وحاربوا إلى الليل .
وفيه يقول النجاشي :
وفرّ ابن حرب غيّر اللّه وجهه
وذاك قليل من عقوبة قادر
* * *
ص: 91
وخرج حمزة بن مالك الهمداني قائلاً لهاشم المرقال :
يا أعور العين وما فينا عور
نبغي ابن عفان ونلحي من غدر
* * *
فقتله المرقال ، فهجموا على المرقال فقتلوه .
فأخذ سفيان بن ثور رايته فقاتل حتى قتل .
ثم أخذها عتبة بن المرقال فقاتل حتى قتل .
فأخذها أبو الطفيل الكناني مرتجزا :
يا هاشم الخير دخلت الجنّه
قتلت في اللّه عدوّ السنّه
* * *
فقاتل حتى جرح ، فرجع القهقرى .
وأخذها عبد اللّه بن بديل بن ورقاء الخزاعي مرتجزا :
أضربكم ولا أرى معاويه
الأبرج العين العظيم الهاويه
هوت به في النار أمّ هاويه
جاوره فيها كلاب عاويه
* * *
فهجموا عليه فقتلوه .
ص: 92
فأخذها عمرو بن الحمق قائلاً :
جزى اللّه فينا عصبة أيّ عصبة
حسان وجوه صرّعوا حول هاشم
* * *
وقاتل أشدّ قتال .
فخرج ذو الظليم قائلاً :
أهل العراق ناسبوا وانتسبوا
أنا اليماني واسمي حوشب
من ذي الظليم أين أين المهرب
* * *
فبرز إليه سلمان بن صرد الخزاعي قائلاً :
يا أيّها الحيّ الذي تذبذبا
لسنا نخاف ذا الظليم حوشبا
* * *
فحملت الأنصار حملة رجل واحد ، وقتلوا ذا الكلاع وذا الظليم ، وساروا إليهم وكاد يؤخذ معاوية ، فقال الأنصار :
معاوي ما أفلت إلاّ بجرعة
من الموت حتى تحسب الشمس كوكبا
فإن تفرحوا بابن البديل وهاشم
فإنّا قتلنا ذا الكلاع وحوشبا
ص: 93
وخرج عبيد اللّه بن عمر ودعا محمد بن الحنفية ، فنهض محمد ، فنهاه أبوه ، وكان يقول :
أنا عبيد اللّه ينميني عمر
خير قريش من مضى ومن غبر
* * *
فقتله عبد اللّه بن سوار ، ويقال : حريث بن خالد ، ويقال : هاني بن عمرو الينبوعي ، ويقال : محمد بن الصبيح .
فأمر معاوية بتقديم سبعين راية ، وبرز عمار في رايات ، فقتل من أصحاب معاوية سبعمائة رجل ، ومن أصحاب علي عليه السلام مائتا رجل .
وخرج علي عليه السلام في مقاتلة همدان ، وقال بعضهم : برك الجمل ، برك الجمل ، فبركوا وبركت أيضا همدان ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام :
قد حمل القوم فبركا فبركا
لا يدخل القوم على ما شكا
* * *
وخرج عمرو بن العاص يقول :
إنّي إذا الحرب تفرّت عن كثير
أحمل ما أحملت من خير وشر
ص: 94
فقصده الأشتر مرتجزا :
إنّي أنا الأشتر معروف السير
إنّي أنا الأفعى العراقي الذكر
* * *
فهزمهم وجرح عمرو .
فقال النجاشي :
عدوّ النبي خلال العجاج
وأفلت في حيرة خيله الأبتر
فردّ اللواء على عقبه
وفاز بخطوتها الأشتر
* * *
وخرج العراد بن الأدهم ، ودعا العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، فقتله العباس ، فنهاه علي عليه السلام عن المبارزة ولعبد اللّه بن العباس ، فقال معاوية : من قتل العباس فله عندي ما يشاء ؟
فخرج رجلان لخميان ، فدعاه أحدهما ، فقال : إن أذن لي سيدي أبارزك ، وأتى عليا عليه السلام ، فبرز علي عليه السلام في سلاح العباس وفرسه متنكّرا ،
فقال الرجل : أذنك سيدك ؟
فقال عليه السلام : « أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا »فقتله ، وتقدّم الآخر فقتله .
ص: 95
وخرج قبيصة النميري وكان يشتم عليا عليه السلام ويرتجز :
أقدم إقدام الهزبر العالي
في نصر عثمان ولا أبالي
* * *
فبرز عدي بن حاتم قائلاً :
يا صاحب الصوت الرفيع العالي
يفدي عليا ولدي ومالي
* * *
وخرج حجل بن أثال العبسي ، فطلب البراز إليه ابنه أثال ، فلمّا رآه قال : انصرف إلى الشام فإنّ فيها أموالاً جمّة ، فقال ابنه : يا أبه انصرف إلينا وجنّة الخلد مع علي عليه السلام .
وعبأ معاوية أربعة صفوف ، فتقدّم أبو الأعور السلمي يحرّضهم ويقول : يا أهل الشام ، إيّاكم والفرار ، فإنّها سبّة وعار ، فدقّوا على أهل العراق ، فإنّهم أهل فتنة ونفاق .
فبرز سعيد بن قيس وعدي بن حاتم والأشتر والأشعث ، فقتلوا منهم ثلاثة آلاف ونيفا ، وانهزم الباقون .
ص: 96
وخرج كعب بن جعيل شاعر معاوية قائلاً :
ابرز إليّ الآن يا نجاشي
وإنّني ليث لدى الهراش
* * *
فأجابه النجاشي شاعر علي عليه السلام وبرز إليه :
أربع قليلاً فأنا النجاشي
لست أبيع الدين بالمعاشي
أنصر خير راكب وماش
ذاك علي بيّن الرياش
* * *
وبرز عبد اللّه بن جعفر في ألف رجل ، فقتل خلقا حتى استغاث عمرو بن العاص .
وأتى أويس القرني متقلّدا بسيفين ، ويقال : كان معه مرماة ومخلاة من الحصى ، فسلّم على أمير المؤمنين عليه السلام وودّعه مع رجالة ربيعة ، فقتل من يومه ، فصلّى عليه أمير المؤمنين عليه السلام ودفنه .
ثم إنّ عمار جعل يقاتل ويقول :
ص: 97
نحن ضربناكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله
أو يرجع الحقّ إلى سبيله
* * *
فلم يزل يقاتل حتى قتل رحمه اللّه .
وبرز أمير المؤمنين عليه السلام ودعا معاوية وقال : أسألك أن تحقن الدماء وتبرز إليّ وأبرز إليك ، فيكون الأمر لمن غلب ، فبهت معاوية ولم ينطق بحرف .
فحمل أمير المؤمنين عليه السلام على الميمنة فأزالها ، ثم حمل على الميسرة فطحنها ، ثم حمل على القلب وقتل منهم جماعة ، وأنشد :
فهل لك في أبي الحسن علي
لعلّ اللّه يمكن من قفاكا
دعاك إلى البراز فكعت(1) عنه
ولو بارزته تربت يداكا
* * *
فانصرف أمير المؤمنين عليه السلام .
ثم برز عليه السلام متنكّرا ، فخرج عمرو بن العاص مرتجزا :
ص: 98
يا قادة الكوفة من أهل الفتن
يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن
كفى بهذا حزنا مع الحزن
أضربكم ولا أرى أبا الحسن
* * *
فتناكل عنه علي عليه السلام حتى تبعه عمرو ، ثم ارتجز :
أنا الغلام القرشي المؤتمن
الماجد الأبيض ليث كالشطن
يرضى به السادة من أهل اليمن
من ساكني نجد ومن أهل عدن
أبو الحسين فاعلمن أبو الحسن
* * *
فولّى عمرو هاربا ، فطعنه أمير المؤمنين عليه السلام ، فوقعت في ذيل درعه ، فاستلقى على قفاه وأبدى عورته ، فصفح عنه استحياء وتكرّما .
فقال معاوية :
الحمد للّه الذي عافاك
واحمد أستك الذي وقاك
* * *
وقال أبو نواس :
فلا خير في دفع الردى بمذلّة
كما ردّها يوما بسوءته عمرو
* * *
وقال حيص بيص :
قبّح مخازيك هازم شرفي
سوءة عمرو ثنت سنان علي
* * *
ص: 99
وبرز علي عليه السلام ودعا معاوية ، فنكل عنه .
فخرج بسر بن أرطأة يطمع في علي عليه السلام ، فضربه أمير المؤمنين عليه السلام ، فاستلقى على قفاه وكشف عن عورته ، فانصرف عنه علي عليه السلام ، فقال : ويلكم يا أهل الشام ، أما تستحون من معاملة المخانيث لقد علّمكم رأس المخانيث عمرو ، لقد روى هذه السيرة عن أبيه عن جدّه في كشف أستاه وسط عرصة الحروب .
فخرج غلامه لاحق ثم قال :
أرديت بسرا والغلام ثايره
وكلّ أب من عليه قادره
* * *
فطعنه الأشتر قائلاً :
في كلّ يوم رجل شيخ بادره
وعورة وسط العجاج ظاهره
أبرزها طعنة كفّ فاتره
عمرو وبسر رهبا بالقاهره
* * *
ص: 100
فلمّا رأى معاوية كثرة براز أمير المؤمنين عليه السلام أخذ في الخديعة ، فأنفذ عمرو إلى ربيعة - رجالاته - ، فوقعوا فيه ، فقال : اكتب إلى ابن عباس وغرّه ، فكان فيما كتب شعرا :
طال البلاء فما ندري له أسّ
بعد الإله سوى رفق ابن عباس
* * *
فكان جواب ابن عباس :
يا عمرو حسبك من خدع ووسواس
فاذهب فما لك في ترك الهدى آس
إلاّ بوادر طعن في نحوركم
تشجي النفوس له في نقع إفلاس
إن عادت الحرب عدنا والتمس هربا
في الأرض أو سلّما في الأفق يا قاسي
* * *
ثم كتب معاوية إليه يذكر فيه : إنّما بقي من قريش ستّة : أنا وعمرو بالشام ناصبان ، وسعد وابن عمر بالحجاز ، وعلي عليه السلام وأنت بالعراق على خطب عظيم ، ولو بويع لك بعد عثمان لأسرعنا فيه .
فأجابه ابن عباس بمسكة فيها :
دعوت ابن عباس إلى السلم خدعة
ولست له حتى تموت بخادع
ص: 101
وكتب إلى علي عليه السلام : أمّا بعد ، فإنّا لو علمنا أنّ الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يحنها بعضنا إلى بعض ، وإن كنّا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي لنا ما نرم به ما مضى ، ونصلح به ما بقي ، وقد كنت سألتك الشام على أن لا يلزمني لك طاعة ولا بيعة فأبيت عليّ !! وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس ، فإنّك لا ترجو من البقاء إلاّ ما أرجو ، ولا تخاف من الفناء إلاّ
أخاف ، وقد - واللّه - رقّت الأجساد ، وذهبت الرجال ، ونحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض !! يستذلّ به عزيز ، ويسترقّ به حرّ .
فأجابه عليه السلام :
أمّا قولك : إنّ الحرب قد أكلت العرب إلاّ حشاشات أنفس بقيت ألا ومن أكله الحقّ فإلى النار .
وأمّا طلبتك إليّ الشام ، فإنّي لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس .
وأمّا استواؤنا في الخوف والرضا ، فلست أمضى على الشكّ منّي على اليقين ، وليس أهل الشام على الدنيا بأحرص من أهل العراق على الآخرة .
وأمّا قولك : إنّا بنو عبد مناف ، فكذلك نحن ، وليس أمية كهاشم ،
ولا حرب كعبد المطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا الطليق كالمهاجر ، ولا الصريح كاللصيق ، ولا المحقّ كالمبطل ، ولا المؤمن كالمدغل ، وفي أيدينا فضل النبوة الذي ذلّلنا بها العزيز ، ونعثنا(1) بها الذليل ، وبعنا به الحرّ .
ص: 102
وأمر معاوية لابن الخديج الكندي أن يكاتب الأشعث ، والنعمان بن بشير أن يكاتب قيس بن سعد في الصلح ، ثم أنفذ عمروا وعتبة وحبيب بن مسلمة والضحاك بن قيس إلى أمير المؤمنين عليه السلام .
فلمّا كلّموه قال : أدعوكم إلى كتاب اللّه وسنة نبيه ، فإن تجيبوا إلى ذلك فللرشد أصبتم ، وللخير وفّقتم ، وإن تأبوا لم تزدادوا من اللّه إلاّ بعدا .
فقالوا : قد رأينا أن تنصرف عنّا ، فنخلّي بينكم وبين عراقكم ، وتخلّون بيننا وبين شامنا ، فنحن نحقن دماء المسلمين .
فقال عليه السلام : لم أجد إلاّ القتال أو الكفر بما أنزل اللّه - عزّ وجلّ - على محمد صلى الله عليه و آله .
ثم برز الأشتر وقال : سوّوا صفوفكم ، وقال أمير المؤمنين عليه السلام : أيّها الناس من يبع يربح في هذا اليوم . . في كلام له عليه السلام . . ألا إنّ خضاب النساء الحناء ، وخضاب الرجال الدماء ، والصبر خير في عواقب الأمور ، ألا إنّها إحن بدرية ، وضغائن أحدية ، وأحقاد جاهلية ، وقرأ : « فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ » .
فتقدّم وهو يرتجز :
دبّوا دبيب النمل لا تفوتوا
وأصبحوا في حربكم وبيتوا
كيما تنالوا الدين أو تموتوا
أو لا فإنّي طال ما عُصيت
ص: 103
قد قلتم لو جئتنا فجيت
ليس لكم ما شئتم وشئت
بل ما يريد المحي المميت
* * *
فحمل في سبعة عشر ألف رجل، فكسروا الصفوف ، فقال معاوية لعمرو: اليوم صبر وغدا فخر ، فقال عمرو : صدقت - يا معاوية - ولكن الموت حقّ والحياة باطل ، ولو حمل علي عليه السلام في أصحابه حملة أخرى فهو البوار .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : فما انتظاركم إن كنتم تريدون الجنّة ؟
فبرز أبو الهيثم بن التيهان قائلاً :
أحمد ربّي فهو الحميد
ذاك الذي يفعل ما يريد
دين قويم وهو الرشيد
* * *
فقاتل حتى قتل .
وبرز خزيمة بن ثابت قائلاً :
كم ذا يرجّى أن يعيش الماكث
والناس موروث وفيهم وارث
هذا علي من عصاه ناكث
* * *
فقاتل حتى قتل .
ص: 104
وبرز عدي بن حاتم قائلاً :
أبعد عمار وبعد هاشم
وابن بديل صاحب الملاحم
ترجو البقا من بعد يا بن حاتم
* * *
فما زال يقاتل حتى فقيئت عينه .
وبرز الأشتر مرتجزا :
سيروا إلى اللّه ولا تعوجوا
دين قويم وسبيل منهج
* * *
وقتل جندب بن زهير .
فلم يزالوا يقاتلون حتى دخل وقعة الخميس ، وهي ليلة الهرير ، وكان أصحاب علي عليه السلام يضربون الطبول من أربع جوانب عسكر معاوية ويقولون : « علي عليه السلام المنصور » ، وهو يرفع رأسه إلى السماء ساعة بعد ساعة ويقول : اللّهم إليك نقلت الأقدام ، واليك أفضت القلوب ، ورفعت الأيدي ، ومدّت الأعناق ، وطلبت الحوائج ، وشخصت الأبصار ، اللّهم « افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ » وينشد :
ص: 105
الليل داج والكباش تنتطح
نطاح أسد ما أراها تصطلح
أسد عرين في اللقاء قد مرح
منها قيام وفريق منبطح
فمن نجا برأسه فقد ربح
* * *
وكان يحمل عليهم مرّة بعد مرّة ، ويدخل في غمارهم ويقول : اللّه اللّه في الحرم والذريّة ، فكانوا يقاتلون أصحابهم بالجهل .
فلمّا أصبح كان قتلى عسكره أربعة آلاف رجل ، وقتلى عسكر معاوية إثنين وثلاثين ألف رجل ، فصاحوا : يا معاوية ، هلكت العرب ، فاستغاث هو بعمرو ، فأمره برفع المصاحف(1) .
قال قتادة : قتلى يوم صفين ستون ألفا .
وقال ابن سيرين : سبعون ألفا ، وهو المذكور في أنساب الأشراف ، وضعوا على كلّ قتيل قصبة ، ثم عدّوا القصب(2) .
ص: 106
ص: 107
ص: 108
روي في معنى قوله تعالى : « وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ » أنّه كان أبو موسى وعمرو .
وروى ابن مردويه بأسانيده عن سويد بن غفلة أنّه قال : كنت مع أبي موسى على شاطئ الفرات ، فقال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إنّ بني إسرائيل اختلفوا ، فلم يزل الاختلاف بينهم حتى بعثوا حكمين ضالّين ضلّ من اتبعهما ، ولا تنفك أموركم تختلف حتى تبعثوا حكمين يضلاّن ، ويضلّ من تبعهما .
فقلت : أعيذك باللّه أن تكون أحدهما ، قال : فخلع قميصه ، فقال : برأني اللّه من ذلك كما برأني من قميصي(1) .
يا عمرو ، نفرّ أو نستأمن ؟ قال : نرفع المصاحف على الرماح ونقرأ « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ »
فإن قبلوا حكم القرآن رفعنا الحرب ، ورافعنا بهم إلى أجل، وإن أبى بعضهم إلاّ القتال فللنا شوكتهم ، وتقع بينهم الفرقة .
وأمر بالنداء :
فلسنا ولستم من المشركين
ولا المجمعين على الردّة
فإن تقبلوها ففيها البقاء
للفرقتين وللبلدة
وإن تدفعوها ففيها الفناء
وكلّ بلاء إلى مدّة(1)
فقال عوف بن عبد اللّه :
رميناهم حتى أزلنا صفوفهم
فلم ير إلاّ بوجة وكابيا(2)
وحتى استغاثوا بالمصاحف والقنابها وقفات يختطفن المحاميا
وقال الجماني العلوي :
هبلت أم قريش حين تدعون الهبل
حين ناطوا بكتاب اللّه أطراف الأسل
* * *
ص: 110
فقال مسعر بن فدكي وزيد بن حصين الطائي والأشعث بن قيس الكندي : أجب القوم إلى كتاب اللّه ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام :
ويحكم - واللّه - إنّهم ما رفعوا المصاحف إلاّ خديعة ومكيدة حين علوتموهم ، وقال خالد بن معمر السدوسي : يا أمير المؤمنين ، أحبّ الأمور إلينا ما كفينا مؤنته .
وأنشد رفاعة بن شداد البجلي :
وإن حكموا بالعدل كانت سلامة
وإلاّ أثرناها بيوم قماطر
* * *
فقصد إليه عشرون ألف رجل يقولون : يا علي ، أجب إلى كتاب اللّه إذا دعيت ، وإلاّ دفعناك برمّتك إلى القوم ، أو نفعل بك ما فعلنا بعثمان ، فقال : فاحفظوا عنّي مقالتي ، فإنّي آمركم بالقتال ، فإن تعصوني فافعلوا ما بدا لكم ، قالوا : فابعث إلى الأشتر ليأتينك .
فبعث يزيد بن هاني السبيعي يدعوه ، فقال الأشتر : إنّي قد رجوت أن يفتح اللّه لا تعجلني ، وشدّد في القتال .
فقالوا : حرّضته في الحرب ، فابعث إليه بعزيمتك ليأتيك وإلاّ - واللّه - اعتزلناك ، قال : يا يزيد عد إليه وقل له : أقبل إلينا ، فإنّ الفتنة قد وقعت .
فأقبل الأشتر يقول لأهل العراق : يا أهل الذلّ والوهن ، أحين علوتم القوم وعلموا أنّكم لهم قاهرون رفعوا لكم المصاحف خديعة ومكرا ؟ فقالوا : قاتلناهم في اللّه .
فقال : أمهلوني ساعة ، وأحسست بالفتح وأيقنت بالظفر ، قالوا : لا .
ص: 111
قال : أمهلوني عدوة فرسي ، قالوا : إنّا لسنا نطيعك ولا لصاحبك ، ونحن نرى المصاحف على رؤوس الرماح ندعى إليها !
فقال : خدعتم - واللّه - فانخدعتم ، ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم .
فقام جماعة من بكر بن وائل ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إن أجبت القوم أجبنا ، وإن أبيت أبينا ، فقال عليه السلام : نحن أحقّ من أجاب إلى كتاب اللّه ، وإنّ معاوية وعمروا وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح والضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين وقرآن ، أنا أعرف بهم منكم ، قد صحبتهم أطفالاً ورجالاً . . في كلام له .
فقال أهل الشام : فإنّا قد اخترنا عمروا ، فقال الأشعث وابن الكواء ومسعر بن فدكي وزيد الطائي : نحن اخترنا أبا موسى ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : فإنّكم قد عصيتموني في أوّل الأمر فلا تعصوني الآن ، فقالوا : إنّه قد كان يحذّرنا ممّا قد وقعنا فيه ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّه ليس بثقة ، قد فارقني وقد خذّل الناس ، ثم هرب منّي حتى أمّنته بعد شهر ، ولكن هذا ابن عباس أولّيه ذلك ، قالوا : واللّه ما نبالي أنت كنت أم ابن عباس !
قال : فالأشتر ، قال الأشعث : وهل سعّر الحرب غير الأشتر ؟ وهل نحن إلاّ في حكم الأشتر(1) ؟
ص: 112
قال الأعمش : حدّثني من رأى عليا عليه السلام يوم صفين يصفق بيديه ويقول : يا عجبا أعصى ويطاع معاوية(1) ؟
وقال : قد أبيتم إلاّ أبا موسى ؟ قالوا : نعم ، قال : فاصنعوا ما بدا لكم ، اللّهم إنّي أبرأ إليك من صنيعهم ، وقال الأحنف : إذا اخترتم أبا موسى فارقبوا ظهره(2) .
فقال خزيم بن فاتك الأسدي :
لو كان للقوم رأيا يرشدون(3) به
أهل العراق رموكم بابن عباس
لكن رموكم بشيخ من ذوي يمنلم يدر ما ضرب أسداس وأخماس(4)
* * *
فلمّا اجتمعوا كان كاتب علي عليه السلام عبيد اللّه بن أبي رافع ، وكاتب معاوية عمير بن عباد الكلبي .
ص: 113
فكتب عبيد اللّه : هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهماالسلام ومعاوية بن أبي سفيان ، فقال عمرو : اكتبوا اسمه واسم أبيه ، هو أميركم ، فأمّا أميرنا فلا .
فقال الأحنف : لا تمح اسم امارة المؤمنين [ فإنّي أتخوّف إن محوتها ألاّ ترجع اليك أبدا ، لا تمحها ، وإن قتل الناس بعضهم بعضا ، فأبى ذلك علي عليه السلام مليّا من النهار .
ثم إنّ الأشعث بن قيس قال : ] امح [ هذا الاسم ] ترحه(1) اللّه ، فقال علي عليه السلام : اللّه أكبر ، سنّة بسنّة ، ومثل بمثل ، وإنّي لكاتب يوم الحديبية(2) .
روى أحمد في المسند : أنّ النبي صلى الله عليه و آله أمر أن يكتب :
بسم اللّه الرحمن الرحيم ، فقال سهيل بن عمرو : وهذا كتاب بيننا وبينك ، فافتحه بما نعرفه ، واكتب « باسمك اللّهم » ، فأمر بمحو ذلك ، وكتب : باسمك اللّهم ، هذا ما اصطلح عليه محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسهيل بن عمرو وأهل مكة ، فقال سهيل : لو أجبتك إلى هذا لأقررت لك بالنبوة ، فقال : امحها يا علي ، فجعل يتلكأ ويأبى ، فمحاها النبي صلى الله عليه و آله ، وكتب : هذا ما اصطلح به محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب عليهم السلام وأهل مكة(3) .
يقول اللّه في كتابه : « لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ » .
ص: 114
روى محمد بن إسحاق عن بريدة بن سفيان عن محمد بن كعب : أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لعلي عليه السلام : فإنّ لك مثلها تعطاها وأنت مضطهد(1) .
الماوردي في أعلام النبوة أنّه قال : ستسام(2) مثلها يوم الحكمين(3) .
وفي رواية : ستدعى إلى مثلها فتجيب وأنت على مضض(4) .
وفي رواية : إنّ لك يوما - يا علي - بمثل هذا ، أنا أكتبها للآباء وأنت تكتبها للأبناء(5) .
سيدعى إلى مثلها صنوه
له قال والأمر مستجمع
وبين الرضا وبين ابن هند
كيوم الحديبية المسرع
سهيل محا ثمّ اسم الرسول
كاسم الأمير محا المبدع
ففي دومة الجندل الاقتداء
بيوم السقيفة إذ شنعوا
* * *
فقال عمرو : يا سبحان اللّه ! نشبّه بالكفار ونحن مؤمنون ! فقال علي عليه السلام : يا ابن النابغة ، أو لم تكن للمشركين وليّا وللمؤمنين عدوّا ؟ أو لم تكن في الضلالة رأسا وفي الإسلام ذنبا(6) ؟ في كلام له . .
ص: 115
فكتبوا أن يحكّموا بما في كتاب اللّه ، وينصرفوا والمدّة سنة واحدة كاملة ، ويكون مجتمع الحكمين بدومة الجندل(1) .
وقال الصاحب :
ودعا إلى التحكيم لمّا عضّه حدّ الرماح
فمضى أبو موسى وعمرو جالب الشرّ البراح
بابان قد فتحا إلى شرّ يدوم على انفتاح
* * *
فلمّا اجتمعا قال عمرو : يا أبا موسى ، أنت أولى أن تسمّي رجلاً يلي أمر هذه الأمّة ، فسمّ لي ، فإنّي أقدر أن أبايعك منك على أن تبايعني ، قال أبو موسى : أسمّي لك عبد اللّه بن عمر [ وكان ابن عمر ] فيمن اعتزله(2) ، فقال عمرو : فإنّي أسمّي لك معاوية بن أبي سفيان(3) .
وفي رواية قال عمرو : إنّهما ظالمان ، وإنّ عليا عليه السلام آوى قتلة عثمان ، وإنّ معاوية خاذله ، فنخلعهما ونبايع عبد اللّه بن عمر ، لزهادته واعتزاله عن الحرب ، فقال أبو موسى : نعم ما رأيت ، قال : فإنّي قد خلعت معاوية فاخلع عليا عليه السلام إن شئت ، وإن شئت فاخلعه غدا ، فإنّه يوم الإثنين .
ص: 116
قال : فلمّا أصبحا خرجا إلى الناس فقالا : قد اتفقنا ، فقال : أبو موسى لعمرو : تقدّم واخلع صاحبك بحضرة الناس ، فقال عمرو : سبحان اللّه ، أتقدّم عليك وأنت في موضعك وسنّك وفضلك ، مقدّم في الإسلام والهجرة ، ووفد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى اليمن ، وصاحب مقاسم أبي بكر ، وعامل عمر ، وحاكم أهل العراق ، فتقدّم أنت ، فقدّمه .
فقال أبو موسى : إنّا - واللّه ، أيّها الناس - قد اجتهدنا رأينا ، لم نر أصلح للأمّة من خلع هذين الرجلين ، وقد خلعت عليا
عليه السلام ومعاوية كخلع خاتمي هذا .
فقال عمرو : ولكنّي خلعت صاحبه عليا عليه السلام كما خلع ، وأثبت معاوية كخاتمي هذا ، وجعله في شماله(1) .
فقال كوفي :
لعمرك ما ألقى يد الدهر خالعا
عليك بقول الأشعري ولا عمرو
* * *
فكتب عمرو إلى معاوية :
أتتك الخلافة من خدرها
هنيئا مريئا تقرّ العيونا(2)
* * *
ص: 117
وقال العوني :
فأعملوا الحيلة في التحكيم
بمكر شيطانهم الرجيم
ففي الرعاة حكّموا الرعيّا
فأصبح القوم على تخالف
إذ شكت الأرماح في المصاحف
وأخذ الانحدار والرقيا
فجاء أهل الشام بابن العاص
فاحتال فيها حيلة القناص
غرّ أبا موسى الأشعريا
قام أبو موسى فويق المنبر
فقال إنّي خالع لحيدر
كما اختلعت خاتمي من خنصري
يا عمرو قم أنت اخلع الشاميا
فقال عمرو أيّها الناس اشهدوا
جمعا فإنّي لابن هند أعقد
فاستشهدوه مذهبا عمريّا * * *
ولمّا عزل معاوية عمروا من مصر كتب إليه :
معاوية الخير لا تنسني
وعن مذهب الحقّ لا تعدل
أتنسى محاورة الأشعري
ونحن على دومة الجندل
ألين فيطمع في غرّتي
وقد غاب فصلي في المقتل
ألعقه عسلاً باردا
وأمرجه بجني الحنظل
ورقيتك المنبر المشمخر
بلا حدّ سيف ولا منصل
ونزعتهما منهم بالخداع
كخلع النعال من الأرجل
وثبّتها فيك لمّا يئست
كمثل الخواتيم في الأنمل
ص: 118
فأمّا ملكت ومات الهمام
وألقت عصاها يد الأفضل
منحت سواي بمثل الجبال
ونوّلتني حبّة الخردل
فإن تك فيها بلغت المنى
ففي عنقي يعلق الجلجل
وما دم عثمان منج لنا
من اللّه والحسب الأطول
وإنّ عليا غدا خصمنا
ويعتزّ باللّه والمرسل
يسايلنا عن أمور جرت
ونحن عن الحقّ في معزل(1)
* * *
ص: 119
تفسير القشيري وإبانة العكبري عن سفيان عن الأعمش عن سلمة عن كهيل عن أبي الطفيل : أنّه سأل ابن الكواء أمير المؤمنين عليه السلام عن قوله تعالى « قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَْخْسَرِينَ أَعْمالاً » الآية ، فقال عليه السلام : إنّهم أهل حروراء(1) .
ثم قال : « الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً » في قتال علي بن أبي طالب عليهماالسلام(2) « أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً ذلِكَ جَزاؤهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا » بولاية علي عليه السلام « وَاتَّخَذُوا » آيات القرآن « وَرُسُلِي » يعني محمدا صلى الله عليه و آله(3) « هُزُواً » ، واستهزأوا بقوله : ألا من كنت مولاه فعلي مولاه .
ص: 120
وأنزل في أصحابه « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ » الآية ، فقال ابن عباس : نزلت في أصحاب الجمل .
تفسير الفلكي : أبو أمامة : قال النبي صلى الله عليه و آله في قوله تعالى : « يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ » الآية، هم الخوارج(1).
البخاري ومسلم والطبري والثعلبي في كتبهم : إنّ ذا الخويصرة التميمي قال للنبي صلى الله عليه و آله : اعدل بالسويّة ! فقال : ويحك ، إن أنا لم أعدل - قد خبت وخسرت - فمن يعدل ؟
فقال عمر : ائذن لي أضرب عنقه ، فقال : دعه ، فإنّ له أصحابا ، وذكر وصفه ، فنزل « وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ »(2) .
مسند أبي يعلى الموصلي ، وإبانة ابن بطّة العكبري ، وعقد ابن عبد ربّه
ص: 121
الأندلسي ، وحلية ابن أبي نعيم الأصفهاني، وزينة أبي حاتم الرازي، وكتاب أبي بكر الشيرازي :
أنّه ذكر بين يدي النبي صلى الله عليه و آله بكثرة العبادة ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : لا أعرفه ، فإذا هو قد طلع ، فقالوا : هو هذا ! فقال النبي صلى الله عليه و آله : أما أنّي أرى بين عينيه سفعة من الشيطان ، فلمّا رآه قال له : هل حدّثتك نفسك إذ طلعت علينا أنّه ليس في القوم أحد مثلك ؟ قال : نعم .
ثم دخل المسجد فوقف يصلّي ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : ألا رجل يقتله ؟ فحسر أبو بكر عن ذراعيه وصمد نحوه ، فرآه راكعا ، فقال : أقتل رجلاً يركع ويقول : لا إله إلاّ اللّه ؟!!
فقال صلى الله عليه و آله : اجلس ، فلست بصاحبه ، قم يا علي فإنّك أنت قاتله ، فمضى وانصرف ، وقال : ما رأيته ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : لو قتل لكان أوّل فتنة وآخرها .
وفي رواية : هذا أوّل قرن يطلع في أمّتي ، لو قتلتموه ما اختلف بعدي إثنان(1) .
وقال مالك بن أنس : فأنزل اللّه تعالى : « ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ » بقتال علي بن أبي طالب عليهماالسلام(2) .
ص: 122
ولمّا دخل أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة جاء إليه زرعة بن البزرج الطائي وحرقوص بن زهير التميمي ذو الثدية ، فقالا : لا حكم إلاّ للّه ، فقال عليه السلام : كلمة حقّ يراد بها باطل ، قال حرقوص : فتب من خطيئتك وارجع عن قصّتك ، واخرج بنا إلى عدوّنا نقاتلهم حتى نلقى ربّنا ، فقال علي عليه السلام : قد أردتكم على ذلك فعصيتموني ، وقد كتبنا بيننا وبين القوم كتابا وشروطا ، وأعطينا عليها عهودا ومواثيق ، وقد قال اللّه تعالى : « وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ » الآية .
فقال حرقوص : ذلك ذنب ينبغي أن تتوب عنه ، فقال علي عليه السلام : ما هو ذنب ، ولكنّه عجز من الرأي ، وضعف في العقل ، وقد تقدّمت فنهيتكم عنه .
فقال ابن الكواء : الآن صحّ عندنا أنّك لست بإمام ، ولو كنت إماما لما رجعت ، فقال علي عليه السلام : ويلكم قد رجع رسول اللّه صلى الله عليه و آله عام الحديبية عن قتال أهل مكة .
ففارقوا أمير المؤمنين عليه السلام وقالوا : لا حكم إلاّ للّه ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وكانوا إثني عشر ألفا من أهل الكوفة والبصرة وغيرهما .
ونادى مناديهم : أنّ أمير المؤمنين شبث بن ربعي !!! وأمير الصلاة عبد اللّه بن الكواء ! والأمر شورى بعد الفتح ، والبيعة للّه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واستعرضوا الناس .
ص: 123
وقتلوا عبد اللّه بن خباب بن الأرت ، وكان عامله عليه السلام على النهروان ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : يا ابن عباس ، امض إلى هؤلاء القوم فانظر ما هم عليه ، ولماذا اجتمعوا ؟
فلمّا وصل إليهم قالوا : ويلك يا ابن عباس ، أكفرت بربّك كما كفر صاحبك علي بن أبي طالب ؟ وخرج خطيبهم عتاب بن الأعور الثعلبي ، فقال ابن عباس : من بنى الإسلام ؟ فقال : اللّه ورسوله ، فقال : النبي صلى الله عليه و آله أحكم أموره ودخل بين حدوده أم لا ؟ قال : بلى ، قال : فالنبي صلى الله عليه و آله بقي في دار الإسلام أم ارتحل ؟ قال : بل ارتحل ، قال : فأمور الشرع ارتحلت معه أم بقيت بعده ؟ قال : بل بقيت ، قال : وهل قام أحد بعده بعمارة ما بناه ؟ قال : نعم ، الذريّة والصحابة ، قال : أفعمّروها أو خرّبوها ؟ قال : بل عمّروها ، قال : فالآن هي معمورة أم خراب ؟ قال : بل خراب ، قال : خرّبها ذريّته أم أمّته ؟ قال : بل أمّته ، قال : وأنت من الذريّة أو من الأمّة ؟ قال : من الأمّة ، قال : أنت من الأمّة وخرّبت دار الإسلام ، فكيف ترجو الجنّة ؟ وجرى بينهم كلام كثير . .
فحضر أمير المؤمنين عليه السلام في مائة رجل ، فلمّا قابلهم خرج ابن الكواء في مائة رجل ، فقال عليه السلام : أنشدكم اللّه هل تعلمون حيث رفعوا المصاحف
ص: 124
فقلتم : نجيبهم إلى كتاب اللّه ، فقلت لكم : إنّي أعلم بالقوم منكم ؟ وذكر مقاله إلى أن قال :
فلمّا أبيتم إلاّ الكتاب أشرطت على الحكمين أن يحييا ما أحيى القرآن ، وأن يميتا ما أمات القرآن ، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكمه ، وإن أبيا فنحن منه برآء ؟ فقالوا له : أخبرنا أتراه عدلاً تحكيم الرجال في الدماء ؟ فقال : إنا لسنا الرجال حكّمنا ، وإنّما حكّمنا القرآن ، والقرآن إنّما هو خطّ مسطور بين دفتين لا ينطق إنّما يتكلّم به الرجال ، قالوا : فأخبرنا عن الأجل لم جعلته فيما بينك وبينهم ؟ قال : ليعلم الجاهل ، ويثبت العالم ، ولعل اللّه يصلح في هذه المدّة لهذه الأمّة .
وجرت بينهم مخاطبات ، فجعل بعضهم يرجع ، فأعطى أمير المؤمنين عليه السلام راية الأمان مع أبي أيوب الأنصاري ، فناداهم أبو أيوب : من جاء إلى هذه الراية أو خرج من بين الجماعة فهو آمن .
فرجع منهم ثمانية آلاف رجل ، فأمرهم أمير المؤمنين عليه السلام أن يتميّزوا منهم ، وأقام الباقون على الخلاف .
وقصدوا إلى النهروان ، فخطب أمير المؤمنين عليه السلام ، واستنفرهم فلم يجيبوه ، فتمثّل :
ص: 125
أمرتكم أمري بمنعرج اللوى
فلم تستبينوا النصح إلاّ ضحى الغد
* * *
ثم استنفرهم ، فنفر ألفا رجل يقدمهم عدي بن حاتم ، وهو يقول :
إلى شرّ خلق من شراة تحزّبوا
وعادوا إله الناس ربّ المشارق
* * *
فوجه أمير المؤمنين عليه السلام نحوهم ، وكتب إليهم على يدي عبد اللّه بن أبي عقب ، وفيها : والسعيد من سعدت به رعيّته ، والشقيّ من شقيت به رعيّته ، وخير الناس خيرهم لنفسه ، وشرّ الناس شرّهم لنفسه ، وليس بين اللّه وبين أحد قرابة و« كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ » .
فلمّا أتاهم أمير المؤمنين عليه السلام فاستعطفهم ، فأبوا إلاّ قتاله ، وتنادوا : أن دعوا مخاطبة علي عليه السلام وأصحابه ، وبادروا الجنّة ، وصاحوا : الرواح الرواح إلى الجنّة ، وأمير المؤمنين عليه السلام يعبى ء أصحابه ، ونهاهم أن يتقدّم إليهم أحد .
ص: 126
فكان أوّل من خرج أخنس بن العيزار الطائي ، وجعل يقول :
ثمانون من حيي جديلة قتّلوا
على النهر كانوا يخضبون العواليا
ينادون لا حكم إلاّ لربّنا
حنانيك فاغفر حوبنا والمساويا
هم فارقوا من جار في اللّه حكمه
فكلّ على الرحمن أصبح ثاويا
* * *
فقتله أمير المؤمنين عليه السلام .
وخرج عبد اللّه بن وهب الراسبي يقول :
أنا ابن وهب الراسبي الشاري
أضرب في القوم لأخذ الثار
حتى تزول دولة الأشرار
ويرجع الحقّ إلى الأخيار
* * *
وخرج مالك بن الوضاح وقال :
إنّي لبائع ما يفنى بباقية
ولا يريد لدى الهيجاء تربيضا
ص: 127
وخرج إلى أمير المؤمنين عليه السلام الوضاح بن الوضاح من جانب وابن عمّه حرقوص من جانب ، فقتل الوضاح ، وضرب ضربة على رأس الحرقوص فقطعه ، ووقع رأس سيفه على الفرس ، فشرد وأرجله في الركاب حتى أوقعه في دولاب خراب ، فصارت الحرورية كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف .
فكان المقتولون من أصحاب علي عليه السلام : رؤبة بن وبر البجلي ، ورفاعة بن وائل الأرحبي ، والعياض بن خليل الأزدي ، وكيسوم بن سلمة الجهني ، وحبيب بن عاصم الأزدي . . إلى تمام تسعة ، وانفلت من الخوارج تسعة ، كما تقدّم ذكره .
وكان ذلك لتسع خلون من صفر سنة ثمان وثلاثين(1) .
وقال العوني :
ولم ينصرم عن ذلك الجيش ساعة
إلى أن غدا فلاًّ دم القوم ضائعا
وسدّ بقتلى كفّه دون غيره
من البصرة الغراء دون الشوارعا
فأودع في أبياتهم ودؤورهم
رماحا وأسيافا وبئست ودائعا
ص: 128
وقال الحميري :
خوارج فارقوه بنهروان
على تحكيمه الحسن الجميل
على تحكيمه فعموا وصمّوا
كتاب اللّه في فم جبرئيل
فمالوا جانبا وبغوا عليه
فما مالوا هناك إلى مميل
فتاه القوم في ظلم حيارى
عماة يعمهون بلا دليل
فضلّوا كالسوائم يوم عيد
تنحّر بالغداة وبالأصيل
كأنّ الطير حولهم نصارى
عكوفا حول صلبان الأبيل
* * *
أبو نعيم الأصفهاني عن الثوري : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أمر أن يفتش عن المخدج بين القتلى ، فلم يجدوه ، فقال رجل : واللّه ما هو فيهم ، فقال عليه السلام : واللّه ما كذبت ولا كذبت(1) .
تاريخ الطبري ، وإبانة ابن بطّة ، وسنن أبي داود ، ومسند أحمد ، عن عبد اللّه بن أبي رافع ، وأبي موسى وجندب وأبي الوضا ، واللفظ له : قال علي عليهماالسلام : اطلبوا المخدج ، فقالوا : لم نجده ، فقال : واللّه ما كذبت ولا كذبت ، يا عجلان آتني ببغلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأتاه بالبغلة ، فركبها وجال في القتلى ، ثم قال : اطلبوه هاهنا .
ص: 129
قال : فاستخرجوه من تحت القتلى في نهر وطين(1) .
وفي رواية أبي نعيم عن سفيان : فقيل : قد أصبناه ، فسجد للّه تعالى(2) عليه السلام ، فنصبها .
وقال الوراق القمّي :
علي له في ذي الثدية آية
رواه رواة القوم من خير مقسم
* * *
وفي رواية أبي داود ، وابن بطّة : أنّه قال علي عليه السلام : من يعرف هذا ؟ فلم يعرفه أحد ، فقال رجل : أنا رأيت هذا بالحيرة(1) فقلت : إلى أين تريد ؟ فقال : إلى هذه - وأشار إلى الكوفة - ومالي بها معرفة ، فقال علي عليه السلام : صدق هو من الجان(2) .
وفي رواية : هو من الجنّ .
وفي رواية أحمد : قال أبو الوضي : [ قال علي عليه السلام : اللّه أكبر واللّه ] لا يأتينكم أحد يخبركم من أبوه ؟ قال : فجعل الناس يقولون : هذا ملك هذا ملك ، ويقول علي عليه السلام : ابن من(3) ؟
وفي مسند الموصلي في حديث : من قال من الناس أنّه رآه قبل مصرعه ، فإنّه كاذب(4) .
وفي مسند أحمد بإسناده عن أبي الوضي : أنّه قال علي عليه السلام : أما أنّ خليلي أخبرني بثلاثة إخوة من الجنّ هذا أكبرهم ، والثاني له جمع كثير ، والثالث فيه ضعف(5) .
إبانة ابن بطّة : أنّه ذكر المقتول بالنهروان ، فقال سعد بن أبي وقاص : هو شيطان الردهة(6) .
ص: 131
وزاد أبو يعلى في المسند : شيطان الردهة رجل من بجيلة يقال له « الأشهب » أو « ابن الأشهب » علامة في قوم ظلمة(1) .
وقال الحميري :
إنّي أدين بما دان الوصي به
يوم الخريبة من قتل المخلينا
وما به دان يوم النهر دنت به
وبايعت كفّه كفّي بصفينا
في سفك ماسفكت فيها إذا حضروا
وأبرز اللّه للقسط الموازينا
تلك الدماء معا يا ربّ في عنقي
ثم اسقني مثلها آمين آمينا
* * *
وله أيضا :
ومارقة في دينهم فارقوا الهدى
ولم يأتلوا بغيا عليه وحكّموا
سطوا بابن خباب وألقى بنفسه
وقتل ابن خباب عليهم محرم
فلمّا أبوا في الغي إلاّ تماديا
سما لهم عبل الذراعين ضيغم
فأضحوا كعاد أو ثمود كأنّما
تساقوا عقارا أسكرتهم فنوّموا
* * *
محمد بن عبد اللّه الرعيني بإسناده عن علي عليه السلام أنّه قال : لمّا انصرف الناس من صفين خاض الناس في أمر الحكمين ، فقال بعض الناس :
ص: 132
ما يمنع أمير المؤمنين عليه السلام من أن يأمر بعض أهل بيته فيتكلّم ؟ فقال للحسن عليه السلام : قم يا حسن فقل في هذين الرجلين عبد اللّه بن قيس وعمرو بن العاص .
فقام الحسن عليه السلام فقال : أيّها الناس إنّكم قد أكثرتم في أمر عبد اللّه بن قيس وعمرو بن العاص ، فإنّما بعثا ليحكما بكتاب اللّه ، فحكما بالهوى على الكتاب ، ومن كان هكذا لم يسمّ حكما ، ولكنّه محكوم عليه .
وقد أخطأ عبد اللّه بن قيس في أن أوصى إلى عبد اللّه بن عمر ، فأخطأ في ذلك في ثلاث خصال : في أنّ أباه لم يرضه لها ، وفي أنّه لم يستأمره ، وفي أنّه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار الذين نفّذوها لمن بعده .
وإنّما الحكومة فرض من اللّه ، وقد حكّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله سعدا في بني قريظة ، فحكم فيهم بحكم اللّه لا شكّ فيه ، فنفّذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حكمه ، ولو خالف ذلك لم يجزه .
ثم جلس ، ثم قال علي عليه السلام لعبد اللّه بن العباس : قم فتكلّم ، فقام وقال : أيّها الناس ، إنّ للحقّ أهلاً أصابوه بالتوفيق ، والناس بين راض وراغب عنه ، وإنّما بعث عبد اللّه بن قيس لهدى إلى ضلالة ، وبعث عمرو بن العاص لضلالة إلى الهدى ، فلمّا التقيا رجع عبد اللّه عن هداه ، وثبت عمرو على ضلالته ، واللّه لئن حكما بالكتاب لقد حكما عليه ، وإن كانا حكما بما اجتمعا عليه معا ما اجتمعا على شيء ، وإن كانا حكما بما سارا إليه ،
ص: 133
لقد سار عبد اللّه وإمامه علي عليه السلام ، وسار عمرو وإمامه معاوية ، فما بعد هذا من عيب ينتظر ، ولكنّهم سئموا الحرب ، وأحبّوا البقاء ، ودفعوا البلاء ، ورجا كلّ قوم صاحبهم .
ثم جلس ، ثم قال عليه السلام لعبد اللّه بن جعفر : قم فتكلّم ، فقام عبد اللّه وقال : أيّها الناس ، إنّ هذا الأمر كان النظر فيه إلى علي عليه السلام ، والرضى فيه لغيره ، فجئتم بعبد اللّه بن قيس ، فقلتم : لا نرضى إلاّ بهذا ، فارض به فإنّه رضانا ، وأيم اللّه ما استفدناه علما ، ولا انتظرنا منه غائبا ، ولا أمّلنا ضعفه ، ولا رجونا به صاحبه ، ولا أفسدا بما عملا للعراق ، ولا أصلحا الشام ، ولا أماتا حقّ علي عليه السلام ، ولا أحييا باطل معاوية ، ولا يذهب الحقّ رقية راق ، ولا نفخة شيطان ، وأنا اليوم لعلي عليه السلام ما كنّا عليه بالأمس ، وجلس(1) .
وقال الحميري :
وأهوج لاحى(2) في علي وعابه
بسفك دماء من رجال تهوّدوا
وتلك دماء المارقين وسفكهامن اللّه ميثاق عليه مؤكد
هم نكثوا أيمانهم بنفاقهمكما أبرقوا من قبل ذاك وأرعدوا
أنلحى امرءا ما زال مذ هو يافعيصلّي ويرضي ربّه ويوحّد
وقد كانت الأوثان قبل صلاتهيطاف بها في كلّ يوم وتعبد
ص: 134
وقال ابن الحجاج :
مرّوا إلى النهروان يعدون
مثل حمار بلا مكاري
كانوا شراة فصبّحتهم
كفّ علي بذي الفقار
* * *
نوف البكالي عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنّه نادى بعد الخطبة بأعلى صوته : الجهاد الجهاد عباد اللّه ، ألا وإنّي معسكر في يومي هذا ، فمن أراد الرواح إلى اللّه فليخرج .
قال نوف : وعقد للحسين عليه السلام في عشرة آلاف ، ولقيس بن سعد في عشرة آلاف ، ولأبي أيوب الأنصاري في عشرة آلاف ، ولغيرهم على أعداد أخر ، وهو يريد الرجعة إلى صفين ، فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم ، فتراجعت العساكر(1) .
ص: 135
أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال : جاء المهاجرون والأنصار وغيرهم بعد النبي صلى الله عليه و آله إلى علي عليه السلام ، فقالوا : أنت - واللّه - أمير المؤمنين ، وأنت - واللّه - أحقّ الناس وأولاهم بعد النبي صلى الله عليه و آله ، هلمّ يدك نبايعك ، فواللّه لنموتنّ قدّامك ! فقال علي عليه السلام : إن كنتم صادقين فاغدوا عليّ محلّقين .
فحلق علي عليه السلام ، وحلق سلمان ، وحلق المقداد ، وحلق أبو ذر ، ولم يحلق غيرهم ، ثم انصرفوا فجاؤوا مرّة أخرى ، بعد ذلك ، فقالوا له مثل قولهم الأوّل ، وأجابهم مثله ، وما حلق إلاّ هؤلاء الثلاثة(1) .
وكذلك ذكر أبو جعفر الطوسي في كتاب « اختيار الرجال » أنّه : قال أبو جعفر عليه السلام : كان الناس أهل ردّة بعد النبي صلى الله عليه و آله إلاّ ثلاثة : سلمان وأبو ذر والمقداد(2) .
وفي معرفة الرجال من الكشي في حديث عن الصادق عليه السلام : ثم حلق أبو سنان ، وعمار ، وشتير ، وأبو عمرو ، فصاروا سبعة(3) .
ص: 136
قال الحميري :
علي وأبو ذر ومقداد وسلمان
وعمار وعبد اللّه والعبسي إخوان
دعوا فاستودعوا علما فأدّوه وما خانوا
فصلّى ربّ جبريل عليهم معشرا بانوا
أدين اللّه بالدين الذي كانوا به دانوا
* * *
وقال ابن حماد :
فكفّ مولاي الإمام كفّه
إذ قلّ في حقوقه أعوانه
يتبعه مقداده وعبده
عماره وسلمه سلمانه
والصادق اللهجة أعني جندبا
فلم يزل لطوعه إتيانه
* * *
وفي جمل أنساب الأشراف : أنّه قال الشعبي في خبر : لمّا قتل عثمان أقبل الناس إلى علي عليه السلام ليبايعوه ، ومالوا إليه ، فمدّوا يده فكفّها ، وبسطوها فقبضها حتى بايعوه(1) .
وفي سائر التواريخ : أنّ أوّل من بايعه طلحة بن عبيد اللّه ، وكانت
ص: 137
أصبعه أصيبت يوم أحد فشلّت ، فبصر بها أعرابي حين بايع ، فقال : ابتداء هذا الأمر يد شلاء لا يتمّ ، ثم بايعه الناس في المسجد .
ويروى أنّ الرجل كان عبيد بن ذويب ، فقال : يد شلاء وبيعة لا تتمّ(1) .
وهذا عنى البرقي في بيته :
ولقد تيقّن من تيقّن غدرهم
إذ مدّ أوّلهم يدا شلاءا
* * *
جبلة بن سحيم عن أبيه أنّه قال : لمّا بويع علي عليه السلام جاء إليه المغيرة بن شعبة ، فقال : إنّ معاوية من قد علمت ، وقد ولاّه الشام من كان قبلك ، فولّه أنت كيما تتّسق عرى الإسلام ، ثم اعزله إن بدا لك ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أتضمن لي عمري - يا مغيرة - فيما بين توليته إلى خلعه ؟ قال : لا ، قال عليه السلام : لا يسألني اللّه عن توليته على رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبدا « وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً »(2) . . الخبر .
ص: 138
ولمّا بويع علي عليه السلام أنشأ خزيمة بن ثابت :
إذا نحن بايعنا عليا فحسبنا
أبو حسن ممّا نخاف من الفتن
وجدناه أولى الناس بالناس أنّه
أطبّ قريش بالكتاب وبالسنن
وأنّ قريشا لا تشقّ غباره
إذا ما جرى يوما على ضمر البدن
ففيه الذي فيهم من الخير كلّه
وما فيهم مثل الذي فيه من حسن
وصي رسول اللّه من دون أهله
وفارسه قد كان في سالف الزمن
وأوّل من صلّى من الناس كلّهم
سوى خيرة النسوان واللّه ذو المنن
وصاحب كبش القوم في كلّ وقعة
يكون لها نفس الشجاع لذي الذقن
فذاك الذي تثنى الخناصر باسمه
إمامهم حتى أغيّب في الكفن(1)
ص: 139
وقال أبو العباس أحمد بن عطية :
رأيت عليا خير من وطأ الحصى
وأكرم خلق اللّه من بعد أحمد
وصيّ رسول المرتضى وابن عمّه
وفارسه المشهور في كلّ مشهد
تخيّره الرحمن من خير أسرة
لأطهر مولود وأطيب مولد
إذا نحن بايعنا عليا فحسبنا
ببيعته بعد النبي محمد
* * *
ص: 140
قصد عليه السلام دار أم هاني متقنّعا بالحديد يوم الفتح ، وقد بلغه أنّها آوت الحارث بن هشام وقيس بن السائب وناسا من بني مخزوم ، فنادى : أخرجوا من آويتم ، فجعلوا يذرقون كما تذرق الحبارى خوفا منه .
وخرجت إليه أم هاني وهي لا تعرفه ، فقالت : يا عبد اللّه ، أنا أم هاني بنت عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأخت أمير المؤمنين عليه السلام انصرف عن داري ، فقال عليه السلام : أخرجوهم .
فقالت : واللّه لأشكونك إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فنزع المغفر عن رأسه فعرفته ، فجاءت تشتدّ حتى ألزمته ، فقالت : فديتك ، حلفت لأشكونّك إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال لها : اذهبي فبرّي قسمك ، فإنّه بأعلى الوادي .
فأتت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال لها : إنّما جئت - يا أم هاني - تشكين عليا ، فإنّه أخاف أعداء اللّه وأعداء رسوله ، شكر اللّه لعلي سعيه ، وأجرت من أجارت أم هاني ، لمكانها من علي بن أبي طالب(1) .
ص: 141
وسئل عليه السلام عن رجل ؟ فقال : توفي البارحة .
فلمّا رأى جزع السائل قرأ : « اللّهُ يَتَوَفَّى الأَْنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها »(1) .
وقال عليه السلام : حين استقبله رجل مع تيس وقلّده عمامته : إنّ أحد الثلاثة لأحمق ، فقال : أمّا أنا وتيسي فلا(2) .
وقال لجاريته وقد وضأته ، فلمّا نهض اعتمد عليها ، فقال : انظري لا تضرطي .
وقال له رجل : إنّه احتلم على أمّي ، فقال : أقيموه في الشمس واضربوا ظلّه الحدّ(3) .
ص: 142
وقال عليه السلام : حين علا المنبر ، والناس ضجّوا بالدعاء له : حبقة حبقة تموت عنّي بقة ، يعني بكيرا(1) .
وقال عليه السلام : لرجل من بكر بن وائل ، وقد قال له : ما قسمت بالسويّة ، ولا عدلت في الرعيّة ، [ فقال : ولم ويحك ؟ قال : لأنّك ] قسمت ما في العسكر وتركت الأموال والنساء والذريّة ، فقال عليه السلام أيّها الناس : من كانت به جرحة فليداوها بالسمن(2) .
ص: 144
ص: 145
ص: 146
ص: 147
ص: 148
قوله تعالى : « وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤمِنِينَ وَلِيجَةً » في أمير المؤمنين(1) عليه السلام .
تفسير الثعلبي عن أبي مالك عن ابن عباس في قوله « وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً » قال : المودّة لآل محمد(2) عليهم السلام .
الحسن بن علي عليه السلام قال : الحسنة حبّ أهل البيت(3) عليهم السلام .
أبو تراب في الحدائق والخوارزمي في الأربعين بإسنادهما عن أنس ،
ص: 149
والديلمي في الفردوس عن معاذ ، وجماعة عن ابن عمر قال : النبي صلى الله عليه و آله : حبّ علي بن أبي طالب حسنة لا تضرّ معها سيئة ، وبغضه سيئة لا تنفع معها حسنة(1) .
قال الشاعر :
وقد أتت الرواية في حديث
صحيح عن ثقات محدّثينا
بأنّ محبّة الهادي علي
أجلّ تجارة للتاجرينا
وليس تضرّ سيئة بخلق
يكون بها من المتخلّقينا
* * *
كتاب ابن مردويه ، بالإسناد عن زيد بن علي عن أبيه عن جدّه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه و آله قال : يا علي ، لو أنّ عبدا عبد اللّه مثل ما دام(2) نوح عليه السلام في قومه ، وكان له مثل جبل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل اللّه ، ومدّ عمره حتى حجّ ألف عام على قدميه ، ثم قتل بين الصفا والمروة مظلوما ، ثم لم يوالك - يا علي - لم يشمّ رائحة الجنّة ولم يدخلها(3) .
وفي تاريخ النسائي ، وشرف المصطفى ، واللفظ له : قال النبي صلى الله عليه و آله : لو أنّ
ص: 150
عبدا عَبد اللّه - تعالى - بين الركن والمقام ألف عام ، ثم ألف عام ، ولم يكن يحبّنا أهل البيت ، لأكبّه اللّه على منخره في النار(1) .
مقصورة العبدي :
لو أنّ عبدا لقى اللّه بأعمال
جميع الخلق برّا وتقى
ولم يكن والى عليا حبطت
أعماله وكبّ في نار لظى
* * *
قال الشاعر :
بغضه يدخل الجحيم ويمحى
بولاه كبائر الأوزار
هكذا المنذر التهامي عنه
قال فوق الأعواد غير مرار
لو وفود الحجيج بالسعي فازوا
ألف عام بالحجّ والأعمار
وحنتهم صلاتهم كالحنايا(2)
وبقوا بالصيام كالأوتار
ولقوا اللّه مبغضين عليالأكبّت وجوههم في النار
* * *
وتنحّل البحتري هذا المعنى لغيرهم ، فقال :
مخالف أمركم للّه عاص
ومنكم حقّكم لاق أثاما
وليس بمسلم من لم يقدّم
ولايتكم ولو صلّى وصاما
* * *
ص: 151
حسان بن سدير عن الباقر عليه السلام قال : ما ثبّت اللّه حبّ علي عليه السلام في قلب أحد فزلّت له قدم إلاّ ثبّتها اللّه ، وثبّت له قدم أخرى(1) .
الفردوس والرسالة القواميّة : أبو صالح عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : حبّ علي بن أبي طالب يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب(2) .
كتاب الخطيب الخوارزمي وشيرويه الديلمي عن جابر بن عبد اللّه قال النبي صلى الله عليه و آله :
جاءني جبرئيل عليه السلام من عند اللّه بورقة آس خضراء مكتوب فيها ببياض : « إنّي افترضت محبّة علي بن أبي طالب على خلقي ، فبلّغ ذلك عنّي »(3) .
ص: 152
معجم الطبراني بإسناده إلى فاطمة عليهاالسلام قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه - تعالى - باهى بكم وغفر لكم عامّة ، ولعلي خاصّة ، وإنّي رسول اللّه إليكم غير هائب لقومي ، ولا محاب(1) لقرابتي ، هذا جبرئيل عليه السلام يخبرني :
أنّ السعيد كلّ السعيد من أحبّ عليا عليه السلام في حياته وبعد موته ، وأنّ الشقيّ كلّ الشقيّ من أبغض عليا عليه السلام في حياته وبعد موته(2) .
قال الشاعر :
إن كنت تطمع في الجنان وطيبها
فاثبت على دين النبي محمد
وامنح ودادك للإمام المرتضى
أسد الإله الهاشمي السيّد
* * *
حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه و آله في خبر : أنّ اللّه فرض على الخلق خمسة ، فأخذوا أربعة وتركوا واحدا ، فسئل عن ذلك ، قال : الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والحجّ .
قالوا : فما الواحد الذي تركوا ؟ قال : ولاية علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
ص: 153
قالوا : هي واجبة من اللّه ؟ قال : نعم ، قال اللّه تعالى : « فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً »(1)) . . الآيات .
لائمي في محبّتي لعلي
كفّ عنّي الملام لا تعذلني
حبّه كالصلاة فرض فهل لي
إن تركت الصلاة من يجز عنّي
* * *
روضة الواعظين في خبر : أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال يوما لأصحابه : أيّكم يصوم الدهر ويحيي الليل ويختم القرآن ؟ فقال سلمان : أنا يا رسول اللّه .
فغضب بعضهم ، فقال : إنّ سلمان رجل من الفرس يريد أن يفتخر علينا معاشر قريش ، وهو يكذب في جميع ذلك !!
فقال النبي صلى الله عليه و آله : مه يا فلان ، أنّى لك بمثل لقمان الحكيم ، سله فإنّه ينبئك .
فقال : رأيتك في أكثر أيامك تأكل ، وأكثر لياليك نائما ، وأكثر أيامك صامتا ، فقال : ليس حيث تذهب إنّي أصوم الثلاثة في الشهر ، وقال اللّه : « مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها » ، وأوصل رجب وشعبان بشهر رمضان ، فذلك صوم الدهر ، وسمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : من بات على طهر فكأنّما أحيى الليل ، وأنا أبيت على طهر ، وسمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيقول لعلي عليه السلام : يا أبا الحسن ، مثلك في أمّتي مثل « قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ » ، فمن قرأها
ص: 154
مرّة فقد قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرّتين فقد قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاث مرّات فقد ختم القرآن كلّه ، فمن أحبّك بلسانه فقد كمل له ثلث الإيمان ، ومن أحبّك بلسانه وقلبه فقد كمل له ثلثا الإيمان ، ومن أحبّك بلسانه وقلبه ونصرك بيده فقد استكمل الإيمان ، والذي بعثني بالحقّ نبيا - يا علي - لو أحبّك أهل الأرض كمحبّة أهل السماء لما عذّب أحد بالنار ، وأنا أقرء « قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ » كلّ يوم ثلاث مرّات، فقام كأنّه ألقم حجرا(1).
وقال ابن عباس : كان يهودي يحبّ عليا عليه السلام حبّا شديدا ، فمات ولم يسلم .
قال ابن عباس : فيقول الجبار - تبارك وتعالى - : أمّا جنّتي فليس له فيها نصيب ، ولكن يا نار لا تهدّيه - أي لا تزعجيه - .
فضائل أحمد وفردوس الديلمي : قال عمر بن الخطاب : قال النبي صلى الله عليه و آله : حبّ علي براءة من النار(2) .
ص: 155
وأنشد :
حبّ علي جنّة للورى
احطط به يا ربّ أوزاري
لو أنّ ذميّا نوى حبّه
حصّن في النار من النار
* * *
وفي فردوس الديلمي : قال أبو صالح : لمّا حضرت عبد اللّه بن عباس الوفاة قال : اللّهم إنّي أتقرّب إليك بولاية علي بن أبي طالب(1) .
حلية الأولياء : قال يحيى بن كثير الضرير : رأيت زبيد بن الحارث النامي في النوم ، فقلت له : إلى مَ صرت يا أبا عبد الرحمن ؟
قال : إلى رحمة اللّه ، قلت : فأيّ العمل وجدت أفضل ؟ قال : الصلاة ، وحبّ علي بن أبي طالب عليهماالسلام(2) .
ونزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه و آله وقال : يا محمد ، اللّه العلي الأعلى يقرأ
ص: 156
عليك السلام وقال : محمد نبي رحمتي ، وعلي مقيم حجّتي ، لا أعذّب من والاه وإن عصاني ، ولا أرحم من عاداه وإن أطاعني(1) .
حبّه فرض على كلّ امرء
عرف الحقّ على غير جدال
وبه ينجو مواليه غدا
إذ ولاه عدّة للمتوال
* * *
حلية الأولياء وفضائل أحمد وخصائص النطنزي : روى زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه و آله قال : من أحبّ أن يحيى حياتي ، ويموت موتتي ، ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي - عزّ وجلّ - غرس قضبانها بيده ، فليتول علي بن أبي طالب ، فإنّه لم يخرجكم من هدى ، ولن يدخلكم في ضلالة(2) .
وفي رواية ابن عباس وأبي هريرة : من سرّه أنّ يحيا حياتي ويموت ميتتي ، ويدخل جنّة عدن منزلي ، [ ويمسك قضيبا ] منها غرسه ربّى ، ثم قال له : كن فيه ، فكان ، فليتولّ علي بن أبي طالب وليّا ، ثم الأوصياء من ولده ، فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي(3) . . الخبر .
ص: 157
وقال عبد اللّه بن موسى : تشاجر رجلان في الإمامة ، فتراضيا بشريك بن عبد اللّه ، فجاءا إليه ، فقال شريك : حدّثني الأعمش عن شقيق عن سلمة عن حذيفة اليمان : قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه - عزّ وجلّ - خلق عليا قضيبا من الجنّة ، فمن تمسّك به كان من أهل الجنّة .
فاستعظم ذلك الرجل وقال : هذا حديث ما سمعناه ، نأتي ابن دراج ، فأتياه فأخبراه بقصّتهما ، فقال : أتعجبان من هذا ! حدّثني الأعمش عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه خلق قضيبا من نور ، فعلّقه ببطنان عرشه ، لا يناله إلاّ علي عليه السلام ومن تولاّه من شيعته .
فقال الرجل : هذه أخت تلك ، نمضي إلى وكيع .
فمضيا إليه فأخبراه بالقصّة ، فقال وكيع : أتعجبان من هذا ! حدّثني الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ أركان العرش لا ينالها إلاّ علي عليه السلام ومن تولاه من شيعته .
قال : فاعترف الرجل بولاية علي(1) عليه السلام .
ابن بطّة في الإبانة والخطيب في الأربعين بإسنادهما عن السدي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعن زيد ابن أرقم ، وبإسنادهما عن شريك عن الأعمش عن حبيب بن ثابت عن زيد بن أرقم ، والثعلبي في ربيع المذكرين بإسناده عن أبي هريرة ، واللفظ لزيد :
ص: 158
قال النبي صلى الله عليه و آله : من أحبّ أن يتمسّك بالقضيب الأحمر الذي غرسه اللّه في جنّة عدن بيمينه ، فليتمسك بحبّ علي بن أبي طالب(1) .
قال خطيب منبج :
لقد غرس الإله بدار عدن
قضيبا وهو خير الغارسينا
من الياقوت يستعلي وينمو
على قضبانها حسنا ولينا
فإن شئتم تمسّكتم فكونوا
بحبل أخي من المتمسّكينا
* * *
وقال البصري :
يروى بأنّ أبا هريرة قال لي
إنّي ملأت من النبي مسامعا
من رام أن يتمسّك الغصن الذي
من أحمر الياقوت أصبح لامعا
من غرس ربّ العالمين وزرعه
من جنّتي عدن تبارك زارعا
فليلقين(2) لولاية الهادي أبي
حسن علي ذي المناقب تابعا
* * *
الخطيب في الأربعين عن عمران بن الحصين ، والزمخشري في ربيع الأبرار عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة ،
ص: 159
والسمعاني في الرسالة القواميّة عن عمر بن الخطاب عن الخدري ، ويوسف بن موسى القطان عن وكيع عن مالك بن أنس عن الزهري عن أنس عن عمر بن الخطاب ، واللفظ لعائشة قالت :
كان أبو بكر يديم النظر إلى علي عليه السلام ، فقيل له في ذلك ، فقال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : النظر إلى علي عليه السلام عبادة(1) .
الإبانة عن ابن بطّة روى أبو صالح عن أبي هريرة قال : رأيت معاذا يديم النظر إلى وجه علي عليه السلام ، فقلت له : إنّك تديم النظر إليه ، كأنّك لم تره ! فقال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : النظر إلى وجه علي بن أبي طالب عبادة(2) . وهو أكثر في الروايات .
وفي رواية عمار ومعاذ وعائشة عن النبي صلى الله عليه و آله : النظر إلى علي بن أبي طالب عبادة ، وذكره عبادة ، ولا يقبل إيمان إلاّ بولايته والبراءة من أعدائه(3) .
شيرويه في الفردوس : قالت عائشة : قال النبي صلى الله عليه و آله : ذكر علي عبادة(4) .
ص: 160
الخركوشي في شرف النبي صلى الله عليه و آله : أنّه كان الناس يصلّون وأبو ذر ينظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقيل له في ذلك ، فقال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيقول : النظر إلى علي بن أبي طالب عبادة ، والنظر إلى الوالدين برأفة ورحمة عبادة ، والنظر في المصحف عبادة ، والنظر إلى الكعبة عبادة(1) .
أبو ذر : قال النبي صلى الله عليه و آله : مثل علي عليه السلام فيكم - أو قال : في هذه الأمّة - كمثل الكعبة المستورة ، النظر إليها عبادة ، والحجّ إليها فريضة(2) .
قال البشنوي :
خير الوصيّين من خير البيوت ومن
خير القبائل معصوم من الزلل
إذا نظرت إلى وجه الوصيّ فقد
عبدت ربّك في قول وفي عمل
* * *
ص: 161
ص: 162
ص: 163
ص: 164
زياد بن المنذر عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ » قال : ولاية علي(1) عليه السلام .
أبان بن عثمان عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : « ذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ » الآية ، قال : هو وعيد توعّد اللّه - عزّ وجلّ - به من كذّب بولاية علي أمير المؤمنين عليه السلام .
مجاهد قال أبو ذر : قال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي ، من أطاعك فقد أطاعني ، ومن أطاعني فقد أطاع اللّه ، ومن عصاك فقد عصاني ، ومن عصاني فقد عصى اللّه (2) .
ص: 165
السمعاني في فضائل الصحابة : قال أبو ذر : قال النبي صلى الله عليه و آله : لا تضادّوا عليا فتكفروا ، ولا تفضلّوا عليه فترتدّوا .
أبو ذر وابن عمر : قال النبي صلى الله عليه و آله : من فارق عليا فقد فارقني ، ومن فارقني فقد فارق اللّه (1) .
وفي رواية ابن عمر : يا علي ، من خالفك فقد خالفني ، ومن خالفني فقد خالف اللّه (2) .
إمام الزيدية أبو طالب الهروي بإسناده عن علقمة ، وأبو أيوب : أنّه لمّا نزلت «الم أَحَسِبَ النّاسُ » الآيات ، قال النبي صلى الله عليه و آله لعمار : إنّه سيكون بعدي هناة(3) حتى يختلف السيف فيما بينهم ، وحتى يقتل بعضهم بعضا ، وحتى يتبرء بعضهم من بعض ، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني علي بن أبي طالب ، فإن سلك الناس كلّهم واديا فاسلك وادي علي عليه السلام وخلّ عن الناس .
يا عمار ، إنّ عليا لا يردّك عن هدى ، ولا يردّك إلى ردى .
ص: 166
يا عمار ، طاعة علي طاعتي ، وطاعتي طاعة اللّه (1) .
وفي رواية الناصر بإسناده عن جابر الأنصاري ، وطريف العبدي ، وأبى عبد الرحمن : قال علي عليه السلام : واللّه نزلت هذه الآيات فيّ وفى شيعتي ، وفي عدوّي وفي أشياعهم(2) .
الحسين بن علي عن أبيه عليه السلام قال : لمّا نزلت «الم أَحَسِبَ النّاسُ »
الآيات ، قلت : يا رسول اللّه ، ما هذه الفتنة ؟ قال : يا علي ، إنّك مبتلى ومبتلى بك ، وإنّك مخاصم فأعدّ للخصومة(3) .
جابر عن أبي جعفر عن أبيه عليه السلام قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : كيف بك - يا علي - إذا ولّوها من بعدي فلانا ؟ قال : هذا سيفي أحول بينهم وبينها ، قال النبي صلى الله عليه و آله : وتكون صابرا محتسبا فهو خير لك منها ، قال علي عليه السلام : فإذا كان خيرا لي فأصبر وأحتسب .
ثم ذكر فلانا وفلانا كذلك ، ثم قال : كيف بك إذا بويعت ثم خلفت(4) ، فأمسك علي عليه السلام ، فقال : اختر - يا علي - السيف أو النار .
ص: 167
قال علي عليه السلام : فما زلت أضرب أمري ظهر لبطن فما يسعني إلاّ جهاد القوم وقتالهم .
* * *
ويروى قوله تعالى : « وَعَلَى الأَْعْرافِ رِجالٌ » علي وعبيدة وحمزة عليهم السلام ، لقوله تعالى : « هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا » فإنّهم قاتلوا شيبة وعتبة والوليد(1) .
البخاري ومسلم بالإسناد : قال قيس بن سعد : قال علي عليه السلام : أنا أوّل من يجثو(2) للحكومة بين يدي اللّه (3) .
كتاب أحمد بن عبد اللّه المؤذّن عن أبي معاوية الضرير عن الأعمش عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة وابن عباس ، وفى تفسير ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله : « أَلَيْسَ اللّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ » ، وقد دخلت الروايات بعضها في بعض :
ص: 168
إنّ النبي صلى الله عليه و آله انتبه من نومة في بيت أمّ هاني فزعا ، فسألته عن ذلك ، فقال : يا أمّ هاني ، إنّ اللّه - عزّ وجلّ - عرض عليّ في منامي القيامة وأهوالها ، والجنّة ونعيمها ، والنار وما فيها وعذابها ، فاطلعت في النار فإذا أنا بمعاوية وعمرو بن العاص قائمين في حرّ جهنم ترضخ(1) رؤوسها الزبانية بحجارة من جمر جهنم يقولون لهما : هل آمنتما بولاية علي بن أبي طالب .
قال ابن عباس : فيخرج علي عليه السلام من حجاب العظمة ضاحكا مستبشرا ، وينادي : حكم لي وربّ الكعبة ، فذلك قوله : « أَلَيْسَ اللّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ » ، فيبعث الخبيث إلى النار ، ويقوم علي عليه السلام في الموقف يشفع في أصحابه وأهل بيته وشيعته .
فهذه الأخبار توجب طاعة علي عليه السلام ، والنهي عن مخالفته ، وقال اللّه تعالى : « أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ » .
قال الحميري :
إنّ امرءا خصمه أبو حسن
لعازب الرأي داحض الحجج(2)
لا يقبل اللّه منه معذرةولا تلاقيه حجّة الفلج(3)
* * *
ص: 169
وقال العوني :
أيا أمّة السوء التي ما تيقّظت
لما قد خلت فيها من المثلات
وقد وترت آل النبي ورهطه
على قدم الأيام أيّ ترات
بني المصطفى والمرتضى علم الهدى
إمام الهدى والكاشف الكربات
ببدر وأحد والنضير وخيبر
ويوم حنين ساعة الهبوات(1)
وصاحب خمّ والفراش وفضلهومن خصّ بالتبليغ عند براة(2)
* * *
ص: 170
ص: 171
ص: 172
ابن عقدة وابن جرير بالإسناد عن الخدري وجابر الأنصاري ، وجماعة من المفسّرين في قوله تعالى « وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ » ببغضهم علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
قال الربيع بن سليمان : كنت بالكوفة ، فمررت بمجنون فقرأت عليه : « آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ » فقال : ما على اللّه يفتري ، ولكن يبغض علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
جابر سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله تعالى : « فَالَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِالآْخِرَةِ
ص: 173
قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ » فقال عليه السلام : فإنّهم عن ولاية علي عليه السلام
مستكبرون ، فقال اللّه لمن فعل ذلك وعيدا منه « لا جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ »(1) .
الباقر عليه السلام : « إِنّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ » أعداؤه وأولياؤه ، ومن كان يهزأ بأمير المؤمنين عليه السلام ، وهم الذين قالوا : هذا صفيّ محمد من بين أهله ، وكانوا يتغامزون بأمير المؤمنين عليه السلام ، فأنزل اللّه تعالى : « وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ » .
الباقر عليه السلام في قوله : « قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ »
الآية نزلت فيهم ، وذلك حين اجتمعوا فقالوا : لئن مات محمد صلى الله عليه و آله لم نسمع لعلي عليه السلام ولا لأحد من أهل بيته ذكر .
ابن بطّة في الإبانة بإسناده عن جابر : قال النبي صلى الله عليه و آله : لو أنّ أمّتي أبغضوك لأكبّهم اللّه على مناخرهم في النار(2) .
ص: 174
عطية بن أبي سعيد قال النبي صلى الله عليه و آله : من أبغضنا أهل البيت فهو منافق(1) .
ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه و آله : من زعم أنّه آمن بما جئت وهو مبغض عليا ، فهو كاذب ليس بمؤمن(2) .
النبي صلى الله عليه و آله : من لقى اللّه - عزّ وجلّ - وفي قلبه بغض علي بن أبي طالب عليهماالسلام لقى اللّه وهو يهودي .
تاريخ الخطيب ، وكتاب ابن المؤذن ، واللفظ له : أنّه رآه يزيد بن هارون في المنام ، فقيل : ما فعل بك ؟
فقال : عاتبني فقال : أتحدّث عن حريز بن عثمان ؟ قال : قلت : يا ربّ ما علمت إلاّ خيرا ، قال : يا يزيد ، إنّه كان يبغض علي بن أبي طالب(1) .
قال ابن رزيك :
بحبّ علي ارتقي منكب العلى
وأسحب ذيلي فوق هام السحائب(2)
إمامي الذي لمّا تلفّظت باسمهغلبت به من كان بالكثر غالبي
* * *
قال الحماني :
الفاضل الخطب الذي باسمه
يمتحن الإيمان والكفر
* * *
الباقر عليه السلام في قوله تعالى :
« أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ» بموالاة علي عليه السلام « فَفَرِيقاً »
ص: 176
من آل محمد صلى الله عليه و آله « كَذَّبْتُمْ » « وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ »(1) .
الصادق عليه السلام سئل عن قوله تعالى «قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا
رَشَداً »فقال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله دعا الناس إلى ولاية علي عليه السلام فكره ذلك قوم ، وقالوا فيه ، فأنزل اللّه «قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أَحَدٌ » إن عصيته فيما أمرني به(2) . . الآيات .
هلقام عن أبي جعفر في قوله : « فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ » قال : دفعهم ولاية أمير المؤمنين(3) عليه السلام .
ابن بطّة من ستّة طرق ، وابن ماجة ، والترمذي ، ومسلم ، والبخاري ، وأحمد ، وابن البيع ، وأبو القاسم الأصفهاني ، وأبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع ، وابن معاوية عن الأعمش بأسانيدهم عن زر بن حبيش :
قال علي عليه السلام : والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، إنّه لعهد النبي الأمّي صلى الله عليه و آله
أنّه لا يحبّني إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق(4) .
ص: 177
الحلية ، وفضائل السمعاني ، والعكبري ، وشرح الألكاني ، وتاريخ بغداد عن زر بن حبيش قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : عهد إليّ النبي صلى الله عليه و آله أنّه لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق(1) .
وقد رواه كثير النوا وسالم بن أبي حفصة .
جامع الترمذي ، ومسند الموصلي ، وفضائل أحمد عن أم سلمة : قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : لا يحبّك منافق ولا يبغضك مؤمن(2) .
أحمد في مسند النساء الصحابيات عن أمّ سلمة ، وكتاب إبراهيم الثقفي عن أنس :
ص: 178
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أبشر ، فإنّه لا يبغضك مؤمن ولا يحبّك منافق ، ولولا أنت لم يعرف حزب اللّه (1) .
وفي الخبر : يا علي ، حبّك تقوى وإيمان ، وبغضك كفر ونفاق(2) .
الصادق عليه السلام «وَلَيَعْلَمَنَّ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا » يعني بولاية علي عليه السلام « وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ » يعني الذين أنكروا ولايته(3) .
ربيع المذكرين : قال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي ، لولاك لما عرف المؤمنون بعدي(4) .
البلاذري والترمذي والسمعاني عن أبي هارون العبدي قال أبو سعيد الخدري : كنّا لنعرف المنافقين نحن معاشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب عليهماالسلام(5) .
إبانة العكبري وكتاب ابن عقدة وفضائل أحمد بأسانيدهم : أنّ جابرا
ص: 179
والخدري قالا : كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ببغضهم عليا(1) .
إبانة العكبري وشرح الألكاني : قال جابر وزيد بن أرقم : ما كنّا نعرف المنافقين ونحن مع النبي صلى الله عليه و آله إلاّ ببغضهم عليا(2) .
وقال أنس : ما خفي منافق على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد هذه الآية(3)(4) .
قال الحميري :
وجاء عن ابن عبد اللّه إنّا
به كنّا نميز مؤمنينا
فنعرفهم بحبّهم عليا
وإنّ ذوي النفاق ليعرفونا
ببغضهم الوصيّ ألا فبعدا
لهم ماذا عليه ينقمونا
وممّا قالت الأنصار كانت
مقالة عارفين مجرّبينا
ببغضهم على الهادي عرفنا
وحقّقنا نفاق منافقينا
* * *
ص: 180
ولغيره أيضا :
فرض اللّه والنبي على الخلق
موالاته بخمّ ونصّا
وبه يعرف النفاق من الإيمان
فاعرف ما قلت سرّا ومحصا
* * *
الباقر عليه السلام في قوله : « وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ » قال : لا تعدلوا عن ولايتنا فتهلكوا في الدنيا والآخرة(1) .
أبو بكر مردويه عن أحمد بن محمد بن الصباح النيسابوري عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل عن أحمد قال : سمعت الشافعي يقول : سمعت مالك بن أنس يقول :
قال أنس بن مالك : ما كنّا نعرف الرجل لغير أبيه إلاّ ببغض علي بن أبي طالب عليهماالسلام(2) .
أنس في خبر طويل : كان الرجل من بعد يوم خيبر يحمل ولده على عاتقه ، ثم يقف على طريق علي عليه السلام ، فإذا نظر إليه أومى ء بأصبعه : يا بني
ص: 181
تحبّ هذا الرجل ؟ فإن قال : نعم قبله ، وإن قال : لا ، خرق به الأرض ، وقال له : الحق بأمّك(1) .
الهروي في الغريبين : قال عبادة بن الصامت : كنّا نسبر(2) أولادنا بحبّ علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فإذا رأينا أحدهم لا يحبّه علمنا أنّه لغير رشدة(3) .
الطبري في الولاية بإسناده له عن الأصبغ بن نباتة قال علي عليه السلام : لا يحبّني ثلاثة : ولد زنا ، ومنافق ، ورجل حملت به أمّه في بعض حيضها(4) .
قال الصاحب :
حبّ علي بن أبي طالب
فرض على الشاهد والغائب
وأمّ من نابذه عاهر
تبذل للنازل والراكب
* * *
وله أيضا :
حبّ علي بن أبي طالب
يميّز الحرّ من النغل(5)
.................................
يصفر وجه السفلة النذل(6)
لا تعذلوه واعذلوا أمّهإذ آثرت جارا على البعل
ص: 182
وله أيضا :
حبّ الوصي علامة
في من على الإسلام ينشو
فإذا رأيت مناصبا
فاعلم بأنّ أباه كبش
* * *
وله أيضا :
بحبّ علي تزول الشكوك
وتصفوالنفوس ويزكوالنجار(1)
فمهما رأيت محبّا له
فثمّ العلاء وثمّ الفخار
ومهما رأيت بغيضا له
ففي أصله نسب مستعار
فمهّد على نصبه عذره
فحيطان دار أبيه قصار
* * *
ولغيره :
بغض الوصي علامة معروفة
كتبت على جبهات أولاد الزنا
من لم يوال من الأنام وليّه
سيّان عند اللّه صلّى أم زنا
* * *
وقال آخر :
من كان ذا علم وذا فطنة
وبغض أهل البيت من شانه
فإنّما الذنب على أمّه
إذ حملت من بعض جيرانه
* * *
ص: 183
وقال آخر :
أحبّ النبي وآل النبي
لأنّي ولدت على الفطره
إذا شكّ في ولد والد
فآيته البغض للعتره
* * *
وقال آخر :
حبّ النبي محمد ووصيّه
ينبئك عن أصلي وطيب المولد
من طاب مولده وصحّ ولادة
صحّت ولايته لآل محمد
* * *
وقال آخر :
يا ذا الذي هجر الوصيّ وآله
أظهرت حقّا أنّ أمّك فاعله
وقفت بضاعتها على جيرانها
والسائلين من الورى والسائله
* * *
وقال آخر :
بعلي المرتضى خير الورى
يعرف الفاجر من ولد الحلال
* * *
أبو الحسين فادشاه :
من لم يعاد كلّ من عاداه
لا شكّ خانت أمّه أباه
* * *
ص: 184
روى عبادة بن يعقوب بإسناده عن يعلى بن مرّة : أنّه كان جالسا عند النبي صلى الله عليه و آله إذ دخل أمير المؤمنين عليه السلام قال : كذب من زعم أنّه يتولاّني
ويحبّني وهو يعادي هذا ويبغضه ، واللّه لا يبغضه ويعاديه إلاّ كافر أو منافق أو ولد زانية(1)(2) .
قال الصاحب :
أشهد باللّه وآلائه
شهادة خالصة صادقه
أنّ علي بن أبي طالب
زوجة من يبغضه طالقه
ثلاثة ليس لها رجعة
طالقة طالقة طالقه
* * *
وقال ابن المدلل :
ولقد روينا في حديث مسند
عمّا رواه حذيفة بن يمان
أنّي سألت المرتضى لم لم يكن
عقد الولاء يصيب كلّ جنان
فأجابني بإجابة طابت لها
نفسي وأطربني لها استحساني
اللّه فضّلني وميّز شيعتي
من نسل أرجاس البعول زواني
ورواية أخرى إذا حشر الورى
يوم المعاد روين عن سلمان
للناصبين يقال يا بن فلانة
ويقال للشيعي يا بن فلان
كتموا أبا هذا الخبيث ولادة
ولطيب ذا يدعى بلا كتمان
* * *
ص: 185
ص: 186
ص: 187
ص: 188
الواحدي في أسباب النزول ، ومقاتل بن سليمان وأبو القاسم القشيري في تفسيرهما :
أنّه نزل قوله تعالى : «وَالَّذِينَ يُؤذُونَ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِناتِ » الآية في علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وذلك أنّ نفرا من المنافقين كانوا يؤذونه ويسمعونه ويكذبون عليه(1) .
وفي رواية مقاتل : «وَالَّذِينَ يُؤذُونَ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِناتِ » يعني عليا وفاطمة عليهماالسلام « فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً »(2) .
قال ابن عباس : وذلك أنّ اللّه - تعالى - أرسل عليهم الجرب في جهنم فلا يزالون يحكّون حتى تقطع أظفارهم ، ثم يحكّون حتى تنسلخ جلودهم ، ثم يحكّون حتى تظهر عظامهم ، ويقولون : ما هذا العذاب الذي نزل بنا ؟ فيقولون لهم : معاشر الأشقياء هذه عقوبة لكم ببغضكم أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله .
ص: 189
تفسير الضحاك ومقاتل : قال ابن عباس في قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ يُؤذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ » ، وذلك حين قال المنافقون :
إنّ محمدا صلى الله عليه و آله ما يريد منّا إلاّ أن نعبد أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بألسنتهم ، فقال : « لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيا وَالآْخِرَةِ » بالنار «وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً » في جهنم .
وفي تفاسير كثيرة : أنّه نزل في حقّه : « لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاّ قَلِيلاً » يعني يهلكهم .
ثم قال : « مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا » يعني بعدك يا محمد « أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً » ، فواللّه لقد قتلهم أمير المؤمنين عليه السلام ، ثم قال : « سُنَّةَ اللّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ » الآية .
محمد بن هارون رفعه إليهم عليهم السلام : لا تؤذوا رسول اللّه في علي عليه السلام
والأئمة عليهم السلام « كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللّهُ مِمّا قالُوا »(1) .
ص: 190
كتاب ابن مردويه بالإسناد عن محمد بن عبد اللّه الأنصاري وجابر الأنصاري ، وفي الفضائل عن أبي النضر بالإسناد عن محمد بن عبد اللّه عن جابر الأنصاري ، وفي الخصائص عن النطنزي بإسناده عن جابر ، كلّهم عن عمر بن الخطاب قال :
أعوذ باللّه ممّن آذى رسوله صلى الله عليه و آله ، قال : كنت أجفو عليا عليه السلام فلقيني رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : إنّك آذيتني يا عمر ، فقلت : أعوذ باللّه ممّن آذى رسوله صلى الله عليه و آله ، قال : إنّك قد آذيت عليا ، ومن آذى عليا فقد آذاني(1) .
العكبري في الإبانة : مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص قال : كنت أنا ورجلان في المسجد فنلنا من علي عليه السلام ، فأقبل النبي صلى الله عليه و آلهمغضبا
فقال : ما لكم ولي ؟! من آذى عليا عليه السلام فقد آذاني(2) .
الحاكم الحافظ في أماليه ، وأبو سعيد الواعظ في شرف المصطفى ، وأبو عبد اللّه النطنزي في الخصائص بأسانيدهم :
أنّه حدّث زيد بن علي وهو آخذ بشعره ، قال : حدّثني علي بن الحسين عليهماالسلام وهو آخذ بشعره ، قال : حدّثني الحسين بن علي عليهماالسلام وهو آخذ بشعره ، قال : حدّثني علي بن أبي طالب عليهماالسلام وهو آخذ بشعره ، قال : حدّثني رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو آخذ بشعره ، فقال : من آذى أبا حسن فقد آذاني حقّا ، ومن آذاني فقد آذى اللّه ، ومن آذى اللّه فعليه لعنة اللّه .
ص: 191
وفي رواية : من آذى اللّه لعنه اللّه مل ء السماوات ومل ء الأرض(1) .
قال الصوري :
سيسئل من آذى النبي وآله
بماذا خلفتم لا خلفتم محمدا
بماذا ينال الفاسقون شفاعة
لأحمد لمّا حاربوا آل أحمدا
أترجون عند اللّه لا بل تبوّؤا
من النار إذ خالفتم اللّه مقعدا
ستجمعكم والطيّبين مواقف
وتلقون ما قدّمتموه مؤكّدا
* * *
وقال آخر :
ولمن يقول سوى علي كلّ من
آذى أبا حسن فقد آذاني
حقّا ومن آذى النبي فإنّه
مؤذ بخالقي الذي أنشاني
حقّا ومن آذى المليك فإنّه
في النار يرسف أيّما رسفان(2)
* * *
الترمذي في الجامع ، وأبو نعيم في الحلية ، والبخاري في الصحيح ، والموصلي في المسند ، وأحمد في الفضائل ، والخطيب في الأربعين عن عمران بن الحصين وابن عباس وبريدة :
أنّه رغب علي عليه السلام من الغنائم في جارية ، فزايده حاطب بن أبي بلتعة وبريدة الأسلمي ، فلمّا بلغ قيمتها قيمة عدل في يومها أخذها بذلك .
ص: 192
فلمّا رجعوا وقف بريدة قدّام الرسول صلى الله عليه و آله وشكا من علي عليه السلام ، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه و آله ، ثم جاء عن يمينه وعن شماله ومن خلفه يشكو فأعرض عنه ، ثم قام بين يديه فقالها .
فغضب النبي صلى الله عليه و آله وتغيّر لونه ، وتربّد(1) وجهه ، وانتفخت أوداجه ، فقال :
ما لك - يا بريدة - ما آذيت رسول اللّه منذ اليوم ، أما سمعت أنّ اللّه يقول : « إِنَّ الَّذِينَ يُؤذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيا وَالآْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً » .
أما علمت أنّ عليا منّي وأنا منه ، وأنّ من آذى عليا فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى اللّه ، ومن آذى اللّه فحقّ على اللّه أن يؤذيه بأليم عذابه في نار جهنم .
يا بريدة ، أنت أعلم أم اللّه أعلم ؟ أم قرّاء اللوح المحفوظ أعلم ؟ أنت أعلم أم ملك الأرحام أعلم ؟ أنت أعلم - يا بريدة - أم حفظة علي بن أبي طالب ؟
قال : بل حفظته .
قال : وهذا جبرئيل أخبرني عن حفظة علي عليه السلام أنّهم ما كتبوا قطّ عليه خطيئة منذ ولد ، ثم حكى عن ملك الأرحام ، وقرّاء اللوح المحفوظ ، وفيها : ما تريدون من علي ؟ ثلاث مرات .
ص: 193
ثم قال : علي منّي وأنا منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي(1) .
وفي رواية أحمد : دعوا عليا(2) .
قال الحميري :
فقال له مه يا بريدة لا تقل
فإنّ ابن عمّي في على تتبع
فمنّي علي يا بريدة لم يزل
وإنّي كذا منه على الحقّ نتبع
وليّكم بعدي علي فأيقنوا
وقائعه بعد الوقيعة تسرع
بتوبته مستعجلاً خاب أنّه
بسبّ علي في لظى يتدرّع(3)
* * *
ص: 194
ص: 195
ص: 196
الباقر عليه السلام في قوله : «وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ » يعني إنكارهم ولاية أمير المؤمنين(1) عليه السلام .
وعنه في قوله : « كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ » إذا عاينوا عند الموت ما أعدّ لهم من العذاب الأليم ، وهم أصحاب الصحيفة الذين كتبوا على مخالفة علي عليه السلام « وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ » .
وعنه عليه السلام في قوله تعالى « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً »
وأعلمهم بما في قلوبهم ، وهم أصحاب الصحيفة .
ص: 197
الباقر والصادق عليه السلام في قوله :
« فَلَمّا رَأَوْهُ زُلْفَةً » نزلت في علي عليه السلام ، وذلك لمّا رأوا عليا عليه السلام يوم القيامة اسودّت « وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا » لمّا رأوا منزلته ومكانه من اللّه أكلوا
أكفّهم على ما فرّطوا في ولاية علي عليه السلام(1) .
وحدّثني أبو الفتوح الرازي في روض الجنان بما ذكره أبو عبد اللّه المرزباني بإسناده عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله :
« أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ » نزلت في رسول اللّه صلى الله عليه و آله وفي علي عليه السلام(2) .
وحدّثني أبو علي الطبرسي في مجمع البيان : المراد بالناس النبي وآله عليهم السلام(3) .
وقال أبو جعفر عليه السلام : المراد بالفضل فيه النبوة ، وفى علي عليه السلام(4) الإمامة(5) .
ص: 198
وكثرهم هدى ، فحسدوه ، والناس إلى أمثالهم وأشكالهم أميل(1) .
وفي رواية : [ لم ] هجر الناس عليا عليه السلام وقرباه من رسول اللّه صلى الله عليه و آله قرباه ، وموضعه من المسلمين موضعه ، وعناؤه في الإسلام عناؤه ؟
فقال : بهر - واللّه - نوره على أنوارهم ، وغلبهم على صفو كلّ منهل ، والناس إلى أشكالهم أميل ، أما سمعت الأوّل حيث قال :
وكلّ شكل لشكله ألف
أما ترى الفيل يألف الفيلا
* * *
وقال العباس بن الأحنف(2) :
وقائل كيف تهاجرتما
فقلت قولاً فيه انصاف
لم يك من شكلي فهاجرته
والناس أشكال وآلاف(3)
* * *
وقيل لمسلمة بن نميل : ما لعلي عليه السلام رفضه العامّة ، وله في كلّ خير ضرس قاطع ؟
فقال : لأنّ ضوء عيونهم قصر عن نوره ، والناس إلى أشكالهم أميل(4) .
لا يعشق الهدهد قمرية
ولا غراب البين خطافا
ص: 200
وقال آخر :
« فلن ترى الشمس أبصار الخفافيش »
* * *
وقال رجل لأمير المؤمنين عليه السلام يوم صفين : لم دفعكم قومكم عن هذا الأمر وكنتم أعلم الناس بالكتاب والسنة ؟
فقال عليه السلام : كانت إمرة شحّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس آخرين ، ولنعم الحكم اللّه ، والزعيم محمد صلى الله عليه و آله .
« فدع عنك نهبا صيح في حجراته »
* * *
ثم تكلّم في معاوية وأصحابه(1) .
عن الباقرين عليهماالسلام في قوله تعالى : « أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ » علي عليه السلام « كَمَنْ هُوَ أَعْمى » أعداؤه « إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَْلْبابِ » الأئمة عليهم السلام الذين غرس في قلوبهم العلم من ولد آدم عليه السلام .
وعنهما عليه السلام قال النبي صلى الله عليه و آله : من قبل منكم وصيّتي ويؤازرني على أمري ويقضي ديني وينجز عداتي من بعدي ويقوم مقامي(2) .
ص: 201
وفي كلام له : فقال رجلان لسلمان : ماذا يقول آنفا محمد صلى الله عليه و آله ؟ فقام إليه أمير المؤمنين عليه السلام فضمّه إلى صدره وقال : أنت لها يا علي ، فأنزل اللّه : « وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ » إلى قوله : « طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ » .
موسى بن جعفر عليه السلام في قوله : « أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ » قال : إذا كان نزلت الآية في علي عليه السلام ثنى أحدهم صدره لئلا يسمعها ، ويستخفى من النبي صلى الله عليه و آله .
الباقر عليه السلام في قوله : « يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ » أنّ رسول صلى الله عليه و آله كان إذا حدّث بشيء من فضائل علي عليه السلام أو تلا عليهم ما أنزل فيه نفضوا ثيابهم وقاموا ، يقول اللّه : « يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ »(1) .
جابر عن أبي جعفر
عليه السلام في قوله : «إِلاّ أَصْحابَ الَْيمِينِ فِي جَنّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الُْمجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ » قال لعلي عليه السلام - أي النبي صلى الله عليه و آله - : المجرمون - يا علي - المكذّبون بولايتك(2) .
قال الشعبي : ما ندري ما نصنع بعلي بن أبي طالب عليهماالسلام إن أحببناه افتقرنا ، وإن أبغضناه كفرنا(3) .
وقال النظام : علي بن أبي طالب عليهماالسلام محنة على المتكلّم ، إن وفى حقّه
غلا ، وإن بخسه حقّه أساء ، والمنزلة دقيقة الوزن ، حادة الشأن ، صعبة الترقي إلاّ على الحاذق الديّن(4)(5) .
ص: 202
وقال أبو العيناء لعلي بن الجهم : إنّما تبغض عليا عليه السلام لأنّه كان يقتل الفاعل والمفعول ، وأنت أحدهما ، فقال له : يا مخنّث ، فقال أبو العيناء : « وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ » .
قال ابن حماد :
ولبغض الوصيّ علّة سوء
عندما وقت يولد المولود
وبذا جاءنا ابن عباس في التفسير
في الحقّ ماله مردود
* * *
وقال غيره :
الحمد للّه أنّي لا أرى أحدا
يثني عليه ولم يسترخ مفصله
فإن تشكّكت يوما في عقيدته
فلا تناكره وانظر كيف أسفله
* * *
شيرويه في الفردوس : قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّما رفع اللّه القطر عن بني إسرائيل بسوء رأيهم في أنبيائهم ، وإنّ اللّه يرفع القطر عن هذه ببغضهم علي بن أبي طالب(1) .
وفي رواية : فقام رجل فقال : يا رسول اللّه ، وهل يبغض عليا أحد ؟ قال : نعم ، القعود عن(2) نصرته بغض(3) .
ص: 203
استسقى القاضي سوار لأهل البصرة ، فقال السيد الحميري :
ابتلعي يا أرض أقدامهم
ثم ارمهم يا مزن بالجلمد
لا تسقهم من وابل قطرة
فإنّهم حرب بني أحمد
* * *
ص: 204
ص: 205
ص: 206
الشوهاني بإسناده : سأل عبد اللّه بن عطاء المكي الباقر عليه السلام عن قوله : « رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ » قال : ينادي مناد يوم القيامة يسمع الخلائق : ألا إنّه لا يدخل الجنّة إلاّ مسلم(1) ، فيومئذٍ « يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ » لولاية أمير المؤمنين عليه السلام .
وقال عليه السلام : نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه و آله هكذا « وَقالَ الظّالِمُونَ » آل محمد حقّهم « لَمّا رَأَوُا الْعَذابَ » وعلي عليه السلام هو العذاب « هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ »(2) ، فيقولون : نردّ فنتولّى عليا عليه السلام .
قال اللّه «وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها » يعني أرواحهم تعرض على النار
ص: 207
«خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ » إلى علي عليه السلام « مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا »بآل محمد عليهم السلام « إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظّالِمِينَ » لآل محمد عليهم السلام حقّهم « فِي عَذابٍ مُقِيمٍ »(1)(2) .
الحسكاني في شواهد التنزيل بإسناده عن ابن المسيب عن ابن عباس : أنّه لمّا نزلت « وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً » قال النبي صلى الله عليه و آله : من ظلم عليا مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنّما جحد نبوتي ونبوة الأنبياء قبلي(3) .
كتاب أبي عبد اللّه محمد بن السراج عن النبي صلى الله عليه و آله في خبر : من ظلم عليا مجلسي هذا كمن جحد نبوتي ونبوة من كان قبلي(4) .
عمران بن حصين في خبر : أنّه عاد النبي صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام ، فقال عمر :
يا رسول اللّه ، ما علي إلاّ لما به ! فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا - والذي نفسي
ص: 208
بيده - يا عمر لا يموت علي حتى يملأ غيظا ، ويوسع غدرا ، ويوجد(1) من بعدي صابرا(2) .
تاريخ بغداد وكتاب إبراهيم الثقفي : روى عمرو بن الوليد الكرابيسي بإسناده عن أبي إدريس عن علي عليه السلام قال : عهد إلى النبي عليهماالسلام أنّ الأمّة ستغدر بك(3) .
وفي حديث سلمان : قال صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : إنّ الأمّة ستغدر بك فاصبر لغدرها(4) .
الحارث بن حصين : قال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي ، إنّك لاق بعدي كذا وكذا ، فقال : يا رسول اللّه ، إنّ السيف لذو شفرتين ، وما أنا بالعتل ولا الذليل ، قال : فاصبر يا علي ، قال علي : أصبر يا رسول اللّه .
قال أشجع بن عمر في ممدوحه :
وعلى عدوّك يا بن عمّ محمد
رصدان ضوء الصبح والإظلام
وإذا تنبّه رعته وإذا غفا
سلّت عليه سيوفك الأحلام
ص: 209
واختلفوا في محاربة علي عليه السلام .
فقال الزيدية ، ومن المعتزلة النظام وبشر بن المعتمر ، ومن المرجئة أبو حنيفة وأبو يوسف وبشر المريشي ، ومن قال بقولهم :
إنّه كان مصيبا في حروبه بعد النبي صلى الله عليه و آله ، وأنّ من قاتله عليه السلام كان على خطأ .
وقال أبو بكر الباقلاني وابن إدريس : من نازع عليا عليه السلام في خلافته فهو باغ .
وفي تلخيص الشافي : أنّه قالت الإمامية : من حارب أمير المؤمنين عليه السلام كان كافرا ، يدلّ عليه :
إجماع الفرقة .
وأنّ من حاربه كان منكرا لإمامته ، دافعا لها ، ودفع الإمامة كفر ، كما أنّ دفع النبوة كفر ، لأنّ الجهل بهما على حدّ واحد .
وقوله عليه السلام : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، وميتة الجاهلية لا تكون إلاّ على كفر .
وقوله صلى الله عليه و آله : اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه ، ولا تجب عداوة أحد بالإطلاق دون الفساق .
ومن حاربه كان يستحلّ دمه ويتقرّب إلى اللّه بذلك ، واستحلال دم
ص: 210
المؤمن كفر بالإجماع ، وهو أعظم من استحلال جرعة من الخمر الذي هو كفر بالإتفاق ، فكيف استحلال دم الإمام .
وروى عنه صلى الله عليه و آله المخالف والمؤالف : يا علي ، حربك حربي وسلمك سلمي ، ومعلوم أنّه صلى الله عليه و آله إنّما أراد أنّ أحكام حربك تماثل أحكام حربي ، ولم يرد أنّ أحد الحربين هو الآخر ، لأنّ المعلوم خلاف ذلك ، وإذا كان حرب النبي صلى الله عليه و آله كفرا وجب مثل ذلك حربه .
يا أخي يا علي سلمك سلمي
في جميع الورى وحربك حربي
* * *
أبو موسى في جامعه ، والسمعاني في كتابه ، وابن ماجة في سننه ، وأحمد في المسند والفضائل ، وابن بطّة في الإبانة ، وشيرويه في الفردوس ، والسدي في التفسير ، والقاضي المحاملي ، كلّهم عن زيد بن أرقم ، وروى الثعلبي في تفسيره عن أبي هريرة وأبو الجحاف عن مسلم بن صبيح ، كلّهم عن النبي صلى الله عليه و آله :
أنّه نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فقال : أنا حرب لمن حاربكم ، وسلم لمن سالمكم(1) .
ص: 211
تاريخ الطبري وأربعين ابن المؤذن : أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و آله : أنا حرب لمن حاربكم ، وسلم لمن سالمكم(1) .
ابن مسعود : قال
صلى الله عليه و آله : عاديت من عاداك ، وسالمت من سالمك(2) .
الخركوشي في اللوامع : وقال النبي صلى الله عليه و آله : من قاتلني في الأولى ، وقاتل أهل بيتي في الثانية ، فأولئك شيعة الدجّال(3) .
أبو يعلى الموصلي والخطيب التاريخي وأبو بكر مردويه بطرق كثيرة عن علي عليه السلام : أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين(4) .
وكثر أصحاب الحديث على شريك وطالبوه بأنّه يحدّثهم بقول النبي صلى الله عليه و آله : تقتلك الفئة الباغية ، فغضب وقال : أتدرون أن لا فخر لعلي عليه السلام
أن يقتل معه عمار ، إنّما الفخر لعمار أن يقتل مع علي عليه السلام .
وروى ابن مردويه بخمسة عشر طريقا : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال
ص: 212
في حرب صفين : واللّه ما وجدت من القتال بدّا أو الكفر بما أنزل على محمد(1) صلى الله عليه و آله .
وروينا عن أبي جعفر عليه السلام أنّه ذكر الذين حاربهم علي عليه السلام فقال : أما إنّهم أعظم جرما ممّن حارب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قيل له : وكيف ذلك يا ابن رسول اللّه ؟ قال : أولئك كانوا جاهلية ، وهؤلاء قرأوا القرآن ، وعرفوا أهل الفضل ، فأتوا ما أتوا بعد البصيرة(2) .
عبدوس بن عبد اللّه الهمداني ، وأبو بكر بن فورك الأصفهاني ، وشيرويه الديلمي ، والموفق الخوارزمي ، وأبو بكر مردويه في كتبهم عن الخدري في خبر قال : فقال عليه السلام : يا رسول اللّه ، على ما أقاتل القوم ؟ قال : على الإحداث في الدين(3) .
وفي رواية أنّه قال : فأين الحقّ يومئذٍ ؟ قال : يا علي ، الحقّ معك وأنت معه ، قال : لا أبالي ما أصابني .
شيرويه في الفردوس عن وهب بن صيفي، وروى غيره عن زيد بن أرقم قالا : قال النبي صلى الله عليه و آله : أنا أقاتل على التنزيل ، وعلي يقاتل على التأويل(4) .
علي على التأويل لا شكّ قاتل
كقتلي على تنزيله كلّ مجرم
ص: 213
وممّا يمكن أن يستدل به من القرآن قوله تعالى : « وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الأُْخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ » والباغي من خرج على الإمام ، فافترض قتال أهل البغي كما افترض قتال المشركين .
وأمّا اسم الإيمان عليهم كقوله « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ »أي الذين أظهروا الإيمان بألسنتهم آمنوا بقلوبكم .
وقيل لزين العابدين عليه السلام : إنّ جدّك كان يقول : إخواننا بغوا علينا ! فقال : أما تقرأ كتاب اللّه « وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً » فهم مثلهم ، أنجاه اللّه والذين معه وأهلك عادا بالريح العقيم(1) .
وقد ثبت أنّه نزل فيه : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ »
الآية .
وفي حديث الأصبغ بن نباتة : قال رجل لأمير المؤمنين عليه السلام : هؤلاء القوم الذين نقاتلهم الدعوة واحدة والرسول واحد والصلاة واحدة والحجّ واحد فبم نسمّيهم ؟
قال : سمّهم بما سمّاهم اللّه في كتابه : « تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ
ص: 214
مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ » ، فلمّا وقع الاختلاف كنّا أولى باللّه وبالنبي صلى الله عليه و آله وبالكتاب وبالحقّ(1) .
الباقرين عليه السلام في قوله « فَإِمّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ » يا محمد من مكة إلى المدينة ، فإنّا رادّوك منها ومنتقمون منهم بعلي عليه السلام(2) .
أورده النطنزي في الخصائص والصفواني في الإحن والمحن عن السدى والكلبي وعطاء وابن عباس والأعمش وجابر بن عبد اللّه الأنصاري : أنّها نزلت في علي(3) عليه السلام .
ابن جريح عن مجاهد عن ابن عباس ، وعن سلمة بن كهيل عن عبد خير ، وعن جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، بل رووا ذلك على اتفاق واجتماع :
أنّ النبي صلى الله عليه و آله خطب في حجّة الوداع ، فقال : لأقتلنّ العمالقة في كتيبة ، فقال له جبرئيل عليه السلام : أو علي بن أبي طالب(4) عليه السلام .
ص: 215
وفي رواية جابر وابن عباس : ألا لا ألفينّكم ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، أما - واللّه - لئن فعلتم ذلك لتعرفنّني في كتيبة فأضرب وجوهكم فيها بالسيف ، فكأنّه غمز من خلفه ، فالتفت ، ثم أقبل علينا ، فقال : أو علي عليه السلام ، فنزل « فَإِمّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ »
لعلي بن أبي طالب(1) .
ثم نزل « قُلْ رَبِّ إِمّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ » إلى قوله « هِيَ أَحْسَنُ »(2) .
ثم نزل « فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ » من أمر علي بن أبي طالب « إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » وأنّ عليا « لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ » عن محبّة علي عليه السلام(3) .
أبو حرب بن أبي الأسود الدؤلي عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه و آله
قال : لمّا نزلت هذه الآية « فَإِمّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ » قال : أو بعلي بن أبي طالب عليهماالسلام ، ثم قال : بذلك حدّثني جبرئيل عليه السلام .
قال الحميري :
كان من قوله ألا لا تعودوا
بعد موتي في ردّة وعنود
تلحقوا الحرب بينكم فتصيروا
في فريقين قائد ومقود
ولئن أنتم فتنتم وحلتم
في عمى حائل وفي ترديد
لتروني وفي يدي السيف صلتا
أو عليا في فليق(4) كالأسود
ص: 216
تحته بغلتي ودرعي عليه
وحسامي في كفّه وعمودي
فوقه رايتي تطير بها الريح
عليكم في يوم نحس مبيد
* * *
وليلة الهرير لم تكن صلاتهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء عند وقت كلّ صلاة إلاّ التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء ، وكانت تلك صلاتهم لم يأمرهم بإعادتها(1) .
وكان عليه السلام لا يتّبع مولّيهم ، ولا يجهز على جريحهم ، ولم يسب ذراريهم ، وكان لا يمنع من مناكحتهم وموارثتهم(2) .
أبو علي الجبائي في كتاب الحكمين الذي روى أنّه عليه السلام سبى قوما من الخوارج أنّهم كانوا قد ارتدّوا وتنصّروا .
وكان عليّان المجنون مقيما بالكوفة ، وكان قد ألف دكان طحان ، فإذا اجتمع الصبيان عليه وآذوه يقول :
ص: 217
قد حمي الوطيس ، وطاب اللقاء ، وأنا على بصيرة من أمري ، ثم يثب ويحمحم وينشد :
أريني سلاحي لا أبا لك إنّني
أرى الحرب لا تزداد إلاّ تماديا
* * *
ثم يتناول قصبته ليركبها ، فإذا تناولها يقول :
أشدّ على الكتيبة لا أبالي
أحتفي كان فيها أو سواها
* * *
قال : فينهزم الصبيان بين يديه ، فإذا لحق بعضهم يرمى الصبي بنفسه إلى الأرض ، فيقف عليه ويقول : عورة مسلم وحمى مؤمن ، ولولا ذلك لتلفت نفس عمرو بن العاص يوم صفين .
ثم يقول : لأسيرن فيكم سيرة أمير المؤمنين عليه السلام ، لا أتبع مولّيا ، ولا أجهز على جريج ، ثم يعود إلى مكانه ويقول :
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه
خشاش(1) كرأس(2) الحيّة المتوقّد
* * *
ص: 218
في سبب بغضهم له(1) سلام اللّه عليه
قال ابن عمر لعلي عليه السلام : كيف تحبّك قريش وقد قتلت في يوم بدر وأحد من ساداتهم سبعين سيّدا تشرب أنوفهم الماء قبل شفاهم .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام :
ما تركت بدر لنا صديقا(2)
ولا لنا من خلقنا طريقا(3)
* * *
وسئل زين العابدين عليه السلام وابن عباس أيضا : لم أبغضت قريش عليا عليه السلام ؟ قال : لأنّه أورد أوّلهم النار ، وقلّد آخرهم العار(4) .
معرفة الرجال عن الكشي : أنّه كانت عداوة أحمد بن حنبل لأمير المؤمنين عليه السلام أنّ جدّه ذا الثدية قتله أمير المؤمنين عليه السلام يوم النهروان(5) .
ص: 219
كامل المبرّد : أنّه كان أصمع بن مظهر - جدّ الأصمعي - قطع علي عليه السلام يده في السرقة ، فكان الأصمعي يبغضه .
قيل له : من أشعر الناس ؟ قال من قال :
كأنّ أكفّهم والهام تهوي
عن الأعناق تلعب بالكرينا(1)
* * *
فقالوا : السيّد الحميري ، فقال : هو - واللّه - أبغضهم إليّ .
ص: 220
في سبّهم إياه صلوات اللّه عليه(1)
تفسير القشيري نزل قوله تعالى : « قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ » أي تهذون من الهذيان في ملأ من قريش سبّوا علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وسبّوا النبي صلى الله عليه و آله ، وقالوا في المسلمين هجرا .
الحلية كعب بن عجزة عن أبيه قال النبي صلى الله عليه و آله : لا تسبّوا عليا ، فإنّه ممسوس في ذات اللّه (2) .
مسند الموصلي : قالت أم سلمة : أيسبّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأنتم أحياء ! قلت : وأنّى ذلك ؟
ص: 221
قالت : أليس يسبّ عليا ومن يحبّ عليا ؟ وقد كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يحبّه(1) .
الطبري في الولاية والعكبري في الإبانة : أنّه مرّ ابن عباس بنفر يسبّون عليا عليه السلام ، فقال : أيّكم السابّ للّه ؟ فأنكروا .
قال : فأيّكم السابّ لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فأنكروا .
قال : فأيّكم السابّ عليا ؟ قالوا : فهذا نعم .
فقال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : من سبّ عليا فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ اللّه ، ومن سبّ اللّه فقد كفر ، ثم التفت إلى ابنه ، فقال : قل فيهم ، فقال :
نظروا إليه بأعين محمرّة
نظر التيوس(2) إلى شفار الجازر
خزر(3)الحواجب خاضعي أعناقهمنظر الذليل إلى العزيز القاهر
* * *
فقال ابن عباس :
سبّوا الإله وكذّبوا بمحمد
والمرتضى ذاك الوصيّ الطاهر
أحياؤهم خزي على أمواتهم
والميّتون فضيحة للغابر(4)
ص: 222
قال العبدي :
وقد روى عكرمة في خبر
ما شكّ فيه أحد ولا امترى
مرّ ابن عباس على قوم وقد
سبّوا عليا فاستراع وبكى
وقال مغتاظا لهم أيّكم
سبّ إله الخلق جلّ وعلا
قالوا معاذ اللّه قال أيّكم
سبّ رسول اللّه ظلما واجترى
قالوا معاذ اللّه قال أيّكم
سبّ عليا خير من وطى الحصى
قالوا نعم قد كان ذا فقال قد
سمعت واللّه النبي المجتبى
يقول من سبّ عليا سبّني
وسبّني سبّ الإله واكتفى
* * *
وقال الحميري :
قد قال أحمد أنّ شتم وصيّه
أو شتمه أبدا هما سيّان
وكذاك قد شتم الإله لشتمه
والذلّ يغشاهم بكلّ مكان
* * *
وقال أبو الفضل :
لعنوا أمير المؤمنين
بمثل إعلان القيامه
يا لعنة صارت على
أعناقهم طوق الحمامه
* * *
ص: 223
وقال الحكاك :
يدينون بالسبّ الصراح لحيدر
ألا لعن الرحمن من دينه السبّ
* * *
والأصل في سبّه ما صحّ عند أهل العلم أنّ معاوية أمر بلعنه على المنابر ، فتكلّم فيه ابن عباس ، فقال : هيهات ، هذا أمر دين ليس إلى تركه سبيل ، أليس الغاش لرسول اللّه صلى الله عليه و آله الشتام لأبي بكر ، المعيّر عمر ، الخاذل عثمان ؟!!!
قال : أتسبّه على المنابر وهو بناها بسيفه ، قال : لا أدع ذلك حتى يموت فيه الكبير ، ويشبّ عليه الصغير .
وقال الموصلي :
أعلى المنابر تعلنون بسبّه
وبسيفه قامت لكم أعوادها
* * *
فبقي ذلك إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز ، فجعل بدل اللعنة في الخطبة قوله : « إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِْحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى » الآية .
فقال عمرو بن شعيب : ويل للأمّة ، رفعت الجمعة ، وتركت اللعنة ، وذهبت السنّة !!
وقال كثيرة عزّة :
ولّيت فلم تشتم عليا ولم تخف
بريّا ولم تتبع سجيّة مجرم
ص: 224
وقلت فصدّقت الذي قلت بالذي
فعلت فأضحى راضيا كلّ مسلم
تكلّمت بالحقّ المبين وإنّما
تبين آيات الهدى بالتكلّم
وعاقبت فيما قد تقدّمت قبله
وأعرضت عمّا كان قبل التقدّم(1)
* * *
وكان قد قال قبله :
لعن اللّه من يسبّ عليا
وبنيه من سوقة وإمام
أوليس المطيّبون جدودا
والكرام الأخوال والأعمام(2)
* * *
وقال السيد الرضي :
يا بن عبد العزيز لو بكت العين
فتى من أمية لبكيتك
غير أنّى أقول أنّك قد طبت
وإن لم تطب ولم يزك بيتك(1)
أنت نزّهتنا عن السبّ والقذففلو أمكن الجزا لجزيتك
* * *
ص: 226
ص: 227
ص: 228
زريق عن الصادق عليه السلام في قوله : « لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » قال : هو أن يبشّراه بالجنّة عند الموت(1) ، يعني محمدا وعليا عليه السلام .
الفضل بن يسار عن الباقرين عليه السلام قالا : حرام على روح أن تفارق جسدها حتى ترى محمدا وعليا وحسنا وحسينا عليهم السلام بحيث تقرّ عينها(2) .
الحافظ أبو نعيم بالإسناد عن هند الجملي عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وروى الشعبي وجماعة من أصحابنا عن الحارث الأعور عنه عليه السلام :
لا يموت عبد يحبّني إلاّ رآني حيث يحبّ ، ولا يموت عبد يبغضني إلاّ رآني حيث يكره(3) .
سئل الصادق عليه السلام عن الميّت تدمع عينه عند الموت ؟ فقال عليه السلام : ذاك معاينة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فيرى ما يسرّه .
ولمّا احتضر السيّد الحميري وبدت في وجهه نكتة سوداء ، فجعلت
ص: 229
تنمى حتى طبّقت وجهه ، فاغتم لذلك من حضره من الشيعة ، وظهرت من الناصبة شماتة ، ثم بدت في ذلك المكان لمعة بيضاء حتى أسفر وجهه وأشرق ، وأفتر ضاحكا ، وأنشأ يقول :
كذب الزاعمون أنّ عليا
لم ينج محبّه من هنات
كذبوا قد دخلت جنّة عدن
وعفاني الإله عن سيئاتي
فابشروا اليوم أولياء علي
وتوالوا الوصيّ حتى الممات
ثم من بعده توالوا بنيه
واحدا بعد واحد بالصفات
* * *
ثم قال :
أحبّ الذي من مات من أهل ودّه
تلقّاه بالبشرى لدى الموت يضحك
ومن كان يهوى غيره من عدوّه
فليس له إلاّ إلى النار مسلك
* * *
ثم قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه حقّا حقّا ، وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه صدقا صدقا ، وأشهد أنّ عليا ولي اللّه رفقا رفقا ، ثم غمّض عينيه لنفسه ، فكأنما كانت روحه ذبالة(1) طفئت ، أو حصاة سقطت(2) .
ص: 230
وللخالديين :
يا حبّ آل محمد لك رحمة
من ربّهم نزلت وعدن منزل
* * *
وقال غيره :
أعددت للّحد وأطباق الثرى
حبّي للستّة أصحاب العبا
* * *
قال المرتضى : إنّ الأنبياء والأوصياء أجسام ، فكيف يشاهدون كلّ محتضر ، والجسم لا يكون في الحالة الواحدة في جهات مختلفة ، فمعناها أنّه يعلم في تلك الحال ثمرة ولايتهم وانحرافه عنهم ، لأنّ المحبّ لهم يرى في تلك الحال ما يدلّه على أنّه من أهل الجنّة(1) .
ص: 231
كتاب الشيرازي وسفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة في قوله : «يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ » يعني بقول « لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله » « فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » .
ثم قال : « وَفِي الآْخِرَةِ » قال : هذا في القبر ، يدخلان عليه ملكان فظّان غليظان يحفران القبر بأنيابهما ، وأصواتهما كالرعد العاصف ، وأعينهما كالبرق الخاطف ، ومع كلّ واحد منهما مرزبة(1) فيها ثلاثمائة وستّون عقدة ، في كلّ عقدة ثلاثمائة وستّون حلقة ، وزن كلّ حلقة كوزن حديد الدنيا ، لو اجتمع عليها أهل السماء والأرض أن يقلّوها ما أقلّوها ، هي في أيديهم أخفّ من جناح بعوضة .
فيدخلان القبر على الميّت ، ويجلسانه في قبره ، ويسألانه من ربّك ؟ فيقول المؤمن : اللّه ربّي ، ثم يقولان : فمن نبيّك ؟ فيقول المؤمن : محمد صلى الله عليه و آله نبيّي ، فيقولان : ما قبلتك ؟ فيقول المؤمن : الكعبة قبلتي ، فيقولان له : من إمامك ؟ فيقول المؤمن : علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فيقولان له : صدقت .
ثم قال : « وَيُضِلُّ اللّهُ الظّالِمِينَ »(2) يعني عن ولاية علي عليه السلام في القبر ، واللّه ليسئلنّ عن ولايته على الصراط ، واللّه ليسئلنّ عن ولايته يوم الحساب .
ص: 232
ثم قال سفيان بن عيينة : ومن روى عن ابن عباس : أنّ المؤمن يقول : القرآن إمامي ، فقد أصاب أيضا ، وذلك أنّ اللّه - تعالى - بيّن إمامة علي عليه السلام في القرآن .
قال الخليل بن أحمد :
اللّه ربّي والنبي محمد
حييا الرسالة بيّن الأسباب
ثم الوصيّ وصيّ أحمد بعده
كهف العلوم بحكمة وصواب
فاق النظير ولا نظير لقدره
وعلا عن الخلاّن والأصحاب
بمناقب ومآثر ما مثلها
في العالمين لعابد توّاب
وبنوه أولاد النبي المرتضى
أكرم بهم من شيخة وشباب
ولفاطم صلّى عليهم ربّنا
لقديم أحمد ذيالنهى الأواب
* * *
عبد الرزاق عن معمر بن قتادة عن أنس قال : سألت النبي صلى الله عليه و آله عن قوله تعالى : « مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ »
قال لي : يا أنس ، أنا أوّل من تنشقّ الأرض عنه عند يوم القيامة وأخرج ، ويكسوني جبرئيل عليه السلام سبع حلل من حلل الجنّة ، طول كلّ حلّة ما بين المشرق إلى المغرب ، ويضع على رأسي تاج الكرامة ، ورداء الجمال ، ويجلسني على البراق ، ويعطيني لواء الحمد ، طوله مسيرة مائة عام ، فيه ثلاثمائة وستّون حلّة من الحرير الأبيض ، مكتوب عليه : « لا إله
ص: 233
إلاّ اللّه محمد رسول اللّه علي بن أبي طالب ولي اللّه » ، فآخذه بيدي ، وأنظر يمنة ويسرة ، فلا أرى أحدا ، فأبكي وأقول : يا جبرئيل ، ما فعل أهل بيتي وأصحابي ؟ فيقول : يا محمد ، إنّ اللّه - تعالى - أوّل من أحيى اليوم من أهل الأرض أنت ، فانظر كيف يحيي اللّه بعدك أهل بيتك وأصحابك .
فأوّل من يقوم من قبره أمير المؤمنين عليه السلام ، ويكسوه جبرئيل عليه السلام حللاً من الجنّة ، ويضع على رأسه تاج الوقار ، ورداء الكرامة ، ويجلسه على ناقتي العضباء ، وأعطيه لواء الحمد ، فيحمله بين يدي ، ونأتي جميعا ونقوم تحت العرش ، ومنه الحديث : أنت أوّل من تنشقّ عنه الأرض بعدي(1)(2) .
أبو بكر ابن أبي شيبة عن ابن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله : « وَأَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ »قال : لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام(3) .
أمالي ابن خشيش التميمي ، وتاريخ الخطيب ، وإبانة العكبري بأسانيدهم عن عليم الكندي عن سليمان ، وفي فردوس شيرويه عن ابن عباس ، وفي رواية جماعة عن إسماعيل بن كهيل عن أبيه عن أبي صادق وعن سلمان ، واللفظ له قال :
ص: 234
أوّل هذه الأمّة ورودا على نبيّها يوم القيامة أوّلهم إسلاما علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، سمعت ذلك من نبيّكم(1) .
تاريخ بغداد بالإسناد عن ابن عباس : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو آخذ بيد علي عليه السلام يقول : هذا أوّل من يصافحني يوم القيامة(2) .
قال السيد الحميري :
وإنّك خير أهل الأرض طرّا
وأفضلهم معا حسبا ودينا
وأوّل من يصافحني بكفّ
إذا برز الخلائق ناشرينا
* * *
ص: 235
وروي أنّ النبي صلى الله عليه و آله يأتي يوم القيامة متّكئا على علي عليه السلام .
حلية الأولياء : سلمان بن عبد اللّه التتري بإسناده عن الخدري قال النبي صلى الله عليه و آله : أعطيت في علي عليه السلام خمسا :
أمّا إحداها : فيواري عورتي ، والثانية : يقضي ديني ، وأمّا الثالثة : فإنّه متّكاي في طول القيامة ، والرابعة : فإنّه عوني على حوضي ، والخامسة : فإنّي لا أخاف عليه أن يرجع كافرا بعد إيمان ، ولا زانيا بعد إحصان(1) .
قال العوني :
ألا يا أمير المؤمنين ومن رقى
إلى كلّ باب في السماوات سلّما
صرفت الهوى صرفا إليك وإنّني
أحبّك حبّا ما حييت مسلما
وإنّى لأرجو منك نظرة راحم
إذا كان يوم الحشر يوما عرمرما(2)
ألست توالي من تولاّك مخلصاومن قبل عادى علج تيم وأدلما
* * *
ص: 236
ص: 237
ص: 238
قوله تعالى : « عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ » .
الطبري التاريخي بإسناده عن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه و آله : أوّل من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام بخلّته ، وأنا بصفوتي ، وعلي بن أبي طالب يزفّ بيني وبين إبراهيم زفا إلى الجنّة(1) .
سعيد بن جبير عن ابن عباس : أوّل من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام
بخلّته من اللّه ، ثم محمد صلى الله عليه و آله لأنّه صفوة اللّه ، ثم علي عليه السلام يزفّ بينهما إلى الجنّة ، ثم قرأ ابن عباس : « يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ » قال : علي عليه السلاموأصحابه(2) .
شرف المصطفى عن الخركوشي : زاذان عن علي بن أبي طالب عليه السلامقال
رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أما ترضى أنّ إبراهيم خليل اللّه يدعى يوم القيامة فيقام عن يمين العرش فيكسى ، ثم ادعى فأكسى ، ثم تدعى فتكسى(3) .
ومنه الحديث : إنّه(4) أوّل من يكسى معي(5) .
ص: 239
قال الحميري :
يدعو النبي فيكسوه ويكرمه
ربّ العباد إذا ما أحضر الأمما
ثم الوصيّ فيكسى مثل حلّته
خضر أيرغم منها أنف من رغما
* * *
وله أيضا :
علي غدا يدعى ويكسوه ربّه
ويدنوه منه في رفيع مكرم
فإن كنت منه حيث يكسوه راغما
وتبدي الرضى كرها من الآن فارغم
* * *
وقال الوراق القمّي :
علي غدا يكسوه ذو العرش حلّة
إذا كسي المختار من غير جرثم
* * *
وقال أعرابي :
إنّ رسول اللّه يعطي لوا
ء الحمد عليا حين يلقاه
يدعى فيعطى كسوة المصطفى
وعن يمين العرش مثواه
* * *
ص: 240
مقاتل والضحاك وعطاء وابن عباس في قوله تعالى : «وَمِنْهُمْ » أي من المنافقين « مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ » وأنت تخطب على منبرك تقول : إنّ حامل لواء الحمد يوم القيامة علي بن أبي طالب « حَتّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ » تفرّقوا عنك ، وقالوا « ما ذا قالَ آنِفاً » على المنبر استهزاءا بذلك ، كأنّهم لم يسمعوا ، ثم قال : « أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ » .
أبو الفتح الحفار بالإسناد عن جابر وابن عباس : أنّه سئل النبي صلى الله عليه و آله عن قوله تعالى : « وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً » قال : إذا كان يوم القيامة عقد لواء من نور أبيض ، ونادى مناد : ليقم سيّد المؤمنين ومعه الذين آمنوا بعد بعث محمد صلى الله عليه و آله .
فيقوم علي عليه السلام ، فيعطى لواء من النور الأبيض بيده تحته جميع السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار ، لا يخالطهم غيرهم ، حتى يجلس على منبر من نور ربّ العزّة(1) . . الخبر .
المنتهى في الكمال عن ابن طباطبا قال النبي صلى الله عليه و آله : آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة(2) ، فإذا حكم اللّه بين العباد أخذ أمير المؤمنين عليه السلام اللواء ، وهو على ناقة من نوق الجنّة ينادي : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والخلق تحت اللواء إلى أن يدخلوا الجنّة(3) .
ص: 241
اعتقاد أهل السنة : جابر بن سمرة قال : يا رسول اللّه ، من يحمل رأيتك يوم القيامة ؟ قال : ومن عسى يحملها يوم القيامة إلاّ من كان يحملها في الدنيا علي بن أبي طالب(1) .
الأربعين عن الخطيب والفضائل عن أحمد في خبر : قال النبي صلى الله عليه و آله : آدم عليه السلام وجميع خلق اللّه يستظلّون بظلّ لوائي يوم القيامة ، طوله ألف سنة ، سنانه ياقوتة حمراء ، قضيبه فضّة بيضاء ، زجّه درّة خضراء ، له ثلاث ذوائب من درّ ، ذؤابة في المشرق ، وذؤابة في المغرب ، والثالثة وسط الدنيا ، مكتوب عليه ثلاثة أسطر :
الأول : « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » .
والثاني : « الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » .
والثالث : « لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه » .
طول كلّ سطر مسيرة ألف سنة، وعرضه مسيرة ألف سنة، وتسير بلوائي - يعني عليا عليه السلام - والحسن عليه السلام عن يمينك ، والحسين عليه السلام
عن يسارك ، ثم تقف بيني وبين إبراهيم عليه السلام في ظلّ العرش ، ثم تكسى حلّة خضراء من الجنّة ،
ص: 242
ثم ينادي مناد من تحت العرش : نعم الأب أبوك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك علي(1) .
وأخبرني أبو الرضى الحسيني الراوندي بإسناده عن النبي صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة يأتيني جبرئيل عليه السلام ومعه لواء الحمد ، وهو سبعون شقّة ، الشقّة منه أوسع من الشمس والقمر ، وأنا على كرسي من كراسي الرضوان ، فوق منبر من منابر القدس ، فآخذه وأدفعه إلى علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
فوثب عمر فقال : يا رسول اللّه ، وكيف يطيق علي حمل اللواء ؟
فقال صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة يعطى اللّه - تعالى - عليا عليه السلام من القوّة مثل قوّة جبرئيل ، ومن النور مثل نور آدم ، ومن الحلم مثل حلم رضوان ، ومن الجمال مثل جمال يوسف(2) . . الخبر .
ونبأني أبو العلاء الهمداني بالإسناد عن جابر بن عبد اللّه قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : أوّل من يدخل الجنّة بين يدي النبيّين والصدّيقين علي بن أبي طالب ، فقام إليه أبو دجانة فقال له : ألم تخبرنا أنّ الجنّة محرّمة على الأنبياء حتى تدخلها أنت ، وعلى الأمم حتى تدخلها أمّتك ؟
قال : بلى ، ولكن أما علمت أنّ حامل لواء الحمد أمامهم ، وعلي بن أبي طالب حامل لواء الحمد يوم القيامة بين يدي يدخل به الجنّة ، وأنا على أثره(3) . . الخبر .
ص: 243
أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و آله قال : يقبل علي بن أبي طالب عليهماالسلام يوم القيامة على ناقة من نوق الجنّة بيده لواء الحمد ، فيقول أهل الموقف : هذا ملك مقرّب أو نبي مرسل ؟ فينادي مناد : هذا الصدّيق الأكبر علي بن أبي طالب(1) .
وجاء فيما نزل من القرآن في أعداء آل محمد عليهم السلام عن أبي عبد اللّه عليه السلام : إذا رأى أبو فلان وفلان منزل علي عليه السلام يوم القيامة إذا دفع اللّه لواء الحمد إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله تحته كلّ ملك مقرّب ، وكلّ نبي مرسل ، حتى يدفعه إلى علي عليه السلام « سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ »
أي باسمه تسمّون « أمير المؤمنين »(2) .
قال الوراق القمّي :
علي لواء الحمد يعطى بكفّه
يقول له الهادي النبي ألا أقدم
* * *
وقال الناشئ :
فما لابن أبي طالب
المفضال من ندّ
هو الحامل في الحشر
بكفّيه لوا الحمد
قسيم النار والجنّة
بين الندّ والضدّ
* * *
ص: 244
وقال ابن الحجاج :
أنا مولى لمن لواء الحمد
على عاتقه يوم النشور
* * *
وقال العوني :
وقد رويتم لواء الحمد في يده
والحقّ تحت لواء الحمد موقفه
* * *
وله أيضا :
يأتي غدا ولواء الحمد في يده
والناس قد سفروا من أرجه قطب(1)
حتى إذا اصطكت الأقدم زائلةعن الصراط فويق النار مضطرب
* * *
ص: 245
ص: 246
ص: 247
ص: 248
قوله تعالى : « وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ » قال النبي صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة يؤتى بك - يا علي - على نجيب من نور ، وعلى رأسك تاج قد أضاء نوره ، وكاد يخطف أبصار أهل الموقف ، فيأتي النداء من عند اللّه : أين خليفة محمد رسول اللّه ؟
فتقول : ها أنا ذا ، فينادي المنادي : أدخل من أحبّك الجنّة ، ومن عاداك النار ، وأنت قسيم الجنّة ، وأنت قسيم النار(1) .
وفي خبر عن جعفر الصادق عليه السلام فيأتي النداء من قبل اللّه : يا معشر الخلائق ، هذا علي بن أبي طالب خليفة اللّه في أرضه ، وحجّته على عباده ، فمن تعلّق بحبله في دار الدنيا فليتعلّق بحبله هذا اليوم ، يستضيء بنوره ، وليتبعه في الدرجات العلى من الجنان(2) . . الخبر .
قال العوني :
وعلي عليه تاج من النور
زها في كليله المستدير
ص: 249
قد زهت من أنواره عرصة الحشر
فيا حسن ذاك من منظور
ولتاج الوصيّ سبعون ركنا
كلّ ركن كالكوكب المستنير
* * *
الفلكي المفسّر قال علي عليه السلام في قوله تعالى : « إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ » : فينا - واللّه - نزلت أهل بدر(1) .
ونزلت فيه قوله : « مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الأَْرائِكِ »(2) .
الطبري والخركوشي في كتابيهما بالإسناد عن سلمان قال النبي صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة ضربت لي قبّة من ياقوتة حمراء على يمين العرش ، وضرب لإبراهيم قبّة خضراء على يسار العرش ، وضربت فيما بينهما لعلي بن أبي طالب قبّة من لؤلؤة بيضاء ، فما ظنّكم بحبيب من(3) خليلين(4) .
أبو الحسن الدارقطني ، وأبو نعيم الأصفهاني في الصحيح والحلية بالإسناد عن سفيان بن عيينة عن أنس : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم
ص: 250
القيامة نصب لي منبر طوله ثلاثون ميلاً ، ثم ينادي مناد من بطنان العرش : أين محمد ؟ فأجيب ، فيقال لي : ارق ، فأكون في أعلاه ، ثم ينادي الثانية : أين علي بن أبي طالب ؟ فيكون دوني بمرقاة ، فيعلم جميع الخلائق بأنّ محمدا سيّد المرسلين ، وأنّ عليا سيّد الوصيين .
فقام إليه رجل فقال : يا رسول اللّه ، فمن يبغض عليا بعد هذا ؟ فقال : يا أخا الأنصار ، لا يبغضه من قريش إلاّ سفحي ، ولا من الأنصار إلاّ يهودي ، ولا من العرب إلاّ دعي ، ولا من سائر الناس إلاّ شقي(1) .
وفي رواية ابن مسعود : ومن النساء إلاّ سلقلقية(2)(3) .
قوله تعالى : « فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » .
عبد اللّه بن حكيم بن جبير عن علي عليه السلام أنّه قال للنبي صلى الله عليه و آله : هل نقدر على رؤيتك في الجنّة كما أردنا ؟
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ لكلّ نبي رفيقا ، وهو أوّل من يؤمن به من أمّته ، فنزلت هذه الآية(4) .
ص: 251
عباد بن صهيب عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه عن النبي صلى الله عليه و آلهفي خبر : قيل : يا رسول اللّه ، فكم بينك وبين علي عليه السلام في الفردوس الأعلى ؟ قال : فتر(1) ، أو أقلّ من فتر ، أنا على سرير من نور عرش ربّنا ، وعلي على كرسي من نور كرسي ربّنا ، لا يدرى أيّنا أقرب من ربّه - عزّ وجلّ .
السدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى : « فَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ » نزلت في علي عليه السلام وأصحابه(2) .
قال في المحبرة :
أمن له قال النبي فإنّني
وأخي بدار الخلد مجتمعان
نرعى ونرتع في مكان واحدا
فوق العباد كأنّنا شمسان
* * *
وروى الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وروى الخطيب في تاريخه بالإسناد عن ابن أبي لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن ابن عباس ، وروى الرضا عن آبائه عليهم السلام ، واللفظ له ، كلّهم عن النبي صلى الله عليه و آله قال :
ص: 252
ليس في القيامة راكب غيرنا ، ونحن أربعة : أنا على دابة اللّه البراق ، وأخي صالح على ناقة اللّه التي عقرت ، وعمّي حمزة على ناقتي العضباء ، وأخي علي بن أبي طالب على ناقة من نوق الجنّة ، بيده لواء الحمد ، واقف بين يدي العرش ينادي : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول .
قال : فيقول الآدميون : ما هذا إلاّ ملك مقرّب أو نبي مرسل أو حامل عرش ربّ العالمين ، قال : فيجيبهم ملك من تحت بطنان العرش : ما هذا ملك مقرّب ، ولا نبي مرسل ، ولا حامل عرش ، هذا الصدّيق الأكبر ، هذا علي بن أبي طالب .
وقد رواه الخطيب في تاريخه بإسناده عن أبي هريرة ، وأبو جعفر الطوسي في أماليه بإسناده إلى هارون الرشيد عن المهدي عن المنصور عن محمد بن علي عن عبد اللّه بن عباس ، إلاّ أنّهما لم يذكرا حمزة ، وقالا في موضعه : « فاطمة »(1) عليه السلام .
قال العوني :
أنا منهم على البراق مغذ
وابنتي فاطم تباري مسيري
تحتها يوم ذاك ناقتي العضباء
تطوي الفجاج طيّ المغير
ص: 253
وأخي صالح على ناقة اللّه
أمامي في العالم المحشور
وعلي على ذلول من الجنّة
ما خطب نعتها باليسير
* * *
قوله تعالى : « إِنَّ الأَْبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً » .
وقوله تعالى: « وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ » إلى قوله: « سَلْسَبِيلاً ».
النبي صلى الله عليه و آله في خبر : أنّ عليا عليه السلام أوّل من يشرب السلسبيل والزنجبيل ، وأنّ لعلي عليه السلام وشيعته من اللّه مكانا يغبطه الأوّلون والآخرون(1) .
جابر الجعفي عن الباقر عليه السلام : قال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي ، إنّ على يمين العرش
لمنابر من نور، وموائد من نور، فإذا كان يوم القيامة جئت وشيعتك يجلسون على تلك المنابر ، يأكلون ويشربون ، والناس في الموقف يحاسبون(2) .
قال العوني :
وأستغفر اللّه الكريم فطالما
تماديت في بحر الضلالة والريب
ولولا اعتصامي بالولاية موقنا
بأنّ موالي الطهر في الحشر لم يخب
ص: 254
وأنّ الولا للعبد لا شكّ منقذ
ومنج له في الحشر من قبح ما احتقب
ويبدل إحسانا ويمحو إساءة
ويغفر حقّا ما اجتناه وما اكتسب
* * *
تفسير أبي صالح : قال ابن عباس في قوله تعالى : « إِنَّ الأَْبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الأَْرائِكِ يَنْظُرُونَ » إلى قوله : « الْمُقَرَّبُونَ » نزل في علي وفاطمة والحسن والحسين وحمزة وجعفر عليهم السلام ، وفضلهم فيها باهر .
الزجاج ومقاتل والكلبي والضحاك والسدي والقشيري والثعلبي : أنّ عليا عليه السلام جاء في نفر من المسلمين نحو سلمان وأبي ذر والمقداد وبلال وخباب وصهيب إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فسخر بهم أبو جهل والمنافقون ، وضحكوا وتغمزوا ، ثم قالوا لأصحابهم : رأينا اليوم الأصلع فضحكنا منه .
فأنزل اللّه تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ »السورة ، « فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا » يعني عليا عليه السلام وأصحابه « مِنَ الْكُفّارِ يَضْحَكُونَ » يعني أبا جهل وأصحابه ، إذا رأوهم في النار
وهم « عَلَى الأَْرائِكِ يَنْظُرُونَ » .
كتاب أبي عبد اللّه المرزباني : قال ابن عباس : فالذين آمنوا علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، والذين كفروا منافقوا قريش(1) .
ص: 255
الأصبغ بن نباتة وزيد بن علي : أنّه سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن قوله : « وَعَلَى الأَْعْرافِ رِجالٌ » ، وسئل الصادق عليه السلام ، واللفظ له ، فقال : نحن أولئك الرجال على الصراط ما بين الجنّة والنار ، فمن عرفنا وعرفناه دخل الجنّة ، ومن لم يعرفنا ولم نعرفه أدخل النار(1) .
إبانة العكبري ، وكشف الثعلبي ، وتفسير الفلكي بالإسناد عن أبي إسحاق عاصم بن سليمان المفسر عن جوير بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس قال :
الأعراف موضع عالٍ من الصراط عليه العباس وحمزة وعلي بن أبي طالب وجعفر ذو الجناحين عليهم السلام يعرفون محبّيهم ببياض الوجوه ، ومبغضيهم بسواد الوجوه(2) .
وروينا عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال لعلي عليه السلام : أنت - يا علي - والأوصياء من ولدك أعراف اللّه بين الجنّة والنار ، لا يدخل الجنّة إلاّ من عرفكم وعرفتموه ، ولا يدخل النار إلاّ من أنكركم وأنكرتموه(3) .
ص: 256
وسأل سفيان بن مصعب العبدي الصادق عليه السلام عنها فقال : هم الأوصياء من آل محمد صلى الله عليه و آله الإثنا عشر ، لا يعرف اللّه إلاّ من عرفهم .
قال : فما الأعراف جعلت فداك ؟ قال : كثائب(1) من مسك عليها رسول اللّه صلى الله عليه و آله والأوصياء عليهم السلام يعرفون كلاّ بسيماهم .
فأنشأ سفيان يقول :
وأنتم ولاة الحشر والنشر والجزا
وأنتم ليوم المفزع الهول مفزع
وأنتم على الأعراف وهي كتائب
من المسك رياها بكم يتضوّع(2)
ثمانية بالعرش إذ يحملونهومن بعدهم في الأرض هادون أربع(3)
* * *
وأمّا قول العامّة : أنّ أصحاب الأعراف « من لا يستحقّ الجنّة ولا النار » محال ، وما جعل اللّه في الآخرة غير منزلتين : أمّا للثواب ، وأمّا للعقاب ، فكيف يكون أصحاب الأعراف بهذه الحالة ، وقد أخبر اللّه أنّهم
ص: 257
يعرفون الناس - يومئذٍ - بسيماهم ، وأنّهم يوقفون أهل النار على ذنوبهم ويقولون « ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ »الآية ، وينادون « أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ »(1) الآية .
قال ابن حماد :
وأنّك صادق الأعراف تدعو
رجالاً فائزين وهالكينا
فتقسم منهم قسمين بعضا
شمالاً ثم بعضهم يمينا
* * *
وقال غيره :
وهو على الأعراف قد عرفه الر
حمن من أحسن منّا وأساء
* * *
وقال آخر :
فالرجال المعرفون على الأعراف
حقّا إذ هم عليها قعود
* * *
أبان بن عياش عن أنس ، والكلبي عن أبي صالح ، وشعبة عن قتادة ، والحسن عن جابر ، والثعلبي عن ابن عباس وأبو بصير وعبد الصمد عن الصادق عليه السلام قال :
ص: 258
سئل النبي صلى الله عليه و آله عن قوله تعالى : « طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ » قال : نزلت في علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وطوبى شجرة أصلها في دار علي عليه السلام في الجنّة ، وليس من الجنّة شيء إلاّ وهو فيها .
وعن ابن عباس : وفي دار كلّ مؤمن منها غصن(1) .
وفي الكشف عن الثعلبي بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام ، وعن الحاكم الحسكاني بالإسناد عن موسى بن جعفر عليه السلام قال :
سئل النبي صلى الله عليه و آله عن طوبى ، فقال : شجرة في الجنّة أصلها في داري وفرعها على أهل الجنّة .
ثم سألوه عنها ثانية ، فقال : شجرة أصلها في دار علي عليه السلام وفرعها على أهل الجنّة .
فقيل له في ذلك ، فقال : : إنّ داري ودار علي غدا واحدة(2) .
سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوما لعمر بن الخطاب : يا عمر ، إنّ في الجنّة لشجرة ما في الجنّة قصر ولا دار ولا منزل ولا مجلس إلاّ وفيه غصن من أغصان تلك الشجرة ، وأصل تلك الشجرة في داري .
ثم مضى على ذلك ثلاثة أيام ، ثم قال : يا عمر ، إنّ في الجنّة لشجرة ما في الجنّة قصر ولا دار ولا منزل ولا مجلس إلاّ وفيه غصن من أغصان
ص: 259
تلك الشجرة ، وأصل تلك الشجرة في دار علي بن أبي طالب .
فقال عمر في ذلك ، فقال صلى الله عليه و آله : يا عمر ، أما علمت أنّ منزلي ومنزل علي بن أبي طالب في الجنّة واحد(1) .
الفلكي المفسّر : قال ابن سيرين : طوبى شجرة في الجنّة ، أصلها في دار علي عليه السلام وسائر أغصانها في سائر الجنّة(2) .
السمعاني في فضائل الصحابة عن الفضل بن المرزوق عن عطية عن أبي سعيد : قال النبي صلى الله عليه و آله : أوّل من يأكل من شجرة طوبى علي(3) عليه السلام .
أم أيمن قال النبي صلى الله عليه و آله : ولقد نحل اللّه طوبى في مهر فاطمة عليه السلام ، فجعلها في منزل علي(4) عليه السلام .
قال الحميري :
وكفاه بأنّ طوبى له في
داره أصلها بدار الخلود
أيكة(5) كلّ منزل لسعيد
فيه غصن منها برغم الحسود
تتدلّى عليه منها ثمارمن جنى لينة وطلح نضيد(6)
ص: 260
وله أيضا :
ومن ذا داره في أصل طوبى
وتلقّاه الكرام مصافحينا
وأنهار تفجّر جاريات
تفيض الخمر والماء المعينا
وأنهار من العسل المصفّى
ومحض غير محض الخافتينا(1)
* * *
وله أيضا :
وقال طوبى أيكة ظلّها
صاح ظليل ذات أغصان
أغصانها ناعمة جمّة
من ذهب أحمر عقيان(2)
وحملها من عبقر مونق
صاف وياقوت ومرجان
لها جنى من كلّ ما يشتهى
من فاقع أصفر أو قان(3)
تنشقّ أكمام لها عن كسى
من حلل تبرق ألوان
من سندس منها وإستبرق
ومن ضروب الثمر الآني(4)
وأصلها من أمّة المصطفى
أحمد في منزل إنسان
فقلت من قال علي وما
من منزل ناء ولا دان
لمؤمن إلاّ ومنها بها
غصن ومنها ما به اثنان
* * *
ص: 261
وقال خطيب خوارزم :
فطوبى لمن ظلّ طوبى لهم
وطوباهم ثم طوباهم
* * *
ص: 262
ص: 263
ص: 264
تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن محمد بن فضيل عن الرضا عليه السلام في قوله تعالى « وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النّارِ » الآية ، قال : المؤذّن أمير المؤمنين(1) عليه السلام .
أبو القاسم بإسناده عن محمد بن الحنيفة عن علي عليه السلام قال : أنا ذلك المؤذّن(2) .
وبإسناده عن أبي صالح عن ابن عباس : إنّ لعلي عليه السلام آية في كتاب اللّه لا يعرفها الناس قوله : « فَأَذَّنَ مُؤذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى » الذين كذبوا بولايتي ، واستخفّوا بحقّي(3) .
أبو جعفر عليه السلام « وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ » الآية ، قال : المؤذّن أمير المؤمنين(4) عليه السلام .
ص: 265
في خطبة الافتخار : وأنا أذان اللّه في الدنيا ، ومؤذّنه في الآخرة(1) ، يعني قوله تعالى : « وَأَذانٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ » في حديث براءة ، وقوله : « فَأَذَّنَ مُؤذِّنٌ » .
وأنّه لمّا صار في الدنيا منادي رسول اللّه صلى الله عليه و آله على أعدائه صار منادي اللّه في الآخرة على أعدائه .
قال الحماني :
وإذ بيتي على رغم الملاحي
هو البيت المقابل للصراح
ووالدي المشار به إذا ما
دعا الداعي بحيّ على الفلاح
* * *
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : « فَلَمّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا » الآية ، هذه نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه الذين عملوا ما عملوا يرون أمير المؤمنين عليه السلام في أغبط الأماكن لهم ، فيسوء وجوههم ، ويقال لهم : « هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ » الذي انتحلتم اسمه(2) .
وفي رواية عنهم عليهم السلام : « هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ » يعني أمير المؤمنين(3) عليه السلام .
ص: 266
أبو حمزة الثمالي عنه عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله في قوله : « لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَْكْبَرُ » الآيات ، قال : فيعطى ناقة فيقال : اذهب في القيامة حيث ما شئت ، فإن شاء وقع في الحساب ، وإن شاء وقف على شفير جهنم ، وإن شاء دخل الجنّة ، وإنّ خازن النار يقول : يا هذا ، من أنت أنبيّ أو وصيّ ؟ فيقول : أنا من شيعة محمد وأهل بيته فيقول ذلك لك(1) .
الصادق عليه السلام قال النبي صلى الله عليه و آله : من أحبّني وأحبّ ذرّيتي أتاه جبرئيل عليه السلام إذا خرج من قبره ، فلا يمرّ بهول إلاّ أجازه إياه . . الخبر .
تاريخ بغداد : سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن جدّته عن عائشة قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : حسبك ما لمحبّك حسرة عند موته ، ولا وحشة في قبره ، ولا فزع يوم القيامة(2) .
أمالي الطوسي : الحارث الأعور عن أمير المؤمنين عليه السلام قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة(3) من ذي العرش ، وأخذت أنت - يا علي - بحجزتي ، وأخذت ذريّتك بحجزتك ، وأخذت شيعتكم
ص: 267
بحجزتكم ، فماذا يصنع اللّه بنبيّه ؟ وما يصنع نبيّه بوصيّه ؟ خذها إليك - يا حار(1) - قصيرة من طويلة ، أنت ومن أحببت ، ولك ما اكتسبت(2) .
قال الحميري :
قول علي لحارث عجب
كم ثمّ أعجوبة له حملا
يا حار همدان من يمت يرني
من مؤمن أو منافق قبلا
يعرفني طرفه وأعرفه
بعينه واسمه وما فعلا
وأنت عند الصراط تعرفني
فلا تخف عثرة ولا زللا
أسقيك من بارد على ظمأ
تخاله في الحلاوة العسلا
أقول للنار حين توقف للعرض
على جسرها ذري الرجلا
ذريه لا تقربيه إنّ له
حبلاً بحبل الوصيّ متّصلا
هذا لنا شيعة وشيعتنا
أعطاني اللّه فيهم الأملا
* * *
قوله تعالى : « فَوَقاهُمُ اللّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً » .
زيد بن علي وجعفر الصادق عليه السلام : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة وحشر الناس في المحشر وجدتم علي بن أبي طالب يتلألأ نورا كالكوكب الدرّي .
ص: 268
شيرويه في الفردوس ، ويحيى بن الحسين بإسناده عن أنس : قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ علي بن أبي طالب ليزهر في الجنّة ككوكب الصبح لأهل الدنيا(1) .
الفردوس : طاوس عن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ الناس لو اجتمعوا على حبّ علي بن أبي طالب لما خلق اللّه النار(2) .
أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : « هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا » بولاية علي بن أبي طالب عليهماالسلام « قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ »(3) .
النبي صلى الله عليه و آله في خبر : يا بن عباس ، والذي بعثني بالحقّ نبيا ، إنّ النار لأشدّ غضبا على مبغضي علي عليه السلام منها على من زعم أنّ للّه ولدا(4) .
ص: 269
قال الصنوبري :
فمضمر الحبّ في نور يخصّ به
ومضمر البغض مخصوص بنيران
هذا غدا مالك في النار يملكه
وذاك رضوان يلقاه برضوان
* * *
وقال الناشي :
إذا ما قصد الجنّة
ربّ الغلّ والحقد
يناديه التمس نورا
به ذو الدين يستهدي
* * *
ص: 270
ص: 271
ص: 272
ص: 274
قال اللّه تعالى لنفسه : « وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ » ، وفيه « وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا » .
وقال لنفسه : « وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ » ، وفيه « وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ » .
وقال لنفسه : « لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ » ، وفيه « أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ » .
وقال لنفسه : « هُوَ اللّهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ » ، وفيه « قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ » ، قال الرضا عليه السلام قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : بك وعظت قريش .
وقال لنفسه : « قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ » ، وفيه « وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً » .
وقال لنفسه : « يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ » ، وفيه « عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً »
وقوله صلى الله عليه و آله : يحبّ اللّه ورسوله ، ويحبّه اللّه ورسوله .
وقال لنفسه : « يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ » ، وفيه « إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا » .
وقال لنفسه : « اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا » ، وفيه : من كنت مولاه .
وقد سمّاه بكذا وكذا اسم من أسمائه ، منها :
ص: 275
الوارث ، والنور ، والهادي ، والهدى ، والشاهد ، والشهيد ، والعزيز ، والودود ، والعليّ ، والوليّ ، والفاضل ، والعالم ، والحقّ ، والعدل ، والصادق ، والمبين ، والمؤمن ، والعظيم ، وغير ذلك .
وقد تقدّم بيانها في مواضعه .
ثم إنّه جعل عليا عليه السلام ثاني نبيّه وثالث نفسه في خمسة وعشرين موضعا :
[ 1 ] العزّة : « وَلِلّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤمِنِينَ » .
[ 2 ] والولاية : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا » الآية .
[ 3 ] والرؤية: « وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤمِنُونَ ».
[ 4 ] والصلاة : « إِنَّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً » .
[ 5 ] والأذى : « إِنَّ الَّذِينَ يُؤذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ . . . وَالَّذِينَ يُؤذُونَ
الْمُؤمِنِينَ » .
[ 6 ] والطاعة : « أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ » .
[ 7 ] والعصيان : « وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ » .
[ 8 ] والإيمان : « فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا » .
[ 9 ] والموالاة : « فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤمِنِينَ » .
[ 10 ] والشهادة : « شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ » .
ص: 276
[ 11 ] وقال لنفسه : « وَإِنَّ اللّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا » ، ولنبيّه صلى الله عليه و آله : « وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » ، وله عليه السلام : « وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ » .
[ 12 ] وقال لنفسه : « وَكَفى بِاللّهِ شَهِيداً » ، ولنبيّه صلى الله عليه و آله : « وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤلاءِ شَهِيداً » ، وله صلى الله عليه و آله : « وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ » .
[ 13 ] وقال لنفسه : « وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ » ، ولنبيّه صلى الله عليه و آله : « حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ » ، وله عليه السلام : قد « جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ » بولاية علي عليه السلام إلى قوله « تَسْلِيماً »(1) .
[ 14 ] وقال لنفسه : « صَدَقَ اللّهُ » ، ولنبيّه صلى الله عليه و آله « وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ » ، وله عليه السلام : « رِجالٌ صَدَقُوا » .
[ 15 ] وقال لنفسه : و« أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ » ، ولنبيّه صلى الله عليه و آله : « قُلْ جاءَ الْحَقُّ » ، وله عليه السلام : « وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ » .
[ 16 ] وقال لنفسه : و« أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ » ، ولنبيّه صلى الله عليه و آله : « إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ » ، وله عليه السلام : « وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ » .
[ 17 ] وقال لنفسه : « فَاللّهُ أَوْلى بِهِما » ، ولنبيّه صلى الله عليه و آله : « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ » ، وله عليه السلام : « إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ
اتَّبَعُوهُ » الآية .
[ 18 ] وقال لنفسه : « السَّلامُ الْمُؤمِنُ الْمُهَيْمِنُ » ، ولنبيّه صلى الله عليه و آله : « آمَنَ الرَّسُولُ » ، وله عليه السلام : « وَصالِحُ الْمُؤمِنِينَ » .
ص: 277
[ 19 ] وقال لنفسه : « إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ » ، ولنبيّه صلى الله عليه و آله : « أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ » ، وله عليه السلام : « أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ » .
[ 20 ] وقال لنفسه « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » ، ولنبيّه صلى الله عليه و آله : «وَما
أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً » ، وله عليه السلام : «قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ » .
[ 21 ] وقال لنفسه : « مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ » ، ولنبيّه صلى الله عليه و آله : « لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ » ، وله عليه السلام : « تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ » .
[ 22 ] وقال لنفسه : « وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ » ، ولنبيّه : « وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ » ، وله : « عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ » .
[ 23 ] وقال لنفسه : « اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ » ، ولنبيّه صلى الله عليه و آله : «قَدْ
جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ » ، وله عليه السلام : « وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ »(1) .
ثم إنّ اللّه - تعالى- سمّى عليا عليه السلام مثل ما سمّى به كتبه :
قال : « إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً » ، ولعلي عليه السلام : « وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ » .
وقال : « فِيها هُدىً وَنُورٌ » ، وللقرآن : « وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ
مَعَهُ » ، ولعلي عليه السلام : « وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ » .
وقال : « يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ » ، ولعلي عليه السلام : « لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ » .
ص: 278
وقال : « صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى » ولعلي عليه السلام : « ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ »والكتاب أكبر .
وقال في القرآن : « وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ » ، وله عليه السلام : « يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ » .
وفي القرآن : « هذا بَصائِرُ لِلنّاسِ » ، وله عليه السلام : « قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ » .
وفي القرآن : « يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ » ، وله عليه السلام : « وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ » .
وفي القرآن : « هذا بَيانٌ لِلنّاسِ » ، وله عليه السلام : « أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ » .
وفي القرآن : « هُدىً وَبُشْرى » ، وله عليه السلام : « لَهُمُ الْبُشْرى » .
وفي القرآن : « سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً » ، وله عليه السلام : إنّي تارك فيكم الثقلين . . الخبر .
وفي القرآن : « وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ » ، وله عليه السلام : « أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ » .
وفي القرآن : « فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ » ، وله : قال أمير المؤمنين عليه السلام : أنا حجّة اللّه ، أنا خليفة اللّه .
وفي القرآن : « نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ » ، وله : « وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ » .
في القرآن : « وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ » ، وله : « قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ » .
وفي القرآن : « جاءَ بِالصِّدْقِ » ، وله : « كانَ مِنَ الصّادِقِينَ » .
وفي القرآن : « تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ » ، وله : « إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ » .
ص: 279
وفي القرآن : « وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً » ، وله : « ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ » .
وفي القرآن : « اللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ » ، وله : « مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ » .
وفي القرآن : « قالُوا خَيْراً » ، وله : « أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ » .
وفي القرآن : « ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللّهِ » ، وله « وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً » .
وفي القرآن : « هُدىً لِلْمُتَّقِينَ » ، وله : « قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى » .
وفي القرآن : « يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ » ، وله : « وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا
لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ » أي عال في البلاغة ، وعلا على كلّ كتاب لكونه معجزا وناسخا ومنسوخا ، وكذلك علي بن أبي طالب عليه السلام ، ثم قال : « حَكِيمٌ » : أي مظهر للحكمة البالغة بمنزلة حكيم ينطق بالصواب ، وهكذا في علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وهاتان الصفتان له خليقة ، لأنّهما من صفات الحيّ ، وفي القرآن على سبيل التوسّع .
ثم قال للقرآن: « أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ »، وله: « فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ».
وفي القرآن : « وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ » ، وعلم هذا الكتاب عنده ، لقوله : « وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ » .
وقال النبي صلى الله عليه و آله : الإسلام(1) يعلو ولا يعلى(2) ، وقال تعالى : « وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيا » ، بيانه : « وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ » .
ص: 280
قال العوني :
عدل القرآن وصنو المصطفى وأبو
السبطين أكرم به من والد وأب
بعل المطهّرة الزهراء والنسب
الطهر الذي ضمّه حقّا إلى نسب
* * *
ص: 281
ص: 282
ص: 283
ص: 284
ساواه مع آدم عليه السلام في أشياء :
في العلم « وَعَلَّمَ آدَمَ الأَْسْماءَ كُلَّها » ، وله : وأنا مدينة العلم وعلي بابها .
والتزويج ، لأنّه جرى تزويجها(1) في الجنّة .
وأنزل الحديد على آدم عليه السلام ، وأنزل على علي عليه السلام ذا الفقار .
وآدم عليه السلام أبو الآدميين ، وعلي عليه السلام أبو العلويين .
واعتذر عن آدم عليه السلام : « فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً » ، وشكر عن علي عليه السلام : « يُوفُونَ بِالنَّذْرِ » .
وآمن آدم عليه السلام في قوله : « ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ » ، وكذلك لعلي عليه السلام : « فَوَقاهُمُ اللّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ » .
وكان آدم عليه السلام خليفة اللّه « إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً » ، وعلي عليه السلام خليفة اللّه ، قوله عليه السلام : من لم يقل : أنّي رابع الخلفاء . . الخبر .
خلق آدم عليه السلام من التراب ، فكان ترابيا « فَإِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ » ، وسمّى النبي صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام « أبا تراب » .
وقال آدم عليه السلام وقت خلقته وقد عطس : « الْحَمْدُ لِلّهِ » ، فقال : رحمك
ص: 285
اللّه ، ولهذا خلقتك ، سبقت رحمتي غضبي ، فهو أوّل كلمة قالها ، وعلي عليه السلام لمّا ولد سجد للّه على الأرض وحمده .
وآدم عليه السلام خلق بين مكة والطائف ، وعلي عليه السلام ولد في الكعبة .
واصطفى اللّه آدم عليه السلام ، ولعلي عليه السلام « وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ » .
والأنبياء كلّهم من صلب آدم عليه السلام ، وأوصياء النبي صلى الله عليه و آله من صلب علي عليه السلام .
رفع آدم عليه السلام على مناكب الملائكة ، ورفعت جنازة علي عليه السلام على مناكبهم أيضا .
نسب أولاد آدم عليه السلام إليه ، فقالوا : آدمي ، ونسب أولاد النبي صلى الله عليه و آله إليه ، فقالوا : علوي .
أمر اللّه الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام ، وعلي عليه السلام أمر بأن يؤتى إليه .
روى العباس بن بكار عن شريك عن سلمة بن كهيل عن علي عليه السلام قال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي ، أنت بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتى(1) .
آدم عليه السلام باع الجنّة بحبات حنطة ، فأمر بالخروج منها « قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً » ، وعلي عليه السلام اشترى الجنّة بقرص ، فأذن له بالدخول فيها « وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً » .
« وَعَلَّمَ آدَمَ الأَْسْماءَ كُلَّها » ، وكان اسم علي عليه السلام وأسماء أولاده عليهم السلام فعلم اللّه آدم عليه السلام أسماءهم .
ص: 286
أخبرني محمود بن عبد اللّه بن عبيد اللّه الحافظ بإسناده عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يفتخر يوم القيامة آدم بابنه شيث ، وأفتخر أنا بعلي بن أبي طالب(1) .
قال المفجع :
كان في علمه كآدم إذ علّم
شرح الأسماء والمكنيات
* * *
وساواه مع إدريس عليه السلام بأشياء :
أطعم إدريس بعد وفاته من طعام الجنّة ، وأطعم علي عليه السلام في حياته من طعامها مرارا .
وسمّي إدريس ، لأنّه درس الكتب كلّها ، وقوله تعالى في علي عليه السلام
« وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ » .
وإدريس أوّل من وضع الخطّ ، وعلي عليه السلام أوّل من وضع النحو والكلام .
وساواه مع نوح عليه السلام في خمسة عشر موضعا :
[ 1 ] في الميثاق : « وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ » ، ولعلي عليه السلام ما روي أنّ اللّه - تعالى - أخذ ميثاقي على النبوة ، وميثاق إثني عشر بعدي .
ص: 287
[ 2 ] وخصّ بطول العمر « فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ » ، وطول عمر ولده القائم عليه السلام « وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا » الآية .
[ 3 ] ونوح عليه السلام شيخ المرسلين ، وعلي عليه السلام شيخ الأئمة .
[ 4 ] وقيل لنوح عليه السلام : « يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا » ، ولعلي عليه السلام « فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ » .
[ 5 ] ونبع الماء لنوح عليه السلام من بين النار « وَفارَ التَّنُّورُ » ، وهوى النجم لعلي عليه السلام من بئر الدار « وَالنَّجْمِ إِذا هَوى » .
[ 6 ] أجيبت دعوة نوح عليه السلام فهطلت له السماء بالعقوبة ، وأجيبت لعلي عليه السلام بالرحمة ، فنبعت له الأرض في أرض بلقع(1) ويمنى السواد وغيرهما .
[ 7 ] ذكر اللّه نوحا عليه السلام في كتابه إثنين وأربعين موضعا ، أوّله : « إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً » وآخره : « وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ » ، وذكر عليا عليه السلام في تسع وثمانين موضعا أنّه أمير المؤمنين عليه السلام .
[ 8 ] وسمّي نوحا عليه السلام لكثرة نوحه وزهادته ، وقال لعلي عليه السلام : « أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ » .
[ 9 ] وسمّاه شكورا « إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً » ، وسمّى عليا عليه السلام باسمه « وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا » .
[ 10 ] وأهلك جميع الخلائق بالطوفان سوى قومه « فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ » ، وأهلك أعداء علي عليه السلام في طوفان النصب ، فيلقى في جهنم ، ويفوز أحباؤه « إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً » .
ص: 288
[ 11 ] نوح عليه السلام أبّ ثان ، وعلي عليه السلام أبو الأئمة عليهم السلام والسادات .
[ 12 ] واشتق لنوح عليه السلام اسمه من صفته لمّا ناح ، واشتق اسم علي عليه السلاممن صفته ، لأنّه علا .
[ 13 ] وقيل : « يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا » ، وقيل لعلي عليه السلام : « سَلامٌ عَلى آِل ياسِينَ » .
[ 14 ] وحمل على السفينة عند طوفان الماء « وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ
وَدُسُرٍ » ، وقيل لعلي عليه السلام : مثل أهل بيتي كسفينة نوح . . الخبر ، فسفينة علي عليه السلام نجاة من النار .
قال المفجع :
وكنوح نجا من الفلك من سيّر
في الفلك إذ علا الجوديّا
* * *
ص: 289
ص: 290
ص: 291
ص: 292
ساوى عليا عليه السلام مع إبراهيم عليهماالسلام في ثلاثين خصلة :
[ 1 ] الاجتباء : « وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ »(1) ، ولعلي عليه السلام : « إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ . . » .
[ 2 ] وفي الهدى : « وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ »(2) ، ولعلي عليه السلام : « وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ » .
[ 3 ] وفي الحسنة : « وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً » ، ولعلي عليه السلام : « مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ » .
[ 4 ] وفي البركة : « وَبارَكْنا عَلَيْهِ » ، ولعلي عليه السلام : « وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ » .
[ 5 ] وفي البشارة : « وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ » ، ولعلي عليه السلام : « وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً » .
[ 6 ] وفي السلام : « سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ » ، ولعلي عليه السلام : « سَلامٌ عَلى آِل ياسِينَ » .
ص: 293
[ 7 ] وفي الخلّة : « وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً » ، ولعلي عليه السلام : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ » .
[ 8 ] وفي الثناء الحسن : « وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا » ، ولعلي عليه السلام : « وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ » .
[ 9 ] وفي المقام : « وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى » ، ولعلي عليه السلام : هو أوّل من صلّى مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
[ 10 ] وفي الإمامة : « إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً » ، ولعلي عليه السلام : « وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ » .
[ 11 ] وجعل مثابته قبلة للخلق « وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً » ولعلي عليه السلام : حبّ علي عليه السلام إيمان .
[ 12 ] وبناه طواف المؤمنين « وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ » ولعلي عليه السلام : « إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ » .
[ 13 ] وأمر إبراهيم عليه السلام بتطهير البيت « وَطَهِّرْ بَيْتِيَ » ، واللّه - تعالى - طهر بيت علي عليه السلام « وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » .
[ 14 ] وملوك الروم من نسل إبراهيم عليه السلام ، والأئمة عليهم السلام الإثنا عشر من صلب علي عليه السلام .
[ 15 ] وأثنى اللّه عليه « إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً » ، لأنّه كان وحيدا في زمانه بالتوحيد ، وعلي عليه السلام أوّل من أسلم .
[ 16 ] وقال : « إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ » ، ولعلي
عليه السلام : « أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ » .
ص: 294
[ 17 ] وقال له : « كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً » ، ولعلي عليه السلام : على ملّة إبراهيم عليه السلام ، ودين محمد صلى الله عليه و آله ، ومنهاج علي عليه السلام حنيفا مسلما .
[ 18 ] وقال له : « شاكِراً لأَِنْعُمِهِ » ، ولعلي عليه السلام : « الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ » .
[ 19 ] وقال في إبراهيم عليه السلام : « الَّذِي وَفّى » ، ولعلي عليه السلام : « الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ » .
[ 20 ] وقال في إبراهيم عليه السلام : « الَّذِي وَفّى » ، ولعلي عليه السلام « يُوفُونَ بِالنَّذْرِ » .
[ 21 ] وقال : « وَإِنَّهُ فِي الآْخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ » ، ولعلي عليه السلام « وَصالِحُ الْمُؤمِنِينَ » .
[ 22 ] وقال : « إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ » ولعلي عليه السلام : « يَحْذَرُ الآْخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ » .
[ 23 ] وكان إبراهيم عليه السلام مؤذّنا للحجّ « وَأَذِّنْ فِي النّاسِ » وعلي عليه السلام
مؤذّن اللّه « وَأَذانٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ » .
[ 24 ] وإبراهيم عليه السلام فارق قومه « وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ
اللّهِ »فأخرج من نسله سبعين ألف نبي « وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ » ، وعلي عليه السلامفارق قريشا فجعله اللّه في أفضلها ، وهم بنو هاشم ، وأعطاه النسل الطيب .
[ 25 ] وعادى إبراهيم عليه السلام قومه « فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاّ رَبَّ الْعالَمِينَ » ، وعادت قريش عليا عليه السلام فأبادهم بالسيف .
[ 26 ] وقال إبراهيم عليه السلام : « إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ » ، وقال النبي صلى الله عليه و آله : أنا ابن الذبيحين ، يعني إسماعيل وعبد اللّه عليهماالسلام ، وابتلي علي عليه السلام أكثر .
ص: 295
[ 27 ] ورمي إبراهيم عليه السلام مشدودا عن المنجنيق وهو مكره ، ورمي علي عليه السلام عن المنجنيق في ذات السلاسل وهو مختار .
[ 28 ] وقال في حقّ إبراهيم عليه السلام « فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ » ، وألقى علي عليه السلام
نفسه في وادي الجنّ وحاربهم .
[ 29 ] وصارت نار الدنيا على إبراهيم عليه السلام بردا وسلاما « قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً » ، وتصير نار الآخرة على محبّي علي عليه السلام « بَرْداً وَسَلاماً »حتى تنادي الجحيم : جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي .
[ 30 ] ادعى في محبّة إبراهيم عليه السلام خلق ، فقال « فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي » ، وادعى في محبّة علي عليه السلام خلق ، فقال اللّه : « إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ » الآية .
[ 31 ] وإبراهيم عليه السلام أوجس في نفسه خيفة من الملائكة ، وتكلّم علي عليه السلام معهم .
قال العوني :
علي كليم الجنّ في يوم دجنة
ومن قلتما من مثلها خرسان
* * *
[ 32 ] وسائر الأنبياء بعد إبراهيم عليه السلام من نسله « مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ » ، وسائر الأوصياء من ولد علي عليه السلام « وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ » .
[ 33 ] إبراهيم عليه السلام أسّس الكعبة « أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ » ، وعلي عليه السلام
أظهر الإسلام ، وطهّر الكعبة من الأزلام .
ص: 296
[ 34 ] وإبراهيم عليه السلام كسر أصناما « قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا » « قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا » ، يعني آفلون ، وعلي عليه السلام كسر ثلاثمائة وستين صنما أكبرها هبل .
[ 35 ] ابتلى اللّه إبراهيم عليه السلام بقربان الولد « إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ » ، وأبات أبو طالب عليا عليهماالسلام على فراش رسول اللّه صلى الله عليه و آله كلّ ليلة في الشعب ، وأباته النبي صلى الله عليه و آله ليلة الهجرة .
وبين الفدائين فروق ، وربما يشفق الوالد على ولده فلا يذبحه ، وعلي صلى الله عليه و آله كان على يقين من الكفار ، ويقوى في ظنّ والده أنّ أباه يمتحنه في طاعته ، فيزول كثير من الخوف ويرجو السلامة ، وعلي صلى الله عليه و آلهخائف بلا رجاء ، وأمره مسند إلى الوحي فيجب الانقياد ، وعلي عليه السلامعلى غير ذلك .
[ 36 ] وأثنى اللّه على إبراهيم عليه السلام في خمسة وستين موضعا : أوّله « ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ » ، وآخره « صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى » ، وأنزل اللّه ربع القرآن في علي عليه السلام .
إسماعيل وإسحاق عليهماالسلام .
قال المفجع البصري :
وله من صفات إسحاق حال
صار في فضلها لإسحاق سيّا(1)
صبره إذ يتلّ للذبح حتى
ظلّ بالكبش عندها مفديّا
ص: 297
وكذا استسلم الوصيّ لأسياف
قريش إذ بيّتوه عشيّا
فوقى ليلة الفراش أخاه
بأبي ذاك واقيا ووليّا
* * *
وله أيضا :
من أبيه ذي الأيدي إسما
عيل شبهٌ ما كان عنّي خفيّا
إنّه عاون الخليل على الكعبة
إذ شاد ركنها المبنيّا
ولقد عاون الوصيّ حبيب
اللّه أن يغسلان منه الصفيّا
كان مثل الذبيح في الصبر والتس
ليم سمحا بالنفس ثم سخيّا
* * *
ص: 298
ص: 299
ص: 300
كان ليعقوب عليه السلام إثنا عشر ابنا أحبّهم إليه يوسف وبنيامين ، وكان لعلي عليه السلام سبعة عشر ابنا أحبّهم إليه الحسن والحسين عليهماالسلام .
وكان أصغر أولاده لاوي ، فصارت النبوة له ولأولاده .
ألقي له يوسف عليه السلام في غيابة الجبّ ، وذبح لعلي عليه السلام ابنه الحسين عليه السلام .
وابتلي يعقوب بفراق يوسف عليهماالسلام ، وابتلى علي عليه السلام بذبح الحسين عليه السلام .
لم يقع يوسف من يعقوب عليهماالسلام وإن بعد عنه ، ولم تقع الخلافة عن علي عليه السلام وإن بعدت عنه أياما .
كان ليعقوب عليه السلام بيت الأحزان ، ولآل النبي عليهم السلام كربلاء .
ويعقوب عليه السلام ارتد بصيرا بقميص ابنه ، وكان لعلي عليه السلام قميص من غزل فاطمة عليه السلام يتّقي به نفسه في الحروب .
وكلّم ذئب يعقوب عليه السلام وقال : لحوم الأنبياء حرام علينا(1) ، وكلّم ثعبان عليا عليه السلام على المنبر ، وكلّمه ذئب وأسد أيضا .
قال المرزكي :
وكيعقوب كلّم الذئب لمّا
حلّ في الجبّ يوسف الصديق
ص: 301
سمّي يعقوب عليه السلام ، لأنّه أخذ بعقب أخيه عيص ، وسمّي عليا عليه السلام ، لأنّه علا في حسبه ونسبه وعلمه وزهده ، وغير ذلك .
وكان ليعقوب عليه السلام إثنا عشر ولدا ، منهم مطيع ومنهم عاص ، ولعلي عليه السلام إثنا عشر ولدا كلّهم معصومون مطهّرون .
قال المفجع :
وله من نعوت يعقوب نعت
لم أكن فيه ذا شكوك عتيّا
كان أسباطه كأسباط يعقوب
وإن كان نجرهم(1) نبويّا
أشبهوهم في الباس والعدّة والعلمفافهم إن كنت ندبا(2) ذكيّا
كلّهم فاضل وحاز حسينوأخوه بالسبق فضلاً سنيّا
* * *
وساواه مع يوسف عليه السلام في أشياء :
قال يوسف عليه السلام : « رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ » ، وقال في علي عليه السلام : « وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً » .
ولمّا رأى إخوته زيادة النعمة وكمال الشفقة حسدوه ، وكذلك حال علي عليه السلام « أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ » ، فزادهما علوا وشرفا « وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ » .
ص: 302
وقال إخوة يوسف عليه السلام في الظاهر : « وَإِنّا لَهُ لَناصِحُونَ » « وَإِنّا لَهُ لَحافِظُونَ » وعادوه في الباطن ، فقال اللّه تعالى : « إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ » « إِنّا إِذاً لَظالِمُونَ » ، وكذلك حال علي عليه السلام نصحوه ظاهرا ومقتوه باطنا .
وقال ليوسف عليه السلام : « أَيُّهَا الصِّدِّيقُ » ، وقال علي عليه السلام : أنا الصدّيق الأكبر .
إخوة يوسف عليه السلام وافقوه باللسان وخالفوه بالجنان « أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً » ، وكذلك حال المنافقين مع النبي صلى الله عليه و آله « فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ » .
وقالوا عند أبيه : « وَإِنّا لَهُ لَحافِظُونَ » وهم مضيّعوه ، وقال المنافقون : علي عليه السلام مولانا ، وظلموه بعد وفاته « أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ » .
سلّم يعقوب إليهم يوسف عليهماالسلام بالأمانة « إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ » ، والمصطفى صلى الله عليه و آله قال : إنّي تارك فيكم الثقلين .
وقال يعقوب : « يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ » ، وقال المصطفى صلى الله عليه و آله : ما أوذي نبي مثل ما أوذيت .
وقال اللّه تعالى ، « وَلَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً » ، وأوتي علي عليه السلام
حكمه في صغره بأشياء ، كما تقدّم .
أطعم يوسف عليه السلام لأهل مصر ، وأطعم علي عليه السلام الملائكة « وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ » .
الجائع كان يشبع بلقاء يوسف عليه السلام ، والمؤمن ينجو بلقاء علي عليه السلام« أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ » .
ص: 303
مدح يوسف عليه السلام نفسه ، فقال : « إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ » ، وقوله تعالى : « أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ » ، وقد مدح عليا عليه السلام : « وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ »
« يُوفُونَ بِالنَّذْرِ » .
وجد يعقوب رائحة قميص يوسف عليهماالسلام من مسيرة شهر ، وستجد شيعة علي عليه السلام رائحة الجنّة من فوق سبع سماوات « فَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ » .
ادعوا في يوسف عليه السلام أربعة دعاوى :
قال يعقوب عليه السلام : « يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤياكَ » ، وقال العزيز : « عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً » ، واسترقّه إخوته « وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ » ، وأخذته زليخا معشوقا « قَدْ شَغَفَها حُبًّا » .
وقال اللّه - تعالى - في علي عليه السلام : « إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ » ، وقال المصطفى : علي أخي ، وأنكره جماعة « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤا نُورَ اللّهِ » ، واعتقدت الشيعة إمامته « رِجالٌ صَدَقُوا » .
وسمّوا يوسف عليه السلام ولدا وأخا وعبدا ومعشوقا ، كذلك علي عليه السلام قالت الغلاة : هو اللّه ، وقالت الخوارج : هو كافر ، وقالت المرجئة : هو المؤخّر ، وقال الشيعة : هو معصوم مطهّر .
نظر في يوسف عليه السلام ثمانية :
نظر يعقوب عليه السلام بالمحبّة ، فحرم لقاه « يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ » .
ومالك بن الزعر بالحرمة ، فصار ملكا « أَكْرِمِي مَثْواهُ » .
والعزيز بالفتوة ، فوجد منه الصيانة « وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللّهِ » .
وزليخا بالشهوة ، فسخر منها « وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ » .
ص: 304
والمؤمنون بالنبوة « يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ »(1) .
وكذلك نظر في علي عليه السلام ثمانية :
نظر الكفّار بالعداوة ، فالنار مأواهم « ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ » .
والمنافقون بالحسد ، فخسروا « قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَْخْسَرِينَ أَعْمالاً » .
والمصطفى بالوصيّة والإمامة ، فصار ختنه وصاحب جيشه « وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً » .
وسلمان والمقداد بالشفقة ، فصاروا خواصّ الصحابة وسرور الشيعة « وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ » .
والنواصب بالحقارة ، فضلّوا « إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا » .
والغلاة بالمحال ، فصاروا من الضلال « وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِْسْلامِ دِيناً » .
والملاحدة بالكذب ، فصاروا مبتدعين « إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا » .
والشيعة بالديانة ، فصاروا مقرّبين « انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ » .
قال المفجع :
كابن راحيل يوسف وأخيه
فضلا القوم ناشيا وفتيّا
ومقال النبي في ابنيه يحكي
في ابن راحيل قوله المرويّا
كان ذاك الكريم وابنيه سادا
كلّ من حلّ في الجنان نجيّا
* * *
ص: 305
ص: 306
ص: 307
ص: 308
ربّي موسى عليه السلام في حجر عدو اللّه فرعون ، وربّي علي عليه السلام في حجر حبيب اللّه محمد صلى الله عليه و آله .
هو موسى بن عمران ، وعلي عليه السلام آل عمران ، وقالوا : إنّ اسم أبي طالب عليه السلام « عمران » .
وحفظ اللّه موسى عليه السلام في صغره من فرعون ، وفي كبره من البحر ، وحفظ عليا عليه السلام في صغره من الحيّة حين قتلها ، وفي كبره من الفرات حين أغارها .
وكان لموسى عليه السلام انفلاق البحر ، وهو نيل مصر ، « اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ » ، انشق نهروان بإشارة علي عليه السلام حين يبس .
ضرب موسى عليه السلام بعصاه على البحر وقال : اخرجي أيّتها الضفادع ، فخرجت ، وأطاعت الحيّة والثعبان عليا عليه السلام ، وذلك أهول .
وسخّر لموسى عليه السلام الجراد والقمل ، وسخّر لعلي عليه السلام حيتان نهروان إذ نطقت معه وسلّمت عليه .
وسخّر لموسى عليه السلام الدم مفصّلات ، وعلي عليه السلام أراق دماء الكفار حتى سمّوه الموت الأحمر .
وكان موسى عليه السلام صاحب تسع آيات بينات ، وعلي عليه السلام صاحب كذا وكذا معجزات .
ص: 309
وأحيى اللّه بدعاء موسى عليه السلام قوما « ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ » ، وأحيى بدعاء علي عليه السلام سام بن نوح ، وأصحاب الكهف ، وبوادي صرصر، وغيرها .
وذكر اللّه موسى عليه السلام في كتابه في مائة وثلاثين موضعا ، وسمّى عليا عليه السلام في
كتابه في ثلاثمائة موضع .
وقيل لموسى عليه السلام : « وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا » ، وقيل لعلي عليه السلام : « وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا » .
« وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكْلِيماً » ، وعلي عليه السلام علّمه اللّه تعليما « الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الإِْنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ » .
قال المرزكي :
وعلي ناجاه بالطائف اللّه
ففيما ينافس الزنديق
* * *
وسخّرت الأرض لموسى عليه السلام حتى خسف بقارون ، ودمّر علي عليه السلامعلى
أعداء النبي صلى الله عليه و آله « فَإِنّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ » .
وقال موسى عليه السلام : « وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي » ، وفي آية أخرى : « اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي » ، فقال اللّه : « قَدْ أُوتِيتَ سُؤلَكَ يا مُوسى » ، وقال اللّه ليلة المعراج : اخلف عليا عليه السلام ، وقال صلى الله عليه و آله : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى .
وسقى اللّه موسى عليه السلام من الحجر « فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً » ، وعلي عليه السلام « وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً » إثنا عشر إماما .
ص: 310
قال المفجع :
وأخو المصطفى الذي قلب الصخرة
عن مشرب هناك رويّا
بعد أن رام قلبها الجيش جمعا
فرأوا قلبها عليهم أبيّا
* * *
وأنزل اللّه على موسى عليه السلام المنّ والسلوى ، وعلي عليه السلام أعطاه النبي صلى الله عليه و آلهمن تفّاح الجنّة ورمّانها وعنبها ، وغير ذلك .
خاصم موسى وهارون عليهماالسلام مع فرعون في كثرة خيله ، قال الطبري : كان الذهلي والبرقي أربعة آلاف رجل وظفرا بهم ، وإنّ محمدا وعليا عليهماالسلام خاصما اليهود والنصارى والمجوس والمشركين والزنادقة وقد ظفرا عليهم « هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ » .
وكان خصم موسى وهارون عليهماالسلام فرعون وهامان وقارون وجنودهم ، وخصماء محمد وعلي عليهماالسلام عدد النحل والرمل من الأوّلين والآخرين .
وغرّق اللّه أعداءهما في البحر « ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآْخَرِينَ » « وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ » ، وسيلقي اللّه أعداء محمد وعلي عليهماالسلام في جهنم : « أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ » وينجّيهما وأحباءهما « ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا » .
وعدوّ موسى عليه السلام برص ، ومن عادى عليا عليه السلام برص ، قال أنس : هذه دعوة علي عليه السلام .
ص: 311
خاف موسى عليه السلام من الحيّة في كبره ، فقيل : « خُذْها وَلا تَخَفْ » ، ومزّق علي عليه السلام الحيّة في صغره ، وتقول العامّة من هذا الوجه : حيدر .
خاف موسى وهارون عليهماالسلام من الاستهزاء فقال : « لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما » ، ولم يخف محمد وعلي عليهماالسلام منه « اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ » .
خاف موسى عليه السلام من عصاه « خُذْها وَلا تَخَفْ » ، ولم يخف علي عليه السلام من الثعبان وكلّمه .
كان لموسى عليه السلام عصا ، ولعلي عليه السلام سيف .
وكان في عصى موسى عليه السلام عجائب عجزت السحرة عنها ، وفي سيف
علي عليه السلام عجائب عجزت الكفرة عنها .
وفي عصى موسى عليه السلام أربعة أحوال : « هِيَ عَصايَ » ، ثم تحركت « حَيَّةٌ تَسْعى » ، ثم كبرت « فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ » ، ثم التقفت « فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ » ، وفي سيف علي عليه السلام أربعة أحوال مذكور في بابه .
نزل جبرئيل عليه السلام بعصا موسى عليه السلام فأعطاها شعيبا ، وأعطاها شعيب موسى عليهماالسلام ، ثم أنزل ذا الفقار ، فأعطي محمد صلى الله عليه و آله ، وأعطاه محمد عليا عليهماالسلام .
وكان عصا موسى عليه السلام من اللوز المرّ ، وشجرة طوبى في دار فاطمة وعلي عليهماالسلام .
وكان رأسها ذا شعبتين ، وكان ذو الفقار ذا شعبتين ، وعين اسم علي عليه السلام ذو شعبتين .
موسى عليه السلام قذفته أمّه في تنوّر مسجور ، وقذف علي عليه السلام من منجنيق .
إن ابتلي موسى عليه السلام بفرعون ، فقد ابتلي علي عليه السلام بفراعنة .
ص: 312
وكان لموسى عليه السلام إثنا عشر سبطا ، ولعلي عليه السلام اثنا عشر إماما .
وقيل لموسى عليه السلام : « فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ » ، وأمر علي عليه السلام أن يضع رجله على كتف محمد صلى الله عليه و آله .
وكان موطئ موسى عليه السلام حجر ، وموطئ علي عليه السلام منكب محمد صلى الله عليه و آله .
ارتفع موسى عليه السلام على الطور ، وارتفع علي عليه السلام على كتف محمد صلى الله عليه و آله الرسول .
وقال لموسى عليه السلام : « وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي » ، فكان كلّ من رآه أحبّه ، وفرض حبّ علي عليه السلام على الخلق ، وحبّه يميّز بين الحقّ والباطل ، ولا يحبّك إلاّ مؤمن تقي . . الخبر .
وقال لموسى عليه السلام : « وَأَنَا اخْتَرْتُكَ » ، ولعلي عليه السلام : « وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ » .
وقال لموسى عليه السلام : « وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي » ، ولعلي عليه السلام : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ »الآية .
وقال لموسى عليه السلام « إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً » ، ولعلي عليه السلام : « إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ » .
« وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ » ، وكان فتى موسى يوشع عليهماالسلام ، وفتى محمد علي عليهماالسلام ، ولا فتى إلاّ علي عليه السلام .
وكان لموسى عليه السلام شبر وشبير ، ولعلي حسن وحسين
عليهم السلام .
وكان ولاية موسى عليه السلام في أولاد هارون عليه السلام ، وولاية محمد صلى الله عليه و آله في أولاد علي عليه السلام .
ص: 313
تركوا هارون وعبدوا العجل « عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ » ، وتركوا عليا عليه السلاموعبدوا بني أمية « إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ » .
موسى عليه السلام ساقي بنات شعيب « وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ » ، وعلي عليه السلام ساقي المؤمنين في القيامة ، والولدان سقاة أهل الجنّة ، والمولى ساقي علي عليه السلام ، « وَسَقاهُمْ » ، « وَوَقاهُمْ » ، « وَلَقّاهُمْ » ، « وَجَزاهُمْ » ، « وَسَقاهُمْ » ، فسقاه ، ورواه ، فريّاه ، وأطعمه ، فأطعمه .
وجرّ موسى عليه السلام الحجر من رأس البئر ، وكان يجرّونه أربعون رجلاً « وَلَمّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ » ، وعلي عليه السلام جرّ الحجر من عين زحوما ، وكان مائة رجل عجزوا عن قلعه .
قال المفجع :
كان فيه من الكليم جلال
لم يكن عنك علمها مطويّا
كلّم اللّه ليلة الطور موسى
واصطفاه على الأنام نجيّا
وأبان النبي في ليلة الطائف
أنّ الإله ناجى عليّا
وله منه عفّة عن أناس
عكفوا يعبدون عجلاً خليّا
حرق العجل ثم منّ عليهم
إذ أنابوا وأمهل السامريّا
وعلي فقد عفا عن أناس
شرعوا نحوه القنا الزاعبيّا(1)
* * *
ص: 314
ص: 315
ص: 316
قول النبي صلى الله عليه و آله يوم بيعة العشيرة ، ويوم أحد ، ويوم تبوك وغيرها : يا علي أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، فالمؤمنون أحبّوا عليا عليه السلام كما أحبّ أصحاب هارون هارون ، ولم يكن لأحد منزلة عند موسى كمنزلة هارون ، ولا أحد عند النبي صلى الله عليه و آله كمنزلة علي عليه السلام .
وكان هارون خليفة موسى عليهماالسلام ، وعلي عليه السلام خليفة محمد صلى الله عليه و آله .
ولمّا دخل موسى عليه السلام على فرعون ودعاه إلى اللّه قال : ومن يشهد لك بذلك ؟ قال : هذا القائم على رأسك - يعني هارون - فسأله عن ذلك ، قال : أشهد اللّه أنّه صادق ، وأنّه رسول اللّه إليك ، قال : أما إنّي لا أعاقبه إلاّ بإخراجه من تكرمتي ، وإلحاقه بدرجتك ، فدعا له بجبّة صوف وألبسه إياها ، وجاء بعصا فوضعها في يده ، فعوّضه اللّه من ذلك أن ألبسه قميص الحياة ، فكان هارون عليه السلام آمنا في سربه ما دام عليه ذلك .
وكذلك ألبس اللّه عليا عليه السلام قميص الأمن بقول النبي صلى الله عليه و آله : إنّ المحتوم أن لا تموت إلاّ بعد ثلاثين سنة بعد أن تؤمر وتقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، ثم تخضب لحيتك من دم رأسك وقت كذا .
فكان هارون عليه السلام إذا نزع القميص مخوفا ، وكان علي عليه السلام آمنا على كلّ حال .
ص: 317
وكان أوّل من صدّق بموسى هارون عليهماالسلام ، وهكذا أوّل من صدّق بالنبي علي عليهماالسلام .
ولمّا ولد الحسن عليه السلام سمّاه علي عليه السلام حربا(1) !!! فقال النبي صلى الله عليه و آله : سمّه حسنا ، فلمّا ولد الحسين عليه السلام سمّاه أيضا حربا !!! فقال صلى الله عليه و آله : لا ، هو الحسين ، كأولاد هارون شبر وشبير ومشبر .
قال المفجع :
إنّ هارون كان يخلف موسى
وكذا استخلف النبي الوصيّا
ص: 318
وكذا استضعف القبائل هارون
وراموا له الحمام الوحيّا(1)
نصبوا للوصيّ كي يقتلوهولقد كان ذا محال قويّا
وأخو المصطفى كما كان هارونأخا لابن أمّه لا دعيّا
* * *
وساواه مع يوشع بن نون ، علي بن مجاهد في تاريخه مسندا قال النبي صلى الله عليه و آله عند وفاته : أنت منّي بمنزلة يوشع بن نون من موسى عليه السلام .
قال المفجع :
وله من صفات يوشع عندي
رتب لم أكن لهن نسيّا
كان هذا لمّا دعى الناس موسى
سابقا قادحا زنادا وريّا(2)
وعلي قبل البريّة صلّىخائفا حيث لا يعاين ريّا
كان سبقا مع النبي يصلّيثاني إثنين ليس يخشى ثويّا(3)
* * *
وساواه مع لوط عليه السلام ، وقد ذكره اللّه في كتابه في ستّة وعشرين موضعا ، وذكر عليا عليه السلام في كذا موضعا .
ص: 319
قال المفجع :
ودعا قومه فآمن لوط
أقرب الناس منه رحما وريّا
وعلي لمّا دعاه أخوه
سبق الحاضرين والبدويّا
* * *
ص: 320
ص: 321
ص: 322
وساواه مع أيوب عليه السلام ، فأيوب أصبر الأنبياء ، وعلي عليه السلام أصبر الأوصياء.
صبر أيوب عليه السلام ثلاث سنين في البلايا ، وعلي عليه السلام صبر في الشعب مع النبي صلى الله عليه و آله ثلاث سنين ، ثم صبر بعده ثلاثين سنة .
وقد وصف اللّه صبر أيوب عليه السلام « إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً » ، وقال لعلي عليه السلام : « الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ » وقال : « وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ
وَحِينَ الْبَأْسِ » .
قال في أيوب عليه السلام : « مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ » ، ولعلي عليه السلام : نصب من نواصب وعداوة شياطين الإنس .
وقال لأيوب عليه السلام : « ارْكُضْ بِرِجْلِكَ » ، ولعلي عليه السلام بوادي بلقع وغيره .
ولأيوب عليه السلام : « إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً » ، ولعلي عليه السلام : « وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا » .
وقال أيوب عليه السلام : « إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ » ، وقال علي عليه السلام : إلى كم أغضي الجفون على القذي .
قال المفجع :
وله من عزاء أيوب والصبر
نصيب ما كان بردا نديّا
* * *
ص: 323
جرجيس عليه السلام صبر في المحن ، وعلي عليه السلام صبر في المحن والفتن .
ولم يقبل قوله الحقّ ، وقتل في الحقّ ، وعلي عليه السلام كان على الحقّ ، وقتل في الحقّ للحقّ .
وعذّب جرجيس بأنواع العذاب ، وعذّب علي عليه السلام بأنواع الحروب .
كسر جرجيس عليه السلام صنما ، وكسر علي عليه السلام ثلاثمائة وسبعين في الكعبة سوى ما كسره في غيرها .
أهلك اللّه أعداء جرجيس بالنار ، وسيهلك أعداء علي عليه السلام بنار جهنم « أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ » .
يونس عليه السلام ، « إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً » ، فذهب علي عليه السلام مجاهدا محاربا .
« فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ » ، وسلّمت الحيتان على علي عليه السلام ، وشتّان بين الغالب والمغلوب .
وسمّاه اللّه « ذَا النُّونِ » ، وسمّى النبي صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام « ذا الريحانتين » .
وقال في يونس عليه السلام : « إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ » ، وعلي عليه السلام فلك مشحون من العلم « أنا مدينة العلم » .
وقيل ليونس عليه السلام : « لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ » وفي موضع : « وَهُوَ مُلِيمٌ » ، وعلي عليه السلام تركوه وخذلوه ولعنوه ألف شهر .
ص: 324
وفي يونس عليه السلام : « وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ » ، وأطعم علي عليه السلام من فواكه الجنّة .
وقال : « وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ » ، وعلي عليه السلام إمام الإنس والجنّ .
وإنّه عبَدَ اللّه في مكان ما عبد فيه بشر ، وعلي عليه السلام ولد في موضع ما ولد فيه قبله ولا بعده أحد .
زكريا عليه السلام ، بشّر زكريا بيحيى في المحراب ، وعلي عليه السلام بشّر بالحسن والحسين عليهماالسلام .
وسأل زكريا عليه السلام « رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً » ، وقيل للنبي صلى الله عليه و آله بلا سؤال : « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ » .
وقالت امرأة عمران : « إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً » ، وقال للمرتضى عليه السلام « يُوفُونَ بِالنَّذْرِ » .
وقالت : « رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى » ، وقال اللّه - تعالى - في زوجة
علي عليهماالسلام« وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ » .
أجاب اللّه دعاء زكريا عليه السلام : « رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً » الآية ، وأجاب عليا عليه السلام من غير سؤال : « فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ » .
نشر زكريا عليه السلام في الشجر ، وجزّ رأس يحيى عليه السلام في الطشت ، قتل علي عليه السلام في المحراب ، وذبح حسين عليه السلام بكربلاء .
ص: 325
وذكره في كتابه في سبعة عشر موضعا ، أوّلها البقرة ، وآخرها في صاد ، وذكر عليا عليه السلام في كذا موضعا ، أوّله : « صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ » ، وآخره « وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ » .
وقالت : « وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها » ، وقال المصطفى للحسن والحسين عليهم السلام : أعيذكما من شرّ السامّة والهامّة ، ومن شرّ كلّ عين لامّة .
وزكريا عليه السلام كان واعظ بني إسرائيل ، وكافل مريم ، وعلي عليه السلام كان مفتي الأمّة ، وكافل فاطمة عليه السلام .
قال المفجع :
وله خلّتان من زكريّا
وهما غاظتا الحسود الغويّا
كفّل اللّه ذاك مريم إذ كان
تقيّا وكان برّا حفيّا
فرأى عندها وقد دخل المحراب
من ذي الجلال رزقا هنيّا
وكذا كفّل الإله عليا
خيرة اللّه وارتضاه كفيّا
خيرة بنت خير رضي
اللّه لها الخير والإمام الرضيّا
ورأى جفنة(1) تفور لديها
من طعام الجنان لحما طريّا
* * *
يحيى عليه السلام ، قال في مهده يوم ولد : « إِنِّي عَبْدُ اللّهِ آتانِيَ الْكِتابَ » ، وعلي عليه السلام آمن في صغره .
ص: 326
وقال يحيى عليه السلام : « وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ » ، وسمّت ظئر علي عليه السلام له « ميمونا » و« مباركا » .
وقال : « وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ » ، وعلي عليه السلام صلّى وزكّى في حالة واحدة « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ » الآية .
وقال يحيى عليه السلام : « وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ » ، وقال لعلي عليه السلام : « سَلامٌ عَلى آِل ياسِينَ » .
وقال ليحيى عليه السلام : « وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ » ، ولعلي عليه السلام : « إِنَّ الأَْبْرارَ يَشْرَبُونَ » .
وكانت أمّه بتولاً ، وزوجة علي عليهماالسلام بتول .
يحيى عليه السلام قدّم إقراره بالعبودية ليبطل قول من يدّعي فيه الربوبيّة ، وكان اللّه - تعالى - قد أنطقه بذلك لعلمه بما يتقوّله الغالون فيه ، وكذا حكم علي عليه السلام لمّا ولد في الكعبة شهد الشهادتين ليتبرّأ من قول الغلاة فيه .
قال السيد الحميري :
ألم يؤت الهدى والحكم طفلاً
كيحيى يوم أوتيه صبيّا
* * *
وقال المفجع :
وله من صفات يحيى محلّ
لم أغادره مهملاً منسيّا
إنّ رجسا من النساء بغيّا
كفلت قتله كفورا شقيّا
وكذاك ابن ملجم فرض اللّه
له اللعن بكرة وعشيّا
* * *
ص: 327
ذو القرنين ، قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّك لذو قرنيها ، وقد شرحناه .
وأنّه قد سدّ على يأجوج ومأجوج ، وسدّ اللّه على الشيعة كيد الشياطين .
وأنّه كان يعرف لغات الخلق ، وعلي عليه السلام علّم منطق الطير والدواب والوحش والجنّ والإنس والملائكة .
طلب ذو القرنين عين الحياة ، من أحبّه لم يمت قلبه قطّ .
ولقمان ظهرت الحكمة منه ، علي عليه السلام استفاضت العلوم كلّها منه .
وقال اللّه تعالى : « وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ » ، وقال لعلي عليه السلام : « الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ » .
نظير الخضر في العلماء فينا
وذاك له بلا كذب نظير
وهو فينا كذي القرنين فيهم
برجعته له لون تصير
* * *
شعيب عليه السلام .
قال المفجع :
وكما آجر الكليم شعيبا
نفسه فاصطفى فتى عبقريّا
وكذاك النبي كان مدى الأ
يام مستأجرا أخاه التقيّا
ص: 328
فوفى في سنين عشر بما
عاهد عفوا ولم يجده عصيّا
فحباه بخيرة اللّه في النسوان
عرسا وحبّة وصفيّا
وشعيبا كان الخطيب إذا ما
حضر القوم محفلاً ونديّا
وعلي خطيب فيهم إذا المنط-
-ق أعيى المفوّه اللوذعيّا(1)
* * *
ص: 329
ص: 330
ص: 331
ص: 332
قال اللّه تعالى : « يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الأَْرْضِ » ، وعلي عليه السلام
قال : من لم يقل أنّي رابع الخلفاء . . الخبر .
وقال : « وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ » ، وقتل علي عليه السلام عمروا ومرحبا .
وكان له حجر سبب قتل جالوت ، ولعلي عليه السلام سيف(1) يدمّر الكفار .
وقال لداود عليه السلام : « وَبَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ » ، ولعلي عليه السلام وولده : « بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ » ، وبقية اللّه خير من بقية موسى عليه السلام .
ولداود عليه السلام سلسلة الحكومة ، وعلي عليه السلام فلاّق الأغلاق : أقضاكم علي عليه السلام .
وقال داود عليه السلام : « الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى » العالمين ، وهذا دعوى ، وقال اللّه لعلي عليه السلام : « وَفَضَّلَ اللّهُ الُْمجاهِدِينَ » وهذا دليل .
وقال اللّه لداود عليه السلام : « وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ » ، وقوله : « يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ » ، وكان علي عليه السلام يسبّح بالحصى ويسبّحن معه .
وقال اللّه لداود عليه السلام : « عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ » ، وكان لعلي عليه السلام صوت يميت الشجعان ، وتكلّمه مع الطير في الهواء .
ص: 333
وقال لداود عليه السلام : « وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ » ، وقال لعلي عليه السلام : « قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ » .
وقال : « وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الأَْيْدِ إِنَّهُ أَوّابٌ » ، وقال في علي عليه السلام :
« أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤمِنِينَ » .
وداود عليه السلام خطيب الأنبياء ، وعلي عليه السلام أوتي فصل الخطاب ، فقال : « فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ » ، وعلي عليه السلام هزم جنود الكفر والبغي .
كان داود سيف طالوت حتى
هزم الخيل واستباح العديّا
وعلي سيف النبي بسلع(1)
يوم أهوى بعمرو المشرفيّا
فتولّى الأحزاب عنه وخلّوا
كبشهم ساقطا بحال كديّا
أنبأوا الوحي أنّ داود قد
كان بكفّيه صانعا هالكيّا
وعلي من كسب كفّيه قد
أعتق ألفا بذاك كان جزيّا
* * *
وقال داود عليه السلام : « إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ » ، ولمّا أقام النبي صلى الله عليه و آلهعليا عليه السلام مقامه قالوا نحوه ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : علي مع الحقّ والحقّ مع علي .
ص: 334
وقال في الطالوت : « وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ » ، وكان علي عليه السلام أعلم الأمّة وأشجعهم .
وقال في طالوت : « إِنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ » ، وقال في علي عليه السلام : « وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ » ، وقال : « وَاللّهُ يُؤتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ »
ويختار .
عطش بنو إسرائيل في غزاة جالوت ، فقال طالوت : « إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ » ، وهو نهر فلسطين ، « فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي » ، « فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ » وكانوا أربعمائة رجل ، وقيل : ثلاثمائة وثلاثة عشر من جملة ثلاثين ألفا ، فقال لهم : لم تطيعوني في شربة ماء ، فكيف تطيعوني في الحرب ، فخلّفهم .
وعلي عليه السلام أتوه فقالوا : امدد يدك نبايعك ، فقال : إن كنتم صادقين فاغدوا عليّ غدا محلّقين . . الخبر .
قصد جالوت إلى قلع بيت داود عليه السلام ، فقتل داود جالوت ، واستقر الملك عليه ، وطلب أعداء علي عليه السلام قهره فقتلهم ، وماتوا قبله ، وبقيت الإمامة له ولأولاده « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤا نُورَ اللّهِ » .
قال ابن علوية :
في قصّة الملا الذين نبيّهم
سألوا له ملكا أخا أركان
قال النبي فإنّ ربّي باعث
طالوت يقدمكم أخا أقران
قالوا وكيف يكون ذاك وليس ذا
سعة ونحن أحقّ بالسلطان
قال اصطفاه عليكم بمزيدة
من بسطة في العلم والجسمان
ص: 335
واللّه يؤتي من يشاء ولم يكن
من نال منه كرامة بمهان
وكذاك كان وصيّ أحمد بعده
متبسّطا في الجسم والعرفان
لمّا تولّى الأمر شذّ عصابة
عنه شذود توافر الثيران
بكم وهم لا يعقلون ولا هم
يتصفّحون عمون كالصمان
قال النبي فإنّ آية ملكه
إتيان تابوت له تيان
إتيان تابوت سيأتيكم به
أملاك ربّي أيّما إتيان
فيه سكينة ربّكم وبقية
يا قوم ممّا ورّث الآلان
* * *
سليمان عليه السلام ، سأل خاتم الملك « رَبِّ . . هَبْ لِي مُلْكاً » ، وعلي عليه السلامأعطي
خاتم الملك « يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، فكان سليمان سائلاً وعلي عليه السلام معطيا .
سليمان عليه السلام قال : « رَبِّ . . هَبْ لِي مُلْكاً » ، وعلي عليه السلام قال : يا صفراء يا بيضاء غرّي غيري .
سليمان عليه السلام سأل ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، فأعطي وكان فانيا ، وأعطي عليا عليه السلام ملكا باقيا بلا سؤال « نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً » .
سليمان عليه السلام لمّا سأل خاتم الملك أعطي « غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ » ، وحبا المرتضى عليه السلام خاتمة الملك ، فأعطي السيادة في الدنيا « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ » الآية ، والملك في العقبى ( « وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ » .
ص: 336
وقال عن سليمان عليه السلام : « عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ » كما أخبر عن الهدهد وعن النملة ، وروى جابر لعلي عليه السلام أنّه قال للطير : أحسنت أيّها الطير .
وقال لسليمان عليه السلام : « إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصّافِناتُ الْجِيادُ » ، وكانت من غنيمة دمشق ألف فرس ، فلمّا رأى اللّه - تعالى - صلابته ردّ الشمس عليه ، فصلّى أداء ، وقد ردّت الشمس لعلي عليه السلام غير مرّة .
وقال لسليمان عليه السلام : « فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ » ، وعلي عليه السلام غلب الريح في بئر ذا ت العلم ، وأطاعته وقت خروجه إلى أصحاب الكهف .
وقال في سليمان عليه السلام : « وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِْنْسِ وَالطَّيْرِ » ، وسخّر علي عليه السلام الجن والإنس بسيفه ، وقال له رسول من الجنّ : لو أنّ الإنس أحبّوك كحبّنا . . الخبر .
وقال في سليمان عليه السلام : « عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ » ، وقال في علي عليه السلام : « وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ » .
وأضاف الناس سليمان عليه السلام فعجز عن ضيافتهم ، وعلي عليه السلام قد وقعت ضيافته موقع القبول « وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ » .
وتزوج سليمان عليه السلام من بلقيس بالعنف ، وزوج اللّه عليا عليه السلام من فاطمة عليهاالسلام باللطف .
وقال في سليمان عليه السلام : « وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا » الآية ، وقال في علي عليه السلام : « وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِْيمانِ فَقَدْ حَبِطَ » الآية .
وقال في سليمان عليه السلام : « فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ » ، وكان يحكم بالغرائب ، وعلي عليه السلام : « فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ » .
ص: 337
صالح عليه السلام ، سمّاه الخلق صالحا ، وسمّى الخالق عليا عليه السلام « . .صالِحُ الْمُؤمِنِينَ » .
وأخرج صالح « ناقَةَ اللّهِ وَسُقْياها » من الجبل ، وأخرج علي عليه السلام من الجبل مائة ناقة وقضى دين النبي صلى الله عليه و آله .
ص: 338
ص: 339
ص: 340
خلقه اللّه روحانيا « فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا » ، وخلق عليا عليه السلام من نور .
وعيسى عليه السلام خرجت أمّه وقت الولادة « فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا » ، ودخلت أم علي عليه السلام في الكعبة في وقت ولادته .
وعيسى عليه السلام قرأ التوراة والإنجيل في بطن أمّه حتى سمعته أمّه ، وكان علي عليه السلام يتكلّم في بطن أمّه وتخرّ له الأصنام .
وقال في عيسى عليه السلام : « وَيُكَلِّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ » ، وعلي عليه السلام تكلّم في صغره مع النبي صلى الله عليه و آله .
وقال عيسى عليه السلام « إِنِّي عَبْدُ اللّهِ » ، وهو أوّل من تكلّم بهذا ، وقال علي عليه السلام : وأنا عبد اللّه وأخو رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وأنزل اللّه عليه الوحي في ثلاثين سنة ، وكانت إمامة علي عليه السلام ثلاثين سنة .
وقال عيسى عليه السلام : « رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً » ، ولعلي عليه السلام أنزل موائد .
ولعيسى عليه السلام : « وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ » ، ولعلي عليه السلام : « وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ » .
وخصّ عيسى عليه السلام بالخطّ حتى قالوا : الخطّ عشرة أجزاء ، فتسعة لعيسى عليه السلام وجزء لجميع الخلق ، ولعلي عليه السلام كانت علوم الكتب والصحف .
ص: 341
وقال لعيسى عليه السلام : « وَتُبْرِئُ الأَْكْمَهَ وَالأَْبْرَصَ » ، وعلي عليه السلام طبيب القلوب في الدنيا والعقبى « إِلاّ مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » .
وقال عيسى عليه السلام : « وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ » ، وعلي عليه السلام أحيى بإذن اللّه ساما وأصحاب الكهف .
وقال لعيسى عليه السلام : « بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ » ، ولعلي عليه السلام « وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ » .
ولعيسى عليه السلام : « وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ » ، ولعلي عليه السلام : « سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ » .
وقال عيسى عليه السلام : « وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا » ، ولم تكن الزكاة عليه واجبة ، ولعلي عليه السلام : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ » الآية ، ولم تكن الزكاة عليه واجبة .
وقال عيسى عليه السلام : « وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ » ، وعلي عليه السلامناصره ووصيّه وختنه وابن عمّه وأخوه .
وتكلّم الأموات مع عيسى عليه السلام ، وكلّم علي عليه السلام جماعة من الموتى .
وإنّ اللّه - تعالى - حفظه من اليهود ، وقال : « وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ » ، وحفظ عليا عليه السلام على فراش رسول اللّه صلى الله عليه و آله من المشركين « وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ » .
وقال لعيسى عليه السلام : « وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ » ، وقال لمحمد وعلي عليهماالسلام : « وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها » .
وعيسى عليه السلام ولد لستّة أشهر ، وعلي عليه السلام ولد له الحسن والحسين عليه السلاممثله .
ص: 342
وسلّمته أمّه إلى المعلّم يقرأ التوراة عليه ، وقال علي عليه السلام : لو ثنيت لي الوسادة . . الخبر .
وأحيى اللّه الموتى بدعاء عيسى عليه السلام ، والقلب الميّت يحيى بذكر علي عليه السلام
« أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ » .
وقال له المعلّم : أبجد ، فقال : ما معناه ؟ فزجره ، فقال عيسى عليه السلام : أنا أفسّر لك تفسيره ، وعلي عليه السلام استكتب من بعض أهل الأنبار ، فوجده أكتب منه .
وكان عيسى عليه السلام ينبئ الصبيان بالمدّخر في بيوتهم ، والصبيان يطالبون أمّهاتهم به ، وعلي عليه السلام أخبر بالغيب ، كما تقدّم .
وسلّمته أمّه إلى صبّاغ ، فقال الصبّاغ : هذا للأحمر ، وهذا للأصفر ، وهذا للأسود ، فجعلها عيسى عليه السلام في حبّ ، فصرخ الصبّاغ ، فقال : لا بأس ، اخرج منه كما تريد ، فأخرج كما أراد ، فقال الصبّاغ : أنا لا أصلح أن تكون تلميذي ، وعلي عليه السلام قد عجزت قريش عن أفعاله وأقواله .
وكان عيسى عليه السلام زاهدا فقيرا ، وسئل النبي صلى الله عليه و آله : من أزهد الناس وأفقرهم ؟ فقال : علي وصيي وابن عمّي وأخي وحيدري وكراري وصمصامي وأسدي وأسد اللّه .
واختلفوا في عيسى عليه السلام ، قالت اليعقوبية : هو اللّه ، وقالت النسطورية : هو ابن اللّه ، وقالت الإسرائيلية : هو ثالث ثلاثة ، وقالت اليهود : هو كذّاب ساحر ، وقال المسلمون : هو من عند اللّه ، كما قال عيسى عليه السلام : « إِنِّي عَبْدُ اللّهِ » .
ص: 343
واختلفت الأمّة في علي عليه السلام ، فقالت الغلاة : أنّه المعبود ، وقالت الخوارج : أنّه كافر ، وقالت المرجئة : أنّه المؤخّر ، وقالت الشيعة : أنّه المقدّم ، وقال النبي صلى الله عليه و آله : يدخل من هذا الباب رجل أشبه الخلق بعيسى عليه السلام ، فدخل علي عليه السلام ، فضحكوا من هذا القول ، فنزل : « وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ » الآيات .
مسند الموصلي : قال النبي لعلي عليهماالسلام : فيك مثل من عيسى بن مريم ، أبغضه اليهود حتى بهتوا أمّه ، وأحبّته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليست له(1) .
قال ابن حماد :
وشبهه هارون إذ غاب صنوه
ونابذه قوم أضلّهم العجل
* * *
وقال المفجع :
وله من مراتب الروح عيسى
رتب زادت الوصيّ مزيّا
مثل ما ضلّ في ابن مريم ضربا
ن من المسرفين جهلاً وغيّا
* * *
وفي الألفية :
أم من لهم ضرب النبي بحبّه
مثل ابن مريم إنّ ذاك لشأن
إذ قال يهلك في هواك وفي القلى
لك يا علي جلالة جيلان
ص: 344
كعصابة قالوا المسيح إلهنا
فرد وليس لأمّه من ثان
وعصابة قالوا كذوب ساحر
حشي الوقوف به على بهتان
فكذاك فرد ليس عيسى كالذي
جهلاً عليه تخرّص القولان
وكذا علي قد دعاه إلههم
قوم فأحرقهم ولم يستان(1)
وأتاه قوم آخرون قلى لهمن بين منتكث(2) وذي خذلان
* * *
ص: 345
ص: 346
ص: 347
ص: 348
النبي صلى الله عليه و آله له الكتاب ، ولعلي عليه السلام السيف والقلم .
وللنبي صلى الله عليه و آله معجزان عظيمان : كلام اللّه ، وسيف علي عليه السلام .
وللنبي صلى الله عليه و آله انشقاق القمر ، ولعلي عليه السلام انشقاق نهروان .
أوجب اللّه على جميع الأنبياء الإقرار به « وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ » ، وقال في علي عليه السلام : « وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا » .
جعله اللّه إمام الأنبياء ليلة المعراج ، وجعل عليا عليه السلام إمام الأوصياء ليلة الفراش ويوم الغدير وغيرهما .
ركب النبي صلى الله عليه و آله على البراق ، وركب علي عليه السلام عاتق النبي صلى الله عليه و آله .
وقال فيه : « بِالْمُؤمِنِينَ رَؤفٌ رَحِيمٌ » ، وقال في علي عليه السلام : « وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا » .
قال للنبي صلى الله عليه و آله : « لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ » ، وقال لعلي عليه السلام : « فَوَقاهُمُ اللّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ » .
وأقسم بنفسه : « وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى » ، وأقسم بعلي عليه السلام : « وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ » .
سمّاه : « وَالنَّجْمِ إِذا هَوى » ، ولعلي عليه السلام : « وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ » .
ص: 349
وقال فيه : « أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ » ، وفي علي عليه السلام : « وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ » .
وقال فيه : « يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها » ، وفي علي عليه السلام : « وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي » .
وقال فيه : « اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ » ، وفي علي عليه السلام : « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤا نُورَ اللّهِ » .
وقال فيه : «وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً » ، وقال فيه : « ذِكْراً رَسُولاً » ، وفي علي عليه السلام : « وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ » .
وقال فيه : « عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ » ، وفي علي عليه السلام : « رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ » .
وقال فيه : « ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى » ، وكان صلى الله عليه و آله يجد شبه علي عليه السلام في معراجه .
وكانت علامة النبوة بين كتفيه ، وعلامة الشجاعة في ساعدي علي عليه السلام .
نزلت الملائكة يوم بدر بنصرته « يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ » ، وكان جبرئيل عليه السلام يقاتل عن يمين علي عليه السلام ، وميكائيل عليه السلام عن يساره ، وملك الموت عليه السلام قدّامه .
أرسله اللّه إلى الناس كافة ، وعلي عليه السلام إمام الخلق كلّهم .
كان النبي صلى الله عليه و آله أكرم العناصر « الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السّاجِدِينَ » ، وعلي عليه السلام منه « وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً » .
وقال فيه : إنّ « الَّذِينَ يُؤذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ » ، وقال لعلي عليه السلام : « وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ » .
ص: 350
وقال النبي صلى الله عليه و آله : نصرت بالرعب ، وقال : يا علي الرعب معك يقدمك أينما كنت .
سهل بن عبد اللّه عن محمد بن سوار عن مالك بن دينار عن الحسن البصري عن أنس في حديث طويل : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : أنا خاتم الأنبياء ، وأنت - يا علي - خاتم الأولياء(1) .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : ختم محمد صلى الله عليه و آله ألف نبيّ ، وإنّي ختمت ألف وصيّ ، وإنّي كلّفت ما لم يكلّفوا(2) .
قال ابن حماد :
ختم الأنبياء هذا وهذا
ختم الأوصياء في كلّ باب
* * *
ابن عباس : سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول : أعطاني اللّه خمسا ، وأعطى عليا خمسا ، أعطاني جوامع الكلم ، وأعطى عليا جوامع الكلام ، وجعلني نبيا ، وجعله وصيّا ، وأعطاني الكوثر ، وأعطاه السلسبيل ، وأعطاني الوحي ، وأعطاه الالهام ، وأسرى بي إليه ، وفتح له أبواب السماوات والحجب(3) .
عبد الرحمن الأنصاري : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أعطيت في علي عليه السلامتسعا : ثلاثة في الدنيا ، وثلاثة في الآخرة ، واثنتان أرجوهما له ، وواحدة أخافها عليه :
ص: 351
فأمّا الثلاثة في الدنيا : فساتر عورتي ، والقائم بأمر أهلي ، ووصيّي فيهم .
وأمّا الثلاثة التي في الآخرة : فإنّي أعطى يوم القيامة لواء الحمد ، فأدفعه إلى علي بن أبي طالب ، فيحمله عنّي ، وأعتمد عليه في مقام الشفاعة ، ويعينني على مفاتيح الجنّة .
وأمّا اللتان أرجوهما له : فإنّه لا يرجع من بعدي ضالاًّ ، ولا كافرا .
وأمّا التي أخافها عليه : فغدر قريش به من بعدي(1) .
الخركوشي في شرف النبي صلى الله عليه و آله ، وأبو الحسن بن مهرويه القزويني ، واللفظ له : عن الرضا عليه السلام قال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي ، أعطيت ثلاثا لم أعطها : أعطيت صهرا مثلي ، وأعطيت مثل زوجتك فاطمة عليهاالسلام ، وأعطيت مثل ولديك الحسن والحسين(2) عليهماالسلام .
قال المفجع البصري :
كان مثل النبي زهدا وعلما
وسريعا إلى الوغى أحوذيّا(3)
* * *
ص: 352
ص: 353
ص: 354
سمّى اللّه - تعالى - سبعة نفر ملكا :
[ 1 ] ملك التدبير ليوسف عليه السلام « رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ » .
[ 2 ] وملك الحكم والنبوة لإبراهيم
عليه السلام « فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ
وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً » .
[ 3 ] وملك العزّة والقدرة والقوّة لداود عليه السلام « وَشَدَدْنا مُلْكَهُ » ، وقوله : « وَأَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ » .
[ 4 ] وملك الرياسة لطالوت « إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً » .
[ 5 ] وملك الكنوز لذي القرنين : « إِنّا مَكَّنّا لَهُ فِي الأَْرْضِ » .
[ 6 ] وملك الدنيا لسليمان عليه السلام : « رَبِّ . . هَبْ لِي مُلْكاً » .
[ 7 ] وملك الآخرة لعلي عليه السلام : « وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً » .
وقد سمّى اللّه - تعالى - خمسة نفر صديقين :
[ 1 ] « يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ » .
[ 2 ] « وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً » .
ص: 355
[ 3 ] « وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ » .
[ 4 ] « وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ » يعني مريم عليهاالسلام .
[ 5 ] « وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ » يعني عليا عليه السلام ، وكذلك قوله تعالى : « وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ » .
فإخوة يوسف عليه السلام عادوه فصاروا له منقادين ، وأحبّه أبوه فبشّر به « فَلَمّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ » .
وعادى إدريس عليه السلام قومه ف-« رَفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ » .
وإبراهيم عليه السلام عاداه نمرود فهلك ، وأحبّته سارة فبشّرت « وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ » .
وعادت اليهود مريم عليهاالسلام فلعنت ، وأحبّها زكريا « إِنّا نُبَشِّرُكَ » .
وعادت النواصب عليا عليه السلام فلعنهم اللّه في الدنيا والآخرة ، وأحبّته الشيعة فبشّرهم بالجنّة « يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ » .
وخمسة نفر فارقوا قومهم في اللّه :
[ 1 ] قال نوح عليه السلام : « يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي » .
[ 2 ] وقال هود عليه السلام حين قالوا : « إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا
بِسُوءٍ » : « إِنِّي أُشْهِدُ اللّهَ » .
ص: 356
[ 3 ] وقال إبراهيم عليه السلام « وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ »الآيات.
[ 4 ] وقال محمد صلى الله عليه و آله : « نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ » .
[ 5 ] وقال علي عليه السلام : فأغضيت على القذى ، وشربت على الشجى ، وصبرت على أخذ الكظم ، وعلى أمرّ من العلقم(1) .
وخمسة من الأنبياء وجدوا خمسه أشياء في المحراب :
[ 1 ] وجد سليمان عليه السلام ملك سنة بعد موته « ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاّ دَابَّةُ
الأَْرْضِ » .
[ 2 ] ووجد داود عليه السلام العفو « فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ » .
[ 3 ] ووجدت مريم عليهاالسلام طعام الجنّة « كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الِْمحْرابَ
وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً » .
[ 4 ] ووجد زكريا عليه السلام بشارة يحيى عليه السلام « فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ
يُصَلِّي فِي الِْمحْرابِ » .
[ 5 ] ووجد علي عليه السلام الإمامة « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ » الآية .
وقد ساواه اللّه تعالى :
ص: 357
مع نوح عليه السلام في الشكر : « إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً » ، وقال لعلي عليه السلام : « لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً » .
وبالصبر مع أيوب عليه السلام : « إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً » ، وفي علي عليه السلام : « وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا » .
وبالملك مع سليمان عليه السلام : « رَبِّ . . هَبْ لِي مُلْكاً » ، وقال في علي عليه السلام : « وَمُلْكاً كَبِيراً » .
وبالبرّ مع يحيى عليه السلام : « وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ » ، وقال في علي عليه السلام « إِنَّ الأَْبْرارَ يَشْرَبُونَ » .
وبالوفاء مع إبراهيم عليه السلام : « وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفّى » ، وقال في علي عليه السلام
« يُوفُونَ بِالنَّذْرِ » .
وبالاخلاص مع موسى عليه السلام : « إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً » ، وقال في علي عليه السلام : « إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ » الآية .
وبالزكاة مع عيسى عليه السلام : « وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ » ، وقال في علي عليه السلام : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ » الآية .
وبالأمن مع محمد صلى الله عليه و آله : « لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ » ، وقال في علي عليه السلام : « فَوَقاهُمُ اللّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ » .
وبالخوف مع الملائكة : « يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ » ، وقال في علي عليه السلام : « إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا » .
وبالجود مع نفسه : « وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ » ، وقال فيه عليه السلام : « إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ » .
ص: 358
وخمس فضائل في خمسة من الأنبياء ، وقد استجمع في علي عليه السلامكلّها :
« هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ » .
« وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكْلِيماً » .
« ما هذا بَشَراً » يعني يوسف عليه السلام .
« وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ » يعني زكريا ويحيى عليهماالسلام .
« فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ » يعني محمدا صلى الله عليه و آله .
وقال في علي عليه السلام : « وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ » ، وقد كلّمه الجانّ والشمس والأسد والذئب والطير ، « وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً » ، وقتل في المحراب ، وسمّ الحسن عليه السلام ، وذبح الحسين عليه السلام .
* * *
وكان يونس عليه السلام في بطن الحوت محبوسا « فَنادى فِي الظُّلُماتِ » .
ويوسف عليه السلام في الجبّ مطروحا : « وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ » .
وموسى عليه السلام في التابوت مقذوفا : « فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ » .
ونوح عليه السلام في السفينة راكبا : « أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ » .
وعلي عليه السلام في السقيفة مظلوما : « الم أَحَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا » ، فظفر اللّه جميعهم ، وأهلك عدوّهم .
أربعة أشياء يخافها كلّ أحد حتى الأنبياء : الشيطان ، والحيّة ، والقتل ، والجوع .
ص: 359
بيانه :
« وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ » .
« فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً » .
« إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً » .
« قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا » .
وعلي عليه السلام حارب الشيطان ، وكلّم الثعبان ، وقاتل الكفّار ، وأطعم المسكين واليتيم والأسير .
وقد وضع اللّه خمسة أنوار في خمسة مواضع فأثمرت خمسة أشياء :
في عارض إبراهيم عليه السلام فأثمر الرحمة .
وفي وجه يوسف عليه السلام فأثمر المحبّة .
وفي يد موسى عليه السلام فأثمر المعجز .
وفي جبين محمد صلى الله عليه و آله فأثمر الهيبة ، قوله صلى الله عليه و آله : نصرت بالرعب .
وفي ساعد علي عليه السلام فأثمر الإسلام « هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤمِنِينَ » .
أحمد بن حنبل عن عبد الرزاق عن المعمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة ، وابن بطّة في الإبانة ، عن ابن عباس كلاهما عن النبي صلى الله عليه و آله قال :
ص: 360
من أراد أن ينظر إلى آدم عليه السلام في حلمه(1) ، وإلى نوح عليه السلام في فهمه ، وإلى موسى عليه السلام في مناجاته ، وإلى إدريس عليه السلام في تمامه وكماله وجماله ، فلينظر
إلى هذا الرجل المقبل .
قال : فتطاول الناس ، فإذا هم بعلي عليه السلام كأنّما ينقلب في صبب(2) ، وينحط
من جبل .
تابعهما أنس إلاّ أنّه قال : وإلى إبراهيم عليه السلام في خلّته ، وإلى يحيى عليه السلامفي زهده ، وإلى موسى عليه السلام في بطشه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب(3) عليهماالسلام .
وروي أنّه نظر ذات يوم إلى علي عليه السلام قال : من أحبّ أن ينظر إلى يوسف عليه السلام في جماله ، وإلى إبراهيم عليه السلام في سخائه ، وإلى سليمان عليه السلام في بهجته ، وإلى داود عليه السلام في قوّته ، فلينظر إلى هذا(4) .
وفي خبر عنه صلى الله عليه و آله : شبّهت لينه بلين لوط عليه السلام ، وخلقه بخلق يحيى عليه السلام ، وزهده بزهد أيوب عليه السلام ، وسخاءه بسخاء إبراهيم عليه السلام ، وبهجته ببهجة سليمان عليه السلام ، وقوّته بقوة داود(5) عليه السلام .
قال القمّي :
علي حكى في العلم آدم واحتوى
مناجاة موسى والمسيح بن مريم
ص: 361
قال النطنزي في الخصائص : قال : أخبرني أبو علي الحداد ، قال : حدّثني أبو نعيم الأصفهاني بإسناده عن الأشج ، قال : سمعت علي بن أبي طالب عليهماالسلام يقول :
سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إنّ اسمك في ديوان الأنبياء الذين لم يوح إليهم ، وقال اللّه تعالى : علي كسائر الأنبياء(1) « إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً »الآية .
لعلي عليه السلام خاصّة : « اللّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النّاسِ » .
وقال في قصّة موسى عليه السلام « وَكَتَبْنا لَهُ فِي الأَْلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ » ومن للتبعيض .
وقال في قصّة عيسى عليه السلام : « وَلأُِبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ »
بلفظة البعض .
وقال في قصّة علي عليه السلام : « وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ » .
قال ابن مكي :
فان يكن آدم من قبل الورى
نبي وفي جنّة عدن داره
فإنّ مولاي علي ذو العلى
من قبله ساطعة أنواره
تاب على آدم من ذنوبه
بخمسة وهو بهم أجاره
وإن يكن نوح بنى سفينة
تنجيه من سيل طمى(2) تيّاره
ص: 362
فإنّ مولاي علي ذو العلى
سفينة ينجي بها أنصاره
وإن يكن ذوالنون ناجى حوته
في اليمّ لمّا كضّه(1) حضاره(2)
ففي جلندى(3) للأنام عبرة
يعرفها من دلّه اختياره
ردّت له الشمس بأرض بابل
والليل قد تجلّلت أستاره
وإن يكن موسى رعى مجتهدا
عشرا إلى أن شفّه انتظاره
وسار بعد ضرّه بأهله
حتى علت بالواديين ناره
فإنّ مولاي علي ذو العلى
زوّجه واختار من يختاره
وإن يكن عيسى له فضيلة
تدهش من أدهشه انبهاره
من حملته أمّه ما سجدت
للاّت بل شغلها استغفاره
* * *
وقال ابن الرومي :
رأيتك عند اللّه أعظم زلفة
من الأنبياء المصطفين ذوي الرشد
* * *
وقال اللّه - تعالى - في حقّ الملائكة : « يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ » ، وفي حقّ علي عليه السلام : « إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا » .
ص: 363
سأل جبرئيل عليه السلام الخاتم ، فحباه « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ » .
وسأل ميكائيل عليه السلام الطعام ، فأعطاه « وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً » .
وسأل المصطفى صلى الله عليه و آله الروح ، ففداه « وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ » .
وسأل اللّه السرّ والعلانية ، فأتاه « الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ » .
فردوس الديلمي : جابر قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه - تعالى - يباهي بعلي بن أبي طالب عليهماالسلام كلّ يوم الملائكة المقرّبين حتى يقولوا : بخ بخ هنيئا لك يا علي(1) .
قال جبرئيل عليه السلام : أنا منكما يا محمد(2) .
والنبي صلى الله عليه و آله قال : « وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ » .
وقال جبرئيل عليه السلام : « وَما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ » ، ومقام علي عليه السلام أشرف ، وهو منكب النبي صلى الله عليه و آله .
وجبرئيل عليه السلام جاوز بلحظة واحدة سبع سماوات وسبع حجب حتى وصل إلى النبي صلى الله عليه و آله من عند العرش ما كان لم يقطع في خمسين ألف سنة ، وعلي عليه السلام رآه النبي صلى الله عليه و آله في معراجه في أعلى مكان .
ص: 364
وعلي عليه السلام في المكانة والأمانة عند النبي صلى الله عليه و آله كجبرئيل وميكائيل عليهماالسلامفي المكانة والأمانة عند اللّه تعالى .
وقد يتقارب الوصفان حدّا
وموصوفا هما متباعدان
* * *
ص: 365
ص: 366
ص: 367
ص: 368
علي أوّل هاشمي ولد من هاشميين .
وأوّل من ولد في الكعبة .
وأوّل من آمن .
وأوّل من صلّى .
وأوّل من بايع .
وأوّل من جاهد .
وأوّل من تعلّم من النبي صلى الله عليه و آله .
وأوّل من صنف .
وأوّل من ركب البغلة في الإسلام بعد النبي صلى الله عليه و آله .
وكذلك(1) آخرات كثيرة :
وعلي عليه السلام آخر الأوصياء .
وآخر من آخى النبي صلى الله عليه و آله .
ص: 369
وآخر من فارقه عند موته .
وآخر من وسّده في قبره وخرج .
ومن نوادر الدنيا :
هاروت وماروت في الملائكة .
وعزير في بني آدم .
وولادة سارة في الكبر .
وكون عيسى عليه السلام بلا أب .
ونطق يحيى وعيسى عليهماالسلام في صغرهما .
والقرآن في الكلام .
وشجاعة علي عليه السلام بين الناس .
ومن العجائب :
كلب أصحاب الكهف .
وحمار عزير .
وعجل السامري .
وناقة صالح عليه السلام .
وكبش إسماعيل عليه السلام .
ص: 370
وسمك يونس عليه السلام .
وهدهد سليمان عليه السلام ونملته .
وغراب نوح عليه السلام .
وذئب أوس بن اهنان .
وسيف علي عليه السلام .
وقد مَنّ اللّه على المؤمنين بثلاثة :
بنفسه « يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا » .
وبالنبي صلى الله عليه و آله : « لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً » الآية .
وبعلي عليه السلام : «قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ » .
وقد سمّى اللّه ستة أشياء رحمة :
« فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللّهِ » : المطر .
« وَلَوْلا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ » : التوفيق .
« يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ » : الإسلام .
« وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً » : الإيمان .
«وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً » : النبي صلى الله عليه و آله .
«قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ » : علي عليه السلام .
ص: 371
وقد مدح اللّه حركاته وسكناته :
فقال لصلاته : « إِلاَّ الْمُصَلِّينَ » .
ولقنوته : « أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ » .
ولصومه : « وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا » .
ولزكاته : « وَيُؤتُونَ الزَّكاةَ » .
ولصدقاته : « الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ » .
ولحجّه : « وَأَذانٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ » .
ولجهاده : « أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ » .
ولصبره : « الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ » .
ولدعائه : « الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ » .
ولوفائه : « يُوفُونَ بِالنَّذْرِ » .
ولضيافته : « إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ » .
ولتواضعه : « إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » .
ولصدقه : « وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ » .
ولآبائه : « وَتَقَلُّبَكَ فِي السّاجِدِينَ » .
ولأولاده : « إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ » .
ولإيمانه : « وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ » .
ولعلمه : « وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ » .
ص: 372
قال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي ، ما عرف اللّه حقّ معرفته غيري وغيرك ، وما عرفك حقّ معرفتك غير اللّه وغيري .
قال ابن حماد :
جلّ العلي علا
عن مشبه ونظير
إمام كلّ إمام
أمير كلّ أمير
حجاب كلّ حجاب
سفير كلّ سفير
باب إلى كلّ رشد
نور على كلّ نور
وحجّة اللّه ربّي
على الجحود الكفور
* * *
وقال النبي صلى الله عليه و آله : علي في السماء كالشمس في النهار في الأرض ، وفي السماء الدنيا كالقمر بالليل في الأرض .
وقال النبي صلى الله عليه و آله : مثله كمثل بيت اللّه الحرام يزار ولا يزور ، ومثله كمثل القمر إذا طلع أضاء الظلمة ، ومثله كمثل الشمس إذا طلعت أنارت .
قال دعبل :
علي كعين الشمس عمّ ضياؤها
بذاك أشار المؤمنون إلى علي
* * *
ص: 373
وكان للنبي صلى الله عليه و آله خليفتان ، في الخبر : أنّ النبي صلى الله عليه و آله بكى عند موته ، فجاء جبرئيل عليه السلام وقال : لم تبكي ؟ قال : لأمّتي(1) ! من لهم بعدي ؟ فرجع ثم قال : إنّ اللّه تعالى يقول : أنا خليفتك في أمّتك ، وقال صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : أنت تبلّغ عنّي رسالاتي ، قال : يا رسول اللّه ، أما بلّغت ؟ قال : بلى ، ولكن تبلّغ عنّي تأويل الكتاب .
خلّفه ليلة الفراش ، ويوم تبوك لحفظ الأولياء وتخويف الأعداء ، فكانت دلالة على إمامته : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، أقامه مقامه بالنهار ، وأنامه منامه بالليل .
قال أبو الحسن فادشاه :
كأنّكم لم تعرفوا من نومه
على الفراش إذ تواعدتم دمه
* * *
وقال السوسي :
كهارون من موسى تخلّف بعده
غداة تبوك إذ غدا عنه غائبا
* * *
وقدّمه للإخاء والمباهلة والغدير وغيرها : من كنت مولاه فعلي مولاه ، قوله تعالى « وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ » .
ص: 374
كان النبي صلى الله عليه و آله مقدّما في الخلق مؤخّرا في البعث ، ومنه قوله : نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، وقوله : خلقت أنا وعلي من نور واحد . . الخبر . فكنّا مقدّمين في الابتداء مؤخّرين في الانتهاء ، فلم يزد محمد صلى الله عليه و آله إلاّ حمدا ولا علي عليه السلام إلاّ علوّا .
الفائق : إنّ أسماء بنت عميس جاء ابنها من جعفر وابنها من أبي بكر يختصمان إليها ، كلّ واحد يقول أبي خير من أبيك ، فقال علي عليه السلام : عزمت عليك لتقضين بينهما ، فقالت لابن جعفر : كان أبوك خير شباب الناس ، وقالت لابن أبي بكر : كان أبوك خير كهول الناس ، ثم التفتت إلى علي عليه السلام فقالت : إنّ ثلاثة أنت آخرهم لخيار ، فقال علي عليه السلام لأولادها منه : قد فسكلتني أمّكم ، أي أخّرتني وجعلتني كالفسكل ، وهو آخر خيل السباق(1)(2) .
قال صقر :
يا من به امتحن الإله عبيده
من كان منهم عاصيا أو طائعا
ص: 375
إنّي لأعجب من معاشر عصبة
جعلوك في عدد الخلافة رابعا
* * *
[ قال العوني : ]
ولاح لحاني(1) في علي زجرته
وسددت بالسبّابتين المسامعا
وباع عليا واشترى غيره به
شراءا وبيعا أعقبا وصنائعا
فقلت له لم قد ضللت عن الهدى
وظلت عم في مربع الكفر راتعا
أصيّرت مفضولاً كمن هو فاضلاً
وصيّرت متبوعا كمن هو تابعا
فكان علي أولاً فجعلته
بجهلك ظلما لا أبا لك رابعا
ولو لم تخف يوما وملكت طاعة
لصيّرته من فرط بغضك تاسعا
* * *
العرب تبدأ بالأدنى فتقول : ربيعة ومضر ، وعلى هذا قوله : « فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤمِنٌ » ، « يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ » ، « التّائِبُونَ الْعابِدُونَ » ، فتقديمه تأخيره « لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ » .
قال أبو منصور :
لا تلحني في هوى الأخير وقد
جاءت به البيّنات والرسل
هذا نبي الهدى أخيرهم
مفضل عندنا على الأول
* * *
وقال غيره :
وإنّي وإن كنت الأخير فإنّني
أعدّ إذا ما أحجم القوم أولا
ص: 376
وقال آخر :
لاستعملن السيف في كلّ مارق
يقول علي آخر وهو أوّل
* * *
منعوا حقّه ، فعوّضه اللّه الجنّة « وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً » .
عزلوه عن الملك ، فملّكه اللّه الآخرة « وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً » .
أطعم قرصه ، فأتى اللّه عليهم بثمان عشر آية ، قوله : « إِنَّ الأَْبْرارَ يَشْرَبُونَ » إلى قوله « مَشْكُوراً » ، وأنزل في شأن المتكلّفين : « وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ » .
أطعم الطعام على حبّه ، فأوجب حبّه على الناس .
وبذل النفس على رضاه ، فجعل اللّه رضاه في رضائه .
قال الشيخ : ولّيتكم ولست بخيركم ، وقال اللّه في علي عليه السلام : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ » .
الماء على ضربين : طاهر ونجس ، فعلي عليه السلام طاهر لقوله : « وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً » ، وعدوّه نجس : « إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ » .
الطهور : طاهر ومطهّر ، والنجس : نجس عينه كيف يطهّر غيره .
ص: 377
« فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا » ، فمحمد صلى الله عليه و آله الطهور ، وعلي عليه السلام الصعيد ، لأنّ محمد صلى الله عليه و آله أبو الطاهر ، وعلي عليه السلام أبو التراب .
قوله تعالى : « أَ وَ مَنْ » ، « أَ فَمَنِ » ، « أَمْ مَنْ » ، في القرآن في عشرة مواضع ، وكلّها في أمير المؤمنين عليه السلام وفي أعدائه :
« أَفَمَنْ كانَ مُؤمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً » ، « أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ » ، « أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ » ، « أَفَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلإِْسْلامِ » ، « أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ » ، « أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ » ، « أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ » ، وقد تقدّم شرح جميعها .
قال الصادق عليه السلام : « أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً » عنّا« فَأَحْيَيْناهُ » بنا(1) .
أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس قال : نزلت قوله : « أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً » في حمزة وجعفر وعلي(2) عليهم السلام .
ومجاهد وابن عباس في قوله : « أَفَمَنْ يُلْقى فِي النّارِ خَيْرٌ » يعني الوليد بن المغيرة ، « أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ » من غضب اللّه ، وهو أمير المؤمنين عليه السلام .
ثم أوعد أعداءه ، فقال : « اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ »(3) الآية .
الأغاني : كان إبراهيم بن المهدي شديد الانحراف عن أمير المؤمنين عليه السلام ،
ص: 378
فحدّث المأمون يوما قال : رأيت عليا عليه السلام في النوم ، فمشيت معه حتى جئنا قنطرة ، فذهب يتقدّمني لعبورها ، فأمسكته وقلت له : إنّما أنت رجل تدّعي هذا الأمر بامرأة ، ونحن أحقّ به منك ! فما رأيته بليغا في الجواب .
قال : وأيّ شيء قال لك ؟ قال : ما زادني على أن قال : سلاما سلاما ، فقال المأمون : قد - واللّه - أجابك أبلغ جواب ، قال : كيف ؟ قال : عرّفك أنّك جاهل لا تجاب ، قال اللّه - عزّ وجلّ - « وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا
سَلاماً »(1) .
أبو منصور الثعالبي في كتاب الاقتباس من كلام ربّ الناس : أنّه رأى المتوكّل في منامه عليا عليه السلام بين نار موقدة ، ففرح بذلك لنصبه ، فاستفتى معبّرا .
فقال المعبّر : ينبغي أن يكون هذا الذي رآه أمير المؤمنين نبيّا أو وصيّا ، قال : من أين ؟ قلت : هذا من قوله تعالى « أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ وَمَنْ حَوْلَها » .
الحريري في درّة الغوّاص : أنّه ذكر شريك بن عبد اللّه النخعي فضائل
ص: 379
علي عليه السلام ، فقال أموي : نعم الرجل علي عليه السلام ، فغضب وقال : ألعلي يقال « نعم الرجل » !
فقال : يا عبد اللّه ، ألم يقل اللّه في الإخبار عن نفسه « فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ » ، وقال في أيوب : « إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ » ، وقال في سليمان عليه السلام : « وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ » أفلا ترضى لعلي عليه السلام ما يرضى اللّه لنفسه ولأنبيائه ، فاستحسن منه(1) .
وقال بعض النحاة : هذا الجواب ليس بصواب ، وذلك أنّ « نعم » اللّه - تعالى - ثناء على حقيقة الوصف له تقريبا على فهم السامعين ، لمكان إنعامه عليهم ، وفي حقّ أنبيائه تشريفا لهم ، فأمّا من الآدمي في حقّ الأعلى فهو يقرب من الذمّ ، وإن كان مدحا في اللفظ ، كما يقال في حقّ النبي صلى الله عليه و آله : محمد صلى الله عليه و آله فيه خير ، فهو صادق إلاّ أنّه مقصّر .
وكان أبو بكر الهروي يلعب بالشطرنج ، فسأله جبلي عن الإمام بعد النبي ، فوضع الهروي شاه وأربع بيادق ، فقال : هذا نبي وهذه الأربعة خلفاؤه .
فقال الجبلي : الذي في جنبه ابنه ؟ فقال : لا ، ولم يبق له سوى بنت .
قال : فهذا ختنه ؟ قال : لا ، وإنّما هو ذاك الأخير .
ص: 380
قال : هذا أقربهم إليه أو أشجعهم أو أزهدهم ، قال : لا ، إنّما ذلك هو الأخير ، قال : فما يصنع هذا بجنبه ؟!
العين واللام مائة ، والياء عشرة ، وفي عقد الأصابع المائة بالشمال ، والعشرة باليمين يتساويان ، فإذا نظرت فيهما وجدت لفظة اللّه مرّتين .
موازين السماء والأرض محمد وعلي عليهماالسلام ، وذلك بعد ما ألقيت من كلّ كلمة تسعة تسعة ، فيدلّ الباقي على أنّهما خلقتا لهما .
الحاء والعين من حروف الحلق ، فإذا قلت : محمد وعلي عليهماالسلام ، ملأت فاك وقلبك .
قولهم : محمد وعلي عليهماالسلام كلاهما أملي .
وقال الميمية والعينية : إنّ محمدا وعليا عليهماالسلام قبالة جميع الناس ، فالرأس منهم بمنزلة الميم من محمد صلى الله عليه و آله ، والحاء بمنزلة اليدين ، والميم بمنزلة البطن ، والدال بمنزلة الرجلين !
وقد كتب اللّه على جميع وجوه الناس : عليا ، في موضعين : كلّ عين من الوجه بمنزلة عين من علي عليه السلام وبعده ، فالباصرة تسمّى عينا ، والأنف بمنزلة اللام ، وكلّ حاجب بمنزلة ياء مقلوب .
قال ابن حماد :
وإذا اختار كلّ قوم إماما
فاختياري عين ولام وياء
* * *
ص: 381
كلام منظوم(1) اتفقت تفاصيل حروفه ومقاطع ألفاظه في المعنى ، وهو وجوب الإمامة 35 العلّة 135(2) أن اه- مفردا 13 النبي 3 وأوجبت
الإمامية 4 العليّ ه- 4 ه- 51 مفردا .
ص: 382
ص: 384
إنّ اللّه - تعالى - ذكر الجوارح في كتابه وعنى به عليا عليه السلام ، نحو قوله : « وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ » ، قال الرضا عليه السلام : علي عليه السلام خوّفهم به .
قوله « وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ » ، قال الصادق عليه السلام : نحن وجه اللّه (1) ، ونحن الآيات ، ونحن البيّنات(2) ، ونحن حدود اللّه .
أبو المضارب عن الرضا عليه السلام قال في قوله : « فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ » قال : علي عليه السلام .
قال العبدي :
وإنّك وجهه الباقي وعين
له ترعى الخلائق أجمعينا
* * *
ص: 385
وله أيضا :
وهو عين اللّه والوجه الذي
نوره نور الذي لا ينطفي
* * *
وله أيضا :
فسمّاه في القرآن ذو العرش جنبه
وعروته والوجه والعين والأذنا
فشدّ به ركن النبي محمد
فكان له من كلّ نائبة حصنا
وأفرده بالعلم والبأس والندى
فمن قدره يسمى ومن فعله يكنى
* * *
قوله تعالى : « تَجْرِي بِأَعْيُنِنا » .
الأعمش : جاء رجل مشجوج الرأس يستعدي عمرا على علي عليه السلام ، فقال علي عليه السلام : مررت بهذا وهو مقاوم امرأة ، فسمعت ما كرهت ، فقال عمر : إنّ للّه عيونا ، وإنّ عليا عليه السلام من عيون اللّه في الأرض .
وفي رواية الأصمعي : أنّه قال عليه السلام : رأيته ينظر في حرم اللّه إلى حريم اللّه .
فقال عمر : اذهب وقعت عليك عين من عيون اللّه ، وحجاب من حجب اللّه ، تلك يد اللّه اليمنى يضعها حيث يشاء(1) .
ص: 386
قال العوني
إمامي عين اللّه في الأرض تطرف
العيون لها من كلّ ناظرة كلّ
* * *
وقال العبدي :
أنت عين الإله والجنب من فرّ
ط فيه يصلى لظى مذموما
أنت فلك النجاة فينا وما زلت
صراطا إلى الهدى مستقيما
وعليك الورود تسقى من الحوض
ومن شئت ينثني محروما
واليك الجواز تدخل من شئت
جنانا ومن تشاء جحيما
* * *
وقال ابن الصباح :
قال فما العين وفيما صوّرت
قلت هو العين علي فابتسم
قال وما أذن وعت عن ربّها
قلت وعى بالأذن من غير صمم
قال وما الجنب وما فضلهم
قلت هو الجنب وحبل المعتصم
قال فما الفلك المنجّي أهلها
قلت هو الفلك وأسباب النعم
قال فما الشهر الحرام يا فتى
قلت هو الشهر الحلال والحرم
قال فما الحجّ وما الحجر أبن
قلت فلولاه فما كان حرم
* * *
أبو ذر في خبر عن النبي صلى الله عليه و آله : يا أبا ذر ، يؤتى بجاحد علي عليه السلام يوم
ص: 387
القيامة أعمى أبكم يتكبكب(1) في ظلمات القيامة ، ينادي : « يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ » ، وفي عنقه طوق من النار(2) .
الصادق والباقر والسجاد وزيد بن علي عليهم السلام في هذه الآية قالوا : « جَنْبِ اللّهِ » علي عليه السلام ، وهو حجّة اللّه على الخلق يوم القيامة(3) .
الرضا عليه السلام في : « جَنْبِ اللّهِ » قال : في ولاية علي(4) عليه السلام .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : أنا صراط اللّه (5) ، أنا جنب اللّه (6) .
قال السوسي :
علي على رغم العدى أكرم البشر
وخيرهم من يأب ذاك فقد كفر
هو الجنب جنب اللّه هالك كلّ من
يفرّط فيه هكذا جاء في الخبر
* * *
[ العوني : ]
أنت الصراط السويّ فينا
للّه والجنب والبقيه
يا سيّدي يا علي يا من
أعلامه ليس بالخفية
* * *
ص: 388
وقال ابن حماد :
وجنب اللّه فرّط فيه قوم
فأضحوا في القيامة نادمينا
* * *
وقال العوني :
إمامي يد اللّه البسيطة في الورى
بها يقبض الأرواح إن شاء والبدل
* * *
وقال العبدي :
يا علي بن أبي طالب يا بن الأول
يا حجاب اللّه والباب القديم الأزلي
أنت أنت العروة الوثقى التي لم تفصل
أنت باب اللّه من يأتيك منه يصل
* * *
وقال العوني :
وهو الحجاب القديم قدما
وحجّة اللّه والسفير
* * *
وله أيضا :
أبان من الفرقان ما كان مشكلاً
وأثبت في الأحكام ما كان قد ذهب
وزلزل بالأرجاس كلّ مزلزل
وأوهى عماد الكفر بالسمر والقضب(1)
ص: 389
هو العين عين اللّه والجنب جنبه
وميثاقه المأخوذ في الذرّ إذ نصب
هو النور نور اللّه في الذكر مثبت
فلم يخف من عين الوليّ ولم يغب
هو المثل الأعلى كفاك باسمه
علي علا في الاسم والبأس والحسب
فيا زينة الدنيا ونور سمائها
ويا صاحب الآيات دائرة القطب
ويا نهر طالوت المحرم شربه
سوى غرفة يروى بها المرء إن شرب
* * *
وقال الزاهي :
مفقّه الأمّة والقاضي الذي
أحاط من علم الهدى ما لم يحط
والنبأ الأعظم والحجّة والمصباح
والمحنة في الخطب الورط
حبل إلى اللّه وباب الحطّة ال-
-فاتح بالرشد مغاليق الخطط
والقدم والصدوق الذي سيط به
قلب امرئ بالخطوات لم يسط
ونهر طالوت وجنب اللّه وال-
-عين التي بنورها العقل خلط
والأذن الواعية الصماء عن
كلّ خنا يغلط فيه من غلط
حسن مآب عند ذي العرش ومن
لولا أياديه لكنّا نختبط
* * *
ص: 390
وقال العبدي :
هو البحر يعلو العنبر المحض متنه
كما الدر والمرجان من قعره يجنى
إذا عدّ أقران الكريهة لم نجد
لحيدرة في القوم كفوا ولا قرنا
* * *
وقال الناشي :
هو البحر يغني من غدا في جواره
ولا سيما إن أظهر الدرّ ساحله
هو الفخر لا أولائكم إن ندبته
فلا عجب إن يندب الفخر ناكله
حجاب إله الخلق أحكم رتقه
وستر على الإسلام ذو الطول سائله
وباب غدا فينا لكلّ مدينة
وحبل ينال الرشد في البعث واصله
* * *
ص: 391
ص: 392
ص: 393
ص: 394
قال صاحب كتاب الأنوار : إنّ له في كتاب اللّه ثلاثمائة اسم(1) ، فأمّا في الأخبار ، فاللّه أعلم بذلك .
قال ابن حماد :
اللّه سمّاه أسماء تردّد في ال-
-قرآن نقرؤها في محكم السور
في الحجر والنمل والأنفال قبلهما
والصافات وفي صاد وفي الزمر
وقيل سمّاه في التوراة ثمّة في
الإنجيل يعرفه التالون في الزبر
واختاره وارتضاه للنبي أخا
وللبتولة بعلاً خيرة الخير
* * *
وله أيضا :
وكم قد حوى القرآن من ذكر فضله
فما سورة منه ومن فضله تخلو
ألم تكفك الأنعام في غير موضع
ويونس إن فتّشت والحجر والنحل
وسورة إبراهيم والكهف فيهما
وطاها ففي تلك العجائب والنمل
ص: 395
ويسمّونه أهل السماء : « شمساطيل » .
وفي الأرض : « جمحائيل » .
وفي اللوح : « قنسوم » .
وعلى القلم : « منصوم » .
وعلى العرش : « المعين » .
وعند رضوان : « أمين » .
وعند الحور العين : « أصب » .
وفي صحف إبراهيم عليه السلام : « حزبيل » .
وفي العبرانية : « بلقياطيس » .
وفي السريانية : « شروحيل » .
وفي التوراة : « إيليا » .
وفي الزبور : « أريا » .
وفي الإنجيل : « بريا » .
وفي الصحف : « حجر العين » .
وفي القرآن : « عليا » .
وعند النبي صلى الله عليه و آله : « ناصرا » .
وعند العرب : « مليّا » .
وعند الهند : « كبكرا » ، ويقال : « لنكرا » .
وعند الروم : « بطريس » .
ص: 396
وعند الأرمن : « فريق » ، وقيل : « اطفاروس » .
وعند الصقلاب : « فيروق » .
وعند الفرس : « خير » ، وقيل : « فيروز » .
وعند الترك : « تبتر » أو « عنيل » ، وقيل : « راج » .
وعند الخزر : « برين » .
وعند النبط : « كريا » .
وعند الديلم : « بنى » .
وعند الزنج : « حنين » .
وعند الحبشة : « تبريك » ، وقالوا : « كرقنا » .
وعند الفلاسقة : « يوشع » .
وعند الكهنة : « بوي » .
وعند الجنّ : « حبين » .
وعند الشياطين : « مدمر » .
وعند المشركين : « الموت الأحمر » .
وعند المؤمنين : « السحابة البيضاء » .
وعند والده : « حرب » ، وقيل : « ظهير » .
وعند أمّه : « حيدرة » ، وقيل : « أسد » .
وعند ظئره : « ميمون » .
وعند اللّه : « علي »(1) .
ص: 397
قال العوني :
من اسمه يعرف في الإنجيل
برتبة الأعظم والتبجيل
يدعو عليا أهله إليّا
وهو الذي سمّي في التوراة
عند الأولى هاد من الهداة
من كلّ عيب في الورى بريّا
وهو الذي يعرف عند الكهنة
وهم لأسماء الجليل الخزنة
مبوئ الحقّ الورى بويّا
وهو الذي يعرف في الزبور
باسم الهزبر العنبس الهصور
ليث الورى ضرغامها أريّا
وهو الذي يدعونه بكبكرا
في كتب الهند العظيم القدرا
حقّا وعند الروم بطريسيّا
وبطرسي قابض الأرواح
وفي كتاب الفرس رغم اللاحي
خير وخير عند ذي الإفصاح
حين يسمّي فرسنا الباريا
وهو تبير بلسان الترك
معنى تبير نمر ذو محك
إذا عرفت منطق التركيّا
والزنج تدعوه لعمري حنينا
قطّاع أوصال إذا ما إن دنى
فاسأل بمعنى حنينا الزنجيّا
وقد دعاه الحبشي المجبر
تبريك وهو الملك المدمّر
إن شئته فاسأل به الحبشيّا
ص: 398
وأمّه قالت هو ابني حيدره
ضرغام آجام وليث قسوره
وحيدر ما كان باطنيّا
وقد دعته طئره ميمونا
وفي أخي رضاعه الميمونا
وهو رضيع حبّذا غذيّا
واسم أخيه في بني هلال
معلّق الميمون ذو المعالي
موهبة خصّ بها صبيّا
وهو فريق بلسان الأرمن
فاروقه الحقّ لكلّ مؤمن
فاسأل به من كان أرمنيّا * * *
وسأل المتوكّل زيد بن حارثة البصري المجنون عن علي عليه السلام ، فقال : على حرف الهجاء : علي عليه السلام هو :
الآمر عن اللّه بالعدل والإحسان .
الباقر علوم الأديان .
التالي سور القرآن .
الثاقب لحجاب الشيطان .
الجامع أحكام القرآن .
الحاكم بين الإنس والجانّ .
الخلي من كلّ زور وبهتان .
ص: 399
الدليل لمن طلب البيان .
الذاكر ربّه في السرّ والإعلان .
الراهب ربّه في الليالي إذا اشتدّ الظلام .
الزائد الراجح بلا نقصان .
الساتر لعورات النسوان .
الشاكر لما أولى الواحد المنّان .
الصابر يوم الضرب والطعان .
الضارب بحسامه رؤوس الأقران .
الطالب بحقّ اللّه غير متوان ولا خوّان .
الظاهر على أهل الكفر والطغيان .
العالي علمه على أهل الزمان .
الغالب بنصر اللّه للشجعان .
الفالق للرؤوس والأبدان .
القويّ الشديد الأركان .
الكامل الراجح بلا نقصان .
اللازم لأوامر الرحمن .
المزوّج بخير النسوان .
النامي ذكره في القرآن .
الوليّ لمن والاه بالإيمان .
الهادي إلى الحقّ لمن طلب البيان .
اليسير السهل لمن طلبه بالإحسان .
ص: 400
ص: 401
ص: 402
الهمزة
سيّد النجباء ، ونور الأصفياء ، وهادي الأولياء ، وقبلة الرحماء ، وقدوة الأوصياء ، وإمام الأتقياء ، وأمير الأمراء ، وأمين الأمناء ، وثمال الضعفاء ، وغصّة الأعداء .
ومرشد العلماء ، ومفقّه الفقهاء ، وأعلم القرّاء ، وأقضى ذوي القضاء .
وأبلغ البلغاء ، وأخطب الخطباء ، وأنطق الفصحاء ، ومجيز الشعراء .
وأشهر أهل البطحاء، والشهيد أبو الشهداء، وزوج فاطمة الزهراء عليهاالسلام.
وصاحب الراية واللواء ، ودافع الكرب واللاواء ، ومعزّ الأولياء ، ومذلّ الأعداء .
السابق بالوفاء ، ثاني أهل الكساء ، مضمخ مردة الحروب بالدماء .
الخارج عن بيت المال صفر اليد عن الصفراء والحمراء والبيضاء ، أعلم من فوق رقعة الغبراء ، وتحت أديم السماء ، المستأنس بالمناجاة في ظلمة الليلة الليلاء .
حجّة سيّد الأنبياء ، مقدّم الوصيّين والنقباء ، خليفة ربّ الأرض والسماء .
ما غرّته سمراء ولا بيضاء ، وما استبته صفراء ولا حمراء ، وما أعجبته عين ولا حوراء ، ولا مزرعة خضراء ، ولا مدرعة دكناء، ولا بريدة رفضاء.
ص: 403
الألف
المطهّر المجتبى ، المنذر المرتضى ، المأمون المقتدى ، الخطّة الكبرى ، العروة الوثقى ، الآية الكبرى ، الحجّة العظمى ، المحنة للورى ، المسبّب الأعلى .
المستقيم على الهدى ، إمام أهل الدنيا ، شقيق النبي صلى الله عليه و آله المصطفى .
ليث الشرى ، غيث الندى ، حتف العدى ، مفتاح الهدى ، قطب رحى الهدى ، مصباح الدجى ، جوهر النهى ، بحر اللهى(1) .
سعّار الوغى ، قطّاع الطلى(2) ، شمس الضحى ، أبو القرى في أمّ القرى .
المبشّر بأعظم البشرى ، المطلّق للدنيا ، مؤثر الآخرة على الأولى .
ربّ الحجى ، بعيد المدى ، مشيّد الفتوى .
نظير هارون من موسى ، مولى لمن له رسول اللّه صلى الله عليه و آله مولى .
كثير الجدوى ، شديد القوى ، سالك الطريقة المثلى ، المعتصم بالعروة الوثقى ، الفتى الذي أنزل فيه « هَلْ أَتى » .
أكرم من ارتدى ، وأشرف من احتذى ، أعلم من ابتدى ، أحبى من احتبى ، أفضل من راح واغتدى ، وأشجع من ركب ومشى .
أهدى من صام وصلّى ، مكافح من عصى ، وشقّ في دين اللّه العصا ، ومراقب حقّ اللّه أين أمر ونهى ، الذي ما صبا في الصبى ، وسيفه عن قرنه ما نبا ، أقام الحجّة الزهرا ، وجلا ظلم الشرك وجلى .
ص: 404
شمس الضحى ، بدر الدجى ، نجم أهل العبا ، علم الهدى ، ابن عمّ المصطفى ، الملقّب بالمرتضى .
الباء
كشاف الكرب، مضاف السبب إلى النسب ، معطوف السبب على النسب، المخصوص بأشرف الأصل والحسب ، الهاشمي الأمّ والأب .
المفترع أبكار الخطب ، الآمر بالأدب ، مسعّر حرب ، ومزهر خطب ، سيّد العرب ، رجل الكثيبة والكثب ، والحراب والمحراب ، والطعان والضراب ، والخير والحساب بلا حساب .
مطعم السغاب ، بجفان كالجواب ، رادّ المعضلات بالجواب الصواب ، مضيّف النسور والذئاب ، بالبتّار الماضي الذباب .
هازم الأحزاب ، وقاصم الأصلاب ، وقاسم الأسباب ، حزّاز الرقاب بابن القراب ، مفتوح الباب إلى المحراب عند سدّ أبواب سائر الأصحاب .
جديد الرغبات في الطاعات والثواب ، بالي الجلباب ، رثّ الثياب ، روّاض الصعاب ، معسول الخطاب ، عديم الحجّاب والحجاب ، ثابت اللبّ في مدحض الألباب ، عديم أشباه وأضراب ، ومرشد عجم وأعراب ، ذو إعراب وذو أغراب ، من جمع بين عتلّ ونضاب وأسل ونصّاب ، وأجمل الصبر على كلّ مصاب ، وعلى كلّ أوجاع وأوصاب .
الذي يزهر به كلّ محراب ، يوما محرّر رقاب ، ويوما مضرب رقاب ، ومقدّم جفان غراب ، مجدّل الأتراب معفّرين بالتراب ، المكنّى بأبي تراب .
ص: 405
الإمام المحارب ، ليس بجبان ولا هارب ، ختن الرسول صلى الله عليه و آله ، والأخ والصاحب ، وليّ الملك الغالب ، خوّاض المواكب ، بذال الرغائب ، المكرم للقرائب والأقارب ، والحلاّل المشكلات الغرائب .
الذي لم يخرج بعد الأنبياء مثله فيما بين الصلب والترائب ، مخاصم الخلائق ولرضى اللّه طالب ، كثير المناقب ، رفيع المراتب ، غالب كلّ غالب ، علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
المعصوم من العيوب ، المحبوب إلى القلوب ، المنبّأ ممّا نبّأه اللّه ورسوله من الغيوب من العلم المكنون المحجوب ، المشعوب لقبائل الكفر والشعوب ، حبيب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وربيب نبيّ اللّه صلى الله عليه و آله ، صاحب القرابة والقربة ، وكاسر أصنام الكعبة ، ليث الغابة ، وأفضل الصحابة .
الذي من صفاته : البنيان ، والبيت ، والباب ، والبحر ، والبنيّة ، والبشرى ، والبشير ، والبرّ ، والبأس ، والبلاغ ، والبقيّة ، والبلوى .
التاء
منجز العدات ، قاصم العداة ، المفتاح والنجاة ، المفرّج للمشكلات ، السابق بالخيرات ، التالي للآيات ، القبلة للسادات .
وليّ الخيرات ، كاشف الكربات ، مبيّن المشكلات ، دافع المعضلات ، صاحب المعجزات ، عين الحياة ، سفينة النجاة .
خوّاض الغمرات ، حامل الألوية والرايات ، ومولى الأعمال والولايات ، منكّس العزّى واللاّت .
ص: 406
كان للنبي صلى الله عليه و آله حسنة من حسناته ، مشتقّة من كرم عنصره وذاته ، يتأذّى بأذاته ، ويتألّم لشكاته وشدّاته ، وتتقذّى عينه بقذاته ، دعا اللّه بموالاة ذي موالاته ، ومعاداة ذي معاداته .
كان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله عضدا غير مفتوتة ، ويدا غير مكفوته ، أثلته(1) غير منحوته ، وأوراقها غير محتوتة .
الذي من أسمائه : التائب ، والتسنيم ، والتذكرة ، والتابع ، والتالي .
الثاء
ومن أسمائه : الثقل ، والثواب ، والثلّة .
الجيم
الجاثي ، والجامع ، والجار ، والجوار .
الحاء
الحطّة ، والحجاب ، والحيدر ، والحاكم ، والحامد ، والحميد ، والحبر ، والحقّ ، والحبل ، والحسنة ، والحافظ ، والحليم ، والحكيم ، وحامل لواء الحمد .
ص: 407
الخاء
خير البشر ، خير البريّة ، وخير الأمّة ، وخير الناس ، والخليفة ، والخاصف ،
والخازن ، والخاشع ، والخصم .
الدال
السيّد المرشد ، والمنعم المؤيّد ، والعالم الزاهد ، والمتّقي العابد ، والداعي الشاهد ، والمثل القائد ، والمفلح المشاهد ، المحمود في المواقف والمشاهد ، عصرة المنجود ، ومن الذين أحيوا أموات الآمال بحياة الجود ، ومن الذين سيماهم في وجوههم من أثر السجود .
خليفة الرسول في مهاده ، وموضع سرّه في إصداره وإيراده ، ومليّن عرائك أضداده ، وأبو أولاده ، منجز وعده ، والموفي بعهده ، جعل اللّه ولد هذا أولاده ، وكبد هذا أكباده .
هو الذي كان لجنود الحقّ سيّدا ، ولكؤوس العطاء يدا وعضدا ومددا .
الذي كان من أسمائه : يدا ، وودّا ، وهاديا ، ومؤيدا ، وأسدا ، وساجدا ، وسيّدا ، وأبا ، ووالدا ، وولدا ، وبيضة البلد .
الذال
ومن أسمائه : الذكر ، والذاكر ، والذائد ، والذريّة ، ذو القربى ، وذو المحن ، وذو النورين .
ص: 408
الراء
الإمام الطاهر ، القمر الباهر ، الماء الطاهر ، الفرات الزاخر ، الأسد الخادر(1) ، الربيع الباكر ، الخير والذكر ، الصدّيق الأكبر ، الشفيع في المحشر .
الموت الأحمر ، والعذاب الأكبر ، أبو شبير وأبو شبر ، المسمّى بحيدر ، وما أدراك ما حيدر .
هو الكوكب الأزهر ، والقمر الأنور ، والطود الأكبر ، والضرغام المصدر ، الطاهر المخيّر ، والصمصام المذكّر ، وصاحب براءة وغدير خمّ وراية خيبر ، كميّ أحد وحنين والخندق وبدر الأكبر ، ساقي وراد الكوثر يوم المحشر ، ومن أعطي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بنسله الكوثر .
الإيمان المنير ، والليل الستير ، والحجر المستنير ، الإمام والوصي والختن وابن العم والأخ والوزير .
الذي كان لضعفاء المسلمين ، ولأقوياء الكافرين مبيرا ، ولجيش اللّه مبارزا وأميرا ، ولكؤوس العطاء على الفقراء مديرا ، حتى نزل فيه وفي أهل بيته الذي طهّرهم اللّه تطهيرا ، « وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً » .
الإمام المختار ، المعروف بلا إنكار ، الواعظ بالنصح والإنذار ، قاتل المنافقين والكفار ، مقعص(2) الجيش الجرار ، صاحب ذي الفقار ، وقاتل عمرو ومرحب وذى الخمار .
ص: 409
كهف الأخيار ، وملجأ الأبرار ، ومنجي الأخيار ، قمر الأقمار ، ورغم الفجار ، وقسيم الجنّة والنار .
سيّد المهاجرين والأنصار ، صنو جعفر الطيار ، وابن عمّ النبي صلى الله عليه و آله المختار ، الكرار غير فرار .
أمير البررة ، وقاتل الكفرة ، ودامغ(1) الفجرة ، وفاقئ عيون السحرة ، وثمرة بيعة الشجرة ، الذي لم يخالف اللّه طرفة عين فيما أمره ، المسمّي نفسه يوم الغبرة بحيدرة .
أخو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ووزيره ووصيّه ومشيره ، عين بالكرم خرارة(2) ، ومعدن العلم وفوّاره ، لم يطلب في الدنيا إمارة ، ولا لها عمارة .
شقيق الخير ، رفيق الطير ، الذي قلع باب خيبر ، وقرع عود منبر .
ومن ألقابه : الآمر بالمعروف ، والآمر بالعدل ، والأوّل والآخر ، والطاهر ، والظاهر ، والظهير ، والصابر ، والبشير ، والشاكر .
ومن صفاته : ربّاني الرعيّة ، الداعي إلى الرضا ، الرضوان ، الرجل ، الرجال ، والراسخ ، الراكع ، الرحمة ، الرشيد .
الزاي
حلاحل(3) الحجاز ، أسد البراز(4) ، المنفق على الإعواز ، الذي لا يتعاظمه
ص: 410
جبل الأهواز ، ولا ينخدع بعادي(1) الركاز(2) .
ومن أسمائه : الزعيم ، والزاهد ، والزلفى ، والزيتون ، وزيد .
السين
شمس الشموس ، وأنس النفوس ، وقامع الكفرة والمجوس ، ومختار الملك القدوّس ، ومن قال فيه الرسول صلى الله عليه و آله : لا تسبّوا عليا فإنّه في ذات اللّه ممسوس .
كليم الشمس ، ومحيي النفس ، الثاني من الخمس ، البرئ من كلّ دنس .
الحبيب عند الوحشة إلى كلّ أنس ، يبغض إلى الناس ، بقتل البغاة الناكثة الأرجاس ، ونفى المبتدعة القاسطة الأدناس ، وطرد المحكّمة المارقة الأنكاس ، أولو القوّة والشوكة والبأس .
خير البشر وخير الأمّة وخير الناس ، سمّاه نفسه ، وجعل البتول عرسه ، وأبقى في أمّته حتى القيامة غرسه .
الذي من أسمائه : السفينة ، والسابح ، والسابق ، والساعة ، والساجد والسبيل ، والسلم ، والسنّة ، والسيّد .
الشين
أصلع قريش ، وليث الجيش ، لم يعتنق أمر اللّه بخفّة وطيش ، راش
ص: 411
ضعف الإسلام أحسن ريش(1) ، ولم يثبطه عن صلاح الأمّة رقّة خدّ ولا نداوة خيش(2) .
الصاد
الذي من أسمائه : الصادق ، الصدّيق ، والصابر ، والصفيّ .
ومن صفاته : الصهر ، والصاحب ، والصالح ، والصفوة ، والصوم ، والصف .
الضاد
الذائد عن الحوض ، الواصل إلى الروض .
الذي من أسمائه : الدين ، والدليل ، والدال ، والداعي ، ودابّة الأرض .
لم يكتنز ذهبا ولا فضّة ، ولم يعشق غضّة ولا بضّة(3) ، بل كانت دموع عينيه من خوف ربّه منفضة .
الطاء
الميزان بالقسط ، والجواز على الصراط .
ص: 412
الظاء
الذاكر إذا نسيت الحفاظ ، المصقع(1) إذا تقاصرت الوعاظ ، والكاظم إذا طاش بالغيظ المغتاظ .
ذو الأذن الواعية ، واليد الباسطة ، والقلب الحفّاظ .
العين
السيّد الأورع ، والملجأ والمفزع ، والمنهل والمكرع(2) ، والسجّاد الأنزع ، والبطين الأصلع ، عبل الذراع ، طويل الباع ، حفوظ النزاع .
المبلّغ المسارع ، المصدّق المشفّع ، السبيل الشارع .
أطول بني هاشم باعا ، وأمضاهم زماعا(3) ، وأرحبهم ذراعا ، وأغزرهم سماعا ، وأكثرهم أشياعا ، وأشهرهم قراعا ، وأشدّهم ضراعا ، وأعزّهم امتناعا .
ومن أسمائه : علي ، العالم ، العلم ، العدل ، العبّاد ، العابد ، العذاب ، العادل ، العصر ، العزيز ، العروة ، عين اللّه ، عنوان صحيفة المؤمنين .
الغين
السهم النافذ ، والسيف القاطع ، والحجر الدامغ ، والمتّبع المبلّغ .
ص: 413
الفاء
السيّد الشريف ، الكريم الغطريف ، السامي المنيف ، المعصوم الحنيف ، الديّان العفيف ، طروق الكهف ، ذو الرجف ، منافش(1) الخوف .
قتال الألوف ، مخرق الصفوف ، الناهي عن المنكر والآمر بالمعروف .
ومن صفاته : الفائز ، والفتى ، والفارق ، والفطرة ، والفصل ، [ والفاصل ] والفاضل ، والفخر ، والفاخر .
القاف
الإمام الصدق ، الحنيف الحقّ ، المائل إلى الحقّ ، القائل بالصدق .
وفتى فتيان الآفاق ، سيّد المهاجرين على الإطلاق ، وسابق المسلمين بالإتفاق ، لم تعقه خشية الإطلاق عن مواصلة الاتفاق ، ساد أنفاق النفاق ، شاقّ جماجم ذي الشقاق ، كبش أهل الشام والحجاز والعراق ، وشجى حلوق الأبطال عند التلاق .
الذي صدّق رسول اللّه صلى الله عليه و آله فصدق ، وبخاتمه في ركوعه تصدّق ، الذي اعتصب بالسماحة وبالحماسة تطوّق ، ودقّق في علومه وحقّق ، ودبر بقتل الوليد في بدر وإهلاك عمرو في الخندق ، ومزّق من أبناء الحروب ما مزّق ، وغرق في لجّة سيفه من أسود المعارك من غرق ، وحرق بشهاب صارمه من شياطين الهياج من مرق ، حتى استوسق الإسلام واتّسق ، الإمام حقّا ، الهمام صدقا .
ص: 414
ومن أسمائه : القسيم ، والقسم ، والقانت ، وقاضي الدين ، والقاضي ، والقصم ، والقائم ، والقبلة ، والقوي ، والقيّم ، والقليل ، والقول ، والقصر المشيد ، والقدم .
الكاف
من جعل اللّه ببأسه ومراسه(1) قموص حصن خيبر دكّا ، وقمّصه شجاعة ونسكا ، المشيّد بطيب ذكره حيث أجرى عنبرا ومسكا ، وخلق على صورته في حملة عرشه ملكا .
الذي من أسمائه : الكافي ، والكلمة ، والكتاب ، والكواكب ، والكرار ، والكوثر ، والكهف ، والكاشف .
اللام
الإمام العادل ، المرابط المقاتل ، أمير النحل ، وغيث المحل ، وخاصف النعل ، الزكي الأصل ، ذخر الذخر ليوم الفصل .
الإمام الأوّل ، والوصيّ الأفضل ، والآخر والأوّل ، فحل الشول(2) يوم الفزع والهول ، وصاحب الإنعام والطول ، والقوّة والحول ، والمحقّق بالفعل ضمان القول .
ص: 415
ضرغام يوم الجمل ، المردود له الشمس عند الطفل(1) ، ترّاك السلب ، ضرّاب القلل ، حليف البيض والأسل ، شجاع السهل والجبل .
نفس رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم المباهلة ، وساعده المساعد يوم المساولة ، وخطيبه المصقع يوم المقاولة .
زوج البتول عليهاالسلام ، أخو الرسول صلى الله عليه و آله ، سيف اللّه المسلول ، وجواد الخلق
المأمول ، الحجّاج البهلول ، العالم المسؤول ، محقّ الباطل ، والملبس الحليّ للدين العاطل .
عليه في التأويل تعويل ، وله في التنزيل تفصيل ، وله في كلّ محل فضيلة التفضيل ، رأيه أصيل ، ووراه تحصيل ، نور اللّه الجليل ، ووجهه الجميل .
الذي هو محارب الكفرة والفجرة بالتنزيل والتأويل ، الذي مثله مذكور في التوراة والزبور والإنجيل ، جعل اللّه من ذريّته آله ، فوصل بحبله حباله ، جسمه وليّ ، رسمه جليّ ، اسمه علي عليه السلام .
الميم
الإمام المعصوم ، الشهيد المظلوم ، النفيس المرحوم ، المحسود المحروم .
باب العلوم ، وجميع العلوم له معلوم ، وسرّ النبي صلى الله عليه و آله له مفهوم ، وقلبه من خوف اللّه مغموم ، ولأجل دين اللّه مهموم .
باب المقام ، حجّة الخصام ، إمام الأنام ، مزيّن الأيام ، أبو الأعلام ، بسيفه ظهر الإسلام وهو يومئذٍ غلام .
ص: 416
ساد الأنام ، وكسر الأصنام ، وأطال القيام ، وأكثر الصيام ، وأقلّ المنام ، وكسا الأيتام ، ونفى الأعلام ، وأفشى السلام ، وأطعم الطعام ، وعلّم الكرم اللئام ، واستعمل الإقدام ، واهتجر الإحجام ، وأعمل إلى قضاء الحقوق الأقدام .
الهادي إلى دار السلام ، الداعي إلى دين الإسلام ، الصدّيق الأكبر في الأنام ، والفاروق الأعظم بين الحلال والحرام ، لم يشرب المدام ، ولم يقرب الآثام .
الدين القويم ، والقرآن العظيم ، المولى الرحيم ، النبأ العظيم ، الصراط المستقيم ، الفاروق الأعظم ، والإمام المحترم ، ما عبد صنما ، ولا استحلّ محرّما .
بحر علم ، ووعاء حكمة وحكم ، بطين من العلم ، منبع العلم ، ومستقرّ الحلم ، وقد جنيت ثمار النصر من علمه ، والتقطت جواهر الكلم من قلمه ، ومدحه جبرئيل عليه السلام من قرنه إلى قدمه ، وتحرّم أهل الحرمين بحرمه .
أفصح العالمين بعد نبي اللّه كلاما ، والدّهم في كلّ مقام خصاما ، وأكرمهم للضيف إكراما ، وأقدم القرابة والصحابة إسلاما .
ومن أسمائه : المفلح ، والمثل ، والمقدّم ، والمؤمن ، والمتوسّم ، والميمون ،
والمبارك ، والمخاصم .
النون
أمير المؤمنين ، وإمام المسلمين ، وسيّد الوصيّين ، وفارس المسلمين ، وإمام العالمين ، ونور المطيعين ، وراية المهتدين ، وقائد الغرّ المحجّلين ،
ص: 417
وحجّة اللّه على العالمين ، وقاتل الناكثين والقاسطين ، وزوج سيّدة نساء العالمين ، ومبيد الشرك والمشركين ، وغيظ المنافقين ، وصالح المؤمنين .
وأوّل السابقين ، وأفضل المجاهدين ، وخير الوصيّين ، وأحسن المجتهدين ، وزين العابدين ، ويعسوب المؤمنين والدين ، ونفس اليقين ، والحصن الحصين ، والخليفة الأمين ، والعين المعين ، والروح المكين .
ووارث علم النيّين ، وحبل اللّه المتين ، ولسانه الناطق بالحقّ المبين ، وأفضل الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أجمعين .
المخبت المتين ، المتنافس المبين ، المؤتمن الأمين ، المنصور المكين ، غرّة المهاجرين ، وصفوة الهاشميين ، الأنزع البطين ، أنزع من الشرك ، بطين من العلم واليقين ، عنوان صحيفة المؤمنين .
كان - واللّه - أبا لليتيم وعون الضعيف ومعمار الدين ، وكنز المساكين .
انهزم من ظلّه جند الشياطين ، واعتضد بنصرته خاتم النبيّين ، وأنزل اللّه في شأنه « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤمِنِينَ » .
ومن أسمائه : هارون ، والزيتون ، واليمين ، واليقين .
ما سجد للوثن ، وما حكم بالظنّ ، وزاده اللّه بسطة في العلم والجسم ، فللّه درّ أبو الحسن عليه السلام .
أجلّ الثقلين ، السابق بالشهادتين ، المتجمّل بالبسطين ، ومن ردّت له الشمس مرّتين ، من جرّد السيف كرّتين في حياة النبي صلى الله عليه و آله وبعده في الحالين .
ص: 418
في علمه وعمله ذو الشرفين ، وفي سيفه وجهاده ذو الفضلين ، وفي صهره وصهرته ذو الحسبين ، وفي أبيه وأمّه ذو النسبين ، لأنّه أوّل من ولد من هاشميين ، وفي نفسه وزوجته ذو الريحانتين ، وفي ولديه ذو النورين ، والد السبطين ، وأبو الحسن والحسين عليهماالسلام .
مهاجر الهجرتين ، مبايع البيعتين ، المصلّي في القبلتين ، الحامل على فرسين ، الضارب بالسيفين ، الطاعن بالرمحين ، أسمح كلّ ذي كفّين ، وأفصح كلّ ذي شفتين ، وأبصر ذي عينين ، وأسمع ذي أذنين ، وأبطش ذي يدين ، وأقوى ذي عضدين ، وأرمى ذي ساعدين ، وأطعن ذي زندين ، وأفرس ذي فخذين ، وأقوى ذي رجلين ، وأهدى كلّ من تأمل النجدين ، وأعلم من في الحرمين ، قاضي الدين ، صاحب بدر وأحد وحنين ، راسخ القدمين بين العسكرين ، قائد أفراس العراقين ، فارس منبري الحرمين .
الذي لم يعص اللّه طرفة عين ، السابق بالإيمان ، المشهود بالإيقان ، المعروف بالإحسان ، المشهور في القرآن ، ففي القرآن له التبيان ، وفي التوراة له البرهان ، وفي الإنجيل له البيان ، وفي الصحف له الذكران .
الكليم مع الجنّ والثعبان ، والمقاتل مع الإنس والجانّ .
زهى به الحرمان ، وأذعن بالفضل له العمران ، وسلّم لنور وجهه القرآن ، ومن صلبه استهلّ الثمران ، وبأبوته يتشارك في الفضل الحسنان .
الذي أوصى إليه النبي صلى الله عليه و آله فأقرّ حيّا عينه ، وقضى منه ميّتا دينه ، ولم يفرق النبي صلى الله عليه و آله بين نفسه وبينه ، صاحب المدينة ، وموضع السكينة ، المشبّه بالسفينة .
ص: 419
مميت البدعة ، ومحيي السنّة ، القائد إلى الجنّة ، والقائم بالفرض والسنّة ، والمهيب في الإنس والجنّة ، والمصرف في الجهاد الأعنّة ، ذو البأس والمنّة ، والإحسان بلا منّة ، كاتب جواز أهل الجنّة .
الحقّ عن بيانه ، والسكينة على لسانه .
فقأ عيون الفتن ، وتحمل في ذات اللّه أنواع المحن ، أقدمهم إجابة وإيمانا ، وأقومهم قضيّة وإيقانا ، وأعظمهم حلما وعلما وبيانا .
ومن أسمائه : النفس ، والناس ، والنسب ، والنور ، والنجم ، والناصر ، والنصرة ، والنعمة والنعم .
الواو
واسطة قلادة الفتوة ، ونقطة دائرة المروّة ، وملتقى شرفي الأبوّة والنبوّة ، وحائز ميراث النبوّة .
سيف النبوّة ، وألف الفتوة ، سيف اللّه الذي لا ينبو ، ونوره الذي لا يخبو ، وذو الحلم الذي لا يصبو .
ومن ألقابه : أولو العلم ، أولو اللبّ ، أولو الأمر ، أولو الأرحام .
ومن أسمائه : الوزير ، والوسيلة ، والولد ، والوارث .
الهاء
أخو رسول اللّه صلى الله عليه و آله وابن عمّه ، والخصيص به كابن أمّه ، والذابّ عنه
ص: 420
كسيفه وسهمه ، وكشّاف كربه وغمّه ، ومساهمه في طمّه ورمّه(1) ، مسيط(2) لحمه بلحمه ودمه بدمه ، والمحيط بعلمه .
أبو الأئمة ، مقتدى الأمّة ، مزيل النعمة ، خليفته في أمّته ، وختنه على ابنته .
اللام ألف
ومن أسمائه : الأمير ، والأمين ، والإيمان ، والأمّة ، والأمانة ، والأولى ،
والأفضل ، والإحسان ، والآية ، والأذن ، والأذان .
ومن نعوته : الإسلام ، والأخ ، والإنسان ، والإيقان .
الياء
هو علي العليّ ، الوصيّ ، الوليّ ، الهاشميّ ، المكيّ ، المدنيّ ، الأبطحيّ ، الطالبيّ ، الرضيّ ، المرضيّ ، المنافيّ ، العصاميّ ، الأجوديّ ، القويّ ، الحريّ ،
اللوذعيّ ، الأربحيّ ، المولويّ ، الصفيّ ، الوفيّ ، المهديّ ، السخيّ ، الزكيّ ، التقيّ ، النقيّ .
الذي كان للمؤمنين وليّا حفيّا ، وللنبي وصيّا ، ومن آمن به صبيّا ، هارونه في البريّة ، وأمينه في الوصيّة ، وأعلم الناس في القضيّة ، وأفضلهم عند اللّه مزيّة ، وليّ اللّه ، ووصيّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ص: 421
سديد الرأي ، كثير اللاي ، المتقيّ ، والمصدّق المهتديّ ، والمحسن المنادي ، والمصباح المهديّ ، والخير الرضيّ ، والأرض الزكيّ ، المسمّى بعلي عليه السلام .
عروة اللّه الوثقى ، وأمينه الأعلى ، ووصيّ رسوله المصطفى صلى الله عليه و آله ، الملقّب بالمرتضى عليه السلام .
ومن أسمائه : المهاجر والمؤتى ، والمجاهد والمشترى ، والوليّ المولى ، والمتوسّم والمصلّي ، والمؤثر والمزكّي ، والمستغفر والمتّقي ، والرعيّة والراعي ، والمؤذّن والداعي ، والمنفق والمناجي ، والمؤيد والملتقي .
ص: 422
ص: 423
ص: 424
قال السيد الحميري :
علي أمير المؤمنين عزّهم
إذا الناس خافوا مهلكات العواقب
علي هو الحامي المرجّى فعاله
لدى كلّ يوم باسل الشرّ غاصب
علي هو المرهوب والذائد الذي
يذود عن الإسلام كلّ مناصب
علي هو الغيث الربيع مع الحيا
إذا نزلت بالناس إحدى المصائب
علي هو العدل الموفّق والرضا
وفارج لبس المبهمات الغرائب
علي هو المأوى لكلّ مطرّد
شريد ومنحوب من الشرّ هارب
على هو المهدي والمقتدى به
إذ الناس حاروا في فنون المذاهب
علي هو القاضي الخطيب بقوله
يجئ بما يعيى به كلّ خاطب
علي هو الخصم القؤول بحجّة
يردّ بها قول العدوّ المشاغب
علي هو البدر المنير ضياؤه
يضئ سناه في ظلام الغياهب
علي أعزّ الناس جارا وحاميا
وأقتلهم للقرن يوم الكتائب
علي أعلم الناس حلما ونائلاً
وأجودهم بالمال حقّا لطالب
علي أكفّ الناس عن كلّ محرّم
وأبقاهم للّه في كلّ جانب
* * *
وقال العوني :
من شارك الطاهر في يوم العبا
في نفسه من شكّ في ذاك كفر
ص: 425
من جاد بالنفس وما ظنّ بها
في ليلة عند الفراش المشتهر
من صاحب الدار الذي انقض بها
نجم من الجوّ نهارا فانكدر
من صاحب الراية لمّا ردّها
بالأمس بالذلّ قبيع وزفر
من خصّ بالتبليغ في براءة
فتلك للعاقل من إحدى العبر
من كان في المسجد طلقا بابه
حلاّ وأبواب أناس لم تذر
من حاز في خمّ بأمر اللّه ذاك ال-
-فضل واستولى عليهم واقتدر
من فاز بالدعوة يوم الطائر
المشوي من خصّ بذاك المفتخر
من ذا الذي أسري به حتى رأى
القدرة في حندس ليل معتكر(1)
من خير خلق اللّه أعني أحمدا
لمّا دعا اللّه سرارا وجهر
من خاصف النعل ومن خبّركم
عنه رسول اللّه أنواع الخبر
سائل به يوم حنين عارفا
من صدّق الحرب ومن ولّى الدبر
كليم شمس اللّه والراجعها
من بعد ما انجاب ضياها واستتر
كليم أهل الكهف إذ كلّمهم
في ليلة المسح فشا عنها خبر
وقصّة الثعبان إذ كلّمه
وهو على المنبر والقوم زمر
والأسد العابس إذ كلّمه
معترما بالفضل منه وأقر
بأنّه مستخلف اللّه على
الأمّة والرحمن ما شاء قدر
عيبة علم اللّه والباب الذي
يوفى رسول اللّه منه المشتهر
لم يلج في شئ إلى القوم وكلّ
القوم محتاج إليه إن حضر
ص: 426
طبّ حكيم ما احتبى في جمعهم
إلاّ أبان الفضل فيهم والخطر
صديقنا الأكبر والفاروق بي-
ن الحقّ والباطل بالسيف الذكر
* * *
وقال ابن الصباح :
قال فبعد المصطفى الأمر لمن
كان فقلت الأمر للطهر العلم
قال فمن خير الورى من بعده
قلت علي خيرهم أب وأم
قال فمن أقربهم لأحمد
قلت شقيق الروح أولى والرحم
قال فصحب المصطفى قلت فهل
يبلغ للمختار صهرا وابن عم
قال فمن أدينهم قلت الذي
لم يتّخذ من دون ذي العرش صنم
قال فمن أكرمهم قلت الذي
صدّق بالخاتم في يوم العدم
قال فمن أفتكهم قلت الذي
تعرفه الحرب إذا فيها هجم
قال فمن أقدمهم قلت الذي
كان له المختار آخى يوم خم
قال فمن أعلمهم قلت الذي
كان له العلم ومذ كان علم
قال وأحد قلت ما زال بها
مثابتا حتى له الجمع انهزم
قال فسل عمرو بن ودّ ماله
قلت سقى عمروا بكأس لم يرم
قال وفي خيبر من نازل
قلت له من لم يكن منه سلم
قال فباب الحصن من دكدكه
قلت الذي أومى إليه فانهدم
قال فبالبصرة ماذا نالها
قلت ملا الغدران بالبصرة دم
قال بصفين أبن لي أمرها
قلت علا بالسيف أولاد التهم
قال ومن خاطب ثعبانا ومن
كلّمه الذئب إذ الذئب ظلم
ص: 427
قال فمن ردّت له الشمس الضحى
وخاطبته بلسان منعجم
قال فعند الحوض من يسقى الورى
قلت علي فهو يسقى من قدم
قال فمن هذا فدتك مهجتي
قلت له ذاك الإمام المحترم
قال فما في عبد شمس مثله
قلت ولا في الخلق شبه يا بن عم
* * *
وقال الصاحب :
قالت فمن بعده تصفى الولاء له
قلت الوصيّ الذي أربى على رجل
قالت فهل أحد في الفضل يقدمه
فقلت هل هضبة توفى على جبل
قالت فمن أوّل الأقوام صدّقه
فقلت من لم يصر يوما إلى هبل
قالت فمن بات من فوق الفراش فدى
فقلت أثبت خلق اللّه في الوهل(1)
قالت فمن ذا الذي آخاه عن مقة(2)فقلت من حاز ردّ الشمس في الطفل(3)
قالت فمن زوّج الزهراء فاطمةفقلت أفضل من حاف ومنتعل
ص: 428
قالت فمن والد السبطين إذ فزعا
فقلت سابق أهل السبق في مهل
قالت فمن فاز في بدر بمعجزها
فقلت أضرب خلق اللّه في القلل
قالت فمن ساد يوم الروع في أحد
فقلت من نالهم بأسا ولم يهل
قالت فمن أسد الأحزاب يفرسها
فقلت قاتل عمرو الضيغم البطل
قالت فخيبر من ذا هدّ معقلها
فقلت سائق أهل الكفر في غفل
قالت فيوم حنين من قرا وبرا
فقلت حاصد أهل الشرك في عجل
قالت براءة من أدّى قوارعها
فقلت من صين عن ختل وعن دغل
قالت فمن صاحب الرايات يحملها
فقلت من حيط عن عمش وعن نعل
قالت فمن ذا دعي للطير يأكله
فقلت أقرب مرضي ومنتحل
قالت فمن تلوه يوم الكساء أجب
فقلت أفضل مكسّو ومشتمل
ص: 429
قالت فمن سادني يوم الغدير أبن
فقلت من كان للإسلام خير ولي
قالت ففي من أتى في هل أتى شرف
فقلت أبذل أهل الأرض للنفل
قالت فمن راكع زكّى بخاتمه
فقلت أطعنهم مذ كان بالأسل
قالت فمن ذا قسيم النار يسهمها
فقلت من رأيه أزكى من الشعل
قالت فمن باهل الطهر النبي به
فقلت تاليه في حلّ ومرتحل
قالت فمن شبه هارون لنعرفه
فقلت من لم يحل يوما ولم يزل
قالت فمن ذا غدا باب المدينة قل
فقلت من سألوه وهو لم يسل
قالت فمن قاتل الأقوام إذ نكثوا
فقلت تفسيره في وقعة الجمل
قال فمن حارب الأرجاس إذ قسطوا
فقلت صفين تبدي صفحة العمل
قالت فمن قارع الأنجاس إذ مرقوا
فقلت معناه يوم النهروان جلي
ص: 430
قالت فمن صاحب الحوض الشريف غدا
فقلت من بيته في أشرف الحلل
قالت فمن ذا لواء الحمد يحمله
فقلت من لم يكن في الروع بالوجل
قالت أكلّ الذي قد قلت في رجل
فقلت كلّ الذي قد قلت في رجل
قالت فمن هو هذا الفرد سمّ لنا
فقلت ذاك أمير المؤمنين علي
* * *
وقال آخر :
علي الوصي علي التقي
علي الزكي الرضى الأورع
علي السفين علي الأمين
علي البطين الفتى الأنزع
علي القسيم علي الكليم
علي العليم الهدى الأبرع
علي الوزير علي السفير
علي الأمير لمن يخشع
علي الفلاح علي النجاح
علي الصباح إذ يلمع
علي الجمال علي الكمال
علي الهلال إذا يطلع
* * *
ص: 431
ص: 432
ص: 433
ص: 434
ص: 435
ص: 436
تفسير السدي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى : « أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ » قال : أنزل اللّه آدم عليه السلام من الجنّة معه ذو الفقار خلق من ورق آس الجنّة .
ثم قال : « فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ » ، وكان به يحارب آدم عليه السلام أعداءه من الجنّ والشياطين ، وكان عليه مكتوبا : « لا يزال أنبيائي يحاربون به نبيّ بعد نبيّ ، وصدّيق بعد صدّيق ، حتى يرثه أمير المؤمنين ، فيحارب به عن النبيّ الأمّي صلى الله عليه و آله » .
« وَمَنافِعُ لِلنّاسِ » لمحمد وعلي عليهماالسلام « إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ » منيع من النقمة بالكفّار بعلي بن أبي طالب عليهماالسلام .
وقد روى كافّة أصحابنا : أنّ المراد بهذه الآية « ذو الفقار » أنزل به من السماء على النبي صلى الله عليه و آله فأعطاه عليا عليه السلام .
وسئل الرضا عليه السلام : من أين هو ؟ فقال : هبط به جبرئيل عليه السلام من السماء ، وكان حليه من فضّة ، وهو عندي(1) .
ص: 437
وقيل : أمر جبرئيل عليه السلام أن يتّخذ من صنم حديد في اليمن ، فذهب علي عليه السلام وكسره ، واتّخذ منه سيفين : « مخدم » و« ذا الفقار » ، وطبعهما عمير الصيقل(1) .
وقيل : صار إليه يوم بدر ، أخذه من العاص بن منبه السهمي وقد قتله(2) .
وقيل : كان من هدايا بلقيس إلى سليمان(3) عليه السلام .
وقيل : أخذه من منبه بن الحجاج السهمي في غزاه بني المصطلق بعد أن قتله(4) .
وقيل : كان سعف نخل نفث فيه النبي صلى الله عليه و آله فصار سيفا .
ص: 438
وقيل : صار إلى النبي صلى الله عليه و آله يوم بدر فأعطاه عليا عليه السلام ، ثم كان مع الحسن عليه السلام ثم مع الحسين عليه السلام إلى أن بلغ المهدى عليه السلام .
سئل الصادق عليه السلام : لم سمّي ذا الفقار ؟ فقال : إنّما سمّي « ذو الفقار » ، لأنّه ما ضرب به أمير المؤمنين عليه السلام أحدا إلاّ افتقر في الدنيا من الحياة ، وفي الآخرة من الجنّة(1) .
علان الكليني رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السلام قال : إنّما سمّي سيف أمير المؤمنين عليه السلام « ذو الفقار » ، لأنّه كان في وسطه خطّة في طوله مشبهة بفقار الظهر(2) .
وزعم الأصمعي : أنّه كان فيه ثماني عشرة فقرة .
تاريخ أبي يعقوب : كان طوله سبعة أشبار ، وعرضه شبر ، وفي وسطه كالفقار(3) .
قال ابن حماد :
فأنزل اللّه ذا الفقار له
مع جبرئيل الأمين منتجبا
ص: 439
وقيل إنّ النبي ناوله
جريدة رطبة لها اجتلبا
فانقلبت ذا الفقار في يده
كرامة من إلهه وحبا
سيف يكون الإله طابعه
فكيف ينبو أو أن لن يقال نبا
* * *
وقال نضر بن المنتصر :
من هزّ في يوم الوغى جريدة
فكان منها ذو الفقار المنتضى
* * *
وقال الزاهي :
من هزم الجيش يوم خيبره
وهزّ باب القموص واقتلعه
من هزّ سيف الإله بينكم
سيف من النور ذوالعلى طبعه
* * *
وقال ابن الحجاج :
أبيض لكنّه فرندا
أخضر والموت فيه أحمر
كأنّه ذو الفقار يمشي
به أمام الأنام قنبر
* * *
أبو عبد اللّه عليه السلام : نظر النبي صلى الله عليه و آله إلى جبرئيل عليه السلام بين السماء والأرض على كرسيّ من ذهب ، وهو يقول : لا سيف إلاّ ذو الفقار ، ولا فتى إلاّ علي(1) .
ص: 440
القاضي أبو بكر الجعاني بإسناده عن الصادق عليه السلام : نادى ملك من السماء يوم أحد يقال له « رضوان » : لا سيف إلاّ ذو الفقار ، ولا فتى إلاّ علي(1) .
ومثله في إرشاد المفيد ، وأمالي الطوسي عن عكرمة وأبي رافع ، وقد رواه السمعاني في فضائل الصحابة ، وابن بطّة في الإبانة إلاّ أنّهما قالا : يوم بدر(2) .
قال أحمد بن علوية :
لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى
إلاّ أبو حسن فتى الفتيان
قال النبي أما علمت بأنّه
منّي ومنه أنا وقد أبلاني
جبريل قال له وإنّي منكما
فمضى بفضل خلاصة الخلان
* * *
وقال أبو مقاتل بن الداعي العلوي :
ومن مشى جبريل مع ميكاله
عن جانبيه في الحروب إذ مشى
ومن ينادي جبرئيل معلنا
والحرب قد قامت على ساق الردى
ص: 441
لا سيف إلاّ ذو الفقار فاعلموا
ولا فتى إلاّ علي في الورى
* * *
وقال الزاهي :
لا فتى في الحروب غير علي
لا ولا صارم سوى ذي الفقار
* * *
وقال العوني :
من صاح جبريل بالصوت العلي به
دون الخلائق عند الجحفل اللجب(1)
فخرا ولا سيف إلاّ ذو الفقار ولاغير الوصيّ فتى في هفوة الكرب
* * *
وقال منصور الفقيه :
من قال جبرئيل والأرماح شارعة
والبيض لامعة والحرب تشتعل
لا سيف يذكر إلاّ ذو الفقار ولا
غير الوصيّ إمام أيّها الملل
* * *
وقال آخر :
جبريل نادى في الوغى
والنقع ليس بمنجل
ص: 442
والمسلمون بأسرهم
حول النبيّ المرسل
والخيل تعثر بالجما
جم والوشيح الذبل
هذا النداء لمن له
الزهراء ربّة منزل
لا سيف إلاّ ذو الفقار
ولا فتى إلاّ علي
* * *
وقال غيره :
لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى
إلاّ علي للطغاة طعون(1)
ذاك الوصيّ فما له من مشبهفضلاً ولا في العالمين قرين
ذاك الوصيّ وصيّ أحمد في الورىعفّ الضمائر للإله أمين
* * *
وقال آخر :
من كان يمدح ذا ندى لنواله
فالمدح منّي للنبي وآله
لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى
إلاّ علي في أوان قتاله
نادى النبي له بأعلى صوته
يا ربّ من والى عليا واله
* * *
ص: 443
رآه قيس بن سعيد الهمداني في الحرب وعليه ثوبان ، فقال : يا أمير المؤمنين ، في مثل هذا الموضع !!
فقال : نعم يا قيس ، إنّه ليس من عبد إلاّ وله من اللّه حافظ وواقيه ، ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل ، أو يقع في بئر ، فإذا نزل القضاء خلّيا بينه وبين كلّ شيء(1) .
وكان مكتوبا على درعه عليه السلام :
أيّ يومي من الموت أفر
يوم لا يقدر أم يوم قدر
يوم لا يقدر لا أخشى الوغى
يوم قد قدّر لا يغني الحذر(2)
* * *
وروي أنّ درعه عليه السلام كانت لا قبّ لها ، أي لا ظهر(3) ، فقيل له في ذلك ، فقال : إن ولّيت فلا واليت ، أي نجوت .
قال السوسي :
وكان له مثل الدراهم سائل
على ظهره في الدرع كالسطر إذ سطر
ص: 445
فأبصره من لا اسمّيه قلّة
وعمّا قليل يظهر اللّه ما استتر
وقال ألا اجعل خلف ظهرك مثل ما
يوقيك في الهيجاء من مكر من مكر
فقال يوقي ظهره من بنفسه
إذ ما رأى القرن المبارز أن يفر
فأمّا أنا واللّه يعلم أنّني
لو الموت لاقاني على غفلة ذعر
وقولا لقرني أنت في حرج متى
عفوت إذا ولاّك حيدرة الدبر
* * *
قال المرتضى :
يشهد الحرب حاسرا ثم يأتي
وعليه من النجيع دروع
* * *
وقال مسلم :
عليه درع تلين المرهفات له
من الشجاعة لا من نسج داود
* * *
ص: 446
بغلة بيضاء يقال لها « دلدل(1) » ، أعطاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وإنّما سمّيت « دلدل » ، لأنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا انهزم المسلمون يوم حنين قال : دلدل ، فوضعت بطنها على الأرض ، فأخذ النبي صلى الله عليه و آله حفنة من تراب فرمى بها في وجوههم(2) ، ثم أعطاها عليا عليه السلام ، وذلك دون الفرس .
وقيل له عليه السلام : ألا تركب الخيل وطلاّبك كثير ، فقال : الخيل للطلب والهرب ، ولست أطلب مدبرا ، ولا أنصرف عن مقبل .
وفي رواية : لا أكرّ على من فرّ ، ولا أفرّ ممّن كرّ(3) ، والبغلة تجزيني ، أي تكفيني .
ص: 447
ص: 448
ص: 449
ص: 450
محمد الكسائي في المبتدأ : إنّ أوّل حرب كانت بين بني آدم ما كان بين شيث وقابيل ، وذلك أنّ اللّه - تعالى - أهدى إليه حلّة بيضاء ، ورفعت الملائكة له راية بيضاء ، فسلسلت الملائكة لقابيل ، وحملوه إلى عين الشمس ومات فيها ، وصارت ذريّته عبيدا لشيث .
وفي الخبر : أنّ أوّل من اتّخذ الرايات إبراهيم الخليل(1) عليه السلام .
ابن أبي البختري ، وسائر أهل السير : أنّه كانت راية قريش ولواؤها جميعا بيدي قصيّ بن كلاب ، ثم لم تزل الراية في يدي عبد المطلب عليه السلام .
فلمّا بعث النبي صلى الله عليه و آله أقرّها في بني هاشم ، ودفعها إلى علي عليه السلام في أوّل غزاة حملت فيها ، وهي « ودان » فلم تزل معه ، وكان اللواء - يومئذٍ - في عبد الدار ، فأعطاه النبي صلى الله عليه و آله مصعب بن عمير ، فاستشهد يوم أحد ، وأخذها النبي صلى الله عليه و آله ودفعها إلى علي عليه السلام ، فجمع - يومئذٍ - له الراية واللواء ، وهما أبيضان(2) .
وذكره الطبري في تاريخه ، والقشيري في تفسيره .
ص: 451
تنبيه المذكّرين : زيد بن علي عن آبائه عليه السلام : كسرت زند علي عليه السلام يوم أحد وفي يده لواء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فسقط اللواء من يده ، فتحاماه المسلمون أن يأخذوه ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : فضعوه في يده الشمال ، فإنّه صاحب لوائي في الدنيا والآخرة(1) .
وفي رواية غيره : فرفعه المقداد وأعطاه عليا عليه السلام ، وقال صلى الله عليه و آله : أنت صاحب رايتي في الدنيا والآخرة(2) .
المواعظ والزواجر عن العسكري : أنّ مالك ابن دينار سأل سعيد بن جبير : من كان صاحب لواء النبي صلى الله عليه و آله ؟
قال : علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
عبد اللّه بن حنبل : أنّه لمّا سأل مالك بن دينار سعيد بن جبير عن ذلك قال : فنظر إليّ ، فقال : كأنّك رخيّ البال ، فغضبت وشكوت إلى القراء ، فقالوا : إنّك سألته وهو خائف من الحجّاج ، وقد لاذ بالبيت ، فاسأله الآن .
فسألته ، فقال : كان حاملها علي عليه السلام ، كان حاملها علي عليه السلام ، كذا سمعته من عبد اللّه بن عباس(3) .
ص: 452
قال الحميري :
وحامل راية الإيمان يلقى
بها الأعداء ضرغاما كميّا
* * *
تاريخ الطبري ، والبلاذري ، وصحيحي ! مسلم والبخاري : أنّه لمّا أراد النبي صلى الله عليه و آله أن يخرج إلى بدر اختار كلّ قوم راية ، فاختار حمزة حمراء ، وبنو أميّة خضراء ، وعلي بن أبي طالب عليه السلام صفراء ، وكانت راية النبي بيضاء ، فأعطاها عليا عليه السلام يوم خيبر لمّا قال : لأعطين الراية غدا رجلاً(1) . . الخبر .
وكان النبي صلى الله عليه و آله عقد لحمزة ولعبيدة بن الحارث ولسعيد بن أبي وقاص ألوية بيضاء(2) .
وحدّثني ابن كادش في تكذيب العصابة العلوية في ادعائهم الإمامة النبوية : أنّ النبي صلى الله عليه و آله رأى العباس في ثوبين أبيضين قال : إنّه لأبيض الثوبين ، وهذا جبرئيل عليه السلام يخبرني أنّ ولده يلبسون السواد(3) .
ص: 453
عبد اللّه بن أحمد بن حنبل في كتاب صفين : أنّه نشر عمرو بن العاص في يوم صفين راية سوداء . . الخبر .
وفي أخبار دمشق عن أبي الحسين محمد بن عبد اللّه الرازي : قال ثوبان :
قال النبي صلى الله عليه و آله : يكون لبني العباس رايتان مركزهما كفر وأعلاهما ضلالة ، إن أدركتها - يا ثوبان - فلا تستظلّ بظلّها(1) .
أبي بن كعب : أوّل الرايات السود نصر(2) ، وأوسطها غدر(3) ، وآخرها كفر(4) ، فمن أعانهم كان كمن أعان فرعون على موسى عليه السلام .
تاريخ بغداد : قال أبو هريرة : قال النبي صلى الله عليه و آله : إذا أقبلت الرايات السود من قبل المشرق ، فإنّ أوّلها فتنة ، وأوسطها هرج ، وآخرها ضلالة(5) .
أخبار دمشق : عن النبي صلى الله عليه و آله - أبو أمامة - في خبر : أوّلها منشور(6) ، وآخرها مثبور(7) .
تاريخ الطبري : إنّ إبراهيم الإمام أنفذ إلى أبي مسلم لواء النصرة ، وظلّ السحاب، وكان أبيض طوله أربعة عشر ذراعا، مكتوب عليها بالحبر:
ص: 454
« أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ » ، فأمر أبو مسلم غلامه أرقم أن يتحوّل بكلّ لون من الثياب .
فلمّا لبس السواد قال : معه هيبة ، فاختاره خلافا لبني أميّة وهيبة للناظر .
وكانوا يقولون : هذا السواد حداد آل محمد صلى الله عليه و آله ، وشهداء كربلا عليهم السلام ، وزيد ويحيى(1) عليهماالسلام .
قال أبو العلاء السروي :
ضدّان جالا على خديك فاتفقا
من بعد ما افترقا في الدهر واختلفا
هذا بأعلام بيض اغتدى فبدا
وذا بأعلام سود انطوى فعفا
أعجب بما حكيا في كتب أمرهما
عن الشعارين في الدنيا وما وصفا
هذا ملوك بني العباس قد شرعوا
لبس السواد وأبقوه لهم شرفا
وذا كهول بني السبطين رايتهم
بيضاء تخفق إمّا حادث أزفا
كم ظلّ بين شباب لا بقاء له
وبين شيب عليه بالنهى عطفا
ص: 455
هل المشيب إلى جنب الشباب سوى
صبح هنالك عن وجه الدجى كشفا
وهل يؤدّي شباب قد تعقبه
شيب سوى كدر أعقبت منه صفا
لو لم يكن لبني الزهراء فاطمة
من شاهد غير هذا في الورى لكفى
فراية لبني العباس عابسة
سوداء تشهد فيه التيه والسرفا
وراية لبني الزهراء زاهرة
بيضاء يعرف فيه الحقّ من عرفا
شهادة كشفت عن وجه أمرهما
فبح بها وانتصف إن كنت منتصفا
* * *
وقال آخر :
رايته راية النبي وقد
سار بها صهره إلى خيبر
فلو رآها الوصيّ سلّمها
إلى شبير في الحرب أو شبّر
ولم يكن سيّدي يسلّمها
من عزّة عنده إلى قنبر
ولا إلى مالك ليحملها
وإنّه كان يكرم الأشتر
* * *
ص: 456
وكان مكتوبا على علم(1) أمير المؤمنين عليه السلام :
الحرب إن باشرتها(2)
فلا يكن منك الفشل
واصبر على أهوالهالا موت إلاّ بالأجل(3)(4)
* * *
وعلى رايته :
هذا علي والهدى يقوده
من خير فتيان قريش عوده(5)
* * *
ص: 457
سلمان الفارسي عن النبي صلى الله عليه و آله قال : يا علي ، تختّم بالعقيق تكن من المقرّبين .
قال : يا رسول اللّه ، وما المقرّبون ؟ قال : جبرئيل وميكائيل عليهماالسلام .
قال : فبم أتختّم ؟ قال : بالعقيق الأحمر(1) .
ابن عباس وصعصعة وعائشة : أنّه هبط جبرئيل عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : يا محمد ، ربّي يقرؤك السلام ويقول لك : البس خاتمك بيمينك ، واجعل فصّه عقيقا ، وقل لابن عمّك يلبس خاتمه بيمينه ، ويجعل فصّه عقيقا .
فقال علي عليه السلام : يا رسول اللّه ، وما العقيق ؟ قال : العقيق جبل في اليمن(2) ، والخبر مذكور في فضل الميثاق .
زياد القندي عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام : قال النبي صلى الله عليه و آله : لمّا كلّم اللّه موسى بن عمران عليه السلام على جبل طور سيناء اطلع على الأرض اطلاعة ، فخلق من نور وجهه العقيق ، وقال : أقسمت على نفسي أن لا أعذّب
ص: 458
كفّ لابسك - إذا توالى عليا عليه السلام - بالنار(1) .
ابن عباس والسدي : كان لأمير المؤمنين عليه السلام أربعة خواتيم : ياقوت لنبله ، فيروزج لنصره ، حديد صيني لقوّته ، وعقيق لحرزه(2) .
صحيح ! البخاري ، وشمائل الترمذي عن عبد اللّه بن جعفر ، وجامع البيهقي عن جابر وعن أنس ، وتختم عبد الرحمن السلمي عن ابن المسيب عن زين العابدين عن أبيه عليه السلام ، وتختّم محمد بن يحيى المحتسب عن هاشم بن عروة عن أبيه عن عائشة ، وعن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة، وعن نافع عن ابن عمر ، وعن أنس، وعن جابر، كلّهم عن النبي صلى الله عليه و آله:
إنّه كان صلى الله عليه و آله يتختم في يمينه(3) .
ص: 459
وزاد بعضهم في الرواية : وقبض والخاتم في يمينه .
وقال أبو أمامة : كان النبي صلى الله عليه و آله يجعل خاتمة في يمينه(1) .
عكرمة ، والضحاك عن ابن عباس : أنّه كان النبي صلى الله عليه و آله يتختّم في اليد اليمنى .
شمائل الترمذي ، وسنن السجستاني ، وتختم المحتسب : أنّه كان علي عليه السلام يتختّم في يمينه .
جامع البيهقي : كان ابن عباس وعبد اللّه بن جعفر يتختمان في يمينهما(2) .
الراغب في محاضراته : كان النبي صلى الله عليه و آله وأصحابه يتختّمون في أيمانهم ، وأوّل من تختّم في يساره معاوية(3) .
نتف أبي عبد اللّه السلامي : أنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يتختّم في يمينه ، والخلفاء ! الأربعة بعده ، فنقلها معاوية إلى اليسار ، وأخذ الناس بذلك ، فبقي كذلك أيام المروانية ، فنقلها السفاح إلى اليمين ، فبقي إلى أيام الرشيد ، فنقلها إلى اليسار ، وأخذ الناس بذلك(4) .
ص: 460
واشتهر أنّ عمرو بن العاص عند التحكيم سلّها من يده اليمنى وقال : خلعت الخلافة من علي كخلعي خاتمي هذا من يميني ، وجعلتها في معاوية كما جعلت هذا في يساري(1) .
نقوش الخواتيم عن الجاحظ : أنّه كان آدم وإدريس وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق وإلياس ويعقوب وداود وسليمان ويوسف ودانيال ويوشع وذو القرنين ويونس ولوط وهود وشعيب وزكريا ويحيى وصالح وعزيز وأيوب ولقمان وعيسى عليهم السلام ومحمد صلى الله عليه و آله يتختّمون في أيمانهم .
الصقعب بن زهير : أنّه سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن التختّم في اليمين ؟ فقال : لمّا أنزل اللّه على نبيه : « فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا » الآية ، قال جبرئيل عليه السلام : يا رسول اللّه ، ما من نبي إلاّ وأنا بشيره ونذيره ، فما افتخرت بأحد من الأنبياء إلاّ بكم أهل البيت .
فقال النبي صلى الله عليه و آله : يا جبرئيل ، أنت منّا ؟ فقال جبرئيل عليه السلام : أنا منكم ؟! فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنت منّا يا جبرئيل ، فقال : يا رسول اللّه ، بيّن لي ليكون لي فرج لأمّتك .
فأخذ النبي صلى الله عليه و آله خاتمه بشماله ، فقال : أنا رسول اللّه أوّلكم ، وثانيكم علي ، وثالثكم فاطمة ، ورابعكم الحسن ، وخامسكم الحسين ، وسادسكم جبرئيل ، وجعل خاتمة في إصبعه اليمنى ، فقال : أنت سادسنا يا جبرئيل .
ص: 461
فقال جبرئيل عليه السلام : يا رسول اللّه ، ما من أحد تختّم بيمينه وأراد بذلك سنّتك ، ورأيته يوم القيامة متحيّرا إلاّ أخذت بيده وأوصلته إليك وإلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
محمد بن أبي عمير(1) : قلت لموسى بن جعفر عليهماالسلام : تختّم أمير المؤمنين عليه السلام باليمين ؟ فقال : إنّما يتختّم بيمينه ، لأنّه إمام أصحاب اليمين بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقد مدح اللّه أصحاب اليمين وذمّ أصحاب الشمال(2) .
قال جابر الأنصاري :
إنّ التختّم باليمين جلالة
لذوي العقول وفعل كلّ أديب
لا للنواصب بل لشيعة أحمد
النصب كفر عند كلّ لبيب
يا ذا الذي قاس الوصيّ بغيره
ثكلتك أمّك كنت غير مصيب
* * *
وقال مطرف العبدي :
قالوا تختّم باليمين وإنّما
مارست ذاك تشبّها بالصادق
وتقرّبا منّي لآل محمد
وتباعدا منّي لكلّ منافق
الماسحين فروجهم بخواتم
اسم النبي بها واسم الخالق
* * *
وقال آخر :
قد تختمت في يدي جميعا
في يميني وآخر في شمالي
في يميني عقد الولا لعلي
وشمالي ردّا على الأنذال
ص: 462
ص: 463
ص: 464
أبوه أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم عليهم السلام .
وأمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم عليهاالسلام .
وإخوته : طالب وعقيل وجعفر عليهم السلام ، وعلي عليه السلام أصغرهم ، وكلّ واحد منهم أكبر من أخيه بعشر سنين بهذا الترتيب(1) ، وأسلموا كلّهم ، وأعقبوا إلاّ طالب ، فإنّه أسلم ولم يعقب(2) .
أخته : أمّ هاني - واسمها فاختة - وجمانة(3) .
وخاله : حنين بن أسد بن هاشم(4) .
وخالته : خالدة بنت أسد(5) .
وربيبه : محمد بن أبي بكر(6) .
وابن أخته : جعدة بن هبيرة(7) .
ص: 465
قال الشيخ المفيد في الإرشاد : أولاده خمسة وعشرون(1) ، وربما يزيدون على ذلك إلى خمسة وثلاثين .
ذكره النسابة العمرى في الشافي(2) وصاحب الأنوار : البنون خمسة عشر ، والبنات ثماني عشرة(3) .
فولد من فاطمة عليه السلام :
الحسن والحسين والمحسن سقط(4) ، وزينب الكبرى ، وأم كلثوم الكبرى
تزوّجها عمر(5) !!!
وذكر أبو محمد النوبختي في كتاب الإمامة أنّ أمّ كلثوم كانت صغيرة ومات عمر قبل أن يدخل بها(6) ، وأنّه خلّف على أمّ كلثوم بعد عمر
ص: 466
عون بن جعفر ، ثم محمد بن جعفر ، ثم عبد اللّه بن جعفر(1)(2) !!
ومن خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية : محمدا(3) .
ومن أمّ البنين ابنة حزام بن الخالد الكلابية : عبد اللّه ، وجعفر الأكبر ، والعباس ، وعثمان(4) .
ومن أمّ حبيب بنت ربيعة التغلبية : عمر ، ورقيّة ، تؤمان في بطن(5) .
ومن أسماء بنت عميس الخثعمية : يحيى ، ومحمد الأصغر .
وقيل : بل ولدت له عونا ومحمد الأصغر من أمّ ولد(6) .
ومن أمّ سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفية : نفيسة ، وزينب الصغرى ، ورقيّة الصغرى(7) .
ص: 467
ومن أمّ شعيب المخزومية : أمّ الحسن ، ورملة .
ومن الهملاء بنت مسروق النهشلية : أبو بكر ، وعبد اللّه (1) .
ومن أمامة بنت أبي العاص بن الربيع ، وأمّها زينب بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله : محمد الأوسط(2) .
ومن محياة بنت امرئ القيس الكلبية : جارية هلكت وهي صغيرة(3) .
وكان له : خديجة ، وأمّ هاني ، وتميمة ، وميمونة ، وفاطمة ، لأمّهات أولاد(4) .
وتوفي قبله عليه السلام :
يحيى ، وأم كلثوم الصغرى ، وزينب الصغرى أم الكرام ، وجمانة ، وكنيتها أمّ جعفر ، وأمامة ، وأمّ سلمة ، ورملة الصغرى .
وزوج عليه السلام ثماني بنات :
زينب الكبرى عليهاالسلام من عبد اللّه بن جعفر .
وميمونة من عقيل بن عبد اللّه بن عقيل .
وأمّ كلثوم الصغرى من كثير بن عباس بن عبد المطلب .
ورملة من أبي الهياج عبد اللّه بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب .
ورملة من الصلت بن عبد اللّه بن نوفل بن الحارث .
وفاطمة من محمد بن عقيل(5) .
ص: 468
وفي الأحكام الشرعية عن الخزاز القمّي : أنّه نظر النبي صلى الله عليه و آله إلى أولاد علي وجعفر عليهماالسلام ، فقال : بناتنا لبنينا ، وبنونا لبناتنا(1) .
وأعقب له عليه السلام من خمسة :
الحسن والحسين عليهماالسلام ، ومحمد بن الحنفية ، والعباس الأكبر عليه السلام ، وعمر(2) .
وتوفي عن أربعة :
أمامة ، وأمّها زينب بنت النبي صلى الله عليه و آله .
وأسماء بنت عميس .
وليلى التميمية .
وأمّ البنين الكلابية .
ولم يتزوجّن بعده .
وخطب المغيرة بن نوفل أمامة ، ثم أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث ، فروت عن علي عليه السلام : أنّه لا يجوز لأزواج النبي والوصي عليهماالسلام أن يتزوّجن بغيره بعده ، فلم يتزوّج امرأة ولا أمّ ولد بهذه الرواية .
وتوفي عن ثماني عشرة أمّ ولد ، فقال عليه السلام : جميع أمّهات أولادي الآن محسوبات على أولادهن بما ابتعتهن به من أثمانهن ، فقال : ومن كان من إمائه غير ذوات أولاد فهنّ حرائر من ثلثه .
وكتابه :
عبيد اللّه بن أبي رافع .
ص: 470
وسعيد بن نمران الهمداني .
وعبد اللّه بن جعفر .
وعبيد اللّه بن عبد اللّه بن مسعود .
وابن النباح(1) .
وهمدان الذي قتله الحجّاج(2) .
وخدّامه :
أبو نيرز من أبناء ملوك العجم ، رغب في الإسلام وهو صغير ، فأتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأسلم ، وكان معه ، فلمّا توفي صلى الله عليه و آله صار مع فاطمة عليهاالسلام وولديها(3) .
وكان عبد اللّه بن مسعود في سبي فزارة ، فوهبه النبي صلى الله عليه و آله لفاطمة عليهاالسلام ، فكان بعد ذلك مع معاوية(4) .
ص: 472
وكان له ألف نسمة ، منهم :
قنبر وميثم ، قتلهما الحجّاج(1) .
وسعد ونصر ، قتلا مع الحسين عليه السلام .
وأحمر ، قتل في صفين .
ومنهم : غزوان ، وثبيت ، وميمون .
وخادمته :
فضّة ، وزبراء(2) ، وسلافة .
وكان له بغلة يقال لها « الشهباء » ، و« دلدل » أهداها إليه النبي صلى الله عليه و آله .
قال كشاجم :
ووالدهم سيّد الأوصياء
معطي الفقير ومردي البطل
ومن علم السمر طعن الكلى
لدى الروع والبيض ضرب القلل
ولو زالت الأرض يوم الهياج
لمن تحت أخمصه لم يزل
ص: 473
ومن صدّ عن وجه دنياهم
وقد لبست حليها والحلل
وكانوا إذا ما أضافوا إليه
بأرفعهم رتبة في المثل
سماء أضفت إليه الحضيض
وبحر قرنت إليه الوشل(1)
* * *
ص: 474
ص: 475
ص: 476
ابن إسحاق ، وابن شهاب : أنّه كتب حلية أمير المؤمنين عليه السلام عن ثبيت الخادم على عمره ، فأخذها عمرو بن العاص فزمّ(1) بأنفه فقطعها ، وكتب : إنّ أبا تراب كان شديد الأدمة ، عظيم البطن ، حمش الساقين ، ونحو ذلك ، فلذلك وقع الخلاف في حليته .
من خلفه كأنّه إكليل(1) .
وكأنّ عنقه إبريق فضّة ، وهو أرقب(2) ، ضخم البطن ، أقرى الظهر(3) ، عريض الصدر ، محض المتن ، شثن(4) الكفين ، ضخم الكسور(5) ، لا يبين عضده من ساعده تدامجت إدماجا ، عبل الذراعين ، عريض المنكبين ، عظيم المشاشين(6) كمشاش السبع الضاري ، له لحية قد زانت صدره ، غليظ العضلات ، حمش(7) الساقين(8) .
قال المغيرة : كان علي عليه السلام على هيئة الأسد ، غليظا منه ما استغلظ ، دقيقا منه ما استدقّ(9) .
ولد عليه السلام في البيت الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من رجب بعد عام الفيل
ص: 478
بثلاثين سنة(1) .
وروى ابن همام : بعد تسعة وعشرين سنة .
وقبض قتيلاً في مسجد الكوفة وقت التنوير ليلة الجمعة لتسعة عشر مضين من شهر رمضان ، على يدي عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، وقد عاونه وردان بن مجالد من تيم الرباب ، وشبيب بن بجرة ، والأشعث بن قيس ، وقطام بنت الأخضر .
فضربه سيفا على رأسه مسموما ، فبقي يوما إلى نحو ثلث من الليل(2) .
وله - يومئذٍ - خمس وستّون سنة(3) في قول الصادق عليه السلام .
وقالت العامّة : ثلاث وستّون سنة(4) .
عاش مع النبي صلى الله عليه و آله بمكة ثلاث عشرة سنة ، وبالمدينة عشر سنين(5) .
وقد كان هاجر وهو ابن أربع عشرة سنة ، وضرب بالسيف بين يدي النبي صلى الله عليه و آله ، وهو ابن ستّ عشرة سنة ، وقتل الأبطال ، وهو ابن تسع عشرة سنة ، وقلع باب خيبر ، وله إثنان وعشرون سنة .
ص: 479
وكانت مدّة إمامته ثلاثون سنة ، منها :
أيام أبي بكر سنتان وأربعة أشهر .
وأيام عمر تسع سنين وأشهر وأيام ، وعن الفرياني : عشر سنين وثمانية أشهر .
وأيام عثمان إثنتا عشرة سنة .
ثم آتاه اللّه الحقّ خمس سنين وأشهر .
وكان عليه السلام أمر بأن يخفى قبره لما عرف من بني أمية وعداوتهم فيه إلى أن أظهره الصادق(1) عليه السلام .
ثم إنّ محمد بن زيد الحسني أمر بعمارة الحائر بكربلاء والبناء عليهما ، وبعد ذلك زيد فيه .
وبلغ عضد الدولة العناية في تعظيمهما والأوقاف عليهما(2) .
قال دعبل :
ألا إنّه طهر زكي مطهّر
سريع إلى الخيرات والبركات
غلاما وكهلاً خير كهل ويافع
وأبسطهم كفّا إلى الكربات
ص: 480
وأشجعهم قلبا وأصدقهم أخا
وأعظمهم في المجد والقربات
أخو المصطفى بل صهره ووصيّه
من القوم والستّار للعورات
كهارون من موسى على رغم معشر
سفال لئام شقّق البشرات
* * *
ص: 481
ص: 482
ص: 483
ص: 484
تفسير وكيع وسدي وسفيان وأبي صالح : أنّ عبد اللّه بن عمر قرأ قوله تعالى : « أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنّا نَأْتِي الأَْرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها » يوم قتل أمير المؤمنين عليه السلام .
وقال : لقد كنت يا أمير المؤمنين الطرف الأكبر في العلم ، اليوم نقص علم الإسلام ، ومضى ركن الإيمان .
الزعفراني عن المزني عن الشافعي عن مالك عن سمّي عن أبي صالح قال : لمّا قتل علي بن أبي طالب عليهماالسلام قال ابن عباس : هذا نقص الفقه والعلم من أرض المدينة .
ثم قال : نقصان الأرض نقصان علمائها وخيار أهلها ، إنّ اللّه لا يقبض هذا العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال ، ولكنّه يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتّخذ الناس رؤوسا جهّالاً ، فيسألوا فيفتوا بغير علم ، فضلّوا وأضلّوا(1) .
ص: 485
سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله : « رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤمِناً » وقد كان قبر علي بن أبي طالب عليهماالسلام مع نوح عليه السلام في السفينة ، فلمّا خرج من السفينة ترك قبره خارج الكوفة ، فسأل نوح عليه السلام ربّه المغفرة ولعلي وفاطمة عليهماالسلام قوله : « وَلِلْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِناتِ » .
ثم قال : « وَلا تَزِدِ الظّالِمِينَ » يعني الظلمة لأهل بيت محمد صلى الله عليه و آله « إِلاّ تَباراً » .
وروي أنّه نزل فيه : « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ » .
أبو بكر مردويه في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ، وأبو بكر الشيرازي في نزول القرآن : أنّه قال سعيد بن المسيب : كان علي عليه السلام يقرأ : « إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها » . قال : فوالذي نفسي بيده ، لتخضبنّ هذه من هذا ، وأشار إلى لحيته ورأسه(1) .
وروى الثعلبي والواحدي بإسنادهما عن عمار وعن عثمان بن صهيب
ص: 486
عن الضحاك ، وروى ابن مردويه بإسناده عن جابر بن سمرة ، وعن صهيب ، وعن عمار ، وعن ابن عدي ، وعن الضحاك ، والخطيب في التاريخ عن جابر بن سمرة ، وروى الطبري والموصلي عن عمار ، وروى أحمد بن حنبل عن الضحاك :
أنّه قال النبي صلى الله عليه و آله : يا علي ، أشقى الأوّلين عاقر الناقة ، وأشقى الآخرين قاتلك(1) .
وفي رواية : من يخضب هذه من هذا(2) .
قال الصنوبري :
قال النبي له أشقى البريّة يا
علي إذ ذكر الأشقى شقيان
هذا عصى صالحا في عقر ناقته
وذاك فيك سيلقاني بعصيان
ليخضبن هذه من ذا أبا حسن
في حين يخضبها من أحمر قاني
* * *
ص: 487
وكان عبد الرحمن بن ملجم التجوبى عداده من مراد .
قال ابن عباس : كان من ولد قدار عاقر ناقة صالح ، وقصّتهما واحدة ، لأنّ قدار عشق امرأة يقال لها « رباب » كما عشق ابن ملجم قطاما(1) .
سمع ابن ملجم وهو يقول : لأضربنّ عليا بسيفي هذا ، فذهبوا به إليه عليه السلام فقال : ما اسمك ؟ قال : عبد الرحمن بن ملجم .
قال : نشدتك باللّه عن شيء تخبرني ؟ قال : نعم .
قال : هل مرّ عليك شيخ يتوكّأ على عصاه وأنت في الباب ، فشقّك بعصاه ، ثم قال : بؤسا لك لشقيّ من عاقر ناقة ثمود ؟ قال : نعم .
قال : هل كان الصبيان يسمّونك ابن راعية الكلاب ، وأنت تلعب معهم ؟ قال : نعم .
قال : هل أخبرتك أمّك أنّها حملت بك وهي طامث ؟ قال : نعم .
قال : فبايع ، فبايع ، ثم قال : خلّوا سبيله(2) .
وروي أنّه جاءه ليبايعه فردّه مرّتين أو ثلاثا ، فبايعه وتوثّق منه ألاّ
ص: 488
يغدر ولا ينكث ، فقال : واللّه ، ما رأيتك تفعل هذا بغيري ، فقال : يا غزوان ، احمله على الأشقر فأركبه ، فتمثّل أمير المؤمنين عليه السلام :
أريد حياته ويريد قتلي
عذيرك من خليلك من مراد
* * *
امض يا ابن ملجم ، فواللّه ما أرى تفي بما قلت(1) .
وفي رواية : والذي نفسي بيده ، لتخضبنّ هذه من هذا(2) .
الحسن البصري : أنّه عليه السلام سهر في تلك الليلة ولم يخرج لصلاة الليل على عادته ، فقالت أمّ كلثوم عليهاالسلام : ما هذا السهر ؟ قال : إنّي مقتول لو قد أصبحت ، فقالت : مر جعدة فليصلّ بالناس ، قال : نعم ، مروا جعدة ليصلّ .
ثم مرّ وقال : لا مفرّ من الأجل(3) ، وخرج قائلاً :
خلّوا سبيل الجاهد(4) المجاهد
في اللّه ذي الكتب وذى المشاهد
في اللّه لا يعبد غير الواحدويوقظ الناس إلى المساجد(5)
* * *
ص: 489
روي أنّه عليه السلام سهر في تلك الليلة ، فأكثر الخروج والنظر إلى السماء ، وهو يقول : واللّه ما كذبت ، وإنّها الليلة التي وعدت ، ثم يعاود مضجعه .
فلمّا طلع الفجر أتاه ابن التياح ونادى : الصلاة .
فقام ، فاستقبله الإوز فصحن في وجهه ، فقال : دعوهن ، فإنّهن صوائح تتبعها نوائح .
وتعلّقت حديدة على الباب في مئزره ، فشدّ أزاره وهو يقول(1) :
اشدد حيازيمك للموت
فإنّ الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت
إذا حلّ بواديكا
فقد اعرف أقواما
وإن كانوا صعاليكا
مساريع إلى الخير
وللشرّ متاريكا(2)
* * *
أبو صالح الحنفي : سمعت عليا عليه السلام يقول : رأيت النبي صلى الله عليه و آله في منامي
ص: 490
فشكوت إليه ما لقيت من أمّته من الأود واللدد ، وبكيت ، فقال : لا تبك يا علي ، والتفت ، فالتفت فإذا رجلان مصفّدان ، وإذا جلاميد يرضخ بها رؤوسهما(1) .
وروي أنّه عليه السلام قال لأم كلثوم : يا بنية ، إنّي أراني قلّ ما أصحبكم ! قالت : وكيف ذاك يا أبتاه ؟ قال : إنّي رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله في منامي وهو يمسح الغبار عن وجهي ويقول : يا علي ، لا عليك قد قضيت ما عليك ، قالت : فما مكثنا حتى ضرب تلك الليلة الضربة(2) .
وفي رواية أنّه قال : يا(3) بنية لا تفعلي ، فإنّي أرى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يشير إليّ بكفّه : يا علي إلينا فإنّ ما عندنا هو خير لك(4) .
أبو مخنف الأزدي ، وابن راشد ، والرفاعي ، والثقفي جميعا : أنّه اجتمع نفر من الخوارج بمكة فقالوا : إنّا شرينا أنفسنا للّه ، فلو أتينا أئمة الضلال وطلبنا غرّتهم ، فأرحنا منهم البلاد والعباد .
فقال عبد الرحمن بن ملجم : أنا أكفيكم عليا .
وقال الحجّاج بن عبد اللّه السعدي الملقّب ب- «البرك»: أنا أكفيكم معاوية.
ص: 491
فقال عمرو بن بكر التميمي : أنا أكفيكم عمرو بن العاص .
واتّعدوا التاسع عشر من شهر رمضان ، ثم تفرّقوا .
فدخل ابن ملجم الكوفة ، فرأى رجلاً من أهل التيم « تيم الرباب » عند قطام التميمية ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام قتل أباها الأخضر وأخاها الأصبغ بالنهروان ، فشغف بها ابن ملجم ، وخطبها فأجابته بمهر ذكره العبدي في كلمة له ، فقال :
فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة
كمهر قطام من فصيح وأعجم
ثلاثة آلاف وعبد وقينة
وضرب علي بالحسام المسمّم
فلا مهر أغلى من علي وإن غلا
ولا قتل إلاّ دون قتل ابن ملجم
* * *
فقبل ابن ملجم ذلك ، فقالت : ويحك من يقدر على قتل علي عليه السلام ، وهو فارس الفرسان ، ومغالب الأقران ، والسبّاق إلى الطعان ، وأمّا المالية فلا بأس عليّ منها ، قال : أقبل .
فبعثت إلى وردان بن مجالد التميمي وسألته معونة ابن ملجم ، واستعان ابن ملجم بشبيب بن بجرة فأعانه ، وأعانه رجل من وكلاء عمرو بن العاص بخطّ فيه مائة ألف درهم ، فجعله مهرها .
فأطعمت لها اللوزينج والجوزينق ، وسقتهما الخمر العكبري ، فنام شبيب ، وتمتع ابن ملجم معها ، ثم قامت فأيقظتهما ، وعصبت صدورهم بحرير ، وتقلّدوا أسيافهم ، وكمنوا له مقابل السدّة .
ص: 492
وحضر الأشعث بن قيس لمعونتهم ، فقال لابن ملجم : النجا النجا لحاجتك ، فقد ضحك الصبح .
فأحسّ حجر بن عدي بما أراد الأشعث ، فقال له : قتلته يا أشعث ! وخرج مبادرا ليمضي إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فدخل المسجد ، فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف(1) .
وقال محمد بن عبد اللّه الأزدي : أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ينادى : الصلاة الصلاة ، فإذا هو مضروب ، وسمعت قائلاً يقول : الحكم للّه - يا علي - لا لك ولا لأصحابك ، وسمعت عليا عليه السلام يقول : فزت ورب الكعبة ، ثم يقول : لا يفوتنّكم الرجل(2) .
وكان قد ضربه شبيب فأخطأه ، ووقعت ضربته في الطاق ، ومضى هاربا حتى دخل منزله .
ص: 493
ودخل عليه ابن عمّ له فرآه يحلّ الحرير عن صدره ، فقال : ما هذا ! لعلّك قتلت أمير المؤمنين عليه السلام ؟ فأراد أن يقول : لا ، فقال : نعم ، فقتله الأزدي(1) .
وأمّا ابن ملجم ، فإنّ رجلاً من همدان لحقه وطرح عليه قطيفة وصرعه .
وانسل الثالث بين الناس .
فلمّا رآه أمير المؤمنين قال : « النَّفْس بِالنَّفْسِ » ، إن أنا متّ فاقتلوه كما قتلني ، وإن سلمت رأيت فيه رأيي .
وفي رواية : إن عشت رأيت فيه رأيي ، وإن هلكت فاصنعوا به ما يصنع بقاتل النبي صلى الله عليه و آله ، فسئل عن معناه ، فقال : اقتلوه ثم احرقوه بالنار .
فقال ابن ملجم : لقد ابتعته بألف ، وسممته بألف ، فإن خانني فأبعده اللّه ، ولقد ضربته ضربة لو قسمت بين أهل الأرض لأهلكتهم(2) .
وفي محاسن الجوابات عن الدينوري : أنّه قال : سألت اللّه أن يقتل به شرّ خلقه ، فقال علي
عليه السلام : قد أجاب اللّه دعوتك ، يا حسن ، إذا متّ فاقتله بسيفه(3) .
وروي أنّه قال : أطعموه واسقوه وأحسنوا أساره ، فإن أصحّ فأنا وليّ دمي ، إن شئت عفوت وإن شئت استنفذت ، وإن هلكت فاقتلوه(4) .
ص: 494
ثم أوصى فقال : يا بني عبد المطلب ، لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون : قتل أمير المؤمنين ، ألا لا يقتلنّ بي إلاّ قاتلي ، ونهى عن المثلة(1) .
وروى أبو عثمان المازني أنّه قال عليه السلام :
تلكم قريش تمناني لتقتلني
فلا وربّك ما فازوا وما ظفروا
فإن بقيت فرهن ذمّتي لهم
بذات ودقين لا يعفو لها أثر(2)
وإن هلكت فإنّي سوف أوترهمذلّ الممات فقد خانوا وقد غدروا(3)
* * *
وأمر الحسن عليه السلام أن يصلّي الغداة بالناس .
وروي أنّه دفع في ظهره جعدة ، فصلّى بالناس الغداة(4) .
ص: 495
الأصبغ في خبر : أنّ عليا عليه السلام قال :
لقد ضربت في الليلة التي قبض فيها يوشع بن نون ، ولأقبض في الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم(1) .
الحسن بن علي عليهماالسلام في خبر : ولقد صعد بروحه في الليلة التي صعد فيها بروح يحيى بن زكريا(2) .
* * *
فلمّا توفي أمير المؤمنين عليه السلام ودفن جلس الحسن عليه السلام وأمر به فضرب عنقه .
واستوهبت أمّ الهيثم بنت الأسود النخعية جيفته لتتولّى إحراقها ، فوهبها لها فأحرقتها بالنار .
وأمّا الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم في العقد على معاوية وعمرو ، فإنّ أحدهما ضرب معاوية على أليتيه وهو راكع .
وأمّا الآخر فإنّه قتل خارجة بن أبي حنيفة العامري ، وهو يظن أنّه عمرو ، وكان قد استخلفه لعلّة وجدها(3) .
ص: 496
قال الحسن بن علي عليه السلام :
أين من كان لعلم
المصطفى في الناس بابا
أين من كان إذا
ما قحط الناس سحابا
أين من دكان إذا نو
ديفي الحرب أجابا
أين من كان دعاه
مستجابا ومجابا
* * *
وله
عليه السلام :
خلّ العيون وما أردن
من البكاء على علي
لاتقلبن من الخلي
فليس قلبك بالخلي
للّه أنت إذا الرجال
تضعضعت وسط الندي
فرّجت غمّته ولم تركن
إلى فشل وعي
* * *
وله
عليه السلام :
خذل اللّه خاذليه ولا
أغمد عن قاتليه سيف فناء
* * *
زيد بن علي عليه السلام قال الحسين عليه السلام : لمّا قتل أمير المؤمنين عليه السلام سمعت جنية ترثيه بهذه الأبيات :
لقد هدّ ركني أبو شبر
فما ذاقت العين طيب الوسن
ولا ذاقت العين طيب الكرى
وألقيت دهري رهين الحزن
وأقلقني طول تذكاره
حرارة ثكل الرقوب(1) الشثن
ص: 497
وقال أنس بن مالك سمعت صوت هاتف من الجنّ :
يا من يؤم إلى المدينة قاصدا
أدّ الرسالة غير ما متوان
قتلت شرار بني أمية سيّدا
خير البريّة ماجدا ذا شان
ربّ المفضّل في السماء وأرضها
سيف النبي وهادم الأوثان
بكت المشاعر والمساجد بعد ما
بكت الأنام له بكلّ مكان
* * *
وفي شرف النبوة : أنّه سمع منهم :
لقد مات خير الناس بعد محمد
وأكرمهم فضلاً وأوفاهم عهدا
وأضربهم بالسيف في مهج العدى
وأصدقهم قيلاً وأنجزهم وعدا
* * *
وقال صعصعة بن صوحان :
إلى من لي بأنسك يا أخيّا
ومن لي أن أبثّك مالديّا
طوتك خطوب دهر قد توالى
لذاك خطوبه نشرا وطيّا
فلو نشرت قواك إلى المنايا
شكوت إليك ما صنعت إليا
بكيتك يا علي لدرّ عيني
فلم يغن البكاء عليك شيّا
كفى حزنا بدفنك ثم إنّي
نفضت تراب قبرك من يديّا
وكانت في حياتك لي عظات
وأنت اليوم أوعظ منك حيّا
فيا أسفا عليك وطول شوقي
ألا لو أنّ ذلك ردّ شيّا
* * *
ص: 498
وله أيضا :
هل خبّر القبر سائليه
أم قرّ عينا بزائريه
أم هل تراه أحاط علما
بالجسد المستكنّ فيه
لو علم القبر من يواري
تاه على كلّ من يليه
يا موت ماذا أردت منّي
حقّقت ما كنت أتّقيه
يا موت لو تقبل افتداء
لكنت بالروح أفتديه
دهر رماني بفقد إلفي
أذمّ دهري وأشتكيه
* * *
وقال أبو الأسود الدؤلي(1) :
ألا يا عين ويحك فاسعدينا
ألا أبكي أمير المؤمنينا
رزينا خير من ركب المطايا
وحثحثها(2) ومن ركب السفينا
ومن لبس النعال ومن حذاها
ومن قرأ المثاني والمبينا
إذا استقبلت وجه أبي حسين
رأيت البدر راق الناظرينا
يقيم الحدّ لا يرتاب فيه
ويقضي بالفرائض مستبينا
ألا أبلغ معاوية بن حرب
فلا قرّت عيون الشامتينا
ص: 499
أفي الشهر الحرام فجعتمونا
بخير الناس طرا أجمعينا
ومن بعد النبي فخير نفس
أبو حسن وخير الصالحينا
كأنّ الناس إذ فقدوا عليا
نعام جال في بلد سنينا
وكنّا قبل مهلكه بخير
نرى فينا وصيّ المسلمينا
فلا واللّه لا أنسى عليا
وحسن صلاته في الراكعينا
لقد علمت قريش حيث كانت
بأنّك خيرهم حسبا ودينا
فلا تشمت معاوية بن حرب
فإنّ بقية الخلفاء فينا
* * *
وقال الطائي :
حميت ليدخل جنات أبو حسن
وأوجبت بعده للقاتل النار
* * *
وقال الحميري :
لا درّ درّ المرادي الذي سفكت
كفّاه مهجة خير الخلق إنسانا
* * *
وقال بعض الصحابة :
دعوتك يا علي فلم تجبني
وردّت دعوتي باسا عليّا
بموتك ماتت اللّذات عنّي
وكانت حيّة إذ كنت حيّا
فيا أسفي عليك وطول شوقي
إليك لو أن ذلك ردّ ليّا
* * *
ص: 500
وقال بعضهم :
أضحى بما قد تعاطاه بضربته
ممّا عليه من الإسلام عريانا
أبكى السماء لباب كان يعمره
منها وحنت عليه الأرض تحنانا
عبدا تحمل إثما لو تحمّله
ثهلان طرفة عين هدّ ثهلانا
طورا أقول ابن ملعونين ملتقط
من نسل إبليس لا بل كان شيطانا
ويل أمّه أيّما ذا لعنة ولدت
ويل له أيّما ذا لعنة كانا
أضحى ببرهوت من بلهوت محتسبا
يلقى بها من عذاب اللّه ألوانا
ما دبّ في الأرض مذ ذلّت مناكبها
خلق من الخير أخلى منه ميزانا
لا عاقر الناقة المردي ثمود لها
ربّ أتوا سخطه فسقا وكفرانا
ولا ابن آدم قابيل اللعين أخو
هابيل إذ قرّبا للّه قربانا
بل المرادي عند اللّه أعظمهم
خزيا وأشقاهم نفسا وجثمانا
ص: 501
وقال الصنوبري :
نعم الشهيدان ربّ الخلق يشهد لي
والخلق أنّهما نعم الشهيدان
من ذا يعزّي النبي المصطفى بهما
من ذا يعزّيه من قاص ومن دان
من ذا لفاطمة اللهفاء ينبئها
عن بعلها وابنها إنهاء لهفان
من قابض النفس في المحراب منتصبا
وقابض النفس في الهيجاء عطشان
نجمان في الأرض بل بدران قد أفلا
نعم وشمسان إمّا قلت شمسان
سيفان يغمد سيف الحرب إن برزا
وفي يمينهما للحرب سيفان
* * *
وقال المصري :
غصبتم وليّ الحقّ مهجة نفسه
وكان لكم غصب الأمانة مقنعا
وألجمتم آل النبي سيوفكم
تفري من السادات سوقا وأذرعا
ضغائن بدر أظهرتها وجاهرت
بما كان منها في الجوانح مودعا
لوى عذره يوم الغدير بحقّه
وأعقبه يوم البعير واتبعا
وحاربه القرآن عنه فما ارعوى
وعاتبه الإسلام فيه فما رعا
* * *
ص: 502
ص: 503
ص: 504
النبي صلى الله عليه و آله : من زار عليا عليه السلام بعد وفاته فله الجنّة(1) .
الصادق عليه السلام : من ترك زيارة أمير المؤمنين عليه السلام لم ينظر اللّه إليه ، ألا تزورون من تزوره الملائكة والنبيون(2) .
وعنه عليه السلام : إنّ أبواب السماء لتفتح عند دعاء الزائر لأمير المؤمنين عليه السلام ، فلا تكن عند الخير نواما(3) .
ص: 505
ص: 506
قال ابن مدلل :
زر بالغري العالم الرباني
علم الهدى ودعائم الإيمان
وقل السلام عليك يا خير الورى
يا أيّها النبأ العظيم الشأن
يا من على الأعراف يعرف فضله
يا قاسم الجنات والنيران
نار تكون قسيمها يا عدّتي
أنا آمن من منها على جثماني
وأنا مضيفك والجنان لي القرى
إذا أنت أنت مورد الضيفان
* * *
وقال دعبل :
سلام بالغداة وبالعشي
على جدث بأكناف الغري
ولا زالت غزال النور ترجى
إليه صبابة المزن الروي
ألا ذا حبّذا ترب بنجد
وقبر ضمّ أوصال الوصي
وصيّ محمد بأبي وأمّي
وأكرم من مشى بعد النبي
لأن حجّوا إلى البلد القصيّ
فحجّي ما حييت إلى علي
وإن زاروا هم الشيخين زرنا
عليا بالغداة وبالعشي
* * *
وكتب على مشهده عليه السلام :
هذا وليّ اللّه في أرضه
في جنّة الخلد وآلائه
لا يقبل اللّه له زائرا
لم يبر من سائر أعدائه
* * *
ص: 507
وقال ابن رزيك :
كأنّي إذ جعلت إليك قصدي
قصدت الركن بالبيت الحرام
وخيّل لي بأنّي في مقامي
لديه بين زمزم والمقام
أيا مولاي ذكرك في قعودي
ويا مولاي ذكرك في قيامي
وأنت إذا انتبهت سمير فكري
كذلك أنت أنسي في منامي
وحبّك إن يكن قد حلّ قلبي
وفي لحمي استكنّ وفي عظامي
فلولا أنت لم تقبل صلاتي
ولولا أنت لم يقبل صيامي
عسى أسقى بكأسك يوم حشر
ويبرد حين أشربها أوامي
* * *
ص: 508
فصل 5 : فيما ظهر منه عليه السلام في غزاة السلاسل
( 5 - 10 )
فصل 6 : في غزوات شتّى فيما ظهر منه عليه السلام في غزوة حنين
( 11 - 22 )
حنين··· 13
قتله عليه السلام أبي جرول وأربعين آخرين··· 14
في غزوات شتى··· 17
غزوة الطائف··· 17
يوم الفتح··· 18
بنو قريظة··· 19
بنو المصطلق··· 19
هوازن··· 20
خبر عمرو بن معدي كرب··· 20
ص: 509
فصل 7 : فيما ظهر منه عليه السلام في حرب الجمل
( 23 - 60 )
الآيات··· 25
وَاتَّقُوا فِتْنَةً··· 25
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَْرْضِ··· 25
وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ . .··· 25
فَإِمّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنّا مُنْتَقِمُونَ··· 26
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ . .··· 26
آيات تحذّر عائشة من الخروج لحرب الجمل··· 27
الأخبار··· 28
النبي صلى الله عليه و آله يحذّر عائشة··· 28
عائشة تتجهّز للحرب··· 29
عائشة في الحوأب··· 30
حربهم مع ابن حنيف في الخريبة··· 33
خروج أمير المؤمنين عليه السلام والدعوة الى نصرته··· 34
كتبه عليه السلام الى الأشرار··· 35
سبب قتالهم··· 37
الإمام عليه السلام يعظ عائشة وعبيدها··· 39
زحف الإمام عليه السلام وأمراء عسكره··· 39
الإمام عليه السلام يناشد وعائشة تستعد··· 40
مع الزبير··· 40
بدء القتال··· 42
ص: 510
شهادة مسلم المجاشعي··· 42
تقدّم ابن الحنفية بالراية والتحام المبارزين··· 43
مروان يقتل طلحة··· 48
مقتل الزبير··· 49
تقدّم عائشة··· 50
سقوط الهودج واستسلام عائشة··· 55
عائشة تطلب الأمان لابن الزبير··· 56
موقع الوقعة ووقتها وعدد الهالكين والشهداء فيها··· 57
فصل 8 : في حرب صفين
( 61 - 106 )
الآيات··· 63
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً··· 63
فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ··· 63
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَْعْرابِ سَتُدْعَوْنَ . .··· 63
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ··· 64
فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ··· 64
الأخبار··· 66
مكاتبات وتحريض··· 66
دعوة معاوية الى الطاعة··· 66
تردّد عمرو بن العاص··· 67
ص: 511
الطليق يحرّض أهل المدينة··· 67
كتاب الطليق لأمير المؤمنين عليه السلام··· 69
جواب أمير المؤمنين عليه السلام··· 69
أمير المؤمنين عليه السلام يحضّ الناس··· 70
رسول الطليق في الكوفة··· 70
كتاب آخر وجواب أمير المؤمنين عليه السلام··· 71
كتاب آخر وجواب أمير المؤمنين عليه السلام··· 71
كتاب آخر وجواب أمير المؤمنين عليه السلام··· 72
من كلامه عليه السلام مخاطبا الطليق وجوابه··· 72
خروج أمير المؤمنين عليه السلام وخروج الطليق··· 73
منعهم الماء عن أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه··· 74
نزوله بصفين··· 75
هذه خدعة··· 75
بدء القتال··· 75
رسل أمير المؤمنين عليه السلام الى الطليق··· 76
تعبئت العسكرين واستئناف القتال في صفر··· 76
أمير المؤمنين يدعو معاوية للمبارزة··· 77
أربعون وقعة غلب فيها أهل العراق··· 77
المبارزة··· 79
عون وعلقمة··· 79
أحمر وكيسان··· 79
الإمام عليه السلام ينتقم لمولاه ومعاوية يأمر باغتيال أمير المؤمنين··· 80
ص: 512
عمرو بن العاص وهاشم··· 80
عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والأشتر··· 81
معاوية يحرض على همدان ويفرّ من الميدان··· 82
أبو الطفيل الكناني··· 82
بنو همدان يهزمون أهل الشام··· 83
أبو أيوب الأنصاري يصل الى فسطاط معاوية··· 84
كوفي يصرع أخاه ويتركه بإذن الإمام··· 84
جماعة من طي··· 84
بسر بن أرطأة وسعيد بن قيس··· 85
أدهم بن لام وحجر بن عدي··· 86
الحكم بن الأزهر وحجر··· 86
مالك بن مسهر وحجر··· 86
علقمة··· 87
عمرو بن العاص يستأمن الأشتر··· 87
قاتل الأصبغ حتى حرّك معاوية عن مقامه··· 87
عوف المرادي وكعبر الأسدي··· 87
كعبر يحمل على معاوية··· 88
عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وحارثة··· 88
أبو الأعور السلمي وزياد بن كعب··· 89
قتل بنو همدان خلقا كثيرا··· 89
عمير بن عطارد··· 89
قيس بن سعد وبسر بن أرطأة··· 89
ص: 513
المخارق بن عبد الرحمن··· 90
كريب بن الصباح··· 90
مولى لمعاوية وقنبر··· 90
بريد الكلبي والأشتر··· 91
مشجع الجذامي وعدي بن حاتم··· 91
أصحاب خالد السدوسي ينهبون فسطاط معاوية··· 91
شهادة المرقال··· 92
شهادة عبد اللّه بن بديل بن ورقاء··· 92
قتال عمرو بن الحمق··· 93
هجم الأنصار وكاد يؤخذ معاوية··· 93
مقتل عبيد اللّه بن عمر··· 94
مقتل جماعة من العسكرين··· 94
عمرو بن العاص والأشتر··· 94
العراد بن الأدهم والعباس بن ربيعة المطلبي··· 95
قبيصة النميري وعدي بن حاتم··· 96
حجل بن أثال وابنه··· 96
أربعة صفوف هزمهم الأشتر··· 96
شاعر الطليق وشاعر أمير المؤمنين عليه السلام··· 97
برز ابن جعفر فاستغاث ابن العاص··· 97
شهادة أويس القرني··· 97
شهادة عمار··· 97
ص: 514
أمير المؤمنين يدعو الطليق للمبارزة··· 98
ابن العاص عتيق عورته··· 98
أمير المؤمنين عليه السلام يدعو الطليق للمبارزة··· 100
ابن أرطأة عتيق عورته··· 100
لاحق والأشتر··· 100
طمع الطليق في ابن عباس··· 101
كتاب الطليق وجواب الإمام عليه السلام··· 102
رسل الطليق إلى الإمام عليه السلام ورجاله··· 103
عودة الى القتال··· 103
شهادة الهيثم بن التيهان··· 104
شهادة خزيمة بن ثابت··· 104
قاتل عدي بن حاتم حتى فقئت عينه··· 105
برز الأشتر وقتل جندب··· 105
وقعة الخميس ليلة الهرير··· 105
عدد القتلى والشهداء··· 106
فصل 9 : في الحكمين والخوارج
( 107 - 144 )
وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ··· 109
تحذير الأشعري··· 109
ص: 515
رفع المصاحف··· 109
يا عجبا أعصى ويطاع معاوية !!!··· 112
كتابة الكتاب··· 113
السقيفة الثانية··· 116
الخوارج··· 120
الآيات··· 120
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَْخْسَرِينَ أَعْمالاً··· 120
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ··· 121
قول النبي صلى الله عليه و آله في ذي الخويصرة··· 121
كلمة حقّ يراد بها باطل··· 123
خروج الخوارج··· 123
شهادة الخباب ومناظرة ابن عباس··· 124
إحتجاج أمير المؤمنين عليه السلام··· 124
راية الأمان··· 125
خروجه عليه السلام الى النهروان··· 125
بدء القتال··· 127
هلاك أخنس الطائي··· 127
هلاك ابن وهب الراسبي··· 127
هلاك مالك ووضاح وحرقوص··· 127
استشهد تسعة وفلت من الخوارج تسعة··· 128
تاريخ وقعة النهروان··· 128
ص: 516
اطلبوا المخدج··· 129
صفة المخدج··· 130
خطبة الحسن عليه السلام في أمر الحكمين··· 132
خطبة ابن عباس··· 133
خطبة عبد اللّه بن جعفر··· 134
الرجعة الى صفين··· 135
ذكر ما ورد في بيعته عليه السلام··· 136
اغدوا عليّ محلّقين··· 136
أوّل من بايع··· 137
رفض الإمام عليه السلام تولية معاوية··· 138
في نتف من مزاحه عليه السلام··· 141
جعلوا يذرقون خوفا منه··· 141
سئل عن رجل فقال توفي البارحة··· 142
إنّ أحد الثلاثة لأحمق··· 142
مزحة مع جاريته··· 142
أمر بضرب ظلّه الحدّ··· 142
أفلح من كان له مزخة··· 143
أفلح من كانت له قوصرّة··· 143
حبقة حبقة··· 144
من كانت به جرحة فليداوها بالسمن··· 144
ص: 517
باب ما يتعلّق بالآخرة من مناقبه عليه السلام
فصل 1 : في محبّته عليه السلام
( 147 - 162 )
الآيات··· 149
وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤمِنِينَ وَلِيجَةً··· 149
وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ··· 149
حبّ علي حسنة لا تضرّ معها سيئة··· 149
مبغض علي عليه السلام لا يشمّ رائحة الجنّة··· 150
من أحبّ عليا عليه السلام ثبتت قدمه··· 152
حبّ علي عليه السلام يأكل الذنوب··· 152
افتراض محبّته··· 152
السعيد من أحبّ عليا عليه السلام··· 153
فرض اللّه ولايته على الخلق فتركوها··· 153
لو أحبّه أهل الأرض . . لما عذّب أحد بالنار··· 154
حبّه ينفع اليهودي··· 155
حبّ علي براءة من النار··· 155
الاستعصام بحبّ علي عليه السلام··· 156
حبّ علي عليه السلام أفضل الأعمال··· 156
لا يعذّب من والاه··· 156
ص: 518
قضيب غرسه اللّه بيده في جنّة عدن··· 157
النظر الى علي عليه السلام عبادة··· 159
فصل 2 : في طاعته عليه السلام وعصيانه
( 163 - 170 )
الآيات··· 165
اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ··· 165
ذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ··· 165
الم أَحَسِبَ النّاسُ··· 166
إذا اختلف الناس فعليك بعلي عليه السلام··· 166
إنّك مخاصم فأعدّ للخصومة··· 167
أَلَيْسَ اللّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ··· 168
وجوب طاعته والنهي عن مخالفته··· 169
فصل 3 : في بغضه عليه السلام
( 171 - 186 )
الآيات··· 173
وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ··· 173
أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ··· 173
قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ··· 173
ص: 519
إِنّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ··· 174
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي··· 174
مبغضه في النار··· 174
مبغضه منافق··· 175
مبغضه يهودي··· 175
مبغضه مبغض النبي صلى الله عليه و آله··· 175
رواية مبغض علي عليه السلام··· 176
كرهوا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام··· 176
لا يبغضه إلاّ منافق··· 177
لولا علي عليه السلام لما عرف المؤمنون··· 179
العدول عن ولايتهم هلاك··· 181
لا يبغضه عليه السلام إلاّ أبناء الزنا··· 181
فصل 4 : في أذاه عليه السلام
( 187 - 194 )
الآيات··· 189
وَالَّذِينَ يُؤذُونَ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِناتِ··· 189
إِنَّ الَّذِينَ يُؤذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ··· 190
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ . .··· 190
كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللّهُ . .··· 190
من آذى عليا عليه السلام فقد آذى النبي صلى الله عليه و آله وآذى اللّه ··· 191
ص: 520
فصل 5 : في حساده عليه السلام
( 195 - 204 )
الآيات··· 197
تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ··· 197
يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ··· 197
لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً··· 197
فَلَمّا رَأَوْهُ زُلْفَةً··· 198
أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ··· 198
من حسد عليا عليه السلام فقد كفر··· 199
لم هجر الناس عليا عليه السلام··· 199
يثنون صدورهم لئلا يسمعوا فضائل علي عليه السلام··· 201
يرفع اللّه القطر عن هذه الأمّة ببغضهم عليا··· 203
فصل 6 : في ظالميه ومقاتليه
( 205 - 226 )
الآيات··· 207
يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ··· 207
وَقالَ الظّالِمُونَ لَمّا رَأَوُا الْعَذابَ··· 207
وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها··· 207
من ظلم عليا عليه السلام مجلسي هذا كمن جحد نبوتي··· 208
اصبر يا علي··· 208
ص: 521
القول فيمن حارب أمير المؤمنين عليه السلام··· 210
الدليل على كفر من حارب أمير المؤمنين عليه السلام··· 210
ما يستدلّ به من القرآن··· 214
الانتقام منهم بعلي عليه السلام··· 215
صفة صلاتهم ليلة الهرير··· 217
سيرته عليه السلام فيمن قاتله··· 217
قصّة عليّان المجنون··· 217
في سبب بغضهم له سلام اللّه عليه··· 219
سبب عداوة قريش··· 219
سبب عداوة أحمد بن حنبل··· 219
سبب عداوة الأصمعي··· 220
في سبّهم إياه صلوات اللّه عليه··· 221
مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ··· 221
لا تسبّوا عليا عليه السلام··· 221
من سبّ عليا عليه السلام فقد سبّ اللّه ورسوله··· 221
الأصل في سبّه عليه السلام··· 224
السفّاح يأبى أن يسنّ لعن معاوية··· 225
فصل 7 : في درجاته عليه السلام عند قيام الساعة
( 227 - 236 )
حضوره عليه السلام عند المحتضر··· 229
احتضار السيّد الحميري··· 229
ص: 522
قول المرتضى في حضورهم عند المحتضر··· 231
يسئل الميت عن إمامته عليه السلام في القبر··· 232
أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة··· 233
أوّل من يرد على النبي صلى الله عليه و آله يوم القيامة··· 234
متّكأ النبي صلى الله عليه و آله يوم القيامة··· 236
فصل 8 : في ملابسه عليه السلام ولوائه في الآخرة
( 237 - 246 )
يكسى مع النبي صلى الله عليه و آله··· 239
صفة لواء الحمد وحامله··· 241
فصل 9 : في مراكبه ومراقيه عليه السلام في الآخرة
( 247 - 262 )
يأتي على نجيب من نور وعلى رأسه تاج··· 249
موضع قبّته عليه السلام··· 250
موقفه عليه السلام في المرقاة الثانية··· 250
رفيق النبي صلى الله عليه و آله في الجنّة··· 251
أقرب المقرّبين··· 252
يأتي راكبا على ناقة من نوق الجنّة··· 252
أوّل من يشرب السلسبيل والزنجبيل··· 254
على الأرائك ينظرون من الكفار يضحكون··· 255
ص: 523
أنّه عليه السلام وأهل بيته على الأعراف··· 256
ردّ قول العامّة في معنى أصحاب الأعراف··· 257
شجرة طوبى في داره··· 258
فصل 10 : في حمايته لأوليائه
( 263 - 270 )
المؤذّن يوم القيامة··· 265
يرون مكانه فيسوء وجوههم··· 266
شيعته لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَْكْبَرُ··· 267
قول أمير المؤمنين عليه السلام للحارث الهمداني··· 267
يتلألأ كالكوكب الدرّي··· 268
لو اجتمع الناس على حبّه لما خلق اللّه النار··· 269
غضب النار على مبغضيه··· 269
باب النكت واللطائف
فصل 1 : في إضافة اللّه - تعالى - عليا عليه السلام إلى نفسه
( 273 - 282 )
إضافته إلى نفسه تعالى··· 275
سمّاه بأسمائه··· 275
ص: 524
جعله ثاني نبيّه وثالث نفسه··· 276
سمّاه مثل ما سمّى به كتبه··· 278
فصل 2 : في مساواته مع آدم وإدريس ونوح عليهم السلام
( 283 - 290 )
ساواه مع آدم عليه السلام··· 285
ساواه مع إدريس عليه السلام··· 287
ساواه مع نوح عليه السلام··· 287
فصل 3 : في مساواته مع إبراهيم وإسماعيل وإسحاق عليهم السلام
( 291 - 298 )
مساواته مع إبراهيم عليه السلام··· 293
إسماعيل وإسحاق عليهماالسلام··· 297
فصل 4 : في مساواته يعقوب ويوسف عليهماالسلام
( 299 - 306 )
مساواته يعقوب عليه السلام··· 301
مساواته يوسف عليه السلام··· 302
فصل 5 : في مساواته موسى عليه السلام
( 307 - 314 )
ص: 525
فصل 6 : في مساواته هارون ويوشع ولوط عليهم السلام
( 315 - 320 )
مساواته مع هارون عليه السلام··· 317
مساواته مع يوشع عليه السلام··· 319
مساواته مع لوط عليه السلام··· 319
فصل 7 : في مساواته أيوب وجرجيس وزكريا ويحيى عليهم السلام
( 321 - 330 )
مساواته مع أيوب عليه السلام··· 323
مع جرجيس عليه السلام··· 324
مع يونس عليه السلام··· 324
مع زكريا عليه السلام··· 325
مع يحيى عليه السلام··· 326
مع ذي القرنين··· 328
مع لقمان··· 328
مع شعيب عليه السلام··· 328
فصل 8 : في مساواته داود وطالوت وسليمان عليهم السلام
( 331 - 338 )
مع داود عليه السلام··· 333
مع طالوت··· 334
ص: 526
مع سليمان عليه السلام··· 336
مع صالح عليه السلام··· 338
فصل 9 : في مساواته عيسى عليه السلام
( 339 - 346 )
فصل 10 : في مساواته النبي صلى الله عليه و آله
( 347 - 352 )
فصل 11 : في مساواته سائر الأنبياء عليهم السلام
( 353 - 366 )
سبعة نفر سمّاهم اللّه ملكا··· 355
خمسة نفر سمّاهم اللّه صدّيقين··· 355
من عادى ومن أحبّ··· 356
خمسة فارقوا قومهم في اللّه ··· 356
خمسة من الأنبياء وجدوا أشياء في المحراب··· 357
ساواه اللّه - تعالى - مع ..··· 357
استجمع علي عليه السلام فضائل تفرّقت في خمسة أنبياء··· 359
أربعة أشياء يخافها كلّ أحد إلاّ علي عليه السلام··· 359
خمسة أنوار أثمرت خمسة أشياء··· 360
خصال الأنبياء في علي عليه السلام··· 360
لعلي عليه السلام خاصّة··· 362
اللّه يباهي الملائكة بعلي عليه السلام··· 363
ص: 527
فصل 12 : في المفردات
( 367 - 382 )
علي عليه السلام الأوّل في أمور··· 369
علي عليه السلام الآخر في أمور··· 369
نوادر الدنيا··· 370
العجائب··· 370
منن اللّه على المؤمنين··· 371
ستّة أشياء رحمة··· 371
مدح اللّه حركاته وسكناته··· 372
ما عرف اللّه غيره وغير النبي صلى الله عليه و آله··· 373
مثل علي عليه السلام··· 373
كان للنبي صلى الله عليه و آله خليفتان··· 374
كان مقدّما مؤخرا··· 374
ما عوّضه اللّه ··· 377
علي عليه السلام وأعداؤه··· 377
إبراهيم العباسي يرى عليا عليه السلام في الرؤيا··· 378
المتوكّل العباسي يرى عليا عليه السلام في الرؤيا··· 379
نعم الرجل علي عليه السلام··· 379
الاستدلال ببيادق الشطرنج !!··· 380
الاستدلال بالحروف والحساب··· 381
ص: 528
فصل 13 : في الشواذ من مناقبه
( 383 - 392 )
علي عليه السلام هو المعني بالجوارح المنسوبة الى اللّه ··· 385
وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ··· 385
وَجْهُ اللّهِ··· 385
عين اللّه ··· 386
يد اللّه وحجابه··· 386
جنب اللّه ··· 387
فصل 14 : في أسمائه وألقابه وكناه
( 393 - 400 )
أسماؤه عليه السلام··· 395
أسماؤه في الأرض والسماء··· 396
ألقاب علي عليه السلام على حروف الهجاء··· 399
فصل 15 : في ألقابه على حروف المعجم
( 401 - 422 )
فصل 16 : في القصائد : في مدح أمير المؤمنين عليه السلام
( 423 - 432 )
ص: 529
باب في أحواله عليه السلام
فصل 1 : في ذكر سيفه ودرعه ومركوبه
( 435 - 448 )
سيفه··· 437
من أين كان سيفه ؟··· 437
لم سمّي « ذا الفقار » ؟··· 439
صفة سيفه··· 439
مدح سيفه··· 440
شهرة السيف من صاحبه··· 444
درعه عليه السلام··· 445
مركوبه عليه السلام··· 447
فصل 2 : في لوائه وخاتمه
( 449 - 462 )
وارث رايات الأنبياء··· 451
صاحب لواء النبي صلى الله عليه و آله··· 452
ألوان الرايات··· 453
الرايات السود··· 453
خاتمه عليه السلام··· 458
تختّم بالعقيق··· 458
التختّم باليمين··· 459
ص: 530
أوّل من تختّم باليسار··· 460
تختّم الأنبياء والأوصياء باليمين··· 461
فصل 3 : في أزواجه وأولاده وأقربائه وخدامه
( 463 - 474 )
أولاده عليه السلام··· 466
لم يتزوّج مع فاطمة عليهاالسلام··· 469
توفي عن أربعة··· 470
لم يتزوّجنّ نساؤه بعده··· 470
توفي عن ثماني عشرة أمّ ولد··· 470
كتّابه··· 470
بوّابه - مؤذّنه··· 471
خدّامه··· 472
خادمته - بغلته··· 473
فصل 4 : في حليته وتواريخه
( 475 - 482 )
وصف ثبيت الخادم··· 477
وصف جابر وابن الحنفية··· 477
وصف المغيرة··· 478
مدّة عمره ومولده عليه السلام··· 478
مدّة إمامته عليه السلام··· 480
قبره عليه السلام··· 480
ص: 531
فصل 5 : في مقتله عليه السلام
( 483 - 502 )
الآيات··· 485
أَنّا نَأْتِي الأَْرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها··· 485
وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤمِناً··· 486
وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ··· 486
إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها··· 486
قاتله أشقى الآخرين··· 486
ابن ملجم من ولد عاقر الناقة··· 488
بيعته لأمير المؤمنين عليه السلام··· 488
أنّه عليه السلام سهر في تلك الليلة··· 489
فلمّا طلع الفجر··· 490
شكواه إلى النبي صلى الله عليه و آله في المنام··· 490
المؤامرة··· 491
فزت وربّ الكعبة··· 493
قتل ابن ملجم وشريكه··· 493
الرجلان اللذان تعاقدا مع ابن ملجم··· 496
فصل 6 : في زيارته عليه السلام
( 503 - 508 )
الفهرست··· 509
ص: 532
عنوان و نام پديدآور:مناقب آل ابی طالب/ تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب. تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.
مشخصات نشر:قم: المکتبه الحیدریه، 1432ق = 1390.
مشخصات ظاهری:12ج
وضعیت فهرست نویسی:در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)
يادداشت:ج.9. (چاپ اول)
شماره کتابشناسی ملی:2481606
ص: 1
مناقب آل أبي طالب
تأليف الإمام الحافظ رشيد الدين أبي عبد اللّه محمد بن علي بن شهرآشوب
ابن أبي نصر بن أبي الجيش السروي المازندراني
تحقيق السيد علي السيد جمال أشرف الحسيني
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
ص: 8
الخركوشي في كتابيه اللوامع ، وشرف المصطفى صلى الله عليه و آله ، بإسناده عن سلمان .
وأبو بكر الشيرازي في كتابه عن أبي صالح ، وأبو إسحاق الثعلبي ، وعلي بن أحمد الطائي ، وأبو محمد بن الحسن بن علوية القطّان في تفاسيرهم عن سعيد بن جبير ، وسفيان الثوري .
وأبو نعيم الإصفهاني في ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام عن حمّاد بن سلمة عن ثابت عن أنس ، وعن أبي مالك عن ابن عباس .
والقاضي النطنزي عن سفيان بن عيينة عن جعفر الصادق عليه السلام - واللّفظ
له - :
في قوله : « مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ » قال : علي وفاطمة عليهماالسلام بحران عميقان ، لا يبغي أحدهما على صاحبه .
وفي رواية : « بَيْنَهُما بَرْزَخٌ » رسول اللّه صلى الله عليه و آله « يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤلُؤ وَالْمَرْجانُ » الحسن والحسين عليهماالسلام(1).
ص: 9
أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس : إنّ فاطمة عليهاالسلام بكت للجوع والعري ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : اقنعي - يا فاطمة - بزوجك ، فواللّه ، إنّه سيّد في الدنيا سيّد(1) في الآخرة ، وأصلح بينهما(2) ،
ص: 10
فأنزل اللّه : « مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ » يقول : أنا اللّه أرسلت البحرين : علي بن أبي طالب عليهماالسلام بحر العلوم ، وفاطمة عليهاالسلام بحر النبوّة « يَلْتَقِيانِ »
يتّصلان ، أنا اللّه أوقعت الوصلة بينهما .
ثمّ قال : « بَيْنَهُما بَرْزَخٌ » مانع رسول اللّه صلى الله عليه و آله يمنع علي بن أبي طالب عليهماالسلام أن يحزن لأجل الدنيا ، ويمنع فاطمة عليهاالسلام أن تخاصم(1) بعلها لأجل الدنيا .
ص: 11
« فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما » يا معشر الجنّ والإنس « تُكَذِّبانِ » بولاية أميرالمؤمنين عليه السلام ، وحبّ فاطمة الزهراء عليهاالسلام .
ف- « اللُّؤلُؤ » الحسن عليه السلام « وَالْمَرْجانُ » الحسين عليه السلام ، لأنّ اللؤلؤ الكبار ، والمرجان الصغار .
* * *
ولا غرو أن يكونا بحرين لسعة فضلهما وكثرة خيرهما ، فإنّ البحر سمّي بحرا لسعته ، وأجرى النبي صلى الله عليه و آله فرسا ، فقال : وجدته بحرا .
قال البشنوي :
ما عبد شمس ولا تيم وناصبها
من جندها الغيث والطير الأبابيل
في البرزخ الشأن لمّا أنزلت مرج
البحرين إذ يخرج المرجان واللولو
* * *
وقال محمد بن منصور السرخسي :
وأراد ربّ العرش أن يلقى بها
شجر كريم العرق والأغصان
فقضى فزوّجها عليّا أنّه
كان الكفي لها بلا نقصان
وقضى الإله بأن تولّد منهما
ولدان كالقمرين يلتقيان
ص: 12
سبطا محمد الرسول وفلذتا
كبد البتول كذاك يفتلقان
فبنى الإمامة والخلافة والهدى
بعد الرسالة ذانك الولدان
* * *
تفسير ابن عباس ، وقتادة ، ومجاهد ، وابن جبير ، والكلبي ، والحسن ، وأبي صالح ، والقزويني ، والمغربي ، والوالبي .
وفي صحيح مسلم ، وشرف الخركوشي ، واعتقاد الأشنهي :
في قوله تعالى : « وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ » كانت فاطمة عليهاالسلام فقط ، وهو المروي عن الصادق عليه السلام ، وعن سائر أهل البيت عليهم السلام(1) .
عمار بن ياسر في قوله تعالى : « فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى » .
ص: 13
قال : فالذكر علي عليه السلام ، والأنثى فاطمة عليهاالسلام ، وقت الهجرة إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الليلة(1) .
الباقر عليه السلام في قوله : « وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُْنْثى » ، فالذكر أمير المؤمنين عليه السلام ، والأنثى فاطمة عليهاالسلام .
« إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى » لمختلف .
« فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى » بقوته ، وصام حتى وفى بنذره ، وتصدّق بخاتمه وهو راكع ، وآثر المقداد بالدينار على نفسه .
قال : « وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى » وهي الجنّة ، والثواب من اللّه .
« فَسَنُيَسِّرُهُ » لذلك ، وجعله إماما في الخير ، وقدوة وأبا للأئمّة ، يسّره اللّه « لِلْيُسْرى » .
الباقر عليه السلام في قوله : « وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ » : « كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ذرّيّتهم عليهم السلام » ، كذا نزلت على محمد صلى الله عليه و آله(2) .
ص: 14
القاضي أبو بكر محمد الكرخي في كتابه عن الصادق عليه السلام : قالت فاطمة عليهاالسلام :
لمّا نزلت : « لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضا » هبت رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن أقول له : يا أبه ، فكنت أقول : يا رسول اللّه .
فأعرض عنّي مرّة وإثنتين أو ثلاثا ، ثمّ أقبل عليّ ، فقال : يا فاطمة ! إنّها لم تنزل فيك ، ولا في أهلك ، ولا في نسلك ، أنت منّي وأنا منك ، إنّما نزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش ، أصحاب البذخ(1) والكبر ، قولي : يا أبه ، فإنّها أحيى للقلب ، وأرضى للربّ .
واعلم أنّ اللّه ذكر إثنتي عشرة امرأة في القرآن على وجه الكناية :
[ 1 ] « اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ » حوّاء عليه السلام .
[ 2 ] « ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ » .
[ 3 ] « إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتا فِي الْجَنَّةِ » امرأة فرعون .
[ 4 ] « وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ » لإبراهيم عليه السلام .
[ 5 ] « وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ » لزكريّا عليه السلام .
[ 6 ] « الآْنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ » زليخا .
ص: 15
[ 7 ] « وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ » لأيّوب عليه السلام .
[ 8 ] « إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ » بلقيس .
[ 9 ] « إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ » لموسى عليه السلام .
[ 10 ] « وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثا » حفصة وعائشة .
[ 11 ] « وَوَجَدَكَ عائِلاً » خديجة عليهاالسلام .
[ 12 ] « مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ » فاطمة عليهاالسلام .
ثمّ ذكرهنّ بخصال :
[ 1 ] التوبة من حوّاء : « قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا » .
[ 2 ] والشوق من آسية : « رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتا فِي الْجَنَّةِ » .
[ 3 ] والضيافة من سارة : « وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ » .
[ 4 ] والعقل من بلقيس : « إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً » .
[ 5 ] والحياء من امرأة موسى : « فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ » .
[ 6 ] والإحسان من خديجة عليهاالسلام : « وَوَجَدَكَ عائِلاً » .
[ 7 ] والنصيحة(1) ! لعائشة وحفصة : « يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ » إلى قوله : « وَأَطِعْنَ اللّهَ وَرَسُولَهُ » .
[ 8 ] والعصمة من فاطمة عليهاالسلام : « وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ » .
ص: 16
وأنّ اللّه - تعالى - أعطى عشرة أشياء لعشرة من النساء :
[ 1 ] التوبة لحوّاء زوجة آدم عليهماالسلام .
[ 2 ] والجمال لسارة زوجة إبراهيم عليه السلام .
[ 3 ] والحفاظ لرحيمة زوجة أيّوب عليه السلام .
[ 4 ] والحرمة لآسية زوجة فرعون .
[ 5 ] والحكمة ! لزليخا زوجة يوسف عليه السلام .
[ 6 ] والعقل لبلقيس زوجة سليمان عليه السلام .
[ 7 ] والصبر لبرحانة أمّ موسى عليه السلام .
[ 8 ] والصفوة لمريم أمّ عيسى عليهماالسلام .
[ 9 ] والرضى لخديجة عليهاالسلام زوجة المصطفى صلى الله عليه و آله .
[ 10 ] والعلم(1) ! لفاطمة زوجة المرتضى عليهماالسلام .
والإجابة لعشرة :
[ 1 ] « وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الُْمجِيبُونَ » .
[ 2 ] « فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ » يوسف عليه السلام .
[ 3 ] « قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما » موسى وهارون عليهماالسلام .
[ 4 ] « فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ » يونس عليه السلام .
ص: 17
[ 5 ] « فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ » أيّوب عليه السلام .
[ 6 ] « فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى » زكريّا عليه السلام .
[ 7 ] « ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ » للمخلصين .
[ 8 ] « أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ » للمضطرّين .
[ 9 ] « وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي . . » للداعين .
[ 10 ] « فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ » فاطمة وزوجها عليهماالسلام .
وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يهتمّ لعشرة أشياء ، فآمنه اللّه منها ، وبشّره بها :
[ 1 ] لفراقه صلى الله عليه و آله وطنه .
فأنزل اللّه : « إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ » .
[ 2 ] ولتبديل القرآن بعده - كما فعل بسائر الكتب - .
فنزل : « إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظُونَ » .
[ 3 ] ولأمّته من العذاب .
فنزل : « وَما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ » .
[ 4 ] ولظهور الدين .
« لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ » .
[ 5 ] وللمؤمنين بعده .
فنزل : « يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الآْخِرَةِ » .
ص: 18
[ 6 ] ولخصمائهم .
فنزل : « يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ » .
[ 7 ] وللشفاعة .
فنزل : « وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى » .
[ 8 ] وللفتنة بعده على وصيّه .
فنزل : « فَإِمّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ »يعنى بعلي عليه السلام .
[ 9 ] ولثبات الخلافة في أولاده عليهم السلام .
فنزل : « لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ » .
[ 10 ] ولابنته عليهاالسلام حال الهجرة .
فنزل : « الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياما وَقُعُودا » الآيات .
ورأس التوّابين أربعة :
[ 1 ] آدم عليه السلام : « قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا » .
[ 2 ] ويونس عليه السلام : قال : « سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ » .
[ 3 ] وداود عليه السلام : « وَخَرَّ راكِعا وَأَنابَ » .
[ 4 ] وفاطمة عليهاالسلام : « الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياما وَقُعُودا » .
وخوّفت أربعة من الصالحات :
ص: 19
[ 1 ] آسية : عذّبت بأنواع العذاب ، فكانت تقول : « رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتا فِي الْجَنَّةِ » .
[ 2 ] ومريم عليهاالسلام : خافت من الناس وهربت ، « فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاّ تَحْزَنِي » .
[ 3 ] وخديجة عليهاالسلام : عذلها النساء في النبي صلى الله عليه و آله فهجرنها .
[ 4 ] فقالت فاطمة عليهاالسلام : أما كان أبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ ألا يحفظ في ولده ؟ ما أسرع ما أحدثتم(1) ، وأعجل ما نكصتم!!(2) .
ورأس البكّائين ثمانية :
[ 1 ] آدم عليه السلام .
[ 2 ] ونوح عليه السلام .
[ 3 ] ويعقوب عليه السلام .
[ 4 ] ويوسف عليه السلام .
[ 5 ] وشعيب عليه السلام .
[ 6 ] وداود عليه السلام .
[ 7 ] وفاطمة عليهاالسلام .
[ 8 ] وزين العابدين عليه السلام .
ص: 20
قال الصادق عليه السلام : أمّا فاطمة عليهاالسلام فبكت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى تأذّى أهل المدينة ، فقالوا لها : آذيتنا بكثرة بكائك !! إمّا أن تبكي بالليل ، وإمّا أن تبكي بالنهار .
وكانت عليهاالسلام تخرج إلى مقابر الشهداء ، فتبكي(1) .
وخير نساء العالمين أربعة :
كتاب أبي بكر الشيرازي ، وروى أبو الهذيل عن مقاتل عن محمد بن الحنفية عن أبيه :
إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قرأ : « إِنَّ اللّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ » الآية ، فقال : يا علي ، خير نساء العالمين أربع :
مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه و آله ، وآسية بنت مزاحم(2) .
أبو نعيم في الحلية ، وابن البيّع في المسند ، والخطيب في التاريخ ، وابن بطّة في الإبانة ، وأحمد السمعاني في الفضائل بأسانيدهم عن معمّر عن قتادة عن أنس .
ص: 21
وروى الثعلبي في تفسيره ، والسلامي في تاريخ خراسان ، وأبو صالح المؤذّن في الأربعين بأسانيدهم عن أبي هريرة .
وروى الشعبي عن جابر بن عبد اللّه وسعيد بن المسيّب .
وروى كريب عن ابن عباس ، وروى مقاتل عن سليمان عن الضحّاك عن ابن عباس .
وقد رواه أبو مسعود ، وعبد الرزّاق ، وأحمد ، وإسحاق ، كلّهم عن النبي صلى الله عليه و آله - واللّفظ للحلية - :
إنّه قال عليه السلام : حسبك من نساء العالمين : مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه و آله ، وآسية امرأة فرعون(1) .
وفي رواية مقاتل والضحّاك وعكرمة عن ابن عباس : وأفضلهنّ فاطمة عليهاالسلام .
الفضائل عن عبد الملك العكبري ، ومسند أحمد بإسنادهما عن كريب عن ابن عباس أنّه قال :
ص: 22
[ فاطمة ] سيّدة نساء أهل الجنّة(1) . . الخبر سواء . .
تاريخ بغداد بإسناد الخطيب عن حميد الطويل عن أنس قال النبي صلى الله عليه و آله : خير نساء العالمين(2) . . الخبر سواء . .
ثمّ إنّ النبي صلى الله عليه و آله فضّلها على سائر نساء العالمين في الدنيا والآخرة(3) .
روت عائشة وغيرها عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال : يا فاطمة ، أبشري فإنّ
اللّه - تعالى - « اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ » ، وعلى نساء الإسلام ، وهو خير دين .
حذيفة : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : أتاني ملك فبشّرني أنّ فاطمة سيّدة نساء الجنّة ، أو نساء أمّتي(4) .
البخاري ومسلم في صحيحهما ! وابن السعادات في فضائل العشرة ، وأبو بكر بن شيبة في أماليه ، والديلمي في فردوسه :
أنّه صلى الله عليه و آله قال : فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة(5) .
ص: 23
حلية أبي نعيم : روى جابر عن سمرة عن النبي صلى الله عليه و آله في خبر : أما إنّها سيّدة النساء يوم القيامة(1) .
تاريخ البلاذري : أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لفاطمة عليهاالسلام : أنت أسرع أهلي لحاقا بي ، فوجمت(2) !
فقال لها : أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنّة ؟ فتبسّمت(3) .
الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت : أسرّ النبي صلى الله عليه و آله إلى فاطمة عليهاالسلام
شيئا ، فضحكت .
فسألتها ، فقالت : قال لي : ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنّة ، أو نساء أمّتي(4) .
حلية الأولياء ، وكتاب الشيرازي : روى عمران بن حصين وجابر بن سمرة : أنّ النبي صلى الله عليه و آله دخل على فاطمة عليهاالسلام فقال : كيف تجدينك يا بنيّة ؟
قالت : إنّي لوجعة ، وإنّه ليزيدني أنّه ما لي طعام آكله .
قال : يا بنيّة ، أما ترضين أنّك سيّدة نساء العالمين ؟
قالت : يا أبي ، فأين مريم بنت عمران عليهاالسلام ؟
قال : تلك سيّدة نساء عالمها ، وأنت سيّدة نساء عالمك ، أما - واللّه -
ص: 24
زوّجتك سيّدا في الدنيا والآخرة(1) .
وقيل للصادق عليه السلام : قول الرسول صلى الله عليه و آله : فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة ، أي سيّدة عالمها ؟
قال : ذاك مريم عليهاالسلام ، وفاطمة عليهاالسلام سيّدة نساء أهل الجنّة من الأوّلين
والآخرين(2) .
وفي الحديث : أنّ آسية بنت مزاحم ، ومريم بنت عمران ، وخديجة يمشين أمام فاطمة عليهاالسلام كالحجّاب لها إلى الجنّة .
وفي الحساب :
من سيّدة الحور من ولد آدم كلّهم ، وزنه : أمّ الحجج فاطمة البتول .
عدد كلّ منهما ألف وستمائة وثمانية وتسعون .
وسأل بزل(3) الهروي الحسين بن روح رضى الله عنه ، فقال : كم بنات رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال : أربع .
فقال : أيّتهنّ أفضل ؟ فقال : فاطمة .
ص: 25
قال : ولم صارت أفضل ، وكانت أصغرهن سنّا ، وأقلّهن صحبة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟
قال : لخصلتين خصّها اللّه بهما : أنّها ورثت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ونسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله منها ، ولم يخصّها بذلك إلاّ بفضل إخلاص عرفه من نيّتها(1) .
وقال المرتضى رضى الله عنه : التفضيل هو كثرة الثواب بأن يقع خلاص(2) ويقين ونيّة صافية ، ولا يمتنع من أن تكون عليهاالسلام قد فضّلت على أخواتها بذلك .
ويعتمد على أنّها أفضل نساء العالمين بإجماع الإمامية ، وعلى أنّه قد ظهر من تعظيم الرسول صلى الله عليه و آله لشأن فاطمة عليهاالسلام ، وتخصيصها من بين سائرهنّ ما ربما لا يحتاج إلى الاستدلال عليه .
قال مهيار :
يا ابنة المختار من كلّ الأذى روحي فداك
يا ابنة المختار إنّ اللّه بالفضل اجتباك
وارتضى بعلك للخلق جميعا وارتضاك
وعلى الأمّة جمعا فضّل اللّه أباك
* * *
وقال الزاهي :
وبمدح فاطمة البتول تنير لي
ظلم القيامة يوم ينفخ صورها
* * *
ص: 26
ص: 27
ص: 28
صحيح الدارقطني : رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمر بقطع لصّ ، فقال اللصّ : يا رسول اللّه ، قدّمته في الإسلام وتأمره بالقطع ؟
فقال : لو كانت ابنتي فاطمة !!!!!
فسمعت فاطمة عليهاالسلام فحزنت !!
فنزل جبرئيل عليه السلام بقوله : « لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ » فحزن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فنزل : « لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا » .
فتعجّب النبي صلى الله عليه و آله من ذلك ، فنزل جبرئيل عليه السلام وقال : كانت فاطمة عليهاالسلام حزنت من قولك ، فهذه الآيات لموافقتها لترضى .
سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي صالح في قوله : « وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ » قال : ما من مؤمن يوم القيامة إلاّ إذا قطع الصراط زوّجه اللّه على باب الجنّة بأربع نسوة من نساء الدنيا ، وسبعين ألف حورية من حور الجنّة ، إلاّ علي بن أبيطالب عليهماالسلام، فإنّه زوج البتول فاطمة عليهاالسلام في الدنيا، وهو زوجها
في الآخرة في الجنّة ، ليست له زوجة في الجنّة غيرها من نساء الدنيا، لكن له في الجنان سبعون ألف حوراء لكلّ حوراء سبعون ألف خادم .
ص: 29
وروي : أنّ فاطمة عليهاالسلام تمنّت وكيلاً عند غزاة علي عليه السلام ، فنزل « رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً » .
وسئل عالم ، فقيل : إنّ اللّه - تعالى - قد أنزل « هَلْ أَتى » في أهل البيت عليهم السلام ، وليس شيء من نعيم الجنّة إلاّ وذكر فيه إلاّ الحور العين !
قال : ذلك إجلالاً لفاطمة عليهاالسلام .
النبي صلى الله عليه و آله : لمّا خلق اللّه الجنّة خلقها من نور وجهه(1) ، ثمّ أخذ ذلك النور فقذفه ، فأصابني ثلث النور ، وأصاب فاطمة عليهاالسلام ثلث النور ، وأصاب عليا عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام ثلث النور .
فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلى ولاية آل محمد صلى الله عليه و آله ، ومن لم يصبه من ذلك النور ضلّ عن ولاية آل محمد صلى الله عليه و آله(2) .
الحسين بن زيد بن علي عن الصادق عليه السلام ، وجابر الجعفي عن الباقر عليه السلام :
ص: 30
قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها(1) .
ابن شريح بإسناده عن الصادق عليه السلام ، وابن سعيد الواعظ في شرف النبي صلى الله عليه و آله عن أمير المؤمنين عليه السلام .
وأبو صالح المؤذّن في الفضائل عن ابن عباس .
وأبو عبد اللّه العكبري في الإبانة ، ومحمود الإسفرائيني في الديانة ، رووا جميعا :
إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : يا فاطمة ، إنّ اللّه ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك .
وجاء سندل إلى الصادق عليه السلام وسأله عن ذلك ، فقال : يا سندل ، ألستم رويتم فيما تروون : أنّ اللّه - تعالى - يغضب لغضب عبده المؤمن ويرضى لرضاه ؟
قال : بلى .
قال : فما تنكر أن تكون فاطمة عليهاالسلام مؤمنة يغضب لغضبها ويرضى لرضاها .
فقال سندل : « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ »(2) .
قال خطيب منبج :
وكان اللّه يرضى حين ترضى
ويغضب إن غدت في المغضبينا
* * *
ص: 31
تاريخ بغداد ، وكتاب السمعاني ، وأربعين ابن المؤذّن ، ومناقب فاطمة عليهاالسلام عن ابن شاهين بأسانيدهم عن حذيفة وابن مسعود :
قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ فاطمة عليهاالسلام أحصنت فرجها ، فحرّم اللّه ذرّيّتها على النار(1) .
وقال ابن منده : خاصّ الحسن والحسين عليهماالسلام(2) .
ويقال : أي مَن ولدته بنفسها ، وهو المروي عن علي بن موسى بن جعفر عليهم السلام(3) ، والأولى كلّ مؤمن منهم .
سئل الصادق عليه السلام عن معنى « حيّ على خير العمل » .
فقال : خير العمل برّ فاطمة عليهاالسلام وولدها .
وفي خبر آخر : الولاية(4) .
ص: 32
قال الصاحب :
حبّ علي لي أمل
وملجئي من الوجل
إن لم يكن لي من عمل
فحبّه خير العمل(1)
* * *
وفي المحاضرات : روى أبو هريرة : أنّه سجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله بخمس سجدات بلا ركوع ، فقلنا له في ذلك .
فقال : أتاني جبرئيل عليه السلام ، فقال : إنّ اللّه يحبّ عليا عليه السلام ، فسجدت .
فرفعت رأسي ، فقال : إنّ اللّه يحبّ الحسن عليه السلام ، فسجدت .
فرفعت رأسي ، فقال : إنّ اللّه يحبّ الحسين عليه السلام ، فسجدت .
ورفعت رأسي ، ثمّ قال : إنّ اللّه يحبّ فاطمة عليهاالسلام ، فسجدت .
ثمّ قال : إنّ اللّه يحبّ من أحبّهم ، فسجدت(2) .
السمعاني في الرسالة القوامية ، والزعفراني في فضائل الصحابة ، والأشنهي في اعتقاد أهل السنّة ، والعكبري في الإبانة ، وأحمد في الفضائل ، وابن المؤذّن في الأربعين بأسانيدهم عن الشعبي عن أبي جحيفة ، وعن ابن عباس ، والأصبغ عن أبي أيّوب .
ص: 33
وقد روى حفص بن غياث عن القزويني عن عطاء عن أبي هريرة ، كلّهم عن النبي صلى الله عليه و آله قال :
إذا كان يوم القيامة ووقف الخلائق بين يدي اللّه - تعالى - نادى مناد من وراء الحجاب :
أيّها الناس ، غضّوا من أبصاركم ، ونكّسوا من رؤوسكم ، فإنّ فاطمة بنت محمد صلى الله عليه و آله تجوز على الصراط(1) .
وفي حديث أبي أيّوب : فيمرّ معها سبعون جارية من الحور العين كالبرق اللاّمع(2) .
وروى أهل البيت عليهم السلام : أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة عليهاالسلام على ناقة من نوق الجنّة ، مدبّجة(3) الجنبين ، خطامها(4)
ص: 34
من لؤلؤ رطب(1) ، قوائمها من الزمرّد الأخضر ، ذنبها من المسك الأذفر(2) ، عيناها ياقوتتان حمراوان ، عليها قبّة من نور ، يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، داخلها عفو اللّه ، وخارجها رحمة اللّه ، على رأسها تاج من نور ، للتاج سبعون ركنا ، كلّ ركن مرصّع بالدرّ والياقوت يضيء كما يضيء الكوكب الدرّي في أفق السماء ، وعن يمينها سبعون ألف ملك ، وعن شمالها سبعون ألف ملك ، وجبرئيل عليه السلام آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته : غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة عليهاالسلام .
قال : فتسير حتى تحاذي عرش ربّها(3) . . الخبر .
قال البشنوي :
وقف الندا في موضع عبرت
فيه البتول عيونكم غضّوا
فتغضّ والأبصار خاشعة
وعلى بنان الظالم العضّ
تسودّ حينئذٍ وجوه
ووجوه أهل الحقّ تبيضّ
* * *
وقال خطيب منبج :
توافي في النشور على نجيب
به أملاك ربّك محدقونا
ويسمع من خلال العرش صوت
ينادي والخلائق شاخصونا
ص: 35
ألا إنّ البتول تجوز فيكم
فغضّوا من مهابتها العيونا
* * *
وقال أبو الحسين البوشنجي :
قال النبي المصطفى فيما روى
عنه علي وهو نور يقبس
نادى مناد من وراء الحجب في
يوم القيامة والخلائق أركسوا
هاتيك فاطمة سليلة أحمد
تهوى تجوز على الصراط ونكّسوا
* * *
النبي صلى الله عليه و آله في خبر تقدّم أوّله ، قال : فتسير - يعني فاطمة عليهاالسلام - حتى تحاذي عرش ربّها ، وترجع(1) نفسها عن ناقتها وتقول :
إلهي وسيدي ! احكم بيني وبين من ظلمني ، احكم بيني وبين من قتل ولدي .
فإذا النداء من قبل اللّه : يا حبيبتي وابنه حبيبي ، سليني تعطي ، واستشفعي تشفّعي ، فوعزّتي وجلالي ، لا جازني ظلم ظالم .
ص: 36
فتقول : إلهي وسيدي ! ذرّيّتي ، وشيعتي ، وشيعة ذرّيّتي ، ومحبّي ذرّيّتي .
فإذا النداء من قبل اللّه : أين ذرّية فاطمة وشيعتها ومحبّوها ومحبّوا ذرّيتها ؟! فيقبلون(1) ، وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة ، فتقدّمهم فاطمة عليهاالسلام كلّهم حتى تدخلهم الجنّة(2) .
وفي خبر آخر : تحشر فاطمة عليهاالسلام وتخلع عليها الحلل ، وهي آخذة بقميص الحسين عليه السلام ملطّخ بالدم ، وقد تعلّقت بقائم العرش تقول : ربّي احكم بيني وبين قاتل ولدي الحسين ، فيؤخذ لها بحقّها(3) .
قال مسعود بن عبد اللّه القايني :
لابدّ أن ترد القيامة فاطم
وقميصها بدم الحسين ملطّخ
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه
والصور في يوم القيامة ينفخ
* * *
وقال آخر :
حسب الذي قتل الحسين
من الخسارة والندامه
أنّ الشفيع لدى الإله
خصيمه يوم القيامه
* * *
ص: 37
وقال الصاحب :
سوف تأتي الزهراء تلتمس الحكم
إذا حان معشر التعديل
وأبوها وبعلها وبنوها
حولها والخصام غير قليل
وتنادي يا ربّ ذبح أولادي
لماذا وأنت أنت مديلي(1)
فينادي بمالك ألهب الناروأجّج وخذ بأهل الغلول
ويجازى كلّ بما كان منهمن عقاب التخليد والتنكيل(2)
* * *
وقال شاعر آخر :
كأنّي ببنت المصطفى قد تعلّقت
يداها بساق العرش والدمع أذرت(3)
وفي حجرها ثوب الحسين مضرّجاوعنها جميع العالمين بحسرة
تقول أيا عدل اقض بيني وبين منتعدّى على ابني بين قهر وقسوة
أجالوا عليه بالصوارم والقناوكم جال فيهم من سنان وشفرة(4)
ص: 38
فيقضي على قوم إليها تألّبوا(1)
بشرّ عذاب النار من غير فترة
* * *
أبو بكر مردويه في كتاب بالإسناد عن سنان الأوسي :
قال النبي صلى الله عليه و آله : حدّثني جبرئيل عليه السلام أنّ اللّه - تعالى - لمّا زوّج فاطمة عليا عليهماالسلام أمر رضوان ، فأمر شجرة طوبى ، فحملت رقاعا لمحبّي أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله ، ثمّ أمطرها ملائكة من نور بعدد تلك الرقاع ، فأخذ تلك الملائكة الرقاع .
فإذا كان يوم القيامة واستوت بأهلها أهبط اللّه الملائكة بتلك الرقاع ، فإذا لقى ملك من تلك الملائكة رجلاً من محبّي آل بيت محمد صلى الله عليه و آله دفع إليه رقعة براءة من النار(2)(3) .
ص: 39
ص: 40
ص: 41
وجاء في كثير من الكتب منها : كشف الثعلبي ، وفضائل أبي السعادات :
في معنى قوله : « لا يَرَوْنَ فِيها شَمْسا وَلا زَمْهَرِيرا » أنّه قال ابن عباس :
بينا أهل الجنّة في الجنّة بعد ما سكنوا رأوا نورا أضاء الجنان ، فيقول أهل الجنّة : يا ربّ ، إنّك قد قلت في كتابك المنزل على نبيّك المرسل : « لا يَرَوْنَ فِيها شَمْسا » !
فينادي مناد : ليس هذا نور الشمس ، ولا نور القمر ، وإنّ عليا وفاطمة عليهماالسلام تعجّبا من شيء فضحكا ، فأشرقت الجنان من نورهما(1) .
ص: 42
شعبة بن الحجّاج عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في خبر قال :
سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : كنت جالسا ، وإذا نور ضرب وجهي ، فقلت لجبرئيل عليه السلام : ما هذا النور الذي رأيته ؟
قال : يا محمد ، هذا لا نور الشمس ، ولا نور القمر ، ولكن جارية من جواري علي بن أبى طالب اطلعت من قصرها ، فنظرت إليك فضحكت ، فهذا النور خرج من فيها ، وهي تدور في الجنّة إلى أن يدخلها أمير المؤمنين عليه السلام(1) .
قال الحميري :
وأخبرنا الإله بما وقاهم
ولقّاهم هناك من السرور
وأكرمهم لما صبروا جميعا
بجنّات وألوان الحرير
فلا شمسا يرون ولا حميما
ولا غسّاق بين الزمهرير(2)
* * *
وقال العبدي :
أو ليس الإله قال لنا
لا شمس فيها يرى ولا زمهريرا
وإذا بالنداء يا ساكن الجنّة
مهلاً أمنتم التغييرا
ص: 43
ذا علي الوصي داعب(1) مولا
تكم فاطما فأبدت سرورا
فبدا إذ تبسّمت ذلك النورفزادت كرامة وحبورا(2)
* * *
أبو صالح في الأربعين عن أبي حامد الإسفرائيني بإسناده عن أبي هريرة قال :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أوّل شخص يدخل الجنّة فاطمة عليهاالسلام(3) .
ص: 44
ابن بابويه في كتاب مولد فاطمة عليهاالسلام ، والخركوشي في شرف النبي صلى الله عليه و آله ، وابن بطّة في الإبانة عن الكلبي عن جعفر بن محمد عليهماالسلام :
قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : هل تدري لم سمّيت فاطمة ؟
قال علي عليه السلام : لم سمّيت فاطمة يا رسول اللّه ؟
قال : لأنّها فطمت هي وشيعتها من النار(1) .
أبو علي السلامي في تاريخه بإسناده عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي هريرة :
قال علي عليه السلام : إنّما سمّيت فاطمة ، لأنّ اللّه فطم من أحبّها من النار(2) .
ابن شيرويه في الفردوس عن جابر الأنصاري : قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّما سمّيت ابنتي فاطمة ، لأنّ اللّه فطمها وفطم محبّيها عن النار(3) .
ص: 45
الصادق عليه السلام : أتدري أيّ شيء تفسير فاطمة ؟ قلت : أخبرني يا سيدي ، قال : فطمت من الشرّ(1) .
ويقال : إنّها سمّيت فاطمة عليهاالسلام ، لأنّها فطمت عن الطمث(2) .
أبو صالح المؤذّن في الأربعين : سئل رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ما البتول ؟
قال النبي صلى الله عليه و آله : لم تر حمرة قطّ ، ولم تحض ، فإنّ الحيض مكروه على بنات الأنبياء(3) .
وقال صلى الله عليه و آله لعائشة : يا حميراء ، إنّ فاطمة عليهاالسلام ليست كنساء الآدميّين ، لا تعتلّ كما يعتللن(4) .
أبو عبد اللّه عليه السلام قال : حرّم اللّه النساء على علي عليه السلام ما دامت فاطمة عليهاالسلام حيّة ، لأنّها طاهرة لا تحيض(5) .
ص: 46
وقال عبيد الهروي في الغريبين : سمّيت مريم عليهاالسلام بتولاً ، لأنّها بتلت(1) عن الرجال ، وسمّيت فاطمة عليه السلام بتولاً ، لأنّها بتلت عن النظير .
أبو هاشم العسكري : سألت صاحب العسكر عليه السلام لم سمّيت فاطمة عليهاالسلام «الزهراء» ؟
فقال : كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين عليه السلام من أوّل النهار كالشمس الضاحية ، وعند الزوال كالقمر المنير ، وعند الغروب - غروب الشمس - كالكوكب الدرّي .
الحسن بن يزيد قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : لم سمّيت فاطمة عليهاالسلام
«الزهراء» ؟
قال : لأنّ لها في الجنّة قبّة من ياقوتة حمراء ، ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة ، معلّقة بقدرة الجبّار ، لا علاقة لها من فوقها فتمسكها ، ولا دعامة لها من تحتها فتلزمها ، لها مائة ألف باب ، وعلى كلّ باب ألف من الملائكة ، يراها أهل الجنّة كما يرى أحدكم الكوكب الدرّي الزاهر في أفق السماء ، فيقولون : هذه الزهراء لفاطمة عليهاالسلام .
ص: 47
قال منصور الفقيه :
إذا فخرت بنو الإسلام يوما
على من ليس من آل الرسول
قضيت لها كما أقضي عليها
بأنّ خيارها ولد البتول
* * *
وقال الصاحب :
قد قلت قولاً صادقا بيّنا
وليست النفس به آثمه
لكلّ شيء فاضل جوهر
وجوهر الناس بنو فاطمه(1)
* * *
ص: 48
ص: 49
ص: 50
جامع الترمذي ، وإبانة العكبري ، وأخبار فاطمة عليهاالسلام عن أبي علي الصولي ، وتاريخ خراسان عن السلامي مسندا :
إنّ جميعا التيمي قال : دخلت مع عمّتي على عائشة ، فقالت لها عمّتي : ما حملك على الخروج على علي عليه السلام ؟
فقالت عائشة : دعينا ، فواللّه ما كان أحد من الرجال أحبّ إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله من علي عليه السلام ، ولا من النساء أحبّ إليه من فاطمة عليهاالسلام(1) .
فضائل العشرة عن أبي السعادات ، وفضائل الصحابة عن السمعاني ، وفي روايات عن شريك ، والأعمش ، وكثير النوا ، وابن الحجّام ، كلّهم عن جميع بن عمير عن عائشة ، وعن أسامة عن النبي صلى الله عليه و آله .
وروى عن عبد اللّه بن عطاء عن عبد اللّه بن بريدة عن أبيه قال :
سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أيّ النساء أحبّ إليك ؟
قال : فاطمة .
ص: 51
قلت : من الرجال ؟ قال : زوجها(1) .
جامع الترمذي : قال بريدة : كان أحبّ النساء إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فاطمة عليهاالسلام ، ومن الرجال علي عليه السلام(2) .
قوت القلوب عن أبي طالب المكّي ، والأربعين عن أبي صالح المؤذّن ، وفضائل الصحابة عن أحمد بالإسناد عن سفيان ، وعن الأعمش عن أبي الجحّاف عن جميع عن عائشة :
أنّه قال علي عليه السلام للنبي صلى الله عليه و آله - لمّا جلس بينه وبين فاطمة عليهاالسلام وهما مضطجعان - : أيّنا أحبّ إليك ، أنا أو هي ؟
فقال صلى الله عليه و آله : هي أحبّ إليّ ، وأنت أعزّ عليّ منها(3) .
ص: 52
وفي خبر عن جابر بن عبد اللّه : أنّه افتخر علي وفاطمة عليهماالسلامبفضائلهما ، فأخبر جبرئيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه و آله أنّهما قد أطالا الخصومة !! في محبّتك فاحكم بينهما .
فدخل وقصّ عليهما مقالتهما ، ثمّ أقبل على فاطمة عليهاالسلام وقال : لك حلاوة الولد ، وله عزّ الرجال ، وهو أحبّ إليّ منك !
فقالت فاطمة عليهاالسلام : والذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى بك الأمّة ، لا زلت مقرّة له ما عشت .
حلية الأولياء في خبر عن كعب بن عجزة : أنّ المهاجرين والأنصار وبني هاشم اختصموا في رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أيّنا أولى به وأحبّ إليه ؟!
فقال : أما أنتم يا معشر الأنصار ، فإنّما أنا أخوكم ، فقالوا : اللّه أكبر ، ذهبنا به وربّ الكعبة .
وأمّا أنتم يا معشر المهاجرين ، فإنّما أنا منكم ، فقالوا : اللّه أكبر ، ذهبنا به وربّ الكعبة .
وأمّا أنتم يا بني هاشم ، فأنتم منّي وإليّ .
فقمنا وكلّنا راض مغتبط برسول اللّه صلى الله عليه و آله(1) .
ص: 53
عامر الشعبي ، والحسن البصري ، وسفيان الثوري ، ومجاهد ، وابن جبير ، وجابر الأنصاري ، ومحمد الباقر عليه السلام ، وجعفر الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال :
إنّما فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها فقد أغضبني(1) .
أخرجه البخاري عن المسور بن مخزمة .
وفي رواية جابر : فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى اللّه (2) .
وفي مسلم والحلية : إنّما فاطمة ابنتي بضعة منّي يريبني ما أرابها(3) ، ويؤذيني ما آذاها(4) .
سعدبن أبي وقّاص : سمعت النبي صلى الله عليه و آله
يقول : فاطمة بضعة منّي من سرّها
ص: 54
فقد سرّني ، ومن ساءها فقد ساءني ، فاطمة أعزّ البريّة عليّ(1) .
مستدرك الحاكم عن أبي سهل بن زياد عن إسماعيل ، وحلية أبي نعيم عن الزهري وابن أبي مليكة ، والمسور بن مخزمة :
أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : إنّما فاطمة شجنة(2) منّي ، يقبضني ما يقبضها ، ويبسطني ما يبسطها(3) .
وجاء سهل بن عبد اللّه إلى عمر بن عبد العزيز فقال : إنّ قومك يقولون : إنّك تؤثر عليهم ولد فاطمة عليهاالسلام !
فقال عمر : سمعت الثّقة من الصحابة أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : فاطمة بضعة منّي يرضيني ما أرضاها ، ويسخطني ما أسخطها ، فواللّه إنّي لحقيق أن أطلب رضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ورضاه ، ورضاها في رضى ولدها(4) .
ص: 55
وقد علموا أنّ النبي يسرّه
مسرّتها جدّا ويشني(1) اغتمامها(2)
* * *
قوله صلى الله عليه و آله هذا يدلّ على عصمتها ، لأنّها لو كانت ممّن تقارف الذنوب لم يكن مؤذيها مؤذيا له صلى الله عليه و آله على كلّ حال ، بل كان من فعل المستحقّ من ذمّها وإقامة الحدّ إن كان الفعل يقتضيه سارّا له ومطيعا(3) .
ص: 56
أبو ثعلبة الخشني قال : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا قدم من سفره يدخل على فاطمة عليهاالسلام ، فدخل عليها ، فقامت إليه واعتنقته وقبّلت بين عينيه .
الأربعين : عن ابن المؤذّن بإسناده عن النضر بن شميل عن ميسرة عن المنهال عن عائشة بنت طلحة عن عائشة بنت أبي بكر .
وفي فضائل السمعاني بإسناده عن عكرمة قالا : كان النبي صلى الله عليه و آله إذا قدم من مغازيه قبّل فاطمة عليهاالسلام(1) .
ورووا عن عائشة : أنّ فاطمة عليهاالسلام كانت إذا دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله قام لها من مجلسه ، وقبّل رأسها(2) ، وأجلسها مجلسه ، وإذا جاء إليها لقيته وقبّل كلّ واحد منهما صاحبه وجلسا معا(3) .
ص: 57
أبو السعادات في فضائل العشرة ، وابن المؤذّن في الأربعين بالإسناد عن عكرمة عن ابن عباس ، وعن أبي ثعلبة الخشني ، وعن نافع عن ابن عمر قالوا :
كان النبي صلى الله عليه و آله إذا أراد سفرا كان آخر الناس عهدا بفاطمة عليهاالسلام ، وإذا قدم كان أوّل الناس عهدا بفاطمة عليهاالسلام(1) .
ولو لم يكن لها عند اللّه - تعالى - فضل عظيم لم يكن رسول اللّه صلى الله عليه و آله يفعل معها ذلك ، إذ كانت ولده ، وقد أمر اللّه بتعظيم الولد للوالد ، ولا يجوز أن يفعل معها ذلك وهو بضدّ ما أمر به أمّته عن اللّه تعالى .
أبو سعيد الخدري قال : كانت فاطمة عليهاالسلام من أعزّ الناس على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فدخل عليها يوما وهي تصلّي .
فسمعت كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله في رحلها ، فقطعت صلاتها ، وخرجت من المصلّى ، فسلّمت عليه ، فمسح يده على رأسها وقال : يا بنيّة ، كيف أمسيت رحمك اللّه ، عشّينا غفر اللّه لك ، وقد فعل(2) . . .
ص: 58
أخبار فاطمة عليهاالسلام عن أبي الصولي : قال عبد اللّه بن الحسن عليه السلام : دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله على فاطمة عليهاالسلام ، فقدّمت له كسرة يابسة من خبز شعير ، فأفطر عليها ، ثمّ قال : يا بنيّة ، هذا أوّل خبز أكل أبوك منذ ثلاثة أيّام(1) .
فجعلت فاطمة عليهاالسلام تبكي ورسول اللّه صلى الله عليه و آله يمسح وجهها بيده .
أبو صالح المؤذّن في الأربعين بالإسناد عن شعبة عن عمرو بن مرّة عن إبراهيم عن مسروق عن ابن مسعود قال :
سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إنّ اللّه - تعالى - لمّا أمرني أن أزوّج فاطمة من علي عليهماالسلام ففعلت ، فقال لي جبرئيل عليه السلام :
إنّ اللّه بنى جنّة من لؤلؤة ، بين كلّ قصبة إلى قصبة لؤلؤة من ياقوت مشذّرة بالذهب ، وجعل سقوفها زبرجدا أخضر ، وجعل فيها طاقات من لؤلؤ مكلّلة بالياقوت .
ثمّ جعل غرفا ، لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة ، ولبنة من درّ ، ولبنة من ياقوت ، ولبنة من زبرجد .
ثمّ جعل فيها عيونا تنبع من نواحيها ، وحفّ بالأنهار ، وجعل على الأنهار قبابا من درّ قد شعّبت(2) بسلاسل الذهب ، وحفّت بأنواع الشجر .
ص: 59
وبنى في كلّ قصر(1) [ قبّة ] ، وجعل في كلّ قبّة أريكة من درّة بيضاء ، غشاؤها السندس والإستبرق ، وفرش أرضها بالزعفران ، وفتق بالمسك والعنبر ، وجعل في كلّ قبّة حوراء .
والقبّة لها مائة باب ، على كلّ باب جاريتان وشجرتان ، في كلّ قبّة مفرش وكتاب مكتوب حول القباب « آية الكرسي » .
فقلت : يا جبرئيل ، لمن بنى اللّه هذه الجنّة ؟
قال : بناها لعلي بن أبي طالب وفاطمة عليهماالسلام ابنتك سوى جنانهما ، تحفة أتحفهما اللّه ، ولتقرّ بذلك عينك يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله(2) .
ابن عبد ربّه الأندلسي في العقد عن عبد اللّه بن الزبير في خبر عن معاوية بن أبي سفيان قال :
دخل الحسن بن علي عليهماالسلام على جدّه صلى الله عليه و آله وهو يتعثّر بذيله ، فأسرّ إلى النبي صلى الله عليه و آله سرّا ، فرأيته تغيّر لونه .
ثمّ قام النبي صلى الله عليه و آله حتى أتى فاطمة عليهاالسلام ، فأخذ بيدها ، فهزّها إليه هزّا
قويّا ، ثمّ قال : يا فاطمة ، إيّاك وغضب علي عليه السلام !!! فإنّ اللّه يغضب لغضبه ويرضى لرضاه .
ص: 60
ثمّ جاء علي عليه السلام ، فأخذ النبي صلى الله عليه و آله بيده ، ثمّ هزّها إليه هزّا خفيفا ، ثمّ قال : يا أبا الحسن ، إيّاك وغضب فاطمة !!! فإنّ الملائكة تغضب لغضبها وترضى لرضاها .
فقلت : يا رسول اللّه ، مضيت مذعورا وقد رجعت مسرورا ! فقال : يا معاوية ، كيف لا أسرّ وقد أصلحت بين إثنين هما أكرم الخلق(1) .
ص: 61
وفي رواية عبد اللّه بن الحارث ، وخبيب بن ثابت ، وعلي بن إبراهيم :
.. إثنين أحبّ من في الأرض إليّ .
قال ابن بابويه : هذا غير معتمد ، لأنّهما منزّهان عن أن يحتاجا أن يصلح بينهما رسول اللّه صلى الله عليه و آله(1) .
الباقر والصادق عليهماالسلام : أنّه كان صلى الله عليه و آله لا ينام حتى يقبّل عرض وجه فاطمة عليهاالسلام ، ويضع وجهه بين ثديي فاطمة عليهاالسلام ويدعو لها(2) .
وفي رواية : حتى يقبّل عرض وجنة فاطمة عليهاالسلام ، أو بين ثدييها(3) .
أبو بكر محمد بن عبد اللّه الشافعي ، وابن شهاب الزهري ، وابن المسيّب كلّهم عن سعد بن أبي وقّاص .
ص: 62
وأبو معاذ النحوي المروزي ، وأبو قتادة الحرّاني عن سفيان الثوري عن هاشم بن عروة عن أبيه عن عائشة .
والخركوشي في شرف النبي صلى الله عليه و آله ، والأشنهي في الاعتقاد ، والسمعاني في الرسالة ، وأبو صالح المؤذّن في الأربعين ، وابن السعادات في الفضائل .
ومن أصحابنا : أبو عبيدة الحذّاء وغيره عن الصادق عليه السلام :
أنّه كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يكثر تقبيل فاطمة عليهاالسلام ، فأنكرت عليه بعض نسائه ، فقال صلى الله عليه و آله : إنّه لمّا عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل عليه السلام ،
فأدخلني الجنّة ، فناولني من رطبها فأكلتها - وفي رواية : فناولني منها تفّاحة فأكلتها - فتحوّل ذلك نطفة في صلبي ، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة عليهاالسلام ، فحملت بفاطمة عليهاالسلام ، ففاطمة عليهاالسلام حوراء إنسيّة .
فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتي(1) .
ودخل النبي صلى الله عليه و آله على فاطمة عليهاالسلام فرآها منزعجة، فقال لها: ما
لك ؟ قالت : الحميراء افتخرت على أمّي أنّها لم تعرف رجلاً قبلك! وأنّ أمّي عرفتها مسنّة !
فقال صلى الله عليه و آله : إنّ بطن أمّك كان للإمامة وعاء(2) .
ص: 63
ابن عبد ربّه في العقد : أنّ المهدي رأى في منامه شريكا القاضي مصروفا وجهه عنه ، فلمّا انتبه قصّ رؤياه على الربيع .
فقال : إنّ شريكا مخالف لك ، وإنّه فاطمي محضا .
قال المهدي : عليّ بشريك ، فأتى به .
فلمّا دخل عليه قال : بلغني أنّك فاطمي ؟
قال: أعيذك باللّه أن تكون غير فاطمي ، إلاّ أن تعني فاطمة بنت كسرى .
قال : لا ، ولكن أعني فاطمة بنت محمد صلى الله عليه و آله .
قال : فتلعنها ؟
قال ، لا ، معاذ اللّه .
قال : فما تقول فيمن يلعنها ؟
قال : عليه لعنة اللّه .
قال : فالعن هذا - يعني الربيع - .
قال : لا - واللّه - ما ألعنها يا أمير المؤمنين .
قال له شريك : يا ماجن ، فما ذكرك لسيدة نساء العالمين عليهاالسلام وابنة سيّد المرسلين صلى الله عليه و آله في مجالس الرجال ؟
قال المهدي : فما وجه المنام ؟
قال : إنّ رؤياك ليست برؤيا يوسف عليه السلام ، وإنّ الدماء لا تستحلّ بالأحلام(1) .
ص: 64
وأتي برجل شتم فاطمة عليهاالسلام إلى الفضل بن الربيع ، فقال لابن غانم : انظر في أمره ما تقول .
قال : يجب عليه الحدّ .
قال له الفضل : هي ذا أمّك إن حددته ، فأمر بأن يضرب ألف سوط ويصلب في الطريق(1) .
قال ابن الحجّاج في ردّه على مروان بن أبي حفصة :
أكان قولك في الزهراء فاطمة
قول امرئ لهج بالنصب مفتون
عيّرتها بالرحى والحبّ تطحنه
لا زال زادك حبّا غير مطحون
وقلت إنّ رسول اللّه زوّجها
مسكينة بنت مسكين لمسكين
ستّ النساء غدا في الحشر يخدمها
أهل الجنان بحور الحرّ والعين
* * *
ص: 65
وقال آخر :
بني الضلالة دسّوا
رؤوسكم في التراب
بني الضلالة أنتم
أهل الخنا والمعاب
هجرتم آل طه
والحشر والأحزاب
هجرتم من أبوها
شفيع يوم الحساب
وزوجها أوّل الناس
من قام في المحراب
* * *
ص: 66
ص: 67
ص: 68
في الإحياء : أنّه قرأ ابن عباس : « وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ »
ولا نبي ولا محدّث(1) .
سليم قال : سمعت محمد بن أبي بكر قرأ : « وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ » ولا نبي ولا محدّث .
قلت : وهل تحدّث الملائكة إلاّ الأنبياء ؟
قال : مريم ، ولم تكن نبية وكانت محدّثة ، وأمّ موسى عليه السلام ، ولم تكن نبية وكانت محدّثة ، وسارة وقد عاينت الملائكة فبشّروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب عليهماالسلام، ولم تكن نبيّة، وفاطمة عليهاالسلام كانت محدّثة ولم تكن نبيّة(2).
وقد ذكر سعد القمّي في بصائر الدرجات ، ومحمد بن يعقوب الكليني في الكافي بابا في ذلك ، منها :
قال أبو عبد اللّه عليه السلام : الرسول الذي يظهر له الملك فيكلّمه ، والنبي الذي يؤتى في منامه ، وربما اجتمعت النبوّة والرسالة لواحد ، والمحدّث الذي يسمع الصوت ولا يرى الصورة(3) .
ص: 69
سهل بن أبي صالح عن ابن عباس : أنّه أغمي على النبي صلى الله عليه و آله في مرضه فدقّ بابه ، فقالت فاطمة عليهاالسلام : من ذا ؟
قال: أنا رجل غريب أتيت أسأل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أتأذنون لي في الدخول عليه ؟
فأجابت عليهاالسلام : امض - رحمك اللّه - لحاجتك ، فرسول اللّه صلى الله عليه و آله عنك مشغول .
فمضى ثمّ رجع ، فدقّ الباب وقال : غريب يستأذن على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أتأذنون للغرباء ؟
فأفاق رسول اللّه صلى الله عليه و آله من غشيته ، فقال : يا فاطمة ، أتدرين من هذا ؟
قالت : لا يا رسول اللّه .
قال : هذا مفرّق الجماعات ، ومنغّص اللّذات ، هذا ملك الموت ، ما استأذن - واللّه - على أحد قبلي ، ولا يستأذن لأحد من بعدي ، استأذن عليّ لكرامتي على اللّه ، ائذني له ، فقالت : ادخل رحمك اللّه .
فدخل كريحٍ هفّافة(1) ، وقال : السلام على أهل بيت رسول اللّه ، فأوصى النبي صلى الله عليه و آله إلى علي عليه السلام بالصبر عن الدنيا ، وبحفظ فاطمة عليهاالسلام ، وبجمع القرآن ، وبقضاء دينه ، وبغسله ، وأن يعمل حول قبره حائطا ، ويحفظ الحسن والحسين عليهماالسلام .
ص: 70
أبو عبيدة عن الصادق عليه السلام قال : بكت فاطمة عليهاالسلام على أبيها خمسة وسبعين يوما(1) ، وكان جبرئيل عليه السلام يأتيها ويخبرها بحال أبيها ، ويعزّيها ، ويخبرها بالحوادث بعدها ، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك(2) .
وهذا كقوله تعالى : « فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاّ تَحْزَنِي » .
ص: 71
أبو علي الصولي في أخبار فاطمة عليهاالسلام ، وأبو السعادات في فضائل العشرة عن أبي ذر الغفاري قال :
بعثني النبي صلى الله عليه و آله أدعو عليا ، فأتيت بيته وناديته ، فلم يجبني ، فأخبرت النبي صلى الله عليه و آله ، فقال : عد إليه ، فإنّه في البيت .
فأتيت ودخلت عليه ، فرأيت الرحى تطحن ولا أحد عندها ، فقلت لعلي عليه السلام : إنّ النبي صلى الله عليه و آله يدعوك ، فخرج متوشّحا حتى أتى النبي صلى الله عليه و آله .
فأخبرت النبي صلى الله عليه و آله بما رأيت ، فقال : يا أبا ذر ، لا تعجب فإنّ للّه ملائكة سيّاحون في الأرض موكّلون بمعونة آل محمد صلى الله عليه و آله(1) .
الحسن البصري ، وابن إسحاق عن عمّار وميمونة أنّ كليهما قالا :
وجدت فاطمة عليهاالسلام نائمة والرحى تدور ، فأخبرت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بذلك .
فقال صلى الله عليه و آله: إنّ اللّه علم ضعف أمته، فأوحى إلى الرحى أن تدور فدارت(2).
وقد رواه أبو القاسم البستي في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام ، وأبو صالح المؤذّن في الأربعين عن الشعبي بإسناده عن ميمونة ، وابن فيّاض في شرح الأخبار(3) .
ص: 72
وروي : أنّها عليهاالسلام ربما اشتغلت بصلاتها وعبادتها ، فربما بكى ولدها فرؤي المهد يتحرّك ، وكان ملك يحرّكه .
محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام قال : بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آلهسلمانا إلى فاطمة عليهاالسلام .
قال : فوقفت بالباب وقفة حتى سلّمت ، فسمعت فاطمة عليهاالسلام تقرأ القرآن من جوّا ، وتدور الرحى من برّا ما عندها أنيس .
وقال في آخر الخبر : فتبسّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : يا سلمان ، ابنتي فاطمة ملأ اللّه قلبها وجوارحها إيمانا إلى مشاشها ، تفرّغت لطاعة اللّه ، فبعث اللّه ملكا اسمه « زوقابيل »(1) - وفي خبر آخر : جبرئيل عليه السلام - فأدار لها الرحى ، وكفاها اللّه مؤنة الدنيا مع مؤنة الآخرة(2) .
قال ابن حمّاد :
وقالت أم أيمن جئت يوما
إلى الزهراء في وقت الهجير
فلمّا أن دنوت سمعت صوتا
وطحنا في الرحاء مع الهدير
فجئت الباب أقرعه مليّا
فما من سامع أو من مجير
إذ الزهراء نائمة سكوت
وطحن للرحاء بلا مدير
فجئت المصطفى فقصصت شأني
وما عاينت من أمر ذعور
فقال المصطفى شكرا لربّي
بإتمام الحباء لها جدير
ص: 73
رآها اللّه متعبة فألقى
عليها النوم ذو المنّ الكبير
ووكّل بالرحى ملكا مديرا
فعدت وقد ملئت من السرور
* * *
علي بن معمّر قال : خرجت أم أيمن إلى مكّة لمّا توفّيت فاطمة عليهاالسلام ، وقالت : لا أرى المدينة بعدها ، فأصابها عطش شديد في الجحفة حتى خافت على نفسها .
قال : فكسرت عينيها نحو السماء ، ثمّ قالت : يا ربّ ! أتعطشني وأنا خادمة بنت نبيّك صلى الله عليه و آله ؟!
قال : فنزل إليها دلو من ماء الجنّة ، فشربت ، ولم تجع ، ولم تطعم سنين(1) .
مالك بن دينار : رأيت في مودّع الحجّ امرأة ضعيفة على دابّة نحيفة ، والناس ينصحونها لتنكص .
فلمّا توسّطنا البادية كلّت دابتها ، فعذلتها في إتيانها .
ص: 74
فرفعت رأسها إلى السماء وقالت : لا في بيتي تركتني ، ولا إلى بيتك حملتني ، فوعزّتك وجلالك ، لو فعل بي هذا غيرك لما شكوته إلاّ إليك .
فإذا شخص أتاها من الفيفاء ، وفي يده زمام ناقة ، فقال لها : اركبي ، فركبت وسارت الناقة كالبرق الخاطف .
فلمّا بلغت المطاف رأيتها تطوف ، فحلّفتها : من أنت ؟
فقالت : أنا شهرة بنت مسكة بنت فضة خادمة الزهراء عليهاالسلام .
الثعلبي في تفسيره ، وابن المؤذّن في الأربعين بإسنادهما عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللّه :
أنّ النبي صلى الله عليه و آله أقام أيّاما لم يطعم طعاما ، وجاء إلى منازل أزواجه فلم يصب شيئا ، فجاء إلى فاطمة عليهاالسلام . . - القصّة بطولها - .
فإذا جفنة تفور فيها طعام ، فقال : « أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ » .
فقال النبي صلى الله عليه و آله : الحمد اللّه الذي لم يمتني حتى رأيت في ابنتي ما رآه زكريّا لمريم ، كان إذا « دَخَلَ عَلَيْها » « وَجَدَ عِنْدَها رِزْقا » ، فيقول لها : يا مريم ، « أَنّى لَكِ هذا » ؟ فتقول : « هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ »(1) .
ص: 75
ورهنت عليهاالسلام كسوة لها عند امرأة زيد اليهودي في المدينة واستقرضت الشعير .
فلمّا دخل زيد داره قال : ما هذه الأنوار في دارنا !
قالت : لكسوة فاطمة عليهاالسلام .
فأسلم في الحال ، وأسلمت امرأته وجيرانه ، حتى أسلم ثمانون نفسا(1)(2) .
وسألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله خاتما ، فقال: ألا أعلّمك ما هو خير من الخاتم؟ إذا صلّيت صلاة الليل فاطلبي من اللّه - عزّ وجلّ - خاتما، فإنّك تنالين حاجتك.
ص: 76
قالت : فدعت ربّها - تعالى - فإذا بهاتف يهتف : يا فاطمة، الذي طلبت منّي تحت المصلّى ، فرفعت المصلّى ، فإذا الخاتم ياقوت لا قيمة له ، فجعلته في أصبعها وفرحت .
فلمّا نامت في ليلتها رأت في منامها كأنّها في الجنّة ، فرأت ثلاثة قصور لم تر في الجنّة مثلها ، قالت : لمن هذه القصور ؟ قالوا : لفاطمة بنت محمد صلى الله عليه و آله .
قالت : فكأنّها دخلت قصرا من ذلك ، ودارت فيه ، فرأت سريرا قد مال على ثلاث قوائم ، فقالت : ما لهذا السرير قد مال على ثلاثة ؟
قالوا : لأنّ صاحبته طلبت من اللّه - تعالى - خاتما ، فنزع أحد القوائم وصيغ لها خاتم ، وبقي السرير على ثلاث قوائم .
فلمّا أصبحت دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقصّت القصّة ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : معاشر آل عبد المطّلب ، ليس لكم الدنيا إنّما لكم الآخرة ، وميعادكم الجنّة ، ما تصنعون بالدنيا ، فإنّها زائلة غرّارة .
فأمرها النبي صلى الله عليه و آله أن تردّ الخاتم تحت المصلّى ، فردّت ثمّ نامت على المصلّى ، فرأت في المنام أنّها دخلت الجنّة ، فدخلت ذلك القصر ، ورأت السرير على أربع قوائم ، فسألت عن حاله ، فقالوا : ردّت الخاتم ورجع السرير إلى هيئته !!!!!
أبو جعفر الطوسي في اختيار الرجال عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وعن سلمان الفارسي :
ص: 77
أنّه لمّا استخرج أمير المؤمنين عليه السلام خرجت فاطمة عليهاالسلام حتى انتهت إلى القبر ، فقالت : خلّوا عن ابن عمّي ، فواللّه الذي بعث محمدا صلى الله عليه و آله بالحقّ لئن لم تخلّوا عنه لأنشرنّ شعري ، ولأضعنّ قميص رسول اللّه صلى الله عليه و آله على رأسي ، ولأصرخنّ إلى اللّه - تعالى - ، فما ناقة صالح بأكرم على اللّه من ولدي .
قال سلمان : فرأيت - واللّه - أساس حيطان المسجد تقلّعت من أسفلها حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ .
فدنوت منها وقلت : يا سيدتي ومولاتي ، إنّ اللّه - تبارك وتعالى - بعث إباك رحمة ، فلا تكوني نقمة !
فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها ، فدخلت في خياشيمنا(1) .
المفضّل بن عمر عن الصادق عليه السلام في خبر : أنّ خديجة عليهاالسلام لمّا تزوج بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله هجرها نساء مكّة ، فاستوحشت لذلك .
فلمّا حملت بفاطمة عليهاالسلام كانت فاطمة عليهاالسلام تحدّثها من بطنها ، فسمع ذلك يوما رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : يا خديجة ، هذا جبرئيل يبشّرني أنّها ابنتي ، وأنّها النسمة الطاهرة الميمونة ، وأنّ اللّه سيجعل نسلي منها .
ص: 78
قال : فلمّا حضرت ولادتها اغتمّت ، فدخل عليها أربع نسوة سمر طوال ، فقالت إحداهنّ : لا تحزني - يا خديجة - فإنّا رسل ربّك ، ونحن أخواتك ، وأنا سارة ، وهذه آسية ، وهذه مريم ، وهذه كلثم أخت موسى عليه السلام .
فجلسن عندها ، فوضعت فاطمة عليهاالسلام طاهرة ، فأشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكّة .
ودخل عشر من الحور العين معهنّ الأباريق والطاس ، وفي الأباريق ماء من الكوثر ، فغسلنها به ، ولففنها في خرقتين بيضاوين أشدّ بياضا من اللبن ، وأطيب ريحا من المسك .
فنطقت فاطمة عليهاالسلام وقالت : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ أبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله سيّد الأنبياء ، وأنّ بعلي عليه السلام سيّد الأوصياء ، وولدي سادة الأسباط .
ثم سلّمت عليهن ، وسمّت كلّ واحدة باسمها ، وتباشرت الحور العين ،
فقلن : خذيها - يا خديجة - طاهرة مطهّرة زكيّة ميمونة ، بورك فيها وفي نسلها .
فكانت تنمو في اليوم كما ينمى الصبي في الشهر(1) .
قال ابن حمّاد :
زوّجه بفاطم
بأمر ربّ العالم
على اغترام الراغم
أبرى إلى اللّه أنا
واللّه لم يرض لها
في الخلق إلاّ شكلها
ص: 79
ومن يضاهي فعلها
وهو علي ذو الحجى
طيّبة لطيب
تفرّغا لمنصب
مطهّر مهذّب
قد شرّفا على الورى
* * *
ص: 80
ص: 81
ص: 82
حلية أبي نعيم ، ومسند أبى يعلى :
قالت عائشة : ما رأيت أحدا أصدق من فاطمة عليهاالسلام غير أبيها .
ورويا : أنّه كان بينهما شيء ، فقالت عائشة : يا رسول اللّه ، سلها فإنّها لا تكذب .
وقد روى الحديثين عطاء وعمرو بن دينار(1)(2) .
الحسن البصري : ما كان في هذه الأمّة أعبد من فاطمة عليهاالسلام ، كانت تقوم حتى تورّم قدماها(3) .
ص: 83
ص: 85
عمرو بن دينار عن الباقر عليه السلام قال : ما رؤيت فاطمة ضاحكة قطّ منذ قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى قبضت(1) .
وفي الحلية : الأوزاعي عن الزهري قال : لقد طحنت فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى مجلت(2) يداها ، وطبت(3) الرحى في يدها(4) .
وفي الصحيحين : أنّ عليا عليه السلام قال : اشتكي ممّا أندى بالقرب ، فقالت فاطمة عليهاالسلام : واللّه إنّي اشتكي يدي ممّا أطحن بالرحى .
وكان عند النبي صلى الله عليه و آله أسارى ، فأمرها أن تطلب من النبي صلى الله عليه و آله خادما ، فدخلت على النبي صلى الله عليه و آله وسلّمت عليه ورجعت .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ما لك ؟ قالت : واللّه ، ما استطعت أن أكلّم رسول اللّه من هيبته .
فانطلق علي عليه السلام معها إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فقال لهما : جاءت بكما حاجة ؟
فقال علي عليه السلام مجاراتهما(5) .
ص: 86
فقال : لا ، ولكنّي أبيعهم وأنفق أثمانهم على أهل الصفّة ! وعلّمها تسبيح الزهراء عليهاالسلام(1) .
كتاب الشيرازي : أنّها لمّا ذكرت حالها وسألت جارية بكى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : يا فاطمة ، والذي بعثني بالحقّ ، إنّ في المسجد أربعمائة رجل ما لهم طعام ولا ثياب ، ولولا خشيتي خصلة لأعطيك ما سألت ، يا فاطمة ، إنّي لا أريد أن ينفكّ عنك أجرك إلى الجارية ، وإنّي أخاف أن يخصمك علي بن أبي طالب يوم القيامة بين يدي اللّه - عزّ وجلّ - إذا طلب حقّه منك ! ثمّ علّمها صلاة التسبيح .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : مضيت تريدين من رسول اللّه صلى الله عليه و آله الدنيا !! فأعطانا اللّه ثواب الآخرة .
قال أبو هريرة : فلمّا خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله من عند فاطمة عليهاالسلام أنزل اللّه على رسوله : « وَإِمّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها » يعني عن قرابتك وابنتك فاطمة عليهاالسلام « ابْتِغاءَ » ، يعني طلب « رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ » ، يعني رزقا من ربّك « تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورا » يعني قولاً حسنا .
فلمّا نزلت هذه الآية أنفذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله جارية إليها للخدمة ، وسمّاها « فضّة » .
تفسير الثعلبي عن جعفر بن محمد عليهماالسلام ، وتفسير القشيري عن جابر
ص: 87
الأنصاري : أنّه رأى النبي صلى الله عليه و آله فاطمة عليهاالسلام وعليها كساء من أجلّة الإبل ، وهي تطحن بيديها ، وترضع ولدها ، فدمعت عينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : يا بنتاه ، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة .
فقالت عليهاالسلام : يا رسول اللّه ، الحمد اللّه على نعمائه ، والشكر للّه على آلائه ، فأنزل اللّه : « وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى »(1) .
أبو منصور الكاتب في كتاب الروح والريحان عن أبي ذر في خبر :
إنّ فاطمة عليهاالسلام رأت رأس علي عليه السلام في حجر جارية أهداها جعفر مع أربعة آلاف درهم إليه ، فقالت : أتأذن لي أن أصير إلى منزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : قد أذنت لك .
فدخلت فاطمة عليهاالسلام ، فقال لها رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا بنيّة ، جئت تشكين عليا !
فقالت : إي وربّ الكعبة !
فقال : ارجعي إلى علي وقولي : رغم أنفي لرضاك - ثلاثا - .
فلمّا رجعت وذكرت ذلك قال : يا فاطمة ، شكوتيني إلى خليلي وحبيبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أشهد اللّه - يا فاطمة - إنّ الجارية حرّة لوجه اللّه ، وأنّ الأربعة آلاف درهم صدقة على فقراء المسلمين .
ص: 88
ثمّ لبس وانتعل وأراد النبي صلى الله عليه و آله ، فهبط جبرئيل عليه السلام مرّة أخرى وقال : يا محمد ، إنّ اللّه يقرؤك السلام ويقول لك : قل لعلي : إنّي أعطيتك الجنّة بعتقك الجارية لرضى فاطمة ، والتصدّق بأربعة آلاف درهم ، فأدخل الجنّة برحمتي من شئت ، وأخرج من النار بعفوي من شئت .
فعندها قال أمير المؤمنين عليه السلام : أنا قسيم الجنّة والنار(1) .
ابن شاهين في مناقب فاطمة عليهاالسلام ، وأحمد في مسند الأنصار بإسنادهما عن أبي هريرة وثوبان أنّهما قالا :
كان النبي صلى الله عليه و آله يبدأ في سفره بفاطمة عليهاالسلام ويختم بها ، فجعلت وقتا سترا من كساء خيبرية لقدوم أبيها وزوجها .
فلمّا رآه النبي صلى الله عليه و آله تجاوز عنها ، وقد عرف الغضب(2) في وجهه حتى جلس عند المنبر ، فنزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها(3) ، ونزعت الستر ،
ص: 89
فبعثت به إلى أبيها وقالت : اجعل هذا في سبيل اللّه .
فلمّا أتاه قال صلى الله عليه و آله : قد فعلت فداها أبوها - ثلاث مرّات - ، ما لآل محمد وللدنيا ، فإنّهم خلقوا للآخرة ، وخلقت الدنيا لغيرهم(1) .
وفي رواية أحمد : فإنّ هؤلاء أهل بيتي ، ولا أحبّ أن يأكلوا طيّباتهم في حياتهم الدنيا(2) .
أبو صالح المؤذّن في كتابه بالإسناد عن علي عليه السلام : أنّ النبي صلى الله عليه و آله دخل على ابنته فاطمة عليهاالسلام فإذا في عنقها قلادة ، فأعرض عنها ، فقطعتها فرمت بها ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنت منّي يا فاطمة ، ثمّ جاءها سائل فناولته القلادة(3) .
وفي مسند الرضا عليه السلام أنّه قال : لا يغرّنّك الناس أن يقولوا بنت محمد صلى الله عليه و آله
وعليك لبس الجبابرة !!!
فقطعتها وباعتها ، واشترت بها رقبة فأعتقتها ، فسرّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بذلك(4) .
ص: 90
أبو القاسم القشيري في كتابه قال بعضهم : انقطعت في البادية عن القافلة ، فوجدت امرأة ، فقلت لها : من أنت ؟
فقالت : « قُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ » ، فسلّمت عليها .
فقلت : ما تصنعين ها هنا ؟
قالت : « مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ »(1) .
فقلت : أمن الجنّ أنت أم من الإنس ؟
قالت : « يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ » .
فقلت : من أين أقبلت ؟
قالت : « يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ » .
فقلت : أين تقصدين ؟
قالت : « وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ » .
فقلت : متى انقطعت ؟
قالت : « وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالأَْرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيّامٍ » .
فقلت : أتشتهين طعاما ؟
فقالت : « وَما جَعَلْناهُمْ جَسَدا لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ » فأطعمتها .
ثمّ قلت : هرولي وتعجّلي .
قالت : « لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسا إِلاّ وُسْعَها » .
ص: 91
فقلت : أردفك ؟
فقالت : « لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا » .
فنزلت فأركبتها .
فقالت : « سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا » .
فلمّا أدركنا القافلة قلت لها : ألك أحد فيها ؟
قالت : « يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الأَْرْضِ » ، « وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ » ، « يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ » ، « يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللّهُ » .
فصحت بهذه الأسماء ، فإذا بأربعة شباب متوجّهين نحوها .
فقلت : من هؤلاء منك ؟
قالت : « الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا » .
فلمّا أتوها ، فقالت : « يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَْمِينُ » ، فكافوني بأشياء .
فقالت : « وَاللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ » ، فزادوا عليّ .
فسألتهم عنها ، فقالوا : هذه أمّنا « فضّة » جارية الزهراء عليهاالسلام ما تكلّمت منذ عشرين سنة إلاّ بالقرآن .
معقل بن يسار ، وأبو قبيل ، وابن إسحاق ، وحبيب بن أبي ثابت ، وعمران بن حصين ، وابن غسّان ، والباقر عليه السلام ، مع اختلاف الروايات واتفاق المعنى :
ص: 92
إنّ النسوة قلن : يا بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، خطبك فلان وفلان ، فردّهم أبوك وزوّجك عائلاً !
فدخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقالت : يا رسول اللّه ، زوّجتني عائلاً ! فهزّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيده معصمها وقال : لا - يا فاطمة - ولكن زوّجتك أقدمهم سلما ، وأكثرهم علما ، وأعظمهم حلما ، أما علمت - يا فاطمة - أنّه أخي في الدنيا والآخرة ، فضحكت وقالت : رضيت يا رسول اللّه (1) .
وفي رواية أبي قبيل : لم أزوّجك حتى أمرني جبرئيل عليه السلام(2) .
وفي رواية عمران بن الحصين وحبيب بن ثابت : أما إنّي قد زوّجتك خير من أعلم(3) .
ص: 93
وفي رواية ابن غسّان : زوّجتك خيرهم .
وفي كتاب ابن شاهين : عبد الرزّاق عن معمّر عن أيّوب عن عكرمة قال النبي صلى الله عليه و آله : أنكحتك أحبّ أهلي إليّ(1) .
قال العبدي :
إذ أتته البتول فاطم تبكي
وتوالى شهيقها والزفيرا
اجتمعن النساء عندي وأقبلن
يطلن التقريع والتعييرا
قلن إنّ النبي زوّجك اليوم
عليا بعلاً معيلاً فقيرا
قال يافاطم اصبري واشكري اللّه
فقد نلت منه فضلاً كبيرا
أمر اللّه جبرئيل فنادى
معلنا في السماء صوتا جهيرا
ص: 94
اجتمعن الأملاك حتى إذا ما
وردوا بيت ربّنا المعمورا
قام جبرئيل خاطبا يكثر التحميد
للّه جلّ والتكبيرا
خمس أرضي لها حلال فصيّره
على الخلق دونها مبرورا
نثرت عند ذاك طوبى وللحور
من المسك والعبير نثيرا
* * *
ص: 95
ص: 96
ص: 97
ص: 98
قد اشتهر في الصحاح بالأسانيد عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وجابر الأنصاري ، وأنس بن مالك ، والبراء بن عازب ، وأم سلمة ، بألفاظ مختلفة ومعاني متّفقة :
إنّ أبا بكر وعمر خطبا إلى النبي صلى الله عليه و آله مرّة بعد أخرى فردّهما .
وروى أحمد في الفضائل عن بريدة : أنّ أبا بكر وعمر خطبا إلى النبي صلى الله عليه و آله فاطمة عليهاالسلام فقال : إنّها صغيرة(1) .
وروى ابن بطّة في الإبانة : أنّه خطبها عبد الرحمن فلم يجبه .
وفي رواية غيره أنّه قال : بكذا من المهر ، فغضب صلى الله عليه و آله ومدّ يده إلى حصى فرفعها فسبّحت في يده ، وجعلها في ذيله فصارت درّا ومرجانا ، يعرض به جواب المهر(2) .
* * *
ص: 99
ولمّا خطب علي عليه السلام قال : سمعتك يا رسول اللّه تقول : كلّ سبب ونسب منقطع إلاّ سببي ونسبي .
فقال النبي صلى الله عليه و آله : أمّا السبب فقد سبّب اللّه ، وأمّا النسب فقد قرّب اللّه ، وهشّ وبشّ في وجهه ، وقال : ألك شيء أزوّجك منها ؟
فقال : لا يخفى عليك حالي ، إنّ لي فرسا وبغلاً وسيفا ودرعا .
فقال : بع الدرع(1) .
وروي أنّه أتى سلمان إليه وقال : أجب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا دخل عليه قال : أبشر - يا علي - فإنّ اللّه قد زوّجك بها في السماء قبل أن أزوّجكها في الأرض ، ولقد أتاني ملك وقال : أبشر - يا محمد - باجتماع الشمل وطهارة النسل . قلت : وما اسمك ؟
قال : نسطائيل من موكّلي قوائم العرش ، سألت اللّه هذه البشارة ، وجبرئيل على أثري(2) .
أبو بريدة عن أبيه : أنّ عليا عليه السلام خطب فاطمة عليهاالسلام ، فقال له النبي صلى الله عليه و آله : مرحبا وأهلاً ، فقيل لعلي عليه السلام : يكفيك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله إحداهما ، أعطاك الأهل ، وأعطاك الرحب(3) .
ص: 100
قال الإصفهاني :
أمن بسيدة النساء قضى له
ربّي فأصبح أسعد الأختان
من بعد خطّاب أتوه فردّهم
ردّا يبيّن مضمر الأشجان
فأبان منعهما وقال صغيرة
تزويجها في سنّها لم يان
حتى إذا خطب الوصي أجابه
من غير تورية ولا استيذان
فاللّه زوّجه وأشهد في العلا
أملاكه وجماعة السكّان
واللّه قدّر نسله من صلبه
فلذا لأحمد لم يكن بنتان
* * *
ص: 101
تاريخ بغداد بالإسناد عن بلال بن حمامة : أطلع النبي صلى الله عليه و آله ووجهه مشرق كالبدر ، فسأل ابن عوف عن ذلك .
فقال : بشارة أتتني من ربّي لأخي وابن عمّي وابنتي ، واللّه زوّج عليا بفاطمة عليهماالسلام ، وأمر رضوان خازن الجنان ، فهزّ شجرة طوبى ، فحملت رقاعا بعدد محبّي أهل بيتي ، وأنشأ من تحتها ملائكة من نور ، ودفع إلى كلّ ملك صكّا براءة من النار بأخي وابن عمّي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أمّتي .
وفي رواية : أنّه يكون في الصكوك : « براءة من العلي الجبّار لشيعة علي وفاطمة من النار(1) » .
ابن بطّة وابن المؤذّن والسمعاني في كتبهم بالإسناد عن ابن عباس وأنس بن مالك قالا :
بينما رسول اللّه صلى الله عليه و آله جالس إذ جاء علي عليه السلام ، فقال : يا علي ما جاء بك ؟
قال : جئت أسلّم عليك .
ص: 102
قال : هذا جبرئيل يخبرني أنّ اللّه زوّجك فاطمة ، وأشهد على تزويجها أربعين ألف ملك ، وأوحى اللّه إلى شجرة طوبى أن انثري عليهم الدرّ والياقوت ، فابتدرن إليه الحور العين يلتقطن في أطباق الدرّ والياقوت ، وهنّ يتهادينه بينهنّ إلى يوم القيامة(1) ، وكانوا يتهادون ويقولون : هذه
تحفة خير النساء .
وفي رواية ابن بطّة عن عبد اللّه : فمن أخذ منه - يومئذٍ - شيئا أكثر من صاحبه أو أحسن افتخر به على صاحبه إلى يوم القيامة(2) .
ابن مردويه في كتابه بإسناده عن علقمة قال : لمّا تزوّج علي فاطمة عليهماالسلام
تناثر ثمار الجنّة على الملائكة(3) .
عبد الرزّاق بإسناده إلى أمّ أيمن في خبر طويل عن النبي صلى الله عليه و آله :
وعقد جبرئيل وميكائيل عليهماالسلام في السماء نكاح علي وفاطمة عليهماالسلام ، فكان جبرئيل عليه السلام المتكلّم عن علي عليه السلام ، وميكائيل عليه السلام الرادّ عنّي(4) .
ص: 103
وفي حديث خبّاب بن الأرت : أنّ اللّه - تعالى - أوحى إلى جبرئيل عليه السلام : زوّج النور من النور ، وكان الوليّ اللّه ، والخطيب جبرئيل عليه السلام ، والمنادي ميكائيل عليه السلام ، والداعي إسرافيل عليه السلام ، والناثر عزرائيل عليه السلام، والشهود ملائكة السماوات والأرضين .
ثمّ أوحى إلى شجرة طوبى أن انثري ما عليك ، فنثرت الدرّ الأبيض ، والياقوت الأحمر ، والزبرجد الأخضر ، واللؤلؤ الرطب ، فبادرن الحور العين يلتقطن ويهدين بعضهنّ إلى بعض .
الصادق عليه السلام في خبر : أنّه دعاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : ابشر يا علي ، فإنّ اللّه قد كفاني ما كان من همّتي(1) تزويجك ، أتاني جبرئيل عليه السلام ومعه من سنبل الجنّة وقرنفلها ، فتناولتهما ، وأخذتهما فشممتهما ، فقلت : ما سبب هذا السنبل والقرنقل ؟
قال : إنّ اللّه أمر سكّان الجنّة من الملائكة ومن فيها أن يزيّنوا الجنان كلّها بمغارسها وأشجارها وثمارها وقصورها ، وأمر ريحها فهبّت بأنواع العطر والطيب ، وأمر حور عينها بالقراءة فيها « طه » و« يس » و« طواسين » و« حم » و« عسق » .
ثمّ نادى مناد من تحت العرش : ألا إنّ اليوم يوم وليمة علي عليه السلام ، ألا إنّي أشهدكم أنّي زوّجت فاطمة من علي رضى منّي ببعضهما لبعض .
ثمّ بعث اللّه - سبحانه - سحابة بيضاء ، فقطرت من لؤلؤها وزبرجدها
ص: 104
ويواقيتها ، وقامت الملائكة فنثرن من سنبلها وقرنفلها ، وهذا ممّا نثرت الملائكة(1) . . إلى آخر الخبر .
قال ديك الجنّ :
أوّل خلق جاء فيها خاطبا
إلى النبي جائيا وذاهبا
جبريل حتى تمّ تزويج النبي
بقدرة اللّه العظيم من علي
فلاحت الأنوار منه الساطعه
وصفّ أملاك السماء السابعه
وقام جبريل عليهم يخطب
فتمّم اللّه لهم ما طلبوا
ثمّ قضى اللّه إلى الجنان
أن عجن من دانية الأغصان
فأمطرتهم حللاً وحليا
حتى وعى ذلك منها وعيا
فمن حوى الأكثر منها افتخر
ما عاش في عالمه على الآخر
* * *
وفي خبر : أنّه كان الخطيب راحيل(2) .
وقد جاء في بعض الكتب : أنّه خطب راحيل في البيت المعمور في جمع من أهل السماوات السبع ، فقال :
ص: 105
الحمد للّه الأوّل قبل أوّلية الأوّلين ، الباقي بعد فناء العالمين ، نحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيّين ، وبربوبيّته مذعنين ، وله على ما أنعم علينا شاكرين ، حجبنا من الذنوب ، وسترنا من العيوب ، أسكننا في السماوات ، وقرّبنا إلى السرادقات ، وحجب عنّا النهم للشهوات ، وجعل نهمتنا وشهوتنا في تقديسه وتسبيحه ، الباسط رحمته ، الواهب نعمته ، جلّ على إلحاد أهل الأرض من المشركين ، وتعالى بعظمته عن إفك الملحدين .
ثمّ قال بعد كلام : اختار الملك الجبّار صفوة كرمه ، وعبد عظمته لأمته ، سيّدة النساء بنت خير النبيّين ، وسيّد المرسلين ، وإمام المتّقين ، فوصل حبله بحبل رجل من أهله وصاحبه ، المصدّق دعوته ، المبادر إلى كلمته ، علي الوصول ، بفاطمة البتول ، ابنة الرسول .
وروي أنّ جبرئيل روى عن اللّه - تعالى - عقيبهما قوله عزّ وجلّ :
الحمد ردائي ، والعظمة كبريائي ، والخلق كلّهم عبيدي وإمائي ، زوّجت فاطمة أمتي ، من علي صفوتي ، اشهدوا ملائكتي .
قال ابن حمّاد :
وجاء جبريل في الأملاك قال له
جئنا نهنّيك إطنابا وإسهابا
وكنت خاطبها واللّه واليها
وشاهدوها الكرام الغرّ أحسابا
وصيّر الطيب من طوبى نثارهما
أكرم بذاك نثارا ثم إنهابا
وأقبل الحور يلقطن النثار معا
فهنّ يهدينه فخرا وتحبابا
ص: 106
وقال الحميري :
نصب الجليل لجبرئيل منبرا
في ظلّ طوبى من متون زبرجد
شهد الملائكة الكرام وربّهم
وكفى بهم وبربّهم من شهد
وتناثرت طوبى عليهم لؤلؤا
وزمرّدا متتابعا لم يعقد
وملاك فاطمة الذي ما مثله
في متهم شرف ولا في منجد
* * *
وله أيضا :
واللّه زوّجه الزكيّة فاطما
في ظلّ طوبى مشهدا محضورا
كان الملائك ثمّ في عدد الحصى
جبريل يخطبهم بها مسرورا
يدعو له ولها وكان دعاؤه
لهما بخير دائما مذكورا
حتى إذا فرغ الخطيب تتابعت
طوبى تساقط لؤلؤا منثورا
وتهيل ياقوتا عليهم مرّة
وتهيل درّا تارة وشذورا
فترى نساء الحور ينتهبونه
حورا بذلك يهتدين الحورا
فإلى القيامة بينهنّ هديّة
ذاك النثار عشيّة وبكورا
* * *
وقال خطيب منبج :
ملاك كانت الأملاك فيه
لتزويج الزكيّة شاهدينا
وكان وليّها جبريل منهم
وميكائيل خير الخاطبينا
وزخرفت الجنان فظلّ فيها
لها ولدانها متزيّنينا
وكان نثارها حللاً وحليا
وياقوتا ومرجانا ثمينا
ص: 107
وعقيانا وحور العين فيها
وولدان كرام لاقطونا
وكان من النثار كما روينا
صكاك ينتشرن وينطوينا
بها للشيعة الأبرار عتق
جرى من عند ربّ العالمينا
* * *
وكان بين تزويج أمير المؤمنين وفاطمة عليهماالسلام في السماء إلى تزويجها في الأرض أربعين يوما ، زوّجها رسول اللّه صلى الله عليه و آله من علي عليه السلام أوّل يوم من ذي الحجّة .
وروي : أنّه كان يوم السادس منه(1) .
علي بن جعفر : قال موسى بن جعفر عليهماالسلام : بينما رسول اللّه صلى الله عليه و آله جالس إذ دخل عليه ملك له أربعة وعشرون وجها ، فقال له : حبيبي جبرئيل عليه السلام لم أرك في هذه الصورة ؟!!
قال الملك : لست بجبرئيل ! أنا محمود ، بعثني اللّه أن أزوّج النور من النور .
قال : من بمن ؟
قال : فاطمة من علي عليهماالسلام .
ص: 108
فلمّا ولّى الملك إذا بين كتفيه « محمد رسول اللّه علي وصيّه » .
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : منذ كم كتب هذا بين كتفيك ؟
قال : من قبل أن يخلق اللّه آدم بإثنين وعشرين ألف عام .
وفي رواية : بأربعة وعشرين ألف عام(1) .
عبد اللّه بن ميمون ، حدّثنا أبو هريرة عن أبي الزبير عن جابر الأنصاري حديث محمود ، وأنبأني أبو العلى العطّار ، وأبو المؤيّد الخطيب بنحو هذا الخبر ، إلاّ أنّهما رويا :
ملك له عشرون رأسا في كلّ رأس ألف لسان ، وكان اسم الملك « صرصائيل »(2) .
أبو بكر مردويه في فضائل أمير المؤمنين صلى الله عليه و آله بالإسناد عن أنس بن مالك ، وكتاب أبي القاسم سليمان الطبري بإسناده عن شعبة عن عمرو بن مرّة عن إبراهيم عن مسروق عن ابن مسعود كلاهما :
إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : إنّ اللّه - تعالى - أمرني أن أزوّج فاطمة من علي عليهماالسلام(3) .
ص: 109
كتاب ابن مردويه : قال ابن سيرين : قال عبيدة :
إنّ عمر بن الخطّاب ذكر عليا عليه السلام فقال : ذاك صهر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، نزل جبرئيل عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : إنّ اللّه يأمرك أن تزوّج فاطمة من علي عليهماالسلام(1) .
ابن شاهين بالإسناد عن أبي أيّوب الأنصاري : قال النبي صلى الله عليه و آله : أمرت بتزويجك من البيضاء(2) .
وفي رواية : من السماء(3) .
ص: 110
الضحّاك : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لفاطمة عليهاالسلام : إنّ علي بن أبي طالب ممّن قد عرفت قرابته وفضله من الإسلام ، وإنّى سألت ربّي أن يزوّجك خير خلقه وأحبّهم إليه ، وقد ذكر من أمرك شيئا فما ترين ؟
فسكتت ، فخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو يقول : اللّه أكبر سكوتها إقرارها(1) .
وخطب النبي صلى الله عليه و آله على المنبر في تزويج فاطمة عليهاالسلام خطبة ، رواها يحيى بن معين في أماليه ، وابن بطّة في الإبانة بإسنادهما عن أنس بن مالك مرفوعا ، ورويناها عن الرضا عليه السلام فقال :
الحمد اللّه المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع في سلطانه ، المرغوب إليه فيما عنده ، المرهوب من عذابه ، النافذ أمره في سمائه وأرضه ، خلق الخلق بقدرته ، وميّزهم بأحكامه ، وأعزّهم بدينه ، وأكرمهم بنبيّه محمد صلى الله عليه و آله .
ص: 111
إنّ اللّه - تعالى - جعل المصاهرة نسبا لاحقا ، وأمرا مفترضا ، وشّج بها الأرحام ، وألزمها الأنام ، قال اللّه تعالى : « وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَرا
فَجَعَلَهُ نَسَبا وَصِهْرا » .
ثمّ إنّ اللّه - تعالى - أمرني أن أزوّج فاطمة من علي عليهماالسلام ، وقد زوّجتها إيّاه على أربعمائة مثقال فضّة ، إن رضيت يا علي ؟
قال : رضيت يا رسول اللّه (1) .
وروى ابن مردويه قال صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : تكلّم خطيبا لنفسك ، فقال :
الحمد للّه الذي قرب من حامديه ، ودنا من سائليه ، ووعد الجنّة من يتّقيه ، وأنذر بالنار من يعصيه ، نحمده على قديم إحسانه وأياديه ، حمد من يعلم أنّه خالقه وباريه ، ومميته ومحييه ، ومسائله عن مساويه ، ونستعينه ونستهديه ، ونؤمن به ونستكفيه .
ونشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، شهادة تبلغه وترضيه ، وأنّ محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه و آله ، صلاة تزلفه وتحظيه ، وترفعه وتصطفيه .
والنكاح ما أمر اللّه به ويرضيه ، واجتماعنا ممّا قدّره اللّه وأذن فيه ، وهذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله زوّجني ابنته فاطمة عليهاالسلام على خمسمائة درهم ، وقد رضيت ،
فاسألوه ، واشهدوا(2) .
ص: 112
وفي خبر : زوّجتك ابنتي فاطمة عليهاالسلام على ما زوّجك الرحمن ، وقد رضيت بما رضي اللّه لها ، فدونك أهلك ، فإنّك أحقّ بها منّي(1) .
وفي خبر : فنعم الأخ أنت ، ونعم الختن أنت ، ونعم الصاحب أنت ، وكفاك برضى اللّه رضى .
فخرّ علي عليه السلام ساجدا شكرا للّه - تعالى - وهو يقول : « رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ » الآية . فقال النبي : آمين(2) .
فلمّا رفع رأسه قال النبي صلى الله عليه و آله : بارك اللّه عليكما ، وأسعد جدّكما ، وجمع بينكما ، وأخرج منكما الكثير الطيّب .
ثمّ أمر النبي صلى الله عليه و آله بطبق بسر وأمر بنهبه(3) ، ودخل حجرة النساء ، وأمر بضرب الدفّ(4)(5) .
ص: 113
ص: 114
الحسين بن علي عليهماالسلام في خبر : زوّج النبي صلى الله عليه و آله فاطمة عليا عليهماالسلام على أربعمائة وثمانين درهما(1) .
وروي : أنّ مهرها أربعمائة مثقال فضّة(2) .
وروي : أنّه كان خمسمائة درهم(3) ، وهو أصحّ .
وسبب الخلاف في ذلك هو ما روى عمرو بن المقدام ، وجابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان صداق فاطمة عليهاالسلام برد حبرة(4) وإهاب(5) شاة(6) على عرار(7) .
وروي عن الصادق عليه السلام قال : كان صداق فاطمة عليهاالسلام درع حطمية وإهاب كبش(8) أو جدي .
رواه أبو يعلى في المسند عن مجاهد(9) .
ص: 115
كافي الكليني : زوّج النبي صلى الله عليه و آله فاطمة عليهاالسلام من جرد(1) برد(2) .
وقيل للنبي صلى الله عليه و آله : وقد علمنا مهر فاطمة عليهاالسلام في الأرض ، فما مهرها في السماء ؟
قال : سل عمّا يعنيك ودع ما لا يعنيك !
قيل : هذا ممّا يعنينا يا رسول اللّه !!
قال : كان مهرها في السماء خمس الأرض ، فمن مشى عليها مبغضا لها ولولدها مشى عليها حراما إلى أن تقوم الساعة(3) .
وفي الجلاء والشفاء : في خبر طويل عن الباقر عليه السلام :
وجعلت نحلتها من علي عليه السلام خمس الدنيا وثلثي الجنّة ، وجعلت لها في الأرض أربعة أنهار : الفرات ، ونيل مصر ، ونهروان ، ونهر بلخ ، فزوّجها - يا محمد - بخمسمائة درهم تكون سنّة لأمّتك(4) . . الخبر .
وفي حديث خبّاب بن الأرت : ثمّ قال النبي صلى الله عليه و آله : زوّجت ابنتي فاطمة عليهاالسلام منك بأمر اللّه - تعالى - على صداق : خمس الأرض وأربعمائة وثمانين درهما ، للآجل خمس الأرض ، والعاجل أربعمائة وثمانين درهما .
وقد روي حديث خمس الأرض عن الصادق عليه السلام من يعقوب بن شعيب.
ص: 116
إسحاق بن عمّار وأبو بصير : قال الصادق عليه السلام : إنّ اللّه - تعالى - مهر فاطمة عليهاالسلام ربع الدنيا ، فربعها لها ، وأمهرها الجنّة والنار ، فتدخل أولياءها الجنّة ، وأعداءها النار(1) .
قال العبدي :
وزوّج في السماء بأمر ربّي
بفاطمة المهذّبة الطهور
وصيّر مهرها خمسا بأرض
لما تحويه من كرم وحور
فذا خير الرجال وتلك خير
النساء ومهرها خير المهور
* * *
وله أيضا :
وزوّجه بفاطم ذو المعالي
على الإرغام من أهل النفاق
وخمس الأرض كان لها صداقا
ألا للّه ذلك من صداق
* * *
وله أيضا :
صدّيقة خلقت لصدّيق
شريف في المناسب
اختاره واختارها
طهرين من دنس المعايب
أسماهما قرنا على
سطر بظلّ العرش راتب
كان الإله وليّها
وأمينه جبريل خاطب
والمهر خمس الأرض
موهبة تعالت في المواهب
ونهابها من حمل طوبى
طيّبت تلك المناهب
ص: 117
أمالي الطوسي : قال الصادق عليه السلام في خبر : وسكب الدراهم في حجره ، فأعطى منها :
قبضة كانت ثلاثة وستّين - أو ستّة وستّين - إلى أمّ أيمن لمتاع البيت .
وقبضة إلى أسماء بنت عميس للطيب .
وقبضة إلى أمّ سلمة للطعام .
وأنفذ عمّارا وأبا بكر وبلالاً لابتياع ما يصلحها ، وكان ممّا اشتروه :
قميص بسبعة دراهم .
وخمار بأربعة دراهم .
وقطيفة(1) سوداء خيبرية .
وفراشان من خيش(4) مصر ، حشو أحدهما ليف ، وحشو الآخر من جزّ الغنم(5) .
وأربع مرافق(6) من أدم(7) الطائف ، حشوها إذخر(8) .
ص: 118
وستر من صوف .
وحصير هجري .
ورحاء اليد .
وسقاء من أدم .
ومخضب(1) من نحاس .
وقعب(2) للبن .
وشنّ(3) للماء .
وجرّة خضراء .
وكيزان خزف .
وفي رواية : ونطع من أدم .
وعباء قطراني (6).
وقربة ماء(7) .
ص: 119
وهب بن وهب القرشي : وكان من تجهيز علي عليه السلام داره :
انتشار رمل ليّن .
ونصب خشبة من حائط إلى حائط للثياب .
وبسط إهاب(1) كبش .
ومخدّة ليف .
أبو بكر مردويه في حديثه : فمكث علي عليه السلام تسعة وعشرين ليلة ، فقال له جعفر وعقيل عليهماالسلام : سله أن يدخل عليك أهلك ، فعرفت أم أيمن ذلك وقالت : هذا من أمر النساء .
فخلت به صلى الله عليه و آله أمّ سلمة ، فطالبته بذلك ، فدعاه النبي صلى الله عليه و آله وقال : حبّا وكرامة .
فأتى الصحابة بالهدايا ، فأمر بطحن البرّ ، وخبز ، وأمر عليا عليه السلام بذبح البقر والغنم ، فكان النبي صلى الله عليه و آله يفصل ولم ير على يده أثر دم .
فلمّا فرغوا من الطبخ أمر النبي صلى الله عليه و آله أن ينادى على رأس داره : أجيبوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وذلك لقوله : « وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ » .
فأجابوا من النخلات والزروع ، فبسط النطوع في المسجد ، وصدر
ص: 120
الناس ، وهم أكثر من أربعة آلاف رجل ، وسائر نساء المدينة ، ورفعوا منها ما أرادوا ، ولم ينقص من الطعام شيء .
ثمّ عادوا في اليوم الثاني ، وأكلوا .
وفي اليوم الثالث أكلوا مبعوثة أبي أيّوب .
ثمّ دعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالصحاف(1) فملئت ، ووجّه إلى منازل أزواجه ، ثمّ أخذ صحفة وقال : هذا لفاطمة وبعلها عليهماالسلام .
ثمّ دعا فاطمة عليهاالسلام وأخذ يدها فوضعها في يد علي عليه السلام ، وقال : بارك اللّه لك في ابنة رسول اللّه ، يا علي نعم الزوج فاطمة ، ويا فاطمة نعم البعل علي عليه السلام(2) .
وكان النبي صلى الله عليه و آله أمر نساءه أن يزيّنّها ويصلحن من شأنها في حجرة أمّ سلمة ، فاستدعين من فاطمة عليه السلام طيبا فأتت بقارورة ، فسألت عنها .
فقالت : كان دحية الكلبي يدخل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيقول لي : يا فاطمة ، هاتي الوسادة فاطرحيها لعمّك ، فكان إذا نهض سقط من بين ثيابه شيء ، فيأمرني بجمعه .
فسئل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن ذلك ، فقال : هو عنبر يسقط من أجنحة جبرئيل عليه السلام(3) .
ص: 121
وأتت بماء ورد ، فسئلت أمّ سلمة عنه ، فقالت : هذا عرق رسول اللّه صلى الله عليه و آله كنت آخذه عند قيلولة النبي صلى الله عليه و آله عندي .
وروي أنّ جبرئيل عليه السلام أتى بحلّة قيمتها الدنيا ، فلمّا لبستها تحيّرت نسوة قريش منها ، وقلن : من أين لك هذا ؟
قالت : هذا من عند اللّه .
تاريخ الخطيب ، وكتاب ابن مردويه ، وابن المؤذّن ، وابن شيرويه الديلمي ، بأسانيدهم عن علي بن الجعد عن ابن بسطام عن شعبة بن الحجّاج ، وعن علوان عن شعبة عن أبي حمزة الضبعي عن ابن عباس وجابر :
أنّه لمّا كانت الليلة التي زفّت فاطمة عليهاالسلام إلى علي عليه السلام كان النبي صلى الله عليه و آله
أمامها ، وجبرئيل عليه السلام عن يمينها ، وميكائيل عليه السلام عن يسارها ، وسبعون ملك من خلفها يسبّحون اللّه ويقدّسونه حتى طلع الفجر(1) .
كتاب مولد فاطمة
عليهاالسلام عن ابن بابويه في خبر : أمر النبي صلى الله عليه و آله بنات عبد المطّلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة عليهاالسلام ، وأن يفرحن ويرجزن ويكبّرن ويحمدن ، ولا يقولنّ ما لا يرضي اللّه .
ص: 122
قال جابر : فأركبها على ناقته - وفي رواية : على بغلته الشهباء - وأخذ سلمان زمامها ، وحولها سبعون حوراء ، والنبي صلى الله عليه و آله وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت عليهم السلام يمشون خلفها مشهرين سيوفهم ، ونساء النبي صلى الله عليه و آله قدّامها يرجزن .
فأنشأت أم سلمة :
سرن بعون اللّه جاراتي
واشكرنه في كلّ حالات
واذكرن ما أنعم ربّ العلى
من كشف مكروه وآفات
فقد هدانا بعد كفر وقد
أنعشنا ربّ السماوات
وسرن مع خير نساء الورى
تفدى بعمّات وخالات
يا بنت من فضّله ذو العلى
بالوحي منه والرسالات
* * *
ثمّ قالت عائشة :
يا نسوة استرن بالمعاجر
واذكرن ما يحسن في المحاضر
واذكرن ربّ الناس إذ خصّنا
بدينه مع كلّ عبد شاكر
فالحمد للّه على إفضاله
والشكر للّه العزيز القادر
سرن بها فاللّه أعطى ذكرها
وخصّها منه بطهر طاهر
* * *
ثمّ قالت حفصة :
فاطمة خير نساء البشر
ومن لها وجه كوجه القمر
فضّلك اللّه على كلّ الورى
بفضل من خصّ بآي الزمر
ص: 123
زوّجك اللّه فتى فاضلاً
أعني عليا خير من في الحضر
فسرن جاراتي بها إنّها
كريمة بنت عظيم الخطر
* * *
ثمّ قالت معاذة أمّ سعد بن معاذ :
أقول قولاً فيه ما فيه
وأذكر الخير وأبديه
محمد خير بني آدم
ما فيه من كبر ولا تيه
بفضله عرّفنا رشدنا
فاللّه بالخير مجازيه
ونحن مع بنت نبي الهدى
ذي شرف قد مكّنت فيه
في ذروة شامخة أصلها
فما أرى شيئا يدانيه
* * *
وكانت النسوة يرجعن أوّل بيت من كلّ رجز ، ثمّ يكبّرن، ودخلن الدار.
ثمّ أنفذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى علي عليه السلام ودعاه إلى المسجد ، ثمّ دعا فاطمة عليهاالسلام ، فأخذ يديها ووضعها في يده ، وقال : بارك اللّه [ لك ] في ابنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله(1) .
كتاب ابن مردويه : أنّ النبي صلى الله عليه و آله سأل ماءا ، فأخذ منه جرعة ، فتمضمض بها ، ثمّ مجّها في القعب ، ثمّ صبّها على رأسها .
ثمّ قال : اقبلي ، فلمّا أقبلت نضح من بين ثدييها .
ص: 124
ثمّ قال : ادبري ، فلمّا أدبرت نضح من بين كتفيها ، ثمّ دعا لهما(1) .
أبو عبيد في غريب الحديث أنّه قال : اللّهم أُونسهما ، أي ثبّت الودّ(2) .
كتاب ابن مردويه : اللّهم بارك فيهما ، وبارك عليهما ، وبارك لهما في شبليهما(3) .
وروي أنّه قال : اللّهم إنّهما أحبّ خلقك إليّ ، فأحبّهما وبارك في ذرّيّتهما ، واجعل عليهما منك حافظا ، وإنّي أعيذهما بك وذرّيّتهما من الشيطان الرجيم(4) .
وروي : أنّه دعا لها ، فقال : أذهب اللّه عنك الرجس وطهّرك تطهيرا(5) .
وروي : أنّه قال : مرحبا ببحرين يلتقيان ، ونجمين يقترنان ، ثمّ خرج إلى الباب يقول : طهّركما وطهّر نسلكما ، أنا سلم لمن سالمكما ، وحرب لمن حاربكما ، أستودعكما اللّه وأستخلفه عليكما(6) .
وباتت عندهما أسماء بنت عميس أسبوعا بوصيّة خديجة عليهاالسلام إليها ، فدعا لها النبي صلى الله عليه و آله في دنياها وآخرتها .
ص: 125
ثمّ أتاهما في صبيحتهما وقال : السلام عليكم ، ادخل رحمكم اللّه ؟
ففتحت أسماء الباب ، وكانا نائمين تحت كساء ، فقال : على حالكما ، فأدخل رجليه بين أرجلهما .
فأخبر اللّه عن أورادهما « تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ » الآية .
فسأل عليا عليه السلام : كيف وجدت أهلك ؟
قال : نعم العون على طاعة اللّه .
وسأل فاطمة عليهاالسلام ، فقالت : خير بعل .
فقال : اللّهم اجمع شملهما ، وألّف بين قلوبهما ، واجعلهما وذرّيّتهما من ورثة جنّة النعيم ، وارزقهما ذرّيّة طاهرة طيّبة مباركة ، واجعل في ذرّيّتهما البركة ، واجعلهم أئمّة يهدون بأمرك إلى طاعتك ، ويأمرون بما يرضيك .
ثمّ أمر بخروج أسماء وقال : جزاك اللّه خيرا ، ثمّ خلا بها بإشارة الرسول صلى الله عليه و آله(1) .
وروى شرحبيل بإسناده قال : لمّا كان صبيحة عرس فاطمة عليهاالسلام جاء النبي صلى الله عليه و آله بعسّ(2) فيه لبن ، فقال لفاطمة عليهاالسلام : اشربي فداك أبوك ، وقال لعلي عليه السلام : اشرب فداك ابن عمّك(3) .
ص: 126
نقول(1) :
سماء صلب المرتضى لفاطم
عن ابتسال الحسنين انفطرت
وبانفطار نورها في أرضهم
كواكب فيها علينا انتثرت
إذ البحار منهما آبينا
بالعلم والتأويل فينا انفجرت
وعلمت من اهتدى بهديها
ما حالها إذ القبور بعثرت
فعلمت ما قدّمت في يومها
من كتبها بعقدها وأخّرت
* * *
ص: 127
ص: 128
ص: 129
ص: 130
أنس بن مالك قال : سألت أمّي عن صفة فاطمة عليهاالسلام .
فقالت : كانت كأنّها القمر ليلة البدر(1) ، أو الشمس كفرت(2) غماما ، أو خرجت من السحاب ، وكانت بيضاء بضّة(3)(4) .
عطاء عن أبي رياح قال : كانت فاطمة عليهاالسلام بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله تعجن ، وإنّ قصبتها(5) تضرب إلى الجفنة(6)(7) .
ص: 131
وروي : أنّها كانت مشرقة الرباعية(1)(2) .
جابر بن عبد اللّه : ما رأيت فاطمة عليهاالسلام تمشي إلاّ ذكرت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، تميل على جانبها الأيمن مرّة ، وعلى جانبها الأيسر مرّة(3)(4) .
ولدت فاطمة عليهاالسلام بمكّة بعد النبوة بخمس سنين ، وبعد الإسراء بثلاث سنين ، في العشرين من جمادى الآخرة .
وأقامت مع أبيها بمكّة ثماني سنين ، ثمّ هاجرت معه إلى المدينة ، فزوّجها من علي عليه السلام بعد مقدمها المدينة بسنتين ، أوّل يوم من ذي الحجّة .
وروي أنّه كان يوم السادس .
ودخل بها يوم الثلاثاء لستّ خلون من ذي الحجّة بعد بدر .
وقبض النبي صلى الله عليه و آله ولها - يومئذٍ - ثماني عشر سنة وسبعة أشهر .
ص: 132
وعاشت بعده صلى الله عليه و آله إثنان وسبعون يوما(1) .
ويقال : خمسة وسبعون يوما(2) .
وقيل : أربعة أشهر .
وقال القرباني : قد قيل : أربعين يوما ، وهو أصحّ(3) .
وولدت الحسن عليه السلام ولها إثنتا عشر سنة(4) .
وتوفّيت ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة من الهجرة !
ومشهدها بالبقيع .
وقالوا : أنّها دفنت في بيتها .
وقالوا : قبرها بين قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبين منبره(5) .
ص: 133
وكناها عليهاالسلام :
أمّ الحسن ، وأمّ الحسين ، وأمّ المحسن ، وأمّ الأئمّة ، وأمّ أبيها .
وأسماؤها عليهاالسلام على ما ذكره أبو جعفر القمّي :
فاطمة عليهاالسلام ، البتول، الحصان ، الحرّة ، السيّدة ، العذراء ، الزهراء ، الحوراء، المباركة ، الطاهرة ، الزكيّة ، الراضية ، المرضيّة ، المحدّثة ، مريم الكبرى ، الصدّيقة الكبرى .
ويقال لها في السماء :
النورية ، السماوية ، الحانية .
وقلنا :
الصدّيقة بالأقوال ، والمباركة بالأحوال ، والطاهرة بالأفعال .
الزكيّة بالعدالة ، والرضيّة بالمقالة ، والمرضيّة بالدلالة .
المحدّثة بالشفقة ، والحرّة بالنفقة ، والسيّدة بالصدقة .
الحصان بالمكان ، والبتول في الزمان ، والزهراء بالإحسان .
مريم الكبرى في الستر ، وفاطم بالسرّ ، وفاطمة بالبرّ .
النورية بالشهادة ، والسماوية بالعبادة ، والحانية بالزهادة ، والعذراء بالولادة .
ص: 134
الزاهدة الصفيّة ، العابدة الرضيّة ، الراضية المرضيّة ، المتهجّدة الشريفة ، القانتة العفيفة .
سيّدة النسوان ، وحبيبة حبيب الرحمن ، والمحتجبة عن خزّان الجنان ، وصفيّة الرحمن ، ابنة خير المرسلين ، وقرّة عين سيّد الخلائق أجمعين ، وواسطة العقد بين سيّدات نساء العالمين .
المتظلّمة بين يدي العرش يوم الدين .
ثمرة النبوّة ، وأمّ الأئمة ، وزهرة فؤاد شفيع الأمّة .
الزهراء المحترمة ، والغرّاء المحتشمة .
المكرّمة تحت القبّة الخضراء ، والإنسيّة الحوراء ، والبتول العذراء .
ستّ النساء ، وارثة سيّد الأنبياء ، وقرينه الأوصياء ، فاطمة الزهراء عليهاالسلام .
الصدّيقة الكبرى ، راحة روح المصطفى ، حاملة البلوى من غير فزع ولا شكوى ، وصاحبة شجرة طوبى ، ومن أنزل في شأنها وشأن زوجها وأولادها سورة « هل أتى » .
ابنة النبي صلى الله عليه و آله ، وصاحبة الوصي عليه السلام ، وأمّ السبطين عليهماالسلام ، وجدّة الأئمّة عليهم السلام ، وسيّدة نساء الدنيا والآخرة .
زوجة المرتضى عليهماالسلام ، ووالدة المجتبى عليهماالسلام ، وابنة المصطفى صلى الله عليه و آله .
السيدة المفقودة ، الكريمة ، المظلومة ، الشهيدة ، السيدة الرشيدة ، شقيقة مريم ، وابنة محمد الأكرم صلى الله عليه و آله .
المقطوعة من كلّ شرّ ، المعلومة بكلّ خير ، المنعوتة في الإنجيل ، الموصوفة بالبرّ والتبجيل .
ص: 135
درّة صاحب الوحي والتنزيل ، جدّها الخليل ، ومادحها الجليل ، وخاطبها المرتضى بأمر المولى جبرئيل .
ص: 137
ص: 138
ص: 139
قال سلامة الموصلي :
يا نفس أن تلتقي ظلما فقد ظلمت
بنت النبي رسول اللّه وابناها
تلك التي أحمد المختار والدها
وجبرئيل أمين اللّه ربّاها
اللّه طهرها من كلّ فاحشة
وكلّ ريب وصفّاها وزكّاها(1)
* * *
ولبعض الموصليّين :
حرّ صدري واشتياقي فالأسى
واحتراقي واكتئابي والحرب(2)
لابنة الهادي الرضي فاطمةحقّها بعد أبيها يغتصب
بل لما نال بني فاطمةمن بني الطمث الملاعين العيب
يا لقومي ما أتى الدهر بهممن خطوب مفظعات ونوب
* * *
ص: 140
بريدة : قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ ملك الموت خيّرني فاستنظرته إلى نزول جبرئيل عليه السلام ، فتجلّى ابنته فاطمة عليهاالسلام الغشيُ .
فقال لها : يا ابنتي احفظي عليك فإنّك وبعلك وابنيك معي في الجنّة .
* * *
ص: 141
بشّرت مريم عليهاالسلام بولدها : « إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ » ، وبشّرت فاطمة عليهاالسلام بالحسن والحسين عليهماالسلام .
في الحديث : إنّ النبي صلى الله عليه و آله بشّرها عند ولادة كلّ منهما ، بأن يقول لها : ليهنئك أن ولدت إماما يسود أهل الجنّة .
وأكمل اللّه - تعالى - ذلك في عقبها قوله : « وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ »يعني عليا عليه السلام .
أبو عبد اللّه عليه السلام : كانت مدّة حملها في تسع ساعات(1) .
وولدت فاطمة الحسن والحسين عليهم السلام وبينهما ستّة أشهر(2) . على رواية وردت .
ومريم ابنة عمران وفاطمة بنت محمد عليهم السلام وشرف النساء(3) بآبائهم .
ص: 142
ونذرت أمّ مريم للّه محرّرا ، ومحمد صلى الله عليه و آله أكثر الخلق تقرّبا إلى اللّه - تعالى - في سائر الأحوال ، وذلك يوجب أن يكون قد أتى عند إنساله(1) الزهراء عليهاالسلام بأضعاف ما قالت أمّ مريم بموجب فضله على الخلائق .
وكان نذرها من قبل الأمّ وهو يقتضي نصف منزلة ما ينذره الأب .
قوله: « وَكَفَّلَها زَكَرِيّا » ، والزهراء عليهاالسلام كفّلها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولا خلاف في فضل كفالة رسول اللّه صلى الله عليه و آله على كلّ كفالة .
وكفالة اليتيم مندوب إليها ، وكفالة الولد واجبة .
ولدت مريم بعيسى عليهماالسلام في أيّام الجاهلية ، وولدت فاطمة بالحسن والحسين عليهم السلام على فطرة الإسلام .
وكان اللّه أعلم مريم عليهاالسلام بسلامتها وسلامة ما حملته فلا يجوز أن يتطرّق إليها خوف ، والزهراء عليهاالسلام حملت بهما وهي لا تعلم ما يكون من حالها في الحمل والوضع من السلامة والعطب ، فينبغي أن يكون في ذلك مثوبة زائدة ، ولذلك فضّل المسلمون على الملائكة يوم بدر في القتال ، لأنّهم كانوا بين الخوف والرجاء في سلامتهم ، والملائكة ليسوا كذلك .
وقيل لها: « أَلاّ تَحْزَنِي » وقال النبي صلى الله عليه و آله: يافاطمة، إنّ اللّه يرضى لرضاك(2).
ص: 143
وقيل لها : « فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا » ، وفاطمة عليهاالسلام خامسة أهل العباء ، وافتخار جبرئيل عليه السلام بكلّ واحد منهم ، قوله : من مثلي وأنا سادس خمسة(1) .
ولها : « تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَبا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي » يحتمل أنّ النخلة والنهر(2) كانا موجودين قبل ذلك ، لأنّه لم يبق لهما أثر مثل ما بقي لزمزم والمقام ، وموضع التنّور ، وانفلاق البحر ، وردّ الشمس ، وللزهراء عليهاالسلام حديث التمر الصيحاني وقدس(3) الماء .
وروي أنّه بكت أمّ أيمن وقالت : يا رسول اللّه ، فاطمة زوّجتها ولم تنثر عليها شيئا .
فقال : يا أمّ أيمن لم تكذبين ؟ فإنّ اللّه - تعالى - لمّا زوّج فاطمة عليا عليهماالسلام أمر أشجار الجنّة أن تنثر عليهم من حليّها وحللها وياقوتها ودرّها وزمرّدها واستبرقها ، فأخذوا منها ما لا يعلمون(4) .
ص: 144
وتكلّمت الملائكة مع مريم عليهاالسلام : « إِنَّ اللّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ » أراد نساء عالم أهل زمانها(1) ، كقوله لبني إسرائيل : « وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ » ، وليسوا بأفضل من المسلمين ، قوله : « كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ » .
ثمّ إنّ الصفات في هذه الآيات يشاركها غيرها ، قوله : « إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ » إلى قوله : « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ » ، وفاطمة عليهاالسلام وذرّيّتها من جملتهم .
وقال النبي صلى الله عليه و آله : فاطمة سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، وإنّها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من المقرّبين ، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم عليهاالسلام فيقولون : يا فاطمة « إِنَّ اللّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ »(2) .
وأنّه « كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الِْمحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقا » .
وليس في نفس الآية أنّ ذلك كان اللّه - تعالى - يخلقه اختراعا أو يأتيها
ص: 145
به الملك ، وإنّما هو يدلّ على كثرة شكرها للّه تعالى ، كما تقول : رزقني اللّه اليوم درهما ، كما قال : « قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ » .
وللزهراء عليهاالسلام من هذا الباب ما لا ينكره مسلم من حديث المقداد ، وخبر الطائر ، والرمّان والعنب والتفّاح والسفرجل وغيرها ، وذلك ممّا يقطع على أنّها كانت تأكل ما لم يكن لغيرها من جميع الخلق بعد هبوط آدم وحواء عليهماالسلام .
وفي الحديث : أنّ النبي صلى الله عليه و آله دخل على فاطمة عليهاالسلام وهي في مصلاّها وخلفها جفنة يفور دخانها ، فأخرجت فاطمة عليهاالسلام الجفنة فوضعتها بين أيديهما ، فسأل علي عليه السلام : « أَنّى لَكِ هذا » ؟
قالت : هو من فضل اللّه ورزقه « إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ »(1) .
ورزق مريم عليهاالسلام من الجنّة ، وخلق فاطمة عليهاالسلام من رزق الجنّة ، وفي الحديث : فناولني جبرئيل عليه السلام رطبة من رطبها فأكلتها ، فتحوّلت ذلك نطفة في صلبي(2) .
ص: 146
قد مدح اللّه - تعالى - مريم في القرآن بعشرين مدحة ، وصحّ في الأخبار لفاطمة عشرون اسما ، كلّ اسم يدلّ على فضيلة ، ذكرها ابن بابويه في كتاب مولد فاطمة عليهاالسلام .
وقال تعالى : « وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها » يريد بذلك العفاف لا الملامسة والذرّية ، لأنّه لو لم يكن كذلك لجعل حملها له ووضعها ومخاضها بغير ما جرت به العادة ، فلمّا جعله على مجرى العادة دلّ على مقالنا ، ويؤكّد ذلك الأخبار الواردة في مدح التزويج وطلب الولد وذمّ العزبة .
وقال - تعالى - للزهراء ولأولادها : « لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ » .
قال حسّان بن ثابت :
وإن مريم أحصنت فرجها
وجاءت بعيسى كبدر الدجى
فقد أحصنت فاطم بعدها
وجاءت بسبطي نبي الهدى
* * *
وأنشدت الزهراء عليهاالسلام بعد وفاة أبيها :
وقد رزينا به محضا خليقته
صافي الضرائب والأعراق والنسب
ص: 147
وكنت بدرا ونورا يستضاء به
عليك تنزل من ذي العزّة الكتب
وكان جبريل روح القدس زائرنا
فغاب عنّا وكلّ الخير محتجب
فليت قبلك كان الموت صادفنا
لمّا مضيت وحالت دونك الحجب
إنّا رزينا بما لم يرز ذو شجن
من البريّة لا عجم ولا عرب
ضاقت عليّ بلاد بعد ما رحبت
وسيم سبطاك خسفا فيه لي نصب
فأنت واللّه خير الخلق كلّهم
وأصدق الناس حيث الصدق والكذب
فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت
منّا العيون بتهمال لها سكب
* * *
ص: 148
ص: 149
ص: 150
السمعاني في الرسالة ، وأبو نعيم في الحلية ، وأحمد في فضائل الصحابة ، والنطنزي في الخصائص ، وابن مردويه في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ، والزمخشري في الفائق عن جابر :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام قبل موته : السلام عليك أبا الريحانتين ، أوصيك بريحانتي من الدنيا ، فعن قليل ينهدّ ركناك عليك .
قال : فلمّا قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال علي عليه السلام : هذا أحد الركنين .
فلمّا ماتت فاطمة عليهاالسلام ، قال علي عليه السلام : هذا الركن الثاني(1) .
البخاري ومسلم والحلية ومسند أحمد بن حنبل : روت عائشة أنّ النبي صلى الله عليه و آله دعا فاطمة عليهاالسلام في شكواه الذي قبض فيه ، فسارّها بشيء فبكت ، ثمّ دعاها فسارّها فضحكت ، فسئلت عن ذلك .
ص: 151
فقالت : أخبرني النبي صلى الله عليه و آله أنّه مقبوض فبكيت ، ثمّ أخبرني أنّي أوّل أهله لحوقا به فضحكت(1) .
كتاب ابن شاهين : قالت أمّ سلمة وعائشة : أنّها لمّا سئلت عن بكائها وضحكها .
قالت : أخبرني النبي صلى الله عليه و آله أنّه مقبوض ، ثمّ أخبر أنّ بنيّ سيصيبهم بعدي شدّة فبكيت ، ثمّ أخبرني أنّي أوّل أهله لحوقا به فضحكت(2) .
وفي رواية أبي بكر الجعابي ، وأبى نعيم الفضل بن دكين ، والشعبي عن مسروق ، وفي السنن عن القزويني ، والإبانه عن العكبري ، والمسند عن الموصلي ، والفضائل عن أحمد بأسانيدهم عن عروة عن مسروق ، قالت عائشة :
أقبلت فاطمة عليهاالسلام تمشي كأنّ مشيتها مشية رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : مرحبا بابنتي ، فأجلسها عن يمينه ، وأسرّ إليها حديثا فضحكت ، فسألتها عن ذلك ، فقالت : ما أفشي سرّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، حتى إذا قبض سألتها .
فقالت : إنّه أسرّ إليّ فقال : إنّ جبرئيل عليه السلام كان يعارضني بالقرآن كلّ سنة ، وإنّه يعارضني به العام مرّتين ، ولا أراني إلاّ وقد حضر أجلي ، وإنّك لأوّل أهل بيتي لحوقا بي ، ونعم السلف أنا لك ، بكيت لذلك .
ص: 152
ثمّ قال : ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين المؤمنين ، فضحكت لذلك(1) .
قال الحميري :
إنّها أسرع أهل بيته
ولحاقا به فلا تفشى الجزع
فمضى واتبعته والها
بعد غيض جرعته ووجع
* * *
وروي أنّها ما زالت بعد أبيها معصّبة الرأس ، ناحلة الجسم ، منهدّة الركن ، باكية العين ، محترقة القلب ، يغشى عليها ساعة بعد ساعة ، وتقول لولديها :
أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرّة بعد مرّة !
أين أبوكما الذي كان أشدّ الناس شفقة عليكما ، فلا يدعكما تمشيان على الأرض !
ص: 153
ص: 155
ص: 156
ص: 157
ص: 158
ص: 159
ص: 160
ص: 161
ص: 162
ص: 163
ص: 164
ص: 165
ص: 166
ص: 167
ص: 168
ص: 169
ثمّ مرضت ومكثت أربعين ليلة ، ثمّ دعت أمّ أيمن وأسماء بنت عميس وعليا عليه السلام ، وأوصت إلى علي عليه السلام بثلاث :
أن يتزوّج بابنة أختها أمامة لحبّها أولادها .
وأن يتّخذ نعشا كأنّها كانت رأت الملائكة تصوّروا صورته ، ووصفته له .
وأن لا يشهد أحد جنازتها ممّن ظلمها(1) ، وأن لا يترك أن يصلّي عليها أحد منهم(2) .
وذكر مسلم عن عبد الرزّاق عن معمّر عن الزهري عن عروة عن عائشة .
وفي حديث الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب عن عائشة ، في خبر طويل يذكر فيه :
ص: 170
إنّ فاطمة عليهاالسلام أرسلت إلى أبي بكر تسأل ميراثها من رسول اللّه صلى الله عليه و آله . . القصّة ، قال : وهجرته ولم تكلّمه حتى توفّيت ، ولم تؤذن أبا بكر يصلّي عليها(1) .
الواقدي : أنّ فاطمة عليهاالسلام لمّا حضرتها الوفاة أوصت عليا عليه السلام أن لا يصلّي عليها أبو بكر وعمر ، فعمل بوصيّتها(2) .
عيسى بن مهران عن مخوّل بن إبراهيم عن عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق عن ابن جبير عن ابن عباس قال :
أوصت فاطمة عليهاالسلام أن لا يعلم - إذا ماتت - أبو بكر ولا عمر ، ولا يصلّيا عليها .
قال : فدفنها علي عليه السلام ليلاً ، ولم يعلمهما بذلك(3) .
ص: 172
ص: 173
علي عليه السلام ليلاً وصلّى عليها(1) .
وروى فيه عن سفيان بن عيينة ، وروى الحسن بن محمد ، وعبد اللّه بن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد القطّان عن معمّر عن الزهري :
إنّ فاطمة عليهاالسلام دفنت ليلاً(2) .
وعنه في هذا الكتاب : أنّ أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلامدفنوها
ليلاً ، وغيّبوا قبرها(3) .
وفي تاريخ الطبري : أنّ فاطمة عليهاالسلام دفنت ليلاً ، ولم يحضرها إلاّ العباس
وعلي عليه السلام والمقداد والزبير(4) .
وفي رواياتنا : أنّه صلّى عليها أمير المؤمنين والحسن والحسين وعقيل عليهم السلام ، وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وبريدة(5) .
ص: 174
وفي رواية : والعباس وابنه الفضل .
وفي رواية : وحذيفة وابن مسعود .
الأصبغ بن نباتة : أنّه سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن دفنها ليلاً ، فقال : إنّها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها ، وحرام على من يتولاّهم أن يصلّي على أحد من ولدها(1) .
وروي : أنّه سوّى قبرها مع الأرض مستويا .
وقالوا : سوّى حواليها قبورا مزوّرة مقدار سبعة حتى لا يعرف قبرها(2) .
وروي : أنّه رشّ أربعين قبرا حتى لا يبين قبرها من غيره فيصلّوا عليها(3)(4) .
ص: 175
قال سلامة الموصلي :
لمّا قضت فاطم الزهراء غسّلها
عن أمرها بعلها الهادي وسبطاها
وقام حتى أتى بطن البقيع بها
ليلاً فصلّى عليها ثمّ واراها
ولم يصلّ عليها منهم أحد
حاشا لها من صلاة القوم حاشاها
ص: 176
وقال الحميري :
وفاطم قد أوصت بأن لا يصلّيا
عليها وأن لا يدنوا من رجا القبر
عليا ومقداد وأن يخرجوا به
رويدا بليل في سكون وفي سرّ
* * *
وقال ابن حمّاد :
وقد أوصت أبا حسن عليا
بحقّي أن على الأرجاس تغشى
فغسّلها الوصيّ أبو حسين
وواراها وجنح الليل مغش
* * *
أبو عبد اللّه حمويه بن علي البصري ، وأحمد بن حنبل ، وأبو عبد اللّه بن بطّة بأسانيدهم :
قالت أمّ سلمى امرأة أبي رافع : اشتكت فاطمة عليهاالسلام شكواها التي قبضت فيها ، وكنت أمرّضها ، فأصبحت يوما أسكن ما كانت ، فخرج علي عليه السلام إلى بعض حوائجه ، فقالت : اسكبي لي غسلاً ، فسكبت .
وقامت واغتسلت أحسن ما يكون من الغسل ، ثمّ لبست أثوابها الجدد .
ثمّ قالت : افرشي فراشي وسط البيت ، ثمّ استقبلت القبلة ونامت ، وقالت : أنا مقبوضة ، وقد اغتسلت فلا يكشفني أحد ، ثمّ وضعت خدّها على يدها وماتت(1) .
ص: 177
وقالت أسماء بنت عميس : أوصت إليّ فاطمة عليهاالسلام ألاّ يغسلها إذا ماتت إلاّ أنا وعلي عليه السلام ، فأعنت عليا عليه السلام على غسلها(1) .
كتاب البلاذري : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام غسلها من معقد الإزار ، وإنّ أسماء بنت عميس غسلتها من أسفل ذلك .
أبو الحسن الخزّاز القمّي في الأحكام الشرعية : سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن فاطمة عليهاالسلام من غسلها ؟ فقال : غسلها أمير المؤمنين عليه السلام ، لأنّها كانت صدّيقة ، لم يكن ليغسلها إلاّ صدّيق(2) .
يعني بالنعش(1) .
ص: 179
وروي : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال عند دفنها عليهاالسلام :
السلام عليك يا رسول اللّه عنّي وعن ابنتك النازلة في جوارك ، والسريعة اللّحاق بك ، قلّ عن صفيّتك صبري ، ورقّ فيها تجلّدي ، إلاّ أنّ التأسّي بعظيم فرقتك ، وفادح مصيبتك موضع تعزّ ، فلقد وسّدتك في ملحود قبرك ، وفاضت بين نحري وصدري نفسك ، « إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » .
فلقد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرهينة ، أمّا حزني فسرمد ، وأمّا ليلي فمسهّد ، إلى أن يختار اللّه لي دارك التي أنت بها مقيم ، وينقلني من الأكدار والتأثيم ، وستنبئك ابنتك فاحفها السؤال ، واستخبرها الحال ، هذا ، ولم يطل العهد ، ولم يخلق الذكر .
والسلام عليكما سلام مودّع لا قال ولا سئم ، فإن أنصرف فلا عن ملالة ، وإن أقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد اللّه الصابرين(1) .
وروي : أنّه لمّا صار بها إلى القبر المبارك خرجت يد فتناولها وانصرف .
عبد الرحمن الهمداني وحميد الطويل : أنّه عليه السلام أنشأ على شفير قبرها عليهاالسلام :
ذكرت أبا ودّي فبتّ كأنّني
بردّ الهموم الماضيات وكيل
لكلّ اجتماع من خليلين فرقة
وكلّ الذي دون الفراق قليل
وإنّ افتقادي فاطم بعد أحمد
دليل على أن لا يدوم خليل
ص: 180
فأجاب هاتف :
يريد الفتى أن لا يدوم خليله
وليس له إلاّ الممات سبيل
فلابدّ من موت ولابدّ من بلى
وإنّ بقائي بعدكم لقليل
إذا انقطعت يوما من العيش مدّتي
فإنّ بكاء الباكيات قليل
ستعرض عن ذكري وتنسى مودّتي
ويحدث بعدي للخليل بديل(1)
* * *
وقال صلى الله عليه و آله : منبري على ترعة من ترع الجنّة(1) .
وقالوا : حدّ الروضة ما بين القبر إلى المنبر إلى الأساطين التي تلي صحن المسجد(2) .
أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن قبر فاطمة عليهاالسلام .
فقال : دفنت في بيتها ، فلمّا زادت بنو أميّة في المسجد صارت في المسجد(3) .
ص: 182
ص: 184
ص: 185
ص: 186
نفسي تقرّ بأنّها
يوم القيامة غانمه
بنبيّها ووصيّها
والسيدين وفاطمه
* * *
قال ديك الجنّ :
يا قبر الذي فاطمة ما مثله
قبرا بطيبة طاب فيه مبيتا
إذ فيك حلّت زهرة الدنيا التي
بحلى محاسن وجهها حلّيتا
فسقى ثراك الغيث ما بقيت به
نور القبور بطيبة وبقيتا
فلقد بريّاها ظللت مطيبا
وغداك مسكا في الأنوف قتيتا
* * *
ص: 187
ص: 188
باب : مناقب فاطمة الزهراء عليهاالسلام
فصل 1 : في تفضيلها على النساء
( 7 - 26 )
الآيات··· 9
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ··· 9
وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ··· 13
لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى··· 13
وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُْنْثى··· 14
وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ··· 14
لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ . .··· 15
نساء ذكرهنّ القرآن على وجه الكناية··· 15
نساء ذكرهنّ القرآن بخصال··· 16
أعطى اللّه عشرة أشياء لعشرة من النساء··· 17
أعطى اللّه الإجابة لعشرة··· 17
ص: 189
اهتمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعشرة أشياء فآمنه اللّه وبشّره بها··· 18
رأس التوّابين أربعة··· 19
خوّفت أربعة من الصالحات··· 19
رأس البكّائين ثمانية··· 20
خير نساء العالمين أربعة··· 21
فضّلها النبي صلى الله عليه و آله على سائر النساء في الدارين··· 23
في الحساب··· 25
علّة تفضيلها على أخواتها··· 25
فصل 2 : في منزلتها عند اللّه تعالى
( 27 - 48 )
آيات لموافقتها لترضى··· 29
زوجة أمير المؤمنين عليه السلام في الدنيا والآخرة··· 29
اللّه تعالى وكيل فاطمة عليهاالسلام··· 30
لم يذكر اللّه الحور في « هَلْ أَتى »··· 30
أصاب فاطمة عليهاالسلام ثلث النور الذي خلق اللّه منه الجنّة··· 30
إنّ اللّه ليغضب لغضبها ويرضى لرضاها··· 30
حرّم اللّه ذرّيّتها على النار··· 32
خير العمل برّ فاطمة عليهاالسلام وولدها··· 32
إنّ اللّه يحبّ فاطمة عليهاالسلام ويحبّ من يحبّها··· 33
ص: 190
غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة عليهاالسلام··· 33
تظلّمها عليهاالسلام في القيامة··· 36
تظلّمها عليهاالسلام لولدها الحسين عليه السلام··· 37
رقاع زواج فاطمة عليهاالسلام··· 39
ضحكت فاطمة عليهاالسلام فأشرقت الجنان من نورها··· 42
ضحكت جارية الإمام عليه السلام فأشرق النور من فيها··· 43
فاطمة عليهاالسلام أوّل من يدخل الجنّة··· 44
علل أسمائها عليه السلام··· 45
لم سمّيت فاطمة عليهاالسلام ؟··· 45
فطم محبّها عليهاالسلام من النار··· 45
فطمت من الشرّ··· 46
فطمت من الطمث··· 46
لم سمّيت بتولاً ؟··· 47
لم سمّيت الزهراء ؟··· 47
فصل 3 : في حبّ النبي صلى الله عليه و آله إيّاها
( 49 - 66 )
فاطمة عليهاالسلام أحبّ النساء إلى النبي صلى الله عليه و آله··· 51
بين أمير المؤمنين وفاطمة عليهماالسلام··· 52
بين المهاجرين والأنصار وبني هاشم··· 53
ص: 191
إنّما فاطمة عليهاالسلام بضعة منّي··· 54
دلالة هذا القول على عصمتها عليهاالسلام··· 56
زيارتها عليهاالسلام قبل وبعد كلّ سفر وتقبيلها··· 57
دلالة فعل النبي صلى الله عليه و آله··· 58
النبي صلى الله عليه و آله يمسح على رأسها عليهاالسلام ووجهها··· 58
جنّة فاطمة وعلي عليهماالسلام الخاصّة··· 59
فاطمة وعلي عليهماالسلام أكرم الخلق وأحبّهم إلى النبي صلى الله عليه و آله··· 60
لا ينام صلى الله عليه و آله حتى يقبّل فاطمة عليهاالسلام··· 62
كان صلى الله عليه و آله يكثر تقبيل فاطمة عليهاالسلام فغارت . .··· 62
رؤيا العباسي وتأويل الربيع الناصب··· 64
رجل شتم فاطمة عليهاالسلام··· 65
فصل 4 : في معجزاتها عليهاالسلام
( 67 - 80 )
كانت عليهاالسلام محدّثة··· 69
إستئذان ملك الموت من فاطمة عليهاالسلام لقبض النبي صلى الله عليه و آله··· 70
نزول جبرئيل لمواساة فاطمة عليهاالسلام··· 71
للّه ملائكة موكّلون بمعونة فاطمة عليهاالسلام··· 72
توسّل أم أيمن بفاطمة عليهاالسلام··· 74
كرامة شهرة بنت فضّة خادمة فاطمة عليهاالسلام··· 74
كلّما دخل عليها صلى الله عليه و آله وجد عندها رزقا··· 75
ص: 192
أسلم ثمانون ببركة أنوار كسوة فاطمة عليهاالسلام··· 76
سألت ربّها خاتما فأعطاها··· 76
خلّوا ابن عمّي أو لأكشف للدعاء . .··· 77
معجزاتها عليهاالسلام أيّام الحمل بها وولادتها··· 78
فصل 5 : في سيرتها عليهاالسلام
( 81 - 96 )
صدقها عليهاالسلام··· 83
عبادتها عليهاالسلام··· 83
علمها وسترها وحجابها··· 84
حزنها بعد أبيها··· 86
عملها في البيت··· 86
رضيت عليهاالسلام عن علي عليهماالسلام فجعله اللّه قسيم الجنّة والنار··· 88
فداها أبوها . . أنت منّي يا فاطمة··· 89
فضّة جارية فاطمة عليهاالسلام تتكلّم بالقرآن··· 91
زوّجتك أخي في الدنيا والآخرة··· 92
فصل 6 : في تزويجها عليهاالسلام
( 97 - 128 )
ردّ صلى الله عليه و آله جميع خطّابها··· 99
خطبة أمير المؤمنين عليه السلام··· 100
ص: 193
الزواج في السماء··· 102
نثار الزواج··· 102
الخطبة والزواج في السماء··· 103
خطبة راحيل عليه السلام··· 105
زوّجهما اللّه وأشهد ملائكته··· 106
تاريخ زواج النورين··· 108
نزول الملك محمود بأمر الزواج··· 108
الأمر الإلهي بالتزويج··· 109
الزواج في الأرض··· 111
النبي صلى الله عليه و آله يستأمر فاطمة عليهاالسلام··· 111
خطبة النبي صلى الله عليه و آله··· 111
خطبة أمير المؤمنين عليه السلام والعقد المبارك··· 112
مقدار المهر··· 115
جهاز فاطمة عليهاالسلام··· 118
تجهيز أمير المؤمنين عليه السلام داره··· 120
الوليمة والزفاف··· 120
أراجيز الزفاف··· 122
دعاء النبي صلى الله عليه و آله لهما عند الزفاف··· 124
مبيت أسماء عندها أسبوعا··· 125
زيارتهما صبيحة العرس··· 126
ص: 194
فصل 7 : في حليتها وتواريخها عليهاالسلام
( 129 - 148 )
حليتها عليهاالسلام··· 131
تواريخها عليهاالسلام··· 132
مشهدها وقبرها عليهاالسلام··· 133
كناها عليهاالسلام··· 134
أسماؤها عليهاالسلام··· 134
أولادها عليهم السلام··· 136
في المفردات··· 141
بشّرها النبي صلى الله عليه و آله وبعلها وابنيها بالجنّة··· 141
بين فاطمة ومريم عليهماالسلام··· 142
البشارة لهما عليهماالسلام بالولد··· 142
مدّة الحمل··· 142
شرف الآباء والكفالة والولادة··· 142
المفاخر··· 143
نثار فاطمة عليهاالسلام··· 144
كلام الملائكة معها واصطفاؤها··· 145
رزق اللّه الخاصّ لفاطمة عليهاالسلام··· 145
خلقت فاطمة عليهاالسلام من رزق الجنّة ومريم . .··· 146
لفاطمة عليهاالسلام عشرون اسما ومريم . .··· 147
طهارة مريم وطهارة فاطمة وولدها عليهم السلام··· 147
ص: 195
فصل 8 : في وفاتها وزيارتها عليهاالسلام
( 149 - 188 )
عن قليل ينهدّ ركناك··· 151
إخبارها أنّها أوّل أهله لحوقا به··· 151
حالها بعد أبيها··· 153
وصيّتها عليهاالسلام··· 170
دفنها عليهاالسلام ليلاً والصلاة عليها وتغييب قبرها··· 171
غسلها عليهاالسلام··· 177
اتّخاذ النعش··· 178
وقوف أمير المؤمنين عليه السلام على قبرها عليهاالسلام··· 180
موضع قبرها عليهاالسلام··· 181
زيارتها عليهاالسلام··· 183
الفهرست··· 189
ص: 196
عنوان و نام پديدآور:مناقب آل ابی طالب/ تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب. تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.
مشخصات نشر:قم: المکتبه الحیدریه، 1432ق = 1390.
مشخصات ظاهری:12ج
وضعیت فهرست نویسی:در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)
يادداشت:ج.9. (چاپ اول)
شماره کتابشناسی ملی:2481606
ص: 1
مناقب آل أبي طالب
تأليف الإمام الحافظ رشيد الدين أبي عبد اللّه محمد بن علي بن شهرآشوب
الجزء التاسع
تحقيق السيد علي السيد جمال أشرف الحسيني
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
ص: 8
قال اللّه تعالى : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ » ، ولا اتّباع أحسن من اتّباع الحسن والحسين عليهماالسلام .
وقال تعالى : « أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ » ، فقد ألحق اللّه بهما ذرّيّتهما برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وشهد بذلك كتابه ، فوجب لهم الطاعة بحقّ الإمامة مثل ما وجب للنبي صلى الله عليه و آله لحقّ النبوة .
وقال - تعالى - حكاية عن حملة العرش : « الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْما فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ » .
ص: 9
وقال أيضا : « وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ » .
ولا يسبق النبي صلى الله عليه و آله في فضيلة ، وليس أحقّ بهذا الدعاء بهذه الصيغة منه وذريّته ، فقد وجب لهم الإمامة .
ويستدلّ على إمامتهما بما رواه الطريقان المختلفان ، والطائفتان المتباينتان من نصّ النبي صلى الله عليه و آله على إمامة الإثني عشر ، وإذا ثبت ذلك ، فكلّ من قال بإمامة الإثني عشر قطع على إمامتهما .
ويدلّ أيضا ما ثبت بلا خلاف : أنّهما عليهماالسلام دعوا الناس إلى بيعتهما والقول بإمامتهما ، فلا يخلو من أن يكونا محقّين أو مبطلين .
فإن كانا محقّين فقد ثبتت إمامتهما عليهماالسلام ، وإن كانا مبطلين وجب القول بتفسيقهما وتضليلهما ، وهذا لا يقوله مسلم .
ويستدلّ أيضا بأنّ طريق الإمامة لا يخلو إمّا أن يكون هو النصّ ، أو الوصف والاختيار ، وكلّ ذلك قد حصل في حقّهما ، فوجب القول بإمامتهما .
ص: 10
ويستدلّ أيضا بما قد ثبت بأنّهما خرجا وادّعيا ، ولم يكن في زمانهما غير معاوية ويزيد ، وهما قد ثبت فسقهما ، بل كفرهما ، فيجب أن تكون الإمامة للحسن والحسين عليهماالسلام .
ويستدلّ أيضا بإجماع أهل البيت عليهم السلام ، لأنّهم أجمعوا على إمامتهما عليهماالسلام ، وإجماعهم حجّة .
ويستدلّ بالخبر المشهور أنّه قال صلى الله عليه و آله : ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا(1) ، أوجب لهما الإمامة بموجب القول سواء نهضا بالجهاد ، أو قعدا عنه ، دعيا إلى أنفسهما أو تركا ذلك .
وطريقة العصمة والنصوص ، وكونهما أفضل الخلق يدلّ على إمامتهما .
ص: 11
وكانت الخلافة في أولاد الأنبياء عليهم السلام ، وما بقي لنبينا صلى الله عليه و آله ولد سواهما عليهماالسلام .
ومن برهانهما بيعة رسول اللّه صلى الله عليه و آله لهما ، ولم يبايع صغيرا غيرهما(1) .
ونزول القرآن بإيجاب ثواب الجنّة عن عملهما مع ظاهر الطفولية(2) منهما ، قوله تعالى: « وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ » الآيات، فعمّهما بهذا القول مع أبويهما عليهم السلام.
وادخالهما عليهماالسلام في المباهلة ، قال ابن(3) علان المعتزلي : هذا يدلّ على أنّهما كانا مكلّفين في تلك الحال ، لأنّ المباهلة لا تجوز إلاّ مع البالغين(4) .
وقال أصحابنا : إنّ صغر السنّ عن حدّ البلوغ لا ينافي كمال العقل وبلوغ الحلم حدّا لتعلّق الأحكام الشرعية ، فكان ذلك لخرق العادة .
ص: 12
فثبت بذلك أنّهما كانا حجّة اللّه لنبيه صلى الله عليه و آله في المباهلة مع طفولتيهما ، ولو لم يكونا إمامين لم يحتجّ اللّه بهما مع صغر سنّهما على أعدائه ، ولم يتبيّن في الآية ذكر قبول دعائهما .
ولو أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجد من يقوم مقامهم عليهم السلام غيرهم لباهل بهم أو جمعهم معهم ، فاقتصاره عليهم عليهم السلام يبيّن فضلهم ونقص غيرهم(1) .
وقد قدّمهم في الذكر على الأنفس ليبيّن عن لطف مكانهم وقرب منزلهم ، وليؤذن بأنّهم مقدّمون على الأنفس معدّون بها .
وفيه دليل لا شيء أقوى منه : أنّهم أفضل خلق اللّه (2) .
واعلم أنّ اللّه - تعالى - قال في التوحيد والعدل : « قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ » .
وفي النبوة والإمامة : « فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ » .
وفي الشرعيات والأحكام : « قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ » .
وقد أجمع المفسّرون بأنّ المراد بأبنائنا الحسن والحسين عليهماالسلام .
قال أبو بكر الرازي : هذا يدلّ على أنّهما ابنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنّ ولد الابنة ابن على الحقيقة(3) .
وحديث المباهلة رواه الترمذي في جامعه ، وقال : هذا حديث حسن(4) .
ص: 13
وذكر مسلم : أنّ معاوية أمر سعد بن أبي وقاص أن يسبّ أبا تراب ، فذكر قول النبي صلى الله عليه و آله : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى . . الخبر . وقوله : لأعطين الراية غدا رجلاً . . الخبر . وقوله تعالى : « نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ »(1) . . القصّة .
وقد رواه أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس بإسناده عن سعد بن أبي وقّاص : قال لعلي عليه السلام ثلاث ، فلئن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم . . ثم روى الخبر بعينه(2) .
وفي أخرى لمسلم : قال سعد بن أبي وقّاص : لمّا نزلت قوله تعالى « فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ » ، دعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وقال : اللّهم هؤلاء أهلي(3) .
أبو نعيم الأصفهاني فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال الشعبي :
قال جابر : « وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ » رسول اللّه وعلي عليهماالسلام « أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ »الحسن والحسين عليهماالسلام « وَنِساءَنا » فاطمة(4) عليهاالسلام .
ص: 14
وروى الواحدي في أسباب نزول القرآن بإسناده عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل عن أبيه(1) .
وروى ابن البيع في معرفة علوم الحديث عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس(2) .
وروى مسلم في الصحيح(3) .
والترمذي في الجامع(4) .
وأحمد بن حنبل في المسند(5) ، وفي الفضائل أيضا(6) .
وابن بطّة في الإبانة .
وابن ماجة القزيني في السنن .
والأشنهي في اعتقاد أهل السنة .
والخركوشي في شرف النبي(7) صلى الله عليه و آله .
وقد رواه محمد بن إسحاق .
وقتيبة بن سعيد .
ص: 15
والحسن البصري .
ومحمود الزمخشري .
وابن جرير الطبري .
والقاضي أبو يوسف .
والقاضي المعتمد أبو العباس .
وروي عن ابن عباس .
وسعيد بن جبير .
ومجاهد .
وقتادة .
والحسن .
وأبي صالح .
والشعبي .
والكلبي .
ومحمد بن جعفر بن الزبير .
وأسد(1) .
ص: 16
أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني :
عن شهر بن حوشب .
وعن عمر بن علي .
وعن الكلبي .
وعن أبي صالح .
وعن ابن عباس .
وعن الشعبي .
وعن الثمالي .
وعن شريك .
وعن جابر .
وعن أبي رافع .
وعن الصادق عليه السلام .
وعن الباقر عليه السلام .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام .
وقد اجتمعت الإمامية والزيدية مع اختلاف رواياتهم على ذلك .
ومجمع الحديث من الطرق جميعا :
إنّ وفد نجران كانوا أربعين رجلاً ، وفيهم : السيّد ، والعاقب ، والقيس ، والحارث ، وعبد المسيح بن يونان أسقف نجران .
ص: 17
فقال الأسقف : يا أبا القاسم ! موسى عليه السلام من أبوه ؟ قال : عمران .
قال : فيوسف عليه السلام من أبوه ؟ قال : يعقوب عليه السلام .
قال : فأنت من أبوك ؟ قال : أبي عبد اللّه بن عبد المطلب .
قال : فعيسى عليه السلام من أبوه ؟ فأعرض النبي صلى الله عليه و آله عنهم ، فنزل : « إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ » الآية ، فتلاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فغشي عليه .
فلمّا أفاق قال : أتزعم أنّ اللّه - تعالى - أوحى إليك : أنّ عيسى خلق من تراب ؟! ما نجد هذا فيما أوحى إليك ، ولا نجده فيما أوحى الينا ، ولا يجده هؤلاء اليهود فيما أوحي إليهم ، فنزل : « فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ » الآية .
قال : أنصفتنا - يا أبا القاسم - فمتى نباهلك ؟
فقال : بالغداة إن شاء اللّه .
وانصرف النصارى ، فقال السيّد الحارث : ما تصنعون بمباهلته ؟ قال : إن كان كاذبا ما تصنع بمباهلته شيئا ، وإن كان صادقا لنهلكّن .
فقال الأسقف : إن غدا فجاء بولده وأهل بيته ، فاحذروا مباهلته ، وإن غدا بأصحابه فليس بشيء .
فغدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله محتضنا الحسين عليه السلام ، آخذا بيد الحسن عليه السلام ، وفاطمة عليهاالسلام تمشي خلفه ، وعلي عليه السلام خلفها .
وفي رواية : آخذا بيد علي عليه السلام ، والحسن والحسين عليهماالسلام بين يديه ، وفاطمة عليهاالسلام تتبعه .
ص: 18
ثم جثى بركبتيه ، وجعل عليا عليه السلام أمامه بين يديه ، وفاطمة عليهاالسلام بين كتفيه ، والحسن عليه السلام عن يمينه ، والحسين عليه السلام عن يساره ، وهو يقول لهم : إذا دعوت فأمّنوا .
فقال الأسقف : جثى - واللّه - محمد صلى الله عليه و آله كما يجثو الأنبياء للمباهلة ، وخافوا ، فقالوا : يا أبا القاسم ، أقلنا ، أقال اللّه عثرتك ، فقال : نعم ، قد أقلتكم .
فصالحوه على ألفي حلّة ، وثلاثين درعا ، وثلاثين فرسا ، وثلاثين حملاً .
ولم يلبث السيّد والعاقب إلاّ يسيرا حتى رجعا إلى النبي صلى الله عليه و آله وأسلما ، وأهدى العاقب له حلّة وعصا وقدحا ونعلين(1) .
وروي أنّه قال النبي صلى الله عليه و آله : والذي نفسي بيده ، إنّ العذاب قد تدلّى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولأضرم عليهم الوادي نارا ، ولاستأصل اللّه نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر ، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتى يهلكوا(2) .
وفي رواية: لوباهلتموني بمن تحت الكساء لأضرم اللّه عليكم نارا تأجّج، ثم ساقها إلى من وراءكم في أسرع من طرفة العين ، فأحرقتهم تأجّجا(3) .
ص: 19
وفي رواية : لو لاعنوني لقلعت دار(1) كلّ نصراني في الدنيا(2) .
وفي رواية : أما - والذي نفسي بيده - لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم بشر(3) .
وكانت المباهلة يوم الرابع والعشرين من ذي الحجّة(4) ، وروي يوم الخامس والعشرين ، والأوّل أظهر(5) .
قال الحميري :
تعالوا ندع أنفسنا فندعو
جميعا والأهالي والبنينا
وأنفسكم فنبتهل ابتهالاً
إليه ليلعن المتكبّرينا
فقد قال النبي وكان طبّا
بما يأتي وأزكى القائلينا
إذا جحدوا الولاء فباهلوهم
إلى الرحمن تأتوا غالبينا(6)
* * *
وله أيضا :
ولقد عجبت لقائل لي مرّة
علامة فهم من الفهماء
أهجرت قومك طاعنا في دينهم
وسلكت غير مسالك الفقهاء
ألا مزجت بحبّ آل محمد
حبّ الجميع فكنت أهل وفاء
ص: 20
فأجبته بجواب غير مباعد
للحقّ ملبوس عليه غطاء
أهل الكساء أحبّتي فهم اللذوا
فرض الإله لهم عليّ ولائي
ولمن أحبّهم ووالى دينهم
فلهم عليّ مودّة بصفاء
والعاندون لهم عليهم لعنتي
وأخصّهم منّي بقصد هجاء(1)
* * *
وله أيضا :
أو لم يقل للمشركين وكذّبوا
بالوحي واتّخذوا الهدى سخريّا
قوموا بأنفسنا وأنفسكم معا
ونساؤنا وبينكم وبنيّا
ندعو فنجعل لعنة اللّه التي
تغشى الظلام العاند المشنيّا
نصب الكساء فكان فيه خمسة
خير البريّة كلّها إنسيّا(2)
* * *
وله أيضا :
وفي أهل نجران عشية أقبلوا
إليه وحجّوا بالمسيح فأبدعوا
وردّوا عليه القول كفرا كذّبوا
وقد سمعوا ما قال فيه وارعووا
فقالوا تعالوا ندع أبناءنا معا
وأبناءكم ثم النساء فأجمعوا
وأنفسنا ندعوا وأنفسكم معا
ليجمعنا فيه من الأصل مجمع
فقالوا نعم فاجمع نباهلك بكرة
وللقوم فيه شرّة وتسرع
ص: 21
فجاؤوا وجاء المصطفى وابن عمّه
وفاطم والسبطان كي يتضرّعوا
إلى اللّه في الوقت الذي كان بينهم
فلمّا رأوهم أحجموا وتضعضعوا(1)
* * *
وله أيضا :
وبكرن علقمة النصارى أذعنت
في عزّها والباذخ المتعقد
إذ قال كرز هاؤموا أبناءكم
ونساءكم حتى نباهل في غد
فأتى النبي بفاطم ووليّها
وحسين والحسن الكريم المصعد
جبريل سادسهم فأكرم سادس
وأخير منتجب لأفضل مشهد(2)
* * *
وقال العوني في مذهته :
أما سمعتم خبر المباهله
أما علمتم أنّها مفاضله
بين الورى فهل رأى من عادله
في الفضل عند ربّه ما حامله
فيها ولا قرّبه نجيّا
إذ كان غير ناطق عن الهوى
إلاّ بأمر مبرم من ذي العلى
فكيف أقصاهم وأدنى المحتوى
إذا لقد ضلّ ضلالاً وغوى
ولم يكن حاشا له غويّا
* * *
ص: 22
وله أيضا :
هذا وقد شبّهه هارون من
موسى فهل لملكهم مثالها
هذا وقد شاركه يوم العبا
في نفسه فابتهل ابتهالها
وليلة الفراش من قال لها
قال علي مسرعا أنا لها
* * *
وقال ابن الرومي :
من مثل عترة أحمد ووصيّه
والخلق والخلق المهذّب والحجى
* * *
وقال الصاحب :
أفي رفعه يوم التباهل قدره
وذلك مجد ما علمت مواظب
أفي ضمّه يوم الكساء وقوله
هم أهل بيتي حين جبريل حاسب
* * *
وقال ابن الرومي :
قوم بهم قال النبي مباهلاً
وعليهم مدّ النجاد الأحرجا
عرج الأمين أخا من حبّه
وأبى بغير إخوة أن يعرجا
* * *
وقال خطيب منبج :
تعالوا ندع أنفسنا جميعا
وأهلينا الأقارب والبنينا
فنجعل لعنة اللّه ابتهالاً
على أهل العناد الكاذبينا
* * *
ص: 23
وقال ابن العودي :
هم باهلوا نجران من داخل العبا
فعاد المنادي عنهم وهو مفحم
وأقبل جبريل يقول مفاخرا
لميكال من مثلي وقد صرت منهم
فمن مثلهم في العالمين وقد غدا
لهم سيّد الأملاك جبريل يخدم
* * *
وقال آخر :
ويوم العبا قد كان باهل أحمد
به وبسبطيه شبير وشبر
وفاطمة خير النساء وهذه
لمعجزة لو أنّهم يتفكّروا
وقال لهم جبريل هل أنا منكم
ومرّ على الأملاك إذ ذاك يفخر
يقول أنا من أهل بيت محمد
وما أحد غيري على ذاك يقدر
* * *
وقال ابن رزيك :
لا تعذلنّي إنّني لا أقتفي
سبل الضلال لقول كلّ عذول
عند التباهل ما علمنا سادسا
تحت الكساء منهم سوى جبريل
* * *
وله أيضا :
بهم باهل اللّه أعداءه
وكان الرسول بهم باهلا
وهذا الكتاب وإعجازه
على من وفي بيت من انزلا
* * *
ص: 24
وروى أبو صالح ، ومجاهد ، والضحاك ، والحسن ، وعطاء ، وقتادة ، ومقاتل ، والليث ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وابن جبير ، وعمرو بن شعيب ، والحسن بن مهران ، والنقاش ، والقشيري ، والثعلبي ، والواحدي في تفاسيرهم .
وصاحب أسباب النزول ، والخطيب المكي في الأربعين ، وأبو بكر الشيرازي في نزول القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام ، والأشنهي في اعتقاد أهل السنّة ، وأبو بكر محمد بن أحمد بن الفضل النحوي في العروس في الزهد(1) .
وروى أهل البيت عليهم السلام عن الأصبغ بن نباتة وغيره عن الباقر عليه السلام ، واللّفظ له :
في قوله تعالى : « هَلْ أَتى عَلَى الإِْنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ » أنّه مرض الحسن والحسين عليهماالسلام ، فعادهما رسول اللّه صلى الله عليه و آله في جميع أصحابه وقال لعلي عليه السلام : يا أبا الحسن ، لو نذرت في ابنيك نذرا عافاهما اللّه ، فقال : أصوم ثلاثة أيام ، وكذلك قالت فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وجاريتهم فضّة ، فبرؤا .
فأصبحوا صياما ليس عندهم طعام ، فانطلق علي عليه السلام إلى يهودي يقال
له « فنحاص بن الحارا » - وفي رواية : شمعون بن حاريا - يستقرضه ،
ص: 25
وكان يعالج الصوف ، فأعطاه جزّة من صوف وثلاثة أصوع من الشعير ، وقال : تغزلها ابنة محمد صلى الله عليه و آله .
فجاء بذلك ، فغزلت فاطمة عليهاالسلام ثلث الصوف ، ثم طحنت صاعا من الشعير وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص .
فلمّا جلسوا خمستهم ، فأوّل لقمة كسرها علي عليه السلام إذا مسكين على الباب يقول : السلام عليكم يا أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله ، أنا مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني ممّا تأكلون ، أطعمكم اللّه على موائد الجنّة ، فوضع اللّقمة من يده وقال :
فاطم ذات المجد واليقين
يا بنت خير الناس أجمعين
أما ترين البائس المسكين
قد قام بالباب له حنين
يشكو الينا جائع حزين
كلّ امرئ بكسبه رهين
* * *
فقالت فاطمة عليهاالسلام :
أمرك سمعا يا بن عمّ طاعه
ما فيّ من لؤم ولا وضاعه
أطعمه ولا أبالي الساعه
أرجو إذا أشبعت ذا مجاعه
أن ألحق الأخيار والجماعه
وأدخل الخلد ولي شفاعه
* * *
ودفعت ما كان على الخوان إليه ، وباتوا جياعا ، وأصبحوا صياما ، ولم يذوقوا إلاّ الماء القراح .
ص: 26
فلمّا أصبحوا غزلت الثلث الثاني ، وطحنت صاعا من الشعير وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص .
فلمّا جلسوا خمستهم ، وكسر علي عليه السلام لقمة إذا يتيم على الباب يقول : السلام عليكم أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله ، أنا يتيم من أيتام المسلمين ، أطعموني ممّا تأكلون ، أطعمكم اللّه من موائد الجنّة ، فوضع اللّقمة من يده ، وقال :
فاطم بنت السيّد الكريم
بنت نبي ليس بالذميم
قد جاءنا اللّه بذا اليتيم
من يرحم اليوم فهو رحيم
موعده في جنّة النعيم
حرّمها اللّه على اللئيم
* * *
وقالت فاطمة عليهاالسلام :
إنّي أعطيه ولا أبالي
وأوثر اللّه على عيالي
أمسوا جياعا وهم أشبالي
ثم دفعت ما كان على الخوان إليه ، وباتوا جياعا لا يذوقون إلاّ الماء القراح .
فلمّا أصبحوا غزلت الثلث الباقي ، وطحنت الصاع الباقي وعجنته ، وخبزت منه خمسة أقراص .
فلمّا جلسوا خمستهم ، فأوّل لقمة كسرها علي عليه السلام إذا أسير من أسراء المشركين على الباب يقول : السلام عليكم أهل بيت محمد صلى الله عليه و آلهتأسروننا وتشدّوننا ولا تطعموننا ، فوضع علي عليه السلام من يده اللّقمة ، وقال :
ص: 27
فاطم يا بنت النبي أحمد
بنت نبي سيّد مسوّد
هذا أسير للنبي المهتدي
مكبّل في غلّه مقيّد
يشكو الينا الجوع قد تقدد
من يطعم اليوم يجده في غد
عند العلي الواحد الممجّد
* * *
فقالت فاطمة عليهاالسلام :
لم يبق ممّا كان غير صاع
قد دميت كفّي مع الذراع
وما على رأسي من قناع
إلاّ عباء نسجه يضاع
ابناي واللّه من الجياع
يا ربّ لا تتركهما ضياع
أبوهما للخير ذو اصطناع
عبل الذراعين شديد الباع
* * *
وأعطته ما كان على الخوان ، وباتوا جياعا ، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شيء .
فرآهم النبي صلى الله عليه و آله جياعا ، فنزل جبرئيل عليه السلام ومعه صحفة من الذهب مرصّعة بالدر والياقوت ، مملوءة من الثريد ، وعراقا يفوح منه رائحة المسك والكافور ، فجلسوا فأكلوا حتى شبعوا ، ولم تنقص منها لقمة واحدة .
وخرج الحسين عليه السلام ومعه قطعة عراق ، فنادته امرأة يهودية : يا أهل بيت الجوع من أين لكم لكم هذا ؟! أطعمنيها ، فمدّ يده الحسين عليه السلام ليطعمها ، فهبط جبرئيل عليه السلام فأخذها من يده ، ورفع الصحفة إلى السماء .
ص: 28
فقال النبي صلى الله عليه و آله : لولا ما أراد الحسين عليه السلام من إطعام الجارية تلك القطعة لتركت تلك الصحفة في أهل بيتي يأكلون منها إلى يوم القيامة لا تنقص لقمة ، ونزلت : « يُوفُونَ بِالنَّذْرِ » .
وكانت الصدقة في ليلة خمس وعشرين من ذي الحجّة ، ونزلت « هَلْ أَتى » في يوم الخامس والعشرين منه(1) .
* * *
الخركوشي في شرف المصطفى صلى الله عليه و آله عن زينب بنت حصين في خبر : إنّ النبي صلى الله عليه و آله دخل على فاطمة عليهاالسلام غداة من الغدوات ، فقالت : يا أبتاه قد أصبحنا وليس عندنا شيء ، فقال : هاتي ذينك الطيرين .
فالتفتت فإذا طيران خلفها ، فوضعتهما عنده ، فقال لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام : كلوا بسم اللّه .
فبينما هم يأكلون إذ جاءهم سائل ، فقام على الباب فقال : السلام عليكم يا أهل البيت ، أطعمونا ممّا رزقكم اللّه ، فردّ النبي صلى الله عليه و آله : يطعمك اللّه يا عبد اللّه .
فمكث غير بعيد ، ثم رجع ، فقال مثل ذلك ، ثم ذهب ثم رجع ، فقالت فاطمة عليهاالسلام : يا أبتاه سائل ، فقال : يا بنتاه ، هذا هو الشيطان جاء ليأكل من هذا الطعام ، ولم يكن اللّه ليطعمه هذا من طعام الجنّة(2) .
ص: 29
وقال : وجاء سبب قوله « وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِينا وَيَتِيما وَأَسِيرا » موافقا لقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهماالسلام سيّد الأولياء وأبى الأئمة النجباء الهادين بجدّ إلى الحقّ .
حساب كلّ منهما ألف وثلاثمائة وثلاث وتسعون .
قال ابن رزيك :
ولايتي لأمير المؤمنين علي
بها بلغت الذي أرجوه من أملي
إن كان قد أنكر الحسّاد رتبته
في جوده فتمسّك يا أخي بهل
* * *
وله أيضا :
آل رسول الإله قوم
مقدارهم في العلى خطير
إذ جاءهم سائل يتيم
وجاء من بعده أسير
أخافهم في المعاد يوم
معظم الهول قمطرير
فقد وقوا شرّ ما اتّقوه
وصار عقباهم السرور
في جنّة لا يرون فيها
شمسا ولا ثمّ زمهرير
يطوف ولدانهم عليهم
كأنّهم لؤلؤ نثير
لباسهم في جنان عدن
سندسها الأخضر الحرير
جازاهم ربّهم بهذا
وهو لما قد سعوا شكور
* * *
ص: 30
وله أيضا :
إنّ الأبرار يشربون بكأس
كان حقّا مزاجها كافورا
ولهم أنشأ المهيمن عينا
فجّروها عباده تفجيرا
وهداهم وقال يوفون بالنذر
فمن مثلهم يوفي النذورا
ويخافون بعد ذلك يوما
هائلاً كان شرّه مستطيرا
يطعمون الطعام ذا اليتيم والمس
كين في حبّ ربّهم والأسيرا
إنّما نطعم الطعام لوجه اللّه
لا نبتغي لديكم شكورا
غير أنّا نخاف من ربّنا يوما
فوقاهم إلههم ذلك اليوم
ويلقون نضرة وسرورا
وجزاهم بأنّهم صبروا في
السرّ والجهر جنّة وحريرا
متكئين لا يرون لدى الجنّة
شمسا كلاّ ولا زمهريرا
وعليهم ظلالها دانيات
ذلّلت في قطوفها تيسيرا
وبأكواب فضّة وقوارير
قوارير قدّرت تقديرا
ويطوف الولدان فيها عليهم
فيخالون لؤلؤا منثورا
بكؤوس قد مزجت زنجبيلاً
لذّة الشاربين تشفي الصدورا
ويحلّون بالأساور فيها
وسقاهم ربّي شرابا طهورا
وعليهم فيها ثياب من السندس
خضر في الخلد تلمع نورا
إنّ هذا لكم جزاء من اللّه
وقد كان سعيكم مشكورا
ص: 31
وله أيضا :
واللّه أثنى عليهم
لمّا وفوا بالنذور
وخصّهم وحباهم
بجنّة وحرير
لا يعرفون بشمس
فيها ولا زمهرير
يسقون فيها كأسا
رحيقا ممزوجا بكافور
* * *
وله أيضا :
في هل أتى حين على الانسان ما
يقنع من جادل فيه وشبا(1)
يوفون بالنذر وما أعطاهمربّهم من كلّ فضل وحبا
* * *
وله أيضا :
في هل أتى إن كنت تقرأ هل أتى
ستصيب سعيهم بها مشكورا
إذ أطعموا المسكين ثمّة أطعموا
الطفل اليتيم وأطعموا المأسورا
قالوا لوجه اللّه نطعمكم فلا
منكم جزاء نبتغي وشكورا
إنّا نخاف ونتقي من ربّنا
يوما عبوسا لم يزل محذورا
فوقوا بذلك شرّ يوم باسل(2)
ولقوا بذلك نضرة وسرورا
وجزاهم ربّ العباد بصبرهم
يوم القيامة جنّة وحريرا
وسقاهم من سلسبيل كأسها
بمزاجها قد فجّرت تفجيرا
ص: 32
يسقون فيها من رحيق تختم
بالمسك كان مزاجها كافورا
فيها قوارير لها من فضّة
وأكواب قد قدّرت تقديرا
يسعى بها ولدانهم فتخالهم
للحسن منهم لؤلؤا منثورا
* * *
وله أيضا :
هل أتى فيهم تنزل فيها
فضلهم محكما وفي السورات
يطعمون الطعام خوفا فقيرا
ويتيما وعانيا في العنات(1)
إنّما نطعم الطعام لوجه اللّه لا للجزاء في العاجلات
فجزاهم بصبرهم جنّة الخلدبها من كواعب خيرات
* * *
وقال الصاحب :
وإذا قرأنا هل أتى
قرأت وجوههم عبس
* * *
وله أيضا :
علي له في هل أتى ما تلوتم
على الرغم من آنافكم فتفرّدوا
* * *
وقال الناشي :
ولقد تبيّن فضلهم في هل أتى
فضل تذلّ به قلوب الحسّد
وجزاؤهم بالصبر ما هو جنّة
فيه الحرير لباسهم لم ينفد
ص: 33
يسقون فيها سلسبيل يديرها
ولدان حور بين حور خرّد(1)
* * *
وله أيضا :
هل أتى على الإنسان حين من ال
دهر مع الخلق لم يكن مذكورا
وابتدا نطفة هنالك أمشاجا
غدا بعده سميعا بصيرا
وهدى نسله فأصبح إمّا
شاكرا مؤمنا وإمّا كفورا
إنّ الأبرار يشربون بكأس
كان مزاجها لهم كافورا
هي عين تجري بقدرة ربّي
فجّرتها عباده تفجيرا
إذ وفوا نذرهم يخافون يوما
في غد كان شرّه مستطيرا
يطعمون الطعام مسكينهم ثم
يتيما ويطعمون الأسيرا
أطعموهم للّه لا لجزاء
أطعموهم ولم يريدوا شكورا
ثم قالوا نخاف من ربّنا يوما
عبوسا لهوله قمطريرا
فيوقون شرّ ذلك اليوم
ويلقون نضرة وسرورا
وجزاهم بصبرهم في العظيمات
على الضيم جنّة وحريرا
واتكاهم على الأرائك لا يرون
فيها شمسا ولا زمهريرا
دانيات الظلال قدذلّل القطف(2)
وإن كان قد علا تسميرا(3)
ص: 34
وعليهم تدور آنية الفضّة
تحوي شرابها المذخورا
في قوارير فضّة قدروها
في ثنايا كمالها تقديرا
ويسقون زنجبيلاً لدى الكاس
مزاجا وسلسبيلاً عبيرا
ويطوف الولدان فيهم يخالون
من الحسن لؤلؤا منثورا
وإذا ما رأيت ثم تأملت
نعيما لهم وملكا كبيرا
وثياب عليهم سندس خضر
وحلّوا أساورا وشذورا
وسقاهم في القدس ربّهم اللّه
شرابا من الجنان طهورا
إنّ هذا هو الجزاء وما زال
بلا شكّ سعيهم مشكورا
* * *
وقال الرئيس العباس الضبي :
هل أتى أنزلت بفضل علي
فمعاديه هل أتى لرشيد
* * *
وقال آخر :
أحببت من لو سألت هل أتى
عنه لقالت فيه قد أنزلت
أمّي حكت أم زياد الدعي
إن كنت فيما قلته أبطلت
* * *
وقال آخر :
أوفوا لربّهم النذور
يخشون شرّا مستطيرا
إذ أطعموا مسكينهم
ويتيمهم ثم الأسيرا
من خوفهم من ربّهم
يوما عبوسا قمطريرا
فوقوا شرور جهنّم
ولقوا به خيرا كثيرا
ص: 35
أبو صالح عن ابن عباس في قوله : « الْحَمْدُ لِلّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى » ، قال : هم أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وأولادهم عليهم السلام إلى يوم القيامة ، هم صفوة اللّه وخيرته من خلقه .
أبو نعيم الفضل بن دكين عن سفيان عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير في قوله تعالى : « وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيّاتِنا » الآية ، قال : نزلت هذه الآية - واللّه - خاصّة في أمير المؤمنين(1) عليه السلام .
قال : كان أكثر دعائه يقول : « رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا » ، يعني فاطمة عليهاالسلام ، « وَذُرِّيّاتِنا » ، يعني الحسن والحسين عليهماالسلام ، « قُرَّةَ أَعْيُنٍ »(2) .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : واللّه ما سألت ربّي ولدا نضير الوجه ، ولا سألت ولدا حسن القامة ، ولكن سألت ربّي ولدا مطيعين للّه خائفين وجلين منه ، حتى إذا نظرت إليه وهو مطيع للّه قرّت به عيني .
قال : « وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماما » ، قال : نقتدي بمن قبلنا من المتّقين
ص: 36
فيقتدي المتّقون بنا من بعدنا(1) .
وقال اللّه : « أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا » يعني علي بن أبي طالب والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام « وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاما خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاما » .
وقد روي أنّ « وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ »(2) نزلت فيهم(3) .
الصادق عليه السلام في قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورا تَمْشُونَ بِهِ » قال : الكفلين الحسن والحسين عليهماالسلام ، والنور علي(4) عليه السلام .
وفي رواية سماعة عنه عليه السلام : « نُورا تَمْشُونَ بِهِ » قال : إماما تأتّمون به(5) .
ص: 37
ويقال في قوله تعالى : « وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ » أنّ اللّه - تعالى - بنى الدنيا والعقبى على ثلاثين زوجا ، عشرة للعالم الأصغر ، وهي :
العينان ، والأذنان ، والخدان ، والشفتان ، والمنكبان ، والساعدان ، واليدان ، والساقان ، والرجلان .
وعشرة للعالم الأكبر وهي :
الملوان(1) ، والعصران(2) ، والخافقان(3) ، والأزهران(4) ، والسعدان(5) ، والنحسان(6) ، والحجران(7) ، والأقطعان ، والأبهمان ، والأفجران .
وعشرة للدنيا والآخرة ، وهي :
الداران ، والغاران ، والأصغران ، والأكبران ، والأصمعان ، والزوجان، والحافظان ، والأمران ، والحرمان ، والحسنان .
واعلم أنّ الخطّ جزءان ، والمؤلف جوهران ، والموجبان إثنان عقلي وشرعي ، والكلام إثنان مهمل ومستعمل في كثير من ذلك ، ومنه الأبوان والجدّان والزوجان ، وذلك كثير .
ص: 38
قال المؤلف :
نفسي تفدى لسيدي الحسنين
من أحمد والوصيّ خير الثقلين
زوجان فذا مثل السمع وذا مثل العين
فاسلك فيها من كلّ زوجين إثنين
* * *
ص: 39
ص: 40
ص: 41
ص: 42
أحمد بن حنبل وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما ، وابن ماجة في السنن ، وابن بطّة في الإبانة ، وأبو سعيد في شرف النبي صلى الله عليه و آله ، والسمعاني في فضائل الصحابة ، بأسانيدهم عن أبي حازم عن أبي هريرة :
قال النبي صلى الله عليه و آله : من أحبّ الحسن والحسين عليهماالسلام فقد أحبّني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني(1) .
جامع الترمذي بإسناده عن أنس بن مالك قال : سئل رسول اللّه صلى الله عليه و آله أيّ أهل بيتك أحبّ إليك ؟ قال : الحسن والحسين(2) عليهماالسلام .
ص: 43
وقال : من أحبّ الحسن والحسين عليهماالسلام أحببته ، ومن أحببته أحبّه اللّه ، ومن أحبّه اللّه أدخله الجنّة ، ومن أبغضهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه اللّه ، ومن أبغضه اللّه خلده النار(1) .
جامع الترمذي ، وفضائل أحمد ، وشرف المصطفى صلى الله عليه و آله ، وفضائل السمعاني ، وأمالي ابن شريح ، وإبانة ابن بطّة :
إنّ النبي صلى الله عليه و آله أخذ بيد الحسن والحسين عليهماالسلام ، فقال : من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما كان معي في درجتي في الجنّة يوم القيامة(2) .
وقد نظمه أبو الحسين في نظم الأخبار فقال :
أخذ النبي يد الحسين وصنوه
يوما وقال وصحبه في مجمع
من ودّني يا قوم أو هذين أو
أبويهما فالخلد مسكنه معي
* * *
جامع الترمذي ، وإبانة العكبري ، وكتاب السمعاني ، بالإسناد عن أسامة بن زيد قال :
ص: 44
طرقت على النبي صلى الله عليه و آله ذات ليلة في بعض الحاجة ، فخرج ، وهو مشتمل على شيء ، ما أدري ما هو .
فلمّا فرغت من حاجتي فقلت : ما هذا الذي أنت مشتمل عليه ؟ فكشفه ، فإذا هو الحسن والحسين عليهماالسلام على وركيه .
فقال : هذان ابناي وابنا ابنتي ، اللّهم إنّي أحبّهما فأحبّهما ، وأحبّ من يحبّهما(1) .
فضائل أحمد ، وتاريخ بغداد ، بالإسناد عن عمر بن عبد العزيز قال : زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم :
إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خرج وهو محتضن أحد ابني ابنته - حسنا أو حسينا عليهماالسلام - وهو يقول : إنّكم لتنجبون(2) وتجهّلون وتبخّلون ، وإنّكم لمن
ريحان اللّه (3) .
ص: 45
علي بن صالح بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه و آله ، والحسن والحسين عليهماالسلام جالسان على فخذيه : من أحبّني فليحبّ هذين(1) .
أبو صالح وأبو حازم عن ابن مسعود وأبو هريرة قالا : خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومعه الحسن والحسين عليهماالسلام ، هذا على عاتقه ، وهذا على عاتقه ، وهو يلثم هذا مرّة وهذا مرّة ، حتى انتهى الينا ، فقال له رجل : يا رسول اللّه ، إنّك لتحبّهما !
فقال : من أحبّهما فقد أحبّني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني(2) .
الترمذي في الجامع ، والسمعاني في الفضائل ، عن يعلى بن مرّة الثقفي ، والبراء بن عازب ، وأسامة ابن زيد ، وأبي هريرة ، وأم سلمة ، في أحاديثهم :
إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال للحسن والحسين عليهماالسلام : اللّهم إنّي أحبّهما(3) .
ص: 46
وفي رواية : وأحبّ من أحبّهما(1) .
أبو الحويرث : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : اللّهم أحبّ حسنا وحسينا ، وأحبّ من يحبّهما .
معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ حبّ علي قذف في قلوب المؤمنين ، فلا يحبّه إلاّ مؤمن ، ولا يبغضه إلاّ منافق ، وإنّ حبّ الحسن والحسين قذف في قلوب المؤمنين والمنافقين والكافرين ، فلا ترى لهم ذامّا .
ودعا النبي صلى الله عليه و آله الحسن والحسين عليهماالسلام قرب موته ، فقبّلهما وشمّهما ، وجعل يرشفهما وعيناه تهملان .
شرف النبي صلى الله عليه و آله عن الخركوشي ، والفردوس عن الديلمي عن ابن عمر ، والجامع عن الترمذي عن أبي هريرة ، والصحيح عن البخاري ، ومسند الرضا عليه السلام عن آبائه عن النبي صلى الله عليه و آله ، واللّفظ له قال :
الولد ريحانة ، والحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا(2) .
ص: 47
قال الترمذي : هذا حديث صحيح ، وقد رواه شعبة ومهدي بن ميمون عن محمد بن يعقوب(1) .
ويروى عنه عليه السلام أنّه قال : إنّكما من ريحان اللّه (2) .
وفي رواية عتبة بن غزوان : أنّه وضعهما في حجره ، وجعل يقبّل هذا مرّة وهذا مرّة ، فقال قوم : أتحبّهما يا رسول اللّه ؟
فقال صلى الله عليه و آله : ما لي لا أحبّ ريحانتي من الدنيا(3) .
وروى نحوا من ذلك راشد بن علي ، وأبو أيوب الأنصاري ، والأشعث بن قيس عن الحسين(4) عليه السلام .
قال الشريف الرضي رضى الله عنه : شبّه بالريحان ، لأنّ الولد يشمّ ويضمّ كما يشمّ الريحان ، وأصل الريحان مأخوذ من الشيء الذي يتروّح إليه ، ويتنفّس من الكرب به(5) .
ص: 48
ومن شفقته :
ما رواه صاحب الحلية بالإسناد عن منصور بن المعتمر عن أبي إبراهيم عن علقمة عن عبد اللّه ، وعن ابن عمر قال كلّ واحد منّا ! :
كنّا جلوسا عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إذ مرّ به الحسن والحسين عليهماالسلام ، وهما صبيّان ، قال : هات ابني أعوّذهما بما عوّذ به إبراهيم عليه السلام ابنيه إسماعيل وإسحاق عليهماالسلام .
فقال : « أعيذكما بكلمات اللّه التامّة من كلّ عين لامّة ومن كلّ شيطان وهامة »(1) .
ابن ماجة في السنن ، وأبو نعيم في الحلية ، والسمعاني في الفضائل بالإسناد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس :
إنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يعوّذ حسنا وحسينا ، فيقول : « أعيذكما بكلمات اللّه التامّة من كلّ شيطان وهامة ومن كلّ عين لامّة » .
ص: 49
وكان إبراهيم عليه السلام يعوّذ بها إسماعيل وإسحاق(1) عليهماالسلام .
وجاء في أكثر التفاسير : إنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يعوّذهما بالمعوّذتين ، ولهذا سمّيت المعوّذتين(2) .
وزاد أبو سعيد الخدري في الرواية ثم يقول : هكذا كان إبراهيم عليه السلاميعوّذ
ابنيه إسماعيل وإسحاق عليهماالسلام ، وكان يتفل عليهما .
ومن كثرة عوذ النبي صلى الله عليه و آله قال ابن مسعود وغيره : أنّهما عوذتان وليستا من القرآن الكريم(3) !
ابن بطّة في الإبانة ، وأبو نعيم بن دكين ، بإسنادهما عن أبي رافع قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله أذّن في أذن الحسن عليه السلام لمّا ولد ، وأذّن كذلك في أذن الحسين عليه السلام لمّا ولد(4) .
ص: 50
ابن غسان باسناده : أنّ النبي صلى الله عليه و آله عقّ الحسن والحسين عليهماالسلام شاة شاة ، وقال : كلوا وأطعموا وابعثوا إلى القابلة برجل ، يعني الربع المؤخر من الشاة(1) .
رواه ابن بطّة في الإبانة .
أحمد بن حنبل في المسند عن أبي هريرة : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقبّل الحسن والحسين عليهماالسلام ، فقال عيينة - وفي رواية غيره : الأقرع بن حابس - : إنّ لي عشرة ما قبّلت واحدا منهم قطّ ! فقال
صلى الله عليه و آله : من لا يرحم لا يرحم(2) .
وفي رواية حفص الفراء : فغضب رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى التمع لونه ، وقال للرجل : إن كان قد نزع الرحمة من قبلك فما أصنع بك ، من لم يرحم صغيرنا ويعزّز كبيرنا فليس منّا(3) .
أبو يعلى الموصلي في المسند عن أبي بكر بن أبي شيبة بإسناده عن ابن مسعود ، والسمعاني في فضائل الصحابة عن أبي صالح عن أبي هريرة :
ص: 51
إنّه كان النبي صلى الله عليه و آله يصلّي ، فإذا سجد وثب الحسن والحسين عليهماالسلام على ظهره ، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما ، فلمّا قضى الصلاة وضعهما في حجره ، وقال : من أحبّني فليحبّ هذين(1) .
وفي رواية الحلية : ذروهما بأبى وأمّي ، من أحبّني فليحبّ هذين(2) .
تفسير الثعلبي : قال الربيع بن خيثم لبعض من شهد قتل الحسين عليه السلام : جئتم بها معلّقيها - يعني الرؤوس - ثم قال : واللّه لقد قتلتم صفوة لو أدركهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله لقبّل أفواههم وأجلسهم في حجره ، ثم قرأ : « اللّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ »(3) .
ص: 52
ومن إيثارهما على نفسه صلى الله عليه و آله :
أنّه قال : عطش المسلمون عطشا شديدا ، فجاءت فاطمة بالحسن والحسين عليهم السلام إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فقالت :
يا رسول اللّه ، إنّهما صغيران لا يحتملان العطش ، فدعا الحسن عليه السلام فأعطاه لسانه ، فمصّه حتى ارتوى ، ثم دعا الحسين عليه السلام ، فأعطاه لسانه ، فمصّه حتى ارتوى(1) .
أبو صالح المؤذن في الأربعين ، وابن بطّة في الإبانة عن علي عليه السلام وعن الخدري ، وروى أحمد بن حنبل في مسند العشيرة ، وفضائل الصحابة عن عبد الرحمن بن الأزرق عن علي عليه السلام ، وقد روى جماعة عن أم سلمة ، وعن ميمونة ، واللفظ له عن علي عليه السلام قال :
رأينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد أدخل رجله في اللحاف - أو في الشعار - فاستسقى الحسن عليه السلام ، فوثب النبي صلى الله عليه و آله إلى منيحة لنا ، فمصّ من ضرعها ، فجعله في قدح ، ثم وضعه في يد الحسن عليه السلام ، فجعل الحسين عليه السلام يثب عليه ورسول اللّه صلى الله عليه و آله يمنعه ، فقالت فاطمة عليهاالسلام : كأنّه أحبّهما إليك يا رسول اللّه !
ص: 53
قال : ما هو بأحبّهما إليّ ، ولكنّه استسقى أوّل مرّة ، وإنّي وإيّاك وهذين وهذا المنجدل يوم القيامة في مكان واحد(1) .
ابن حازم عن أبي هريرة قال : رأيت النبي صلى الله عليه و آله يمصّ لعاب الحسن والحسين عليهماالسلام كما يمصّ الرجل التمرة(2) .
ص: 54
ومن فرط محبّته لهما :
ما روى يحيى بن أبي كثير وسفيان بن عيينة بإسنادهما : أنّه سمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بكاء الحسن والحسين عليهماالسلام ، وهو على المنبر ، فقام فزعا ، ثم قال :
أيّها الناس ، ما الولد إلاّ فتنة ، لقد قمت إليهما وما معي عقلي .
وفي رواية : وما أعقل(1) .
الخركوشي في اللوامع وفي شرف النبي صلى الله عليه و آله أيضا، والسمعاني في الفضائل، والترمذي في الجامع ، والثعلبي في الكشف ، والواحدي في الوسيط ، وأحمد بن حنبل في الفضائل ، وروى الخلف عن عبد اللّه بن بريدة قال :
سمعت أبي يقول : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يخطب على المنبر ، فجاء الحسن والحسين عليهماالسلام وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ، فنزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله من المنبر ، فحملهما ووضعهما بن يديه ، ثم قال : « إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ » إلى آخر كلامه(2) .
ص: 55
وقد ذكره أبو طالب الحارثي في قوت القلوب إلاّ أنّه تفرّد بالحسن بن علي(1) عليهماالسلام .
وفي خبر : أولادنا أكبادنا يمشون على الأرض(2) .
قال الحميري :
سبطان أمّهما الزهراء منتجبه
سادت نساء جميع العالميّات
ابنا الرسول الذي جلّت فضائله
إن عدّد الفضل عن وصف المقالات
وابنا الوصي الذي كانت ولايته
حتما من اللّه في تنزيل آيات
لولاه من ولد في بيت معلوة
تواضعت عنده كلّ البيوتات(3)
* * *
ص: 56
وقال الزاهي :
قوم لو أنّ بحار الأرض تنزف بالأقلام
مشقا وأقلام الدنا الشجر
والإنس والجنّ كتاب لفضلهم
والصحف ما احتوت الآصال والبكر(1)
لم يكتبوا العشر بل لم يعه(2) جهدهم
في ذلك الفضل إلاّ وهو محتقر
أهل الفخار وأقطار المدار ومن
أضحت لأمرهم الأيام تأتمر
هم آل أحمد والصيد الجحاجحة(3)
الزهر الغطارفة(4) العلويّة الغرر
والبيض من هاشم والأكرمون أولوا
الفضل الجزيل ومن سادت بهم مضر
فافطن بعقلك هل في القدر غيرهم
قوم يكاد إليهم يرجع القدر
ص: 57
أعطوا الصفا نهلاً أعطوا النبوة من
قبل المزاج فلم يلحق بهم كدر
وتوّجوا شرفا ما مثله شرف
وقلّدوا خطرا ما مثله خطر
حسبي بهم حججا للّه واضحة
تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
هم دوحة المجد والأوراق شيعتهم
والمصطفى الأصل والذريّة الثمر
* * *
وقال ابن الحجاج :
وأنت ابن الذي حملته يوم
البساط بأمره الريح العقيم
ومن ردّت عليه الشمس فيهم
وقد أخذت مطالعها النجوم
بطاعتكم فروض اللّه تقضى
وحبّكم الصراط المستقيم
وقالوا شدت بنيانا عظيما
فقلت لأنّه ملك عظيم
منازل لو غدا فرعون فيها
لقبّل رجله موسى الكليم
* * *
وقال ابن حماد :
يا ابن يس وطاسين وحاميم ونونا
يا ابن من آثر مسكينا وباتوا طاويينا
* * *
ص: 58
ص: 60
معجم الطبراني بإسناده عن ابن عباس ، وأربعين المؤذن ، وتاريخ الخطيب بأسانيدهم الى جابر :
قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه - عزّ وجلّ - جعل ذريّة كلّ نبي من صلبه خاصّة ، وجعل ذريّتي من صلبي ومن صلب علي بن أبي طالب ، إنّ كلّ بني بنت ينسبون إلى أبيهم إلاّ أولاد فاطمة عليهاالسلام ، فإنّي أنا أبوهم(1) .
وقيل في قوله : « ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ » : إنّما نزل في نفي التبنّي لزيد بن حارثة .
وأراد بقوله : « مِنْ رِجالِكُمْ » البالغين في وقتكم ، والإجماع على أنّهما لم يكونا بالغين فيه(2) .
الإحياء عن الغزالي ، والفردوس عن الديلمي ، قال المقداد بن معدي كرب :
ص: 61
قال النبي صلى الله عليه و آله : حسن منّي وحسين من علي(1)(2) عليه السلام !! .
وقال صلى الله عليه و آله : هما وديعتي في أمّتي(3) .
ومن ملاعبته صلى الله عليه و آله معهما :
ما رواه ابن بطّة في الإبانة من أربعة طرق عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر قال :
دخلت على النبي صلى الله عليه و آله والحسن والحسين عليهماالسلام على ظهره ، وهو يجثو بهما ، ويقول : نعم الجمل جملكما ، ونعم العدلان أنتما(4) .
ابن نجيح : كان الحسن والحسين عليهماالسلام يركبان ظهر النبي صلى الله عليه و آله ويقولان : « حل حل » ، ويقول : نعم الجمل جملكما .
السمعاني في الفضائل عن أسلم مولي عمر عن عمر بن الخطاب
ص: 62
قال : رأيت الحسن والحسين عليهماالسلام على عاتقي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقلت : نعم الفرس لكما ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ونعم الفارسان هما(1) .
ابن حماد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و آله برك للحسن والحسين عليهماالسلام ، فحملهما وخالف بين أيديهما وأرجلهما ، وقال : نعم الجمل جملكما .
الخركوشي في شرف النبي صلى الله عليه و آله عن عبد العزيز بإسناده عن النبي صلى الله عليه و آله : أنّه كان جالسا فأقبل الحسن والحسين عليهماالسلام ، فلمّا رآهما النبي صلى الله عليه و آله قام لهما واستبطأ بلوغهما إليه ، فاستقبلهما وحملهما على كتفيه ، وقال : نعم المطيّ مطيّكما ، ونعم الراكبان أنتما ، وأبوكما خير منكما(2) .
تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفين عن عبد اللّه بن موسى عن سفين عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال :
حمل رسول اللّه صلى الله عليه و آله الحسن والحسين عليهماالسلام على ظهره ، الحسن عليه السلامعلى أضلاعه اليمنى ، والحسين عليه السلام على أضلاعه اليسرى ، ثم مشى وقال : نعم المطيّ مطيّكما ، ونعم الراكبان أنتما ، وأبوكما خير منكما(3) .
قال الحميري :
من ذا الذي حمل النبي برأفة
ابنيه حتى جاوز الغمضاء(4)
ص: 63
من قال نعم الراكبان هما ولميكن الذي قد كان منه خفاء(1)
* * *
وله أيضا :
أتى حسنا والحسين الرسول
وقد خرجا ضحوة يلعبان
فضمّهما ثم فدّاهما
وكانا لديه بذاك المكان
ومرّر تحتهما منكباه
فنعم المطيّة والراكبان
وليدان أمّهما برّة
حصان مطهّرة للحصان
وشيخهما ابن أبي طالب
فنعم الوليدان والولدان
وكلّهم طيب طاهر
كريم الشمائل طلق البيان
* * *
وقال المفجع :
أفهل تعرفون غير علي
وابنه استرحل النبي المطيّا
* * *
وروي أنّ النبي صلى الله عليه و آله ترك لهما ذؤابتين في وسط الرأس(2) .
مزرد ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : سمع أذناي هاتان ، وبصر عيناي هاتان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو آخذ بيده جميعا بكتفي الحسن والحسين عليهماالسلام
ص: 64
وقدماهما على قدم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ويقول : ترقّ عين بقّة .
قال : فرقى الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثم قال له : افتح فاك ، ثم قبّله ، ثم قال : اللّهم أحبّه فإنّي أحبّه(1) .
كتاب ابن البيع ، وابن مهدي ، والزمخشري ، قال : « حزقه حزقه ترقّ عين بقّه ، اللّهم إنّي أحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه » .
الحزقة(2) : القصير الصغير الخطا ، وعين بقّة : أصغر عين .
وقال : أراد بالبقّة فاطمة عليهاالسلام ، فقال للحسين عليه السلام : يا قرّة عين بقّة ترق(3) .
وكانت فاطمة عليهاالسلام ترقّص ! ابنها حسنا عليه السلام وتقول :
أشبه أباك يا حسن
واخلع عن الحقّ الرسن
واعبد إلها ذا منن
ولا توال ذا الإحن
* * *
وقالت للحسين عليه السلام :
أنت شبيه بأبي
لست شبيها بعلي
* * *
ص: 65
وفي مسند الموصلي أنّه كان يقول أبو بكر للحسن عليه السلام :
أنت شبيه بالنبي
لست شبيها بعلي
* * *
وعلي عليه السلام يتبسّم(1) .
وكانت أم سلمة تربّي الحسن عليه السلام وتقول :
بأبي يا بن علي
أنت بالخير ملي
كن كأسنان خلي
كن ككبش الخولي
* * *
وكانت أم فضل امرأة العباس تربّي الحسين عليه السلام وتقول :
يا ابن رسول اللّه
يا ابن كثير الجاه
فرد بلا أشباه
أعاذه إلهي
من أمم الدواهي
ص: 66
الصادق
عليه السلام كان نقش خاتم أبي عليه السلام :
ظنّي باللّه حسن
وبالنبي المؤتمن
وبالوصيّ ذي المنن
وبالحسين والحسن(1)
* * *
وقال شاعر :
أربعة مذهبة
لكلّ همّ وحزن
حبّ النبي والوصيّ
والحسين والحسن
* * *
وقال السيّد الحميري :
وليّنا بعد نبيّ الهدى
علي القائم وابناه(2)
* * *
ص: 67
ص: 68
ص: 69
ص: 70
أحمد بن حنبل في المسند ، وابن بطّة في الإبانة ، والنطنزي في الخصائص ، والخركوشي في شرف النبي صلى الله عليه و آله واللّفظ له .
وروى جماعة عن أبي صالح عن أبي هريرة ، وعن صفوان بن يحيى ، وعن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام ، وعن علي بن موسى الرضا عليهماالسلام ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام :
إنّ الحسن والحسين عليهماالسلام كانا يلعبان عند النبي صلى الله عليه و آله حتى مضى عامّة الليل ، ثم قال لهما : انصرفا إلى أمّكما ، فبرقت برقة فما زالت تضيء لهما حتى دخلا على فاطمة عليهاالسلام ، والنبي صلى الله عليه و آله ينظر إلى البرقة ، وقال : الحمد اللّه
الذي أكرمنا أهل البيت(1) .
وقد رواه السمعاني ، وأبو السعادات في قضاياهما عن أبي جحيفة ، إلاّ أنّهما تفردّا في حقّ الحسين عليه السلام .
ص: 71
قال الحميري :
من ذا مشى مع لمع برق ساطع
إذ راح من عند النبي عشاء(1)
* * *
وسمع أبو حباب الكلبي من نوح الجنّ على الحسين عليه السلام :
مسح النبيّ جبينه
فله بريق في الخدود
أبواه من عليا قريش
جدّه خير الجدود(2)
* * *
وفي حديث عفيف الكندي أنّه قال الفارس له : إذا رأيت في داره حمامة يطير معها فرخاها ، فاعلم أنّه ولد له ، يعني عليا عليه السلام .
ثم قال بعد كلام : بلغني بعد برهة ظهور النبي صلى الله عليه و آله ، فأسلمت فكنت أرى الحمامة في دار علي عليه السلام تفرّخ من غير وكر ، وإذا رأيت الحسن والحسين عليهماالسلام عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذكرت قول الفارس .
ص: 72
وفي رواية بسطام عنه في حديث طويل : فلمّا قتل علي عليه السلام ذهبت فما رأيت .
وفي رواية أبي عقيل : رأيت في منزل علي عليه السلام بعد موته طيران يطيران .
فلمّا مات الحسن عليه السلام غاب أحدهما ، فلمّا قتل الحسين عليه السلام غاب الآخر .
الكشف والبيان عن الثعلبي بالإسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السلام
قال : مرض النبي صلى الله عليه و آله فأتاه جبرئيل عليه السلام بطبق فيه رمان وعنب ، فأكل النبي صلى الله عليه و آله منه فسبّح .
ثم دخل عليه الحسن والحسين عليهماالسلام فتناولا منه فسبّح الرمان والعنب .
ثم دخل علي عليه السلام فتناول منه فسبّح أيضا .
ثم دخل رجل من أصحابه فأكل فلم يسبّح ، فقال جبرئيل عليه السلام : إنّما يأكل هذا نبيّ أو وصيّ أو ولد نبيّ(1) .
أبو عبد اللّه المفيد النيسابوري في أماليه : قال الرضا عليه السلام : عري الحسن والحسين عليهماالسلام وأدركهما العيد ، فقالا لأمّهما عليهاالسلام : قد زيّنوا صبيان المدينة إلاّ
نحن ، فما لك لا تزيّنينا ؟ فقالت : ثيابكما عند الخيّاط ، فإذا أتاني زيّنتكما .
ص: 73
فلمّا كانت ليلة العيد أعادا القول على أمّهما ، فبكت ورحمتهما ، فقالت لهما : ما قالت في الأولى فردّا عليها .
فلمّا أخذ الظلام قرع الباب قارع ، فقالت فاطمة عليهاالسلام : من هذا ؟ قال : يا بنت رسول اللّه ، أنا الخيّاط جئت بالثياب .
ففتحت الباب ، فإذا رجل ومعه من لباس العيد ، قالت فاطمة عليهاالسلام : واللّه لم أر رجلاً أهيب شيمة منه ، فناولها منديلاً مشدودا ، ثم انصرف .
فدخلت فاطمة عليهاالسلام ففتحت المنديل ، فإذا فيه قميصان ودراعتان وسروالان ورداءان وعمامتان وخفان أسودان معقبان بحمرة ، فأيقظتهما وألبستهما .
ودخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهما مزيّنان ، فحملهما وقبّلهما ، ثم قال : رأيت الخيّاط ؟ قالت : نعم يا رسول اللّه ، والذي أنفذته من الثياب ، قال : يا بنيّة ، ما هو خيّاط ، إنّما هو رضوان خازن الجنّة ، قالت فاطمة عليهاالسلام : فمن أخبرك يا رسول اللّه ؟ قال : ما عرج حتى جاءني وأخبرني بذلك .
الحسن البصري وأمّ سلمة : أنّ الحسن والحسين عليهماالسلام دخلا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبين يديه جبرئيل عليه السلام ، فجعلا يدوران حوله يشبّهانه بدحية
الكلبي ، فجعل جبرئيل عليه السلام يوميء بيده كالمتناول شيئا ، فإذا في يده تفاحة وسفرجلة ورمانة ، فناولهما وتهلل وجهاهما ، وسعيا إلى جدّهما ، فأخذ منهما فشمّهما ، ثم قال : صيرا إلى أمّكما بما معكما ، وابدءا بأبيكما .
ص: 74
فصارا كما أمرهما ، فلم يأكلوا حتى صار النبي صلى الله عليه و آله إليهم ، فأكلوا جميعا ، فلم يزل كلّما أكل منه عاد إلى ما كان حتى قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
قال الحسين عليه السلام : فلم يلحقه التغيير والنقصان أيام فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى توفيت .
فلمّا توفيت عليهاالسلام فقدنا الرمان ، وبقى التفاح والسفرجل أيام أبي .
فلمّا استشهد أمير المؤمنين عليه السلام فقد السفرجل ، وبقي التفّاح على هيئته عند الحسن عليه السلام حتى مات في سمّه .
وبقيت التفّاحة إلى الوقت الذي حوصرت عن الماء ، فكنت أشمّها إذا عطشت ، فيسكن لهب عطشي ، فلمّا اشتدّ عليّ العطش عضضتها وأيقنت بالفناء .
قال علي بن الحسين عليه السلام : سمعته يقول ذلك قبل مقتله بساعة .
فلمّا قضى نحبه وجد ريحها في مصرعه ، فالتمست ولم ير لها أثر ، فبقي ريحها بعد الحسين عليه السلام ، ولقد زرت قبره فوجدت ريحها تفوح من قبره ، فمن أراد ذلك من شيعتنا الزائرين للقبر ، فليلتمس ذلك في أوقات السحر ، فإنّه يجده إذا كان مخلصا(1) .
أمالي أبى الفتح الحفار ، وابن عباس ، وأبو رافع : كنّا جلوسا مع النبي صلى الله عليه و آله إذ هبط عليه جبرئيل عليه السلام ، ومعه جام من البلور الأحمر مملوءا
ص: 75
مسكا وعنبرا ، فقال له : السلام عليك ، اللّه يقرأ عليك السلام ، ويحييك بهذه التحيّة ، ويأمرك أن تحيي بها عليا وولديه عليهم السلام .
فلمّا صارت في كفّ النبي صلى الله عليه و آله هلّلت وكبّرت ثلاثا ، ثم قالت بلسان ذرب : « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى »
فاشتمّها النبي صلى الله عليه و آله ، ثم حيّى بها عليا عليه السلام .
فلمّا صارت في كفّ علي عليه السلام قالت : « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ » الآية ، فاشتمّها علي عليه السلام وحيّى بها الحسن عليه السلام .
فلمّا صارت في كفّ الحسن عليه السلام قالت « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ » الآية ، فاشتمّها الحسن عليه السلام وحيّى بها الحسين عليه السلام .
فلمّا صارت في كفّ الحسين عليه السلام قالت : « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ »
« قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » .
ثم ردّت إلى النبي صلى الله عليه و آله فقالت : « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » « اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ » فلم أدر على السماء صعدت أم في الأرض نزلت بقدرة اللّه تعالى(1) .
قال الوراق القمّي :
علي به كابت قريش وإنّما
بكفّ علي سبّح الجام فاعلم
* * *
ص: 76
كتاب المعالم : أنّ ملكا نزل من السماء على صفة الطير ، فقعد على يد النبي صلى الله عليه و آله فسلّم عليه بالنبوّة ، وعلى يد علي عليه السلام فسلّم عليه بالوصيّة ، وعلى يد الحسن والحسين عليهماالسلام فسلّم عليهما بالخلافة .
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لم لم تقعد على يد فلان ؟!
فقال : أنا لا أقعد في أرض عصي عليها اللّه ، فكيف أقعد على يد عصت اللّه .
أربعين المؤذن، وإبانة العكبري، وخصائص النطنزي، قال ابن عمر: كان للحسن والحسين عليهماالسلام تعويذان حشوهما من زغب جناح جبرئيل(1) عليه السلام .
وفي رواية : فيهما من جناح جبرئيل عليه السلام .
وعن أم عثمان - أم ولد لعلي عليه السلام - قالت : كان لآل محمد صلى الله عليه و آله وسادة لا يجلس عليها إلاّ جبرئيل عليه السلام ، فإذا قام عنها طويت ، فكان إذا قام انتفض من زغبه ، فتلقطه فاطمة عليهاالسلام فتجعله في تمائم الحسن والحسين(2) عليهماالسلام .
قال الحماني :
يا ابن من بيته من الدين والإ
سلام بين المقام والمنبرين
لك خير البيتين من مسجدي
جدّك والمنشأين والمسكنين
ص: 77
والمساعي من لدن جدّك إسما
عيل حتى أدرجت في الريطتين(1)
حين نيطت بك التمائم ذاتالريش من جبرئيل في المنكبين
* * *
أبو هريرة ، وابن عباس ، والحارث الهمداني ، وأبو ذر ، والصادق عليه السلام : أنّه اصطرع الحسن والحسين عليهماالسلام بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : إيه حسن خذ حسينا. فقالت فاطمة عليهاالسلام: يا رسول اللّه، أتستنهض الكبير على الصغير!
فقال : هذا جبرئيل عليه السلام يقول للحسين عليه السلام : إيها حسين خذ حسنا(2) .
أورده السمعاني في فضائله .
قال الحميري :
قال بينا النبي وابناه والبرّة
والروح ثالث في قرار
إذ دعا شبر شبيرا فقام
الطهر للطاهرات والأطهار
لصراع فقال أحمد إيه
حسن شدّ شدّة المغوار
قالت البرّة البتولة لمّا
سمعت قوله بإنكار
أتجري الكبير والناس طرّا
يقصدون الصغار دون الكبار
قال إن كنت فاعلاً إنّ من
يكنف هذا عن الورى متوار
إنّ جبريل قائل مثل قولي
لفتى المجد والندى والوقار
ص: 78
ص: 79
ص: 80
مقاتل بن مقاتل عن مرازم عن موسى بن جعفر عليه السلام في قوله تعالى : « وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ » قال : الحسن والحسين عليهماالسلام ، « وَطُورِ سِينِينَ » قال : علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، « وَهذَا الْبَلَدِ الأَْمِينِ » قال : محمد صلى الله عليه و آله ، « لَقَدْ خَلَقْنَا الإِْنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ » قال : الأوّل « ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ »
ببغضه أمير المؤمنين عليه السلام ، « إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ » علي بن أبي طالب عليهماالسلام « فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ » يا محمد[ يعني ب-]-ولاية علي بن أبي طالب(1) عليهماالسلام .
واجتمع أهل القبلة على أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا(2) .
ص: 81
واجتمعوا أيضا أنّه صلى الله عليه و آله قال : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة .
حدّثني بذلك ابن كادش العكبري عن أبي طالب الحربي العشاري عن ابن شاهين المروزي فيما قرب سنده قال : حدّثنا محمد بن الحسين بن حميد ، قال : حدّثنا إبراهيم بن محمد العامري قال : حدّثنا نعيم بن سالم بن قنبر قال : سمعت أنس بن مالك يقول : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول . . الخبر .
ورواه أحمد بن حنبل في الفضائل والمسند .
والترمذي في الجامع .
وابن ماجة في السنن .
وابن بطّة في الإبانة .
والخطيب في التاريخ .
والموصلي في المسند .
والواعظ في شرف المصطفى صلى الله عليه و آله .
والسمعاني في الفضائل .
وأبو نعيم في الحلية من ثلاثة طرق .
وابن حبيش التميمي عن الأعمش(1) .
ص: 82
وروى الدارقطني بالإسناد عن ابن عمر قال : قال صلى الله عليه و آله : ابناي هذان سيدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما خير منهما(1) .
ورواه الخدري .
وابن مسعود .
وجابر الأنصاري .
وأبو جحيفة .
وأبو هريرة .
وعمر بن الخطاب .
وحذيفة .
و عبد اللّه بن عمر .
ص: 83
وأمّ سلمة .
ومسلم بن يسار .
والزبرقان بن أظلم الحميري .
ورواه الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بن عبد اللّه .
وفي حلية الأولياء ، واعتقاد أهل السنّة ، ومسند الأنصاري عن أحمد بالإسناد عن حذيفة قال النبي صلى الله عليه و آله في خبر :
أما رأيت العارض الذي عرض لي ؟ قلت : بلى .
قال : ذاك ملك لم يهبط إلى الأرض قبل الساعة ، فاستأذن اللّه - تعالى - أن يسلّم عليّ ، ويبشّرني أنّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة ، وأنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة(1) .
سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن قوله صلى الله عليه و آله : الحسن والحسين سيدا شباب أهل
الجنّة ، فقال : هما - واللّه - سيدا شباب أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين(2) .
والمشهور عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال : أهل الجنّة شباب كلّهم(3) .
قوله صلى الله عليه و آله : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة وأبوهما خير منهما ،
ص: 84
يوافق قولنا « موجب الإمامة لهما في الدنيا والسيادة في العقبى » ، لاجتماعهما في ألف وثمانمائة وإحدى وعشرين .
قال الحماني الكوفي :
أنتما سيدا شباب جنان ال-
-خلد يوم الفوزين والروعتين
يا عديل القرآن من بين ذي الخل-
-ق ويا واحدا من الثقلين
أنتما والقرآن في الأرض مذ
أنزل مثل السماء والفرقدين
قمتما من خلافة اللّه في الأرض
بحقّ مقام مستخلفين
قاله الصادق الحديث ولن
يفترقا دون حوضه واردين
* * *
وقال العوني :
وقد شهدتم له بالسيّدين لمن
في جنّة الخلد أحظى الخلق أزلفه
وأنّه منهما خير وليس على
هذا مزيد فنلقيه ونحرفه
لأنّ سكان دار الخلد سادة من
فوق التراب وأزكى الخلق أشرفه
والسيّدان لسادات الخلائق
كالعيّوق في قبّة الخضراء مرجفه
ومن علا سيّدي ساداتنا شرفا
فهل يكنفه فضلاً يكنفه
* * *
وله أيضا :
ومن له سبطان سيّدان
شهمان قرمان مهذّبان
بحراهما بحران زاخران
وما هما بحران يبغيان
بل منهما معرفة الديّان
أمّهما سيّدة النسوان
ص: 85
ومن كثرة فضلهما ومحبّة النبي صلى الله عليه و آله إيّاهما : أنّه جعل نوافل المغرب - وهي أربع ركعات - كلّ ركعتين منهما عند ولادة كلّ واحد منهما(1) .
سليمان بن أحمد الطبراني ، والقاضي أبو الحسن الجراحي ، وأبو الفتح الحفار ، والكياشيرويه ، والقاضي النطنزي بأسانيدهم عن عقبة عن عامر الجهني ، وأبي دجانة ، وزيد بن علي عن النبي صلى الله عليه و آله قال :
الحسن والحسين شنفا العرش(2) - وفي رواية : وليسا بمعلّقين - وأنّ الجنّة قالت : يا ربّ أسكنتني الضعفاء والمساكين ، فقال اللّه تعالى : ألا ترضين أنّي زيّنت أركانك بالحسن والحسين ، فماست كما تميس العروس فرحا(3) .
وفي خبر عنه صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة زيّن عرش الرحمن بكلّ زينة ، ثم يؤتى بمنبرين من نور - طولهما مائة ميل - فيوضع أحدهما عن يمين العرش ، والآخر عن يسار العرش ، ثم يأتي الحسن والحسين عليهماالسلام يزيّن
ص: 86
الربّ - تبارك وتعالى - بهما عرشه ، كما تزيّن المرأة قرطاها(1) .
وفي رواية أبي لهيعة المصري قال : سألت الجنّة ربّها أن يزيّن ركنا من أركانها ، فأوحى اللّه - تعالى - إليها : إنّي قد زيّنتك بالحسن والحسين عليهماالسلام ، فزادت الجنّة سرورا بذلك(2) .
قال الصاحب :
ولداه شنفا العرش فقل
حبّذا العرش وحبّذا(3) شنفاه
* * *
وقال ابن حماد :
تفاحتا الهادي وقرطا
العرش عرش الواحد المتمجّد
* * *
وقال أبو العلاء :
جاز النبي وسبطاه وزوجته
مكان ما أفنت الأقلام والصحفا
والفخر لو كان فيهم صورة جسدا
عادت فضائلهم في أذنه شنفا
* * *
وقال ابن علوية :
وابناه عقد قوي الجنان عليهما
فهما لدار مقامه ركنان
ص: 87
وهما معا لو يعلمون لعرشه
دون الملائك كلّهم شنفان
والدرّ والمرجان قد نحلاهما
مثلاً من البحرين يلتقيان
* * *
كتاب السؤود بالإسناد عن سفيان بن سليم ، والإبانة عن العكبري بالإسناد عن زينب بنت أبي رافع : إنّ فاطمة عليهاالسلام أتت بابنيها الحسن والحسين عليهماالسلام إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقالت : انحل ابنيّ هذين يا رسول اللّه - وفي رواية : هذان ابناك فورثهما شيئا - فقال : أمّا الحسن فله هيبتي وسؤددي ، وأمّا الحسين فله جرأتي وجودي(1) .
وفي كتاب آخر : أنّ فاطمة عليهاالسلام قالت : رضيت يا رسول اللّه .
فلذلك كان الحسن عليه السلام حليما مهيبا ، والحسين عليه السلام نجدا جوادا(2)(3) .
ص: 88
الإرشاد ، والروضة ، والاعلام ، وشرف المصطفى صلى الله عليه و آله ، وجامع الترمذي ، وإبانة العكبري من ثمانية طرق رواه أنس وأبو جحيفة :
إنّ الحسين عليه السلام كان يشبه النبي صلى الله عليه و آله من صدره إلى رأسه ، والحسن عليه السلام يشبه به من صدره إلى رجليه(1)(2) .
مسند أحمد بالإسناد عن هاني بن هاني عن علي عليه السلام قال : لمّا ولد الحسن عليه السلام جاء النبي صلى الله عليه و آله فقال : أروني ابني ، ما سمّيتموه ؟ قلت : سمّيته حربا !! قال : بل هو حسن .
فلمّا ولد الحسين عليه السلام جاء النبي صلى الله عليه و آله فقال : أروني ابني ، ما سمّيتموه ؟ قلت : سمّيته حربا(3) !
ص: 89
قال : بل هو حسين(1) .
مسندا أحمد وأبي يعلى قال : لمّا ولد الحسن عليه السلام سمّاه حمزة ، فلمّا ولد الحسين عليه السلام سمّاه جعفرا .
قال علي عليه السلام : فدعاني رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : إنّي أمرت أن أغيّر اسم
هذين ، فقلت : اللّه ورسوله أعلم ، فسمّاهما حسنا وحسينا(2) .
وقد روينا نحو هذا عن ابن عقيل(3) .
محمد بن علي عن أبيه عليهماالسلام قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أمرت أن اسمّي ابني هذين حسنا وحسينا(4) .
شرح الأخبار قال الصادق عليه السلام : لمّا ولد الحسن بن علي عليهماالسلام أهدى جبرئيل عليه السلام إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله اسمه في سرقة من حرير من ثياب الجنّة
فيها « حسن » ، واشتق منها اسم الحسين عليه السلام .
فلمّا ولدت فاطمة الحسن عليهماالسلام أتت به رسول اللّه صلى الله عليه و آله فسمّاه حسنا .
فلمّا ولدت الحسين عليه السلام أتته به ، فقال : هذا أحسن من ذلك ، فسمّاه الحسين .
قوله : سرقة ، أي أحسن الحرير(5) .
ص: 90
ابن بطّة في الإبانة من أربع طرق منها : أبو الخليل عن سلمان ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : سمّى هارون ابنيه شبرا وشبيرا ، وإنّي سمّيت ابني الحسن والحسين(1) .
مسند أحمد ، وتاريخ البلاذري ، وكتب الشيعة : أنّه صلى الله عليه و آله قال : إنّما سمّيتهم بأسماء أولاد هارون شبرا وشبيرا(2) .
فردوس الديلمي عن سلمان قال النبي صلى الله عليه و آله : سمّى هارون ابنيه شبرا وشبيرا ، وإنّي سمّيت ابني الحسين والحسين بما سمّى هارون ابنيه(3) .
عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال : قدم راهب على قعود له ، فقال : دلّوني على منزل فاطمة عليهاالسلام .
قال : فدلّوه عليها ، فقال لها : يا بنت رسول اللّه ، أخرجي إليّ ابنيك ، فأخرجت إليه الحسن والحسين عليهماالسلام ، فجعل يقبّلهما ويبكي ، ويقول : اسمها في التوراة « شبر وشبير » ، وفي الإنجيل « طاب وطيب » .
ثم سأل عن صفة النبي صلى الله عليه و آله ، فلمّا ذكروه قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ص: 91
قال ابن الحجاج :
طوّلي أو فقصّري
واعذليني أو اعذري
أنا مولى لحيدر
وشبير وشبر
* * *
عمران بن سلمان ، وعمرو بن ثابت قالا : الحسن والحسين اسمان من أسامي أهل الجنّة ، ولم يكونا في الدنيا(1) .
جابر : قال النبي صلى الله عليه و آله : سمّي الحسن حسنا ، لأنّ باحسان اللّه قامت السماوات والأرضون ، واشتق الحسين من الإحسان ، وعلي والحسن اسمان من أسماء اللّه تعالى ، والحسين تصغير الحسن(2) .
وحكى أبو الحسين النسابة : كان اللّه - عزّ وجلّ - حجب هذين الاسمين عن الخلق ، يعني حسنا وحسينا ، حتى يسمّى بهما ابنا فاطمة عليهاالسلام ، فإنّه لا يعرف أنّ أحدا من العرب يسمّى بهما في قديم الأيام إلى عصرهما ، لا من ولد نزار ، ولا اليمن مع سعة أفخاذهما وكثرة ما فيهما من الأسامي ، وإنّما يعرف فيهما « حسْن » بسكون السين ، و« حسَين » بفتح الحاء وكسر
ص: 92
السين على مثال حبيب ، فأمّا « حَسَن » بفتح الحاء والسين ، فلا نعرفه إلاّ اسم جبل معروف(1) .
قال الشاعر :
لام الأرض وبل ما أجنت
بحيث أضرّ بالحسن السبيل(2)
* * *
سئل أبو عمه - غلام ثعلب - عن معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام : لقد وطي الحسنان وشقّ عطفاي ، فقال : الحسنان الإبهامان ، وأحدهما حسن .
قال الشنفري :
مهضومة الكشحين درماء الحسن
جماء ملساء بكفيها شثن
* * *
شقّ عطفاي : أي ذيلي .
ص: 93
الصادق عليه السلام : لم يكن بين الحسن والحسين عليهماالسلام إلاّ طهر واحد(1) .
ويقال : الحسن والحسين عليهماالسلام هما الطيبان الطاهران خالان ، والكريمتان الحصانان خالتان ، والنبي صلى الله عليه و آله وأبو طالب عليه السلام جدّان ، وخديجة وفاطمة بنت أسد عليهماالسلام جدّتان ، والطيار وعقيل عليهماالسلام عمّان ، وفاطمة وعلي عليهماالسلام أبوان .
قال ابن العودي :
أبوهم أمير المؤمنين وجدّهم
أبو القاسم الهادي النبي المكرّم
وهذا إذا عدّ المناسب في الورى
هو الصهر والطهر النبي له حم
وخالهم إبراهيم والأمّ فاطم
وعمّهم الطيّار في الخلد ينعم
* * *
ص: 94
وقال الأعمش : الحسن والحسين عليهماالسلام ، من الثقلين شمسي ضحى ، وبدري دجى ، وكهفي تقى ، وعيني ورى ، وليثي وغى ، وسيفي اما ، ورمحي لوا .
وقال واعظ : وصلّ على السيّدين ، السندين ، الشهيدين ، الرشيدين ، المفقودين ، المرحومين ، المعصومين ، المظلومين ، المقتولين ، الغريبين ، الإمامين ، العالمين ، العلمين ، الشمسين ، القمرين ، الدرّتين ، الفرقدين ، النورين ، الريحانتين ، الهاديين ، المهديّين ، الطاهرين ، المطهّرين ، الطيّبين ، الأشرفين ، الأكرمين ، الأجودين ، الحسن والحسين عليهماالسلام .
وقال الصنوبري :
وآخى حبيبي حبيب اللّه لا كذب
وابناه للمصطفى المستخلص ابنان
صلّى إلى القبلتين المقتدى بهما
والناس عن ذاك في صمّ وعميان
ما مثل زوجته أخرى يقاس بها
ولا يقاس على سبطين سبطان
* * *
ص: 95
ص: 96
ص: 97
ص: 98
إبراهيم الرافعي عن أبيه عن جدّه قال : رأيت الحسن والحسين عليهماالسلام يمشيان إلى الحجّ ، فلم يمرّا براكب إلاّ نزل يمشي ، فثقل ذلك على بعضهم .
فقال سعد بن أبي وقاص للحسن عليه السلام : يا أبا محمد ، إنّ المشي قد ثقل على جماعة ممّن معك من الناس ، إذا رأوكما تمشيان لم تطب أنفسهم أن يركبوا ، فلم ما ركبتما ؟
فقال الحسن عليه السلام : لا نركب ، قد جعلنا على أنفسنا المشي إلى بيت اللّه الحرام على أقدامنا ، ولكنّا نتنكّب عن الطريق ، فأخذا جانبا من الناس(1) .
استفتى أعرابي عبد اللّه بن الزبير وعمرو بن عثمان فتواكلا ، فقال : اتقيا اللّه ، فإنّي أتيتكما مسترشدا ، أمواكلة في الدين ! فأشارا عليه بالحسن والحسين عليهماالسلام ، فأفتياه ، فأنشأ أبياتا منها :
جعل اللّه حرّ وجهيكما
نعلين سبتا يطاهما الحسنان
* * *
ص: 99
إسماعيل بن يزيد بإسناده عن محمد بن علي عليهماالسلام أنّه قال : أذنب رجل ذنبا في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فتغيّب حتى وجد الحسن والحسين عليهماالسلام في طريق خالٍ ، فأخذهما فاحتملهما على عاتقيه ، وأتى بهما النبي صلى الله عليه و آله ، فقال : يا رسول اللّه ، إنّي مستجير باللّه وبهما .
فضحك رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى ردّ يده إلى فمه ، ثم قال للرجل : اذهب وأنت طليق ، وقال للحسن والحسين عليهماالسلام : قد شفعتكما فيه أي فتيان .
فأنزل اللّه تعالى : « وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّابا رَحِيما »(1) .
أخبار الليث بن سعد بإسناده : أنّ رجلاً نذر أن يدهن بقارورة عنده رجلي أفضل قريش ، فسأل عن ذلك ، فقيل : إنّ مخرمة أعلم الناس اليوم بأنساب قريش ، فاسأله عن ذلك .
فأتاه وسأله - وقد خرف - وعنده ابنه المسور ، فمدّ الشيخ رجليه وقال : ادهنهما ، فقال المسور ابنه للرجل : لا تفعل أيّها الرجل ، فإنّ الشيخ قد خرف ، وإنّما ذهب إلى ما كان في الجاهلية ، وأرسله إلى الحسن والحسين عليهماالسلام وقال : ادهن بها أرجلهما ، فهما أفضل الناس وأكرمهم اليوم(2) .
ص: 100
وفي حديث مدرك بن أبي زياد : قلت لابن عباس ، وقد أمسك للحسن والحسين عليهماالسلام بالركاب وسوّى عليهما : أنت أسنّ منهما تمسك لهما بالركاب !
فقال : يا لكع ، وما تدري من هذان ؟ هذان ابنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أوليس ممّا أنعم اللّه به عليّ أن أمسك لهما وأسوّي عليهما(1) .
عيون المجالس عن الرؤياني : أنّ الحسن والحسين عليهماالسلام مرّا على شيخ يتوضّأ ولا يحسن ، فأخذا بالتنازع ، يقول كلّ واحد منهما : أنت لا تحسن الوضوء ، فقالا : أيّها الشيخ كن حكما بيننا ، يتوضّأ كلّ واحد منّا سوّية ، ثم قالا : أيّنا يحسن ؟
قال : كلاكما تحسنان الوضوء ، ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يحسن ، وقد تعلّم الآن منكما ، وتاب على يديكما ببركتكما وشفقتكما على أمّة جدّكما .
الباقر عليه السلام قال : ما تكلّم الحسين عليهماالسلام بين يدي الحسن عليه السلام إعظاما له ، ولا تكلّم محمد بن الحنفية بين يدي الحسين عليه السلام إعظاما له .
ص: 101
وقالوا قيل لأيوب : « نِعْمَ الْعَبْدُ » ، وللحسن والحسين عليهماالسلام : نعم المطيّة مطيّتكما ، ونعم الراكبان أنتما .
وقال : « وَإِنْ لَمْ تُؤمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ » ، وقال الحسين عليه السلام : إن لم تصدّقوني فاعتزلوني ولا تقتلوني .
اسم علي عليه السلام ثلاثة أحرف ، واسم فاطمة عليهاالسلام خمسة أحرف ، تكون الجملة ثمانية ، وأبواب الجنّة ثمانية .
واسم الحسن عليه السلام ثلاثة أحرف ، واسم الحسين عليه السلام أربعة أحرف تكون الجملة سبعة أحرف ، وأبواب جهنم سبعة .
من أحبّ عليا وفاطمة عليهماالسلام فتح عليه ثمانية أبواب الجنّة .
ومن أحبّ الحسن والحسين عليهماالسلام أغلقت عنه سبعة أبواب جهنم .
و« محمد » « علي » « فاطمة » « حسن » « حسين » تسعة عشر حرفا ، فمن أحبّهم وقي شرّ الزبانية التسعة عشر .
« بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » يوازي أسماء هؤلاء الخمسة .
وقال محاسب كمال الدين :
بعلي وابنيه استويا
في مائة وستّ وثمانين
* * *
ص: 102
وقال أبي الحجاج :
وبالنبي المصطفى اقتدي
والعترة الطيّبة الطاهره
بالأنجم الزهر نجوم الهدى
وبالبحور الجملة الزاخره
* * *
وقال أبو مقاتل :
محمد المختار ثم صنوه
والحسنان ولدا ستّ النساء
* * *
وقال المنذر :
أبا حسن أنت شمس النهار
وهذان في الداجيات القمر
وأنت وهذان حتى الممات
بمنزلة السمع بعد البصر
* * *
وقال ابن دريد :
إنّ النبي محمد ووصيّه
وابنيه وابنته البتول الطاهره
أهل العباء فإنّني بولائهم
أرجو السلامة والنجا في الآخره
وأرى محبّة من قول بفضلهم
سببا يجير من السبيل الحايره
أرجو بذاك رضى المهيمن وحده
يوم الوقوف على ظهور الساهره
* * *
وقال العوني :
ألست ترى جبريل وهو مقرّب
له في العلى من راحة القصد موقف
ص: 103
يقول لهم يوم العبا أنا منكم
فمن مثل أهل البيت إن كنت تنصف
* * *
وقال الصاحب :
لآل محمد أصبحت عبدا
وآل محمد خير البريّه
أناس حلّ فيهم كلّ خير
مواريث النبوة والوصيه
* * *
وقال المؤلف :
اتبع نبي اللّه في دينه
وآله الغرّ الميامينا
لا تتبدل بهم غيرهم
فإنّهم غير ملومينا
* * *
ص: 104
ص: 105
ص: 106
ص: 107
ص: 108
الشيرازي في كتابه بالإسناد عن الهذيل عن مقاتل عن محمد بن الحنفية عن الحسن بن علي عليهماالسلام قال : كلّ ما في كتاب اللّه - عزّ وجلّ - « إِنَّ الأَْبْرارَ » فواللّه ما أراد به إلاّ علي بن أبي طالب وفاطمة وأنا والحسين عليهم السلام ، لأنّا نحن أبرار بأبنائنا وأمّهاتنا ، وقلوبنا علت بالطاعات والبرّ ، وتبرأت من الدنيا وحبّها ، وأطعنا اللّه في جميع فرائضه ، وآمنّا بوحدانيّته ، وصدّقنا برسوله صلى الله عليه و آله .
وعنه بهذا الإسناد : قال الحسن بن علي عليهماالسلام في قوله تعالى : « فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ » قال : صوّر اللّه - عزّ وجلّ - علي بن أبي طالب في ظهر أبي طالب على صورة محمد صلى الله عليه و آله ، فكان فكان علي بن أبي طالب عليهماالسلام
أشبه الناس برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان الحسين بن علي عليهماالسلام أشبه الناس بفاطمة عليهاالسلام ، وكنت أنا أشبه الناس بخديجة الكبرى عليهاالسلام .
ص: 109
ابن عباس في قوله : « وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيرا » أنزلت في رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته خاصّة(1) .
وقرأ الباقر عليه السلام « كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ » بالألف إلى آخر الآية(2) ، نزل بها جبرئيل عليه السلام وما عنى بها إلاّ محمدا صلى الله عليه و آله وعليا والأوصياء من ولده(3) عليهم السلام .
موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام ، وأبو الجارود عن الباقر عليه السلام وزيد بن علي في قوله تعالى : « فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » ، قال : مودّتنا أهل البيت(4) .
ص: 110
الحسن بن علي عليهماالسلام في كلام له : وأعزّ به العرب عامّة ، وشرّف من شاء منه خاصّة ، فقال « وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ »(1) .
الباقر عليه السلام في قوله : « كَلاّ إِنَّ كِتابَ الأَْبْرارِ » إلى قوله « الْمُقَرَّبُونَ » وهو رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلي وفاطمة والحسن والحسين(2) عليهم السلام .
وصحّ عن الحسن بن علي عليهماالسلام أنّه خطب الناس ، فقال في خطبته : أنا من أهل البيت الذين افترض اللّه مودّتهم على كلّ مسلم ، فقال تعالى شأنه : « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » وقوله : « وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْنا » ، فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت(3) .
إسماعيل بن عبد الخالق عن الصادق عليه السلام قال : إنّها نزلت فينا أهل البيت[ في الحسن والحسين وعلي وفاطمة عليهم السلام ] أصحاب الكساء(4) .
ص: 111
العكبري في فضائل الصحابة باسناده عن أبي مالك ، وأبو صالح عن ابن عباس ، والثمالي بإسناده عن السدي عن ابن عباس قال : « اقتراف الحسنة » المودّة لآل محمد(1) صلى الله عليه و آله .
عمار بن يقظان الأسدي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى : « إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ » قال : ولايتنا أهل البيت - وأهوى بيده إلى صدره - فمن لم يتولّنا لم يرفع اللّه عملاً(2) .
وقالوا : النداء ثلاثة :
نداء من اللّه للخلق ، نحو : « وَناداهُما رَبُّهُما » ، « وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ » ، « وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ » .
والثاني : نداء من الخلق إلى اللّه ، نحو : « وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ » ، « فَنادى فِي الظُّلُماتِ » ، « وَزَكَرِيّا إِذْ نادى رَبَّهُ » .
والثالث : نداء الخلق للخلق ، نحو : « فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ » ، « فَناداها مِنْ تَحْتِها » ، « يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ » ، « وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ » ،
ص: 112
« وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ » ، « وَنادَوْا يا مالِكُ » .
ونداء النبي صلى الله عليه و آله وذريّته : « رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي لِلإِْيمانِ » .
وخطب الصاحب ، فقال :
الحمد للّه ذي النعمة العظمى ، والمنحة الكبرى ، الداعي إلى الطريقة المثلى ، الهادي إلى الخليقة الحسنى ، « الَّذِي خَلَقَ فَسَوّى » ، و« قَدَّرَ فَهَدى » ، و « أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى » .
وبعث محمد صلى الله عليه و آله من منصب مجتبى ، وأصل منتمى ، أرسله والناس سدى ، يتردّدون بين الضلالة والعمى ، فنبّه على خير الآخرة والأولى ، لم يلتمس « أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » ، شدّ أزره بأخيه المرتضى ، وسيفه
المنتضى ، ومن أحلّه محلّ هارون من موسى .
وأشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، شهادة تبلغ المدى ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ، خير من أرسل ودعا ، وأفضل من ارتدى واحتذى ، صلى الله عليه و آله .
شموس الضحى ، وأقمار الدجى ، وشجرة طوبى ، وسفينة نوح التي من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق في طوفان العمى ، ذريّة أذهب اللّه عنهم الرجس والأذى ، وطهّرها من كلّ دنس وقذى ، صلّى اللّه عليهم عدد الرمل والحصى ، والنجوم في السما .
ص: 113
وقالوا : الإمام المؤتمن ، منيم الثأر والإحن !!!! صاحب السمّ والمحن ، قالع الصنم والوثن ، واضع الفرائض والسنن ، أبو محمد الحسن عليه السلام .
ناعش ذوي المقربة ، ومطعم يوم المسغبة ، علم منشور ، ودر منثور ، ودين مذكور ، وسيف مشهور ، من منبع الأنبياء ، ومن منجر(1) الأوصياء ، ومن مزرع الزهراء عليهاالسلام ، وفي أهل العباء والكساء ، معدن السخاء ، شجرة الصفاء ، ثمرة الوفاء ، ابن خير الرجال وخير النساء .
كلمة التقوى ، العروة الوثقى ، سليل الهدى ، رضيع التقى ، غيث الندى ، غياث الورى ، ضياء العلى ، قرّة عين الزهراء
عليهاالسلام ، وولي عهد المرتضى عليه السلام ، أشبه الخلق بالمصطفى صلى الله عليه و آله ، مرضي المولى ، الحسن المجتبى عليه السلام .
قبلة العارفين ، وعلم المهتدين ، وثاني الخمسة الميامين ، الذي افتخر بهم الروح الأمين ، وباهل بهم اللّه المباهلين ، منبع الحكمة ، معدن العصمة ، كاشف الغمّة ، مفزع الأمّة ، وليّ النعمة ، عالي الهمّة ، جوهر الهداية ، طيّب البداية والنهاية ، صاحب اللّواء والراية ، أصل العلم والدراية ، محلّ الفهم والرواية ، والفضل والكفاية ، وأهل الإمامة والولاية ، والخلافة والدراية .
جوهر صدف النبوة ، ودرّ بحر أحمدية ، تاج آل محمدية ، ونور سعادة نسل إبراهيم عليه السلام ، سراج دولة أصل إسماعيل عليه السلام ، السبط المبجّل ، والإمام المفضّل ، أجلّ الخلائق في زمانه وأفضلهم ، وأعلاهم حسبا ونسبا وعلما ،
ص: 114
وأجلّ وأكمل ، سيّد شباب أهل الجنّة ، خدمته فرض على العالمين ومنّة ، وحبّه للمسلمين من النيران جنّة ، ومتابعته على الموحّدين واجب لا سنّة .
عنصر الشريعة والإسلام ، وقطب العلوم والأحكام ، وفلك شرائع الحلال والحرام ، شمس أولاد الرسول ، وقرّة عين البتول ، سماوة(1) الهلال ، وقامع أهل الضلال ، ومن اصطفاه اللّه الكبير المتعال ، ثمرة قلب النبي صلى الله عليه و آله ، قرّة عين الوصيّ ، ومن مدحه اللّه العليّ ، الحسن بن علي عليهماالسلام .
السبط الأوّل ، والإمام الثاني ، والمقتدى الثالث ، والذكر الرابع ، والمباهل الخامس ، الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
وزنه في الحساب « وليّ اللّه ووصيّه » لاستوائهما في ثلاثمائة وثلاث وخمسين .
قال ابن هاني المغربي :
هو علّة الدنيا ومن خلقت له
ولعلّة ما كانت الأشياء
من صفو ماء الوحي وهو مجاجة
من حوضة الينبوع وهو شفاء
من أبكت الفردوس حيث تفتقت
ثمراتها وتفيأ الأفياء
من شعلة القبس التي عرضت على
موسى وقد حارت به الظلماء
من معدن التقديس وهو سلالة
من جوهر الملكوت وهو ضياء
ص: 115
هذا الذي عطفت عليه مكة
وشعابها والركن والبطحاء
فعليه من سيما النبي دلالة
وعليه من نور الإله بهاء
* * *
وله أيضا :
وخير زاد المرء من بعد التقى
حبّ التقاة الغرّ أصحاب الكسا
* * *
وقال العبدي :
محمد وصنوه وابنته
وابناه خير من تحفّى واحتذى
صلّى عليهم ربّنا باري الورى
ومنشيء الخلق على وجه الثرى
صفّاهم اللّه تعالى وارتضى
واختارهم من الأنام واجتبى
لولاهم ما رفع اللّه السما
ولا دحى الأرض ولا أنشا الورى
لا يقبل اللّه لعبد عملاً
حتى يواليهم بإخلاص الولا
ولا يتمّ لامرء صلاته
إلاّ بذاكرهم ولا يزكو الدعا
لو لم يكونوا خير من وطأ الحصى
ما قال جبريل لهم تحت العبا
هل أنا منكم شرف ثم علا
يفاخر الإملاك إذ قالوا بلى
* * *
ص: 116
ص: 117
ص: 118
محمد بن إسحاق بالإسناد : جاء أبو سفيان إلى علي عليه السلام ، فقال : يا أبا الحسن ، جئتك في حاجة ، قال : وفيم جئتني ؟ قال : تمشي معي إلى ابن عمّك محمد صلى الله عليه و آله ، فتسأله أن يعقد لنا عقدا ، ويكتب لنا كتابا ، فقال : يا أبا سفيان ، لقد عقد لك رسول اللّه صلى الله عليه و آله عقدا لا يرجع عنه أبدا .
وكانت فاطمة عليهاالسلام من وراء الستر ، والحسن يدرج بين يديها ، وهو طفل من أبناء أربعة عشر شهرا ، فقال لها : يا بنت محمد ، قولي لهذا الطفل يكلّم لي جدّه فيسود بكلامه العرب والعجم .
فأقبل الحسن عليه السلام إلى أبي سفيان وضرب إحدى يديه على أنفه والأخرى على لحيته ، ثم أنطقه اللّه - عزّ وجلّ - بأن قال : يا أبا سفيان قل : « لا إله إلاّ اللّه محمدا رسول اللّه » حتى أكون شفيعا ، فقال عليه السلام : الحمد اللّه الذي جعل في آل محمد من ذريّة محمد المصطفى نظير يحيى بن زكريا « وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا »(1) .
بصائر الدرجات : أنّ الحسن بن علي عليهماالسلام خرج في عمرة ومعه رجل
ص: 119
من ولد الزبير ، فنزلوا في منهل تحت نخل يابس ، فقال الزبيري : لو كان في هذا النخل رطب أكلناه ، فقال الحسن عليه السلام : أو أنت تشتهي الرطب ؟ فقال : نعم .
فرفع الحسن عليه السلام يده إلى السماء ، فدعا بكلام لم يفهمه ، فاخضرت النخلة وأورقت ، وحملت رطبا ، فصعدوا على النخلة ، فصرموا(1) ما فيها فكفاهم(2) .
أبو حمزة الثمالي عن زين العابدين عليه السلام قال : كان الحسن بن علي عليهماالسلام
جالسا ، فأتاه آتٍ ، فقال : يا ابن رسول اللّه ، قد احترقت دارك ، قال : لا ما احترقت .
إذ أتاه آتٍ ، فقال : يا ابن رسول اللّه ، قد وقعت النار في دار إلى جنب دارك حتى ما شككنا أنّها ستحرق دارك ، ثم إنّ اللّه صرفها عنها(3) .
واستغاث الناس من زياد إلى الحسن بن علي عليهماالسلام ، فرفع يده وقال :
ص: 120
اللّهم خذ لنا ولشيعتنا من زياد ابن أبيه وأرنا فيه نكالاً عاجلاً إنّك على كلّ شيء قدير .
قال : فخرج خرّاج في إبهام يمينه ، يقال لها « السلعة » ، وورم إلى عنقه ، فمات(1) .
ادّعى رجل على الحسن بن علي عليهماالسلام ألف دينار كذبا ، ولم يكن له عليه ، فذهبا إلى شريح ، فقال للحسن عليه السلام : أتحلف ؟ قال : إن حلف خصمي أعطيه .
فقال شريح للرجل : قل باللّه الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشهادة ، فقال الحسن عليه السلام : لا أريد مثل هذا ، قل : باللّه أنّ لك عليّ هذا وخذ الألف .
فقال الرجل ذلك وأخذ الدنانير ، فلمّا قام خرّ إلى الأرض ومات .
فسئل الحسن عليه السلام عن ذلك ، فقال : خشيت أنّه لو تكلّم بالتوحيد يغفر له يمينه ببركة التوحيد ، ويحجب عنه عقوبة يمينه .
أبو أسامة : إنّ الحسن بن علي عليهماالسلام حجّ ماشيا فتورّمت قدماه ، فقيل له : لو ركبت مركبا يسهل عليك الطريق ، فقال : لا تبالوا ، فإنّا إذا بلغنا
ص: 121
المنزل يستقبلنا أسود بدهن ينفع الورم ، فقالوا : نفديك بآبائنا وأمهاتنا ، ليس من قبلنا منزل يباع فيه هذا ، قال : لن نبلغ المنزل إلاّ بعد قدومه .
فلم نسر إلاّ قليلاً حتى قال : دونكم الرجل ، فأتوه ، وسئل عن الدهن فقال : لمن تسألون ؟
فقالوا : للحسن بن علي عليهماالسلام ، قال : ائتوني إليه .
فلمّا أتوه قال : ما كنت أزعم أنّ الدهن يستدعى لأجلك ، ولي إليك حاجة أن تدعو لي لأرزق ولدا برّا تقيّا ، فإنّي ودّعت أهلي تمخض وكانت حاملاً ، فقال : يهب لك ولدا ذكرا سويّا شيعيّا ، فكان كما قال ، وأطلى رجليه بالدهن ، فبرأ بإذن اللّه تعالى(1) .
محمد بن إسحاق في كتابه قال : ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما بلغ الحسن عليه السلام ، كان يبسط له على باب داره ، فإذا خرج وجلس انقطع الطريق ، فما مرّ أحد من خلق اللّه إجلالاً له ، فإذا علم قام ودخل بيته ، فمرّ الناس .
ولقد رأيته في طريق مكة ماشيا ، فما من خلق اللّه أحد رآه إلاّ نزل ومشى حتى رأيت سعد بن أبي وقاص يمشي(2) .
ص: 122
أبو السعادات في الفضائل : أنّه أملى الشيخ أبو الفتوح في مدرسة الناجية : إنّ الحسن بن علي عليهماالسلام كان يحضر مجلس رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهو ابن سبع سنين ، فيسمع الوحي فيحفظه ، فيأتي أمّه فيلقي إليها ما حفظه .
فلمّا دخل علي عليه السلام وجد عندها علما ، فيسألها عن ذلك ، فقالت : من ولدك الحسن عليه السلام ، فتخفّى يوما في الدار ، وقد دخل الحسن عليه السلام ، وقد سمع الوحي ، فأراد أن يلقيه إليها فارتجّ عليه ، فعجبت أمّه من ذلك ، فقال : لا تعجبين يا أمّاه ، فإنّ كبيرا يسمعني ، واستماعه قد أوقفني ، فخرج علي عليه السلام فقبّله .
وفي رواية : يا أمّاه قلّ بياني ، وكلّ لساني ، لعلّ سيّدا يرعاني .
الحسن بن أبي العلى عن جعفر بن محمد : قال الحسن بن علي عليهماالسلاملأهل بيته : إنّي أموت بالسمّ كما مات رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال له أهل بيته : ومن الذي يسمّك ؟ قال : جاريتي أو امرأتي ، فقالوا له : أخرجها من ملكك عليها لعنة اللّه .
فقال عليه السلام : هيهات من إخراجها ومنيّتي على يدها ، ما لي منها محيص ، ولو أخرجتها ما يقتلني غيرها ، كان قضاء مقضيا وأمرا واجبا من اللّه .
فما ذهبت الأيام حتى بعث معاوية إلى امرأته ، قال : فقال الحسن عليه السلام : هل عندك من شربة لبن ؟ فقالت : نعم ، وفيه ذلك السمّ بعث به معاوية .
ص: 123
فلمّا شربه وجد مسّ السمّ في جسده ، فقال : يا عدوّة اللّه ، قتلتيني قاتلك اللّه ، أما - واللّه - لا تصيبن منّي خلفا ، ولا تنالين من الفاسق عدوّ اللّه اللّعين خيرا أبدا(1) .
إسماعيل بن أبان بإسناده عن الحسن بن علي عليهماالسلام أنّه مرّ في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله بحلقة فيها قوم من بني أميّة ، فتغامزوا به ، وذلك عندما تغلّب معاوية على ظاهر أمره ، فرآهم وتغامزهم به ، فصلّى ركعتين فقال :
قد رأيت تغامزكم ، أما - واللّه - لا تملكون يوما إلاّ ملكنا يومين ، ولا شهرا إلاّ ملكنا شهرين ، ولا سنة إلاّ ملكنا سنتين ، وإنّا لنأكل في سلطانكم ونشرب ونلبس ونركب وننكح ، وأنتم لا تركبون في سلطاننا ولا تشربون ولا تأكلون ولا تنكحون .
فقال له رجل : فكيف يكون ذلك - يا أبا محمد - وأنتم أجود الناس وأرأفهم وأرحمهم ، تأمنون في سلطان القوم ولا يأمنون في سلطانكم !
فقال : لأنّهم عادونا بكيد الشيطان ، وهو ضعيف ، وعاديناهم بكيد اللّه ، وكيد اللّه شديد(2) .
ص: 124
محمد الفتال النيسابوري في مؤنس الحزين بالإسناد عن عيسى بن الحسن عن الصادق عليه السلام قال بعضهم للحسن بن علي عليهماالسلام في احتماله الشدائد عن معاوية ، فقال عليه السلام كلاما معناه : لو دعوت اللّه - تعالى - لجعل العراق شاما والشام عراقا ، وجعل المرأة رجلاً والرجل امرأة .
فقال الشامي : ومن يقدر على ذلك ؟ فقال عليه السلام : انهضي ألا تستحين أن تقعدي بين الرجال ، فوجد الرجل نفسه امرأة .
ثم قال : وصارت عيالك رجلاً ، وتقاربك وتحمل عنها ، وتلد ولدا خنثى ، فكان كما قال عليه السلام .
ثم إنّهما تابا وجاءا إليه ، فدعا اللّه - تعالى - فعادا إلى الحالة الأولى .
وروى الحاكم في أماليه للحسن عليه السلام : من كان يباهي بجدّ فجدّي الرسول صلى الله عليه و آله ، أو كان يباهي بأمّ فإنّ أمّي البتول عليهاالسلام ، أو كان يباهي بزور فيزورنا جبرئيل عليه السلام .
قال الشاعر :
إليكم كلّ مكرمة تؤول
إذا ما قيل جدّكم الرسول
كفاكم من مديح الناس طرّا
إذا ما قيل أمّكم البتول
وإنّكم لآل اللّه حقّا
ومنكم ذو الأمانة جبرئيل
فلا يبقي لمادحكم كلام
إذا تمّ الكلام فما يقول
ص: 125
وقال أبو علي :
من كان خالق هذا الخلق مادحه
فإنّ ذلك شيء منه مفروغ
فإن أطل أو أقصّر في مدائحه
فليس بعد بلاغ اللّه تبليغ
* * *
ص: 126
ص: 127
ص: 128
قال أحدهما عليهماالسلام في قوله تعالى : « هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ
لا يَعْلَمُونَ » نحن الذين نعلم ، وأعداؤنا الذين لا يعلمون ، وشيعتنا أولوا الألباب(1) .
وقيل للحسن بن علي عليهماالسلام : إنّ فيك عظمة ، قال : بل فيّ عزّة ، قال اللّه تعالى « وَلِلّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤمِنِينَ »(2) .
وقال واصل بن عطاء : كان الحسن بن علي عليهماالسلام عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك .
محمد بن عمير عن رجاله عن أبي عبد اللّه عن الحسن بن علي عليهماالسلام
ص: 129
قال : إنّ للّه مدينتين : إحداهما بالمشرق ، والأخرى بالمغرب ، عليهما سور من حديد ، وعلى كلّ مدينة ألف ألف باب ، لكلّ باب مصراعان من ذهب ، وفيهما سبعون ألف لغة ، يتكلّم كلّ واحد بخلاف لغة صاحبه ، وأنا أعرف جميع اللّغات ، وما فيهما وما بينهما ، وما عليهما حجّة غيري وغير الحسين أخي(1) .
سئل الحسن بن علي عليهماالسلام عن بدو الزكاة ، فقال : إنّ اللّه - تعالى - أوحى إلى آدم عليه السلام أن زكّ عن نفسك يا آدم ، قال : يا ربّ ، وما الزكاة ؟ قال : صلّ لي عشرة ركعات ، فصلّى .
ثم قال : ربّ هذه الزكاة عليّ وعلى الخلق ؟ قال اللّه : هذه الزكاة عليك في الصلاة ، وعلى ولدك في المال ، من جمع من ولدك مالاً(2) .
القاضي النعمان في شرح الأخبار بالإسناد عن عبادة بن الصامت ، ورواه جماعة : سأل أعرابي أبا بكر ، فقال : إنّي أصبت بيض نعام فشويته وأكلته وأنا محرم ، فما يجب عليّ ؟ فقال له : يا أعرابي ، أشكلت عليّ في قضيتك .
ص: 130
فدلّه على عمر ، ودلّه عمر على عبد الرحمن ، فلمّا عجزوا قالوا : عليك بالأصلع .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : سل أيّ الغلامين شئت .
فقال الحسن عليه السلام : يا أعرابي ألك إبل ؟ قال : نعم ، قال : فاعمد إلى عدد ما أكلت من البيض نوقا فاضربهن بالفحول ، فما فضل منها فاهده إلى بيت اللّه العتيق الذي حججت إليه .
فقال أمير المؤمنين : إنّ من النوق السلوب ومنها ما يزلق(1) ، فقال : إن يكن من النوق السلوب وما يزلق ، فإنّ من البيض ما يمرق(2) .
قال فسمع صوت : معاشر الناس ، إنّ الذي فهّم هذا الغلام هو الذي فهّمها سليمان بن داود(3) .
من لا يحضره الفقيه : أنّه استفتي عليه السلام عن جارية زفّت إلى بيت رجل ، فوثبت عليها ضرّتها وضبطتها بنات عمّ لها ، فافتضّتها بأصبعها .
فقال عليه السلام : التي افتضتها زانية ، عليها صداقها وجلد مائة ، واللواتي ضبطنها مفتريات ، عليهن جلد ثمانين(4) .
ص: 131
الكليني في الكافي : أنّه جاء في حديث عمر بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنّه سئل الحسن عليه السلام عن امرأة جامعها زوجها ، فقامت بحرارة جماعه ، فساحقت جارية بكرا ، وألقت النطقة إليها ، فحملت .
فقال عليه السلام : أمّا في العاجل فتؤخذ المرأة بصداق هذه البكر ، لأنّ الولد لا يخرج منها حتى يذهب عذرتها ، ثم ينتظر بها حتى تلد ، فيقام عليها الحدّ ، ويؤخذ الولد فيردّ إلى صاحب النطفة ، وتؤخذ المرأة ذات الزوج فترجم .
قال : فاطلع أمير المؤمنين عليه السلام وهم يضحكون ، فقصّوا عليه القصّة ، فقال : ما أحكم إلاّ ما حكم به الحسن(1) عليه السلام .
وفي رواية : لو أنّ أبا الحسن لقيهم ما كان عنده إلاّ ما قال الحسن(2) عليه السلام .
من لا يحضره الفقيه عن ابن بابويه بإسناده عن الرضا عليه السلام : أنّه أتي عمر برجل وجد على رأسه قتيل ، وفي يده سكين مملوءة دما ، فقال الرجل : لا - واللّه - ما قتلته ولا أعرفه ، وإنّما دخلت بهذه السكين أطلب شاة لي عدمت من بين يدي ، فوجدت هذا القتيل ، فأمر عمر بقتله .
ص: 132
فقال الرجل القاتل : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، قد قتلت رجلاً ، وهذا رجل آخر يقتل بسببي ، فشهد على نفسه بالقتل .
فأدركهم أمير المؤمنين عليه السلام وقال :[ اذهبوا إلى الحسن ابني ليحكم بينكم ، فذهبوا إليه ، وقصّوا عليه القصّة ، فقال عليه السلام : ] لا يجب عليه القود ، إن كان قتل نفسا فقد أحيى نفسا ، ومن أحيى نفسا فلا يجب عليه قود .
فقال عمر : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : أقضاكم علي ، وأعطى ديّته من بيت المال .
وفي الكافي والتهذيب : أبو جعفر : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام سأل فتوى ذلك الحسن عليه السلام ، فقال : يطلق كلاهما ، والديّة من بيت المال ، قال : ولم ؟ قال لقوله : « وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعا »(1) .
ص: 133
أبو سنان عن رجل من أهل الكوفة : أنّ الحسن بن علي عليهماالسلام كلّم رجلاً ، فقال : من أيّ بلد أنت ؟
قال : من الكوفة ، قال : لو كنت بالمدينة لأريتك منازل جبرئيل عليه السلام من ديارنا .
محمد بن سيرين : أنّ عليا عليه السلام قال لابنه الحسن عليه السلام : إجمع الناس ، فاجتمعوا ، فأقبل وخطب الناس ، فحمد اللّه وأثنى عليه وتشهد ، ثم قال :
أيّها الناس ! إنّ اللّه اختارنا لنفسه ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه ، وأنزل علينا كتابه ووحيه .
وأيم اللّه ، لا ينقصنا أحد من حقّنا شيئا إلاّ انتقصه اللّه من حقّه ، في عاجل دنياه وآخرته ، ولا يكون علينا دولة إلاّ كانت لنا العاقبة « وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ » .
ثم نزل ، فجمع بالناس ، وبلغ أباه ، فقبّل بين عينيه ، ثم قال : بأبي وأمّي « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » .
ص: 134
العقد عن ابن عبد ربّه الأندلسي ، وكتاب المدائني أيضا : أنّه قال عمرو بن العاص لمعاوية : لو أمرت الحسن بن علي عليهماالسلام يخطب على المنبر ، فلعلّه حصر فيكون ذلك وضعا له عند الناس ، فأمر الحسن عليه السلامبذلك .
فلمّا صعد المنبر تكلّم وأحسن ، ثم قال : أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب ، أنا ابن أوّل المسلمين إسلاما ، وأمّي فاطمة بنت رسول اللّه ، أنا ابن البشير النذير ، أنا ابن السراج المنير ، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين .
وفي رواية ابن عبد ربّه : لو طلبتم ابنا لنبيّكم ما بين لابتيها لم تجدوا غيري وغير أخي .
فناداه معاوية : يا أبا محمد حدّثنا بنعت الرطب ، أراد بذلك أن يخجله ويقطع بذلك كلامه .
فقال : نعم ، تلفحه الشمال ، وتخرجه الجنوب ، وتنضجه الشمس ، ويطيّبه القمر .
وفي رواية المدائني : الريح تنفحه ، والحرّ ينضجه ، والليل يبرده ويطيّبه .
وفي رواية المدائني : فقال عمرو : أبا محمد ، هل تنعت الخرأة ؟
قال : نعم ، تبعد الممشى في الأرض الصحصح(1) حتى تتوارى من
ص: 135
القوم ، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تمسح باللقمة والرمّة - يريد العظم والروث - ولا تبل في الماء الراكد(1) .
المنهال بن عمرو : أنّ معاوية سأل الحسن عليه السلام أن يصعد المنبر وينتسب ، فصعد ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال :
أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فسأبيّن له نفسي : بلدي مكة ومنى ، وأنا ابن المروة والصفا ، وأنا ابن النبي المصطفى صلى الله عليه و آله ، وأنا ابن من علا الجبال الرواسي ، وأنا ابن من كسا محاسن وجهه الحياء ، أنا ابن فاطمة سيّدة النساء عليهاالسلام ، أنا ابن قليلات العيوب ، نقيات الجيوب .
وأذن المؤذن ، فقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، أشهد أنّ محمدا رسول اللّه .
فقال لمعاوية : محمد أبي أم أبوك ؟ فإن قلت ليس بأبي فقد كفرت ، وإن
قلت : نعم ، فقد أقررت .
ثم قال : أصبحت قريش تفتخر على العرب بأنّ محمدا منها ، وأصبحت العجم تعرف حقّ العرب بأنّ محمدا منها ، يطلبون حقّنا ولا يردّون الينا حقّنا(2) .
ص: 136
وكتب ملك الروم إلى معاوية يسأله عن ثلاث : عن مكان بمقدار وسط السماء(1) ، وعن أوّل قطرة دم وقعت على الأرض ، وعن مكان طلعت فيه الشمس مرّة ، فلم يعلم ذلك .
فاستغاث بالحسن بن علي عليهماالسلام ، فقال : ظهر الكعبة ، ودم حواء ، وأرض البحر حين ضربه موسى .
وعنه عليه السلام في جواب ملك الروم : ما لا قبلة له فهي الكعبة ، وما لا قرابة له فهو الربّ تعالى .
ص: 137
وسأل شاميّ الحسن بن علي عليهماالسلام ، فقال ، كم بين الحقّ والباطل ؟ فقال : أربع أصابع ، فما رأيت بعينك فهو الحقّ ، وقد تسمع بأذنك باطلاً كثيرا .
وقال : كم بين الإيمان واليقين ؟ فقال : أربع أصابع ، الإيمان ما سمعناه ، واليقين ما رأيناه .
وقال : كم بين السماء والأرض ؟ قال : دعوة المظلوم ، ومدّ البصر .
قال : كم بين المشرق والمغرب ؟ قال : مسيرة يوم للشمس(1) .
أبو المفضل الشيباني في أماليه ، وابن الوليد في كتابه بالإسناد عن جابر بن عبد اللّه قال : كان الحسن بن علي عليهماالسلام قد ثقل لسانه وأبطأ كلامه ، فخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله في عيد من الأعياد ، وخرج معه الحسن بن علي عليهماالسلام ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : اللّه أكبر ، يفتتح الصلاة ، فقال الحسن عليه السلام : اللّه أكبر .
قال : فسرّ بذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلم يزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله يكبّر ، والحسن عليه السلام معه يكبّر حتى كبّر سبعا ، فوقف الحسن عليه السلام عند السابعة ، فوقف رسول اللّه صلى الله عليه و آله عندها .
ثم قام رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى الركعة الثانية ، فكبّر الحسن عليه السلام حتى بلغ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خمس تكبيرات ، فوقف الحسن عليه السلام عند الخامسة .
ص: 138
فصار ذلك سنّة في تكبير صلاة العيدين .
وفي رواية : أنّه كان الحسين عليه السلام .
كتاب إبراهيم : قال بعض أصحاب الحسن عليه السلام مرفوعا : الطلق للنساء إنّما يكون سرّة المولود متّصلة بسرّة أمّه ، فتقطع فيؤلمها .
قال ابن حماد :
يا ابن النبيّ المصطفى
وابن الوصيّ المرتضى
يا ابن البتول فاطم ال-
زهراء سيّدة النسا
يا ابن الحطيم وزمزم
وابن المشاعر والصفا
يا ابن السماحة والندى
وابن المكارم والنهى
* * *
وقال ابن المقلد الشيرازي أو شرف الدولة :
سلام على أهل الكساء هداتي
ومن طاب محياي بهم ومماتي
بني البيت والركن المخلق من منى
بني النسك والتقديس والصلوات
بنيالرشد والتوحيد والصدق والهدى
بني البرّ والمعروف والصدقات
ص: 139
بهم محّص الرحمن عظم جرائمي
وضاعف لي في حبّهم حسناتي
ولولاهم لم يزك لي عمل ولا
تقبّل صومي خالقي وصلاتي
محبّتهم لي حجّة وولاهم
ألاقي به الرحمن عند وفاتي
* * *
ص: 140
ص: 141
ص: 142
أمّا زهده :
ما جاء في روضة الواعظين عن الفتال : أنّ الحسن بن علي عليهماالسلام كان إذا توضّأ ارتعدت مفاصله ، واصفرّ لونه ، فقيل له في ذلك .
فقال عليه السلام : حقّ على كلّ من وقف بين يدي ربّ العرش أن يصفرّ لونه ، وترتعد مفاصله(1) .
وكان عليه السلام إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول : إلهي ضيفك ببابك يا محسن قد أتاك المسيء ، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك ، يا كريم .
الفائق : إنّ الحسن عليه السلام كان إذا فرغ من الفجر لم يتكلّم حتى تطلع الشمس ، وإن زحزح ، أي وإن أريد تنحيه من ذلك باستنطاق ما يهمّ(2) .
ص: 143
قال الصادق عليه السلام : إنّ الحسن بن علي عليهماالسلام حجّ خمسة وعشرين حجّة ماشيا ، وقاسم اللّه - تعالى - ماله مرّتين(1) .
وفي خبر : قاسم ربّه ثلاث مرات ، وحجّ عشرين حجّة على قدميه(2) .
أبو نعيم في حلية الأولياء بالإسناد عن القاسم بن عبد الرحمن عن محمد بن علي عليهماالسلام : قال الحسن عليه السلام : إنّي لأستحيي من ربّي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته ، فمشى عشرين مرّة من المدينة على رجليه(3) .
وفي كتابه بالإسناد عن شهاب بن عامر : أنّ الحسن بن علي عليهماالسلامقاسم
اللّه - تعالى - ماله مرّتين ، حتى تصدّق بفرد نعله(4) .
وفي كتابه بالإسناد عن أبي نجيح : أنّ الحسن بن علي عليهماالسلام حجّ ماشيا ، وقسم ماله نصفين(5) .
وفي كتابه بالإسناد عن علي بن جدعان قال : خرج الحسن بن علي عليهماالسلام من ماله مرّتين ، وقاسم اللّه ماله ثلاث مرات ، حتى إن كان ليعطى نعلاً ويمسك نعلاً ، ويعطى خفّا ويمسك خفّا(6) .
وروى عبد اللّه بن عمر عن ابن عباس قال : لمّا أصيب معاوية قال : ما آسى على شيء إلاّ على أن أحجّ ماشيا ، ولقد حجّ الحسن بن علي عليهماالسلام
ص: 144
خمسا وعشرين حجّة ماشيا ، وإنّ النجائب لتقاد معه ، وقد قاسم اللّه ماله مرّتين ، حتى إن كان ليعطى النعل ويمسك النعل ، ويعطى الخفّ ويمسك الخفّ(1) .
وروي أنّه دخلت عليه امرأة جميلة ، وهو في صلاته ، فأوجز في صلاته ، ثم قال لها : ألك حاجة ؟ قالت : نعم ، قال : وما هي ؟ قالت : قم فأصب منّي ، فإنّي وفدت ولا بعل لي ، قال : إليك عنّي لا تحرقيني بالنار ونفسك .
فجعلت تراوده عن نفسه ، وهو يبكي ويقول : ويحك إليك عنّي ، واشتدّ بكاؤه ، فلمّا رأت ذلك بكت لبكائه .
فدخل الحسين عليه السلام ورآهما يبكيان ، فجلس يبكي ، وجعل أصحابه يأتون ويجلسون ويبكون حتى كثر البكاء ، وعلت الأصوات ، فخرجت الأعرابية ، وقام القوم وترحّلوا .
ولبث الحسين عليه السلام بعد ذلك دهرا لا يسأل أخاه عن ذلك إجلالاً ، فبينما الحسن عليه السلام ذات ليلة نائما إذ استيقظ وهو يبكي ، فقال له الحسين عليه السلام : ما شأنك ؟ قال : رؤيا رأيتها الليلة ، قال : وما هي ؟ قال : لا تخبر أحدا ما دمت حيّا ، قال : نعم .
ص: 145
قال : رأيت يوسف ، فجئت انظر إليه فيمن نظر ، فلمّا رأيت حسنه بكيت ، فنظر إليّ في الناس ، فقال : ما يبكيك يا أخي بأبى أنت وأمّي ؟!
فقلت : ذكرت يوسف وامرأة العزيز ، وما ابتليت به من أمرها ، وما لقيت من السجن ، وحرقة الشيخ يعقوب ، فبكيت من ذلك ، وكنت أتعجب منه .
فقال يوسف عليه السلام : فهلاّ تعجّبت ممّا فيه المرأة البدويّة بالأبواء(1)(2) .
عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : دخل الحسن بن علي عليهماالسلام الفرات في بردة كانت عليه .
قال : فقلت له : لو نزعت ثوبك ! فقال لي : يا أبا عبد الرحمن ، إنّ للماء سكانا(3) .
وللحسن بن علي عليهماالسلام :
ذري كدر الأيام إنّ صفاءها
تولّى بأيام السرور الذواهب
وكيف يعزّ الدهر من كان بينه
وبين الليالي محكمات التجارب
* * *
ص: 146
وله أيضا عليه السلام :
قل للمقيم بغير دار إقامة
حان الرحيل فودّع الأحبابا
إنّ الذين لقيتهم وصحبتهم
صاروا جميعا في القبور ترابا
* * *
وله أيضا عليه السلام :
يا أهل لذّات دنيا لا بقاء لها
إنّ المقام بظلّ زائل حمق(1)
* * *
وله أيضا عليه السلام :
لكسرة من خسيس الخبز تشبعني
وشربة من قراح الماء تكفيني
وطمرة من رقيق الثوب تسترني
حيّا وإن متّ تكفيني لتكفيني
* * *
وقال الكميت :
وفي حسن كانت مصاديق لاسمه
أراب لصدعيها المهيمن مرأب
وحزم وعزم في عفاف وسؤدد
إلى منصب لا مثله كان منصب
* * *
وقال المهذب البصري :
خيرة اللّه في العباد ومن يع-
-ضد ياسين فيهم طاسين
ص: 147
والأولى لا تقرّ منهم جنوب
في الدياجي ولا تنام عيون
ولهم في القرآن في غسق الليل
إذا طرب السفيه حنين
وبكاء مل ء العيون غزير
وتكاد الصخور منه تلين
* * *
ص: 148
ومن سخائه عليه السلام
ما روي أنّه سأل الحسن بن علي عليهماالسلام رجل ، فأعطاه خمسين ألف دينار ، وقال : إئت بحمّال يحمل لك ، فأتى بحمّال ، فأعطاه طيلسانه ، فقال : هذا كرى الحمال(1) .
وجاءه بعض الأعراب ، فقال : أعطوه ما في الخزانة ، فوجد فيها عشرون ألف درهم ، فدفعها إلى الأعرابي .
فقال الأعرابي : يا مولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي وأنشر مدحتي .
فأنشأ الحسن عليه السلام :
نحن أناس نوالنا خضل
يرتع فيه الرجاء والأمل
تجود قبل السؤال أنفسنا
خوفا على ماء وجه من يسل
لو علم البحر فضل نائلنا
لغاض من بعد فيضه خجل(2)
ص: 149
أبو جعفر المدائني في حديث طويل : خرج الحسن والحسين عليهماالسلام
وعبد اللّه بن جعفر حجّاجا ، ففاتتهم أثقالهم ، فجاعوا وعطشوا ، فرأوا في بعض الشعوب خباءا رثّا وعجوزا ، فاستسقوها ، فقالت : اطلبوا هذه الشويهة ، ففعلوا ، واستطعموها ، فقالت : ليس إلاّ هي ، فليقم أحدكم فليذبحها حتى أصنع لكم طعاما ، فذبحها أحدهم ، ثم شوت لهم من لحمها ، وأكلوا وقيلوا عندها .
فلمّا نهضوا قالوا لها : نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه ، فإذا انصرفنا وعدنا فالممي بنا ، فإنّا صانعون لك خيرا ، ثم رحلوا .
فلمّا جاء زوجها وعرف الحال أوجعها ضربا .
ثم مضت الأيام ، فأضرّت بها الحال ، فرحلت حتى اجتازت بالمدينة ، فبصر بها الحسن عليه السلام ، فأمر لها بألف شاة وأعطاها ألف دينار ، وبعث معها رسولاً إلى الحسين عليه السلام ، فأعطاها مثل ذلك ، ثم بعثها إلى عبد اللّه بن جعفر ، فأعطاها مثل ذلك(1) .
وسأله رجل شيئا ، فأمر له بأربعمائة درهم ، فكتب له بأربعمائة دينار ، فقيل له في ذلك، فأخذه وقال: هذا سخاؤه، وكتب عليه بأربعة آلاف درهم.
وسمع عليه السلام رجلاً إلى جنبه في المسجد الحرام يسأل اللّه أن يرزقه عشرة آلاف درهم ، فانصرف إلى بيته وبعث إليه بعشرة آلاف درهم(1) .
قال : قال صلى الله عليه و آله : لا يفلح قوم ملكت عليهم امرأة ، وقد ملكت عليّ امرأتي ، وأمرتني أن أشتري عبدا ، فاشتريته فأبق منّي .
فقال عليه السلام : إختر أحد ثلاثة : إن شئت فثمن عبد ، فقال : ها هنا ، ولا تتجاوز قد اخترت ، فأعطاه ذلك(1) .
فضائل العكبري بالإسناد عن أبي إسحاق : أنّ الحسن بن علي عليهماالسلام تزوّج جعدة بنت الأشعث بن قيس على سنّة النبي صلى الله عليه و آله ، وأرسل إليها ألف دينار .
تفسير الثعلبي ، وحلية أبي نعيم : قال محمد بن سيرين : إنّ الحسن بن علي عليهماالسلام تزوّج امرأة ، فبعث إليها مائة جارية ، مع كلّ جارية ألف درهم(2) .
الحسن بن سعيد عن أبيه قال : كان تحت الحسن بن علي عليهماالسلامامرأتان : تميمية وجعفية ، فطلّقهما جميعا ، وبعثني إليهما وقال : أخبرهما فلتعتدّا ، وأخبرني بما تقولان ، ومتّعهما العشرة الآلاف ، وكلّ واحدة منهما بكذا وكذا من العسل والسمن .
ص: 152
فأتيت الجعفية ، فقلت : اعتدّي ، فتنفّست الصعداء ، ثم قالت : متاع قليل من حبيب مفارق .
وأمّا التميمية ، فلم تدر ما اعتدّت حتى قال لها النساء فسكتت .
فأخبرته بقول الجعفية ، فنكت في الأرض ، ثم قال : لو كنت مراجعا لامرأة لراجعتها(1)(2) .
وقال أنس : حيّت جارية الحسن بن علي عليهماالسلام بطاقة ريحان ، فقال لها : أنت حرّة لوجه اللّه .
فقلت له في ذلك ، فقال : أدّبنا اللّه - تعالى - فقال « وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها » الآية ، وكان أحسن منها اعتاقها(3) .
* * *
ص: 153
وللحسن بن علي عليهماالسلام :
إنّ السخاء على العباد فريضة
للّه يقرأ في كتاب محكم
وعد العباد الأسخياء جنانه
وأعدّ للبخلاء نار جهنم
من كان لا تندى يداه بنائل
للراغبين فليس ذاك بمسلم
* * *
وله أيضا عليه السلام :
خلقت الخلائق من قدرة
فمنهم سخي ومنهم بخيل
فأمّا السخي ففي راحة
وأمّا البخيل فحزن طويل
* * *
ص: 154
ومن همّته عليه السلام
ما روي أنّه قدم الشام - أي عند معاوية - فأحضر بارنامجا(1) بحمل عظيم ووضع قبله ، ثم إنّ الحسن عليه السلام لمّا أراد الخروج خصف خادم نعله ، فأعطاه البارنامج .
وقدم معاوية المدينة ، فجلس في أوّل يوم يجيز من دخل عليه من خمسة آلاف إلى مائة ألف ، فدخل عليه الحسن بن علي عليهماالسلام في آخر الناس ، فقال : أبطأت - يا أبا محمد - فلعلّك أردت تبخّلني عند قريش ، فانتظرت يفنى ما عندنا ، يا غلام اعط الحسن مثل جميع ما أعطينا في يومنا هذا ، يا أبا محمد وأنا ابن هند !
فقال الحسن عليه السلام : لا حاجة لي فيها- يا أبا عبد الرحمن - ورددتها وأنا ابن فاطمة بنت محمد رسول اللّه (2) صلى الله عليه و آله .
ص: 155
قال المتنبي :
ويعظم في عين الصغير صغيرها
ويصغر في عين العظيم العظائم
* * *
المبرد في الكامل : قال مروان بن الحكم : إنّي مشغوف ببغلة الحسن بن علي عليهماالسلام ، فقال له ابن أبي عتيق : إن دفعتها إليك تقضي لي ثلاثين حاجة ؟ قال : نعم ، قال : إذا اجتمع الناس فإنّي آخذ في مآثر(1) قريش وأمسك عن مآثر الحسن عليه السلام ، فلمني على ذلك .
ولمّا حضر القوم أخذ في أولية قريش ، فقال مروان : ألا تذكر أولية أبي محمد ، وله في هذا ما ليس لأحد .
قال : إنّما كنّا في ذكر الأشراف ، ولو كنّا في ذكر الأولياء لقدّمنا ذكره .
فلمّا خرج الحسن عليه السلام ليركب تبعه ابن أبي عتيق ، فقال له الحسن عليه السلام وتبسّم : ألك حاجة ؟
قال : نعم ، ركوب البغلة ، فنزل الحسن عليه السلام ودفعها إليه(2) .
« إنّ الكريم إذا خادعته انخدعا(3) »
ص: 156
ومن حلمه عليه السلام
ما روى المبرد وابن عائشة : أنّ شاميا رآه راكبا ، فجعل يلعنه والحسن عليه السلام لا يردّ ، فلمّا فرغ أقبل الحسن عليه السلام عليه وضحك ، وقال : أيّها الشيخ ، أظنّك غريبا ، ولعلك شبّهت ، فلو استعتبتنا أعتبناك ، ولو سألتنا أعطيناك ، ولو استرشدتنا أرشدناك ، ولو استحملتنا حملناك ، وإن كنت جائعا أشبعناك ، وإن كنت عريانا كسوناك ، وإن كنت محتاجا أغنياك ، وإن كنت طريدا آويناك ، وإن كان لك حاجة قضيناها لك ، فلو حرّكت رحلك إلينا ، وكن ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك ، لأنّ لنا موضعا رحبا ، وجاها عريضا ، ومالاً كبيرا .
فلمّا سمع الرجل كلامه بكى ، ثم قال : أشهد أنّك خليفة اللّه في أرضه ، « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ » ، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق اللّه إليّ ، والآن أنت أحبّ خلق اللّه إليّ .
وحوّل رحله إليه ، وكان ضيفه إلى أن ارتحل ، وصار معتقدا لمحبّتهم(1) .
ص: 157
المناقب عن أبي إسحاق العدل في خبر : أنّ مروان بن الحكم خطب يوما ، فذكر علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فنال منه والحسن بن علي عليهماالسلام
جالس ، فبلغ ذلك الحسين عليه السلام ، فجاء إلى مروان وقال : يا ابن الزرقاء أنت الواقع في علي عليه السلام ، في كلام له .
ثم دخل على الحسن عليه السلام ، فقال : تسمع هذا يسبّ أباك فلا تقول له شيئا ! فقال : وما عسيت أن أقول لرجل مسلّط يقول ما شاء ويفعل ما شاء(1) .
ص: 158
وروي أنّ الحسن عليه السلام لم يسمع قطّ منه كلمة فيها مكروه إلاّ مرّة واحدة ، فإنّه كان بينه وبين عمرو بن عثمان خصومة في أرض ، فقال له الحسن عليه السلام : ليس لعمرو عندنا إلاّ ما يرغم أنفه(1)(2) !
قال الجماني :
تراث لهم من آدم ومحمد
إلى الثقلين من وصيّ ومصحف
فجازوا أباهم عنهم كيف شئتم
تلافوالديه النصف من خيرمنصف
ص: 159
وقال العوني :
قوم هم حجج اللّه الجليل وهم
فلك النجاة لمن والاهم وصلوا
قوم محبّتهم فرض وبغضهم
كفر لام الذي يشناهم(1) الهبل(2)
ولو بهم قيست الدنيا وزينتهابمثلها عدد ما مثلهم عدلوا
أخلص محبّة أهل البيت إنّ بهميوم القيامة تخلص أيّها الرجل
* * *
ص: 160
ص: 161
ص: 162
جابر الأنصاري قال النبي صلى الله عليه و آله : من سرّه أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنّة ، فلينظر إلى الحسن بن علي(1) عليهماالسلام .
وفي حديث عبد اللّه بن بريدة عن ابن عباس قال : انطلقنا مع النبي صلى الله عليه و آله ، فنادى على باب فاطمة عليهاالسلام ثلاثا ، فلم يجبه أحد ، فمال إلى
حائط فقعد فيه ، وقعدت إلى جانبه .
فبينا هو كذلك ، إذ خرج الحسن عليه السلام ، وقد غسل وجهه وعلّقت عليه سبحة .
قال : فبسط النبي صلى الله عليه و آله يده ومدّها ، ثم ضمّ الحسن عليه السلام إلى صدره وقبّله وقال : إنّ ابني هذا سيّد لعلّ اللّه يصلح به بين فئتين من المسلمين(2) .
ص: 163
المحاضرات عن الراغب ، روى أبو هريرة وبريدة : رأيت النبي صلى الله عليه و آله يخطب على المنبر ينظر إلى الناس مرّة ، والى الحسن عليه السلام مرّة ، وقال : إنّ ابني هذا سيصلح اللّه به فئتين من المسلمين(1) .
ورواه البخاري ، والخطيب ، والخركوشي ، والسمعاني .
وروى البخاري ، والموصلي ، وأبو السعادات ، والسمعاني ، قال إسماعيل بن خالد لأبي جحيفة : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : نعم ، وكان الحسن عليه السلام يشبهه(2) .
ص: 164
أبو هريرة قال : دخل الحسن بن علي عليهماالسلام وهو مغتمّ ، فظننت أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد بعث .
الغزالي والمكي ، في الإحياء ، وقوت القلوب : قال النبي صلى الله عليه و آله للحسن
عليه السلام : أشبهت خلقي وخلقي(1) .
قال البختري :
وشبيه النبي خلقا وخلقا
ونسيب النبي جدّا فجدّا
* * *
وقال ابن حماد :
إمام ابن الإمام أخو إمام
تخطفه الردا وإليه أمّا
شبيه محمد خلقا وخلقا
وحيدرة الرضى فهما وعلما
* * *
ودعا أمير المؤمنين عليه السلام محمد بن الحنفية يوم الجمل ، فأعطاه رمحه وقال له : اقصد بهذا الرمح قصد الجمل ، فذهب فمنعوه بنو ضبّة .
ص: 165
فلمّا رجع إلى والده انتزع الحسن عليه السلام رمحه من يده وقصد قصد الجمل وطعنه برمحه ، ورجع إلى والده عليه السلام ، وعلى رمحه أثر الدم .
فتمعّر(1) وجه محمد من ذلك ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لا تأنف ، فإنّه ابن النبي صلى الله عليه و آله ، وأنت ابن علي عليه السلام .
وطاف الحسن بن علي عليهماالسلام بالبيت ، فسمع رجلاً يقول : هذا ابن فاطمة الزهراء عليهاالسلام .
فالتفت إليه ، فقال : قل : علي بن أبي طالب ، فأبي خير من أمّي .
وتفاخرت قريش والحسن بن علي عليهماالسلام حاضر لا ينطق ، فقال معاوية : يا أبا محمد ، ما لك لا تنطق ؟ فواللّه ما أنت بمشوب الحسب ولا بكليل اللسان .
قال الحسن عليه السلام : ما ذكروا فضيلة إلاّ ولي محضها ولبابها ، ثم قال :
فيم الكلام وقد سبقت مبرّزا
سبق الجواد من المدى المتنفّس(2)
* * *
ص: 166
أخبار ابن أبي حاتم : أنّ معاوية فخر يوما ، فقال : أنا ابن بطحاء مكة ، أنا ابن أعززها جودا ، وأكرمها جدودا ، أنا ابن من ساد قريشا فضلاً ناشئا وكهلاً .
فقال الحسن بن علي عليهماالسلام : أعليّ تفخر يا معاوية ! أنا ابن عروق الثرى ، أنا ابن مأوى التقى ، أنا ابن من جاء بالهدى ، أنا ابن من ساد أهل الدنيا بالفضل السابق والحسب الفائق ، أنا ابن من طاعته طاعة اللّه ومعصيته معصية اللّه ، فهل لك أب كأبي تباهيني به ؟ وقديم كقديمي تساميني به ؟ تقول : نعم أو لا ؟
قال معاوية : بل أقول : لا ، وهي لك تصديق .
فقال الحسن عليه السلام :
الحقّ أبلج ما يحيل سبيله
والحقّ يعرفه ذوو الألباب(1)
* * *
وقال معاوية للحسن بن علي عليه السلام : أنا أخير منك يا حسن !! قال : وكيف ذاك يا ابن هند ؟
قال : لأنّ الناس قد أجمعوا عليّ ولم يجمعوا عليك .
ص: 167
قال : هيهات هيهات ، لشرّ ما علوت يا ابن آكلة الأكباد ، المجتمعون عليك رجلان : بين مطيع ومكره ، فالطائع لك عاص للّه ، والمكروه معذور بكتاب اللّه ، وحاشى للّه أن أقول : أنا خير منك ، فلا خير فيك ، ولكن اللّه برّأني من الرذائل كما برأك من الفضائل .
قال الحميري :
مجبر قال لدينا عدد
وجميع من جماهير البشر
قلت ذمّ اللّه ربّي جمعكم
وبه تنطق آيات الزبر
من زها سبعين ألف برّة
وسواها في عذاب وسعر
* * *
كتاب الشيرازي : روى سفيان الثوري عن واصل عن الحسن عن ابن عباس في قوله : « وَشارِكْهُمْ فِي الأَْمْوالِ وَالأَْوْلادِ » أنّه جلس الحسن بن علي عليهماالسلام ويزيد بن معاوية بن أبي سفيان يأكلان من الرطب ، فقال يزيد : يا حسن ، إنّي منذ كنت أبغضك !
قال الحسن عليه السلام : إعلم - يا يزيد - أنّ إبليس شارك أباك في جماعه ، فاختلط الماءان ، فأورثك ذلك عداوتي ، لأنّ اللّه - تعالى - يقول : « وَشارِكْهُمْ فِي الأَْمْوالِ وَالأَْوْلادِ » ، وشارك الشيطان حربا عند جماعه ، فولد له صخر ، فلذلك كان يبغض جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ص: 168
قال ابن حماد :
كم بين مولود أبوه وأمّه
قد شاركا في حمله الشيطانا
ومطهّر لم يجعل الرحمن
للشيطان في شرك به سلطانا
* * *
وهرب سعيد بن سرح من زياد إلى الحسن بن علي عليه السلام ، فكتب الحسن عليه السلام إليه يشفع فيه ، فكتب زياد :
من زياد بن سفيان !! إلى الحسن بن فاطمة ، أمّا بعد ، فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي ، وأنت طالب حاجة وأنا سلطان ، وأنت سوقة(1) !! وذكر نحوا من ذلك .
فلمّا قرأ الحسن عليه السلام الكتاب تبسّم ، وأنفذ بالكتاب إلى معاوية ، فكتب معاوية إلى زياد يؤنّبه ويأمره أن يخلّي عن أخي سعيد وولده وامرأته ، وردّ ماله ، وبناء ما قد هدمه من داره ، ثم قال : وأمّا كتابك إلى الحسن باسمه واسم أمّه ، لا تنسبه إلى أبيه ، وأمّه بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وذلك أفخر له إن كنت تعقل(2) .
ص: 169
كتاب الفنون عن أحمد بن المؤدب ، ونزهة الأبصار عن ابن مهدي : أنّه مرّ الحسن بن علي عليهماالسلام على فقراء ، وقد وضعوا كسيرات على الأرض ، وهم قعود يلتقطونها ويأكلونها ، فقالوا له : هلمّ يا ابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى الغداء .
قال : فنزل وقال إنّ اللّه « لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ » ، وجعل يأكل معهم حتى اكتفوا ، والزاد على حاله ببركته ، ثم دعاهم إلى ضيافته وأطعمهم وكساهم .
وذكروا : أنّ الحسن بن علي عليهماالسلام دخل على معاوية يوما ، فجلس عند رجله وهو مضطجع ، فقال له : يا أبا محمد ، ألا أعجبك من عائشة تزعم أنّي لست للخلافة أهلاً .
فقال الحسن عليه السلام : وأعجب من هذا جلوسي عند رجلك وأنت نائم .
فاستحيى معاوية واستوى قاعدا واستعذره .
وفي العقد : أنّ مروان بن الحكم قال للحسن بن علي عليهماالسلام بين يدي معاوية : أسرع الشيب إلى شاربك يا حسن ، ويقال : إنّ ذلك من الخرق !
ص: 170
فقال عليه السلام : ليس كما بلغك ، ولكنّا معشر بني هاشم طيّبة أفواهنا ، عذبة شفاهنا ، فنساؤنا يقبلن علينا بأنفاسهن ، وأنتم معشر بني أميّة فيكم بخر(1) شديد ، فنساؤكم يصرفن أفواههن وأنفاسهن إلى أصداغكم ، فإنّما يشيب منكم موضع العذار من أجل ذلك .
قال مروان : أما أنّ فيكم - يا بني هاشم - خصلة سوء ، قال : وما هي ؟ قال : الغلمة(2) .
قال : أجل نزعت من نسائنا ووضعت في رجالنا ، ونزعت الغلمة من رجالكم ، ووضعت في نسائكم ، فما قام لأمويّة إلاّ هاشمي .
ثم خرج يقول :
ومارست هذا الدهر خمسين حجّة
وخمسا أرجّي قابلاً بعد قابل
فما أنا في الدنيا بلغت جسيمها
ولا في الذي أهوى كدحت بطائل
وقد أشرعتني في المنايا أكفّها
وأيقنت أنّي رهن موت معاجل(3)
* * *
وقال الحسن بن علي عليهماالسلام لحبيب بن مسلمة الفهري : ربّ مسير لك في غير طاعة ، قال : أمّا مسيري إلى أبيك فلا !
ص: 171
قال عليه السلام : بلى ، ولكنّك أطعت معاوية على دنيا قليلة ، ولئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في آخرتك ، فلو كنت إذ فعلت شرّا قلت خيرا كنت كما قال اللّه - عزّ وجلّ - : « خَلَطُوا عَمَلاً صالِحا وَآخَرَ سَيِّئا » ، ولكنّك كما قال : « بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ »(1) .
وقيل لمجنون : الحسن عليه السلام كان أفضل أم الحسين عليه السلام ؟
فقال : الحسن عليه السلام لقوله « رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً » ، ولم يقل حسينة .
قال المرتضى :
وعهدت منك ولاية لمعاشر
لهم المعاد وحكمه والمحشر
قوم لمن شاؤوا هنالك قدّموا
في الفائزين ومن أشاؤا أخّروا
وبحبّهم من في الجنان مخلد
ولأجلهم سقي الظماء الكوثر
* * *
ص: 172
ص: 173
ص: 174
روى أبو علي الجبائي في مسند أبى بكر بن أبي شيبة عن ابن مسعود .
وروى عبد اللّه بن شداد عن أبيه ، وأبو يعلى الموصلي في المسند عن ثابت البناني عن أنس ، وعبد اللّه بن شيبة عن أبيه :
أنّه دعي النبي صلى الله عليه و آله إلى صلاة والحسن متعلّق به ، فوضعه النبي صلى الله عليه و آله مقابل جنبه وصلّى ، فلمّا سجد أطال السجود ، فرفعت رأسي من بين القوم ، فإذا الحسن عليه السلام على كتف رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فلمّا سلّم قال له القوم : يا رسول اللّه ، لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها ، كأنّما يوحى إليك !
فقال : لم يوح إليّ ، ولكن ابني كان على كتفي ، فكرهت أن أعجله حتى نزل .
وفي رواية عبد اللّه بن شداد : أنّه صلى الله عليه و آله قال : إنّ ابني هذا ارتحلني ، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته(1) .
ص: 175
الحلية بالإسناد عن أبي بكرة قال : كان النبي صلى الله عليه و آله يصلّي بنا ، وهو ساجد ، فيجيء الحسن عليه السلام - وهو صبي صغير - حتى يصير على ظهره أو رقبته ، فيرفعه رفعا رفيقا .
فلمّا صلّى صلاته قالوا : يا رسول اللّه إنّك لتصنع بهذا الصبي شيئا لم تصنعه بأحد ! فقال : إنّ هذا ريحانتي(1) . . الخبر .
وفيها عن أبي هريرة قال : ما رأيت الحسن عليه السلام قطّ إلاّ فاضت عيناي دموعا(2) ، وذلك أنّه أتى يوما يشتدّ حتى قعد في حجر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فجعل يقول بيده هكذا في لحية رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، يفتح فمه ثم يدخل فيه ويقول : اللّهم إنّي أحبّه ، فأحبّه وأحبّ من يحبّه ، يقولها ثلاث مرات(3) .
وفيها عن البراء بن عازب قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله واضعا للحسن على عاتقه ، فقال : من أحبّني فليحبّه(4) .
سنن ابن ماجة ، وفضائل أحمد : روى نافع عن ابن جبير عن أبي هريرة : أنّه صلى الله عليه و آله قال : اللّهم إنّي أحبّه ، فأحبّه وأحبّ من يحبّه ، قال : وضمّه إلى صدره(5) .
ص: 176
مسند أحمد عن أبي هريرة : قال النبي صلى الله عليه و آله وقد جاءه الحسن عليه السلام ، وفي عنقه السخاب(1) ، فالتزمه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والتزم هو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقال : إنّي أحبّه ، فأحبّه وأحبّ من يحبّه ، ثلاث مرات(2) .
أخرجه ابن بطّة بروايات كثيرة .
وعن أبي قتادة : أنّ النبي صلى الله عليه و آله قبّل الحسن وهو يصلّي .
الخدري : أنّ الحسن عليه السلام جاء والنبي صلى الله عليه و آله يصلّي ، فأخذ بعنقه وهو جالس ، فقام النبي صلى الله عليه و آله وإنّه ليمسك بيديه حتى ركع .
فضائل عبد الملك : قال أبو هريرة : كان النبي صلى الله عليه و آله يقبّل الحسن عليه السلام ، فقال الأقرع بن حابس : إنّ لي عشرة من الولد ما قبّلت أحدا منهم ، فقال صلى الله عليه و آله : من لا يرحم لا يرحم(1) .
مسند العشرة ، وإبانة العكبري ، وشرف النبي صلى الله عليه و آله ، وفضائل السمعاني ، وقد تداخلت الروايات بعضها في بعض ، عن عمير بن إسحاق قال : رأيت أبا هريرة في طريق قال للحسن بن علي عليه السلام : أرني الموضع الذي قبّله النبي صلى الله عليه و آله ، قال : فكشف عن بطنه فقبّل سرّته(2) .
الواعظ في شرف النبي صلى الله عليه و آله ، والسمعاني في فضائل الصحابة ، وجماعة من أصحابنا في كتبهم عن هاني بن هاني عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وعن علي بن الحسين عليهماالسلام ، وعن أسماء بنت عميس ، واللّفظ لها ، قالت :
ص: 178
لمّا ولدت فاطمة الحسن عليهماالسلام جاءني النبي صلى الله عليه و آله ، فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة صفراء ، فرمى بها وقال : يا أسماء ، ألم أعهد إليكم أن لا تلفّوا المولود في خرقة صفراء .
فلففته في خرقة بيضاء ودفعته إليه ، فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ثم قال لعلي عليه السلام : أيّ شيء سمّيت ابني هذا ؟ قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول اللّه ، وقد كنت أحبّ أن أسمّيه حربا(1) !
فقال : أنا لا أسبق باسمه ربّي .
ثم هبط جبرئيل عليه السلام فقال : السلام عليك يا محمد ، العلي الأعلى يقرؤك السلام ويقول : علي منك بمنزلة هارون من موسى ، ولا نبي بعدك ، سمّ ابنك هذا باسم ابن هارون ، قال : وما اسم ابن هارون يا جبرئيل ؟ قال : شبر .
قال : لساني عربي ، قال : سمّه « الحسن » ، فسمّاه الحسن .
فلمّا كان يوم سابعه عقّ عنه بكبشين أملحين ، وأعطى القابلة فخذا ، وحلق رأسه ، وتصدّق بوزن الشعر ورقا ، وطلى رأسه بالخلوق ، ثم قال : يا أسماء الدم فعل الجاهلية .
قالت : فلمّا ولد الحسين فعل مثل ذلك(2) .
ص: 179
الباقر عليه السلام : فوزنه ، فكان وزنه درهما ونصفا ، يعني شعر الحسن(1) عليه السلام
وقت الولادة(2) .
أبو هريرة ، وابن عباس ، والصادق عليه السلام : إنّ فاطمة عليهاالسلام عادت رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند مرضه الذي عوفي منه ، ومعها الحسن والحسين عليهماالسلام ، فأقبلا يغمزان ممّا يليهما من يد رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى اضطجعا على عضديه وناما .
فلمّا انتبها خرجا في ليلة ظلماء مدلهمّة(3) ذات رعد وبرق ، وقد أرخت السماء عزاليها ، فسطع لهما نور فلم يزالا يمشيان في ذلك النور ويتحدّثان حتى أتيا حديقة بني النجار ، فاضطجعا وناما .
فانتبه النبي صلى الله عليه و آله من نومه وطلبهما في منزل فاطمة عليهاالسلام ، فلم يكونا فيه ، فقام على رجليه وهو يقول :
إلهي وسيّدي ومولاي ، هذان شبلاي خرجا من المخمصة والمجاعة ، اللّهم أنت وكيلي عليهما ، اللّهم إن كانا أخذا برّا أو بحرا ، فاحفظهما وسلّمهما .
ص: 180
فنزل جبرئيل عليه السلام وقال : إنّ اللّه يقرؤك السلام ويقول لك : لا تحزن ولا تغتمّ لهما ، فإنّهما فاضلان في الدنيا والآخرة ، وأبوهما أفضل منهما ، هما نائمان في حديقة بني النجار ، وقد وكّل اللّه بهما ملكا .
فسطع للنبي صلى الله عليه و آله نور ، فلم يزل يمضي في ذلك النور حتى أتى حديقة بنى النجار ، فإذا هما نائمان ، والحسن عليه السلام معانق الحسين عليهماالسلام ، وقد تقشّعت السماء فوقهما كطبق ، وهي تمطر كأشدّ مطر ، وقد منع اللّه المطر منهما ، وقد اكتنفتهما حيّة لها شعرات - كآجام(1) القصب - وجناحان : جناح قد غطّت
به الحسن عليه السلام ، وجناح قد غطّت به الحسين ، فانسابت الحيّة ، وهي تقول : اللّهم إنّي أشهدك وأشهد ملائكتك ، أنّ هذين شبلا نبيك قد حفظتهما عليه ، ودفعتهما إليه سالمين صحيحين .
فمكث النبي صلى الله عليه و آله يقبّلهما حتى انتبها ، فلمّا استيقظا حمل النبي صلى الله عليه و آله
الحسن عليه السلام ، وحمل جبرئيل الحسين عليه السلام ، فقال أبو بكر : ادفعهما الينا فقد أثقلاك ، فقال : أمّا أحدهما على جناح جبرئيل عليه السلام ، والآخر على جناح ميكائيل عليه السلام .
فقال عمر : ادفع إليّ أحدهما أخفّف عنك ، فقال : امض ، فقد سمع اللّه كلامك ، وعرف مقامك .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ادفع إليّ أحد شبلي وشبليك ، فالتفت إلى الحسن عليه السلام فقال : يا حسن ، هل تمضي إلى كتف أبيك ؟ فقال : واللّه يا جدّاه إنّ كتفك أحبّ إليّ من كتف أبي .
ص: 181
ثم التفت إلى الحسين عليه السلام فقال : يا حسين ، تمضي إلى كتف أبيك ؟ فقال : أنا أقول كما قال أخي ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : نعم المطيّة مطيّتكما ، ونعم الراكبان أنتما(1) .
فلمّا أتى المسجد قال : واللّه - يا حبيبيّ - لأشرّفنكما بما شرّفكما اللّه ، ثم أمر مناديا ينادي في المدينة ، فاجتمع الناس في المسجد .
فقام وقال : يا معشر الناس ، ألا أدلّكم على خير الناس جدّا وجدّة ؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه .
قال : الحسن والحسين عليهماالسلام ، فإنّ جدّهما محمد صلى الله عليه و آله ، وجدّتهما خديجة عليهاالسلام .
ثم قال : يا معشر الناس ، ألا أدلّكم على خير الناس أمّا وأبا ؟ وهكذا عمّا وعمّة ، وخالاً وخالة(2) .
وقد روى الخركوشي في شرف النبي صلى الله عليه و آله عن هارون الرشيد عن آبائه عن ابن عباس هذا المعنى(3) ، فنظمه الصقر البصري :
هذا ابن خلاد روى عن شيخه
أعني به أبا سويد الدارعا
ممّا روى المأمون أنّ رشيدهم
يروي عن الهادي حديثا شائعا
ممّا روى المهدي عن منصورهم
عن ابن عباس الأديب البارعا
ص: 182
حتى اجتمعنا عند أكرم مرسل
يوما وكان الوقت وقتا جامعا
فأتته فاطمة البتول وعينها
من حرقة تنهلّ دمعا هامعا(1)
فارتاع والدها لفرط بكائها
لمّا استبان الأمر منها رائعا
فبكى وقال فداك أحمد ما الذي
يبكيك ما ألقاك ربّك فاجعا
قالت فقدت ابنيّ يا أبتا وقد
صادفت فقدهما لقلبي صادعا
فشجاه ما ذكرت فأقبل ساعة
متململاً يدعو المهيمن ضارعا
فإذا المطوّف جبرئيل مناديا
ببشارة من ذي الجلال مسارعا
اللّه يقرؤك السلام بجوده
ويقول لا تك يا حبيبي جازعا
أدركهما بحديقة النجار قد
لعبا وقد نعسا بها وتضاجعا
أرسلت من خدم الكرام اليهما
ملكا شفيقا للمكاره دافعا
غطّاهما منه جناحا وانثنى
بالرفق فوقهما وآخر واضعا
فأتاهما خير البريّة فاغتدى
بهما على كتفيه جهرا رافعا
فأتاه ذو ملق ليحمل واحدا
عنه فقال له وراءك راجعا
نعم المطيّ مطيّة حملتهما
منّي ونعم الراكبان هما معا
وأبوهما خير وأفضل منهما
شرفا لعمرك في المزيّة شافعا
* * *
ص: 183
ص: 184
ص: 185
ص: 186
ولد الحسن عليه السلام بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان ، عام أحد ، سنة ثلاث من الهجرة .
وقيل : سنة إثنين .
وجاءت فاطمة عليهاالسلام إلى النبي صلى الله عليه و آله يوم السابع من مولده في خرقة من
حرير الجنّة ، وكان جبرئيل عليه السلام نزل بها إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فسمّاه « حسنا » ، وعقّ عنه كبشا(1) .
فعاش مع جدّه سبع سنين وأشهرا .
وقيل : ثمان سنين .
ومع أبيه ثلاثين سنة ، وبعده تسع سنين .
وقالوا : عشر سنين(2) .
وكان ربع القامة ، وله محاسن كثّة .
وأصحابه أصحاب أبيه .
ص: 187
ونوّابه : قيس بن ورقاء المعروف ب-« سفينة(1) » ، ورشيد الهجري .
ويقال : وميثم الثمار .
وبويع بعد أبيه ، يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان في سنة أربعين(2) .
وكان أمير جيشه : عبيد اللّه بن العباس ، ثم قيس بن[ سعد بن ]عبادة(3).
وكان عمره لمّا بويع سبعا وثلاثين سنة .
فبقي في خلافته أربعة أشهر وثلاثة أيام ، ووقع الصلح بينه وبين معاوية في سنة إحدى وأربعين(4) .
وخرج الحسن عليه السلام إلى المدينة ، فأقام بها عشر سنين(5) .
وسمّاه اللّه - تعالى - الحسن .
وسمّاه في التوراة شبرا .
ص: 188
وكنيته : أبو محمد ، وأبو القاسم .
وألقابه : السيّد ، والسبط ، والأمير ، والحجّة ، والبرّ ، والتقي ، والأثير ،
والزكي ، والمجتبى ، والسبط الأوّل ، والزاهد .
وأمّه : فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وظلّ مظلوما ، ومات مسموما ، وقبض بالمدينة بعد مضي عشر سنين من ملك معاوية ، فكان في سنيّ إمامته أوّل ملك معاوية .
فمرض أربعين يوما ، ومضى لليلتين بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة .
وقيل : سنة تسع وأربعين(1) .
وعمره : سبعة وأربعون سنة وأشهر .
وقيل : ثمان وأربعون .
ص: 189
وقيل : في سنة تمام خمسين من الهجرة .
وكان بذل معاوية لجعدة بنت محمد الأشعث الكندي - وهي ابنة أمّ فروة أخت أبي بكر بن أبي قحافة - عشرة آلاف دينار ، وإقطاع عشرة ضياع من سقي سوراء وسواد الكوفة ، على أن تسمّ الحسن عليه السلام .
وتولّى الحسين عليه السلام تغسيله وتكفينه ودفنه .
وقبره بالبقيع عند جدّته فاطمة بنت أسد عليهاالسلام .
وأولاده ثلاثة عشر ذكرا وابنة واحدة :
عبد اللّه ، وعمر ، والقاسم ، أمّهم أم ولد .
والحسين الأثرم ، والحسن ، أمّهما خولة بنت منظور الفزارية .
وعقيل ، والحسن ، أمّهما أم بشير بنت أبي مسعود الخزرجية .
وزيد ، وعمر من الثقفية ، وعبد الرحمن من أم ولد .
وطلحة ، وأبو بكر ، أمّهما أمّ إسحاق بنت طلحة التميمي .
وأحمد ، وإسماعيل ، والحسن الأصغر .
ابنته : أمّ الحسن فقط عند عبد اللّه .
ويقال : وأمّ الحسين ، وكانتا من أمّ بشير الخزاعية .
ص: 190
وفاطمة من أمّ إسحاق بنت طلحة .
وأمّ عبد اللّه ، وأمّ سلمة ، ورقيّة ، لأمّهات أولاد(1) .
وقتل مع الحسين عليه السلام من أولاده : عبد اللّه ، والقاسم ، وأبو بكر .
والمعقّبون من أولاده إثنان : زيد بن الحسن ، والحسن بن الحسن .
أبو طالب المكي في قوت القلوب : أنّه عليه السلام تزوّج مائتين وخمسين امرأة !!!
وقيل : ثلاثمائة !!!
وكان علي عليه السلام يضجر من ذلك !!! فكان يقول في خطبته : إنّ الحسن مطلاق فلا تنكحوه(2) !!!
أبو عبد اللّه المحدّث في رامش أفزاي : إنّ هذه النساء كلّهن خرجن خلف جنازته حافيات !!!(3)
ص: 191
البخاري : لمّا مات الحسن بن الحسن بن علي عليهماالسلام ضربت امرأته القبّة على قبره سنة ، ثم رفعت .
فسمعوا صائحا يقول : هل وجدوا ما فقدوا ؟ فأجابه آخر : بل يئسوا فانقلبوا .
وهي بنت عمّه فاطمة بنت الحسين(1) عليهماالسلام - وفي رواية : غيرها - أنّها أنشدت بيت لبيد :
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
* * *
قال السيّد المرتضى :
يا آل خير عباد اللّه كلّهم
ومن له مثل أعناق الورى المنن
كم تثلمون بأيدي الناس كلّهم
وكم تعرس فيكم دهرها المحن
وكم يذودونكم عن حقّكم حنقا
ممليء الصدر بالأحقاد مضطغن
إنّ الذين نضوا(2) عنكم تراثكم
لم يغبنوكم ولكن دينهم غبنوا
ص: 192
باعوا الجنان بدار لا بقاء لها
وليس للّه فيما باعه ثمن
أحبّكم والذي صلّى الحجيج له
عند البناء الذي تهدن له البدن
وأرتجيكم لما بعد الممات إذا
وارى عن الناس جمعا أعظم الجنن
وإن يضلّ أناس عن سبيلهم
فليس لي غير ما أنتم به سنن
وما أبالي إذا ما كنتم وضحا
لناظريّ أضاء الخلق أم دجنوا(1)
وأنتم يوم أرمي ساعدي ويدي
وأنتم يوم يرميني العدى الجنن(2)
* * *
وقال أبو عباس الضبّي :
حبّ النبي أحمد
والآل فيه مجتري
أحنو عليهم ما حنا
على حياتي عمري
أعدّهم لمفخري
أعدّهم لمحشري
وكلّ وزري محبط
ما دام فيه وزري
وردي إليهم صاديا
وليس عنهم صدري
لعائن اللّه على
من ضلّ فيهم أثري
لعائنا تتركهم
معالما للخبر
* * *
ص: 193
ص: 194
ص: 195
ص: 196
لمّا مات أمير المؤمنين عليه السلام خطب الحسن عليه السلام بالكوفة ، فقال :
أيّهاالناس، إنّ الدنيا دار بلاء وفتنة، وكلّ ما فيها فإلى زوال واضمحلال.
فلمّا بلغ إلى قوله : وإنّي أبايعكم على أن تحاربوا من حاربت ، وتسالموا
من سالمت .
فقال الناس : سمعنا وأطعنا ، فمرنا بأمرك يا إمام المؤمنين .
فأقام بها شهرين .
قال أبو مخنف : قال ابن عباس كلاما فيه : فشمّر في الحرب ، وجاهد عدوّك ، ودار أصحابك ، واستر من الضنين دينه بما لا ينثلم لك دين ، وولّ أهل البيوتات والشرف ، والحرب خدعة ، وعلمت أنّ أباك إنّما رغب الناس عنه وصاروا إلى معاوية !! لأنّه آسى بينهم في العطاء !
فرتّب عليه السلام العمال ، وأنفذ عبد اللّه إلى البصرة ، فقصد معاوية نحو العراق ، فكتب إليه الحسن عليه السلام :
ص: 197
أمّا بعد ، فإنّ اللّه - تعالى - بعث محمدا رحمة للعالمين ، فأظهر به الحقّ ، وقمع به الشرك ، وأعزّ به العرب عامّة ، وشرّف من شاء منها خاصّة ، فقال « وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ » .
فلمّا قبضه اللّه - تعالى - تنازعت العرب الأمر من بعده ، فقالت الأنصار : منّا أمير ومنكم أمير ، فقالت قريش : نحن أولياؤه وعشيرته ، فلا تنازعونا سلطانه ، فعرفت العرب ذلك لقريش ، ثم جاحدتنا قريش ما عرفته العرب لهم ، وهيهات ما أنصفتنا قريش . . الكتاب .
فأجابه معاوية على يدي جندب الأزدي موصل كتاب الحسن عليه السلام :
فهمت ما ذكرت به محمدا صلى الله عليه و آله ، وهو أحقّ الأوّلين والآخرين بالفضل كلّه ، وذكرت تنازع المسلمين الأمر من بعده ، فصرحت بنميمة فلان وفلان وأبي عبيدة وغيرهم ، فكرهت ذلك لك ، لأنّ الأمّة قد علمت أنّ قريشا أحقّ بها ، وقد علمت ما جرى من أمر الحكمين ، فكيف تدعوني إلى أمر إنّما تطلبه بحقّ أبيك ، وقد خرج أبوك منه(1) .
ثم كتب : أمّا بعد ، فإنّ اللّه يفعل في عبادة من يشاء « لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ » ، فاحذر أن تكون منيّتك على يدي رعاع الناس ، وآيس من أن تجد فينا غميزة ، وإن أنت أعرضت عمّا أنت فيه وبايعتني وفيت لك بما وعدت ، وأجزت لك ما شرطت ، وأكون في ذلك كما قال أعشى بن قيس :
ص: 198
وإن أحد أسدى إليك كرامة
فأوف بما يدعى إذا متّ وافيا
فلا تحسدوا المولى إذا كان ذا غنى
ولا تجفه إن كان للمال نائيا
* * *
ثم الخلافة لك بعدي ، وأنت أولى الناس بها .
وفي رواية : ولو كنت أعلم أنّك أقوى للأمر ، وأضبط للناس ، وأكبت للعدو ، وأقوى على جمع الأموال منّي لبايعتك !!! لأنّني أراك لكلّ خير أهلاً .
ثم قال : إنّ أمري وأمرك شبيه بأمر أبي بكر وأبيك بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فأجابه الحسن عليه السلام :
أمّا بعد ، فقد وصل إليّ كتابك تذكر فيه ما ذكرت ، وتركت جوابك خشية البغي ، وباللّه أعوذ من ذلك ، فاتبع الحقّ ، فإنّك تعلم من أهله ، وعليّ إثم أن أقول فأكذب(1) .
واستنفر معاوية الناس ، فلمّا بلغ جسر منبج(2) بعث الحسن عليه السلام حجر بن عدي ، واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا ، ثمّ خفّ معه أخلاط من شيعته
ص: 199
ومحكّمة وشكّاك ، وأصحاب عصبية وفتن ، حتى أتى « حمام عمر(1) » ، ثم أخذ على دير كعب ، فنزل ساباط .
فلمّا أصبح نودي بالصلاة جامعة ، فاجتمعوا ، فصعد المنبر فخطب وقال تجربة لهم :
أمّا بعد ، فواللّه ، إنّي لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد اللّه ومنّه وأنا أنصح خلق اللّه لخلقه ، وما أصبحت محتملاً على مسلم ضغينة ، ولا مريدا له بسوء ولا غائلة .
ألا ، وإنّ ما تكرهون في الجماعة خير لكم ممّا تحبّون في الفرقة .
ألا ، وإنّي ناظر لكم خير من نظركم لأنفسكم ، ولا تخالفوا أمري ، ولا تردّدوا على رأيي ، غفر اللّه لي ولكم ، وأرشدني وإياكم لما فيه المحبّة والرضا .
فقالوا : واللّه يريد أن يصالح معاوية ، ويسلّم الأمر إليه ، كفر - واللّه - الرجل كما كفر أبوه !!
فانتهبوا فسطاطه حتى أخذوا مصلاّه من تحته ، ونزع مطرفه(2) عبد الرحمن بن جعال الأزدي ، وطعنه جراح بن سنان الأسدي في فخذه ،
ص: 200
وقتل الجراح عبد اللّه بن خطل الطائي وظبيان بن عمارة ، فأطاف به ربيعة وهمدان ، وهو على سرير ، حتى أنزل على سعد بن مسعود الثقفي(1) .
وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة له في السرّ ، واستحثّوه على المسير نحوهم ، وضمنوا له تسليم الحسن عليه السلام إليه عند دنوّه من عسكره .
وورد عليه كتاب قيس بن سعد - وكان[ قد ] أنفذه مع عبيد اللّه بن العباس عند مسيره من الكوفة ليلقى معاوية ، وجعله أميرا ، وبعده قيس بن سعد - يخبر أنّهم نازلوا معاوية بالحنونية ، وأنّ معاوية أرسل إلى عبيد اللّه يرغّبه في المصير إليه ، وضمن له ألف ألف درهم يعجّل له منها النصف ، والنصف الآخر عند دخوله الكوفة ، فانسل عبيد اللّه إلى معاوية في الليل في خاصّته .
وصلّى بهم قيس ، وقال فيه ما قال ، وكان يغرّه معاوية ، فقال لجنده : اختاروا أحد إثنين أمّا القتال مع الإمام ، أو تبايعون بيعة ضلال ، فاختاروا الحرب ، فحاربوا معاوية ، فقال معاوية : إنّ الحسن يصالحني فما هذا القتال(2) ؟!
ص: 201
فكان أهل العراق يستأمنون معاوية ، ويدخلون عليه قبيلة بعد قبيلة ، فازدادت بصيرة ! الحسن عليه السلام بنياتهم ، إذ كتب إليه معاوية في الصلح ، وأنفذ بكتب أصحابه ، واشترط له على نفسه شروطا وعقودا ، فعلم الحسن عليه السلام احتياله واغتياله غير أنّه لم يجد بدّا من إجابته ، فقال الحسين عليه السلام : يا أخي أعيذك باللّه من هذا(1) !! فأبى(2) .
وأنفذ إلى معاوية عبد اللّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، فتوثّق منه لتأكيد الحجّة :
أن يعمل فيهم بكتاب اللّه وسنّة نبيّه .
والأمر من بعده شورى .
وأن يترك سبّ علي عليه السلام .
وأن يؤمّن شيعته ، ولا يتعرّض لأحد منهم .
ويوصل إلى كلّ ذي حقّ حقّه .
ص: 202
ويوفّر عليه حقّه كلّ سنة خمسون ألف(1) درهم .
فعاهده على ذلك معاوية ، وحلف بالوفاء به ، وشهد بذلك عبد الرحمن بن الحارث ، وعمرو بن أبي سلمة ، وعبد اللّه بن عامر بن كريز ، وعبد الرحمن بن أبي سمرة ، وغيرهم .
فلمّا سمع ذلك قيس بن سعد قال :
أتاني بأرض العال من أرض مسكن
بأنّ إمام الحقّ أضحى مسالما
فما زلت مذ بيّنته متلدّدا(2)
أراعي نجوما خاشع القلب واجما(3)
* * *
وروي أنّه قال الحسن عليه السلام في صلح معاوية :
أيّها الناس ، إنّكم لو طلبتم ما بين جابلقا وجابرصا رجلاً جدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما وجدتم غيري وغير أخي ، وإنّ معاوية نازعني حقّا هو لي ، فتركته لصلاح الأمّة ، وحقن دمائها ، وقد بايعتموني على أن تسالموا من سالمت ، وقد رأيت أن أسالمه ، وأن يكون ما صنعت حجّة على من
ص: 203
كان يتمنّى هذا الأمر « وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ »(1) .
وفي رواية : إنّما هادنت حقنا للدماء وصيانتها ، وإشفاقا على نفسي وأهلي والمخلصين من أصحابي(2) .
وروي أنّه عليه السلام قال : يا أهل العراق ، إنّما سخى عليكم(3) بنفسي ثلاث : قتلكم أبي ، وطعنكم إياي ، وانتهابكم متاعي(4) .
قال ابن طوطي الواسطي :
لقد باع دنياهم بدين معاشر
متى ما تبع دنياك بالدين يشتروا
فإن قال قوم كان في البيع خاسر
فللمشتري دنياه بالدين أخسر
* * *
وقال محمد بن منصور :
السيّد الحسن الذي فاق الورى
علما وحلما سيّد الشبّان
رقّت طبيعته فجاد بإمرة
لمّا التوى وتجاذب الفتيان
حقن الدماء لأمّة مرحومة
علما بما يأتي من الفتنان
* * *
ص: 204
ودخل الحسين عليه السلام على أخيه باكيا ، ثم خرج ضاحكا ، فقال له مواليه : ما هذا ؟
قال : أتعجّب من دخولي على إمام أريد أن أعلّمه !!
فقلت : ماذا دعاك إلى تسليم الخلافة ! فقال : الذي دعا أباك فيما تقدّم(1) .
قال : فطلب معاوية البيعة من الحسين عليه السلام ، فقال الحسن عليه السلام : يا معاوية لا تكرهه ، فإنّه لن يبايع أبدا أو يقتل ، ولن يقتل حتى يقتل أهل بيته ، ولن يقتل أهل بيته حتى يقتل أهل الشام(2) .
قال : فنزل معاوية يوم الجمعة بالنخيلة(3) ، فصلّى بالناس ضحى النهار ، وقال في خطبته : إنّي - واللّه - ما قاتلتكم لتصلّوا ولا تصوموا ولا تحجّوا ولا تزكّوا ، إنّكم لتفعلون ذلك ، ولكنّي قاتلتكم لا تأمّر عليكم ،
ص: 205
وقد أعطاني اللّه ذلك ، وأنتم له كارهون(1) .
وإنّي منّيت الحسن ، وأعطيته أشياء ، وجميعها تحت قدمي ، ولا أفي بشيء منها(2) !
قال الأصفهاني :
وتجنّبوا ولد الرسول وصيّروا
عهد الخلافة في يدي خوّان
فطوى محاسنها وأوسع أهلها
منع الحقوق وواجب السمعان
* * *
وقال المسيب بن نجبة الفزاري وسليمان بن صرد الخزاعي للحسن بن علي عليهماالسلام : ما ينقضي تعجّبنا منك !! بايعت معاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من الكوفة سوى أهل البصرة والحجاز !!
فقال الحسن عليه السلام : كان ذلك ، فما ترى الآن ؟
فقال : واللّه ، أرى أن ترجع ، لأنّه نقض العهد ، فقال : يا مسيب ، إنّ الغدر لا خير فيه ، ولو أردت لما فعلت .
ص: 206
فقال حجر بن عدي : أما - واللّه - لوددت أنّك متّ في ذلك اليوم ومتنا معك ، ولم نر هذا اليوم ، فإنّا رجعنا راغمين بما كرهنا ، ورجعوا مسرورين بما أحبّوا(1)(2) !!!
فلمّا خلا به الحسن عليه السلام قال : يا حجر ، قد سمعت كلامك في مجلس معاوية ، وليس كلّ إنسان يحبّ ما تحبّ ، ولا رأيه كرأيك ، وإنّي لم أفعل ما فعلت إلاّ إبقاءا عليكم ، واللّه - تعالى - « كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ »(3) .
وأنشأ عليه السلام لمّا اضطر إلى البيعة :
أجامل أقواما حياء ولا أرى
قلوبهم تغلي عليّ مراضها(4)
ص: 207
وله عليه السلام :
لئن ساءني دهر عزمت تصبّرا
وكلّ بلاء لا يدوم يسير
وإن سرّني لم أبتهج بسروره
وكلّ سرور لا يدوم حقير
* * *
تفسير الثعلبي ، ومسند الموصلي ، وجامع الترمذي ، واللّفظ له ، عن يوسف بن مازن الراسبي : أنّه لمّا صالح الحسن بن علي عليهماالسلام عذل ، وقيل له : يا مذلّ المؤمنين ، ومسود الوجوه(1) !!!
فقال : لا تعذلوني ، فإنّ فيها مصلحة .
ولقد رأى النبي صلى الله عليه و آله في منامه يخطب بنو أمية واحدا بعد واحد فحزن ،
ص: 208
فنزل جبرئيل عليه السلام بقوله : « إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ » و « إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ » .
وفي خبر عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، فنزل : « أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ » إلى قوله « يُمَتَّعُونَ » ، ثم أنزل « إِنّا أَنْزَلْناهُ » يعني جعل اللّه ليلة القدر لنبيّه خيرا من ألف شهر ملك بني أميّة(1) .
وعن سعيد بن يسار ، وسهل بن سهل : إنّ النبي صلى الله عليه و آله رأى في منامه أنّ قرودا تصعد في منبره وتنزل ، فساءه ذلك واغتمّ به ، ولم ير بعد ذلك ضاحكا حتى مات(2) .
وهو المروي عن جعفر بن محمد عليهماالسلام .
مسند الموصلي : أنّه رأى في منامه خنازير تصعد في منبره(3) . . الخبر .
وقال أبو القاسم ابن الفضل الحراني : عددنا ملك بني أميّة ، فكان ألف شهر(4) .
ص: 209
قال شاعر :
لو أنّهم أمنوا أبدوا عداوتهم
لكنّهم قمعوا بالذلّ فانقمعوا
أليس في ألف شهر قد مضت لهم
سقوكم جزعا من بعدها جزع
* * *
قال : فلمّا دخل معاوية الكوفة ، وذكر عليا عليه السلام ، فنال منه ومن الحسن والحسين عليهم السلام ، فقال الحسن عليه السلام :
أيّها الذاكر عليا ! أنا الحسن وأبي علي ، وأنت معاوية وأبوك صخر ، وأمّي فاطمة ، وأمّك هند ، وجدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وجدّك حرب ، وجدّتي خديجة ، وجدّتك قبيلة ، فلعنة اللّه على أخملنا ذكرا ، وألئمنا حسبا ، وشرّنا قوما ، وأقدمنا كفرا ونفاقا(1) .
قال محمد بن الحسن الكلاعي الحميري :
من جدّه خيرة البرايا
إن عدد الفاخر العلاء
ومن أبوه الوصيّ أعلى
من دخل الجنّة اعتلاء
إذ شتت الشرك واستنارت
دلائل تكشف العماء
وأمّه فضلت ففاقت
بفضلها في الورى النساء
وعمّه في الجنان أضحى
يطير منهن حيث شاء
هذا وأعظم بجدّتيه
فضلاً وأوسعهما نداء
ص: 210
وقال نصر بن المنتصر :
من ذا يدانيه إذا قيل له
من قاب قوسين من اللّه دنا
سادت نساء العالمين أمّه
وساد في الخلد أبوه المرتجى
نجل نبي العالمين المصطفى
وابن أمير المؤمنين المرتضى
من ذا له جدّ تعالى ذكره
باللّه مقرونا إذا قام الندا
من كالنبيّ والوصيّ والده
وزوجه وابنيه أصحاب العبا
* * *
وقال ابن طوطي :
بنفسي نفسا بالبقيع تغيب
ونور هدى في قبره ظلّ يقبر
إمام هدى عفّ الخلائق ماجد
تقيّ نقيّ ذو عفاف مطهر
أشدّ عباد اللّه بأسا لدى الوغى
وأجلى لكشف الأمر وهو معسر
وأزهد في الدنيا وأطيب محتدا
وأطعن دون المحصنات وأغير
* * *
ص: 211
ص: 212
ص: 213
ص: 214
الصادق عليه السلام : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كتب لابنه الحسن عليه السلام بعد انصرافه من صفين :
أمّا بعد ، فإنّي وجدتك بعضي ، بل وجدتك كلّي ، حتى كأنّ شيئا أصابك أصابني ، وكأنّ الموت لو أتاك أتاني ، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي ، فكتبت لك كتابي هذا ، إن أنا بقيت أو فنيت ، فإنّي أوصيك بتقوى اللّه - عزّ وجلّ - ولزوم أمره ، وعمارة قلبك بذكره ، والاعتصام بحبله(1)(2) . . . وذكر الوصيّة .
ص: 215
ص: 216
ص: 217
ص: 218
ص: 219
ص: 220
ص: 221
ص: 222
ونادى عبد اللّه بن عمر للحسن بن علي عليهماالسلام في أيام صفين وقال : إنّ لي نصحة ، فلمّا برز إليه ، قال : إنّ أباك بغضه لعنة ، وقد خاض في دم عثمان ، فهل لك أن تخلعه نبايعك ، فأسمعه الحسن عليه السلام ما كرهه ، فقال معاوية : إنّه ابن أبيه(1) .
ص: 223
وفي الإحياء : أنّه خطب الحسن بن علي عليهماالسلام إلى عبد الرحمن بن الحارث بنته ، فأطرق عبد الرحمن ، ثم رفع رأسه فقال : واللّه ما على وجه الأرض من يمشي عليها أعزّ عليّ منك ، ولكنك تعلم أنّ ابنتي بضعة منّي ، وأنت مطلاق ! فأخاف أن تطلّقها ، وإن فعلت خشيت أن يتغيّر قلبي عليك ، لأنّك بضعة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فإن شرطت أن لا تطلّقها زوجتك .
ص: 224
فسكت الحسن عليه السلام وقام وخرج ، فسمع منه يقول : ما أراد عبد الرحمن إلاّ أن يجعل ابنته طوقا في عنقي(1) .
وروى محمد بن سيرين : أنّه خطب الحسن عليه السلام إلى منظور بن ريان ابنته « خولة » ، فقال : واللّه إنّي لأنكحك ، وإنّي لأعلم أنّك غلق طلق ملق(2) !! غير أنّك أكرم العرب بيننا ، وأكرمهم نفسا(3) ، فولد منها الحسن بن الحسن(4) .
ورأى يزيد امرأة عبد اللّه بن عامر أم خالد بنت أبي جندل ، فهام بها ، وشكا ذلك إلى أبيه .
فلمّا حضر عبد اللّه عند معاوية قال له : لقد عقدت لك على ولاية البصرة ، ولولا أنّ لك زوجة لزوّجتك رملة .
ص: 225
فمضى عبد اللّه وطلّق زوجته طمعا في رملة ، فأرسل معاوية أبا هريرة ليخطب أم خالد ليزيد ابنه ، وبذل لها ما أرادت من الصداق ، فاطلع الحسن والحسين عليهماالسلام وعبد اللّه بن جعفر ، فاختارت الحسن عليه السلامفتزوّجها(1)(2) .
عبد الملك بن عمير ، والحاكم ، والعباس قالوا : خطب الحسن عليه السلام عائشة بنت عثمان ، فقال مروان : أزوّجها عبد اللّه بن الزبير .
ثم إنّ معاوية كتب إلى مروان - وهو عامله على الحجاز - يأمره أن يخطب أمّ كلثوم بنت عبد اللّه بن جعفر لابنه يزيد ، فأبى عبد اللّه بن جعفر ، فأخبره بذلك ، فقال عبد اللّه : إنّ أمرها ليس إليّ ، إنّما هو إلى سيدنا الحسين عليه السلام ، وهو خالها .
فأخبر الحسين عليه السلام بذلك ، فقال : أستخير اللّه تعالى ، اللّهم وفّق لهذه الجارية رضاك من آل محمد صلى الله عليه و آله .
فلمّا اجتمع الناس في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أقبل مروان حتى جلس إلى الحسين عليه السلام ، وعنده من الجلّة وقال : إنّ أمير المؤمنين ! أمرني بذلك ، وأن أجعل مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ ، مع صلح ما بين هذين الحيين ،
ص: 226
مع قضاء دينه ، واعلم أنّ من يغبطكم بيزيد أكثر ممّن يغبطه بكم !! والعجب كيف يستمهر يزيد ، وهو كفو من لا كفو له ، وبوجهه يستسقى الغمام !!! فردّ خيرا يا أبا عبد اللّه .
فقال الحسين عليه السلام : الحمد للّه الذي اختارنا لنفسه ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه . . إلى آخر كلامه .
ثم قال : يا مروان ، قد قلت فسمعنا :
أمّا قولك « مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ » فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله في بناته ونسائه وأهل بيته ، وهو اثنتا عشرة أوقية ، يكون أربعمائة وثمانين درهما .
وأمّا قولك « مع قضاء دين أبيها » فمتى كنّ نساؤنا يقضين عنّا ديوننا .
وأمّا صلح ما بين هذين الحيين ، فإنّا قوم عاديناكم في اللّه ، ولم نكن نصالحكم للدنيا ، فلعمري فلقد أعيى النسب ، فكيف السبب ؟!
وأمّا قولك « العجب ليزيد كيف يستمهر » فقد استمهر من هو خير من يزيد ومن أب يزيد ومن جدّ يزيد .
وأمّا قولك « إنّ يزيد كفو من لا كفو له » فمن كان كفوه قبل اليوم ، فهو كفوه اليوم ، ما زادته إمارته في الكفاءة شيئا .
وأمّا قولك « بوجهه يستسقى الغمام » فإنّما كان ذلك بوجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وأمّا قولك « من يغبطنا به أكثر ممّن يغبطه بنا » فإنّما يغبطنا به أهل الجهل ، ويغبطه بنا أهل العقل .
ص: 227
ثم قال بعد كلام : فاشهدوا جميعا أنّي قد زوّجت أم كلثوم بنت عبد اللّه بن جعفر من ابن عمّها القاسم بن محمد بن جعفر على أربعمائة وثمانين درهما ، وقد نحلتها ضيعتي بالمدينة - أو قال : أرضي بالعقيق - وأنّ غلّتها في السنة ثمانية آلاف دينار ، ففيها لها غنى إن شاء اللّه .
قال : فتغيّر وجه مروان ، وقال : أغدرا يا بني هاشم ، تأبون إلاّ العداوة .
فذكّره الحسين عليه السلام خطبة الحسن عليه السلام عائشة وفعله ، ثم قال : فأين موضع الغدر يا مروان(1) ؟
فقال مروان :
أردنا صهرك لنجدّ ودّا
قد اخلقه به حدث الزمان
فلمّا جئتكم فجبهتموني
وبحتم بالضمير من الشنان
* * *
فأجابه ذكوان مولى بني هاشم :
أماط اللّه منهم كلّ رجس
وطهّرهم بذلك في المثاني
فما لهم سواهم من نظير
ولا كفؤ هناك ولا مداني
أيجعل كلّ جبار عنيد
إلى الأخيار من أهل الجنان
* * *
ثم إنّه كان الحسين عليه السلام تزوّج بعائشة بنت عثمان(2) !
ص: 228
وقال الحسن عليه السلام : إنّ للّه مدينتين ، إحداهما في المشرق ، والأخرى في المغرب ، فيها خلق للّه لم يهمّوا بمعصية اللّه - تعالى - قطّ ، واللّه ما فيهما ولا بينهما حجّة للّه على خلقه غيري وغير أخي الحسين(1) .
فضائل السمعاني ، وأبي السعادات ، وتاريخ الخطيب ، واللّفظ للسمعاني : قال أسامة بن زيد : جاء الحسن بن علي عليهماالسلام إلى أبي بكر ، وهو على منبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : انزل عن مجلس أبي ، قال : صدقت إنّه مجلس أبيك ، ثم أجلسه في حجره وبكى .
فقال علي عليه السلام : واللّه ، ما كان هذا عن أمري ، قال : صدقتك ، واللّه ما اتهمتك(2) .
وفي رواية الخطيب : أنّه قال الحسين عليه السلام لعمر : انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك .
فقال عمر : لم يكن لأبي منبر .
ص: 229
قال عليه السلام : فأخذني وأجلسني معه ، ثم سألني من علّمك هذا ؟
فقلت : واللّه ما علّمني أحد(1) .
ومن أصحابه عليه السلام :
عبد اللّه بن جعفر الطيار .
ومسلم بن عقيل .
وعبيد اللّه بن العباس .
وحبابة بنت جعفر الوالبية(2) .
ص: 230
وأبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي(1) .
ومسلم بن بطين(2) .
وأبو رزين مسعود بن أبي وائل(3) .
وهلال بن يساف(4) .
ص: 234
وأبو إسحاق بن كليب السبيعي(1) .
وأصحابه من خواصّ أبيه مثل :
حجر ، ورشيد ، ورفاعة .
وكميل ، والمسيب ، وقيس .
وابن وائلة ، وابن الحمق .
وابن أرقم ، وابن صرد .
وابن عقلة ، وجابر .
والدؤلي ، وحبّة .
وعباية ، وجعيد .
وسليم ، وحبيب بن قيس .
ص: 235
والأحنف ، والأصبغ ، والأعور .
ممّا(1) لا يحصى كثرة .
الحسن بن علي ميزانه في الحساب(2) : . . .
قال الكميت :
ووصيّ الوصيّ ذو الحطّة الفصل
ومردي الخصوم يوم الخصام
* * *
وقال ابن بابك :
فأنتم للوصيّ البرّ نسل
وأنتم للنبي الطهر آل
أبوكم حامل العزم المؤدّي
وقد أردى على الرشد الضلال
وأمّكم البتول وفي علي
غلا الغالون واتّسع المقال
أذلّ الشرك فاعتلت قواه
ومن ضرب على الجن الحجال
فمشّى الأسد في ربق المواشي
وساق الربد(3) تقطرها الحبال
* * *
وقال مهيار :
وإذا قريش طاولت بفخارها
في عصر إيمان وعهد فسوق
ص: 236
بنتم بما بانت على أخواتها
بمنى ليالي النحر والتشريق
يتوارثون الأرض إرث فريضة
ويملكون الناس ملك حقوق
* * *
وقال سديف :
أنتم يا بني علي ذووا الحقّ
وأهلوه والفعال الزكي
بكم يهتدى من الغيّ والناس
جميعا سواكم أهل غي
منكم يعرف الإمام وفيكم
لا أخو تيمها ولا من عدي
* * *
وقال ابن حماد :
يا أهل بيت رسول اللّه إنّكم
لأشرف الخلق جدّا غاب أو آبا
أعطاكم اللّه ما لم يعطه أحدا
حتى دعيتم لعظم الفضل أربابا
أشباحكم كن في بدو الظلال(1) له
دون البريّة خزّانا وحجّابا
وأنتم الكلمات اللائي لقّنها
جبريل آدم عند الذنب إذ تابا
وأنتم قبلة الدين الذي جعلت
للقاصدين إلى الرحمن محرابا
صلّى الإله على أرواحكم وسقى
أجداثكم ودقّ الوسمي(2) سكابا
* * *
ص: 237
ص: 238
ص: 239
ص: 240
لمّا تمّ من إمارة معاوية عشر سنين ، وعزم على البيعة ليزيد دسّ إلى جعدة بنت الأشعث - زوجة الحسن عليه السلام - :
إنّي مزوّجك من يزيد ابني على أن تسمّي الحسن عليه السلام ، وبعث إليها مائة ألف درهم .
فقتلته وسمّته ، فسوّغها المال ، ولم يزوّجها من يزيد .
فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها، وكان إذا جرى كلام عيّروهم وقالوا : يا بني مسمّة الأزواج(1) .
لقد سقيت السمّ مرارا ، ما سقيت مثل هذه المرّة ، لقد قطعت(1) قطعة قطعة من كبدي ، فجعلت أقلّبها بعود معي .
وفي رواية عبد اللّه البخاري : أنّه عليه السلام قال : يا أخي ، إنّي مفارقك ولاحق بربّي ، وقد سقيت السمّ ، ورميت بكبدي في الطشت ، وإنّني لعارف بمن سقاني ، ومن أين دهيت ، وأنا أخاصمه إلى اللّه - عزّ وجلّ - .
فقال له الحسين عليه السلام : ومن سقاكه ؟ قال : ما تريد به ؟ أتريد أن تقتله ؟ إن يكن هو هو ، فاللّه أشدّ نقمة منك ، وإن لم يكن هو ، فما أحبّ أن يؤخذ بي بريء(2) .
وفي خبر : فبحقّي عليك إن تكلّمت في ذلك بشيء ، وانتظر ما يحدث اللّه فيّ .
وفي خبر : وباللّه أقسم عليك أن لا تهريق في أمري محجمة من دم(3) .
ص: 242
قال ابن حماد :
سعى في قتله الرجس ابن هند
ليشفي منه أحقادا ووغما(1)
وأطمع فيه جعدة أم عبسولم يوف بها فسقته سمّا
* * *
وله أيضا :
لمن ذا من بني الزهراء أبكي
بدمع هامر(2) ودم غزير
أللمسموم بالأحقاد أبكيأم المقتول ذي النحر النحير
* * *
وقال العلوي :
شاعوا بقتل علي وسط قبلته
حقدا وثنوا بسمّ لابنه الحسن
وأظهروا ويلهم رأس الحسين على
رمح يطاف به في سائر المدن
هذا لأنّ رسول اللّه جدّهم
أوصى بحفظهم في السرّ والعلن
* * *
وقال الصقر البصري :
لو أنّ عينك عاينت بعض الذي
ببنيك حلّ لقد رأيت فظائعا
أمّا ابنك الحسن الزكي فإنّه
لمّا مضيت سقوه سمّا ناقعا
هرّوا به كبدا لديك كريمة
منه وأحشاءا به وأضالعا
وسقوا حسينا بالطفوف على الظما
كأس المنيّة فاحتساها جارعا
ص: 243
قتلوه عطشانا بعرصة كربلا
وسبوا حلائله وخلّف ضائعا
جسدا بلا رأس يمدّ على الثرى
رجلاً له ويكفّ أخرى نازعا
* * *
ربيع الأبرار عن الزمخشري ، والعقد عن ابن عبد ربّه : أنّه لمّا بلغ معاوية موت الحسن بن علي عليهماالسلام سجد وسجد من حوله ، وكبّر وكبّروا معه .
فدخل عليه ابن عباس ، فقال له : يا ابن عباس ، أمات أبو محمد ؟ قال : نعم رحمه اللّه ، وبلغني تكبيرك وسجودك ، أما - واللّه - ما يسدّ جثمانه حفرتك ، ولا يزيد انقضاء أجله في عمرك .
قال : حسبته ترك صبية صغارا ، ولم يترك عليهم كثير معاش ، فقال : إنّ الذي وكلهم إليه غيرك - وفي رواية : كنّا صغارا فكبرنا(1) - .
قال : فأنت تكون سيّد القوم ، قال : أما أبو عبد اللّه الحسين بن علي عليهماالسلام
باق فلا .
قال الفضل بن عباس :
أصبح اليوم ابن هند آمنا
ظاهر النخوة إذ مات الحسن
رحمة اللّه عليه إنّما
طالما أشجى ابن هند وأرن(2)
ص: 244
استراح القوم منه بعده
إذ ثوى رهنا لأجداث الزمن
فارتع اليوم ابن هند آمنا
أينما يقمص(1) بالعير السمن
* * *
وحكي أنّ الحسن عليه السلام لمّا أشرف على الموت قال له الحسين عليه السلام : أريد أن أعلم حالك يا أخي ، فقال الحسن عليه السلام : سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول : لا يفارق العقل منّا أهل البيت ما دام الروح فينا ، فضع يدك في يدي حتى إذا عاينت ملك الموت أغمز يدك ، فوضع يده في يده .
فلمّا كان بعد ساعة غمز يده غمزا خفيفا ، فقرّب الحسين عليه السلام أذنه إلى فمه ، فقال :
قال لي ملك الموت : أبشر ، فإنّ اللّه عنك راض وجدّك شافع(2) .
ص: 245
وكان الحسن عليه السلام أوصى يجدّد عهده عند جدّه ، فلمّا مضى لسبيله غسّله الحسين عليه السلام ، وكفّنه وحمله على سريره .
فلمّا توجه بالحسن عليه السلام إلى قبر جدّه أقبلوا إليهم في جمعهم ، وجعل مروان يقول :
« يا ربّ هيجا هي خير من دعة »
أيدفن عثمان في أقصى المدينة ، ويدفن الحسن مع النبي ! أما لا يكون ذلك أبدا ، وأنا أحمل السيف .
فبادر ابن عباس ، وكثر مقالاً حتى قال : ارجع من حيث جئت ، فإنّا لا نريد دفنه ها هنا ، ولكنّا نريد أن نجدّد عهدا بزيارته ، ثم نردّه إلى جدّته فاطمة عليهاالسلام ، فندفنه عندها بوصيّته ، فلو كان وصّى بدفنه مع النبي صلى الله عليه و آله لعلمت أنّك أقصر باعا من ردّنا عن ذلك ، لكنّه كان أعلم بحرمة قبره من أن يطرق عليه هدما(1) .
ورموا بالنبال جنازته حتى سلّ منها سبعون نبلاً .
قال ابن حماد :
فنازعه أناس لم يذوقوا
وحقّ اللّه للإسلام طعما
أيدفن جنب أحمد أجنبي
ويمنع سبطه منه ويحمى
ألم يكن ابنه الحسن الزكي
له لحما بلى ودما وعظما
ص: 246
وقال الصقر البصري :
وأتوا به ليضاجعوك بجسمه
فأتاه قوم مانعوه فمانعا
منعوا أعزّ الخلق منك قرابة
ورضوا بجسمك للغريب مضاجعا
* * *
قال ابن عباس : فأقبلت عائشة في أربعين راكبا على بغل مرحّل ، وهي تقول : ما لي ؟ ولم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى ولا أحبّ !
فقال ابن عباس بعد كلام :
جمّلت وبغّلت
ولو عشت لفيّلت(1)
* * *
قال الصقر البصري :
ويوم الحسن الهادي
على بغلك أسرعت
ومايست(2) ومانعت
وخاصمت وقاتلت
وفي بيت رسول اللّه
بالظلم تحكّمت
هل الزوجة أولى با
لمواريث من البنت
لك التسع من الثمن
فبالكلّ تحكّمت
تجمّلت تبغّلت
ولو عشت تفيّلت
ص: 247
وقال الحسين عليه السلام لمّا وضع الحسن عليه السلام في لحده :
أأدهن رأسي أم تطيب مجالسي
ورأسك معفور وأنت سليب
أو استمتع الدنيا لشيء أحبّه
ألا كلّ ما أدنى إليك حبيب
فلا زلت أبكي ما تغنّت حمامة
عليك وما هبّت صبا وجنوب
وما هملت عيني من الدمع قطرة
وما اخضرّ في دوح الحجاز قضيب
بكائي طويل والدموع غزيرة
وأنت بعيد والمزار قريب
غريب وأطراف البيوت تحوطه
ألا كلّ من تحت التراب غريب
ولايفرح الباقي خلاف الذي مضى
وكلّ فتى للموت فيه نصيب
فليس حريبا(1) من أصيب بماله
ولكنّ من وارى أخاه حريب
نسيبك من أمسى يناجيك طرفهوليس لمن تحت التراب نسيب(2)
* * *
وله أيضا عليه السلام :
إن لم أمت أسفا عليك فقد
أصبحت مشتاقا إلى الموت
* * *
ص: 248
وقال سليمان بن قتة(1) :
ما كذب اللّه من نعى حسنا
ليس لتكذيب نعيه حسن
كنت خليلي وكنت خالصتي
لكلّ حيّ من أهله سكن
أجول في الدار لا أراك وفي
الدار أناس جوارهم غبن
بدّلتهم منك ليت أنّهم
أضحوا وبيني وبينهم عدن(2)
* * *
وقال دعبل :
تعزّ بمن قد مضى سلوة
وإنّ العزاء يسلّي الحزن
بموت النبي وقتل الوصيّ
وذبح الحسين وسمّ الحسن
* * *
وقال منبه الصوفي :
محن الزمان سحائب متراكمه
عين الحوادث بالفواجع ساجمه(3)
فإذا الهموم تراكمتك فسلّهابمصاب أولاد البتولة فاطمه
ص: 249
باب في إمامة السبطين عليهماالسلام
فصل 1 : في الاستدلال على إمامتهما عليهماالسلام
( 7 - 40 )
الآيات··· 9
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ··· 9
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ . .··· 9
الاستدلال بالنصّ على إمامة الإثني عشر··· 10
الاستدلال بدعوتهما الناس الى بيعتهما··· 10
الاستدلال بانطباق النصّ والوصف عليهما··· 10
الاستدلال بفسق وكفر معاوية ويزيد··· 11
الاستدلال بإجماع أهل البيت عليهم السلام··· 11
الاستدلال بقوله صلى الله عليه و آله إمامان قاما أو قعدا··· 11
الاستدلال بكونهما أفضل الخلق··· 11
الاستدلال بكون الخلافة في أولاد الأنبياء··· 12
ص: 251
الاستدلال بقبول النبي صلى الله عليه و آله بيعتهما··· 12
الاستدلال بإيجاب ثواب الجنّة لهما مع ظاهر الطفولية··· 12
الإستدلال بالمباهلة··· 12
أسانيد حديث المباهلة··· 15
مجمع حديث المباهلة··· 17
سورة هل أتى··· 25
في الحساب··· 30
هم عباده الذين اصطفى··· 36
هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ··· 36
أنّهما التين والزيتون والرحمة والنور··· 37
نكت··· 38
فصل 2 : في محبّة النبي صلى الله عليه و آله إياهما عليهماالسلام
( 41 - 58 )
حبّهما عليهماالسلام··· 43
وجه التشبيه بالريحان··· 48
شفقته صلى الله عليه و آله عليهما··· 49
تعويذهما··· 49
أذّن في أذنيهما وعقّ عنهما··· 50
تقبيلهما··· 51
إجلاسهما في حجره··· 51
ص: 252
إيثارهما على نفسه صلى الله عليه و آله··· 53
فرط محبّته لهما··· 55
فصل 3 : في المفردات من مناقبهما عليهماالسلام
( 59 - 68 )
أبناء رسول اللّه صلى الله عليه و آله··· 61
ملاعبته صلى الله عليه و آله معهما··· 62
ترقّ عين بقّة··· 64
قول أبي بكر للحسن عليه السلام··· 66
قول أمّ سلمة للحسن عليه السلام··· 66
قول أمّ الفضل للحسين عليه السلام··· 66
نقش خاتم الباقر عليه السلام··· 67
فصل 4 : في معجزاتهما عليهماالسلام
( 69 - 78 )
برقت لهما برقة أضاءت لهما··· 71
نوح الجنّ على الحسين عليه السلام··· 72
فارس يبشّر بهما··· 72
تسبيح الرمان والعنب··· 73
زينة العيد من الجنّة··· 73
رائحة التفّاح عند قبر الحسين عليه السلام··· 74
ص: 253
جام البلور الأحمر··· 75
نزول ملك على صفة الطير على يديهما عليهماالسلام··· 77
تعويذهما زغب جناح جبرئيل··· 77
النبي وجبرئيل عليهماالسلام يستنهضانهما··· 78
فصل 5 : في معالي أمورهما عليهماالسلام
( 79 - 96 )
الآيات··· 81
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ··· 81
أنّهما إمامان قاما أو قعدا بالإجماع··· 81
أنّهما سيدا شباب أهل الجنّة··· 82
في الحساب··· 84
إضافة ركعتين على نوافل المغرب حبّا لهما··· 86
أنّهما زينت العرش والجنّة··· 86
شبههما بالنبي صلى الله عليه و آله··· 88
تسميتهما··· 89
انفرادهما بالاسم··· 92
فيما انفردا عليهماالسلام به··· 94
بينهما طهر واحد··· 94
النسب··· 94
قول الأعمش··· 95
قول واعظ··· 95
ص: 254
فصل 6 : في مكارم أخلاقهما عليهماالسلام
( 97 - 104 )
مشيهما عليهماالسلام الى بيت اللّه الحرام··· 99
جوابهما على مسألة عجز عنها ابن الزبير وابن عثمان··· 99
استجار مذنب بهما فأطلقه النبي صلى الله عليه و آله··· 100
رجل نذر أن يدهن رجلي أفضل قريش··· 100
إمساك ابن عباس الركاب لهما··· 101
علّما شيخا كيف يحسن الوضوء··· 101
ما تكلّم الحسين عليه السلام بين يدي الحسن عليه السلام··· 101
مقارنة··· 102
نكات في حروف الأسماء··· 102
باب إمامة أبي محمد الحسن بن علي عليهماالسلام
فصل 1 : في المقدّمات
( 107 - 116 )
الآيات··· 109
إِنَّ الأَْبْرارَ··· 109
فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ··· 109
وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ··· 110
ص: 255
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ··· 110
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى··· 110
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ··· 111
كَلاّ إِنَّ كِتابَ الأَْبْرارِ··· 111
قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى··· 111
إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ . .··· 112
النداء ثلاثة··· 112
خطبة للصاحب··· 113
قالوا في الإمام الحسن عليه السلام··· 114
في الحساب··· 115
فصل 2 : في معجزاته عليه السلام
( 117 - 126 )
دعا أبا سفيان للإسلام وهو ابن أربعة عشر شهرا··· 119
أطعم زبيريا رطبا من نخلة يابسة··· 119
إخباره أنّ داره لم تحترق··· 120
دعا عليه السلام على زياد فأهلكه··· 120
ادّعى رجل على الحسن عليه السلام مالاً كذبا فأحلفه عليه السلام فهلك··· 121
معجزتان في طريق الحجّ··· 121
إذا جلس عليه السلام انقطع الطريق وإذا مشى نزل الناس··· 122
كان يحفظ الوحي ويلقي على أمّه . .··· 123
ص: 256
إخباره أنّ قاتله في بيته··· 123
إخباره عليه السلام عن ملكهم··· 124
لو دعوت اللّه لجعل الرجل مرأة والمرأة رجلاً··· 125
مباهاته عليه السلام··· 125
فصل 3 : في علمه وفصاحة عليه السلام
( 127 - 140 )
نحن الذين نعلم··· 129
فيّ عزّة··· 129
عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك··· 129
للّه مدينتان ما عليهما حجّة غير الحسنين عليهماالسلام··· 129
سئل عليه السلام عن بدو الزكاة··· 130
جوابه عليه السلام على مسألة عجز عنها الأدعياء··· 130
حكمه في جارية زفّت فافتضتها ضرّتها··· 131
حكم عليه السلام في مسألة بحكم أمير المؤمنين عليه السلام··· 132
من أحيى نفسا فلا يجب عليه قود··· 132
لو كنت بالمدينة لأريتك منازل جبرئيل من ديارنا··· 134
خطبة له عليه السلام··· 134
خطبة له عليه السلام أمام معاوية··· 135
خطبة أخرى له عليه السلام أمام معاوية··· 136
جواب مسائل ملك الروم··· 137
ص: 257
جواب مسائل الشاميّ··· 138
سنّ عدد التكبيرات في صلاة العيدين··· 138
سبب الطلق عند النساء··· 139
فصل 4 : في مكارم أخلاقه عليه السلام
( 141 - 160 )
زهده عليه السلام··· 143
إستعداده عليه السلام للعبادة··· 143
حجّه عليه السلام ماشيا وخروجه من ماله··· 144
تعجّب يوسف منه عليهماالسلام··· 145
إنّ للماء سكانا··· 146
من شعره عليه السلام··· 146
سخائه عليه السلام··· 149
أعطى المال ودفع كراء الحمّال··· 149
أعطى ما في الخزانة قبل أن يسئل··· 149
أكرم عجوزا سقته وأطعمته··· 150
وهب لرجل ديّته··· 150
سأله رجل أربعمائة درهم فأعطاه أربعة آلاف··· 151
سأل رجل ربّه عشرة آلاف درهم فدفعها له··· 151
إنّما وضع الطعام ليؤكل··· 151
شكى له رجل عبدا أبق فدفع له ثمنه··· 151
ص: 258
ما متّع به أزواجه··· 152
حيّته جارية بطاقة ريحان فأعتقها··· 153
من شعره عليه السلام··· 154
همّته عليه السلام··· 155
أعطي بارنامجا فدفعه الى خادم خصف نعله··· 155
ردّ على معاوية عطاءه··· 155
إعطاؤه البغلة لابن أبي عتيق··· 156
حلمه عليه السلام··· 157
حلمه عمّن أساء اليه··· 157
حلمه عن مروان··· 158
لم يسمع قطّ منه كلمة فيها مكروه إلاّ مرّة··· 159
فصل 5 : في سيادته عليه السلام
( 161 - 172 )
سيّد شباب أهل الجنّة··· 163
سيّد يصلح اللّه به بين فئتين··· 163
شبهه عليه السلام بالنبي صلى الله عليه و آله··· 164
مقارنة بينه وبين أخيه محمد في الجمل··· 165
أبي خير من أمّي··· 166
مفاخرة قريش عند معاوية··· 166
مفاخرته مع معاوية··· 167
ص: 259
مفاخرة أخرى بينهما··· 167
لماذا يبغض يزيد الحسن عليه السلام··· 168
زياد ينسب الحسن عليه السلام لأمّه ومعاوية يوبخه··· 169
دعاه الفقراء على كسيرات فأجاب··· 170
الحسن عليه السلام يوبخ معاوية··· 170
جوابه على كلام معاوية ومروان··· 170
توبيخه عليه السلام لحبيب الفهري··· 171
مجنون يستدلّ بالقرآن على أفضلية الحسن عليه السلام··· 172
فصل 6 : في محبّة النبي صلى الله عليه و آله إياه عليه السلام
( 173 - 184 )
النبي صلى الله عليه و آله يصلّي والحسن عليه السلام يصعد على ظهره··· 175
اللّهم إنّي أحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه··· 176
تقبيل النبي صلى الله عليه و آله إياه··· 177
أجرى النبي صلى الله عليه و آله له مراسيم الولادة··· 178
شرّفهما بما شرّفهما به اللّه ··· 180
فصل 7 : في تواريخه وأحواله عليه السلام
( 185 - 194 )
تاريخ ولادته ومدّة عمره عليه السلام··· 187
حليته عليه السلام وأصحابه··· 187
ص: 260
نوّابه··· 188
بيعته وأيام خلافته عليه السلام··· 188
أسماؤه عليه السلام··· 188
كنيته عليه السلام··· 189
ألقابه عليه السلام··· 189
أمّه عليهماالسلام··· 189
شهادته عليه السلام ومدّة إمامته··· 189
تجهيزه عليه السلام وموضع قبره··· 190
أولاده عليه السلام··· 190
بناته عليه السلام··· 190
شهداء الطفّ من أولاده عليهم السلام··· 191
المعقّبون من أولاده عليه السلام··· 191
عدد أزواجه عليه السلام··· 191
إقامة زوجة الحسن بن الحسن سنة على قبره··· 192
فصل 8 : في صلحه عليه السلام مع معاوية
( 195 - 212 )
خطبته عليه السلام بعد شهادة أبيه عليه السلام··· 197
كلام ابن عباس معه عليه السلام··· 197
تبادل الكتب بينه عليه السلام وبين معاوية··· 197
خطبة عليه السلام في ساباط وخذلان القوم··· 199
ص: 261
سلبوا الإمام عليه السلام وهو حيّ··· 200
خيانة القوم وفرار عبيد اللّه بن عباس··· 201
شروط الصلح··· 202
خطبته عليه السلام في صلح معاوية··· 203
إمتناع الحسين عليه السلام عن البيعة··· 205
خطبة معاوية بعد الصلح··· 205
موقف سليمان بن صرد الخزاعي··· 206
موقف حجر بن عدي !··· 207
من شعره عليه السلام··· 207
عذلوا الإمام المعصوم عليه السلام !!··· 208
الأمويون القردة ينزون على منبر النبي صلى الله عليه و آله··· 209
خطبة معاوية في الكوفة وردّ الإمام عليه السلام··· 210
فصل 9 : في المفردات
( 213 - 238 )
وصية أمير المؤمنين لابنه الحسن عليهماالسلام··· 215
خيانة ابن عمر في صفين وردّ الإمام عليه السلام··· 223
نساء خطبهن الإمام عليه السلام··· 224
زواجه عليه السلام بأمّ خالد !··· 225
خطبة الإمام عليه السلام بنت عثمان وخطبة يزيد بنت ابن جعفر··· 226
مدينتين للّه حجتّه فيهما الحسن والحسين عليهماالسلام··· 229
ص: 262
انزل عن منبر أبي··· 229
أصحاب الإمام الحسن عليه السلام··· 230
أصحابه من خواصّ أبيه··· 235
في الحساب··· 236
فصل 10 : في وفاته وزيارته عليه السلام
( 239 - 250 )
دسّ معاوية الى جعدة فسمّته عليه السلام··· 241
سقي السمّ مرارا··· 241
وصيّته عليه السلام فيمن سمّه··· 242
معاوية يشمت بشهادة الإمام عليه السلام··· 244
بين الحسنين عليه السلام ساعة الاحتضار··· 245
تجهيزه وتشييعه عليه السلام··· 246
تبغّل عائشة··· 247
رثاء الإمام الحسين عليه السلام··· 248
رثاء سيّد الشهداء عليه السلام··· 248
سليمان بن قتّة··· 249
دعبل··· 249
منبه الصوفي··· 249
زيارته عليه السلام··· 250
الفهرست··· 251
ص: 263
عنوان و نام پديدآور:مناقب آل ابی طالب/ تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب. تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.
مشخصات نشر:قم: المکتبه الحیدریه، 1432ق = 1390.
مشخصات ظاهری:12ج
وضعیت فهرست نویسی:در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)
يادداشت:ج.9. (چاپ اول)
شماره کتابشناسی ملی:2481606
ص: 1
مناقب آل أبي طالب
تأليف الإمام الحافظ رشيد الدين أبي عبد اللّه محمد بن علي بن شهرآشوب
الجزء العاشر
تحقيق السيد علي السيد جمال أشرف الحسيني
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
ص: 8
الحمد للّه العالم بدقيق الأمور وجليله ، المنعم بكثير الخير وقليله ،الرحمن العاطف بسرّ الذنب العظيم ورذيله ، هدى المؤمن بظاهر برهانه ونيّر دليله ، وجمع لباس سنّة نبيّه وملّة خليله ، ثم قال : « وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ » .
وقال أبو عبد اللّه عليه السلام وقد ذكر عنده الحسين عليه السلام : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ »(1) .
وقال - عزّ وجلّ - : « وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً »(2) .
وقال : « وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤمِنِينَ » أي الأئمة(3) .
ص: 9
الأعرج عن أبي هريرة قال : سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن قوله : « وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ » قال : جعل الإمامة في عقب الحسين عليه السلام يخرج من صلبه تسعة من الأئمة عليهم السلام ، منهم مهدي هذه الأمّة(1) .
المفضّل بن عمر قال : سألت الصادق عليه السلام عن هذه الآية ، قال : يعنيبهذه الآية الإمامة جعلها في عقب الحسين عليه السلام إلى يوم القيامة .
فقلت : كيف صارت في ولد الحسين عليه السلام دون ولد الحسن عليه السلام ؟
فقال : إنّ موسى وهارون كانا نبيّين ومرسلين أخوين ، فجعل اللّه النبوة في صلب هارون دون صلب موسى عليه السلام .
ثم ساق الحديث إلى قوله : « وَهُوَ الْحَكِيمُ » في أفعاله « لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ »(2) .
السدي قوله : « فِي عَقِبِهِ » أي في آل محمد(3) صلى الله عليه و آله ، أي نولّي بهم إلى يوم القيامة ، ونتبرّأ من أعدائهم إليها .
حماد بن عيسى الجهني عن الصادق عليه السلام قال : لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين عليهماالسلام، إنّما هي في الأعقاب وأعقاب الأعقاب(4).
ص: 10
زيد بن علي عليه السلام في هذه الآية : لا تصلح الخلافة إلاّ فينا(1) .
وفي الخبر : لمّا حضرت الحسين عليه السلام الوفاة لم يجز له أن يردّها إلى ولد أخيه ، لقول اللّه تعالى : « وَأُولُوا الأَْرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ » ، فكان ولده أقرب إليه رحما من ولد أخيه ، وأولاده - هكذا - أولىبها ، فأخرجت هذه الآية ولد الحسن عليه السلام عن الإمامة وصيّرتها إلى ولد الحسين عليه السلام فهي فيهم أبدا إلى يوم القيامة(2) ، ولقول اللّه تعالى : « وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً » ، فكان علي بن الحسين عليهماالسلام بدم أبيه أولى وبالقيام(3) به أحرى .
وقال عبد اللّه بن الحسين(4) : إنّ الإمامة في ولد الحسن والحسين عليهماالسلام ، لأنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة ، وهما في الفضل سواء ، إلاّ أنّ للحسن عليه السلام على الحسين عليه السلام فضلاً بالكبر والتقديم ، فكان الواجب أن تكون الإمامة إذا في ولد الأفضل .
فقال الربيع بن عبد اللّه : إنّ موسى وهارون عليهماالسلام كانا نبيّين مرسلين ، وكان موسى عليه السلام أكبر من هارون عليه السلام وأفضل ، فجعل اللّه النبوة في ولد هارون عليه السلام دون ولد موسى عليه السلام ، وكذلك جعل اللّه - عزّ وجلّ - الإمامة
ص: 11
في ولد الحسين عليه السلام لتجري في هذه سنن من قبلها من الأمم ، حذو النعل بالنعل .
فبلغ ذلك الصادق عليه السلام ، فقال : أحسنت يا ربيع(1) .
ومن ذلك حديث الرضا(2) عليه السلام .
ويستدلّ من الحساب على أنّ الإمامة في أولاد الحسين عليه السلام : أنّ لفظة « الحسين » مائة وثمانية وعشرين زيادة بعشرة ، والحسين عليه السلام وأولاده عشرة .
قال القاضي بن قادوس البصري :
هي بيعة الرضوان أبرمها التقى
وأنارها النصّ الجليّ وألجما
ما اضطر جدّك في أبيك وصيّة
وهو ابن عمّ أن يكون له انتمى
وكذا الحسين وعن أخيه حازها
وله البنون بغير خلف منهما
* * *
ص: 12
موسى بن جعفر والحسين بن علي عليهم السلام في قوله تعالى : « الَّذِينَ إِنْمَكَّنّاهُمْ فِي الأَْرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ » قال : هذه فينا أهل البيت(1) .
أبو بصير عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : « قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ » الوصيّة لعلي عليه السلام بعدي ، نزلت مشدّدة .
الباقر عليه السلام في قراءة علي عليه السلام ، وهو التنزيل الذي نزل به جبرئيل عليه السلامعلى محمد صلى الله عليه و آله : « فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ » لرسول اللّه صلى الله عليه و آله والإمام بعده(2) .
الباقر عليه السلام في قوله تعالى : « لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا » الآية ، قال : هم يزعمون أنّ الإمام يحتاج منهم إلى ما يحملون إليه .
ص: 13
التباع خمسة ، ولكلّ قوم منهم يوم :
تباع السلطان ، ولهم النيران : « وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا » .وتباع الشياطين ، وهم الملاعين : « وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ » .
وتباع أئمة الهوى ، ولهم الردى : « وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ » .
وتباع الأئمة ، ولهم الجنّة .
فقال في رسول اللّه صلى الله عليه و آله « فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ » .
وفي شأن علي عليه السلام : « وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ » .
وفي شأن الأئمة الإثني عشر عليهم السلام : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ » .
لمّا ورد بسبي الفرس إلى المدينة أراد عمر بيع النساء ، وأن يجعل الرجال عبيد العرب ، وعزم على أن يحملوا العليل والضعيف والشيخ والكبير في الطواف وحول البيت على ظهورهم .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : أكرموا كريم قوم وإن خالفوكم ، وهؤلاء الفرس حكماء كرماء ، فقد ألقوا الينا بالسلم ، ورغبوا في الإسلام ، فقد أعتقت منهم لوجه اللّه حقّي وحقّ بني هاشم .
فقالت المهاجرون والأنصار : قد وهبنا حقّنا لك - يا أخا رسول اللّه صلى الله عليه و آله - ، فقال : اللّهم فاشهد أنّهم قد وهبوا وقبلت وأعتقت .
ص: 14
فقال عمر : سبق إليها علي بن أبي طالب ، ونقض عزمتي في الأعاجم !
ورغب جماعة من بنات الملوك أن يستنكحوهن، فقال أمير المؤمنين عليه السلام:
نخيّرهن ولا نكرههن ، فأشار أكبرهم إلى تخيير شهربانويه بنت يزدجرد ،فحجبت وأبت .
فقيل لها : أيا كريمة قومها ، من تختارين من خطّابك ؟ وهل أنت راضية بالبعل ؟ فسكتت .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : قد رضيت ، وبقي الاختيار بعد ، سكوتها إقرارها .
فأعادوا القول في التخيير ، فقالت : لست ممّن تعدل عن النور الساطع والشهاب اللامع الحسين عليه السلام ، إن كنت مخيّرة .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لمن تختارين أن يكون وليّك ؟
فقالت : أنت .
فأمر أمير المؤمنين عليه السلام حذيفة بن اليمان أن يخطب ، فخطب وزوّجت من الحسين(1) عليه السلام .
قال ابن الكلبي : ولّى علي بن أبي طالب عليهماالسلام حريث بن جابر الحنفي جانبا من المشرق ، فبعث بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى ، فأعطاها علي عليه السلام ابنه الحسين عليه السلام ، فولدت منه عليا عليه السلام .
وقال غيره : إنّ حريثا بعث إلى أمير المؤمنين عليه السلام بنتي يزدجرد ،
ص: 15
فأعطى واحدة لابنه الحسين عليه السلام ، فأولدها علي بن الحسين عليهماالسلام ، وأعطى الأخرى محمد بن أبي بكر ، فأولدها القاسم بن محمد ، فهما ابنا خالة(1) .
الحسين بن علي ميزانه من الحساب : إمام المسلمين بالحقّ ، لتقابلهما في أربعمائة وسبع وتسعين .
قال الزاهي :
يا سادتي يا آل ياسين ومن
عليهم الوحي من اللّه هبط
لولاكم لم يقبل الفرض ولا
رحنا لبحر العفو من أكرم شط
أنتم ولاة العهد في الذرّ
ومن هواهم اللّه علينا قد شرط
ما أحد قايسكم بغيركم
ومازج السلسل بالشرب اللمط
إلاّ كمن ضاهى الجبال بالحصى
أو قايس الأبحر جهلاً بالنقط
* * *
وقال كشاجم :
آل الرسول فضّلتم
فضل النجوم الزاهره
وبهرتم أعداءكم
بالمأثرات السائره
ولكم من الشرف ال
بلاغة والحلوم الوافره
وإذا تفوخر بالعلى
فيكم علاكم فاخره
ص: 16
وقال البشنوي :
يا ناصبي بكلّ جهدك فاجهد
إنّي علقت بحبّ آل محمد
الطاهرين الطيّبين ذوي الهدى
طابوا وطاب وليّهم في المولد
واليتهم وبرئت من أعدائهم
فاقلل ملامك لا أبا لك أو زد
فهم أمان كالنجوم وإنّهم
سفن النجاة من الحديث المسند
* * *
ص: 17
ص: 18
ص: 19
ص: 20
كتاب الأنوار : إنّ اللّه - تعالى - هنّأ النبي صلى الله عليه و آله بحمل الحسين عليه السلاموولادته ، وعزّاه بقتله ، فعرفت فاطمة عليهاالسلام فكرهت ذلك .
فنزلت : « حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً » ، فحمل النساء تسعة أشهر ، ولم يولد مولود لستّة أشهر عاشغير عيسى والحسين(1) عليه السلام .
غرر أبي الفضل بن حيزانة بإسناده : إنّه اعتلت فاطمة عليهاالسلام لمّا ولدت الحسين عليه السلام وجفّ لبنها ، فطلب رسول اللّه صلى الله عليه و آله مرضعا ، فلم يجد ، فكان يأتيه فيلقمه إبهامه فيمصّها ، ويجعل اللّه له في إبهام رسول اللّه صلى الله عليه و آله رزقا يغذوه .
ويقال : بل كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يدخل لسانه في فيه ، فيغرّه كما يغرّ الطير فرخه ، فيجعل اللّه له في ذلك رزقا .
ففعل ذلك أربعين يوما وليلة ، فنبت لحمه من لحم رسول اللّه (2) صلى الله عليه و آله .
ص: 21
برّة ابنة أميّة الخزاعي قالت : لمّا حملت فاطمة بالحسن عليهماالسلام خرج النبي صلى الله عليه و آله في بعض وجوهه ، فقال لها : إنّك ستلدين غلاما قد هنّأني به جبرئيل عليه السلام ، فلا ترضعيه حتى أصير إليك .
قالت : فدخلت على فاطمة عليهاالسلام حين ولدت الحسن عليه السلام ، وله ثلاث ما أرضعته .
فقلت لها : أعطنيه حتى أرضعه ، فقالت : كلا ، ثم أدركتها رقّة الأمّهات فأرضعته .فلمّا جاء النبي صلى الله عليه و آله قال لها : ماذا صنعت ؟ قالت : أدركني عليه رقّة الأمّهات فأرضعته ، فقال : أبى اللّه - عزّ وجلّ - إلاّ ما أراد .
فلمّا حملت بالحسين عليه السلام قال لها : يا فاطمة ، إنّك ستلدين غلاما قد هنّأني به جبرئيل عليه السلام ، فلا ترضعيه حتى أجيء إليك ، ولو أقمت شهرا ، قالت : أفعل ذلك .
وخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله في بعض وجوهه ، فولدت فاطمة الحسين عليهماالسلامفما أرضعته حتى جاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال لها : ماذا صنعت ؟ قالت : ما أرضعته ، فأخذه فجعل لسانه في فمه ، فجعل الحسين عليه السلام يمصّ حتى قال النبي صلى الله عليه و آله : إيها حسين ، إيها حسين .
ثم قال : أبى اللّه إلاّ ما يريد ، هي فيك وفي ولدك ، يعني الإمامة(1) .
ص: 22
ولمّا منع الماء عن الحسين عليه السلام أخذ سهما ، وعدّ فوق خيام النساء تسع خطوات ، فحفر الموضع ، فنبع ماء طيّب ، فشربوا وملأوا قربهم .
وروى الكلبي أنّه قال مروان للحسين عليه السلام : لولا فخركم بفاطمة عليهاالسلام بمكنتم تفخرون علينا ؟!
فوثب الحسين عليه السلام ، فقبض على حلقه فعصره ، ولوى عمامته في عنقه حتى غشي عليه ، ثم تركه ، ثم تكلّم ، وقال في آخر كلامه :
واللّه ما بين جابرسا وجابلقا رجل ممّن ينتحل الإسلام أعدى للّه ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذ كان ، وعلامة قولي فيك أنّك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك .
قال : فواللّه ما قام مروان من مجلسه حتى غضب ، فانتفض وسقط رداؤه عن عاتقه(1) .
زرارة بن أعين سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يحدّث عن آبائه عليهم السلام : أنّ مريضا شديد الحمى عاده الحسين عليه السلام ، فلمّا دخل من باب الدار طارت الحمى
ص: 23
عن الرجل ، فقال له : رضيت بما أوتيتم به حقّا حقّا ، والحمى تهرب عنكم ، فقال له الحسين عليه السلام : واللّه ما خلق اللّه شيئا إلاّ وقد أمره بالطاعة لنا .
قال : فإذا نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول : لبيك ، قال : أليس أمير المؤمنين عليه السلام أمرك أن لا تقربي إلاّ عدوّا أو مذنبا لكي تكوني كفارة لذنوبه ، فما بال هذا ؟
وكان المريض عبد اللّه بن شداد بن الهادي الليثي(1) .
تهذيب الأحكام : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّ امرأة كانت تطوف وخلفها رجل ، فأخرجت ذراعها ، فمال بيده حتى وضعها على ذراعها ، فأثبت اللّه يده في ذراعها حتى قطع الطواف ، وأرسل إلى الأمير ، واجتمع الناس .
وأرسل إلى الفقهاء ، فجعلوا يقولون : اقطع يده ، فهو الذي جنى الجناية ، فقال : هاهنا أحد من ولد محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقالوا : نعم ، الحسين بن علي عليهماالسلام قدم الليلة .
فأرسل إليه فدعاه ، فقال : انظر ما لقي ذان ، فاستقبل الكعبة ، ورفع يديه ، فمكث طويلاً يدعو ، ثم جاء إليها حتى تخلّصت يده من يدها ، فقال الأمير : ألا نعاقبه بما صنع ؟ قال : لا(2) .
ص: 24
وروى عبد العزيز بن كثير : إنّ قوما أتوا إلى الحسين عليه السلام وقالوا : حدّثنا بفضائلكم ، قال : لا تطيقون ، وانحازوا عنّي لأشير إلى بعضكم ، فإن أطاق سأحدّثكم .
فتباعدوا عنه ، فكان يتكلّم مع أحدهم حتى دهش ووله ، وجعل يهيمولا يجيب أحدا ، وانصرفوا عنه .
صفوان بن مهران قال : سمعت الصادق عليه السلام يقول : رجلان اختصما في زمن الحسين عليه السلام في إمرأة وولدها ، فقال هذا : لي ، وقال هذا : لي .
فمرّ بهما الحسين عليه السلام ، فقال لهما : فيماذا تمرجان(1) ؟ قال أحدهما : إنّ الامرأة لي .
فقال للمدعي الأوّل : اقعد ، فقعد ، وكان الغلام رضيعا ، فقال الحسين عليه السلام : يا هذه ، اصدقي من قبل أن يهتك اللّه سترك ، فقالت : هذا زوجي ، والولد له ، ولا أعرف هذا .
فقال عليه السلام : يا غلام ، ما تقول هذه ؟ انطق بإذن اللّه تعالى ، فقال له : ما أنا لهذا ولا لهذا ، وما أبي إلاّ راع لآل فلان ، فأمر عليه السلام برجمها .
قال جعفر عليه السلام : فلم يسمع أحد نطق ذلك الغلام بعدها .
ص: 25
الأصبغ بن نباتة قال : سألت الحسين عليه السلام ، فقلت : سيّدي أسألك عن شيء أنا به موقن ، وإنّه من سرّ اللّه ، وأنت المسرور إليه ذلك السرّ !
فقال : يا أصبغ ، أتريد أن ترى مخاطبة رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأبي دون يوممسجد قبا ؟
قال : هذا الذي أردت .
قال : قم - فإذا أنا وهو بالكوفة - فنظرت فإذا المسجد من قبل أن يرتدّ إليّ بصري .
فتبسّم في وجهي ، فقال : يا أصبغ ، إنّ سليمان بن داود أعطى « الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ » ، وأنا قد أعطيت أكثر ممّا أعطي سليمان .
فقلت : صدقت - واللّه - يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فقال : نحن الذين عندنا علم الكتاب ، وبيان ما فيه ، وليس لأحد من خلقه ما عندنا ، لأنّا أهل سرّ اللّه ، فتبسّم في وجهي ، ثم قال : نحن آل اللّه وورثة رسوله صلى الله عليه و آله .
فقلت : الحمد للّه على ذلك .
ثم قال لي : ادخل ، فدخلت فإذا أنا برسول اللّه صلى الله عليه و آله محتب في المحراب بردائه ، فنظرت فإذا أنا بأمير المؤمنين عليه السلام قابض على تلابيب الأعسر ، فرأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يعضّ على الأنامل وهو يقول : بئس الخلف خلفتني أنت وأصحابك ، عليكم لعنة اللّه ولعنتي . . الخبر .
ص: 26
كتاب الإبانة : قال بشر بن عاصم : سمعت ابن الزبير يقول : قلت للحسين بن علي عليهماالسلام : إنّك تذهب إلى قوم قتلوا أباك وخذلوا أخاك !فقال : لئن أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ من أن يستحلّ بي مكة(1) ، عرض به عليه السلام .
كتاب التخريج عن العامري بالإسناد عن هبيرة بن بريم عن ابن عباس قال :
رأيت الحسين عليه السلام قبل أن يتوجّه إلى العراق على باب الكعبة ، وكفّ جبرئيل عليه السلام في كفّه ، وجبرئيل عليه السلام ينادي : هلمّوا إلى بيعة اللّه .
وعنّف ابن عباس على تركه الحسين عليه السلام فقال : إنّ أصحاب الحسين عليه السلام
لم ينقصوا رجلاً ، ولم يزيدوا رجلاً ، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم .
وقال محمد بن الحنفية : وإنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم .
ص: 27
قال السوسي :
أنتم سماء للسماوات العلى
والخلق أرض تحتكم ومهاد
أنتم معاد الخلق يوم معادهم
واليكم الإصدار والإيراد
أنتم صراط اللّه أنتم حبله ال-
-ممدود أنتم بيته المرتاد
بهواكم صلح الفساد وهكذا
يهوى سواكم للصلاح فساد
لو لم نسبّح في الصلاة بذكركم
كانت تردّ صلاتنا وتعاد
بهواكم عرف الرشاد وليّكم
لولاكم لم يعرف الإرشاد
أنتم لشيعتكم بحور ماؤها
عذب بها يتنعّم الوراد
أنتم مواسمهم إذا حجّوا
وأعياد بها صحّت لنا الأعياد
* * *
وقال السروجي :
خير البريّة آباء وأشرفها
قدرا وأسمحها كفّا لمبتذل
صدورهم لبحور العلم داعية
ظهورهم قبلة من أفضل القبل
اللّه اختارهم من خلقه حججا
على البريّة يوم الجمع للرسل
من دوحة من جنان الخلد نابتة
وفرعها ثابت للواحد الأزلي
محمد أصلها والطهر حيدرة
وفاطم وبنوها أطيب الأكل
وحسن أوراقها قوم بها علقوا
فيالها دوحة جلّت عن المثل
* * *
ص: 28
ص: 29
ص: 30
الباقر عليه السلام في قوله تعالى : « فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأَْرْضُ » يعني علي بن أبي طالب عليهماالسلام، وذلك أنّ عليا عليه السلام خرج قبل الفجر متوكئا على عنزة(1)، والحسين عليه السلام خلفه يتلوه حتى أتى حلقة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فرمى بالعنزة ، ثم قال : إنّ اللّه - تعالى - ذكر أقواما ، فقال : « فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأَْرْضُ » واللّه ليقتلنّه ، ولتبكي السماء عليه(2) .
أبو نعيم في دلائل النبوة ، والنسوي في المعرفة ، قالت نضرة الأزدية : لمّا قتل الحسين عليه السلام أمطرت السماء دما ، وحبابنا وجرارنا صارت مملوءة دما(3) .
وقال قرطة بن عبيد اللّه : مطرت السماء يوما نصف النهار على شملة بيضاء ، فنظرت فإذا هو دم ، وإذا هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام .وقال الصادق : بكت السماء على الحسين عليه السلام أربعين يوما بالدم .
زرارة بن أعين عن الصادق عليه السلام قال : بكت السماء على يحيى بن زكريا
ص: 31
وعلى الحسين بن علي عليهم السلام أربعين صباحا ، ولم تبك إلاّ عليهما .
قلت : فما بكاؤها ؟ قال : كانت الشمس تطلع حمراء وتغيب حمراء(1) .
أسامة بن شبيب بإسناده عن أمّ سليم قالت : لمّا قتل الحسين عليه السلام
مطرت السماء مطرا كالدم ، احمرّت منه البيوت والحيطان(2) .
وروى قريبا من ذلك في الإبانة(3) .
تفسير القشيري ، والفتال قال السدي : لمّا قتل الحسين عليه السلام بكت عليه السماء ، وعلامتها حمرة أطرافها(4) .
محمد بن سيرين قال : أخبرنا : أنّ حمرة أطراف السماء لم تكن قبل قتلالحسين(5) عليه السلام .
ص: 32
تاريخ النسوي : روى حماد بن زيد عن هشام عن محمد قال : تعلم هذه الحمرة في الأفق ممّ هي ؟ ثم قال : من يوم قتل الحسين(1) عليه السلام .
الأسود بن قيس : لمّا قتل الحسين عليه السلام ارتفعت حمرة من قبل المشرق ، وحمرة من قبل المغرب ، فكادتا تلتقيان في كبد السماء ستّة أشهر(2) .
قال الحميري :
بكت الأرض فقده وبكته
باحمرار له نواحي السماء
بكتا فقده أربعين صباحا
كلّ يوم عند الضحى والمساء
* * *
ص: 34
وقال المعرّي :
وعلى الدهر من دماء الشهيدين
علي ونجله شاهدان
وهما في أواخر الليل فجران
وفي أولياته شفقان
* * *
وروي أنّ الحسين بن علي عليهماالسلام قال لعمر بن سعد : إنّ ممّا يقرّ لعيني أنّك لا تأكل من برّ العراق بعدي إلاّ قليلاً(1) .
فقال مستهزئا : يا أبا عبد اللّه في الشعير خلف(2) .
فكان كما قال لم يصل إلى الري وقتله المختار .
جامع الترمذي ، وكتاب السندي ، وفضائل السمعاني : إنّ أمّ سلمةقالت : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المنام وعلى رأسه التراب ، فقلت : ما لك يا رسول اللّه ؟ فقال : شهدت قتل الحسين عليه السلام آنفا(3) .
ص: 35
ابن فورك في فصوله ، وأبو يعلى في مسنده ، والعامري في إبانته من طرق ، منها عن عائشة وعن شهر بن حوشب :
إنّه دخل الحسين بن علي عليهماالسلام على النبي صلى الله عليه و آله ، وهو يوحى إليه ، فنزل الوحي على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهو منكبّ على ظهره ، فقال جبرئيل عليه السلام : تحبّه ؟
قال : ألا أحبّ ابني !
فقال : إنّ أمّتك ستقتله من بعدك ، فمدّ جبرئيل عليه السلام يده ، فإذا بتربة بيضاء ، فقال : في هذه التربة يقتل ابنك هذا ، يا محمد ، اسمها الطف(1) . . الخبر .وفي أخبار سالم بن الجعد : أنّه كان ذلك ميكائيل عليه السلام(2) .
وفي مسند أبي يعلى : أنّ ذلك ملك القطر(3)(4) .
ص: 36
أحمد في المسند عن أنس ، والغزالي في كيمياء السعادة ، وابن بطّة في كتابة الإبانة من خمسة عشر طريقا ، وابن حبيش التميمي ، واللّفظ له :
قال ابن عباس : بينا أنا راقد في منزلي إذ سمعت صراخا عظيما عاليا من بيت أمّ سلمة ، وهي تقول : يا بنات عبد المطلب ! اسعدنني وابكين معي ، فقد قتل سيّدكنّ .
فقيل : ومن أين علمت ذلك ؟
قالت : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله الساعة في المنام ، شعثا مذعورا ، فسألته عن ذلك .
فقال : قتل ابني الحسين عليه السلاموأهل بيته فدفنتهم .
قالت : فنظرت فإذا بتربة الحسين عليه السلام التي أتى بها جبرئيل عليه السلام من كربلاء وقال : إذا صارت دما فقد قتل ابنك ، فأعطانيها النبي صلى الله عليه و آله ، فقال : اجعليها في زجاجة ، فليكن عندك ، فإذا صارت دما فقد قتلالحسين
عليه السلام ، فرأيت القارورة الآن صارت دما عبيطا يفور(1) .
تاريخ النسوي ، وتاريخ بغداد ، وإبانة العكبري ، وقال سفيان بن عيينة : حدّثتني جدّتي :
ص: 37
إنّ رجلاً ممّن شهد قتل الحسين عليه السلام كان يحمل ورسا(1) ، فصار ورسه دما(2) .
ورأيت النجم كأنّ فيه النيران يوم قتل الحسين عليه السلام ، يعني بالنجم النبات .
محمد بن الحكم عن أمّه قالت : انتهب الناس ورسا من عسكر الحسين عليه السلام ، فما استعملته امرأة إلاّ برصت(3) .
أمالي أبي سهل القطان يرويه عن ابن عيينة قال : أدركت من قتلة الحسين عليه السلام رجلين :
أمّا أحدهما : فإنّه طال ذكره حتى كان يلفّه ، وفي رواية : كان يحمله على عاتقه .
ص: 38
وأمّا الآخر : فإنّه كان يستقبل الرواية ولا يروى(1) ، وذلك أنّه نظر إلى الحسين عليه السلام وقد أهوى إلى فيه بماء وهو يشرب ، فرماه بسهم ، فقال الحسين عليه السلام : لا أرواك اللّه من الماء في دنياك ولا آخرتك .
وفي رواية: أنّ رجلاً من كلب رماه بسهم فشكّ شدقه ، فقال الحسين عليه السلام:
لا أرواك اللّه ، فعطش الرجل حتى ألقى نفسه في الفرات ، وشرب حتى مات(2) .
المقتل عن ابن بابويه ، والتاريخ عن الطبري : قال أبو القاسم الواعظ : نادى رجل :
يا حسين ، إنّك لن تذوق من الفرات قطرة حتى تموت أو تنزل علىحكم الأمير .
فقال الحسين عليه السلام : اللّهم اقتله عطشا ، ولا تغفر له أبدا .
فغلب عليه العطش ، فكان يعبّ المياه ويقول : وا عطشاه ، حتى تقطّع(3) .
ص: 39
تاريخ الطبري : أنّه كان هذا المنادي عبد اللّه بن الحصين الأزدي ، رواه حميد بن مسلم(1) .
وفي رواية : كان رجلاً من دارم(2) .
فضائل العشرة عن أبي السعادات بالإسناد في خبر : أنّه لمّا رماه الدارمي بسهم ، فأصاب حنكه جعل يتلقّى الدم ، ثم يقول هكذا إلى السماء ، [ فيرمي به ] .
فكان هذا الدارمي يصيح من الحرّ في بطنه ، والبرد في ظهره ، بين يديه المراوح والثلج ، وخلفه الكانون(3) والنار ، وهو يقول : اسقوني ، فيشربالعسّ ، ثم يقول : اسقوني أهلكني العطش ، قال : فانقد بطنه(4) .
ابن بطّة في الإبانة ، وابن جرير في التاريخ : أنّه نادى الحسين عليه السلام
ص: 40
ابن جوزة [ حوزة ] ، فقال : يا حسين ، ابشر فقد تعجّلت النار في الدنيا قبل الآخرة ، قال : ويحك أنا ! قال : نعم !
قال : ولي ربّ رحيم وشفاعة نبي مطاع ، اللّهم إن كان عندك كاذبا فجرّه إلى النار .
قال : فما هو إلاّ أن ثنى عنان فرسه ، فوثب فرمى به ، وبقيت رجله في الركاب ، ونفر الفرس ، فجعل يضرب برأسه كلّ حجر وشجر حتى مات(1) .
وفي رواية غيرهما : اللّهم جرّه إلى النار ، وأذقه حرّها في الدنيا قبل مصيره إلى الآخرة ، فسقط عن فرسه في الخندق ، وكان فيه نار ، فسجد الحسين(2) عليه السلام .
تاريخ الطبري : قال أبو مخنف : حدّثني عمرو بن شعيب عن محمد بن عبد الرحمن :
إنّ يدي أبحر بن كعب كانتا في الشتاء تنضحان الماء ، وفي الصيف تيبسان كأنّهما عودان(3) .
ص: 41
وفي رواية غيره : كانت يداه تقطران في الشتاء دما ، وكان هذا الملعون سلب الحسين(1) عليه السلام .
تاريخ الطبري : إنّ رجلاً من كندة يقال له « مالك بن اليسر » أتى الحسين عليه السلام بعد ما ضعف من كثرة الجراحات ، فضربه على رأسه بالسيف ، وعليه برنس من خزّ ، فقال عليه السلام : لا أكلت بها ولا شربت ، وحشرك اللّه مع الظالمين .
فألقى ذلك البرنس من رأسه ، فأخذه الكندي ، فأتى به أهله ، فقالت امرأته : أسلب الحسين عليه السلام تدخله في بيتي ! اخرج ، فواللّه لا تدخل بيتي أبدا ، فلم يزل فقيرا حتى هلك(1) .
أحاديث بن الحاشر ، قال : كان عندنا رجل خرج على الحسين عليه السلام ، ثم جاء بجمل وزعفران ، فكلّما دقّوا الزعفران صار نارا ، فلطخت امرأتهعلى يديها فصارت برصاء .
وقال : ونحر البعير ، فكلّما جزّوا بالسكين صار نارا ، قال : فقطّعوه فخرج منه النار ، فطبخوه ، ففارت القدر نارا(2) .
تاريخ النسوي : قال حماد بن زيد : قال جميل بن مرّة : لمّا طبخوا صارت مثل العلقم(3) .
ص: 43
وروي : أنّ الحسين عليه السلام دعا : اللّهم إنا أهل بيت نبيك وذرّيته وقرابته فاقصم من ظلمنا وغصبنا حقّنا ، إنّك سميع قريب .
فقال محمد بن الأشعث : وأيّ قرابة بينك وبين محمد ! فقرأ الحسين عليه السلام « إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ » .
ثم قال : اللّهم أرني فيه في هذا اليوم ذلاًّ عاجلاً .
فبرز ابن الأشعث للحاجة ، فلسعته عقرب على ذكره ، فسقط وهو يستغيث ، ويتقلّب على حدثه(1) .
وروى أبو مخنف عن الجلودي : أنّ الحسين عليه السلام حمل على الأعور السلمي وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، وكانا في أربعة آلاف رجل على الشريعة ، وأقحم الفرس على الفرات ، فلمّا أولع الفرس برأسه ليشرب قال عليه السلام : أنت عطشان وأنا عطشان ، واللّه لا أذوق الماء حتى تشرب .
فلمّا سمع الفرس كلام الحسين شال رأسه ولم يشرب ، كأنّه فهم الكلام(2) ، فقال الحسين عليه السلام : اشرب فأنا أشرب .
ص: 44
فمدّ الحسين عليه السلام يده ، فغرف من الماء ، فقال فارس : يا أبا عبد اللّه ، تلذّذ بشرب الماء وقد هتكت حرمتك !! فنفض الماء من يده ، وحمل على القوم فكشفهم ، فإذا الخيمة سالمة(1) .
وروى أبو مخنف عن الجلودي : أنّه كان صرع الحسين عليه السلام ، فجعل فرسه يحامي عنه ويثب على الفارس ، فيخبطه عن سرجه ويدوسه حتى قتل الفرس أربعين رجلاً .
ثم تمرّغ في دم الحسين عليه السلام ، وقصد نحو الخيمة ، وله صهيل عال ،ويضرب بيديه الأرض(2) .
القاسم بن الأصبغ : قلت لرجل من بني دارم : ما غيّر صورتك ؟
قال : قتلت رجلاً من أصحاب الحسين عليه السلام ، وما نمت ليلة منذ قتلته إلاّ أتاني في منامي آتٍ ، فينطلق بي إلى جهنم ، فيقذف بي فيها حتى أصبح .
ص: 45
قال : فسمعت بذلك جارة له ، فقالت : ما يدعنا ننام الليل من صياحه(1)(2) .
إبانة ابن بطّة ، وجامع الدارقطني ، وفضائل أحمد : روى قرّة بن أعين عن خاله قال :
كنت عند أبي رجاء العطاردي ، فقال : لا تذكروا أهل البيت إلاّ بخير ، فدخل عليه رجل من حاضري كربلاء ، وكان يسبّ الحسين عليه السلام ،وأهوى اللّه عليه نجمين فعميت عيناه(3) .
وسئل عبد اللّه الرياح القاضي الأعمى عن عمائه ، فقال : كنت حضرت كربلاء ، وما قاتلت ، فنمت فرأيت شخصا هائلاً قال : أجب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقلت : لا أطيق .
فجرّني إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فوجدته حزينا ، وفي يده حربة ، وبسط قدّامه نطع ، وملك قبله قائم في يده سيف من النار يضرب أعناق القوم ،
ص: 46
وتقع النار فيهم فتحرقهم ، ثم يحيون ويقتلهم أيضا هكذا .
فقلت : السلام عليك يا رسول اللّه ، واللّه ما ضربت بسيف ، ولا طعنت برمح ، ولا رميت سهما !
فقال النبي صلى الله عليه و آله : ألست كثّرت السواد ، فسلّمني ، وأخذ من طست فيه دم فكحّلني من ذلك الدم ، فاحترقت عيناي ، فلمّا انتبهت كنت أعمى(1) .
أمالي الطوسي قال السدي لرجل : أنت تبيع القطران ؟قال : واللّه ما رأيت القطران ، إلاّ أنّني كنت أبيع المسمار في عسكر عمر بن سعد في كربلا ، فرأيت في منامي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلي بن أبي طالب عليه السلام يسقيان الشهداء ، فاستسقيت عليا عليه السلام فأبى .
فأتيت النبي صلى الله عليه و آله فاستسقيت فنظر إليّ وقال : ألست ممّن أعان علينا ؟ فقلت : يا رسول اللّه ، إنّني محترق ، وواللّه ما حاربتهم ، فقال : اسقه قطرانا ، فسقاني شربة قطران ، فلمّا انتبهت كنت أبول ثلاثة أيام القطران ، ثم انقطع وبقيت رائحته(2) .
ص: 47
أبو عبد اللّه الدامغاني في شوف العروس : إنّهم تذاكروا ليلة أمر الحسين عليه السلام ، وأنّه من قتله رماه اللّه ببلية في جسده ، فقال رجل : فأنا ممّن قتله وما أصابني سوء !
ثم إنّه قام ليصلح الفتيلة بأصبعه ، فأخذت النار كفّه ، فخرج صارخا حتى ألقى نفسه في الفرات .
فواللّه رأيناه يدخل رأسه الماء والنار على وجه الماء ، فإذا خرج رأسه سرت النار إليه ، وكان ذلك دأبه حتى هلك(1) .
كنز المذكّرين : قال الشعبي : رأيت رجلاً متعلّقا بأستار الكعبة ، وهو يقول : اللّهم اغفر لي ، ولا أراك تغفر لي ، فسألته عن ذنبه .
فقال : كنت من الوكلاء على رأس الحسين عليه السلام ، وكان معي خمسون رجلاً ، فرأيت غمامة بيضاء من نور قد نزلت من السماء إلى الخيمة ، وجمعا كثيرا أحاطوا بها ، فإذا فيهم آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ، ثم نزلت أخرى ، وفيها النبي صلى الله عليه و آله وجبرائيل وميكائيل وملك الموت عليهم السلام .
فبكى النبي صلى الله عليه و آله وبكوا معه جميعا ، فدنى ملك الموت ، وقبض تسعا وأربعين ، فوثب عليّ رجل ، فوثبت على رجلي وقلت : يا رسول اللّه ،
ص: 48
الأمان الأمان ، فواللّه ما شايعت في قتله ولا رضيت ، فقالت : ويحك ، وأنت تنظر إلى ما يكون ؟ فقلت : نعم ، فقال : يا ملك الموت ، خلّ عن قبض روحه ، فإنّه لابد أن يموت يوما ، فتركني وخرجت إلى هذا الموضع تائبا على ما كان منّي(1) .
النطنزي في الخصائص : لمّا جاؤوا برأس الحسين عليه السلام ، ونزلوا منزلاً يقال له « قنسرين » اطلع راهب من صومعته إلى الرأس ، فرأى نورا ساطعا يخرج من فيه ، ويصعد إلى السماء ، فأتاهم بعشرة آلاف درهموأخذ الرأس وأدخله صومعته ، فسمع صوتا ولم ير شخصا قال : طوبى لك ، وطوبى لمن عرف حرمته .
فرفع الراهب رأسه قال : يا ربّ بحقّ عيسى تأمر هذا الرأس بالتكلّم معي .
فتكلّم الرأس ، وقال : يا راهب ، أيّ شيء تريد ! قال : من أنت ؟ قال : أنا ابن محمد المصطفى صلى الله عليه و آله ، وأنا ابن علي المرتضى عليه السلام ، وأنا ابن فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وأنا المقتول بكربلاء ، أنا المظلوم ، أنا العطشان ، فسكت .
فوضع الراهب وجهه على وجهه ، فقال : لا أرفع وجهي عن وجهك حتى تقول : أنا شفيعك يوم القيامة .
ص: 49
فتكلّم الرأس ، فقال : ارجع إلى دين جدّي محمد صلى الله عليه و آله .
فقال الراهب : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه ، فقبل له الشفاعة .
فلمّا أصبحوا أخذوا منه الرأس والدراهم ، فلمّا بلغوا الوادي نظروا الدراهم قد صارت حجارة(1) .
قال الجوهري الجرجاني :
حتى يصيح بقنسرين صاحبها
يا فرقة الغيّ يا حزب الشياطين
أتهزؤن برأس بات منتصبا
على القناة بدين اللّه يؤميني
آمنت ويحكم باللّه مهتديا
وبالنبي وحبّ المرتضى ديني
فجدّلوه صريعا فوق وجنته
وقسّموه بأطراف السكاكين
* * *
وفي أثرٍ عن ابن عباس : أنّ أم كلثوم قالت لحاجب بن زياد : ويلك ، هذا الألف درهم خذها إليك واجعل رأس الحسين عليه السلام أمامنا ، واجعلنا على الجمال وراء الناس ، ليشتغل الناس بنظرهم إلى رأس الحسين عليه السلام عنّا ، فأخذ الألف وقدّم الرأس .
ص: 50
فلمّا كان الغد أخرج الدراهم ، وقد جعلها اللّه حجارة سودا مكتوب على أحد جانبيها « وَلا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ » ، وعلى الجانب الآخر « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ » .
تاريخ البلاذري ، والطبري : إنّ الحضرمية امرأة خولي بن يزيد الأصبحي قالت : وضع خولي رأس الحسين عليه السلام تحت أجانة في الدار ،
فواللّه ما زلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الأجانة ،ورأيت طيرا يرفرف حولها(1) .
ص: 51
روى أبو مخنف عن الشعبي : أنّه صلب رأس الحسين عليه السلام بالصيارف في الكوفة ، فتنحنح الرأس وقرأ سورة الكهف إلى قوله : « إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً » ، فلم يزدهم إلاّ ضلالاً .
وفي أثرٍ : أنّهم لمّا صلبوا رأسه على الشجرة سمع منه : « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ » .
وسمع أيضا صوته بدمشق يقول : « لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ » .
وسمع أيضا يقرأ : « أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِناعَجَباً » .
فقال زيد بن أرقم : أمرك أعجب يا ابن رسول اللّه (1) .
كتاب ابن بطّة ، والترمذي ، وخصائص النطنزي ، واللّفظ للأوّل ، عن عمارة بن عمير :
إنّه لمّا جييء برأس ابن زياد ورؤوس أصحابه إلى المسجد انتهيت إليهم والناس يقولون : قد جاءت ، قد جاءت .
قال : فجاءت حيّة تتخلّل الرؤوس حتى دخلت في منخره ، ثم خرجت
ص: 52
من المنخر الآخر ، ثم قالوا : قد جاءت قد جاءت ، ففعلت ذلك مرّتين أو ثلاثا(1) .
أبو مخنف في رواية : لمّا دخل بالرأس على يزيد كان للرأس طيب قد فاح على كلّ طيب .
ولمّا نحر الجمل الذي حمل عليه رأس الحسين عليه السلام كان لحمه أمرّ من الصبر .
ولمّا قتل الحسين عليه السلام صار الورس دما .
وانكسفت الشمس إلى ثلاثة أسبات .
وما في الأرض حجر إلاّ وتحته دم .
وناحت عليه الجنّ كلّ يوم فوق قبر النبي صلى الله عليه و آله إلى سنة كاملة(2) .
ص: 53
دلائل النبوة عن أبي بكر البيهقي بالإسناد إلى أبي قبيل ، وأمالي أبي عبد اللّه النيسابوري أيضا :
إنّه لمّا قتل الحسين عليه السلام ، واجتزّ رأسه ، قعدوا في أوّل مرحلة يشربون النبيذ ، ويتحيّون بالرأس ، فخرج عليهم قلم من حديد من حائط ، فكتب سطرا بالدم .
أترجو أمّة قتلت حسينا
شفاعة جدّه يوم الحساب
* * *قال : فهربوا وتركوا الرأس ، ثم رجعوا(1) .
وفي كتاب ابن بطّة : أنّهم وجدوا ذلك مكتوبا في كنيسة .
وقال أنس بن مالك : احتفر رجل من أهل نجران حفرة ، فوجد فيها لوح من ذهب فيه مكتوب هذا البيت وبعده :
فقد قدموا عليه بحكم جور
فخالف حكمهم حكم الكتاب
ستلقى يا يزيد غدا عذابا
من الرحمن يا لك من عذاب
* * *
ص: 54
فسألناهم : منذ كم هذا في كنيستكم ؟ فقالوا : قبل أن يبعث نبيكم بثلاثمائة عام(1) .
وقال سعد بن أبي وقاص : إنّ قس بن ساعدة الأيادي قال قبل مبعث النبي صلى الله عليه و آله :تخلّف المقدار منهم عصبة
ثاروا بصفين وفي يوم الجمل
والتزم الثار الحسين بعده
واحتشدوا على ابنه حتى قتل
* * *
قال دعبل : حدّثني أبي عن جدّي عن أمّه سعدى بنت مالك الخزاعية : أنّها سمعت نوح الجنّ على الحسين عليه السلام :
يا ابن الشهيد ويا شهيدا عمّه
خير العمومة جعفر الطيار
عجبا لمصقول أصابك حدّه
في الوجه منك وقد علاك غبار(2)
* * *
ص: 55
أمالي النيسابوري : إنّ أمّ سلمة سمعت نوحهم :
ألا يا عين فاحتفلي بجهدي
ومن يبكي على الشهداء بعدي
على رهط تقودهم المنايا
إلى متجبّر في ملك عبد(1)* * *
إبانة ابن بطّة : سمع من نوحهم :
أيا عين جودي ولا تجمدي
وجودي على الهالك السيّد
فبالطف أمسى صريعا فقد
رزينا الغداة بأمر بدي
* * *
ومن نوحهم :
نساء الجنّ يبكين من الحزن شجيات
ويسعدن بنوح للنساء الهاشميات
ويندبن حسينا عظمت تلك الرزيات
ويلطمن خدودا كالدنانير نقيّات
ويلبسن ثياب السود بعد القصبيات
ص: 56
ومن نوحهم :
احمرت الأرض من قتل الحسين كما
اخضر عند سقوطه الجونة العلق(1)
يا ويل قاتله يا ويل قاتله
فإنّه في شفير النار يحترق
* * *
ومن نوحهم :
أبكي ابن فاطمة الذي
من قتله شاب الشعر
ولقتله زلزلتم
ولقتله خسف القمر
* * *
وسمع نوح جنّ قصدوا لمؤازرته :
واللّه ما جئتكم حتى بصرت به
بالطفّ منعفر الخدين منحورا(2)
* * *
قال الطبري : وسمع نوح الملائكة في أوّل منزل نزلوا قاصدين إلى الشام :
أيّها القاتلون جهلاً حسينا
أبشروا بالعذاب والتنكيل
كلّ أهل السماء يدعو عليكم
من نبي ومرسل وقبيل
ص: 57
قد لعنتم على لسان ابن داود
وموسى وصاحب الإنجيل(1)
* * *
وروي أنّه رأى سليمان بن عبد الملك رسول اللّه صلى الله عليه و آله يبشّ معه ، فسأل الحسن البصري عن ذلك ، فقال : لعلّك فعلت إلى أهل بيته معروفا .
فقال : رأيت رأس الحسين عليه السلام في خزانة يزيد ، فلمّا عرض عليّ لففته في خمسة دبابيج ، وعطّرته ، وصلّيت عليه ودفنته ، وبكيت كثيرا ، فقال له الحسن : قد رضى عنك رسول اللّه بهذا الفعل(2)(3) .
ص: 58
أمالي المفيد النيشابوري : أنّ « زر(1) » النائحة رأت فاطمة عليهاالسلام فيما يرى النائم أنّها وقعت على قبر الحسين عليه السلام تبكي ، وأمرتها أن تنشد :أيّها العينان فيضا
واستهلاّ لا تغيضا
وابكيا بالطفّ ميتا
ترك الصدر رضيضا
لم أمرّضه قتيلاً
لا ولا كان مريضا
* * *
قال ابن عباس : قيل لجرير بن عبد الحميد : إنّ موسى بن عبد الملك كرب قبر الحسين عليه السلام ، وأمر بقطع السدرة .
فقال : اللّه أكبر ، جاء فيه حديث عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال : لعن اللّه قاطع السدرة ، ثلاثا ، وإنّما أراد بذلك تغيير مصرع الحسين عليه السلام حتى لا يقف الناس على تربته(2) .
والخبر مذكور في حلية الأولياء(3) .
ص: 59
أحاديث ابن حبيش التميمي قال سالم : كان بي وجع البطن ، فتعالجت بكلّ دواء فلم أجد فيه عافية ، وخفت على نفسي ، فدخلت على امرأةكوفيّة يقال لها « سلمة » ، فقالت لي : يا سالم ، أعالجك فتبرأ بإذن اللّه ، قلت : نعم .
فسقتني ماءا في قدح ، فسكنت عنّي العلّة وبرأت ، فسألت العجوز بعد أشهر : بماذا داويتني ؟ قالت : بواحد ممّا في هذه السبحة ، قلت : وما فيها ؟ قالت : إنّها من طين قبر الحسين عليه السلام ، فقلت لها : يا رافضية ! داويتني بها ، فخرجت مغضبة ، ورجعت - واللّه - علّتي كأشدّ ما كانت(1) .
أمالي الطوسي : ذكر عند موسى بن عيسى الهاشمي : أنّ الرافضة لتغلو في الحسين عليه السلام حتى أنّهم يتداوون بتربته .
فقال هاشمي : قد كانت بي علّة غليظة عجزت الأطباء عنها ، فأخذت منها فزالت علّتي ، قال : فبقي عندك منها شيئا ؟
فأعطاه قطعة ، فتناول فأدخلها في أسفله !! استهزاءا واستحقارا ، فصاح في وقته : النار النار ، الطشت الطشت .
فجيء بالطشت ، فإذا كبده وطحاله ورئته وفؤاده خرج منه .
ص: 60
فسئل يوحنا النصراني عن صحّته ، فقال : ما لأحد فيها صنع إلاّ اللّه ، ثم إنّه مات وقت السحر ، فكان يوحنا يزور قبر الحسين عليه السلام ، وهو على دينه ، ثم أسلم(1) .
كتاب ابن بطّة ، والنطنزي ، روى أبو عبد الرحمن بن أحمد بن حنبل بإسناده عن الأعمش قال :
أحدث رجل على قبر الحسين عليه السلام ، فأصابه وأهل بيته جنون وجذام وبرص ، وهم يتوارثون الجذام والبرص إلى الساعة(2) .
وروى جماعة من الثقات : أنّه لمّا أمر المتوكّل بحرث قبر الحسين عليه السلام ، وأن يجري الماء عليه من العلقمي ، أتى زيد المجنون وبهلول المجنون إلى كربلاء ، فنظرا إلى القبر ، وإذا هو معلّق بالقدرة في الهواء ، فقال زيد : « يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ » .
وذلك أنّ الحرّاث حرث سبع عشرة مرّة ، والقبر يرجع على حاله ، فلمّا نظر الحرّاث إلى ذلك آمن باللّه ، وحلّ البقر ، فأخبر المتوكّل فأمر بقتله .
ص: 61
أمالي الطوسي بروايات كثيرة :
أنّ المتوكّل بعث إبراهيم الديزج وهارون المغربي في تخريب قبر الحسين عليه السلام وحرث أرضه ، فلمّا أخذ الفعلة في ذلك حيل بينهم وبين القبر ، ورموا بالنشّاب .
فقال الديزج : فارموهم أنتم أيضا ، فرموا ، فعاد كلّ سهم إلى صاحبه فقتله .
فأمرهم بالثيران للحرث ، فلم تجز فضربت حتى تكسرت العصا في أيديهم ، فسوّد اللّه وجه المغربي ، ورأى الديزج في منامه يتفل رسول اللّه صلى الله عليه و آله في وجهه ، فمرض مرض سوء ، وبقى كالمدهوش ، فما أمسى حتى مات(1) .
ثم إنّ المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة عليهاالسلام ، فسأل عالما عن ذلك ، فقال : قد وجب عليه القتل إلاّ أنّ من قتل أباه لم يطل عمره .
فقال : لا أبالي إذا أطعت اللّه بقتله ألاّ يطول في قتله عمري ، وكان جميعذلك في يومين(2) .
ص: 62
وأنشد عبد اللّه بن دانية في ذلك :
تاللّه إن كانت أميّة قد أتت
قتل ابن بنت نبيّها مظلوما
فلقد أتاه بنو أبيه بمثلها
هذا لعمرك قبره مهدوما
أسفوا على أن لا يكونوا شايعوا
في قتله فتتبّعوه رميما(1)
* * *
ص: 63
ص: 64
ص: 65
ص: 66
عمرو بن دينار قال : دخل الحسين عليه السلام على أسامة بن زيد ، وهو مريض ، وهو يقول : وا غمّاه ، فقال له الحسين عليه السلام : وما غمّك يا أخي ؟ قال : ديني ، وهو ستون ألف درهم ، فقال الحسين عليه السلام : هو عليّ ، قال أخشى أن أموت ، فقال الحسين عليه السلام : لن تموت حتى أقضيها عنك ، قال : فقضاها قبل موته .
وكان عليه السلام يقول : شرّ خصال الملوك الجبن من الأعداء ، والقسوة على الضعفاء ، والبخل عند الإعطاء(1) .
وفي كتاب أنس المجلس : إنّ الفرزدق أتى الحسين عليه السلام لمّا أخرجه مروان من المدينة ، فأعطاه عليه السلام أربعمائة دينار ، فقيل له : [ إنّه ] شاعر فاسق مشهر ، فقال عليه السلام : إنّ خير مالك ما وقيت به عرضك(2) .
ص: 67
وقد أصاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله كعب بن زهير ، وقال في عباس بن مرداس : اقطعوا لسانه عنّي .
وقدم أعرابي المدينة ، فسأل عن أكرم الناس بها ، فدلّ علىالحسين
عليه السلام ، فدخل المسجد فوجده مصلّيا ، فوقف بإزائه وأنشأ :
لم يخب الآن من رجاك ومن
حرّك من دون بابك الحلقه
أنت جواد وأنت معتمد
أبوك قد كان قاتل الفسقه
لولا الذي كان من أوائلكم
كانت علينا الجحيم منطبقه
* * *
قال : فسلّم الحسين عليه السلام ، وقال : يا قنبر هل بقي شيء من مال الحجاز ؟ قال : نعم ، أربعة آلاف دينار ، فقال : هاتها ، قد جاء من هو أحقّ بها منّا .
ثم نزع برديه ، ولفّ الدنانير فيها ، وأخرج يده من شقّ الباب حياء من الأعرابي ، وأنشأ :
خذها فإنّي إليك معتذر
واعلم بأنّي عليك ذو شفقه
لو كان في سيرنا الغداة عصا
أمست سمانا عليك مندفقه
لكنّ ريب الزمان ذو غير
والكفّ منّي قليلة النفقه
* * *
ص: 68
قال : فأخذها الأعرابي وبكى(1) ، فقال له : لعلّك استقللت ما أعطيناك ، قال : لا ، ولكن كيف يأكل التراب جودك .
وهو المروي عن الحسن بن علي عليهماالسلام .
شعيب بن عبد الرحمن الخزاعي قال : وجد على ظهر الحسين بن علي عليهماالسلام يوم الطفّ أثر ، فسألوا زين العابدين عليه السلام عن ذلك .
فقال : هذا ممّا كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين .
وقيل : إنّ عبد الرحمن السلمي علّم ولد الحسين عليه السلام الحمد ، فلمّا قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار ، وألف حلّة ، وحشا فاه درّا .
فقيل له في ذلك ، قال : وأين يقع هذا من عطائه ، يعني تعليمه .
وأنشد الحسين عليه السلام :
إذا جادت الدنيا عليك فجد بها
على الناس طرّا قبل أن تتفلّت
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت
ولا البخل يبقيها إذا ما تولّت
ص: 69
ومن تواضعه :
أنّه مرّ بمساكين ، وهم يأكلون كسرا لهم على كساء ، فسلّم عليهم ، فدعوه إلى طعامهم ، فجلس معهم وقال : لولا أنّه صدقه لأكلت معهم .
ثم قال : قوموا إلى منزلي ، فأطعمهم وكساهم ، وأمر لهم بدراهم(1) .
وحدّث الصولي عن الصادق عليه السلام في خبر : أنّه جرى بينه وبين محمد بن الحنفية كلام ، فكتب ابن الحنفية إلى الحسين عليه السلام : أمّا بعد ، يا أخي ، فإنّ أبي وأباك علي ، لا تفضلني فيه ولا أفضلك ، وأمّك فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولو كان من الأرض ذهبا ملك أمّي ما وفت بأمّك ، فإذا قرأت كتابي هذا فصر إليّ حتى تترضّاني ! فإنّك أحقّ بالفضل منّي ، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته .
ففعل الحسين عليه السلام ذلك ، فلم يجر بعد ذلك بينهما شيء(2) .
ص: 70
ومن فصاحته وعلمه عليه السلام :
ما رواه موسى بن عقبة : أنّه أمر معاوية الحسين عليه السلام أن يخطب ، فصعد المنبر ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، وصلّى على النبي صلى الله عليه و آله ، فسمع رجل يقول : من هذا الذي يخطب ؟
فقال عليه السلام : نحن حزب اللّه الغالبون ، وعترة رسول اللّه صلى الله عليه و آله الأقربون ، وأهل بيته الطيبون ، وأحد الثقلين ، الذين جعلنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثاني كتاب اللّه - تعالى - فيه تفصيل كلّ شيء ، « لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ
وَلا مِنْ خَلْفِهِ » ، والمعوّل علينا في تفسيره ، لا يبطينا تأويله ، بل نتبع حقائقه ، فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة ، إذ كانت بطاعة اللّه مقرونة ، قال اللّه تعالى « أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ » وقال : « وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الأَْمْرِ مِنْهُمْ » .
وأحذّركم الإصغاء إلى هتوف الشيطان ، ف-« إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ » ، فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم « لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ » ، فتلقون للسيوف ضربا ، وللرماح وردا ، وللعمد حطما ، وللسهام غرضا ، ثم لا يقبل من نفس « إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ » .
ص: 71
قال معاوية : حسبك أبا عبد اللّه فقد أبلغت(1) .
محاسن البرقي : قال عمرو بن العاص للحسين عليه السلام : يا ابن علي ! ما بالأولادنا أكثر من أولادكم ؟
فقال
عليه السلام :
بغاث الطير(2) أكثرها فراخا
وأمّ الصقر مقلاة نزور
* * *
فقال : ما بال الشيب إلى شواربنا أسرع منه في شواربكم ؟
فقال عليه السلام : إنّ نساءكم نساء بخرة ، فإذا دنا أحدكم من امرأته نكهت في وجهه ، فيشاب منه شاربه .
فقال : ما بال لحاؤكم أوفر من لحائنا ؟
فقال عليه السلام : « وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً » .
فقال معاوية : بحقّي عليك إلاّ سكتّ ، فإنّه ابن علي بن أبي طالب .
فقال
عليه السلام :
إن عادت العقرب عدنا لها
وكانت النعل لها حاضره
قد علم العقرب واستيقنت
أن لها لا دنيا ولا آخره(3)
ص: 72
تفسير الثعلبي : قال الصادق عليه السلام : قال الحسين بن علي عليهماالسلام : إذا صاحالنسر قال : يا ابن آدم ، عش ما شئت آخره الموت .
وإذا صاح الغراب قال : إنّ البعد من الناس أنس .
وإذا صاح القنبر قال : اللّهم العن مبغضي آل محمد صلى الله عليه و آله .
وإذا صاح الخطاف قرأ : « الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » ، ويمدّ « الضّالِّينَ » ، كما يمدّها القاري(1) .
سئل الحسين عليه السلام : لم افترض اللّه - عزّ
وجلّ - على عبيده الصوم ؟
قال : ليجد الغني مسّ الجوع ، فيعود بالفضل على المساكين(2) .
ص: 73
ومن شجاعته عليه السلام :
إنّه كان بين الحسين عليه السلام وبين الوليد بن عقبة منازعة في ضيعة ، فتناول الحسين عليه السلام عمامة الوليد عن رأسه ، وشدّها في عنقه ، وهو يومئذٍ والٍ على المدينة .
فقال مروان : باللّه ما رأيت كاليوم جرأة رجل على أميره ، فقال الوليد : واللّه ، ما قلت هذا غضبا لي ، ولكنّك حسدتني على حلمي عنه !! وإنّما كانت الضيعة له ، فقال الحسين عليه السلام : الضيعة لك يا وليد ، وقام(1) .
وقيل له يوم الطفّ : انزل على حكم بني عمّك .
قال : لا واللّه ، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أفرّ فرار العبيد .
ثم نادى : يا عباد اللّه « إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ »(2) .
وقال : موت في عزّ خير من حياة في ذلّ .
ص: 74
وأنشأ عليه السلام في يوم قتله :
الموت خير من ركوب العار
والعار أولى من دخول النار
واللّه ما هذا وهذا جاري(1)
* * *
قال ابن نباتة :
الحسين الذي رأى القتل في ال-
-عزّ حياة والعيش في الذلّ قتلا
* * *
الحلية : روى محمد بن الحسن : أنّه لمّا نزل القوم بالحسين عليه السلام ، وأيقن أنّهم قاتلوه قال لأصحابه : قد نزل ما ترون من الأمر ، وإنّ الدنيا قد تنكّرت وتغيّرت ، وأدبر معروفها واستمرت حتى لم يبق منها إلاّ كصبابة الإناء ، وإلاّ خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون الحقّ لا يعمل به ، والباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء اللّه ، وإنّي لا أرى الموتإلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برما(2) .
ص: 75
وأنشد لمّا قصد الطفّ متمثّلاً :
سأمضي فما بالموت عار على الفتى
إذا ما نوى خيرا وجاهد مسلما
وواسى الرجال الصالحين بنفسه
وفارق مذموما وخالف مجرما
أقدّم نفسي لا أريد بقاءها
لتلقى خميسا في الهياج عرمرما
فإن عشت لم أذمم وإن متّ لم ألم
كفى بك ذلاًّ أن تعيش فترغما(1)
* * *
ص: 76
ومن زهده عليه السلام :
إنّه قيل : ما أعظم خوفك من ربّك ؟ فقال : لا يأمن يوم القيامة إلاّ من خالف اللّه في الدنيا .
إبانة ابن بطّة : قال عبد اللّه بن عبيد أبو عمير : لقد حجّ الحسين بن علي عليهماالسلام خمسة وعشرين حجّة ماشيا ، وإنّ النجائب تقاد معه(1) .
عيون المجالس : إنّه ساير أنس بن مالك ، فأتى قبر خديجة عليهاالسلام ، فبكى ، ثم قال : اذهب عنّي .
قال أنس : فاستخفيت عنه ، فلمّا طال وقوفه في الصلاة سمعته قائلاً :
ص: 77
يا ربّ يا ربّ أنت مولاه
فارحم عبيدا إليك ملجاه
يا ذا المعالي عليك معتمدي
طوبى لمن كنت أنت مولاه
طوبى لمن كان خائفا أرقا
يشكو إلى ذي الجلال بلواه
وما به علّة ولا سقم
أكثر من حبّه لمولاه
إذا اشتكى بثّه وغصّته
أجابه اللّه ثم لبّاه
[ إذا ابتلى بالظلام مبتهلاً أكرمه اللّه ثم أدناه (1)]
* * *
فنودي :
لبيك لبيك أنت في كنفي
وكلّما قلت قد علمناه
صوتك تشتاقه ملائكتي
فحسبك الصوت قد سمعناه
دعاك عندي يجول في حجب
فحسبك الستر قد سفرناه
لو هبّت الريح في جوانبه
خرّ صريعا لما تغشّاه
سلني بلا رغبة ولا رهب
ولا حساب إنّي أنا اللّه
* * *
وله عليه السلام :
يا أهل لذّة دنيا لا بقاء لها
إنّ اغترارا بظلّ زائل حمق(2)
ص: 78
وقال العبدي :
آل النبي محمد
أهل الفضائل والمناقب
المرشدون من العمى
المنقذون من اللوازب(1)
الصارفون الناطقون
السابقون إلى الرغائب
فولاهم فرض من الرحمن
في القرآنواجب
وهم الصراط فمستقيم
فوقه ناج وناكب
* * *
وقال القاضي الجليس بن حباب المصري :
هم الصائمون القائمون لربّهم
هم الخائفون خشية وتخشّعا
هم القاطعو الليل البهيم تهجّدا
هم العامروه سجّدا فيه ركعا
هم الطيّب الأخيار(2) والخير في الورى
يروقون مرأى أو يشوقون مسمعا
بهم تقبل الأعمال من كلّ عامل
بهم ترفع الطاعات ممّن تطوّعا
هم القائلون الفاعلون تبرّعا
هم العالمون العاملون تورّعا
ص: 79
أبوهم وصيّ المصطفى حاز علمه
وأودعه من قبل ما كان أودعا
* * *
ص: 80
ص: 81
ص: 82
الصادق عليه السلام وابن عباس : أنّه أخبر النبي صلى الله عليه و آله إنّ أمّ أيمن لا تزال تبكي من الليل إلى اليوم ، فأتاها وقال : ما الذي أبكاك ؟ قالت : يا رسول اللّه ، رأيت رؤيا عظيمة شديدة ، فقال صلى الله عليه و آله : تقصّيها على رسول اللّه ، فإنّ اللّه ورسوله أعلم ، قالت : تعظم عليّ أن أتكلّم بها ، فقال : إنّ الرؤيا ليست على ماترى ، فقصّيها على رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فقالت : رأيت في ليلتي هذه كأنّ بعض أعضائك ملقي في بيتي ، فقال : نامت عينك يا أمّ أيمن ، تلد فاطمة الحسين عليهماالسلام تربّيه وتلينه ، فيكون بعض أعضائي في بيتك .
فلمّا كان اليوم السابع من ولادة الحسين عليه السلام أقبلت به إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : مرحبا بالحامل والمحمول ، هذا تأويل رؤياك(1) .
أخرجه القيرواني في التعبير ، وصاحب فضائل الصحابة .
سليم بن قيس عن سلمان الفارسي قال : كان الحسين عليه السلام على فخذ
ص: 83
رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهو يقبّله ويقول : أنت السيّد ابن السيّد أبو السادة ، أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة ، أنت الحجّة ابن الحجّة أبو الحجج ، تسعة من صلبك ، وتاسعهم قائمهم(1) .
ابن عمر : إنّ النبي صلى الله عليه و آله بينما هو يخطب على المنبر إذ خرج الحسين عليه السلام ، فوطأ في ثوبه فسقط وبكى ، فنزل النبي صلى الله عليه و آله عن المنبر فضمّه إليه ، وقال : قاتل اللّه الشيطان ، إنّ الولد لفتنة ، والذي نفسي بيده ما دريت أنّي نزلت عن منبري(2) .
أبو السعادات في فضائل العشرة : قال يزيد بن أبي زياد : خرج النبي صلى الله عليه و آله من بيت عائشة ، فمرّ على بيت فاطمة عليهاالسلام ، فسمع الحسين عليه السلام يبكي ، فقال : ألم تعلمي أنّ بكاءه يؤذيني(3) .
ابن ماجة في السنن ، والزمخشري في الفائق : رأى النبي صلى الله عليه و آلهالحسين عليه السلام
ص: 84
يلعب مع الصبيان في السكّة ، فاستقبل النبي صلى الله عليه و آله أمام القوم ، فبسط إحدى يديه ، فطفق الصبي يفرّ مرّة من هاهنا ، ومرّة من هاهنا ، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله يضاحكه ، ثم أخذه ، فجعل إحدى يديه تحت ذقنه ، والأخرى على أسّ رأسه ، وأقنعه فقبّله ، وقال : أنا من حسين وحسين منّي ، أحبّ اللّه من أحبّ حسينا ، حسين سبط من الأسباط(1) . استقبل أي تقدّم ، وأقنعه أي رفعه(2) .
مناقب لا تعنون(3) !
قال المغيرة بن عبد اللّه : مرّ الحسين عليه السلام ، فقال له أبو ظبيان : ما له قبّحه اللّه ، إن كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليفرج بين رجليه ويقبّل زبيبه(4) .عبد الرحمن أبي ليلى قال : كنّا جلوسا عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ أقبل الحسين عليه السلام ، فجعل ينزو !! على ظهر النبي صلى الله عليه و آله وعلى بطنه ، فبال ! فقال : دعوه .
ص: 85
أبو عبيد في غريب الحديث : أنّه قال صلى الله عليه و آله : لا ترزموا ابني ، أي لا تقطعوا عليه بوله ، ثم دعا بماء فصبّه على بوله(1) .
سنن أبي داود : إنّ الحسين عليه السلام بال في حجر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال لبانة(2) : أعطني إزارك حتى أغسله ، قال : إنّما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر(3) .
أحاديث الليث بن سعد : إنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يصلّي يوما في فئة والحسين عليه السلام صغير بالقرب منه ، وكان النبي صلى الله عليه و آله إذا سجد جاء الحسين عليه السلام ، فركب ظهره ، ثم حرّك رجليه وقال : حل حل ، وإذا أراد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يرفع رأسه أخذه ، فوضعه إلى جانبه ، فإذا سجد عاد على ظهره وقال : حل حل ، فلم يزل يفعل ذلك حتى فرغ النبي صلى الله عليه و آله من صلاته .فقال يهودي : يا محمد ، إنّكم لتفعلون بالصبيان شيئا ما نفعله نحن ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : أما لو كنتم تؤمنون باللّه وبرسوله لرحمتم الصبيان .
قال : فإنّي أؤمن باللّه وبرسوله ، فأسلم لمّا رأى كرمه من عظم قدره(4) .
ص: 86
أمالي الحاكم : قال أبو رافع :
كنت ألاعب الحسين عليه السلام وهو صبي بالمداحي ، فإذا أصابت مدحاتي مدحاته قلت : احملني ، فيقول : أتركب ظهرا حمله رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فاتركه .
فإذا أصابت مدحاته مدحاتي قلت : لا أحملك كما لم تحملني ، فيقول : أما ترضى أن تحمل بدنا حمله رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فاحمله(1)(2) .
المدحاة : لعب الأحجار في الحفيرات .
ابن عباس : سألت هند عائشة أن تسأل النبي صلى الله عليه و آله تعبير رؤيا ، فقال صلى الله عليه و آله : قولي لها فلتقصص رؤياها .فقالت : رأيت كأنّ الشمس قد طلعت من فوقي والقمر قد خرج من مخرجي ، وكأنّ كوكبا قد خرج من القمر أسود ، فشدّ على شمس خرجت من الشمس أصغر من الشمس ، فابتلعها ، فاسودّ الأفق لابتلاعها .
ثم رأيت كواكب بدت من السماء ، وكواكب مسودّة في الأرض إلاّ أنّ المسودّة أحاطت بأفق الأرض من كلّ مكان .
ص: 87
فاكتحلت عين رسول اللّه صلى الله عليه و آله بدموعه ، ثم قال : هي هند ، اخرجي يا عدوّة اللّه - مرّتين - فقد جدّدت عليّ أحزاني ، ونعيت إليّ أحبابي .
فلمّا خرجت قال : اللّهم العنها والعن نسلها .
فسئل عن تعبيرها ، فقال : أمّا الشمس التي طلعت عليها فعلي بن أبي طالب ، والكوكب الذي خرج من القمر أسود فهو معاوية ، مفتون فاسق جاحد للّه ، وتلك الظلمة التي زعمت ورأت كوكبا يخرج من القمر أسود ، فشدّ على شمس خرجت من الشمس أصغر من الشمس فابتلعتها فاسودّت ، فذلك ابني الحسين عليه السلام يقتله ابن معاوية ، فتسودّ الشمس ويظلم الأفق ، وأمّا الكواكب المسودّة في الأرض أحاطت الأرض من كلّ مكان فتلك بنو أميّة .
ويروى للحسين عليه السلام :
سبقت العالمين إلى المعالي
بحسن خليقة وعلو همّه
ولاح بحكمتي نور الهدى في
ليال في الضلالة مدلهمّهيريد الجاحدون ليطفؤه
ويأبى اللّه إلاّ أن يتمّه
* * *
قال البديع الهمداني :
أحبّ النبي وآل النبي
واختص آل أبي طالب
* * *
ص: 88
وقال أحمد بن علي النيسابوري :
حسين بمرضاة ربّي نعمة فيها
أنال من جنّة الفردوس آمالي
* * *
وقال الحيص بيص :
قوم إذا أخذ المديح قصائدا
أخذوه عن طه وعن ياسين
وإذا عصى أمر الممالك خادم
نفذت أوامرهم على جبرين
* * *
وقال آخر :
علي أبو حسن والحسين
رشيدين للراشد المرشد
ومن دنس الرجس قد طهّروا
ففاز الذي بهم يقتدي
* * *
ص: 89
ص: 90
ص: 91
ص: 92
الرضا عن آبائه عليهم السلام قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء ، فلينظر إلى الحسين عليه السلام .
رواه الطبريان في الولاية والمناقب ، والسمعاني في الفضائل بأسانيدهم عن إسماعيل بن رجاء وعمرو بن شعيب :
إنّه مرّ الحسين عليه السلام على عبد اللّه بن عمرو بن العاص ، فقال عبد اللّه : من أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء ، فلينظر إلى هذا المجتاز ، وما كلّمته منذ ليالي صفين .
فأتى به أبو سعيد الخدري إلى الحسين عليه السلام ، فقال الحسين عليه السلام : أتعلم أنّي أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء وتقاتلني وأبي يوم صفين ، واللّه إنّ أبي لخير منّي ، فاستعذر وقال : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لي : أطع أباك .
فقال له الحسين عليه السلام : أما سمعت قول اللّه تعالى : « وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما » ، وقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّما الطاعة في المعروف ، وقوله : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق(1) .
ص: 93
حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان في الصلاة والى جانبه الحسين عليه السلام ، فكبّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم يحر الحسين عليه السلام التكبير ، ثم كبّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم يحر الحسين عليه السلام التكبير .
ولم يزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله يكبّر ، ويعالج الحسين عليه السلام التكبير ولم يحر ، حتى أكمل رسول اللّه صلى الله عليه و آله سبع تكبيرات ، فأحار الحسين عليه السلام التكبير في السابعة .
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : فصارت سنّة(1) .
ابن عباس والصادق عليه السلام : إنّ الحسين عليه السلام لمّا ولد أمر اللّه جبرئيل عليه السلام أن يهبط في ألف من الملائكة فيهنيء رسول اللّه صلى الله عليه و آله من اللّه - تعالى - ومن جبرئيل عليه السلام .
قال : فهبط جبرئيل عليه السلام ، فمرّ على جزيرة في البحر فيها ملك يقال له «فطرس» ، فكان من الحملة ، فبعثه اللّه في شيء فأبطأ عليه ، فكسرجناحه وألقاه في تلك الجزيرة ، فعبد اللّه سبعمائة عام ، حتى ولد الحسين عليه السلام ، فقال الملك لجبرئيل عليه السلام : أين تريد ؟ قال : إنّ اللّه - عزّ وجلّ - أنعم على محمد صلى الله عليه و آله بنعمة ، فبعثت أهنئه من اللّه ومنّي ، فقال : يا جبرئيل عليه السلام احملني معك لعلّ محمدا صلى الله عليه و آله يدعو لي .
ص: 94
قال : فحمله ، فلمّا دخل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه و آله هنّأه من اللّه ومنه ، وأخبره بحال فطرس ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : قل له يتمسّح بهذا المولود وعد إلى مكانك .
قال : فتمسّح فطرس بالحسين عليه السلام وارتفع ، فقال : يا رسول اللّه ، أما إنّ أمّتك ستقتله ، وله عليّ مكافأة ، لا يزوره زائر إلاّ أبلغته عنه ، ولا يسلّم مسلّم إلاّ أبلغته سلامه ، ولا يصلّي عليه مصلّ إلاّ أبلغته صلاته ، ثم ارتفع(1) .
قال ابن عباس : فالملك ليس يعرف في الجنّة إلاّ بأن يقال : « هذا مولى الحسين بن علي(2) عليهماالسلام » .
وقد ذكر الطوسي في المصباح رواية عن القاسم بن العلاء الهمداني حديث فطرس الملك في الدعاء(3) .وفي المسألة الباهرة في تفضيل الزهراء الطاهرة عن أبي محمد الحسن بن الطاهر القايني الهاشمي :
إنّ اللّه - تعالى - كان خيّره من عذابه في الدنيا أو في الآخرة ، فاختار عذاب الدنيا ، وكان معلّقا بأشفار عينيه في جزيرة في البحر ، لا يمرّ به حيوان ، وتحته دخان منتن غير منقطع .
ص: 95
فلمّا أحسّ الملائكة نازلين سأل من مرّ به منهم عمّا أوجب لهم ذلك ، فقال : ولد للحاشر الأمّي أحمد من بنته ووصيّه ولد يكون منه أئمة الهدى إلى يوم القيامة ، فسأل من أخبره أنّه يهنيء رسول اللّه صلى الله عليه و آله بتلك عنه ، ويعلمه بحاله .
فلمّا علم النبي صلى الله عليه و آله بذلك سأل اللّه - تعالى - أن يعتقه للحسين عليه السلام ، ففعل سبحانه ، فحضر فطرس وهنّأ النبي صلى الله عليه و آله ، وعرج إلى موضعه ، وهو يقول : من مثلي وأنا عتاقة الحسين(1) بن علي وفاطمة وجدّه أحمد الحاشر .
قال : وجاء الحديث : أنّ جبرئيل عليه السلام نزل يوما ، فوجد الزهراء عليهاالسلام
نائمة ، والحسين عليه السلام قلقا على عادة الأطفال مع أمّهاتهم ، فقعد جبرئيل يلهيه عن البكاء حتى استيقظت ، فأعلمها رسول اللّه صلى الله عليه و آله بذلك .
الطبري طاوس اليماني عن ابن عباس : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : رأيت في الجنّة قصرا من درّة بيضاء ، لا صدع فيها ولا وصل ، فقلت : حبيبي جبرئيل ، لمن هذا القصر ؟
قال : للحسين عليه السلام ابنك .
ص: 96
ثم تقدّمت أمامه ، فإذا أنا بتفاح ، فأخذت تفاحة ففلقتها ، فخرجت منها حوراء كأنّ مقاديم النسور أشفار عينيها ، فقلت : لمن أنت ؟ فبكت ثم قالت : لابنك الحسين عليه السلام .
وروي عن الحسين بن علي عليهماالسلام أنّه قال : صحّ عندي(1) ! قول النبي صلى الله عليه و آله أفضل الأعمال بعد الصلاة إدخال السرور في قلب المؤمن بما لا إثم فيه ، فإنّي رأيت غلاما يواكل كلبا ، فقلت له في ذلك ، فقال : يا ابن رسول اللّه ، إنّي مغموم أطلب سرورا بسروره ، لأنّ صاحبي يهودي أريد أفارقه .
فأتى الحسين عليه السلام إلى صاحبه بمائتي دينار ثمنا له ، فقال اليهودي : الغلام فدى لخطاك ، وهذا البستان له ، ورددت عليك المال ، فقال عليه السلام : وأنا قد وهبت لك المال ، فقال : قبلت المال ووهبته للغلام ، فقال الحسين عليه السلام : أعتقت الغلام ووهبته له جميعا ، فقالت امرأته : قد أسلمت ووهبتزوجي مهري ، فقال اليهودي : وأنا أيضا أسلمت وأعطيتها هذه الدار .
الترمذي في الجامع : كان ابن زياد يدخل قضيبا في أنف الحسين عليه السلام ،
ص: 97
ويقول : ما رأيت مثل هذا الرأس حسنا ، فقال أنس : إنّه أشبههم برسول اللّه (1) .
وروي : أنّ الحسين عليه السلام كان يقعد في المكان المظلم فيهتدى إليه ببياض جبينه ونحره(2) .
أبو عيسى في جامعه ، وأبو نعيم في حليته ، والسمعاني في فضائله ، وابن بطّة في إبانته عن أبي نعيم :
إنّه سأل رجل ابن عمر عن دم البعوض ، فقال : انظروا إلى هذا سألني عن دم البعوض ! وقد قتلوا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ! وسمعته يقول : الحسن والحسين هما ريحانتاي في الدنيا(3) .
أبو حمزة بن عمران قال : ذكرت خروج الحسين عليه السلام وتخلّف ابن الحنفية عنه ، فقال الصادق عليه السلام : يا أبا حمزة ، أقول لك ما يغنيك سؤاله :
ص: 98
إنّ الحسين عليه السلام لمّا انصرف من مكة دعا بكاغد وكتب :
بسم اللّه الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي إلى بني هاشم ، أمّا بعد : فإنّه من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلّف لم يدرك الفتح ، والسلام(1) .
قال ابن حماد :
شربت من ماء الولا شربة
فأورثتني النسك قبل الفطام
ولاح نجم السعد في طالعي
إذ صرت مولى لأناس كرام
لآل ياسين الذين حبّهم
ينجو به المؤمن يوم الخصام
فمثل مولاي الحسين الذي
بالطفّ مدفون عليه السلام
ابن علي بن أبي طالب
سبط رسول اللّه خير الأنام
من شرّف اللّه به مكة
وزمزما والبيت بيت الحرام
من ظهر الإسلام طفلاً به
وطهّر الكفر بحدّ الحسام
هذا ابن من قد كان من ربّه
كقاب قوسين بغير احتشام
هذا ابن من آثر في قوته
وبات بالأهل ثلاثا صيام
هذا ابن من ساد بني هاشم
إذا ظلّلته في الفلاة الغمام
هذا شهيد الطفّ هذا الذي
حبّي له يمحو جميع الآثام
هذا الإمام ابن الإمام الذي
منه لنا في كلّ عصر إمام
هذا الذي زائره كالذي
حجّ إلى الكعبة في كلّ عام
* * *
ص: 99
ص: 100
ص: 101
ص: 102
ولد الحسين عليه السلام عام الخندق في المدينة ، يوم الخميس أو يوم الثلاثاء ، لخمس خلون من شعبان ، سنة أربع من الهجرة ، بعد أخيه بعشرة أشهروعشرين يوما(1) .
وروي : أنّه لم يكن بينه وبين أخيه إلاّ الحمل ، والحمل ستّة أشهر(2) .
عاش مع جدّه ستّة سنين وأشهرا ، وقد كمل عمره خمسين .
ويقال : كان عمره سبعا وخمسين سنة وخمسة أشهر .
ويقال : ثمان وخمسون .
ومدّة خلافته خمس سنين وأشهر ، في آخر ملك معاوية ، وأوّل ملك يزيد(3) .
قتله(4) عمر بن سعد بن أبي وقاص ، وخولي بن يزيد الأصبحي ، واحتزّ رأسه سنان بن أنس النخعي ، وشمر بن ذي الجوشن .
ص: 103
وسلب جميع ما كان عليه إسحاق بن حياة الحضرمي .
وأمير الجيش عبيد اللّه بن زياد ، وجّه به يزيد بن معاوية .
ومضى قتيلاً يوم عاشوراء ، وهو يوم السبت ، العاشر من المحرم قبل الزوال - ويقال : يوم الجمعة ، بعد صلاة الظهر . وقيل : يوم الإثنين - بطفّ كربلاء بين نينوى والغاضرية(1) . من قرى النهرين بالعراق ، سنة ستّين من الهجرة ، ويقال : سنة إحدى وستّين
ص: 104
ص: 105
ص: 106
ودفن بكربلاء من غربي الفرات .
قال الشيخ المفيد : فأمّا أصحاب الحسين عليه السلام ، فإنّهم مدفونون حوله ، ولسنا نحصل لهم أجداثا ، والحائر محيط بهم(1) .
ص: 107
وذكر المرتضى في بعض مسائله : أنّ رأس الحسين عليه السلام ردّ إلى بدنه بكربلاء من الشام ، وضمّ إليه(1) .
وقال الطوسي : ومنه زيارة الأربعين(2) .
وروى الكلبي(3) في ذلك روايتين :
إحداهما : عن أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام : أنّه مدفون بجنب أمير المؤمنين(4) عليه السلام .
والأخرى : عن يزيد بن عمرو بن طلحة عن الصادق : أنّه مدفون بظهر الكوفة دون قبر أمير المؤمنين(5) عليه السلام .
وأسعد الشامي .
عمرو بن ضبيعة(1) .
رميث بن عمرو .
زيد بن معقل .
عبد اللّه بن عبد ربّه الخزرجي .
سيف بن مالك(2) .شبيب بن عبد اللّه النهشلي(3) .
ص: 111
ضرغامة بن مالك(1) .
عقبة بن سمعان(2) .
عبد اللّه بن سليمان .
المنهال بن عمرو الأسدي !
الحجاج بن مالك .
بشر بن غالب .
عمران بن عبد اللّه الخزاعي .
وكنيته : أبو عبد اللّه (1) ، والخاص : أبو علي(2) .
وألقابه : الشهيد ، السعيد ، والسبط الثاني ، والإمام الثالث ، والمبارك ، والتابع لمرضاة اللّه .
المتحقّق بصفات اللّه ، والدليل على ذات اللّه ، أفضل ثقات اللّه ، المشغول ليلاً ونهارا بطاعة اللّه ، الشاري نفسه للّه (3) .
الناصر لأولياء اللّه ، المنتقم من أعداء اللّه .
الإمام المظلوم ، الأسير المحروم ، الشهيد المرحوم ، القتيل المرجوم .
الإمام الشهيد ، الوليّ الرشيد ، الوصيّ السديد ، الطريد الفريد ، البطلالشديد ، الطيب الوفي .
الإمام الرضي ، ذو النسب العلي ، المنفق الملي ، أبو عبد اللّه الحسين بن علي عليهماالسلام .
منبع الأئمة ، شافع الأمّة ، سيّد شاب أهل الجنّة ، وعبرة كلّ مؤمن ومؤمنة .
ص: 113
صاحب المحنة الكبرى ، والواقعة العظمى ، وعبرة المؤمنين في دار البلوى .
وكان بالإمامة أحقّ وأولى ، المقتول بكربلا ، ثاني السيّد الحصور يحيى ابن النبي الشهيد زكريا ، الحسين بن علي المرتضى عليهم السلام .
زين المجتهدين ، وسراج المتوكّلين ، مفخر أئمة المهتدين ، وبضعة كبد سيّد المرسلين صلى الله عليه و آله .
نور العترة الفاطمية ، وسراج الأنساب العلوية ، وشرف غرس الأحساب الرضوية ، المقتول بأيدي شرّ البريّة ، سبط الأسباط ، وطالب الثار يوم الصراط .
أكرم العتر ، وأجلّ الأسر ، وأثمر الشجر ، وأزهر البدر ، معظّم مكرّم موقّر ، منظّف مطهّر .
أكبر الخلائق في زمانه ! في النفس ، وأعزّهم في الجنس ، أذكاهم في العرف ، وأوفاهم في العرف ، أطيب العرق ، وأجمل الخلق ، وأحسن الخلق .
قطعة النور ، ولقلب النبي صلى الله عليه و آله سرور ، المنزّه عن الإفك والزور ، على تحمل المحن والأذى صبور ، مع القلب المشروح حسور .مجتبى الملك الغالب ، الحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
وقال أبو الفضل الهمداني : من أبوه الرسول ، وأمّه البتول ، وشاهده
ص: 114
التوراة والإنجيل ، وناصره التأويل والتنزيل ، والمبشّر به جبرئيل وميكائيل ، غذته كفّ الحقّ ، ورُبّي في حجر الإسلام ، ورضع من ثدي الإيمان .
وأنشأ
عليه السلام يوم الطفّ :
كفر القوم وقدما رغبوا
عن ثواب اللّه ربّ الثقلين
قتلوا قدما عليا وابنه
الحسن الخير الكريم الطرفين
حنقا منهم وقالوا اجمعوا
نفتك الآن جميعا بالحسين
يا لقوم من أناس رذّل
جمعوا الجمع لأهل الحرمين
ثم ساروا وتواصوا كلّهم
باحتياجي لرضاء الملحدين
لم يخافوا اللّه في سفك دمي
لعبيد اللّه نسل الكافرين
وابن سعد قد رماني عنوة
بجنود كوكوف الهاطلين
لا لشيء كان منّي قبل ذا
غير فخري بضياء الفرقدين
بعلي الخير من بعد النبي
والنبي القرشي الوالدين
خيرة اللّه من الخلق أبي
ثم أمّي فأنا ابن الخيرتين
فضّة قد خلصت من ذهب
فأنا الفضّة وابن الذهبين
فاطم الزهراء أمّي وأبي
وارث الرسل ومولى الثقلين
طحن الأبطال لمّا برزوا
يوم بدر وبأحد وحنين
وله في يوم أحد وقعة
شفت الغلّ بفضّ العسكرين
ص: 115
ثم بالأحزاب والفتح معا
كان فيها حتف أهل القبلتين
وأخو خيبر إذا بارزهم
بحسام صارم ذي شفرتين
منفي الصفين عن سيف له
وكذا أفعاله في القبلتين
والذي أردى جيوشا أقبلوا
يطلبون الوتر في يوم حنين
في سبيل اللّه ماذا صنعت
أمّة السوء معا بالعترتين
عترة البرّ التقيّ المصطفى
وعلي القرم يوم الجحفلين
من له عمّ كعمّي جعفر
وهب اللّه له أجنحتين
من له جدّ كجدّي في الورى
وكشيخي فأنا ابن العلمين
والدي شمس وأمّي قمر
فأنا الكواكب وابن القمرين
جدّي المرسل مصباح الهدى
وأبي الموفي له بالبيعتين
بطل قرم هزبر ضيغم
ماجد سمح قويّ الساعدين
عروة الدين علي ذاكم
صاحب الحوض مصلّي القبلتين
مع رسول اللّه سبعا كاملاً
ما على الأرض مصلّ غير ذين
ترك الأوثان لم يسجد لها
مع قريش مذ نشا طرفة عين
عبد اللّه غلاما يافعا
وقريش يعبدون الوثنين
يعبدون اللاّت والعزّى معا
وعلي قائم بالحسنيين
وأبي كان هزبرا ضيغما
يأخذ الرمح فيطعن طعنتين
كتمشي الأسد بغيا فسقوا
كأس حتف من نجيع الحنظلين(1)
ص: 116
ثم استوى عليه السلام على فرسه وقال :
أنا ابن علي الخير من آل هاشم
كفاني بهذا مفخرا حين أفخر
وجدّي رسول اللّه أكرم خلقه
ونحن سراج اللّه في الأرض يزهر
وفاطم أمّي من سلالة أحمد
وعمّي يدعى ذا الجناحين جعفر
وفينا كتاب اللّه أنزل صادقا
وفينا الهدى والوحي بالخير يذكر
ونحن أمان اللّه للخلق كلّهم
نسرّ بهذا في الأنام ونجهر
ونحن ولاة الحوض نسقي وليّنا
بكأس رسول اللّه ما ليس ينكر
وشيعتنا في الناس أكرم شيعة
ومبغضنا يوم القيامة يخسر(1)
* * *
ص: 117
ص: 118
ص: 119
ص: 120
تاريخ بغداد ، وخراسان ، والإبانة ، والفردوس ، قال ابن عباس :
أوحى اللّه - تعالى - إلى محمد صلى الله عليه و آله : إنّي قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا ، وأقتل بابن بنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا(1) .
الصادق عليه السلام : قتل بالحسين عليه السلام مائة ألف وما طلب بثأره ، وسيطلب
بثأره(2) .
تفسير النقّاش بإسناده عن سفيان الثوري عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال :
كنت عند النبي صلى الله عليه و آله ، وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم ، وعلى فخذهالأيمن الحسين بن علي عليهماالسلام ، وهو تارة يقبّل هذا ، وتارة يقبّل هذا ، إذ هبط جبرئيل عليه السلام بوحي من ربّ العالمين .
ص: 121
فلمّا سرى عنه ، قال : أتاني جبرئيل عليه السلام من ربّي فقال : يا محمد ، إنّ ربّك يقرأ عليك السلام ويقول : لست أجمعهما ، فأفد أحدهما بصاحبه .
فنظر النبي صلى الله عليه و آله إلى إبراهيم ، فبكى وقال : إنّ إبراهيم أمّه أمة ، ومتى مات لم يحزن عليه غيري ، وأمّ الحسين فاطمة عليهماالسلام ، وأبوه علي ابن عمّي ، لحمي ودمي ، ومتى مات حزنت ابنتي ، وحزن ابن عمّي ، وحزنت أنا عليه ، وأنا أوثر حزني على حزنهما ، يا جبرئيل يقبض إبراهيم ، فديته بالحسين عليه السلام .
قال : فقبض بعد ثلاث ، فكان النبي صلى الله عليه و آله إذا رأى الحسين عليه السلام مقبلاً قبّله وضمّه إلى صدره ، ورشف ثناياه وقال : فديت من فديته بابني إبراهيم(1) .
يقال : دخل الحسين عليه السلام على معاوية وعنده أعرابي يسأله حاجة ، فأمسك وتشاغل بالحسين عليه السلام ، فقال الأعرابي لبعض من حضر : من هذا الذي دخل ؟ قالوا : الحسين بن علي عليهماالسلام ، فقال الأعرابي للحسين عليه السلام : يا ابن بنت رسول اللّه ، لما كلّمته حاجتي .
فكلّمه الحسين عليه السلام في ذلك ، فقضى حاجته ، فقال الأعرابي :أتيت العبشمي فلم يجد لي
إلى أن هزّه ابن الرسول
هو ابن المصطفى كرما وجودا
ومن بطن المطهّرة البتول
وإنّ لهاشم فضلاً عليكم
كما فضل الربيع على المحول
ص: 122
فقال معاوية : يا أعرابي أعطيك وتمدحه ؟ فقال الأعرابي : يا معاوية ، أعطيتني من حقّه ، وقضيت حاجتي بقوله .
العقد عن الأندلسي : دعا معاوية مروان بن الحكم ، فقال له : أشر عليّ في الحسين عليه السلام ، فقال : أرى أن تخرجه معك إلى الشام ، وتقطعه عن أهل العراق وتقطعهم عنه ، فقال : أردت - واللّه - أن تستريح منه وتبتليني به ، فإن صبرت عليه صبرت على ما أكره ، وإن أسأت إليه قطعت رحمه .
فأقامه وبعث إلى سعيد بن العاص ، فقال له : يا أبا عثمان ، أشر عليّ في الحسين عليه السلام ، فقال : إنّك - واللّه - ما تخاف الحسين إلاّ على من بعدك ، وإنّك لتخلّف له قرنا ، إن صارعه ليصرعنّه ، وإن سابقه ليسبقنّه ، فذر الحسين بمنبت النخلة يشرب الماء ، ويصعد في الهواء ، ولا يبلغ إلى السماء(1) .
ص: 123
ومن مناقبه عليه السلام :
ما ظهر من المشاهد التي يقال لها « مشهد الرأس » من كربلا إلى عسقلان ، وما بينهما في الموصلان ، ونصيبين ، وحماة ، وحمص ، ودمشق ، وغير ذلك .
والخبر المشهور عن النبي صلى الله عليه و آله : شفاء أمّتي في تربتك ، والأئمة من ذرّيتك .
ويروى : الشفاء في تربته ، والإجابة تحت قبته ، والأئمة من ذرّيته(1) .
قال الشعبي في حديثه : قال ذكوان مولى الحسين عليه السلام عند معاوية :
فيم الكلام لسابق في غاية
والناس بين مقصّر ومبلّد
ص: 124
إنّ الذي يجري ليدرك شاؤه
في غاية تنمى لغير مسدّد
بل كيف يدرك نور بدر ساطع
خير الأنام وفرع آل محمد(1)* * *
ومن عجائبه :
ما بقي مأتمه في البلاد كلّها ، لأنّه آخر أهل العباء ، وأشنع قتيل في الدنيا .
قال المرتضى :
مصيبة قدم الأزمان يوقدها
والماضيات من الأيام تذكيها
* * *
وقال الشريف ابن الرضا :
يا حسين بن فاطم بن علي
أنت سبط الرسول ذو الأنساب
يا إمامي ومرشدي ووليي
ومغيثي على الأمور الصعاب
* * *
وقال الصاحب :
أواليكم يا أهل بيت محمد
فكلّكم للعلم والدين فرقد
وأترك من ناواكم وهو هتكة
ينادى عليه مولد ليس يحمد
* * *
ص: 125
وقال علم الهدى :
يا حجّة اللّه كم تلقى حقوقكم
تدنون منها وأيدي البغي تقصيها
وكم سروحكم في أرض مضبعة
فلا السيوف ولا الأرماح تحميها
وكم غروسكم تروى بناءكم
عنها وأيدي العوادي النكد تجنيها
وكم دياركم منكم مفرّغة
وغيركم من أعادي الدين يأويها
وكم أكابد فيكم ثقل مؤلمة
بالأمن والخوف أبديها وأخفيها
حتى مضى ثاركم لا طالبين له
وناركم نام عنها الدهر مذكيها
حتى متى أنتم لحم على وضم(1)
ومضغة بيد ترمى إلى فيها
حتى متى تخفض الغاوون ذروتكم
واللّه يرفعها عمدا ويعليها
ص: 126
حتى متى تهدم الأقوام هضبتكم
واللّه في كلّ يوم جاء يبنيها
* * *
وقال كشاجم :
يا عترة حبّهم يدين به
صالح هذا الورى وطالحه
مغالق الشمّ أنتم يا بني
أحمد إذ غيركم مفاتحه
طبتم فإن مرّ ذكركم عرضا
فاح بدار الجنان فائحه
أكاتم الحزن في محبّتكم
والحبّ يعبأ به مكادحه
* * *
ص: 127
ص: 128
ص: 129
ص: 130
تفسير أبي يوسف بن يعقوب بن سفيان ، وتفسير يوسف بن موسى القطان عن عمرو بن حمران عن سعيد بن أبي المليح عن ميمون بن مهران في قوله تعالى : « وَلا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ » قال : هذاوعيد من اللّه لظلمة أهل بيت محمد عليهم السلام ، وتعزية للمظلوم(1) .
وفي أثر ابن عباس : رأى النبي صلى الله عليه و آله في منامه بعد قتل الحسين عليه السلام ، وهو مغبرّ الوجه ، حافي القدمين ، باكي العينين ، وقد ضمّ حجز قميصه إلى نفسه ، وهو يقرأ هذه الآية ، وقال : إنّي مضيت إلى كربلاء ، والتقطت دم الحسين عليه السلام من الأرض ، وهو ذا في حجري ، وأنا ماض أخاصمهم بين يدي ربّي(2) .
الباقر عليه السلام في قوله تعالى : «وَإِذَا الْمَوْؤدَةُ سُئِلَتْ » ، يقول : يسألكم
ص: 131
عن الموؤودة التي أنزل عليكم فضلها « مودّة ذي القربى » ، وحقّنا الواجب على الناس ، وحبّنا الواجب على الخلق ، قتلوا مودّتنا ! بأيّ ذنب قتلونا(1) ؟! .
سأل إسحاق الأحمر الحجّة عليه السلام عن قول اللّه تعالى «كهيعص» ، فقال :هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع اللّه عليه عبده زكريا ، ثم قصّها على محمد صلى الله عليه و آله ، وذلك أنّ زكريا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة ، فأهبط عليه جبرئيل عليه السلام ، وعلّمه إياها ، وكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام سرى عنه همّه ، وانجلى كربه ، وإذا ذكر الحسين عليه السلام غلبته العبرة ، ووقعت عليه الزفرة .
فقال ذات يوم : إلهي إذا ذكرت أربعا منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي ، وإذا ذكرت الحسين عليه السلام تدمع عيني ، وتثور زفرتي ؟ !
فأنبأه اللّه في قصّته فقال : « كهيعص » ، فالكاف اسم كربلاء ، والهاء هلاك العترة ، والياء يزيد ، وهو ظالم للحسين عليه السلام ، والعين عطشه ، والصاد صبره .
فلمّا سمع ذلك زكريا عليه السلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ، ومنع الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب ويقول : إلهي ، أتفجع خير خلقك بولده ؟ !
ص: 132
إلهي أتنزل الرزيّة بفنائه ؟ !
إلهي أتلبس عليا وفاطمة عليهماالسلام ثياب هذه المصيبة ؟ !
إلهي أتحلّ هذه الفجيعة بساحتهما !
ثم كان يقول : اللّهم ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر ، واجعله وارثا رضيّا يوازي محلّه منّي الحسين عليه السلام ، فإذا رزقتنيه فافتني بحبّه ، ثم افجعني به كما تفجع محمدا صلى الله عليه و آله حبيبك بولده ، فرزقه يحيى عليه السلام وفجعه به .
وكان حمل يحيى عليه السلام ستّة أشهر ، وحمل الحسين عليه السلام ستّة أشهر .
وذبح يحيى عليه السلام كما ذبح الحسين عليه السلام .
ولم تبك السماء والأرض إلاّ عليهما(1) . . الخبر .
علي بن الحسين عليهماالسلام ، قال : خرجنا مع الحسين عليه السلام ، فما نزل منزلاً ، ولا ارتحل عنه ، إلاّ وذكر يحيى بن زكريا عليهماالسلام .
وقال يوما : من هوان الدنيا على اللّه أنّ رأس يحيى عليه السلام أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل(2) .
وفي حديث مقاتل عن زين العابدين عليه السلام : إنّ امرأة ملك بني إسرائيل
ص: 133
كبرت ، وأرادت أن تزوّج بنتها منه للملك ، فاستشار الملك يحيى بن زكريا ، فنهاه عن ذلك ، فعرفت المرأة ذلك وزيّنت بنتها وبعثتها إلى الملك .
فذهبت ولعبت بين يديه ، فقال لها الملك : ما حاجتك ؟ قالت : رأس يحيى بن زكريا !
فقال الملك : يا بنية حاجة غير هذه ، قالت : ما أريد غيره .
وكان الملك إذا كذب فيهم عزل عن ملكه ، فخيّر بين ملكه وبين قتليحيى
عليه السلام ، فقتله ، ثم بعث برأسه إليها في طشت من ذهب ، فأمرت الأرض فأخذتها ، وسلّط اللّه عليهم بخت نصر ، فجعل يرمي عليهم بالمجانيق ، ولا تعمل شيئا .
فخرجت عليه عجوز من المدينة ، فقالت : أيّها الملك ، إنّ هذه مدينة الأنبياء لا تنفتح إلاّ بما أدلّك عليه .
قال : لك ما سألت ، قالت : ارمها بالخبث والعذرة ، ففعل فتقطّعت فدخلها .
فقال : عليّ بالعجوز ، فقال لها : ما حاجتك ؟ قالت : في المدينة دم يغلي ، فاقتل عليه حتى يسكن ، فقتل عليه سبعين ألفا حتى سكن(1) .
يا ولدي - يا علي - واللّه لا يسكن دمي حتى يبعث المهدي اللّه ، فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفا .
ص: 134
وقال بعض المفسرين في قوله : « وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ » .. الآيات ، إنّه إسماعيل بن حزقيل ، لأنّ إسماعيل بن إبراهيم مات قبل أبيه ، بعثه اللّه إلى قومه ، فسلخوا جلدة وجهه وفروة رأسه ، فخيّره اللّه في ما شاء من عذابهم ، فاستعفاه ورضى بثوابه ، وفوّض أمرهم إلى اللّه (1) .وقد رواه أصحابنا عن الصادق عليه السلام قال في آخره : أتاه ملك من ربّه يقرأه السلام ويقول : قد رأيت ما صنع بك ، فمرني بما شئت ، فقال : يكون لي بالحسين عليه السلام أسوة(2) .
الصادق عليه السلام : دخل الحسين عليه السلام على أخيه الحسن عليه السلام يوما ، فلمّا نظر إليه بكى ، فقال له الحسن عليه السلام : ما يبكيك يا أبا عبد اللّه ؟ قال : أبكي لما يصنع بك .
فقال له الحسن عليه السلام : إنّ الذي يؤتي إليّ بسمّ يدسّ(3) إليّ ، فأقتل به ، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد اللّه ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنّهم أمّة جدّك محمد صلى الله عليه و آله ، وينتحلون دين الإسلام ، فيجتمعون
ص: 135
على قتلك وسفك دمك ، وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، وانتهاب ثقلك ، فعندها تحلّ ببني أميّة اللعنة ، وتمطر السماء دما ورمادا ، ويبكي عليك كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار(1) .
النبي صلى الله عليه و آله : بيني وبين قاتل الحسين عليه السلام خصومة يوم القيامة ، آخذ ساق العرش بيدي ، ويأخذ علي عليه السلام بحجزتي ، وتأخذ فاطمة بحجزة علي عليهماالسلام
ومعها قميص ، فأقول : يا ربّ ، انصفني في قتله الحسين عليه السلام .
الرضا عليه السلام : إنّ المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون القتال فيه ، فاستحلت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبيت فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهب ما فيها من ثقلنا ، ولم يترك لرسول اللّه صلى الله عليه و آله حرمة في أمرنا .
إنّ يوم الحسين عليه السلام أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلّ عزيزنا ، أرض(2) كرب وبلا أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام(3) .
ص: 136
قال الحميري :
كربلا يا دار كرب وبلا
وبها سبط النبي قد قتلا
* * *
وله أيضا :
في حرام من الشهور أحلّت
حرمة اللّه والحرام حرام
* * *
الرضا عليه السلام : من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى اللّه حوائجه في الدنيا والآخرة .
ومن كان يوم عاشوراء مصيبته وحزنه وبكاؤه جعل اللّه يوم القيامة فرحه وسروره ، وقرّت في الجنان عينه .
ومن سمّى يوم عاشوراء يوم بركة ، وادّخر فيه لمنزله شيئا لم يبارك له ، وحشره يوم القيامة مع يزيد وعبيد اللّه بن زياد وعمر بن سعد إلى أسفل درك من النار(1) .
وشرب الصادق عليه السلام ، وقد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه ، وقال : لعن اللّه قاتل الحسين عليه السلام .
ص: 137
ثم قال بعد كلام : وما من عبد شرب الماء فذكر الحسين عليه السلام ولعن قاتله إلاّ كتب اللّه له مائة ألف حسنة ، ورفع له مائة درجة ، وكان كأنّما أعتق مائة ألف نسمة ، ومحا عنه مائة ألف سيئة ، وحشره يوم القيامة أبلجالوجه(1) .
الحسين عليه السلام : أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلاّ استعبر(2) .
قال المرتضى :
أأسقى نمير الماء ثم يلذّ لي
ووردكم آل الرسول خلاة
تذادون عن ماء الفرات وكارع
به إبل للغادرين وشاة
* * *
وقال العوني :
وا حزنا للحسين منجدلاً
عار بذيل التراب ملتحف
عطشان يرنو إلى الفرات ظما
وماؤها بالأكفّ يغترف
تشرع فيه كلاب عسكره
وابن علي عليه يلتهف
* * *
ص: 138
التهذيب قال الصادق عليه السلام : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله كثيرا ما يتفل في أفواه الأطفال المراضع من ولد فاطمة عليهاالسلام من ريقه ، ويقول : لا تطعمهم شيئا إلى الليل ، وكانوا يروون من ريق رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وهذه نبذ اخترناها ممّا صنفه أبو جعفر ابن بابويه ، والسيد الجرجاني ، وابن مهدي المامطيري ، وعبد اللّه بن أحمد بن حنبل ، وشاكر بن غنمة ، وأبو الفضل الهاشمي وغيرهم .
روي : أنّه لمّا مات الحسن بن علي عليهماالسلام استدعي الحسين عليه السلام في خلع معاوية ، فقال : إنّ بيني وبين معاوية عهدا لا يجوز نقضه(1) .
فلمّا قربت وفاة معاوية قال لابنه يزيد : لا ينازعك في هذا الأمر إلاّ أربعة :الحسين بن علي عليهماالسلام، وعبد اللّه بن عمر، وعبداللّه بن الزبير، وعبدالرحمن بن أبي بكر .
فأمّا ابن عمر ، فإنّه زاهد !! ويبايعك إذا لم يبق أحد غيره .
وأمّا ابن أبي بكر ، فإنّه مولع بالنساء واللّهو .
وأمّا ابن الزبير ، فإنّه يراوغك روغان الثعلب ، ويجثم عليك جثوم الأسد ، فإن قدرت عليه فقطّعه إربا إربا .
ص: 140
وأمّا الحسين عليه السلام ، فإنّ أهل العراق لن يدعوه حتى يخرجوه ، فإن قدرت عليه ، فاصفح عنه ، فإنّ له رحما ماسّة ، وحقّا عظيما(1) !!
قال : فلمّا مات معاوية كتب يزيد إلى الوليد بن عقبة بن أبي سفيان بالمدينة يأخذ البيعة من هؤلاء الأربعة أخذا ضيّقا ليست فيه رخصة(2) ، فمن تأبّى عليك منهم فاضرب عنقه ، وابعث إليّ برأسه(3) .
فأحضر الوليد مروان وشاوره في ذلك ، فقال : الرأي أن تحضرهم ، وتأخذ منهم البيعة قبل أن يعلموا .فوجه في طلبهم وكانوا عند التربة ، فقال عبد الرحمن وعبد اللّه : ندخل دورنا ، ونغلق أبوابنا .
وقال ابن الزبير : واللّه ما أبايع يزيدا أبدا(4) .
وقال الحسين بن علي عليهماالسلام : أنا لابد لي من الدخول على الوليد وأنظر ما يقول .
ص: 141
ثم قال لمن حوله من أهل بيته : إذا أنا دخلت على الوليد وخاطبته وخاطبني ، وناظرته وناظرني ، كونوا على الباب ، فإذا سمعتم الصيحة قد علت ، والأصوات قد ارتفعت ، فاهجموا إلى الدار ، ولا تقتلوا أحدا ، ولا تثيروا الفتنة .
فلمّا دخل عليه وقرأ الكتاب ، قال : ما كانت أبايع ليزيد ، فقال مروان : بايع لأمير المؤمنين ، فقال الحسين عليه السلام : كذبت - ويلك - على المؤمنين من أمّره عليهم ؟
فقام مروان وجرّد سيفه وقال : مر سيّافك أن يضرب عنقه قبل أن يخرج من الدار ، ودمه في عنقي .
وارتفعت الصيحة ، فهجم تسعة عشر رجلاً من أهل بيته ، وقد انتضوا خناجرهم ، فخرج الحسين عليه السلام معهم .
ووصل الخبر إلى يزيد ، فعزل الوليد وولاّها مروان .وخرج الحسين عليه السلام وابن الزبير إلى مكة ، ولم يتشدّد على ابني العمرين(1)(2) .
فكان الحسين عليه السلام يصلّي يوما إذ وسن ، فرأى النبي صلى الله عليه و آله في منامه يخبره
ص: 142
بما يجري عليه ، فقال الحسين عليه السلام : لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا ، فخذني إليك ، فيقول : لابد من الرجوع حتى تذوق الشهادة(1) .
وكان محمد بن الحنفية وعبد اللّه بن المطيع نهياه عن الكوفة(2) ، وقالا : إنّها بلدة مشؤومة ، قتل فيها أبوك ، وخذل فيها أخوك ، فالزم الحرم ، فإنّك سيّد العرب ، لا يعدل بك أهل الحجاز ، وتتداعى إليك الناس من كلّ جانب .
ثم قال محمد بن الحنفية : وإن نبت بك لحقت بالرمال وسعف الجبال ،وتنفلت من بلد إلى بلد حتى تفرق لك الرأي ، فتستقبل الأمور استقبالاً ، ولا تستدبرها استدبارا(3) .
وقال ابن عباس : لا تخرج إلى العراق ، وكن باليمن لحصانتها ورجالها(4) .
فقال عليه السلام : إنّي لم أخرج بطرا ولا أشرا ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنّما خرجت أطلب الصلاح في أمّة جدّي محمد صلى الله عليه و آله ، أريد آمر بالمعروف
ص: 143
وأنهى عن المنكر ، أسير بسيرة جدّي وسيرة أبي علي بن أبي طالب ، فمن قبلني بقبول الحقّ ، فاللّه أولى بالحقّ ، وهو أحكم الحاكمين(1) .
قالوا : فخرج ليلة الثالث من شعبان سنة ستّين ، وهو يقرأ : « فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ »(2) الآية .
ثم إنّ أهل الكوفة اجتمعوا في دار سليمان بن صرد الخزاعي ، فكاتبوا الحسين عليه السلام : من سليمان بن صرد ، والمسيب بن نجية ، ورفاعة بن شداد ، وحبيب بن مظاهر ، وشيعته المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة :
سلام عليك ، أمّا بعد ، فالحمد للّه الذي قصم عدوك الجبار العنيد ، الذي انتزى على هذه الأمّة ، فابتزها أمرها ، وغصبها فيئها ، وتأمّر عليها
ص: 144
بغير رضى منها ، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها ، وجعل مال اللّه دولة بين جبابرتها وعتاتها ، فبعدا له كما بعدت ثمود ، إنّه ليس علينا بإمام ، فأقبل لعل اللّه أن يجمعنا على الحقّ بك ، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجمع معه في الجمعة ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت الينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء اللّه .
ثم سرّحوا الكتاب مع عبيد اللّه بن مسلم(1) الهمداني ، وعبد اللّه بن مسمع البكري ، حتى قدما على الحسين عليه السلام لعشر مضين من شهر رمضان(2) .
ثم بعد يومين أنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي ، وعبد الرحمن بن عبد اللّه الأرحبي ، وعمارة بن عبد اللّه السلولي ، وعبد اللّه بن وال السهمي إلى الحسين عليه السلام ، ومعهم نحو من مائة وخمسين صحيفة من الرجل والإثنين .ثم سرّحوا بعد يومين هاني بن هاني السبيعي ، وسعيد بن عبد اللّه الحنفي ، بكتاب فيه :
للحسين بن علي من شيعته المؤمنين ، أمّا بعد : فحيهل ، فإنّ الناس ينتظرونك ، لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل ، ثم العجل يا ابن رسول اللّه .
وكتب شبث بن ربعي ، وحجار بن أبحر ، ويزيد بن الحارث ، ويزيد بن رويم ، وعمرو بن الحجاج ، ومحمد بن عمير ، وعروة بن قيس :
ص: 145
ص: 147
ص: 148
ص: 149
فاجتمعت الرسل كلّهم عنده ، فقرأ الكتب ، وسأل الرسل عن أمر الناس ، ثم كتب مع مسلم بن عقيل عليهماالسلام :
بسم اللّه الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي إلى الملأ من المسلمين والمؤمنين .
أمّا بعد : فإنّ هانيا وسعيدا قدما عليّ بكتبكم ، وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم ، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم ، ومقالة جلّكم : إنّه ليس لنا إمام ، فاقبل لعل اللّه أن يجمعنا بك على الهدى ، وأنا باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي ، فان كتب إليّ أنّه قد أجمع رأي
ص: 150
أحداثكم وذوي الفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم ، وتواترت به كتبكم أقدم عليكم وشيكا إن شاء اللّه .
ولعمري ، ما الإمام إلاّ الحاكم القائم بالقسط ، الدائن بدين اللّه ، الحابس نفسه على ذات اللّه (1) .
فقصد مسلم عليه السلام على غير الطريق ، وكان رائده رجلان من قيس عيلان ، فأضلا الطريق وماتا من العطش ، وأدرك مسلم عليه السلام ماء ، فتطيّر مسلم عليه السلام من ذلك ، وكتب إلى الحسين عليه السلام يستعفيه من ذلك !!!
فأجابه : أمّا بعد ، فقد خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إليّ ،والاستعفاء من وجهك هذا الذي أنت فيه إلاّ الجبن والفشل !!! فامض لما أمرت به(2)(3) .
ص: 151
ص: 152
ص: 153
ص: 154
ص: 155
ص: 156
ص: 157
ص: 158
ص: 159
ص: 160
ص: 161
ص: 162
ص: 163
ص: 164
ص: 165
ص: 166
ص: 167
ص: 168
ص: 169
ص: 170
ص: 171
ص: 172
ص: 173
ص: 174
ص: 175
ص: 176
ص: 178
فاختلف إليه الشيعة ، فقرأ عليهم كتابه ، فبايعه إثنا عشر ألف رجل(1) .
فرفع ذلك إلى النعمان بن بشير ، وهو والي الكوفة ، فجمع الناسوخطب فيهم ونصحهم(2) .
وكتب عبد اللّه بن مسلم الحضرمي ، وعمارة بن عقبة بن الوليد ، وعمر
بن سعد بن أبي وقاص إلى يزيد : إن كان لك حاجة في الكوفة ، فابعث رجلاً قويّا ينفذ أمرك ، ويعمل مثل عملك ، فإنّ النعمان بن بشير إمّا ضعيف أو متضعّف(3) .
ص: 179
فكتب يزيد على يدي مسلم بن عمر(1) الباهلي إلى عبيد اللّه بن زياد ، وهو والي البصرة ، وولاّه الكوفة مع البصرة ، وأن يطلب مسلم بن عقيل فيقتله أو ينفيه ، فالعجل العجل(2) .
فلمّا وصل المنشور إلى ابن زياد قصد الكوفة ، ودخلها بغتة في الليل ، وهو ملثّم ، فزعم من رآه أنّه الحسين عليه السلام ، فكانوا يقولون : مرحبا يا بنرسول اللّه ، قدمت خير مقدم ، حتى نزل دار الإمارة(3) .
فانتقل مسلم عليه السلام من دار سالم إلى دار هاني بن عروة المذحجي في الليل ، ودخل في أمانه(4) .
وكان يبايعه الناس حتى بايعه خمسة وعشرون ألف رجل(5) ، فعزم على الخروج ، فقال هاني : لا تعجل .
[ قصة معقل ! ! ! ]
ثم إنّ عبيد اللّه أعطى مولاه معقل ثلاثة آلاف درهم ، وقال له : اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايعه أهل الكوفة ، فاعلمه أنّك رجل من أهل « حمص » جئت لهذا الأمر ، وهذا مال تدفعه لتتقوّى به .
ص: 180
فلم يزل يتلطّف ويسترشد حتى دلّ على مسلم بن عوسجة الأسدي !!! وكان الذي يأخذ البيعة ، فأدخله على مسلم عليه السلام ، وقبض منه المال وبايعه ، ورجع معقل إلى عبيد اللّه فأخبره(1) .
ص: 181
ص: 182
ص: 183
ص: 184
ص: 185
ص: 186
ص: 187
ص: 188
ص: 189
ص: 190
ص: 191
ص: 192
ص: 193
ص: 194
ص: 195
ص: 196
ص: 197
ص: 198
ص: 199
ص: 200
ص: 201
ص: 202
ص: 203
ص: 204
ص: 205
ص: 206
ص: 207
ص: 208
ص: 209
ص: 210
ص: 211
ص: 212
ص: 213
ص: 214
ص: 215
ص: 216
ص: 217
ص: 218
ص: 219
ص: 220
ص: 221
ص: 222
ص: 223
ص: 224
ص: 225
ص: 226
ص: 227
ص: 228
ص: 229
ص: 230
ص: 231
ص: 232
ص: 233
وكان شريك بن الأعور الهمداني جاء من البصرة مع عبيد اللّه بن زياد ، فمرض ، فنزل في دار هاني بن عروة أياما ، ثم قال لمسلم عليه السلام : إنّ عبيد اللّه يعودني ، وإنّي مطاوله الحديث ، فاخرج إليه بسيفك فاقتله ، وعلامتك أن أقول : اسقوني ماءا ، ونهاه هاني عن ذلك .
فلمّا دخل عبيد اللّه على شريك وسأله عن وجعه وطال سؤاله ، ورأى أنّ أحدا لا يخرج ، فخشي أن يفوته ، فأخذ يقول :
ما الانتظار لسلمى أن يحييها
كأس المنية بالتعجيل اسقوها
* * *
ص: 234
ص: 235
ص: 236
ص: 237
ص: 238
ص: 239
ص: 240
ص: 241
ص: 242
ص: 243
ص: 244
ص: 245
ص: 246
ص: 247
ص: 248
ص: 249
ص: 250
ص: 251
ص: 252
ص: 253
ص: 254
ص: 255
ص: 256
ص: 257
ص: 258
ص: 259
ص: 260
ص: 261
ص: 262
ص: 263
ص: 264
ص: 265
ص: 266
ص: 267
ص: 268
ص: 269
ص: 270
ص: 271
ص: 272
ص: 273
ص: 274
ص: 275
ص: 276
ص: 277
ص: 278
ص: 279
ص: 280
ص: 281
ص: 282
ص: 283
ص: 284
ص: 285
ص: 286
ص: 287
ص: 288
ص: 289
ص: 290
ص: 291
ص: 292
ص: 293
ص: 294
ص: 295
ص: 296
ص: 297
ص: 298
ص: 299
ص: 300
ص: 301
ص: 302
ص: 303
ص: 304
ص: 305
ص: 306
ص: 307
ص: 308
ص: 309
ص: 310
ص: 311
ص: 312
ص: 313
ص: 314
فلمّا دخل القصر أتاه مالك بن يربوع التميمي بكتاب أخذه من يدي عبد اللّه بن يقطر ، فإذا فيه :
للحسين بن علي ، أمّا بعد : فإنّي أخبرك أنّه قد بايعك من أهل الكوفة كذا ، فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل ، فإنّ الناس معك ، وليس لهم في يزيد رأي ولا هوى .
فأمر ابن زياد بقتله(1) .
وقال لمحمد بن الأشعث الكندي ، وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، وأسماء بن خارجة الفزاري : احضروا هاني بن عروة ، فأحضروه باللطف .
ص: 315
فالتفت ابن زياد إلى شريح القاضي وتمثّل :
أريد حياته ويريد قتلي
عذيرك من خليلك من مراد
* * *
فقال هاني : ما هذا أيّها الأمير ؟ قال : جئت بمسلم بن عقيل وأدخلته دارك ، وجمعت له السلاح والرجال في دور حولك ، وظننت أنّ ذلك يخفى عليّ ؟! فأنكر هاني بن عروة ذلك ، فقال : عليّ بمعقل .
فلمّا جيء به قال : أتعرفه ؟ قال هاني : ما دعوت مسلما ، وإنّما جاءني بالجوار ، فإذ قد عرفت أخرجه من جواري ، قال : لا - واللّه - لا مناص لك منّي إلاّ بعد أن تسلّمه إليّ ، قال : لا يكون ذلك أبدا .
فكلّمه مسلم بن عمرو الباهلي في ذلك قال : ليس عليك في دفعه عار ، إنّما تدفعه إلى السلطان ، فقال هاني : بلى - واللّه - عليّ أعظم العار ، أن أسلم جاري وضيفي ورسول ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنا حي ، صحيح الساعدين ، كثير الأعوان ، واللّه لو لم أكن إلاّ واحدا لما سلّمته أبدا حتى أموت من دونه(1) .
ص: 316
فقال ابن زياد : إن لم تحضره لأضربن عنقك ، وضرب قضيبا على أنفه وجبهته حتى هشّمه ، وأمر بحبسه .
وبلغ ذلك مذحجا ، فأقبلت إلى القصر ، فأمر ابن زياد شريحا القاضي أن يخرج إليهم ويعلمهم أنّه حيّ سالم ، فخرج إليهم وصرفهم(1) .
ووصل الخبر إلى مسلم بن عقيل عليهماالسلام في أربعة آلاف كانوا حواليه ، فاجتمع إليه ثمانية آلاف ممّن بايعوه ، فتحرّز عبيد اللّه وغلق الأبواب ، وسار مسلم عليه السلام حتى أحاط بالقصر .
فبعث عبيد اللّه كثير بن شهاب الحارثي ، ومحمد بن الأشعث الكندي ، من باب الروميين براية الأمان لمن جاءها من الناس ، فرجع الرؤوساء إليها ، فدخلوا القصر ، فقال لهم عبيد اللّه : أشرفوا على الناس فمنّوا أهل الطاعة ، وخوّفوا أهل المعصية .
فما زال الناس يتفرّقون حتى أمسى مسلم عليه السلام وما معه إلاّ ثلاثون نفسا .
ص: 317
فلّما صلّى المغرب ما رأى أحدا ، فبقي في أزقة كندة متحيّرا ، فمشى حتى أتى إلى باب امرأة يقال لها « طوعة » كانت أمّ ولد محمد بن الأشعث ، فتزوّجها أسيّد الحضرمي ، فولدت له بلالاً ، وكان بلال خرج مع الناسوأمّه قائمة تنتظره .
فقال لها مسلم عليه السلام : يا أمة اللّه اسقيني ، فسقته وجلس ، فقالت له : يا عبد اللّه ، اذهب إلى أهلك ، فسكت ، ثم عادت فسكت .
فقالت : سبحان اللّه ! قم إلى أهلك ، فقال : ما لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة .
قالت : فلعلك مسلم بن عقيل ؟ فآوته .
فلمّا دخل بلال على أمّه وقف على الحال ونام(1) .
فلمّا أصبح أذّن مناد : من دلّ على مسلم فله ديّته ، وبرئت الذمّة من رجل وجدناه في داره .
فجاء بلال إلى عبد الرحمن بن محمد الأشعث ، فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عليهماالسلام عنده ، فأقبل عبد الرحمن ودنا من أبيه وساره .
فقال ابن زياد : ما يقول ابنك ؟ فقال : يقول : ابن عقيل في دار من دورنا .
ص: 318
فأنفذ عبيد اللّه عمرو بن حريث المخزومي ومحمد بن الأشعث في سبعين رجلاً حتى أطافوا بالدار ، فحمل مسلم عليه السلام عليهم وهو يقول :
هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع
فأنت بكأس الموت لا شكّ جارع
فصبرا لأمر اللّه جلّ جلاله
فحكم قضاء اللّه في الخلق ذائع
* * *
فقتل منهم واحدا وأربعين رجلاً ، فأنفذ ابن زياد اللائمة إلى ابن الأشعث ، فقال : أيّها الأمير ، إنّك بعثتني إلى أسد ضرغام ، وسيف حسام في كفّ بطل همام ، من آل خير الأنام .
قال : ويحك ، ابن عقيل ! لك الأمان ، وهو يقول : لا حاجة لي في أمان الفجرة ، وهو يرتجز :
أقسمت لا أقتل إلاّ حرّا
وإن رأيت الموت شيئا نكرا
أكره أن أخدع أو أغرّا
كلّ امرئ يوما يلاقي شرّا
أضربكم ولا أخاف ضرّا
ضرب غلام قطّ لم يفرّا
* * *
فضربوه بالسهام والأحجار حتى عيي ، واستند حائطا ، فقال : ما لكم ترموني بالأحجار كما ترمى الكفار ؟ ! وأنا من أهل بيت الأنبياء الأبرار ، لا ترعون حقّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ذريّته .
ص: 319
فقال ابن الأشعث : لا تقتل نفسك وأنت في ذمّتي .
قال : أؤسر وبي طاقة ؟ لا - واللّه - لا يكون ذلك أبدا(1) ، وحمل عليه ،فهرب منه .
فقال مسلم عليه السلام : اللّهم إنّ العطش قد بلغ منّي .
فحملوا عليه من كلّ جانب ، فضربه بكير بن حمران الأحمري على شفته العليا ، وضربه مسلم عليه السلام في جوفه فقتله ، وطعن من خلفه فسقط من فرسه ، فأسر .
فقال مسلم عليه السلام : اسقوني شربة من ماء ، فأتاه غلام عمرو بن حريث بشربة زجاج ، وكانت تملى دما ، وسقطت فيه ثنيته(2) .
فأتي به إلى ابن زياد فتجاوبا ، وكان ابن زياد يسبّ حسينا وعليا عليه السلام .
فقال مسلم عليه السلام : « فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ » يا عدوّ اللّه .
فقال ابن زياد : اصعدوا به فوق القصر ، واضربوا عنقه ، وكان مسلم عليه السلام يدعو اللّه ويقول : اللّهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا ، فقتله ، وهو على موضع الحذّائين .
ثم أمر بقتل هاني بن عروة في محلّة يباع فيها الغنم ، ثم أمر بصلبه منكوسا .
ص: 320
وأنشد أسدي :
فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري
إلى هانيء في السوق وابن عقيل(1)
* * *
وأنفذ رأسهما إلى يزيد في صحبة هاني بن حياة الوادعي(2) ، فنصب الرأسين في درب من دمشق(3) .
وكتب : قد بلغني أنّ الحسين عليه السلام قد عزم إلى المسير إلى العراق ، فضع المراصد ، واحبس على الظنّ ، واقتل على التهمة ، حتى تكفى أمره(4) .
فلمّا عزم الحسين عليه السلام على الخروج نهاه عمرو بن عبد الرحمن بن هشام
ص: 321
المخزومي ، فقال : جزاك اللّه - يا ابن عمّ - مهما يقض يكن ، وأنت عندي أحمد مشير ، وأنصح ناصح(1) .
فأتاه ابن عباس ، وتكلّم في ذلك كثيرا(2) ، فانصرف ومرّ بعبد اللّه بن الزبير ، فقال :
قد قلت لمّا أن رزيت(3) معشري
يا لك من قنبرة بمعمري
خلا لك الجوّ فبيضي واصفري
ونقّري ما شئت أن تنقّري
هذا حسين سائر فاستبشري
مذ رفع الفخّ فماذا تحذري
لابّد من أخذك يوما فاصبري(4)
* * *
وكتب إليه عبد اللّه بن جعفر من المدينة في ذلك ، فأجابه : إنّيقد رأيت جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله في منامي ، فخبّرني بأمر ، وأنا ماضٍ له ،
ص: 322
لي كان أم عليّ ، واللّه - يا ابن عمّ - ليعتدينّ عليّ كما يعتدي اليهود يوم السبت ، وخرج(1) .
فلمّا بلغ ذات عرق(2) رأى الفرزدق الشاعر ، فسأل الخبر ، فقال : قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أميّة .
قال : صدقت يا أخا تيم ، وإنّ اللّه يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد(3) .
فلمّا بلغ الحاجز من بطن الرقّة(4) بعث قيس بن مسهر الصيداوي إلى
ص: 323
أهل الكوفة يخبرهم بمجيئه ، فأخذه الحصين بن نمير في القادسية ، وبعث به إلى ابن زياد .
فقال له ابن زياد : اصعد القصر ، فسبّ الكذّاب ابن الكذّاب ! !
فصعد فأثنى على اللّه وعلى رسوله وعلى أهل بيته ، ولعن زيادا وابنه .
فرمي به من فوق القصر ، فمات(1) .
فلمّا نزل الحسين عليه السلام بالخزيمية قالت زينب عليهاالسلام : يا أخي سمعت في ليلتي هاتفا يهتف :
ألا يا عين فاحتفلي بجهد
ومن يبكي على الشهداء بعدي
إلى قوم تسوقهم المنايا
بمقدار إلى إنجاز وعد(2)
* * *
فلمّا وصل إلى الثعلبية جعل يقول :
ص: 324
« باتوا نياما والمنايا تسري »فقال علي بن الحسين الأكبر عليهماالسلام : ألسنا على الحقّ ؟ قال : بلى ، قال : إذا - واللّه - ما نبالي(1) .
فلمّا نزل شقوق أتاه رجل ، فسأله عن العراق ، فأخبره بحاله ، فقال : إنّ الأمر للّه يفعل ما يشاء ، وربّنا - تبارك - كلّ يوم في شأن ، فإن نزل القضاء فالحمد للّه على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء ، فلم يبعد من الحقّ نيّته(2) ، ثم أنشد :
فإن تكن الدنيا تعدّ نفيسة
فدار ثواب اللّه أعلى وأنبل
وإن تكن الأموال للترك جمعها
فما بال متروك به الحرّ يبخل
وإن تكن الأرزاق قسما مقدّرا
فقلّة حرص المرء في الكسب أجمل
وإن تكن الأبدان للموت أنشئت
فقتل امرئ بالسيف في اللّه أفضل
عليكم سلام اللّه يا آل أحمد
فإنّي أراني عنكم سوف أرحل(3)
* * *
ص: 325
فلمّا نزل على شراف قال : رأيت النخيل ، فقال رجلان أسديان كانا معه : هذا مكان ما رأينا به نخلاً قطّ ، قال الحسين عليه السلام : فما تريانه ؟
فقالا : لا نراه - واللّه - إلاّ هوادي الخيل .
فقال : أنا - واللّه - أرى ذلك .
وأمر أصحابه أن يستبقوا ، إذا هم بالحرّ الرياحي في ألف رجل ، فقام الحسين عليه السلام ، وصلّى بأصحابه وصلّى الحرّ معه ، فلمّا سلّم ، قال :
أيّها الناس معذرة إلى اللّه وإليكم ، إنّي لم آتكم حتى أتتني كتبكم ، وقدمت عليّ رسلكم . . في كلام له حتى قال :
فإن تعطوني ما أطمئن عليه من عهودكم أقدم مصركم ، وإن كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم .
فقال الحرّ : إنّا - واللّه - ما ندري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر .
فدعا الحسين عليه السلام بخرجين مملوئين كتبا ، فنثرها .
فقال الحرّ : لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك ، إنّما أمرنا إذا لقيناك لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد اللّه ابن زياد ، فقال الحسين عليه السلام : الموت أدنى إليك من ذلك(1) .
ص: 326
فلمّا انتهى إلى نينوى كتب ابن زياد إلى الحرّ : أمّا بعد ، فجعجع(1) بالحسين حين يبلغك كتابي ، ولا تنزله إلاّ بالعراء ، في غير حصن ، على غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن لا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك أمري(2) .
فأمر الحسين عليه السلام أن يشدّوا الرحال ، فجعلوا يلازمونه ، فطال بينهما المقال .
فقال الحرّ : خذ على غير الطريق ، فواللّه ، لئن قاتلت لتقتلنّ .
فقال الحسين عليه السلام : أبالموت(3) تخوفني ؟! وتمثّل بقول أخي الأوس : « سأمضي فما بالموت عار على الفتى »(4) . . الأبيات .
فاستدلّ على غير الجادة ، فقال الطرماح بين عدي الطائي : أنا المدلّ ، وجعل يرتجز :
يا ناقتي لا تجزعي من زجري
وامض بنا قبل طلوع الفجر
بخير فتيان وخير سفر
آل رسول اللّه أهل الخير
ص: 327
السادة البيض الوجوه الزهر
الطاعنين بالرماح السمر
الضاربين بالسيوف البتر(1)
* * *
فلمّا أصبح بعذيب الهجانات رأى الحرّ في عسكره يتبعه ، فسأله عن الحالة ، فقال : هدّدني الأمير في شأنك ، فقال : دعنا في نينوى والغاضرية ، فقال : لا - واللّه - وعليّ عينه .
فقال زهير بن القين البجلي : إئذن لنا بقتالهم ، فقتال هؤلاء اليوم أسهل من قتال من يجيء بعدهم .
فقال : لا ابتدي(2) .
فساقوا إلى قرية عقر ، فسأل عنها ، فقيل : هي العقر ، فقال : إنّي أعوذ بك من العقر(3) .
ص: 328
فساقوا إلى كربلاء يوم الخميس الثاني من المحرم سنة إحدى وستين .
ثم نزل ، وقال : هذا موضع الكرب والبلاء ، هذا مناخ ركابنا ، ومحطّ رحالنا ، ومقتل رجالنا ، وسفك دمائنا(1) .
ثم أقبل عمر بن سعد في أربعة آلاف حتى نزل بالحسين عليه السلام ، وبعث من غده قرّة بن قيس الحنظلي يسأله ما الذي جاء به ؟
فلمّا بلغ رسالته قال الحسين عليه السلام : كتب إليّ أهل مصركم أن أقدم ، فأمّا إذا كرهتموني فأنا انصرف عنكم .
فلمّا سمع عمر جوابه كتب إلى ابن زياد بذلك ، فلمّا رأى ابن زياد كتابه قال :
الآن إذ علقت مخالبنا به
يرجو النجاة ولات حين مناص
* * *
وكتب إلى عمر : اعرض على الحسين أن يبايع يزيد وجميع أصحابه ، فإذا فعل ذلك رأينا رأينا ، وإن أبى فائتني به(2) .
ص: 329
قال الطبري : ثم كتب ابن زياد إلى عمر بن سعد : أمّا بعد ، فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، فلا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي النقي عثمان أمير المؤمنين المظلوم !!!
قال : بعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس ، فنزلوا على الشريعة ، وحالوا بينه وبين الماء ثلاثة أيام إلى أن قتل(1) .
قال الطبري في حديث عقبة بن سمعان أنّه قال عليه السلام : دعوني أذهب في الأرض العريضة حتى ننظر إلى ما يصير أمر الناس .
فكتب عمر إلى ابن زياد ، وذكر في آخره : وفي هذا للّه رضى وللأمّة صلاح(2) .
فأنفذ ابن زياد بشمر بن ذي الجوشن بكتاب فيه : إنّي لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه ، ولا لتطاوله ، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء ، ولا لتعتذر له عندي ، ولا لتكون له شافعا ، فإن نزل الحسين وأصحابه على حكمي واستسلموا ، فابعث بهم إليّ سالمين ، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم ، وتمثّل بهم !! فإنّهم لذلك مستحقّون !!!
ص: 330
فإن قتل الحسين ، فأوطيء الخيل صدره وظهره ، فإنّه عاق شاق قاطعظلوم(1) !!!
فإن أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أبيت فاعتزل أمرنا وجندنا ، وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر ، فإنّا قد أمرناه بأمرنا .
وكان أمر شمرا أنّه إن لم يفعل بما فيه ، فاضرب عنقه ، وأنت الأمير(2) ، وكان قد كتب لعمر منشورا بالري ، فجعل يقول :
فواللّه ما أدري وإنّي لواقف
أفكّر في أمري على خطرين
أأترك ملك الريّ والريّ منيتي
أم ارجع مأثوما بقتل حسين
ففي قتله النار التي ليس دونها
حجاب وملك الريّ قرّة عيني(3)
* * *
وكتب ابن زياد إلى الحسين عليه السلام : أمّا بعد ، يا حسين ! فقد بلغني نزولك
ص: 331
بكربلاء، وقد أمرني أميرالمؤمنين! أن لا أتوسّد الوثير، ولا أشبع من الخميرحتى ألحقك باللطيف الخبير ، أو ترجع إلى حكمي ! وحكم يزيد بن معاوية !
فلمّا قرأ الحسين عليه السلام الكتاب قال : ليس له جواب ، لأنّه قد حقّت عليه كلمة العذاب(1) .
وجهّز ابن زياد عليه خمسا وثلاثين ألفا :
فبعث الحرّ في ألف رجل من القادسية .
وكعب بن طلحة في ثلاثة آلاف .
وعمر بن سعد في أربعة آلاف .
وشمر بن ذي الجوشن السلولي في أربعة آلاف من أهل الشام .
ويزيد بن ركاب الكلبي في ألفين .
والحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف .
ومضاير بن رهينة المازني في ثلاثة آلاف .
ونصر بن حرشة في ألفين .
وشبث بن ربعي الرياحي في ألف .
وحجار بن أبحر في ألف(2) .
ص: 332
وكان جميع أصحاب الحسين عليه السلام إثنين وثمانين رجلاً ، منهم الفرسانإثنان وثلاثون فارسا(1) ، ولم يكن لهم من السلاح إلاّ السيف والرمح !!
فركب عمر في الناس ثم زحف نحوهم ، فقال الحسين للعباس عليهماالسلام : تقول لهم : ما لكم ؟ وما بدا لكم ؟ وتسألهم عمّا جاء بهم .
فقالوا : جاء أمر الأمير بكيت وكيت .
قال : فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد اللّه عليه السلام ، وأعرض عليه ما ذكرتم .
فمضى وعرض عليه ، فقال : إنّ أبا عبد اللّه يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية حتى ينظر في هذا الأمر .
فأبى عمر بن سعد ، فقال : عمرو بن الحجاج الزبيدي : سبحان اللّه ! واللّه ، أن لو كان من الديلم ثم سألكم هذه المنزلة لكان ينبغي أن يجاب .
فجمع الحسين عليه السلام أصحابه ، وحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال بعد دعاء وكلام كثير :
وإنّي قد أذنت لكم ، فانطلقوا جميعا في حلّ ، ليس عليكم منّي ذمام ، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً ، وليأخذ كلّ رجل بيد رجل من أهل
ص: 333
بيتي ، وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم ، فإنّ القوم إنّما يطلبونني ، ولو قدأصابوني لهوا عن طلب غيري .
فأبوا ذلك كلّهم(1) ، كما قال ابن حماد :
لست أنساه حين أيقن بالموت
دعاهم وقام فيهم خطيبا
ثم قال ارجعوا إلى أهلكم فليس
سواي أرى لهم مطلوبا
فأجابوه والعيون سكوب
وحشاهم قد شبّ منها لهيبا
أيّ عذر لنا غدا حين نلقى
جدّك المصطفى ونحن حروبا
* * *
فقال مسلم بن عوسجة الأسدي : واللّه ، لو علمت أنّي أقتل ، ثم أحيى ، ثم أحرق ، ثم أذرى ، يفعل بي ذلك سبعين مرّة ما تركتك ، فكيف وإنّما هي قتله واحدة ، ثم الكرامة إلى الأبد .
وتكلّم سعد بن عبد اللّه الحنفي ، وزهير بن القين ، وجماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا(2) .
فأوصى الحسين عليه السلام أن لا يشقّوا عليه جيبا ، ولا يخمشوا وجها ، ولا يدعى بالويل والثبور .
وباتوا قارئين راكعين ساجدين(3) .
ص: 334
قال علي بن الحسين عليه السلام : إنّي لجالس في تلك الليلة التي قتل أبى في صبيحتها ، وكان يقول :
يا دهر أفّ لك من خليل
كم لك بالإشراق والأصيل
من صاحب وطالب قتيل
والدهر لا يقنع بالبديل
وإنّما الأمر إلى الجليل
وكلّ حيّ سالك سبيل
ما أقرب الوعد من الرحيل
* * *
قالت زينب عليهاالسلام : كأنّك تخبر أنّك تغصب نفسك اغتصابا ، فقال : لو ترك القطا ليلاً لنام(1) .
ص: 335
فلمّا أصبحوا عبّأ الحسين عليه السلام أصحابه ، وأمر بأطناب البيوت ، فقرّبت حتى دخل بعضها في بعض ، وجعلوها وراء ظهورهم ، ليكون الحرب من وجه واحد ، وأمر بحطب وقصب كانوا جمعوه وراء البيوت ، فطرح ذلكفي خندق جعلوه ، وألقوا فيه النار ، وقال : لا نؤتى من ورائنا(1) .
فحرّك الحرّ دابته حتى استأمن إلى الحسين عليه السلام ، وقال له : بأبي أنت وأمّي ، ما ظننت أنّ الأمر ينتهي بهؤلاء القوم إلى ما أرى ، فأمّا الآن جئتك تائبا ، ومواسيا لك حتى أموت بين يديك ، أترى إلى ذلك توبة ؟
قال : نعم يتوب اللّه عليك ويغفر لك(2) .
فقال الحسين عليه السلام لبرير : احتج عليهم ، فتقدّم إليهم ووعظهم ، فضحكوا
ص: 336
منه ورشقوه(1) .
فتقدّم الحسين عليه السلام ، ورأى صفوفهم كالسيل والليل ، فخطب فقال :
الحمد للّه الذي خلق الدنيا ، فجعلها دار فناء وزوال ، متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال ، فالمغرور من غرّته ، والشقيّ من فتنته ، « فَلا تَغُرَّنَّكُمُالْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّهِ الْغَرُورُ » . .
ومنها : فنعم الربّ ربّنا ، وبئس العباد أنتم ، أقررتم بالطاعة ، وآمنتم بالرسول محمد صلى الله عليه و آله ، ثم أنتم رجعتم(2) إلى ذريّته وعترته تريدون قتلهم ، لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر اللّه العظيم ، فتبّا لكم ولما تريدون ، إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم ، « فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ »(3) .
فتقدّم عمر بن سعد وقال : يا أهل العراق ، اشهدوا أنّي أوّل رام ، فرشقوا كالسيل .
فقال الحسين عليه السلام : هي رسل القوم إليكم ، فقوموا - رحمكم اللّه - إلى الموت الذي لابدّ منه(4) .
ص: 337
فجعل عليه السلام زهير بن القين على الميمنة ، وحبيب بن مظاهر في الميسرة ، وأعطى رايته العباس بن علي(1) عليهماالسلام .
وكان كلّ من أراد الخروج ودّع الحسين عليه السلام وقال : السلام عليك يا ابنرسول اللّه ، فيجيبه : وعليك السلام ونحن خلفك ، ويقرأ : « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ »(2) .
وبرز الحرّ وهو يرتجز :
إنّي أنا الحرّ ومأوى الضيف
أضرب في أعناقكم بالسيف
عن خير من حلّ بلاد الخيف
أضربكم ولا أرى من حيف(3)
* * *
فقتل نيفا وأربعين رجلاً .
ثم برز برير بن خضير الهمداني ، وهو يقول :
أنا برير وأبي خضير
ليث يروع الأسد عند الزئر
ص: 338
يعرف فينا الخير أهل الخير
أضربكم ولا أرى من ضير
كذاك فعل الخير في برير
* * *
قتله بحير بن أوس الضبي(1) .
ثم برز وهب بن عبد اللّه الكلبي ، وهو يرتجز :
إن تنكروني فأنا ابن الكلب
سوف تروني وترون ضربي
وحملتي وصولتي في الحرب
أدرك ثاري بعد ثار صحبي
وأدفع الكرب أمام الكرب
ليس جهادي في الوغى باللعب
* * *
ص: 339
فلم يزل يقاتل حتى قتل منهم جماعة ، ثم قال لأمّه : يا أمّاه أرضيت أم لا ؟ فقالت : ما أرضى أو تقتل بين يدي الحسين عليه السلام ، فرجع قائلاً :
إنّي زعيم لك أمّ وهب
بالطعن فيهم تارة والضرب
ضرب غلام موقن بالربّ
حتى يذوق القوم مرّ الحرب
إنّي امرء ذو مرّة وغضب
حسبي إلهي من عليم حسبي
* * *
فلم يزل يقاتل حتى قتل تسعة عشر فارسا ، وإثنى عشر راجلاً ، ثم قطعت يمينه وأُخذ أسيرا(1) .
ص: 340
ثم برز عمرو بن خالد الأزدي قائلاً :
اليوم يا نفس إلى الرحمن
تمضين بالروح وبالريحان
اليوم تجزين على الإحسان
ما خطّ في اللوح لدى الديّان
لا تجزعي فكلّ حيّ فان(1)
* * *
ثم برز ابنه خالد ، وهو يقول :
صبرا على الموت بني قحطان
كيما تكونوا في رضى الرحمن
ذي المجد والعزّة والبرهان
وذو العلى والطول والإحسان
يا أبتا قد صرت في الجنان
في قصر درّ حسن البنيان(2)
* * *
ثم برز سعد بن حنظلة التميمي مرتجزا :صبرا على الأسياف والأسنّه
صبرا عليها لدخول الجنّه
وحور عين ناعمات هنّه
يا نفس للراحة فاجهدنّه
وفي طلاب الخير فارغبنّه(3)
* * *
ثم برز عبد اللّه المذحجي قائلاً :
قد علمت سعد وحيّ مذحج
أنّي لدى الهيجاء غير مخرج
أعلو بسيفي هامة المدجّج
وأترك القرن لدى التعرّجفريسة الذئب الأذلّ الأعرج(4)
* * *
ثم برز مسلم بن عوسجة مرتجزا :
إن تسألوا عنّي فإنّي ذو لبد
من فرع قوم في ذرى بني أسد
ص: 341
فمن بغانا حائد عن الرشد
وكافر بدين جبار صمد(1)
* * *
فقاتل حتى قتله مسلم الضبابي وعبد الرحمن البجلي(2) .
ثم برز عبد الرحمن بن عبد اللّه اليزني قائلاً :
أنا ابن عبد اللّه من آل يزن
ديني على دين حسين وحسن
أضربكم ضرب فتى من اليمن
أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن(3)* * *
ثم برز يحيى بن سليم المازني ، وهو يقول :
لأضربن القوم ضربا فيصلاً
ضربا شديدا في العدا معجّلا
لا عاجزا فيها ولا مولولاً
ولا أخاف اليوم موتا مقبلا(4)
* * *
ص: 342
ثم برز قرّة بن أبي قرّة الغفاري ، وهو يرتجز :
قد علمت حقّا بنو غفار
وخندف بعد بني نزار
بأنّني الليث لدى الغبار
لأضربن معشر الفجّار
ضربا وجيعا عن بني الأخيار(1)
* * *
فقتل ثمانية وستّين رجلاً .
نرجو بذاك الفوز والدفاع
من حرّ نار حين لا امتناع(1)
* * *
ثم برز جوين بن أبي مالك مولى أبي ذر مرتجزا :
كيف يرى الفجّار ضرب الأسود
بالمشرفي القاطع المهنّد
بالسيف صلتا عن بني محمد
أذبّ عنهم باللسان واليد(2)
* * *
فقتل خمسا وعشرين رجلاً .
ثم برز يزيد بن المهاصر الجعفي مرتجزا :
أنا يزيد وأبي مهاصر
ليث هصور في العرين خادر
يا ربّ إنّي للحسين ناصر
ولابن سعد تارك وهاجر(1)
* * *
ثم برز الحجّاج بن مسروق الجعفي ، وهو يقول :
أقدم حسينا هاديا مهديّا
فاليوم تلقى جدّك النبيّا
ثم أباك ذا الندى عليّا
ذاك الذي نعرفه وصيّا(2)
* * *
فقتل خمسا وعشرين رجلاً .
ثم برز سعيد بن عبد اللّه الحنفي مرتجزا :
أقدم حسين اليوم تلق أحمدا
وشيخك الخير عليا ذا الندى
وحسنا كالبدر وافى الأسعدا(3)
ص: 345
ثم برز حبيب بن مظاهر الأسدي قائلاً :
إنّي حبيب وأبي مظاهر
فارس هيجاء وحرب تسعر
وأنتم عند العديد أكثر
ونحن أعلى حجّة وأقهر
* * *
فقتل إثنين وستّين رجلاً ، قتله الحصين بن نمير ، وعلّق رأسه في عنقفرسه(1) .
فقتل مائة وعشرين رجلاً ، قتله كثير بن عبد اللّه الشعبي ومهاجر بن أوس(1) .
ثم برز نافع بن هلال البجلي قائلاً :
أنا الغلام اليمني البجلي
ديني على دين حسين بن علي
أضربكم ضرب غلام بطل
ويختم اللّه بخير عملي
* * *
فقتل إثني عشر رجلاً(2) ، وروي سبعين رجلاً .
ثم برز فتى قائلاً :
أميري حسين ونعم الأمير
سرور فؤاد البشير النذير
علي وفاطمة والداه
فهل تعلمون له من نظير
* * *
فقاتل حتى قتل ورمي برأسه إلى أمّه ، فأخذته ورمته إلى رجل ، فقتله ، ثم برزت قائلة :
أنا عجوز سيّدي ضعيفه
خاوية بالية نحيفه
أضربكم بضربة عنيفه
دون بني فاطمة الشريفه(1)
* * *
وروي أنّه برز غلام تركي للحرّ ، وجعل يقول :
البحر من طعني وضربي يصطلي
والجو من نبلي وسهمي يمتلي
إذا حسامي عن يميني ينجلي
ينشقّ قلب الحاسد المبجل(2)
* * *
فقتل سبعين رجلاً .
ص: 348
ثم برز مالك بن دودان وأنشأ يقول :
إليكم من مالك الضرغام
ضرب فتى يحمي عن الكرام
يرجو ثواب اللّه ذي الإنعام(1)
* * *
ثم برز أبو ثمامة الصائدي ، وقال :
عزاء لآل المصطفى وبناته
على حبس خير الناس سبط محمد
عزاء لزهراء النبي وزوجها
خزانة علم اللّه من بعد أحمد
عزاء لأهل الشرق والغرب كلّهم
وحزنا على حبس الحسين المسدّد
فمن مبلغ عنّي النبي وبنته
بأنّ ابنكم في مجهد أيّ مجهد
* * *
ثم برز إبراهيم بن الحصين الأسدي يرتجز :
ص: 349
أضرب منكم مفصلاً وساقا
ليهرق اليوم دمي إهراقا
ويرزق الموت أبو إسحاقا
أعني بني الفاجرة الفسّاقا
* * *
فقتل منهم أربعة وثمانين رجلاً .
قال أبو مخنف : وبرز عمرو بن قرظة الأنصاري ، وهو يقول :
قد علمت كتيبة الأنصار
أنّي سأحمي حوزة الذمار
ضرب غلام غير نكس شار
دون حسين مهجتي وداري(1)
* * *
ثم برز أحمد بن محمد الهاشمي ، وهو ينشد :
اليوم أبلو حسبي وديني
بصارم تحمله يميني
أحمي به يوم الوغى عن ديني(2)
* * *
ص: 350
وأوّل من برز من بني هاشم عبد اللّه بن مسلم ، وهو يقول :
اليوم ألقى مسلما وهو أبي
وفتية بادوا على دين النبي
ليسوا بقوم عرفوا بالكذب
لكن خيار وكرام النسب
من هاشم السادات أهل الحسب(1)
* * *
فقاتل حتى قتل ثمانية وتسعين رجلاً بثلاث حملات ، ثم قتله عمرو بن صبيح الصيداوي وأسد بن مالك(2) .
ثم برز جعفر بن عقيل قائلاً :
أنا الغلام الأبطحي الطالبي
من معشر في هاشم من غالب
ونحن حقّا سادة الذوائب
هذا حسين أطيب الأطايب(3)
* * *
فقتل رجلين ، وفي قول خمسة عشر فارسا ، قتله بشر بن سوطالهمداني .
ص: 351
ثم برز عبد الرحمن بن عقيل ، وهو يرتجز :
أبي عقيل فاعرفوا مكاني
من هاشم وهاشم إخواني
كهول صدق سادة الأقران
هذا حسين شامخ البنيان
وسيّد الشيب مع الشبان(1)
* * *
فقتل سبعة عشر فارسا ، قتله عثمان بن خالد الجهني(2) .
ثم برز محمد بن عبد اللّه بن جعفر ، وهو ينشد :
أشكو إلى اللّه من العدوان
فعال قوم في الردى عميان
قد بدّلوا معالم القرآن
ومحكم التنزيل والتبيان
وأظهروا الكفر مع الطغيان(3)
* * *
فقتل عشرة أنفس ، قتله عامر بن نهشل التميمي .
ثم برز أخوه عون قائلاً :
إن تنكروني فأنا ابن جعفر
شهيد صدق في الجنان أزهر
ص: 352
يطير فيها بجناح أخضر
كفى بهذا شرفا في المحشر(1)
* * *
فقتل ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلاً ، قتله عبد اللّه بن قطنةالطائي(2) .
وروي أنّ عبيد اللّه بن عبد اللّه أخاه قتله بشر بن حويطر القانصي .
وروي أنّ عبد اللّه بن عقيل الأكبر قاتل ، فقتله عثمان بن خالد الجهني .
وروي أنّه قاتل محمد بن مسلم ، فطعنه أبو مريم الأزدي .
وروي أنّه قاتل محمد بن سعيد الأحول بن عقيل ، فقتله لقيط بن ياسر الجهني رماه بنبل في جنبه(3) .
ثم برز عبد اللّه بن الحسن بن علي عليهماالسلام ، وهو يقول :
إن تنكروني فأنا فرع الحسن
سبط النبي المصطفى والمؤتمن
هذا الحسين كالأسير المرتهن
بين أناس لا سقوا صوب المزن(4)
* * *
فقتل أربعة عشر رجلاً ، قتله هاني بن شبيب الحضرمي فاسود وجهه .
ص: 353
ثم برز أخوه القاسم ، وعليه ثوب وإزار ونعلان فقط ، وكأنّه فلقة قمر ،وأنشأ يقول :
إنّي أنا القاسم من نسل علي
نحن وبيت اللّه أولى بالنبي
من شمر ذي الجوشن أو ابن الدعي(1)
* * *
فقتله عمر بن سعيد الأزدي ، فخرّ وصاح : يا عمّاه ، فحمل الحسين عليه السلام ، فقطع يده، وسلبه أهل الشام من يد الحسين عليه السلام، فوقف الحسين عليه السلام على رأسه وقال : عزّ على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا تنفعك إجابته(2) .
ثم برز أبو بكر بن علي عليهماالسلام قائلاً :
شيخي علي ذو الفخار الأطول
من هاشم الخير الكريم المفضل
هذا حسين ابن النبي المرسل
عنه نحامي بالحسام المصقل
تفديه نفسي من أخي مبجل(3)فلم يزل يقاتل حتى قتله زجر بن بدر الجعفي ، ويقال : عقبة الغنوي .
ص: 354
ثم برز أخوه عمر ، وهو يرتجز :
خلّوا عداة اللّه خلّو من عمر
خلّوا عن الليث الهصور المكفهر
يضربكم بسيفه ولا يفرّ
يا زجر يا زجر تدان من عمر
* * *
وقتل زجرا قاتل أخيه ، ثم دخل حومة الحرب(1) .
ثم برز أخوه عثمان ، وهو ينشد :
إنّي أنا عثمان ذو المفاخر
شيخي علي ذو الفعال الطاهر
هذا حسين سيّد الأخاير
وسيّد الصغار والأكابر
بعد النبيّ والوصيّ الناصر(2)
* * *
رماه خولي بن يزيد الأصبحي على جنبه ، فسقط عن فرسه ، وجزّ رأسه رجل من بني أبان بن حازم .
ثم برز أخوه جعفر منشئا :
ص: 355
إنّي أنا جعفر ذو المعالي
ابن علي الخير ذو النوال
ذاك الوصيّ ذو السنا والوالي
حسبي بعمّي جعفر والخال
أحمي حسينا ذي الندى المفضال(1)
* * *
رماه خولي الأصبحي ، فأصاب شقيقته أو عينه .
ثم برز أخوه عبد اللّه قائلاً :
أنا ابن ذي النجدة والأفضال
ذاك علي الخير ذو الفعال
سيف رسول اللّه ذو النكال
في كلّ يوم ظاهر الأهوال(2)
* * *
قتله هاني بن شبيب الحضرمي .
وروي أنّه خرج أخوه القاسم ، فقال :
يا عصبة جارت على نبيها
وكدّرت من عيشها ما قد نقى
في كلّ يوم تقتلون سيّدا
من أهله ظلما وذبحا من قفا
* * *
ص: 356
فضرب على رأسه عمرو بن سعيد الأزدي ، فحمل عليه الحسين عليه السلام وضربه ، ثم أتى الغلام وهو يفحص برجله ، فقال : بعدا لقوم قتلوك ، وخصمهم يوم القيامة فيك جدّك(1) .
وكان عباس السقاء قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين عليه السلام ، وهو أكبر الإخوان ، مضى بطلب الماء ، فحملوا عليه ، وحمل هو عليهم وجعل يقول :
لا أرهب الموت إذ الموت رقى
حتى أوارى في المصاليت لقا
نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا
إنّي أنا العباس أغدوا بالسقا
ولا أخاف الشرّ يوم الملتقي
* * *
ففرّقهم ، فكمن له زيد بن ورقاء الجهني من وراء نخلة ، وعاونه حكيم بن طفيل السنبسي فضربه على يمينه ، فأخذ السيف بشماله ، وحمل عليهموهو يرتجز :
واللّه إن قطعتم يميني
إنّي أحامي أبدا عن ديني
وعن إمام صادق اليقين
نجل النبي الطاهر الأمين
* * *
ص: 357
فقاتل حتى ضعف ، فكمن له الحكيم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة ، فضربه على شماله ، فقال :
يا نفس لا تخشي من الكفار
وأبشري برحمة الجبار
مع النبي السيّد المختار
قد قطعوا ببغيهم يساري
فاصلهم يا ربّ حرّ النار
* * *
فقتله الملعون بعمود من حديد ، فلمّا رآه الحسين عليه السلام مصروعا على شطّ الفرات بكى ، وأنشأ يقول :
تعدّيتم يا شرّ قوم بفعلكم
وخالفتم قول النبيّ محمد
أما كان خير الرسل وصّاكم بنا
أما نحن من نسل النبي المسدّد
أما كانت الزهراء أمّي دونكم
أما كان من خير البريّة أحمد
لعنتم وأخزيتم بما قد جنيتم
فسوف تلاقوا حرّ نار توقّد
* * *
ثم برز قاسم بن الحسين(1) عليهماالسلام وهو يرتجز ويقول :
ص: 358
إن تنكروني فأنا ابن حيدره
ضرغام آجام وليث قسوره
على الأعادي مثل ريح صرصره
أكيلكم بالسيف كيل السندره(1)
* * *
ثم تقدّم علي بن الحسين الأكبر عليهماالسلام ، وهو ابن ثمان عشر سنة ، ويقال :ابن خمس وعشرون ، وكان يشبّه برسول اللّه صلى الله عليه و آله خلقا وخلقا ونطقا ، وجعل يرتجز ويقول :
أنا علي بن الحسين بن علي
من عصبة جدّ أبيهم النبي
ص: 359
نحن وبيت اللّه أولى بالوصي
واللّه لا يحكم فينا ابن الدعي
أضربكم بالسيف أحمي عن أبي
أطعنكم بالرمح حتى ينثني
طعن غلام هاشمي علوي
* * *
فقتل سبعين مبارزا ، ثم رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات ، فقال : يا أبة العطش ، فقال الحسين عليه السلام : يسقيك جدّك ، فكرّ أيضا عليهم ، وهو يقول :
الحرب قد بانت لها حقائق
وظهرت من بعدها مصادق
واللّه ربّ العرش لا نفارق
جموعكم أو تغمد البوارق(1)
* * *
فطعنه مرّة بن منقذ العبدي على ظهره غدرا ، فضربوه بالسيف ، فقال الحسين عليه السلام : على الدنيا بعدك العفا ، وضمّه إلى صدره ، وأتى به إلى باب الفسطاط(2) ، فصارت أمّه شهربانويه(3) !! وهي تنظر إليه ولا تتكلّم .
فبقي الحسين عليه السلام وحيدا ، وفي حجره علي الأصغر ، فرمي إليه بسهم ،
ص: 360
فأصاب حلقه ، فجعل الحسين عليه السلام يأخذ الدم من نحره فيرميه إلى السماء ، فما يرجع منه شيء ، ويقول : لا يكون أهون عليك من فصيل(1) ناقة صالح .
ثم قال : ائتوني بثوب لا يرغب فيه ألبسه غير ثيابي لا أجرّد ، فإنّيمقتول مسلوب، فأتوه بتبّان(2)، فأبى أن يلبسه وقال : هذا لباس أهل الذمّة .
ثم أتوه بشيء أوسع منه دون السراويل وفوق التبّان فلبسه(3) .
ثم ودّع النساء ، وكانت سكينة تصيح ، فضمّها إلى صدره وقال :
سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي
منك البكاء إذا الحمام دهاني
لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة
ما دام منّي الروح في جثماني
وإذا قتلت فأنت أولى بالذي
تأتينه يا خيرة النسوان(4)
* * *
ص: 361
ثم برز عليه السلام فقال : يا أهل الكوفة ، قبحا لكم وترحا(1) ، وبؤسا لكم وتعسا(2) ، حين استصرختمونا ولهين ، فأتيناكم موجفين(3) ، فشحذتم(4)
علينا سيفا كان في أيماننا ، وحششتم(5) لأعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم ، ولا ذنب كان منّا إليكم ، فهلاّ لكم الويلات ، إذ كرهتمونا تركتمونا والسيف مشيم ، والجأش طامن(6) ، والرأي لمّا يستحصد ، لكنّكم أسرعتم
ص: 362
إلى بيعتنا كسرع الدبا(1) ، وتهافتم إليها كتهافت الفراش ، ثم نقضتموهاسفها وضلّة وفتكا لطواغيت الأمّة ، وبقية الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، ثم أنتم تتخاذلون عنّا وتقتلونا ، ألا لعنة اللّه عززززلى الظالمين(2) .
قال : ثم أنشأ : « كفر القوم وقدما رغبوا »(3) . . الأبيات .
ص: 363
ثم استوى على راحلته وقال : « أنا ابن علي الخير من آل هاشم(1) » ..الأبيات .
ثم حمل على الميمنة وقال :
الموت خير من ركوب العار
والعار أولى من دخول النار
* * *
ص: 364
ثم حمل على الميسرة وقال :
أنا الحسين بن علي
أحمي عيالات أبي
آليت أن لا أنثني
أمضي على دين النبي
* * *
وجعل يقاتل حتى قتل ألف وتسعمائة وخمسين سوى المجروحين .
فقال عمر بن سعد لقومه :
الويل لكم ! أتدرون من تبارزون ! هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتال العرب ! فاحملوا عليه من كلّ جانب .
فحملوا بالطعن مائة وثمانين ، وأربعة آلاف بالسهام .
قال الطبري : قال أبو مخنف عن جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام قال : وجدنا بالحسين عليه السلام ثلاثا وثلاثين طعنة ، وأربعا وثلاثين ضربة(1) .
وقال الباقر عليه السلام : وجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرين طعنة برمح أو ضربةبسيف أو رمية بسهم(2) .
وروي ثلاثمائة وستون جراحة .
وقيل : ثلاثا وثلاثين ضربة سوى السهام .
وقيل : ألف وتسعمائة جراحة ، وكانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ(3) .
ص: 365
وروي أنّها كانت كلّها في مقدّمه(1) .
قال العوني :
يا سهاما بدم ابن المصطفى منقسمات
ورماحا في ضلوع ابن النبي متصلات
* * *
فقال شمر : ما وقوفكم ؟ وما تنتظرون بالرجل ؟ وقد أثخنته السهام ، احملوا عليه ثكلتكم أمّهاتكم .
فحملوا عليه من كلّ جانب .
فرماه أبو الحتوف الجعفي في جبينه .
والحصين ابن نمير في فيه .وأبو أيوب الغنوي بسهم مسموم في حلقه .
فقال عليه السلام : بسم اللّه ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه ، وهذا قتيل في رضى اللّه .
وكان ضربه زرعة بن شريك التميمي على كتفه الأيسر .
وعمرو بن الخليفة الجعفي على حبل عاتقه .
وكان طعنه صالح بن وهب المزني على جنبه .
وكان رماه سنان بن أنس النخعي في صدره .
فوقع على الأرض ، وأخذ دمه بكفيه ، وصبّه على رأسه مرارا .
فدنا منه عمر وقال : جزّوا رأسه ، فقصد إليه نصر بن خرشة ، فجعل يضربه بسيفه .
ص: 366
فغضب عمر وقال لخولي بن يزيد الأصبحي : انزل فجزّ رأسه ، فنزل ، وجزّ رأسه(1) .
وسلب الحسين عليه السلام ما كان عليه :
فأخذ عمامته جابر بن يزيد الأزدي .
وقميصه إسحاق بن حوى .
وثوبه جعونة بن حوية الحضرمي .
وقطيفته من خزّ قيس بن الأشعث الكندي .وسراويله بحير بن عمير الجرمي ، ويقال : أخذ سراويله بحير بن كعب التميمي .
والقوس والحلل الرحيل بن خيثمة الجعفي ، وهاني بن ثبيت(2) الحضرمي ، وجرير بن مسعود الحضرمي .
ونعليه الأسود الأوسي .
وسيفه رجل من بني نهشل من بني دارم ، ويقال : الأسود بن حنظلة .
فأحرقهم المختار بالنار(3) .
ص: 367
وانتدب عشرة ، وهم : إسحاق بن يحيى الحضرمي ، وهاني بن ثبيب الحضرمي ، وأدلم بن ناعم ، وأسد بن مالك ، والحكيم بن طفيل الطائي ، والأخنس بن مرثد ، وعمرو بن صبيح المذحجي ، ورجاء بن منقذ العبدي ،وصالح بن وهب اليزنى ، وسالم بن خيثمة الجعفي ، فوطؤه بخيلهم(1) .
قال الرضي :
كأنّ بيض المواضي وهي تنهبه
نار تحكّم في جسم من النور
للّه ملقى على الرمضاء غصّ به
فيم الردى بعد إقدام وتشمير
تحنو عليه الظبا ظلاّ وتستره
عن النواظر أذيال الأعاصير
وخرّ للموت لا كفّ يقلّبه
إلاّ بوطيء من الجرد المحاضير(2)
* * *
ص: 368
وقصد شمر إلى الخيام ، فنهبوا ما وجدوا حتى قطعت اُذن أمّ كلثوم لحلقة(1) .
قال أبو مخنف : جاءت كندة إلى ابن زياد بثلاثة عشر رأسا ، وصاحبهم قيس بن الأشعث .وجاءت هوازن بعشرين رأسا ، وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن .
وجاءت بنو تميم بتسعة عشر رأسا .
وجاءت بنو أسد بتسعة رؤوس .
وجاء سائر الجيش بتسعة رؤوس .
فذلك سبعون رأسا(2) .
وجاء برأس الحسين عليه السلام خولي بن يزيد الأصبحي(3) .
وجاؤوا بالحرم أسارى إلاّ شهربانويه ، فإنّها أتلفت نفسها في الفرات .
واختلفوا في عدد المقتولين من أهل البيت عليهم السلام ، فالأكثرون على أنّهم كانوا سبعة وعشرين :
ص: 370
تسعة من بني عقيل عليهم السلام : مسلم ، وجعفر ، وعون ، وعبد الرحمن ، ومحمد بن مسلم ، وعبد اللّه بن مسلم ، وجعفر بن محمد بن عقيل ، ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل .
وثلاثة من ولد جعفر عليهم السلام : محمد بن عبد اللّه بن جعفر ، وعون الأكبر بن عبد اللّه ، وعبد اللّه بن عبد اللّه .
وتسعة من ولد أمير المؤمنين عليهم السلام : الحسين ، والعباس عليهماالسلام ، ويقال :وابنه محمد بن العباس ، وعمر ، وعثمان ، وجعفر ، وإبراهيم ، وعبد اللّه الأصغر ، ومحمد الأصغر ، وأبو بكر شكّ في قتله .
وأربعة من بني الحسن عليهم السلام : أبو بكر ، وعبد اللّه ، والقاسم ، وقيل : بشر ، وقيل : عمر ، وكان صغيرا .
وستّة من بني الحسين عليهم السلام مع اختلاف فيهم : علي الأكبر ، وإبراهيم ، وعبد اللّه ، ومحمد ، وحمزة ، وعلي ، وجعفر ، وعمر ، وزيد ، وذبح عبد اللّه في حجره .
وأُسر الحسن بن الحسن مقطوعة يده .
ولم يقتل زين العابدين عليه السلام ، لأنّ أباه لم يأذن له في الحرب ، وكان مريضا .
ويقال : لم يقتل محمد الأصغر بن علي بن أبي طالب لمرضه ، ويقال : رماه رجل من بني دارم فقتله(1) .
ص: 371
والمقتولون من أصحاب الحسين عليه السلام في الحملة الأولى :
[ 1 ] نعيم بن عجلان .
[ 2 ] وعمران بن كعب بن حارث الأشجعي .
[ 3 ] وحنظلة بن عمرو الشيباني .
[ 4 ] وقاسم بن زهير .
[ 5 ] وكنانة بن عتيق .
[ 6 ] وعمرو بن مشيعة .
[ 7 ] وضرغامة بن مالك .
[ 8 ] وعامر بن مسلم .
[ 9 ] وسيف بن مالك النميري .
[ 10 ] وعبد الرحمن الأرحبي .
[ 11 ] ومجمع العائذي .
[ 12 ] وحباب بن الحارث .
[ 13 ] وعمرو الجندعي .
[ 14 ] والحلاس بن عمرو الراسبي .
[ 15 ] وسوار بن أبي عمير الفهمي .
[ 16 ] وعمار بن أبي سلامة الدالاني .
[ 17 ] والنعمان بن عمرو الراسبي .
[ 18 ] وزاهر بن عمرو مولى ابن الحمق .
ص: 372
[ 19 ] وجبلة بن علي .
[ 20 ] ومسعود بن الحجاج .
[ 21 ] وعبد اللّه بن عروة الغفاري .
[ 22 ] وزهير بن بشر الخثعمي .
[ 23 ] وعمار بن حسان .
[ 24 ] وعبد اللّه بن عمير .
[ 25 ] ومسلم بن كثير .
[ 26 ] وزهير بن سليم .
[ 27 ] [ 28 ] وعبد اللّه وعبيد اللّه ابنا زيد البصري .
[ 29 - 39 ] وعشرة من موالي الحسين عليه السلام .
[ 40 ] [ 41 ] وموليان من موالي أمير المؤمنين .
وكانت زينب عليهاالسلام تقول : وا محمداه صلّى عليك مليك السماء ، هذا حسين مرمّل بالدماء ، صريع بكربلاء ، مقطّع الأعضاء ، مجزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والردا ، [ يا أبتاه ! بناتك سبايا ، وذريّتك فتلى ، بأبي مسلوب العمامة والردا (1)] ، بأبي من معسكره نهبا ، بأبي من فسطاطه مقطّع بالعَرا ، بأبي من لا هو غائب فيرجى ، ولا مريض فيداوى ،
ص: 373
أنا الفداء للمهموم حتى مضى ، أنا الفداء للعطشان حتى قضى ، أنا الفداء لمن شيبته تقطر بالدما(1) .
قال الطبري : لمّا دخل سنان على عبيد اللّه بن زياد أنشأ يقول :
أوقر ركابي فضّة وذهبا
أنا قتلت الملك المحجّبا
ومن يصلّي القبلتين في الصبا
قتلت خير الناس أمّا وأبا
وخيرهم إذ ينسبون نسبا
* * *
فقال عبيد اللّه : ما تلقى منّي خيرا إلاّ ألحقتك به ، وأمر بقتله(2) .
ص: 374
وقال الطبري والبلاذري والكوفي : لمّا وضعت الرؤوس بين يدي يزيد جعل يضرب بقضيبه على ثنيّته ، ثم قال : يوم بيوم بدر(1) ، وجعل يقول :نفلّق هاما من رجال أعزّة
علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما !
* * *
وقال يحيى بن الحكم أخو مروان :
لهام بجنب الطفّ أدنى قرابة
من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل(2)
سميّة أمسى نسلها عدد الحصىوبنت رسول اللّه أمست بلا نسل
* * *فضرب يزيد في صدر يحيى وقال : اسكت لا أمّ لك(3) .
ص: 375
فقال أبو برزة : ارفع قضيبك يا فاسق ، فواللّه رأيت شفتي رسول اللّه صلى الله عليه و آله مكان قضيبك يقبّله ، فرفع وهو يتذمّر مغضبا على الرجل(1) .
وزاد غيرهم في الرواية : أنّه جعل يتمثّل بقول ابن الزبعرى يوم أُحد :
ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل(2)
لأهلّوا واستهلّوا فرحا
ولقالوا يا يزيد لا تشل
قد قتلنا السبط من أسباطهم
وعدلناه ببدر فاعتدل
لست من خندف إن لم أنتقم
من بني أحمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالدين فلا
خبر جاء ولا وحي نزل(3)
* * *
قال الحميري :
لم يزل بالقضيب يعلو ثنايا
في جناها الشفاء من كلّ داءقال زيد ارفعن قضيبك ارفع
عن ثنايا غرّ غذى باتقاء
طالما قد رأيت أحمد يلثمها
وكم لي بذاك من شهداء
* * *
ص: 376
وقال الجوالقي(1) :
اختال بالكبر على ربّه
يقرع بالعود ثناياه
بحيث قد كان نبي الهدى
يلثم في قبلته فاه
* * *
وقال الصاحب :
يقرع بالعود ثنايا لها
كان النبي المصطفى لاثما
* * *
وفي كلام عن زين العابدين عليه السلام : أنا علي بن الحسين المذبوح بشطّ الفرات ، عن غير دخل على ترات ، أنا ابن من انتهك حريمه ، وسلب نعيمه ، وانتهب ماله ، وسبي عياله ، أنا ابن من قتل صبرا ، وكفى بذلكفخرا . . إلى آخر كلامه .
ثم قال :
ولا غرو في قتل الحسين وشيخه
لقد كان خير من حسين وأكرما
ص: 377
فلا تفرحوا يا أهل كوفة فالذي
أصبنا به من قتله كان أعظما
قتيل بشطّ النهر نفسي فداؤه
جزاء الذي أرداه نار جهنما(1)
* * *
ومن كلام لزينب بنت علي عليهماالسلام : يا أهل الكوفة ، ويا أهل الختر والغدر والختل والخذل والمكر ، فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الزفرة ، إنّما مثلكم كمثل التي « نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ » ، هل فيكم إلاّ الصلف والعجب ، والشنف والكذب ، وملق الإماء ، وغمز الأعداء ، كمرعى على دمنة ، أو كقصّة على ملحودة ، ألا بئس ما قدّمت لكم أنفسكم ، أن سخط اللّه عليكم وفي العذاب أنتم خالدون . .
حتى انتهى كلامها إلى قولها : ألا ساء ما قدّمتم لأنفسكم ، وساء ما تزرون ليوم بعثكم ، فتعسا تعسا ، ونكسا نكسا ، لقد خاب السعي ، وتبت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من اللّه ، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة ، أتدرون ويلكم أيّ كبد لمحمد فريتم ؟ وأيّ عهد نكثتم ؟ وأيّكريمة أبرزتم ؟ وأيّ دم له سفكتم ؟ « لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَْرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا » .
لقد جئتم بها شوهاء خرقاء ، طلاع الأرض والسماء ، أفعجبتم أن تمطر
ص: 378
السماء دما ، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ، فلا يستخفنّكم المهل ، فإنّه - عزّ وجلّ - لا يحقره البدار ، ولا يخشى عليه فوت ثار ، كلاّ إنّ ربّك لنا ولهم بالمرصاد(1) .
ثم أنشأت تقول :
ما ذا تقولون إن قال النبي لكم
ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي
منهم أسارى وقتلى ضرّجوا بدم
إن كان هذا جزائي إذ نصحت لكم
أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي(2)
* * *
وهذا الشعر ينسب إلى زين العابدين عليه السلام ، وإلى أبى الأسود الدؤليأيضا(3) .
ص: 379
وخرجت أسماء بنت عقيل تنوح وتقول :
ماذا تقولون إن قال النبي لكم
يوم الحساب وصدق القول مسموع
خذلتم عترتي أو كنتم غيبا
والحقّ عند وليّ الأمر مجموع
أسلمتموه بأيدي الظالمين فما
منكم له اليوم عند اللّه مشفوع
ما كان عند عداة الطف إذ حضروا
تلك المنايا ولا عنهن مدفوع(1)
* * *
ص: 380
قال الكميت :
أضحكني الدهر وأبكاني
والدهر ذو صرف وألوان
لتسعة بالطفّ قد غودروا
صاروا جميعا رهن أكفان
وستّة لا يتجازى بهم
بنو عقيل خير فرسان
ثم علي الخير مولاهم
ذكرهم هيّج أحزاني
* * *
وقال الوفي السري :
أقام روح وريحان على جدث
ثوى الحسين به ظمآن آمينا
كأنّ أحشاءنا من ذكره أبدا
تطوى على الجمر أو تخشى السكاكينا
مهلاً فما نقضوا أوتار والده
وإنّما نقضوا في قتله الدينا
* * *
ص: 381
وقال دعبل :
هلاّ بكيت على الحسين وأهله
هلاّ بكيت لمن بكاه محمد
فلقد بكته في السماء ملائك
زهر كرام راكعون وسجّد
لم يحفظوا حقّ النبي محمد
إذ جرّعوه حرارة ما تبرد
قتلوا الحسين فأثكلوه بسبطه
فالثكل من بعد الحسين مبدد
هذا حسين بالسيوف مبضّع
وملطّخ بدمائه مستشهد
عار بلا ثوب صريع في الثرى
بين الحوافر والسنابك يقصد
كيف القرار وفي السبايا زينب
تدعو بفرط حرارة يا أحمد
يا جدّ إنّ الكلب يشرب آمنا
ريّا ونحن عن الفرات نطرد
يا جدّ من ثكلي وطول مصيبتي
ولما أعانيه أقوم واقعد
* * *
وقال كشاجم :
إذا تفكّرت في مصابهم
أثقب زند الهموم قاطعه
فبعضهم قربت مصارعه
وبعضهم بعدت مطارحه
أظلم في كربلاء يومهم
ثم تجلّى وهم ذبائحه
ذلّ حماه وقلّ ناصره
ونال أقوى مناه كاشحه
* * *
ص: 382
وقال خالد بن معدان :
جاؤوا برأسك يا ابن بنت محمد
مترمّلاً بدمائه ترميلا
قتلوك عطشانا ولم يترقّبوا
في قتلك التنزيل والتأويلا
وكأنّما بك يا ابن بنت محمد
قتلوا جهارا عامدين رسولا
ويكبّرون بأن قتلت وإنّما
قتلوا بك التكبير والتهليلا
* * *
وقال سليمان بن قبة الهاشمي :
مررت على أبيات آل محمد
فلم أرها أمثالها يوم حلّت
ألم تر أنّ الأرض أضحت مريضة
لفقد الحسين والبلاد اقشعرت(1)
وإنّ قتيل الطفّ من آل هاشم
أذلّ رقاب المسلمين فذلّت
وكانوا رجاء ثم عادوا رزيّة
لقد عظمت تلك الرزايا وجلّت
* * *
وقال السوسي :
لهفي على السبط وما ناله
قد مات عطشانا بكرب الظما
لهفي لمن نكّس عن سرجه
ليس من الناس له من حمى
ص: 383
لهفي على بدر الهدى إذ علا
في رمحه يحكيه بدر الدجى
لهفي على النسوة إذ برّزت
تساق سوقا بالعنا والجفا
لهفي على تلك الوجوه التي
أبرزن بعد الصون بين الملا
لهفي على ذاك العذار الذي
علاه بالطفّ تراب العزا
لهفي على ذاك القوام الذي
حناه بالطفّ سيوف العدا
* * *
وله أيضا :
كم دموع ممزوجة بدماء
سكبتها العيون في كربلاء
لست أنساه بالطفوف غريبا
مفردا بين صحبه بالعراء
وكأنّي به وقد لحظ النسوان
وان يهتكن مثل هتك الإماء
* * *
وله أيضا :
جودي على حسين
يا عين بانغزار
جودي على الغريب
إذ الجار لا يجار
جودي على النساء
مع الصبية الصغار
جودي على قتيل
مطروح في القفار
* * *
وله أيضا :
ألا يا بني الرسول
لقد قلّ الاصطبار
ألا يا بني الرسول
خلت منكم الديار
ألا يا بني الرسول
فلا قرّ لي قرار
ص: 384
وله أيضا :
لا عذر للشيعي يرقى دمعه
ودم الحسين بكربلاء أُريقا
يا يوم عاشورا لقد خلّفتني
ما عشت في بحر الهموم غريقا
فيك استبيح حريم آل محمد
وتمزّقت أسبابهم تمزيقا
أأذوق ري الماء وابن محمد
لم يرو حتى للمنون أذيقا
* * *
وله أيضا :
وكلّ جفني بالسهاد
مذ عرس(1) الحزن في فؤادي
ناع نعى بالطفوف بدرا
أكرم به رائحا وغاد
نعى حسينا فدته روحي
لمّا أحاطت به الأعادي
في فتية ساعدوا وواسوا
وجاهدوا أعظم الجهاد
حتى تفانوا وظلّ فردا
ونكّسوه عن الجواد
وجاء شمر إليه حتى
جرّعه الموت وهو صادي
وركب الرأس في سنان
كالبدر يجلو دجىالسواد
واحتملوا أهله سبايا
على مطايا بلا مهاد
* * *
وله أيضا :
أأنسى حسينا بالطفوف مجدّلاً
ومن حوله الأطهار كالأنجم الزهر
ص: 385
أأنسى حسينا يوم سير برأسه
على الرمح مثل البدر في ليلة البدر
أأنسى السبايا من بنات محمد
يهتكن من بعد الصيانة والخدر
* * *
وقال العوني :
فيا بضعة من فؤاد النبي
بالطفّ أجرت كثيبا مهيلا
ويا كبدا في فؤاد البتولة
بالطفّ ثلث فأضحت أكيلا
قتلت فأبكيت عين الرسول
وأبكيت من رحمة جبرئيلا
* * *
وله أيضا :
يا قمرا غاب حين لاحا
أورثني فقدك المناحا
يا نوب الدهر لم يدع لي
صرفك من حادث صلاحا
أبعد يوم الحسين وَيحي
استعذب اللهو والمزاحا
يا بأبي أنفسنا ظماة
ماتوا ولم يشربوا المباحا
يا بأبي غرّة هداة
باكرها حتفها صباحا
يا سادتي يا بني علي
بكى الهدى بعدكم وناحا
ص: 386
يا سادتي يا بني إمامي
أقولها عنوة صراحا
أوحشتم الحجر والمساعي
آنستم القفر والبطاحا
أوحشتم الذكر والمثاني
والسور الطّول الفصاحا
* * *
وله أيضا :
لم أنس للحسين وقد ثوى
بالطفّ مسلوب الرداء خليعا
ظمآن من ماء الفرات معطّشا
ريّان من غصص الحتوف نقيعا
يرنو إلى ماء الفرات بطرفه
فيراه عنه محرّما ممنوعا
* * *
وقال الزاهي :
أعاتب عيني إذا قصرت
وأفنى دموعي إذا ما جرت
لذكراكم يا بني المصطفى
دموعي على الخدّ قد سطّرت
لكم وعليكم جفت غمضها
جفوني عن النوم واستشعرت
أمثّل أجسادكم بالعراق
وفيها الأسنّة قد كسّرت
أمثّلكم في عراص(1) الطفوف
بدور تكسف إذ أقمرت
غدت أرض يثرب من جمعكم
كخطّ الصحيفة إذ أقفرت
ص: 387
وأضحى بكم كربلا مغربا
لزهر النجوم إذ أغورت
كأنّي بزينب حول الحسين
ومنها الذوائب قد نشرت
تمرّغ في نحره شعرها
وتبدي من الوجد ما أضمرت
وفاطمة عقلها طائر !
إذ السوط في جنبها أبصرت
وللسبط فوق الثرى شيبة
بفيض دم النحر قد عفّرت
ورأس الحسين أمام الرفاق
كغرّة صبح إذا أسفرت
* * *
وله أيضا :
لست أنسى النساء في كربلاء
وحسين ظام فريد وحيد
ماجد يلثم الثرى وعليه
قضب الهند(1) ركّع وسجود
يطلب الماء والفرات قريبويرى الناس وهو عنه بعيد
* * *
وقال الناشي :
مصائب نسل فاطمة البتول
نكت حسراتها كبد الرسول
ألا بأبي البدور لقين كسفا
وأسلمها الطلوع إلى الأفوال
ألا يا يوم عاشورا رماني
مصابي منك بالداء الدخيل
ص: 388
كأنّي يا بن فاطمة جديلاً
يلاقي الترب بالوجه الجميل
يحرن في الثرى قدّا ونحرا
على الحصباء بالخدّ التليل
صريعا ظلّ فوق الأرض أرضا
فوا أسفا على الجسم النحيل
أعاديه توطأه ولكن
تخطّاه العتاق من الخيول
وقد قطع العداة الرأس منه
وعلّوه على رمح طويل
وقد برز النساء مهتّكات
يجزّزن الشعور من الأصول
يسرن مع اليتامى من قتيل
يخضّب بالدماء إلى قتيل
فطورا يلتثمن بني علي
وطورا يلتثمن بني عقيل
وفاطمة الصغيرة بعد عزّ
كساها الحزن أثواب الذليل
تنادي جدّها يا جدّ إنّا
طلبنا بعد فقدك بالذحول
* * *
وقال المرتضى :
إنّ يوم الطفّ يوما
كان للدين عصبيا
لم يدع للقلب منّي
في المسّرات نصيبا
لعن اللّه رجالاً
أترعوا الدنيا غصوبا
سالموا عجزا فلمّا
قدروا شنّوا الحروبا
طلبوا أوتار بدر
عندنا ظلما وحوبا
* * *
ص: 389
وله أيضا :
لقد كسرت للدين في يوم كربلا
كسائر لا توسى ولا هي تجبر
فأمّا سبي بالرماح مسوق
وأمّا قتيل بالتراب معفّر
وجرحى كما اختارت رماح وأنصل
وصرعى كما شاءت ضباع وأنسر
* * *
وقال الرضي :
كربلا لا زلت كربا وبلا
ما لقي عندك آل المصطفى
كم على تربك لمّا صرّعوا
من دم سال ومن دمع جرى
وضيوف لفلاة قفرة
نزلوا فيها على غير قرى
لم يذوقوا الماء حتى اجتمعوا
بحدا السيف على ورد الردى
تكسف الشمس شمس منهم
لا تدانيها علوّا وضيا
وتنوش الوحش من أجسادهم
أرجل السبق وإيمان الندا
ووجوها كالمصابيح فمن
قمر غاب ومن نجم هوى
غيّرتهن الليالي وغدا
جائر الحكم عليهم البلى
يا رسول اللّه لو عاينتهم
وهم ما بين قتل وسبى
ص: 390
من رميض(1) يمنع الظلّ ومن
عاطش يسقى أنابيب القنا
ومسوق عاثر يسعى به
خلف محمول على غير وطا
جزروا جزر الأضاحي نسله
ثم ساقوا أهله سوق الإما
قتلوه بعد علم منهم
أنّه خامس أصحاب الكسا
ميّت تبكي له فاطمة
وأبوها وعلي ذو العلى
* * *
وله أيضا :
شغل الدموع عن الديار بكاؤنا
لبكاء فاطمة على أولادها
لم يخلفوها في الشهيد وقد رأت
دفع الفرات يذاد عن ورادها
أترى درت أنّ الحسين طريدة
لقنا بني الطرّاد عند ولادها
كانت مآتم بالعراق تعدّها
أموية بالشام من أعيادها
ما راقبت غضب النبي وقد غدا
زرع النبي مظنّة لحصادها
جعلت رسول اللّه من خصمائها
فلبئس ما ذخرت ليوم معادها
ص: 391
نسل النبي على صعاب مطيّها
ودم الحسين على رؤوس صعادها(1)
وا لهفتاه لعصبة علويّة
تبعت أميّة بعد ذلّ قيادها
جعلت عران الذلّ في آنافها
وعلاط وسم الضيم في أجيادها(2)
واستأثرت بالأمر عن غيّابها
وقضت بما شاءت على أشهادها
طلبت ترات الجاهلية عندها
وشفت قديم الغلّ من أحقادها
يا يوم عاشوراء كم لك لوعة
تترقّص الأحشاء من إيقادها* * *
وأوّل شعر رثي به الحسين عليه السلام قول عقبة به عميق السهمي من بني سهم بن عوف بن غالب(3) :
ص: 392
إذا العين قرّت في الحياة وأنتم
تخافون في الدنيا فأظلم نورها
مررت على قبر الحسين بكربلا
ففاض عليه من دموعي غزيرها
فما زلت أرثيه وأبكي لشجوه
ويسعد عيني دمعها وزفيرها
وبكيت من بعد الحسين عصائبا
أطافت به من جانبيها قبورها
سلام على أهل القبور بكربلا
وقل لها منّي سلام يزورها
سلام بآصال العشيّ وبالضحى
تؤدّيه نكباء الصبا ودبورها
ولا تبرح الوفّاد زوّار قبره
يفوح عليهم مسكها وعبيرها
* * *
آل العزيز يعظّمون حماره
ويرون فوزا لثمهم للحافر
وسيوفكم بدم ابن بنت نبيكم
مخضوبة لرضى يزيد الفاجر
* * *
وقال الصنوبري(1) :
يا خير من لبس النبوة من جميع الأنبياء
وجدي على سبطيك وجد ليس يؤذن بالقضاء
هذا قتيل الأشقياء وذا قتيل الأدعياء
يوم الحسين هرقت دمع الأرض بل دمع السماء
يوم الحسين تركت باب العزّ مهجور الفناء
يا كربلا خلفت من كرب عليّ ومن بلاء
كم فيك من وجه تشرّب ماؤه ماء البهاء
نفسي فداء المصطلي نار الوغى أي اصطلاء
حيث الأسنّة في الجواشن كالكواكب في السماء
فاختار درع الصبر حيث الصبر من لبس السناء
ص: 394
وأبى إباء الأسد إنّ الأسد صادقة الإباء
وقضى كريما إذ قضى ظمآن في نفر ظماء
منعوه طعم الماء لا وجدوا لماء طعم ماء
من ذا لمعفور الجواد ممال أعواد الخباء
من للطريح الشلو عريانا مخلّى بالعراء
من للمحنّط بالتراب وللمغسّل بالدماء
من لابن فاطمة المغيب عن عيون الأولياء
* * *
وقال الشافعي :
تأوّه قلبي والفؤاد كئيب
وأرّق نومي فالسهاد عجيب
فمن مبلغ عنّي الحسين رسالة
وإن كرهتها أنفس وقلوب
ذبيح بلا جرم كأنّ قميصه
صبيغ بماء الأرجوان خضيب
فللسيف إعوال وللرمح رنّة
وللخيل من بعد الصهيل نحيب
تزلزلت الدنيا لآل محمد
وكادت لهم صمّ الجبال تذوب
وغارت نجوم واقشعرت كواكب
وهتّك أستار وشقّ جيوب
يصلّى على المبعوث من آل هاشم
ويغزى بنوه إن ذا لعجيب
لئن كان ذنبي حبّ آل محمد
فذلك ذنب لست عنه أتوب
هم شفعائي يوم حشري وموقفي
إذا ما بدت للناظرين خطوب
ص: 395
وقال الجوهري(1) :
عاشورنا ذا ألا(2) لهفي على الدين
خذوا حدادكم يا آل ياسين
اليوم شقّق جنب الدين وانتهبت
بنات أحمد نهيب الروم والصين
اليوم قام بأعلى الطفّ نادبهم
يقول من ليتيم أو لمسكين
اليوم خضّب جيب المصطفى بدم
أمسى عبير بخور الحور والعين
اليوم خرّت(3)نجوم الفخر من مضر
على مناخر تذليل وتوهين
اليوم انطفى نور اللّه متّقدا
وجرّرت لهم التقوى على الطين
اليوم هتّك أسباب الهدى مزقا
وبرقعت غرّة الإسلام بالهون
اليوم زعزع قدس من جوانبه
وطاح بالخيل ساحات الميادين
ص: 396
اليوم نال بنو حرب طوائلها
ممّا صلوه ببدر ثم صفين
اليوم جدّل سبط المصطفى شرقا(1)
من نفسه بنجيع غير مسنون
* * *
وقال شاعر :
يا كربلا يا كربتي وزفرتي
كم فيك من ساق ومن جمجمة
ومن يمين للحسام بينت
للفاطميات العظام الحرمة
قد خرّ أركان العلى وانهدّت
وغلّقت أبوابه وسدّت
تلك الرزايا عظمت وجلّت
* * *
وقال آخر :
كم سيّد لي بكربلاء
فديته السيّد الغريب
كم سيّد لي بكربلاء
عسكره بالعرا نهيب
كم سيّد لي بكربلاء
ليس لما يشتهي طبيب
كم سيّد لي بكربلاء
خاتمه والردا سليب
كم سيّد لي بكربلاء
خضّب من نحره المشيب
كم سيّد لي بكربلاء
يسمع صوتي لا يجيب
كم سيّد لي بكربلاء
ينقر في ثغره القضيب
ص: 397
وقال دعبل :
رأس ابن بنت محمد ووصيّه
للناظرين على قناة يرفع
والمسلمون بمنظر وبمسمع
لا منكر منهم ولا منتفجّع
كحلت بمنظرك العيون عماية
وأصمّ رزؤك كلّ اُذن تسمع
أيقظت أجفانا وكنت لها كرى(1)
وأنمت عينا لم تكن بك تهجع(2)
ما روضة إلاّ تمنت أنّهالك منزل ولخطّ قبرك مضجع
* * *
وقال آخر :
إذا جاء عاشور تضاعف حسرتي
لآل رسول اللّه وانهل عبرتي
هو اليوم فيه اغبرت الأرض كلّها
وجوما عليها والسماء اقشعرت
أريقت دماء الفاطميين بالملا
فلو عقلت شمس النهار لخرّت
بنفسي خدودا في التراب تعفرّت
بنفسي جسوما بالعراء تعرّت
بنفسي رؤوسا معليات على القنا
إلى الشام تهدى بارقات الأسنّة
بنفسي شفاه ذابلات من الظما
ولم تحظ من ماء الفرات بقطرة
ص: 398
بنفسي عيونا عابرات سواهر
إلى الماء منها قطرة بعد قطرة
بنفسي من آل النبي خرائد(1)
حواسر لم تعرف عليهم بسترة
* * *
وقال أبو الفرج ابن الجوزي :
أحسين والمبعوث جدّك بالهدى
قسما يكون الحقّ فيه مسائلي
لو كنت شاهد كربلا لبذلت في
تنفيس كربك جهد بذل الباذل
وسقيت حدّ السيف من أعدائكم
جللاً وحدّ السمهريّ الذابل
لكنّني أخرّت عنك لشقوتي
فبلابلي بين الغري وبابل
إن لم أفز بالنصر من أعدائكم
فأقلّ من حزن ودمع سائل
* * *
وقال آخر :
يا حرّ صدري يا لهيب الحشا
إنهدّ ركني يا أخي والقوى
كنت أخي ركني ولم يبق لي
ذخر ولا ركن ولا ملتجى
ص: 399
وكنت أرجوك فقد خانني
ما كنت أرجوه فخاب الرجا
يا ابن أمّي لو تأمّلتني
رأيت منّي ما يسرّ العدا
حلّ بأعدائك ما حلّ بي
من ألم السير وذلّ السبى
ويا شفيعي أنا أفديك من
يومك هذا وأكون الفدا
ولا هناني العيش يا سيّدي
ما عشت من بعدك أو أدفنا
* * *
وقال آخر :
يا من رأى حسينا
شلوا لدى الفرات
والرأس منه عال
في ذورة القناة
وزينب تنادي
قد قتلوا حماتي
يا جدّ لو ترانا
أسرى مهتّكات
* * *
ص: 400
ص: 401
ص: 402
إسحاق بن عمار : قال الصادق عليه السلام :
ليس ملك في السماوات والأرض إلاّ وهم يسألون اللّه - تعالى - أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين عليه السلام ، ففوج ينزل ، وفوج يعرج(1) .
الفردوس عن الديلمي : قال النبي صلى الله عليه و آله :
إنّ موسى بن عمران سأل ربّه زيارة قبر الحسين بن علي عليهماالسلام ، فزاره في سبعين ألف من الملائكة(2) .
أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام قال :
وكّل اللّه بقبر الحسين عليه السلام أربعة آلاف ملكا شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة ، فمن زاره عارفا بحقّه شيعوه حتى يبلغوه مأمنه ، وإن مرض عادوه غدوة وعشيّا ، وإذا مات شهدوا جنازته ، واستغفروا له إلى يومالقيامة(3) .
ص: 403
الباقر عليه السلام : مروا شيعتنا بزيارة الحسين عليه السلام ، فإنّ زيارته تدفع الهدم والحرق والغرق وأكل السبع ، زيارته مفترضة على من أقرّ له بالإمامة من اللّه (1) .
إسحاق بن عمار : قال الصادق عليه السلام : ما بين قبر الحسين عليه السلام إلى السماء السابعة مختلف الملائكة(2) .
الكاظم عليه السلام : من زار قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقّه غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر(3) .
الصادق عليه السلام : كان الحسين عليه السلام ذات يوم في حجر النبي صلى الله عليه و آله يلاعبه ويضاحكه ، فقالت عائشة : ما أشدّ إعجابك بهذا الصبي ! فقال لها : ويلك ، كيف لا أحبّه ، ولا أعجب به ، وهو ثمرة فؤادي ، وقرّة عيني ، أما أنّ أمّتي ستقتله ، فمن زاره بعد وفاته كتب اللّه له حجّة من حججي ،قالت : يا رسول اللّه ، حجّة من حججك ! قال : نعم ، حجّتين من حججي ، قالت : حجّتين من حججك ! قال : نعم ، وثلاث ، قال : فلم تزل تزاده ويزيد ويضعفه حتى بلغ سبعين حجّة من حجج رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأعمارها(4) .
ص: 404
قال شاعر :
فجعفر الصادق من ولده
خبّرنا من فضله بالتمام
عن جدّه أنّ لمن زاره
ثواب حجّ البيت سبعين عام
* * *
في الرسالة المقنعة ، والمزار للكليني بإسناده عن الرضا عليه السلام قال : من زار قبر أبي عبد اللّه عليه السلام بشطّ الفرات كان كمن زار اللّه فوق عرشه(1) .
نظمه العبدي فقال :
وحديث عن الأئمة فيما
قد روينا عن الشيوخ الثقات
أنّ من زاره كمن زار ذا العر
ش على عرشه بغير صفات
* * *أي كمن عبد اللّه على العرش(2) .
ص: 405
ص: 406
باب في إمامة أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام
فصل 1 : في المقدمات
( 7 - 18 )
الآيات··· 9
وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ··· 9
وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا . .··· 9
وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ··· 10
الاستدلال بالحساب··· 12
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّاهُمْ فِي الأَْرْضِ . .··· 13
.. فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ··· 13
فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ··· 13
لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا··· 13
التباع خمسة··· 14
تزويجه ابنة يزدجرد··· 14
في الحساب··· 16
ص: 407
فصل 2 : في معجزاته عليه السلام
( 19 - 28 )
ولد عليه السلام لستّة أشهر وعاش··· 21
ارتضع من لسان النبي صلى الله عليه و آله··· 21
حفر في كربلاء فنبع ماء طيّب··· 23
إخباره مروان بسقوط ردائه . .··· 23
هروب الحمى من الحسين عليه السلام··· 23
رجل تحرّش بامرأة في الطواف··· 24
فلصقت يداهما وخلّصهما الحسين عليه السلام··· 24
تكلّم ببعض فضائلهم فدهش الرجل ووله··· 25
أمر الغلام الصغير فنطق بإذن اللّه ··· 25
إرائة الأصبغ مخاطبة النبي صلى الله عليه و آله لأبي دون··· 26
إخباره بموضع قتله تعريضا بابن الزبير··· 27
كفّ جبرائيل في كفّه··· 27
أصحابه مكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم··· 27
فصل 3 : في آياته بعد وفاته عليه السلام
( 29 - 64 )
بكاء السماء عليه··· 31
حمرة أطراف السماء بعد قتله··· 32
كسفت السماء لقتله··· 33
ص: 408
مطرت السماء دما ورمادا··· 33
إخباره ابن سعد أنّه لا يأكل من برّ العراق بعده إلاّ قليلاً··· 35
شهد النبي صلى الله عليه و آله قتله··· 35
جبرائيل يخبر النبي صلى الله عليه و آله بقتل الحسين عليه السلام··· 36
النبي يدفن الحسين عليه السلام وأصحابه··· 37
صار الورس دما واشتعل النجم نارا··· 37
استعملت امرأة ورسا منهوبا فبرصت··· 38
عقاب رجلين من قتلة الحسين عليه السلام··· 38
اللّهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا··· 39
عقاب الدارمي الذي رماه بسهم فأصاب حنكه··· 40
عقاب ابن حوزة··· 40
عقاب أبحر بن كعب··· 41
عقاب من سلب عمامته··· 42
عقاب من سلب ثوبه··· 42
عقاب من سلب سراويله··· 42
عقاب من سلب برنسه··· 43
الزعفران والجمل المنهوب··· 43
عقاب محمد بن الأشعث··· 44
الفرس يواسي الحسين عليه السلام في عطشه··· 44
الفرس يحامي عنه ويخبر أهله بمصرعه··· 45
عقاب رجل من بني دارم قتل رجلاً من أصحاب الحسين عليه السلام··· 45
سبّ الحسين عليه السلام فأهوى اللّه عليه نجمين فعميت عيناه··· 46
ص: 409
عقاب من كثّر السواد··· 46
عقاب من باع المسمار في عسكر ابن سعد··· 47
عقاب أحد قتلة الحسين عليه السلام··· 48
عقاب الوكلاء على الرأس المقدّس··· 48
راهب قنسرين والرأس المقدّس··· 49
دراهم أمّ كلثوم التي دفعتها لحاجب ابن زياد··· 50
الرأس المقدّس في بيت خولي··· 51
الرأس المقدّس يقرأ القرآن··· 52
حيّة تتخلّل رأس ابن زياد··· 52
طيب الرأس المقدّس··· 53
لحم الجمل الذي حمل عليه رأس الحسين عليه السلام··· 53
آيات عند قتله عليه السلام··· 53
قلم من حديد يكتب شعرا بالدم على الحائط··· 54
أبيات مكتوبة في كنيسة قبل بعثة النبي
صلى الله عليه و آله··· 54
أبيات قسّ بن ساعدة قبل المبعث··· 55
نوح الجنّ··· 55
سليمان بن عبد الملك يدفن الرأس المقدّس !··· 58
رؤيا زر النائحة فاطمة عليهاالسلام··· 59
لعن اللّه قاطع السدرة··· 59
عقاب من تنكّر لطين القبر المقدّس··· 60
عقاب من استهزأ بطين القبر المقدّس··· 60
عقاب من أهان القبر المقدّس··· 61
ص: 410
زيارة زيد المجنون لمّا حرث القبر المقدّس··· 61
عقاب الديزج الذي باشر حرث القبر المقدّس··· 62
عقاب المتوكّل الذي أمر بحرث القبر المقدّس··· 62
فصل 4 : في مكارم أخلاقه عليه السلام
( 65 - 80 )
جوده عليه السلام··· 67
قضاؤه دين أسامة بن زيد··· 67
خير مالك ما وقيت به عرضك··· 67
كيف يأكل التراب جودك··· 68
أثر الجراب على ظهره عليه السلام··· 69
عطاؤه لمن علّم ولده الحمد··· 69
من شعره عليه السلام··· 69
تواضعه عليه السلام··· 70
أجاب دعوة المساكين··· 70
بينه عليه السلام وبين أخيه ابن الحنفية··· 70
فصاحته وعلمه عليه السلام··· 71
جوابه لمن سمعه يخطب فقال من هذا ؟··· 71
جوابه عليه السلام لابن العاص··· 72
تفسيره صيحات بعض الطيور··· 73
علّة افتراض الصوم··· 73
ص: 411
شجاعته عليه السلام··· 74
نزاعه مع والي المدينة··· 74
موت في عزّ خير من حياة في ذلّ··· 74
من شعره عليه السلام··· 75
إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة··· 75
سأمضي فما بالموت عار على الفتى··· 76
زهده عليه السلام··· 77
ما أعظم خوفك من ربّك ؟··· 77
حجّ خمسة وعشرين حجّة ماشيا··· 77
وقوفه عليه السلام على قبر جدّته خديجة عليهاالسلام··· 77
من شعره عليه السلام··· 78
فصل 5 : في محبّة النبي إيّاه
عليه السلام
( 81 - 90 )
رؤيا أمّ أيمن··· 83
تقبيله إيّاه··· 83
ضمّه إيّاه··· 84
إنّ بكاءه يؤذيني··· 84
أنا من حسين وحسين منّي . .··· 84
مناقب لا تعنون !··· 85
أسلم يهودي لما رأى من محبّة النبي صلى الله عليه و آله إيّاه··· 86
أتركب ظهرا حمله رسول اللّه صلى الله عليه و آله··· 87
ص: 412
تأويل رؤيا هند··· 87
من شعره عليه السلام··· 88
فصل 6 : في معالي أُموره
( 91 - 100 )
أحبّ أهل الأرض الى أهل السماء··· 93
سنّة التكبير في الصلاة بركة الحسين عليه السلام··· 94
فطرس عتيق الحسين عليه السلام··· 94
جبرئيل يلهيه حتى تستيقظ أمّه··· 96
قصره عليه السلام وحوريّته في الجنّة··· 96
أعتق غلاما ليهودي كان يواكل كلبا طلبا للسرور··· 97
جمال الحسين عليه السلام ونور وجهه··· 97
الحسنان عليهماالسلام ريحانتا النبي صلى الله عليه و آله في الدنيا··· 98
من تخلّف عنه لم يدرك الفتح··· 98
فصل 7 : في تواريخه وألقابه
( 101 - 118 )
ولادته ومدّة عمره عليه السلام··· 103
قتلته··· 103
تاريخ ومكان شهادته··· 104
موضع قبره ومدفن رأسه وأصحابه··· 107
ص: 413
أبناؤه··· 108
وبناته··· 109
عقبه··· 109
بابه··· 109
بعض أصحابه··· 109
اسمه··· 112
كنيته··· 113
ألقابه··· 113
قول أبي الفضل الهمداني··· 114
من شعره عليه السلام··· 115
فصل 8 : في المفردات من مناقبه عليه السلام
( 119 - 128 )
قتل بالحسين عليه السلام مائة ألف وما طلب بثأره··· 121
فديت من فديته بابني إبراهيم··· 121
أعرابي يشفّعه عليه السلام في حاجته عند معاوية··· 122
معاوية يستشير مروان وابن العاص في أمر الحسين عليه السلام··· 123
من مناقبه عليه السلام··· 124
ما ظهر من مشهد الرأس··· 124
جعل اللّه له ثلاثا··· 124
شعر ذكوان مولى الحسين عليه السلام عند معاوية··· 124
عجائبه عليه السلام··· 125
ص: 414
فصل 9 : في مقتله عليه السلام
( 129 - 400 )
المخاصمة بدم المظلوم يوم القيامة··· 131
اللّه يخبر زكريا بشهادة الحسين عليه السلام··· 132
بين يحيى والحسين عليهماالسلام··· 133
إسماعيل صادق الوعد يتأسّى بالحسين عليه السلام··· 135
لا يوم كيومك يا أبا عبد اللّه ··· 135
النبي والزهراء عليهماالسلام يخاصمان قاتل الحسين عليه السلام··· 136
يوم الحسين عليه السلام أقرح جفوننا··· 136
من آداب يوم عاشوراء··· 137
أجر من شرب الماء فذكر الحسين عليه السلام ولعن قاتله··· 137
أنا قتيل العبرة··· 138
لا تطعموا الأطفال يوم عاشوراء··· 139
صوم الوحش يوم عاشوراء··· 139
مقتله عليه السلام··· 140
وصيّة معاوية ليزيد··· 140
كتاب يزيد الى الوليد بأخذ البيعة··· 141
الحسين عليه السلام يرى النبى صلى الله عليه و آله فى الرؤيا··· 142
ابن الحنفية وابن مطيع وابن عباس يعترضون الحسين عليه السلام··· 143
خروج الحسين عليه السلام من المدينة··· 144
كتب أهل الكوفة للحسين عليه السلام··· 144
جواب الحسين عليه السلام على كتب الكوفيين··· 150
مسلم بن عقيل عليهماالسلام رسول الحسين عليه السلام لأهل الكوفة··· 151
ص: 415
يزيد يولّي ابن زياد على الكوفة··· 179
محاولة اغتيال ابن زياد ! !··· 234
كتاب مسلم عليه السلام للحسين عليه السلام وشهادة عبد اللّه بن يقطر··· 315
حبس هانى بن عروة··· 315
محاصرة القصر··· 317
مسلم عليه السلام على باب طوعة··· 318
قتال مسلم عليه السلام··· 319
شهادة مسلم عليه السلام··· 320
نصب الرأسين في درب من دمشق··· 321
كتاب يزيد الى ابن زياد··· 321
اعتراض عمرو المخزومى على الحسين عليه السلام··· 321
اعتراض ابن عباس على الحسين عليه السلام وكلامه مع ابن الزبير··· 322
كتاب ابن جعفر وجواب الحسين عليه السلام··· 322
لقاؤه عليه السلام مع الفرزدق فى ذات عرق··· 323
منزل الحاجز وشهادة قيس بن مسهر··· 323
زينب عليهاالسلام تسمع هاتفا فى الخزيمية··· 324
بين الحسين وعلى الأكبر عليهماالسلام فى الثعلبية··· 324
فى منزل شقوق··· 325
لقاء الحرّ فى شراف··· 326
وصول كتاب ابن زياد للحرّ في نينوى··· 327
في عذيب الهجانات··· 328
في قرية عقر··· 328
في كربلاء··· 329
رسائل بين ابن سعد وابن زياد··· 329
ص: 416
قطع الماء عن معسكر الحسين عليه السلام··· 330
كتاب ابن زياد للحسين عليه السلام··· 331
عدد العسكرين··· 332
يوم عاشوراء··· 336
توبة الحرّ··· 336
الحسين عليه السلام يعظ القوم··· 336
قوموا الى الموت الذي لابدّ منه··· 337
شهادة الحرّ··· 338
شهادة برير··· 338
شهادة وهب الكلبي··· 339
شهادة عمرو بن خالد الأزدي··· 340
شهادة ابنه خالد··· 340
شهادة سعد بن حنظلة التميمي··· 341
شهادة عبد اللّه المذحجي··· 341
شهادة مسلم بن عوسجة··· 341
شهادة يحيى بن سليم المازني··· 342
شهادة قرّة بن أبي قرّة الغفاري··· 343
شهادة مالك بن أنس الكاهلي··· 343
شهادة عمرو بن مطاع الجعفي··· 343
شهادة جوين بن أبي مالك مولى أبي ذر··· 344
شهادة أنيس بن معقل الأصبحي··· 344
شهادة يزيد بن المهاصر الجعفي··· 345
شهادة الحجّاج بن مسروق الجعفي··· 345
شهادة سعيد بن عبد اللّه الحنفي··· 345
ص: 417
شهادة حبيب بن مظاهر··· 346
صلاة الحسين عليه السلام··· 346
شهادة زهير بن القين··· 346
شهادة نافع بن هلال البجلي··· 347
جنادة بن الحارث الأنصاري وابنه··· 347
شهادة فتى··· 348
شهادة غلام تركي للحرّ··· 348
شهادة مالك بن دودان··· 349
شهادة أبي ثمامة الصائدي··· 349
شهادة إبراهيم بن الحصين الأسدي··· 349
شهادة عمرو بن قرظة الأنصاري··· 350
شهادة أحمد بن محمد الهاشمي··· 350
أوّل من برز من بني هاشم عبد اللّه بن مسلم··· 351
شهادة جعفر بن عقيل··· 351
شهادة عبد الرحمن بن عقيل··· 352
شهادة جماعة من بني جعفر وعقيل··· 352
شهادة عبد اللّه بن الحسن بن علي عليهم السلام··· 353
شهادة القاسم بن الحسن عليهماالسلام··· 354
شهادة أبي بكر بن علي عليهماالسلام··· 354
شهادة عمر بن علي عليه السلام··· 355
شهادة عثمان بن علي عليه السلام··· 355
شهادة جعفر بن علي عليهماالسلام··· 355
شهادة عبد اللّه بن علي عليهماالسلام··· 356
شهادة القاسم بن علي عليهماالسلام !··· 356
ص: 418
شهادة العباس بن أمير المؤمنين عليهماالسلام··· 357
شهادة القاسم بن الحسين عليهماالسلام !··· 358
شهادة علي بن الحسين الأكبر عليهماالسلام··· 359
شهادة علي الأصغر عليه السلام··· 360
الحسين عليه السلام يطلب ثوبا لا يُرغب فيه··· 361
وداعه عليه السلام مع سكينة عليهماالسلام··· 361
المصيبة العظمى : شهادة مهجة قلب الرسول وقرّة عين أمير المؤمنين وثمرة
فؤاد الزهراء البتول سيّد الشهداء وسلطان المظلومين المولى الحسين عليه السلام··· 362
سلب الحسين عليه السلام··· 367
انتداب عشرة لرضّ جسد الحسين عليه السلام بالخيل··· 368
بعد الشهادة··· 369
دفن الجثث الطواهر الزواكي··· 369
نهب الخيام··· 370
حمل الرؤوس المقدّسة والسبايا··· 370
عدد الشهداء من أهل البيت عليهم السلام··· 370
المقتولون في الحملة الأولى··· 372
زينب عليهاالسلام تأبّن الحسين عليه السلام يوم العاشر··· 373
جزاء سنان··· 374
في مجلس الطاغية يزيد··· 375
من كلام زين العابدين عليه السلام··· 377
من كلام زينب عليهاالسلام··· 378
نياحة أسماء بنت عقيل··· 380
في رثاء الحسين عليه السلام··· 381
رثاء الكميت··· 381
ص: 419
رثاء الوفي السري··· 381
رثاء دعبل··· 382
رثاء كشاجم··· 382
رثاء خالد بن معدان··· 383
رثاء سليمان بن قبة الهاشمي··· 383
رثاء السوسي··· 383
رثاء العوني··· 386
رثاء الزاهي··· 387
رثاء الناشي··· 388
رثاء المرتضى··· 389
رثاء الرضي··· 390
أوّل شعر رثي به الحسين عليه السلام··· 392
رثاء شاعر··· 393
رثاء الصنوبري··· 394
رثاء الشافعي··· 395
رثاء الجواهري··· 396
رثاء شاعر··· 397
رثاء دعبل··· 398
رثاء شاعر··· 398
رثاء أبي الفرج ابن الجوزي··· 399
رثاء شاعر··· 399
فصل 10 : في زيارته عليه السلام( 401 - 406 )
الفهرست··· 407
ص: 420
عنوان و نام پديدآور:مناقب آل ابی طالب/ تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب. تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.
مشخصات نشر:قم: المکتبه الحیدریه، 1432ق = 1390.
مشخصات ظاهری:12ج
وضعیت فهرست نویسی:در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)
يادداشت:ج.9. (چاپ اول)
شماره کتابشناسی ملی:2481606
ص: 1
ص: 1
مناقب آل أبي طالب
تأليف الإمام الحافظ
رشيد الدين أبي عبد اللّه محمد بن علي بن شهرآشوب
ابن أبي نصر بن أبي الجيش السروي المازندراني
المتوفى سنة 588 ه
الجزء الحادي عشر
تحقيق السيد علي السيد جمال أشرف الحسيني
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
ص: 8
الحمد للّه فاطر السماوات ، خالق النور والظلمات ، عالم السرّ والخفيّات ، منزل الآيات والدلالات ، موضّح الأدلّة والبيّنات ، مسبغ النعم والبركات ، مفيض الرحمة والخيرات ، رافع الأبرار في الدرجات ، خافض الفجّار في الدركات ، مجيب المضطرّ في الكربات ، سامع الأصوات في الخلوات ، هادي الحيران في الفلوات ، منير السماوات الزاهرات ، مزيّن الأرض بالجاريات ، مرسل الرياح الذاريات ، مجري الفلك في الزاخرات ، مزجي السحاب الهاطلات ، مسيّر الجبال الراسيات ، باعث الرسل بالبشارات ، قاضي الحاجات ، كافي المهمّات ، قابل الطاعات ، المانّ على عباده برفع الدرجات ، بقوله تعالى : « وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَْرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ » .
ص: 9
زين العابدين عليه السلام في قوله تعالى : « وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا » نحن عنينا بها(1) .
وفي خبر : إنّ قوله تعالى : « هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ » ، فدعوة إبراهيم وإسماعيل لآل محمد صلى الله عليه و آله(2) ، فإنّه لمن لزم الحرم من قريش حتى جاء النبي صلى الله عليه و آله ، ثمّ اتّبعه وآمن به .
وأمّا قوله تعالى : « وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً » النبي يكون على آل محمد صلى الله عليه و آله شهيدا ، ويكونون شهداء على الناس بعده(3) .
وكذلك قوله : « وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ » ، إلى قوله : « شَهِيدٌ » ، فلمّا توفّي النبي صلى الله عليه و آله صاروا شهداء على الناس ، لأنّهم منه(4) .
عبد اللّه بن الحسين عن زين العابدين عليه السلام في قوله تعالى : « لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ » قال : نحن هم .
محمد بن سالم عن زيد بن علي عليه السلام ، وأبو الجارود وأبو الصباح الكناني
ص: 10
عن الصادق عليه السلام ، وأبو حمزة عن السجّاد عليه السلام في قوله تعالى : « ثُمَّ اهْتَدى » ،إلينا أهل البيت(1) .
أبو حمزة الثمالي : سئل علي بن الحسين عليهماالسلام عن قوله تعالى : « وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها » ، قال : ما يقول الناس فيها قبلكم بالعراق ؟ قال : يقولون : إنّها مكّة .
قال : وهل رأيت السوق أكثر منه بمكّة ؟ قال : فما هو ؟
قال : إنّما عنى به الرجال ، قال : وأين ذلك في كتاب اللّه ؟
قال : أو ما تسمع إلى قوله - عزّ وجلّ - : « وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ
أَمْرِ رَبِّها » ، وقال : « وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ » ، وقال : « وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ » ، أفنسأل القرية أو الرجال أو العير ؟ قال : من هم ؟
قال : نحن هم ، وقال : « سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيّاماً آمِنِينَ » أي آمنين من الزيغ(2) .
الصادق عليه السلام في قوله تعالى : « ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا » ، نزلت في حقّنا(3) ، وحقّ ذرّياتنا خاصّة .
ص: 11
وفي رواية عنه وعن أبيه عليهماالسلام : هي لنا خاصّة ، وإيّانا عنى(1) .
وفي رواية الجارود عن الباقر عليه السلام : هم آل محمد عليهم السلام(2) .
زيد بن علي عليهماالسلام قال : نحن أولئك .
أبان بن الصلت : سأل المأمون العلماء عن معنى هذه الآية ، فقالت : أراد بذلك الأمّة كلّها ، فقال للرضا عليه السلام : ما تقول يا أبا الحسن عليه السلام ؟ قال : أقول : أراد اللّه بذلك العترة الطاهرة لا غيرهم(3) .
زياد بن المنذر عن الباقر عليه السلام : هذه لآل محمد صلى الله عليه و آله وشيعتهم(4) .
جابر عنه عليه السلام قال : خير أهل بيتٍ ، يعني أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله(5) .
وقال محمد بن منصور : أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله خير أهل بيت أخرج للناس .
زياد بن المنذر عن الباقر عليه السلام : أمّا الظالم لنفسه منّا فمن عمل عملاً صالحا وآخر سيّئا ، وأمّا المقتصد فهو المتعبّد المجتهد ، وأمّا السابق بالخيرات فعلي والحسن والحسين عليهم السلام ، ومن قتل من آل محمد صلى الله عليه و آلهشهيدا(6) .
وفي رواية سالم عنه عليه السلام : السابق بالخيرات الإمام ، والمقتصد العارف بالإمام ، والظالم لنفسه من لا يعرف الإمام(7) .
ص: 12
أبو حمزة عن الباقر عليه السلام : « كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ » قال : نحن هم(1) .
أبو الجارود عن الباقر عليه السلام : « وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ » قال : آل محمد(2) .
أبو حازم في خبر : قال رجل لزين العابدين عليه السلام : تعرف الصلاة ! فحملت عليه ، فقال عليه السلام : مهلاً يا أبا حازم ، فإنّ العلماء هم الحلماء الرحماء .
ثمّ واجه السائل ، فقال : نعم أعرفها ، فسأله عن أفعالها وتروكها وفرائضها ونوافلها ، حتى بلغ قوله : ما افتتاحها ؟ قال : التكبير .
قال : ما برهانها ؟ قال : القراءة .
قال : ما خشوعها ؟ قال : النظر إلى موضع السجود .
قال : ما تحريمها ؟ قال : التكبير .
قال : ما تحليلها ؟ قال : التسليم .
قال : ما جوهرها ؟ قال : التسبيح .
ص: 13
قال : ما شعارها ؟ قال : التعقيب .
قال : ما تمامها ؟ قال : الصلاة على محمد وآل محمد .
قال : ما سبب قبولها ؟ قال : ولايتنا والبراءة من أعدائنا .
قال : ما تركت لأحد حجّة ، ثمّ نهض يقول : « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ » ، وتوارى .
الكافي : انّه استقرض زين العابدين عليه السلام من مولى له عشرة آلاف درهم ، فطلب الرجل وثيقة ! قال : فنتف له من ردائه هدبة(1) ، فقال : هذه الوثيقة .
فكأنّ الرجل كره ذلك ، فقال عليه السلام : أنا أولى بالوفاء أم حاجب ؟ فقال : أنت أولى بذلك منه ، قال : فكيف صار حاجب بن زرارة يرهن قوسا ، وإنّما هي خشبة على مائة درهم حمالة ، وهو كافر فيفي ، وأنا لا أفي بهدبة رداء .
قال : فأخذها الرجل منه وأعطاه الدراهم ، وجعل الهدبة في حُقّ ، فسهّل اللّه - عزّ وجلّ - له المال ، فحمله إلى الرجل ، ثمّ قال : خذ قد أحضرت لك مالك ، فهات وثيقتي ، فقال له : جعلت فداك ضيّعتها ، قال : إذا لا تأخذ مالك منّي ، [ ليس ] مثلي [ من ] يستخفّ بذمّته .
ص: 14
قال : فأخرج الرجل الحُقّ ، فإذا فيه الهدبة ، فأعطاها علي بنالحسين عليهماالسلام ، وأعطاه علي بن الحسين عليهماالسلام الدراهم ، وأخذ الهدبة(1) .
ما ثبت أنّ الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه ، فكلّ من قال بذلك فقطع على إمامته .
وإذا ثبت أنّ الإمام لابدّ أن يكون معصوما يقطع على أنّ الإمام بعد الحسين ابنه علي عليهماالسلام ، لأنّ كلّ من ادّعيت إمامته بعده من بني أميّة والخوارج اتّفقوا على نفي القطع على عصمته .
وأمّا الكيسانية ،- وإن قالوا بالنصّ ، فلم يقولوا بالنصّ صريحا .
وميزان علي بن الحسين زين العابدين في الحساب : إمام المؤمنين أجمعين ، لاستوائهما في أربعمائة وثمانية وسبعين .
ووجدنا ولد علي بن الحسين عليهماالسلام اليوم على حداثة عصره وقرب
ص: 15
ميلاده أكثر عددا من قبائل الجاهلية ، وعمائر(1) القديمة(2) ، حتى طبقواالأرض ، وملؤوا البلاد ، وبلغوا الأطراف ، وعلمنا أنّ ذلك من دلائله .
قال القاضي بن قادوس المصري(3) :
أنت الإمام الآمر العادل الذي
جنب البراق لجدّه جبريل(4)
الفاضل الأطراف لم ير فيهم
إلاّ إمام طاهر وبتول
أنتم خزائن غامضات علومه
وإليكم التحريم والتحليل
فعلى الملائك أن تؤدّي وحيه
بأمانة وعليكم التأويل(5)
* * *
ولبعض النصارى :
عديّ وتيم لا أحاول ذكرها
بسوء ولكنّي محبّ لهاشم
وهل تعتريني في علي ورهطه
إذا لم أخف في اللّه لومة لائم
يقولون ما بال النصارى وحبّهم
وأهل التقى من معرب وأعاجم
فقلت لهم إنّي لأحسب حبّهم
طواه إلهي في صدور البهائم
* * *
ص: 16
ص: 17
ص: 18
حلية الأولياء ، ووسيلة الملاّ ، وفضائل أبي السعادات ، بالإسناد عن ابن شهاب الزهري قال : شهدت علي بن الحسين عليهماالسلام يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام ، فأثقله حديدا ، ووكّل به حفّاظا في عدّة وجمع ، فاستأذنتهم في التسليم عليه والتوديع له ، فأذنوا .
فدخلت عليه والأقياد في رجليه ، والغلّ في يديه ، فبكيت وقلت : وددت أنّي مكانك وأنت سالم ، فقال : يا زهري ، أو تظنّ هذا بما ترى عليّ وفي عنقي يكربني ؟ أما لو شئت ما كان ، فإنّه - وإن بلغ بك ومن أمثالك - ليذكّرني عذاب اللّه .
ثمّ أخرج يديه من الغلّ ، ورجليه من القيد ، ثمّ قال : يا زهري ، لا جزت معهم على ذا منزلتين من المدينة .
فما لبثنا إلاّ أربع ليال حتى قدم الموكّلون به يطلبونه بالمدينة ، فما وجدوه ، فكنت فيمن سألهم عنه ، فقال لي بعضهم : إنّا نراه متبوعا ، إنّه لنازل ونحن حوله لا ننام نرصده ، إذ أصبحنا فما وجدنا بين محمله إلاّ حديده .
فقدمت بعد ذلك على عبد الملك ، فسألني عن علي بن الحسين عليهماالسلام ، فأخبرته ، فقال : إنّه قد جاءني في يوم فقده الأعوان ، فدخل عليّ ، فقال :
ص: 19
ما أنا وأنت ؟ فقلت : أقم عندي ، فقال : لا أحبّ ، ثمّ خرج ، فواللّه لقد امتلأ ثوبي منه خيفة .
قال الزهري فقلت : ليس علي بن الحسين عليهماالسلام حيث تظنّ ، إنّه مشغول بنفسه ، فقال : حبّذا شغل مثله ، فنعم ما شغل به(1) .
أبو الفضل الشيباني في أماليه ، وأبو إسحاق العدل الطبري في مناقبه عليه السلام عن حبّابة الوالبية ، قالت :
دخلت على علي بن الحسين عليهماالسلام ، وكان بوجهي وضح ، فوضع يده عليه فذهب(2) .
قالت : ثمّ قال : يا حبّابة ، ما على ملّة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا ، وسائر الناس منهم براء(3) .
حلية الأولياء بالإسناد عن أبي حمزة الثمالي قال : كنت عند علي بن الحسين عليهماالسلام ، فإذا عصافير يطرن حوله ويصرخن ، فقال : يا أبا حمزة ، هل تدري ما تقول هذه العصافير ؟ فقلت : لا .
ص: 20
قال : فإنّها تقدّس ربّها - عزّ وجلّ - وتسأله قوت يومها(1) .
وفي رواية أصحابنا : ثمّ قال : يا أبا حمزة « عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ » سببا(2) .
المنهال بن عمرو - في خبر - قال : حججت فلقيت علي بن الحسين عليهماالسلام ، فقال : ما فعل حرملة بن كاهل ؟ قلت : تركته حيّا بالكوفة .
فرفع يديه ، ثمّ قال : اللّهم أذقه حرّ الحديد ، اللّهم أذقه حرّ النار .
فتوجّهت نحو المختار ، فإذا بقوم يركضون ويقولون : البشارة - أيّها الأمير - قد أخذ حرملة ، وقد كان توارى عنه ، فأمر بقطع يديه ورجليه ، وحرقه بالنار(3) .
قالوا : وكان المختار كاتَبَ علي بن الحسين عليهماالسلام يريده أن يبايع له ، وبعث إليه بمال ، فأبى أن يقبله وأن يجيبه(4) .
جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى : « هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ
ص: 21
تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً » ، فقال : يا جابر(1) : هم بنو أميّة ويوشك أن لا تحسّمنهم أحد يرجى ولا يخشى ، فقلت : رحمك اللّه وإنّ ذلك لكائن ؟ فقال : ما أسرعه ! سمعت علي بن الحسين عليهماالسلام يقول : انّه قد رأى أسبابه .
كافي الكليني : أبو حمزة الثمالي قال : دخلت على علي بن الحسين عليهماالسلام ، فاحتبست في الدار ساعة ، ثمّ دخلت البيت وهو يلقط شيئا ، وأدخل يده من وراء الستر فناوله من كان في البيت .
فقلت : جعلت فداك ، هذا الذي أراك تلتقط أيّ شيء هو ؟ قال : فضلة من زغب(2) الملائكة ، فقلت : جعلت فداك ، وإنّهم ليأتونكم ؟ فقال : يا أبا حمزة ، إنّهم ليزاحمونا على متّكاتنا(3) .
أبو عبد اللّه بن عباس في المقتضب : عن سعيد بن المسيّب - في خبر طويل - عن أمّ سليم صاحبة الحصى :
ص: 22
قال لي : يا أمّ سليم ، ائتيني بحصاة ، فدفعت إليه الحصاة من الأرض ، فأخذها ، فجعلها كهيئة الدقيق السحيق ، ثمّ عجنها فجعلها ياقوتة حمراء .ثمّ قالت بعد كلام : ثمّ ناداني : يا أمّ سليم ، قلت : لبّيك ، قال : ارجعي ، فرجعت ، فإذا هو واقف في صرحة داره وسطا ، فمدّ يده اليمنى ، فانخرقت الدور والحيطان وسكك المدينة ، وغابت يده عنّي .
ثمّ قال : خذي يا أمّ سليم ، فناولني - واللّه - كيسا فيه دنانير وقرط من ذهب وفصوص كانت لي من جزع في حُقّ لي في منزلي ، فإذا الحقّ حقّي(1) .
كتاب الأنوار : إنّ إبليس تصوّر لعلي بن الحسين عليهماالسلام ، وهو قائم يصلّي في صورة أفعى ، له عشرة رؤوس محدّدة الأنياب ، متقلّبة الأعين بحمرة ، فطلع عليه من جوف الأرض من موضع سجوده ، ثمّ تطاول [ في ] محرابه ، فلم يفزعه ذلك ، ولم يكسره طرفه إليه ، فانقضّ على رؤوس أصابعه يكدمها(2) بأنيابه ، وينفخ عليها من نار جوفه ، وهو لا يكسر طرفه إليه ، ولا يحوّل قدميه عن مقامه ، ولا يختلجه شكّ ولا وهم في صلاته ولا قراءته .
فلم يلبث إبليس حتى انقضّ إليه شهاب محرق من السماء ، فلمّا أحسّ به صرخ وقام إلى جانب علي بن الحسين عليهماالسلام في صورته الأولى ،
ص: 23
ثمّ قال : يا علي ! أنت سيّد العابدين كما سمّيت ، وأنا إبليس ، واللّه لقد رأيت عبادة النبيّين من عهد أبيك آدم وإليك ، فما رأيت مثلك ولا مثلعبادتك ، ثمّ تركه وولّى وهو في صلاته لا يشغله كلامه حتى قضى صلاته على تمامها(1) .
اختيار الرجال عن الطوسي ، والمسترشد عن ابن جرير بالإسناد عن علي بن زيد عن الزهري أيضا : قيل لسعيد بن المسيّب : لِم تركت الصلاة على زين العابدين عليه السلام ، وقلت : أصلّي ركعتين في المسجد أحبّ إليّ من أن أصلّي على الرجل الصالح في البيت الصالح ؟
فقال : لأنّه أخبرني عن أبيه عن جدّه عن النبي صلى الله عليه و آله عن جبرئيل عن اللّه - تعالى - أنّه قال : ما من عبد من عبادي آمن بي وصدّق بك ، وصلّى في مسجدك ركعتين على خلاء من الناس ، إلاّ غفرت له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فلم أر شيئا أفضل منه ، وانثال الناس على جنازته ، فقلت : إن أدركت الركعتين يوما من الدهر فاليوم .
فوثبت لأصلّي ، فجاء تكبير من السماء ، فأجابه تكبير من الأرض ، فأجابه تكبير السماء ، فأجابه تكبير من الأرض ، ففزعت وسقطت على وجهي ، وكبّر من في السماء سبعا ، ومن في الأرض سبعا ، وصلّى على
ص: 24
علي بن الحسين عليهماالسلام ، ودخل الناس المسجد فلم أدرك ركعتين ، ولا الصلاة على علي بن الحسين عليهماالسلام ، إنّ هذا لهو الخسران المبين .ثمّ بكى وقال : ما أردت إلاّ الخير ، ليتني صلّيت عليه(1) .
كتاب الكليني : موسى بن جعفر عن الباقر عليهم السلام قال : إنّ حبّابة الوالبية دعا لها علي بن الحسين عليهماالسلام فردّ اللّه عليها شبابها ، وأشار إليها بإصبعه فحاضها لوقتها ، ولها - يومئذٍ - مائة سنة وثلاث عشرة سنة(2) .
ص: 25
كتاب الأنوار : أنّه عليه السلام كان قائما يصلّي حتى وقف ابنه محمد عليه السلام - وهو طفل - إلى بئر في داره بالمدينة بعيدة القعر ، فسقط فيها ، فنظرت إليه أمّه ، فصرخت وأقبلت نحو البئر تضرب بنفسها حذاء البئر وتستغيث وتقول : يا ابن رسول اللّه ، غرق ولدك محمد ، وهو لا ينثني عن صلاته ، وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر .
ص: 26
فلمّا طال عليها ذلك قالت - حزنا على ولدها - : ما أقسى قلوبكم يا آل بيت رسول اللّه (1) !!! فأقبل على صلاته ، ولم يخرج عنها إلاّ عن كمالهاوإتمامها .
ثمّ أقبل عليها وجلس على أرجاء البئر ، ومدّ يده إلى قعرها ، وكانت لا تنال إلاّ برشاء طويل ، فأخرج ابنه محمدا عليهماالسلام على يديه يناغي ويضحك ، لم يبتلّ له ثوب ولا جسد بالماء ، فقال : هاك يا ضعيفة اليقين باللّه ! فضحكت لسلامة ولدها ، وبكت لقوله : يا ضعيفة اليقين باللّه ، فقال : لا تثريب عليك اليوم ، لو علمت أنّي كنت بين يدي جبّار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عنّي ، أفمن يرى راحما بعده(2) .
ص: 27
الفتّال النيسابوري في روضة الواعظين - في خبر طويل - عن سعيد بن جبير ، قال أبو خالد الكابلي :
أتيت علي بن الحسين عليهماالسلام على أن أسأله هل عندك سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟ فلمّا بصرني قال: يا أبا خالد، أتريد أن أريك سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟
قلت : واللّه - يا ابن رسول اللّه - ما أتيت إلاّ لأسألك عن ذلك ، ولقد أخبرتني بما في نفسي ، قال : نعم .
فدعا بحقّ كبير وسفط ، فأخرج لي خاتم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ أخرج لي
درعه وقال : هذا درع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأخرج إليّ سيفه ، فقال : هذا - واللّه - ذو الفقار ، وأخرج عمامته وقال : هذه السحاب ، وأخرج رايته وقال : هذه العقاب ، وأخرج قضيبه وقال : هذا السكب ، وأخرج نعليه وقال : هذان نعلا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأخرج رداءه وقال : هذا كان يرتدي به رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويخطب أصحابه فيه يوم الجمعة ، وأخرج لي شيئا كثيرا ، قلت : حسبي جعلني اللّه فداك(1) .
العامري في الشيصبان ، وأبو علي الطبرسي في إعلام الورى : عبد اللّه بن سليمان الحضرمي في خبر طويل :
ص: 28
إنّ غانم ابن أمّ غانم دخل المدينة - ومعه أمّه - وسأل : هل تحسّون رجلاً من بني هاشم اسمه علي ؟ قالوا : نعم هو ذاك .
قال : فدلّوني على علي بن عبد اللّه بن عباس ، فقلت له : معي حصاة ختم عليها علي والحسن والحسين عليهم السلام ، وسمعت أنّه يختم عليه رجل اسمه علي ، فقال علي بن عبد اللّه بن عباس : يا عدوّ اللّه كذبت على علي بن أبي طالب وعلى الحسن والحسين عليهم السلام ، وصار بنو هاشم يضربونني حتى أرجع عن مقالتي ، ثمّ سلبوا منّى الحصاة .
فرأيت في ليلتي في منامي الحسين عليه السلام ، وهو يقول لي : هاك الحصاة - يا غانم - وامض الى ابني فهو صاحبك ، فانتبهت والحصاة في يدي .
فأتيت علي بن الحسين عليهماالسلام ، فختمها وقال لي : إنّ في أمرك لعبرة فلاتخبر به أحدا .
فقال في ذلك غانم ابن أمّ غانم :
أتيت عليّا أبتغي الحقّ عنده
وعند علي عبرة لا أحاول
فشدّ(1) وثاقي ثمّ قال لي اصطبر
كأنّي مخبول عراني خابل
فقلت لحاك اللّه واللّه لم أكن
لأكذب في قولي الذي أنا قائل
وخلّى سبيلي بعد ضنك فأصبحت
مخلاة(2) نفسي وسربي سائل
ص: 29
وقلت وخير القول ما كان صادقا
ولا يستوي في الدين حقّ وباطل
ولا يستوي من كان بالحقّ عالما
كآخر يمسي وهو للحقّ جاهل
وأنت الإمام الحقّ يعرف فضله
وإن قصرت عنه النهى والفضائل
وأنت وصيّ الأوصياء محمد
أبوك ومن نيطت إليه الوسائل(1)
* * *
كتاب الإرشاد ، الزهري : قال سعيد بن المسيّب : كان الناس لا يخرجون من مكّة حتى يخرج علي بن الحسين عليهماالسلام ، فخرج وخرجت معه ، فنزل في بعض المنازل ، فصلّى ركعتين ، سبّح في سجوده ، فلم يبق شجرولا مدر إلاّ سبّحوا معه ، ففزعت منه ، فرفع رأسه ، فقال : يا سعيد ، أفزعت ؟ قلت : نعم يا ابن رسول اللّه ، قال : هذا التسبيح الأعظم(2) .
وفي رواية سعيد بن المسيّب : كان القرّاء لا يحجّون حتى يحجّ زين العابدين عليه السلام ، وكان يتّخذ لهم السويق الحلو والحامض ، ويمنع نفسه .
فسبق يوما إلى الرحل فألفيته وهو ساجد ، فوالذي نفس سعيد بيده ، لقد رأيت الشجر والمدر والرحل والراحلة يردّون عليه مثل كلامه .
ص: 30
وذكر فصاحة الصحيفة الكاملة عند بليغ في البصرة ، فقال : خذوا عنّي حتى أملي عليكم ، وأخذ القلم وأطرق رأسه ، فما رفعه حتى مات .
حلية أبي نعيم ، وفضائل أبي السعادات : روى أبو حمزة الثمالي ومنذر الثوري عن علي بن الحسين عليهماالسلام قال :
خرجت حتى انتهيت إلى هذا الحائط ، فاتّكيت عليه ، فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في تجاه وجهي ، ثمّ قال : يا علي بن الحسين ، ما لي أراك كئيبا حزينا ؟! على الدنيا حزنك فرزقُ اللّه حاضر للبرّ والفاجر ، قلت : ما على هذا حزني ، وإنّه لكما تقول .قال : فعلى الآخرة ؟ فهو وعد صادق يحكم فيه ملك قاهر ، فعلى مَ حزنك ؟ قال : قلت : الخوف من فتنة ابن الزبير .
قال : ثمّ ضحك وقال : يا علي بن الحسين ، هل رأيت أحدا توكّل على اللّه فلم يكفه ؟ قلت : لا ، قال : يا علي بن الحسين ، هل رأيت أحدا خاف اللّه فلم ينجه ؟ قلت : لا ، قال : يا علي بن الحسين ، هل رأيت أحدا سأل اللّه فلم يعطه ؟ قلت : لا .
ثمّ نظرت فإذا ليس قدّامي أحد ، وكان الخضر(1) .
ص: 31
إبراهيم بن أدهم وفتح الموصلي ، قال كلّ واحد منهما : كنت أسيح في البادية مع القافلة ، فعرضت لي حاجة ، فتنحّيت عن القافلة ، فإذا أنا بصبي يمشي ! فقلت : سبحان اللّه ! بادية بيداء وصبي يمشي !
فدنوت منه ، وسلّمت عليه ، فردّ عليّ السلام ، فقلت له : إلى أين ؟ قال : أريد بيت ربّي ، فقلت : حبيبي ، إنّك صغير ليس عليك فرض ولا سنّة ، فقال : يا شيخ ، ما رأيت من هو أصغر سنّا منّي مات ؟
فقلت : أين الزاد والراحلة ؟ فقال : زادي تقواي ، وراحلتي رجلاي ، وقصدي مولاي .
فقلت : ما أرى شيئا من الطعام معك ! فقال : يا شيخ ، هل يستحسن أن يدعوك إنسان إلى دعوة ، فتحمل من بيتك الطعام ؟ قلت : لا ، قال :الذي دعاني إلى بيته هو يطعمني ويسقيني .
فقلت : ارفع رجلك حتى تدرك ، فقال : عليّ الجهاد وعليه الإبلاغ ، أما سمعت قوله تعالى : « وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللّهَ لَمَعَ الُْمحْسِنِينَ » ؟
قال : فبينا نحن كذلك ، إذ أقبل شابّ حسن الوجه عليه ثياب بيض حسنة ، فعانق الصبي وسلّم عليه ، فأقبلت على الشابّ وقلت له : أسألك بالذي حسّن خلقك من هذا الصبي ؟ فقال : أما تعرفه ! هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
ص: 32
فتركت الشابّ ، وأقبلت على الصبي ، فقلت : أسألك بآبائك من هذا الشابّ ؟ فقال : أما تعرفه ؟ هذا أخي الخضر ، يأتينا كلّ يوم فيسلّم علينا .
فقلت : أسألك بحقّ آبائك لما أخبرتني بما تجوز المفاوز بلا زاد ؟ قال : بلى أجوز بزاد ، وزادي فيها أربعة أشياء .
قلت : وما هي ؟
قال : أرى الدنيا كلّها بحذافيرها مملكة اللّه ، وأرى الخلق كلّهم عبيد اللّه وإمائه وعياله ، وأرى الأسباب والأرزاق بيد اللّه ، وأرى قضاء اللّه نافذا في كلّ أرض اللّه ، فقلت : نعم الزاد زادك - يا زين العابدين - وأنت تجوز بها مفاوز الآخرة ، فكيف مفاوز الدنيا .
في كتاب الكشّي : قال القاسم بن عوف في حديثه : قال زين العابدين عليه السلام : وإيّاك أن تشدّ راحلة برحلها ، فإنّ هاهنا مطلب العلم حتى يمضي لكم بعد موتي سبع حجج ، ثمّ يبعث لكم غلاما من ولد فاطمة عليهاالسلام تنبت الحكمة في صدره كما ينبت المطر الزرع .
قال : فلمّا مضى علي بن الحسين عليهماالسلام حسبنا الأيّام والجمع والشهور والسنين ، فما زادت يوما ولا نقصت حتى تكلّم محمد الباقر عليه السلام(1) .
ص: 33
وفي حديث أبي حمزة الثمالي أنّه دخل عبد اللّه بن عمر على زين العابدين عليه السلام وقال : يا ابن الحسين ، أنت الذي تقول : إنّ يونس بن متّى إنّما لقى من الحوت ما لقى ، لأنّه عرضت عليه ولاية جدّي فتوقّف عندها ؟ قال : بلى ثكلتك أمّك ، قال : فأرني آية ذلك إن كنت من الصادقين !
فأمر بشدّ عينيه بعصابة ، وعيني بعصابة ، ثمّ أمر بعد ساعة بفتح أعيننا ، فإذا نحن على شاطى ء البحر تضرب أمواجه ، فقال ابن عمر : يا سيّدي دمي في رقبتك ، اللّه اللّه في نفسي ، فقال : هيه وأريه إن كنت من الصادقين !
ثمّ قال : يا أيّتها الحوت ! قال : فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم وهو يقول : لبّيك لبّيك يا وليّ اللّه ، فقال : من أنت ؟ قال : أناحوت يونس يا سيّدي ، قال : انبئنا بالخبر .
قال : يا سيّدي إنّ اللّه - تعالى - لم يبعث نبيّا من آدم إلى أن صار جدّك محمد صلى الله عليه و آله إلاّ وقد عرض عليه ولايتكم أهل البيت ، فمن قبلها من الأنبياء سلم وتخلّص ، ومن توقّف عنها وتتعتع في حملها لقى ما لقى آدم من المعصية ، وما لقى نوح من الغرق ، وما لقى إبراهيم من النار ، وما لقى يوسف من الجبّ ، وما لقى أيّوب من البلاء ، وما لقى داود من الخطيئة ، إلى أن بعث اللّه يونس ، فأوحى اللّه إليه : أن يا يونس تولّ أمير المؤمنين عليّا والأئمّة الراشدين من صلبه عليهم السلام ، - في كلام له - .
قال : فكيف أتولّى من لم أره ولم أعرفه ، وذهب مغتاظا ، فأوحى اللّه
ص: 34
- تعالى - إليّ أن التقمي يونس ولا توهني له عظما ، فمكث في بطني أربعين صباحا يطوف معي البحار في ظلمات ثلاث(1) ينادي : أنّه « أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ » ، قد قبلت ولاية علي بن أبي طالب والأئمّة الراشدين من ولده عليهم السلام ، فلمّا آمن بولايتكم أمرني ربّي فقذفته على ساحل البحر .
فقال زين العابدين عليه السلام : ارجع أيّها الحوت إلى وكرك ، واستوى الماء .
بصائر الدرجات : سماعة عن أبي بصير عن عبد العزيز قال : خرجتمع علي بن الحسين عليهماالسلام إلى مكّة ، فلمّا دخلنا(2) الأبواء كان على راحلته ، وكنت أمشي ، فوافى غنما ، فإذا نعجة قد تخلّفت عن الغنم ، وهي تثغو ثغاء(3) شديدا وتلتفت ، وإذا سخلة خلفها تثغو وتشتدّ في طلبها ، فلمّا قامت الراحلة ثغت النعجة ، فتبعتها السخلة .
فقال علي بن الحسين عليهماالسلام : يا عبد العزيز ، أتدري ما قالت النعجة ؟ قلت : لا - واللّه - ما أدري ، قال : فإنّها قالت : الحقني بالغنم ، فإنّ أختها عام أوّل تخلّفت في هذا الموضع ، فأكلها الذئب(4) .
ص: 35
الكافي وعلل الشرائع : قال أبان بن تغلب : لمّا هدم الحجّاج الكعبة فرّق الناس ترابها ، فلمّا جاءوا إلى بنائها ، وأرادوا أن يبنوها ، خرجت عليهم حيّة ، فمنعت الناس البناء حتى انهزموا .
فأتوا الحجّاج فأخبروه ، فخاف أن يكون قد منع بناؤها ، فصعد المنبر وقال : أنشد اللّه عبدا عنده خبر ما ابتلينا به لمّا أخبرنا به .
قال : فقام شيخ فقال : إن يكن عند أحد علم ، فعند رجل رأيته جاء إلى الكعبة وأخذ مقدارها ثمّ مضى ، فقال الحجّاج : من هو ؟ قال : علي بن الحسين عليهماالسلام ، قال : معدن ذلك .
فبعث إلى علي بن الحسين عليهماالسلام ، فأتاه فأخبره بما كان من منع اللّه إيّاهالبناء .
فقال له علي بن الحسين عليهماالسلام : يا حجّاج ، عمدت إلى بناء إبراهيم وإسماعيل وألقيته في الطريق ، وانتهبه الناس ، كأنّك ترى أنّه تراث لك ، اصعد المنبر ، فأنشد الناس أن لا يبقي أحد منهم أخذ منه شيئا إلاّ ردّه ، قال : ففعل فردّوه .
فلمّا رأى جميع التراب ، أتى علي بن الحسين عليهماالسلام ، فوضع الأساس وأمرهم أن يحفروا .
قال : فتغيّبت عنهم الحيّة ، وحفروا حتى انتهى إلى موضع القواعد ، فقال لهم علي بن الحسين عليهماالسلام : تنحّوا ، فتنحّوا ، فدنا منها فغطّاها بثوبه ، ثمّ بكى ، ثمّ غطّاها بالتراب ، ثمّ دعا الفعلة فقال : ضعوا بناءكم ، فوضعوا البناء .
ص: 36
فلمّا ارتفعت حيطانه أمر بالتراب ، فألقي في جوفه ، فلذلك صار البيت مرتفعا يصعد إليه بالدرج(1) .
وروي : أنّه استسقى عبّاد البصرة مثل : أيّوب السجستاني ، وصالح المزي ، وعتبة العلاّم ، وحبيب القادسي ، ومالك بن دينار ، وأبو صالح الأعمى ، وجعفر بن سليمان ، وثابت البناني ، ورابعة ، وسعدانة ، وانصرفواخائبين .
فإذا هم بفتى قد أقبل وقد أكربته أحزانه ، وأقلقته أشجانه ، فطاف بالكعبة أشواطا ، ثمّ أقبل علينا وحيّانا واحدا واحدا ، فقلنا : لبّيك يا شابّ ، فقال : أما فيكم أحد يجيبه الرحمن ؟
فقلنا : يا فتى علينا الدعاء وعليه الإجابة .
قال : ابعدوا عن الكعبة ، فلو كان فيكم أحد يجيبه الرحمن لأجابه .
ثمّ أتى الكعبة ، فخرّ ساجدا ، فسمعته يقول في سجوده : سيّدي بحبّك لي إلاّ أسقيتهم الغيث ، فما استتمّ الكلام حتى أتاهم الغيث كأفواه القرب ، ثمّ ولّى عنّا قائلاً :
من عرف الربّ فلم تغنه
معرفة الربّ فهذا شقي
ص: 37
ما ضرّ في الطاعة ما ناله
في طاعة اللّه وماذا لقي
ما يصنع العبد بعزّ الغنى
والعزّ كلّ العزّ للمتّقي
* * *
فسئل عنه ، فقالوا : هذا زين العابدين عليهماالسلام(1) .
أمالي أبو جعفر الطوسي : قال : خرج علي بن الحسين عليهماالسلام إلى مكّة حاجّا حتى انتهى إلى بين مكّة والمدينة ، فإذا هو برجل يقطع الطريق .قال : فقال لعلي عليه السلام : انزل ، قال : تريد ماذا ؟ قال : أريد أن أقتلك وآخذ ما معك ، قال : فأنا أقاسمك ما معي وأحلّلك .
قال : فقال اللّص : لا ، قال : فدع معي ما أتبلّغ به ، فأبى ، قال : فأين ربّك ؟ قال : نائم .
قال : فإذا أسدان مقبلان بين يديه ، فأخذ هذا برأسه ، وهذا برجليه ، قال : زعمت أنّ ربّك عنك نائم(2) ؟
يونس الحرّ عن الفتال ، والقلادة عن أبي حاتم ، والوسيلة عن الملاّ بالإسناد : روى جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام قال :
ص: 38
بينا علي بن الحسين¨ عليهماالسلام مع أصحابه إذ أقبل ظبي من الصحراء حتى قام حذاه ، وتبغّم(1) وحمحم ، فقال بعض القوم : ما شأن هذا يا ابن رسول اللّه ؟ فقال : إنّ هذه الظبية تزعم أنّ فلانا القرشي أخذ خشفا لها ، وأنّها لم ترضعه من أمس .
فبعث علي بن الحسين عليهماالسلام إلى الرجل أن أرسل إليّ الخشف ، فبعث به ، فلمّا رأته حمحمت وأرضعته ، ثمّ كلّمها علي بن الحسين عليهماالسلام بكلام مثل كلامها ، فحمحمت ، ثمّ انصرفت واتّبعها الخشف .
فقالوا له : يا ابن رسول اللّه ، ماذا قلت لها ؟ قال : قلت لها : قد وهبتكخشفك ، فدعت لكم وجزّتكم خيرا(2) .
وفي كتاب الوسيلة هذا بالإسناد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : كان علي بن الحسين عليهماالسلام مع أصحابه في طريق مكّة ، فمرّ به ثعلب ، وهم يعدون خلفه ، فقال علي بن الحسين عليهماالسلام : هل لكم أن تعطوني موثقا من اللّه - تعالى - لا تروّعون هذا الثعلب حتى أدعوه فيجيء ؟ قالوا : نعم .
فنادى : يا ثعلب تعال ، فأقبل الثعلب إليه ، ووقف بين يديه ، فناوله عراقا(3) ، فأخذه وولّى ليأكله .
ص: 39
فعاد ناداه ، فقال : هلمّ صافحني ، فجاء ، فتكلّم رجل منهم في وجهه ، فانصرف ، فقال : من فيكم كلّمه ؟ فقال رجل : أنا ، واستغفر(1) .
أبو عبد اللّه عليه السلام قال : لمّا كانت الليلة التي وعدها علي بن الحسين عليهماالسلام ، قال لمحمد عليه السلام ابنه : يا بنيّ أبغني(2) وضوءا ، قال أبي : فجئته بوضوء ، فقال : لا أبغي هذا ، فإنّ فيه شيئا ميّتا .فخرجت ، فجئت بالمصباح ، فإذا فيه فأرة ميّتة ، فجئته بوضوء غيره .
قال : يا بنيّ ، هذه الليلة التي وعدتها ، فأوصى بناقته أن تحضر - يقال لها « عصام » - ويقام لها علف ، فجعل لها ذلك ، فتوفّي فيها رحمة اللّه عليه وصلواته .
فلمّا دفن لم تلبث أن خرجت حتى أتت القبر ، فضربت بجرانها(3) القبر ، ورغت(4) وهملت عيناها .
فأتي محمد بن علي عليهماالسلام فقيل : إنّ الناقة قد خرجت إلى القبر ، فأتاها فقال : مه ، قومي الآن بارك اللّه فيك ، فثارت حتى دخلت موضعها .
ص: 40
ثمّ لم تلبث أن خرجت حتى أتت القبر ، فضربت بجرانها القبر ، ورغت وهملت عيناها .
فأتي محمد بن علي عليهماالسلام ، فقيل له : إنّ الناقة قد خرجت إلى القبر ، فأتاها فقال : مه ، الآن قومي بارك اللّه فيك ، فلم تفعل ، فقال : دعوها ، فإنّها مودّعة ، فلم تلبث إلاّ ثلاثة أيّام حتى نفقت .
وإنّه كان يخرج عليها إلى مكّة ، فيعلّق السوط بالرحل ، فما يقرعها قرعة حتى يدخل المدينة(1) .
وروي أنّه حجّ عليها أربعين حجّة(2) .
حمّاد بن حبيب الكوفي العطّار قال : انقطعت عن القافلة عند زبالة ، فلمّا أن انجنى الليل أويت إلى شجرة عالية ، فلمّا أن اختطّ الظلام إذا أنا بشابّ قد أقبل ، عليه أطمار بيض ، تفوح منه رائحة المسك ، فأخفيت نفسي ما استطعت ، فتهيّأ للصلاة ، ثمّ وثب قائما وهو يقول : يا من حاز كلّ شيء [ ملكوتا وقهر كلّ شيء ] جبروتا ألج قلبي فرح الإقبال وألحقني بميدان المطيعين لك ، ثمّ دخل في الصلاة .
ص: 41
فلمّا رأيته وقد هدأت أعضاؤه ، وسكنت حركاته ، قمت إلى الموضع الذي تهيّأ فيه إلى الصلاة ، فإذا أنا بعين تنبع ، فتهيّأت للصلاة ، ثمّ قمت خلفه ، فإذا بمحراب كأنّه مثّل في ذلك الوقت ، فرأيته كلّ ما مرّ بالآية التي فيها الوعد والوعيد يردّدها بانتحاب وحنين .
فلمّا أن تقشّع الظلام وثب قائما وهو يقول : يا من قصده الضالّون فأصابوه مرشدا ، وأمّه الخائفون فوجدوه معقلاً ، ولجأ إليه العائذون فوجدوه موئلاً ، متى راحة من نصب لغيرك بدنه ، ومتى فرح من قصد سواك بنيّته ، إلهي قد انقشع الظلام ولم أقض من حياض مناجاتك صدرا ، صلّ على محمد وآله ، وافعل بي أولى الأمرين بك يا أرحم الراحمين .
فخفت أن يفوتني شخصه ، وأن يخفى عليّ أمره ، فتعلّقت به ، فقلت :بالذي أسقط عنك ملاك التعب ، ومنحك شدّة لذيذ الرهب ، إلاّ ما لحقتني منك جناح رحمة ، وكنف رقّة ، فإنّي ضالّ ، فقال : لو صدق توكّلك ما كنت ضالاًّ ، ولكن اتّبعني واقفُ أثري .
فلمّا أن صار تحت الشجرة أخذ بيدي ، وتخيّل لي الأرض تميد من تحت قدمي ، فلمّا انفجر عمود الصبح قال لي : ابشر فهذه مكّة ، فسمعت الضجّة ورأيت الحجّة .
فقلت له : بالذي ترجوه يوم الآزفة يوم الفاقة ، من أنت ؟ قال : إذا أقسمت ، فأنا علي بن الحسين بن علي أبي طالب عليهم السلام(1) .
ص: 42
كتاب المقتل : قال أحمد بن حنبل : كان سبب مرض زين العابدين عليه السلام في كربلاء أنّه كان ألبس درعا ، ففضل عنه ، فأخذ الفضلة بيده ومزّقه(1) .
عبد اللّه بن عطاء التميمي ، قال : كنت مع علي بن الحسين عليهماالسلام في المسجد ، فمرّ عمر بن عبد العزيز، وعليه نعلان شراكهما فضّة، وكان من أهجن الناس، وهو شابّ، فنظر إليه علي بن الحسين عليهماالسلام، فقال: يا عبد اللّه بن عطاء ، أترى هذا المترف ؟ إنّه لن يموت حتى يلي الناس ، قلت : إنا للّه ، هذا الفاسق ؟
قال : نعم ، لا يلبث عليهم إلاّ يسيرا حتى يموت ، فإذا هو مات لعنهأهل السماء ، واستغفر له أهل الأرض(2) .
الروضة : سأل ليث الخزاعي سعيد بن المسيب عن إنهاب المدينة ، قال : نعم ، شدّوا الخيل إلى أساطين مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ورأيت الخيل حول القبر ، وانتهب المدينة ثلاثا ، فكنت أنا وعلي بن الحسين عليه السلام نأتي قبر النبي صلى الله عليه و آله ، فيتكلّم علي بن الحسين عليهماالسلام بكلام لم أقف عليه ، فيحال ما بيننا وبين القوم ، ونصلّي ونرى القوم وهم لا يروننا .
ص: 43
وقام رجل عليه حلل خضر على فرس محذوف(1) أشهب ، بيده حربة مع علي بن الحسين عليهماالسلام ، فكان إذا أومى ء الرجل إلى حرم رسول اللّه صلى الله عليه و آله يشير ذلك الفارس بالحربة نحوه ، فيموت قبل أن يصيبه .
فلمّا أن كفّوا عن النهب دخل علي بن الحسين عليهماالسلام على النساء ، فلم يترك قرطا في أذن صبي، ولا حليّا على امرأة ولا ثوبا ، إلاّ أخرجه إلى الفارس(2).
فقال له الفارس(3) : يا ابن رسول اللّه ، إنّي ملك من الملائكة من شيعتك وشيعة أبيك ، لمّا أن ظهر القوم بالمدينة استأذنت ربّي في نصرتكم آل محمد صلى الله عليه و آله ، فأذن لي ، لأن أذخرها يدا عند اللّه - تبارك وتعالى - وعند رسوله وعندكم أهل البيت إلى يوم القيامة .
وأصيب الحسين عليه السلام وعليه دين ، بضعة وسبعون ألف دينار ، فاهتمّ علي بن الحسين عليهماالسلام بدين أبيه ، حتى امتنع من الطعام والشراب والنوم في أكثر أيّامه ولياليه ، فأتاه آتٍ في المنام ، فقال : لا تهتمّ بدين أبيك فقد قضاه اللّه عنه بمال « بجنس » ، فقال علي عليه السلام : واللّه ما أعرف في أموال أبي مال يقال له « بجنس » ، فلمّا كان من الليلة الثانية رأى مثل ذلك .
فسأل عنه أهله ، فقالت له امرأة من أهله : كان لأبيك عبد رومي يقال له : « بجنس » استنبط له عينا بذي خشب ، فسأل عن ذلك فأخبر به .
فما مضت بعد ذلك إلاّ أيام قلائل حتى أرسل الوليد بن عتبة بن أبي سفيان إلى علي بن الحسين عليهماالسلام يقول له : انّه قد ذكرت لي عين لأبيك بذيخشب تعرف ب-« بجنس » ، فإذا أحببت بيعها ابتعتها منك ، قال علي بن الحسين عليهماالسلام : خذها بدين الحسين عليه السلام ، وذكره له ، قال : قد أخذتها ،
فاستثنى منها سقي ليلة السبت لسكينة(1)(2) .
ص: 45
وكان زين العابدين عليه السلام يدعو في كلّ يوم أن يريه اللّه قاتل أبيه مقتولاً ، فلمّا قتل المختار قتلة الحسين عليه السلام بعث برأس عبيد اللّه بن زياد ورأس عمر بن سعد مع رسول من قبله إلى زين العابدين عليه السلام ، وقال لرسوله : إنّه يصلّي من الليل ، وإذا أصبح وصلّى صلاة الغداة هجع ، ثمّ يقوم ، فيستاك ويؤتى بغذائه ، فإذا أتيت بابه فاسأل عنه ، فإذا قيل لك : إنّ المائدة بين يديه ، فاستاذن عليه وضع الرأسين على مائدته ، وقل له : المختار يقرأ عليك السلام ويقول لك : يا ابن رسول اللّه ، قد بلغك اللّه ثارك .
ففعل الرسول ذلك ، فلمّا رأى زين العابدين عليه السلام الرأسين على مائدته
خرّ ساجدا وقال : الحمد اللّه الذي أجاب دعوتي ، وبلغني ثأري من قتلةأبي ، ودعا للمختار وجزّاه خيرا(1) .
رجل من بني حنيفة ، قال : كنت مع عمّي فدخل على علي بن الحسين عليهماالسلام ، فرأى بين يديه صحائف ينظر فيها ، فقال عمّي : أيّ شيء هذه الصحائف ؟ قال : هذه ديوان شيعتنا .
ص: 46
ثمّ قال : إنّ اللّه خلقنا من عليّين ، وخلق شيعتنا من طين من أسفل ذلك ، وخلق عدوّنا من سجّين ، وخلق أولياؤهم من أسفل ذلك(1) .
بشير النبّال ويحيى بن أمّ الطويل ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كنت خلف أبي ، وهو على بغلته ، فنفرت فإذا رجل في عنقه سلسلة ، ورجل يتبعه ، فقال : يا علي بن الحسين ، اسقني ، فقال الرجل : لا تسقه ، لا سقاه اللّه ، وكان أوّل ملك في الشام(2) .
وروى نحو ذلك إدريس بن عبد اللّه وعلي بن المغيرة ومالك بن عطيّة وأبو حمزة الثمالي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال :بينا أنا وأبي متوجّهين إلى مكّة ، وأبي قد تقدّمني في موضع يقال له : « ضجنان » ، وذكر الخبر بعينه(3) .
أبو جعفر عليه السلام : خدم أبو خالد الكابلي علي بن الحسين عليهماالسلام دهرا من عمره ، ثمّ إنّه أراد أن ينصرف إلى أهله ، فأتى علي بن الحسين عليهماالسلام ،
ص: 47
وشكى إليه شدّة شوقه إلى والديه ، فقال : يا أبا خالد ، يقدم غدا رجل من أهل الشام له قدر ومال كثير ، وقد أصاب بنتا له عارض من أهل الأرض ، ويريدون أن يطلبوا معالجا يعالجها ، فإذا أنت سمعت قدومه فأته ، وقل له : أنا أعالجها لك على أن اشترط لك أنّي أعالجها على ديّتها عشرة آلاف(1) ، فلا تطمئنّ إليهم ، وسيعطونك ما تطلب منهم .
فلمّا أصبحوا قدم الرجل ومن معه ، وكان من عظماء أهل الشام في المال والمقدرة ، فقال : أما من معالج يعالج بنت هذا الرجل ؟
فقال له أبو خالد : أنا أعالجها على عشرة آلاف درهم ، فإن أنتم وفيتم وفيت على أن لا يعود إليها أبدا ، فشرطوا أن يعطوه عشرة آلاف .
فأقبل إلى علي بن الحسين عليهماالسلام ، فأخبره الخبر ، فقال : إنّى أعلم أنّهم سيغدرون بك ، ولا يفون لك ، انطلق - يا أبا خالد - فخذ بأذن الجاريةاليسرى ، ثمّ قل : يا خبيث يقول لك علي بن الحسين اخرج من هذه الجارية ولا تعد .
ففعل أبو خالد ما أمره ، فخرج منها ، فأفاقت الجارية ، وطلب أبو خالد الذي شرطوا له فلم يعطوه ، فرجع مغتمّا كئيبا ، فقال له علي بن الحسين عليهماالسلام : ما لي أراك كئيبا يا أبا خالد ؟ ألم أقل لك : إنّهم يغدرون بك ؟ دعهم فإنّهم سيعودون إليك ، فإذا لقوك ، فقل : لست أعالجها حتى تضعوا المال على يدي علي بن الحسين عليهماالسلام ، فإنّه لي ولكم ثقة .
ص: 48
[ فأصيبت الجارية ، وعادوا إليه ، وقال ما أمره به ، فرضوا ] ووضعوا المال على يدي علي بن الحسين عليهماالسلام ، فرجع أبو خالد إلى الجارية ، فأخذ بأذنها اليسرى ، ثمّ قال : يا خبيث ، يقول لك علي بن الحسين : اخرج من هذه الجارية ، ولا تعرض لها إلاّ بسبيل خير ، فإنّك إن عدت أحرقتك ب- « نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَْفْئِدَةِ » ، فخرج منها ، ودفع المال إلى أبي خالد ، فخرج إلى بلاده(1) .
محمد بن علي الحلبي قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : لمّا أتي بعلي بن الحسين عليهماالسلام إلى يزيد بن معاوية ، ومن تبعهم ، جعلوهم في بيت ، فقال بعضهم : إنّما جعلنا في هذا البيت ليقع علينا .فقال مواظب لحرس : انظروا إلى هؤلاء يخافون أن يقع عليهم البيت ! وإنّما يخرجون غدا فيقتلون ، فأخبره عليه السلام [ بلغة ]قومه بمقاله .
وفي رواية : إنّه بشّرهم بإطلاقهم غدا(2) .
الزهري : جاء رجل إلى علي بن الحسين عليهماالسلام فقال : ما خبرك ؟
ص: 49
فقال : خبري - يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله - أنّي أصبحت وعليّ أربعمائة دينار لا قضاء عندي لها ، ولي عيال ليس لي ما أعود به إليهم .
فبكى علي بن الحسين عليهماالسلام بكاء شديدا ، فقيل : ما يبكيك يا ابن رسول اللّه ؟ فقال : وهل يعدّ البكاء إلاّ للمصائب والمحن الكبار ؟ فقالوا : كذلك .
قال : فأيّة محنة ومصيبة أعظم على حرّ مؤمن أن يرى بأخيه المؤمن خلّة ولا يمكنه سدّها ، ويشاهده على فاقة فلا يطيق دفعها ؟
فلمّا تفرّقوا أتاه الشاكي وقال : يا ابن رسول اللّه ، بلغني عن فلان أنّه قال : عجبا لهؤلاء يدّعون أنّ السماء والأرض وكلّ شيء يطيعهم ، وأنّ اللّه لا يردّهم عن شيء من طلباتهم ، ثمّ يعترفون بالعجز عن صلاح خواصّ إخوانهم ، يا ابن رسول اللّه ، ذلك أغلظ عليّ من محنتي .
فقال عليه السلام : فقد أذن اللّه في فرجك يا فلان ، احمل له فطوري وسحوري ،فحمل قرصين ، فقال : خذهما فليس عندنا غيرهما ، فإنّ اللّه يكشف عنك بهما ، وينيلك خيرا واسعا بهما .
فدخل الرجل السوق مع الوسوسة ، فمرّ بسمّاك قد بارت عليه سمكته ، وقد أراحت ، فقال : خذ سمكة بائرة بقرصة يابسة ، ثمّ مرّ برجل معه ملح قليل مزهود فيه ، فناداه : اعطني قرصتك المزهودة وخذ ملحي المزهود ، ففعل ، فجاء الرجل بالسمكة والملح ، فقال : أصلح هذه بهذا .
فلمّا شقّ بطن السمكة وجد فيه لؤلؤتين فاخرتين ، فحمد اللّه عليهما ، فبينا هو في سروره ذلك إذ قرع بابه ، فنظر من على الباب ، فإذا هو
ص: 50
صاحب السمكة والملح يقولان : جهدنا أن نأكل القرص فلم تعمل فيه أسناننا ، فأخذ القرصين منهما .
فلمّا استقرّ بعد انصرافهما عنه قرع بابه ، فإذا هو رسول علي بن الحسين عليهماالسلام قد دخل ، فقال : إنّه يقول لك : إنّ اللّه قد أتاك بالفرج فاردد طعامنا ، فإنّه لا يأكله غيرنا .
وباع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم وحسنت حاله .
فقال بعض المخالفين : ما أشدّ هذا التفاوت ! بينا هو لا يقدر أن يسدّ منه فاقة إذ أغناه هذا الغنى العظيم ، فقال عليه السلام : هكذا قالت قريش للنبي صلى الله عليه و آله : كيف يمضي إلى بيت المقدس ، ويشاهد ما فيه من آثار الأنبياء من مكّة ، ويرجع إليها في ليلة واحدة ، وهو لا يقدر أن يبلغ من مكّة إلى المدينة إلاّ في إثنى عشر يوما ، وذلك حين هاجر منها .ثمّ قال : جهلوا - واللّه - أمر اللّه وأمر أوليائه مع أنّ المراتب الرفيعة لا تنال إلاّ بالتسليم للّه ، وترك الاقتراح عليه ، والرضى بما يريده بهم(1) . . الخبر .
معرفة الرجال عن الكشي عن أبي بصير : كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفية دهرا ، فقال له : جعلت فداك ، إنّ لي خدمة ومودّة
ص: 51
وانقطاعا ، فأسألك بحرمة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام إلاّ ما أخبرتني : أنت الإمام الذي فرض اللّه طاعته على خلقه ؟ قال : الإمام علي بن الحسين عليهماالسلام عليّ وعلى كلّ مسلم .
فجاء أبو خالد إلى علي بن الحسين عليهماالسلام ، فلمّا دخل عليه قال : مرحبا يا كنكر ، ما كنت لنا بزائر ، ما بدا لك فينا ؟
فخرّ أبو خالد ساجدا شاكرا للّه ممّا سمع منه ، فقال : الحمد اللّه الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي ، فقال له علي عليه السلام : وكيف عرفت إمامك ؟ قال : لا - واللّه - ما عرفني بهذا الأمر(1) إلاّ أبي وأمّي ، ثمّ قصّ عليه حديث ابن الحنفية(2) .
نوادر الحكمة : عن محمد بن أحمد بن يحيى بالإسناد عن جابر ، وعن الباقر عليه السلام أنّه جرى بينه وبين محمد بن الحنفية منازعة [ في الإمامة ] ، فقال : يا محمد ، اتّق اللّه ولا تدّع ما ليس لك بحقّ ، « إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ » يا عمّ ، إنّ أبي أوصى إليّ قبل أن يتوجّه إلى العراق ، فانطلق بنا إلى الحجر الأسود ، فمن شهد له بالإمامة كان هو الإمام .
ص: 52
فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود ، فناداه محمد فلم يجبه ، فقال علي عليه السلام : أما إنّك لو كنت وصيّا وإماما لأجابك ، فقال له محمد : فادع أنت يا ابن أخي واسأله .
فدعا اللّه - تعالى - علي عليه السلام بما أراد ، ثمّ قال : أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الناس أجمعين لمّا أخبرتنا بلسان عربي مبين : مَن الوصي والإمام بعد الحسين ؟
فتحرّك الحجر حتى كاد أن يزول من موضعه ، ثمّ أنطقه اللّه بلسان عربي مبين ، فقال : اللّهم إنّ الوصيّة والإمامة بعد الحسين لعلي بن الحسين بن فاطمة بنت رسول اللّه عليهم السلام .
فانصرف محمد وهو يتولّى علي بن الحسين(1) عليهماالسلام .المبرد في الكامل : قال أبو خالد الكابلي لمحمد بن الحنفية : أتخاطب ابن أخيك بما لا يخاطبك بمثله ، فقال : إنّه حاكمني إلى الحجر الأسود ، وزعم أنّه ينطقه ، فصرت معه إلى الحجر ، فسمعت الحجر يقول : سلّم الأمر إلى ابن أخيك ، فإنّه أحقّ به منك ، فصار أبو خالد إماميّا(2) .
قال الحميري :
عجبت ولكن صروف الزمان
وأمر أبي خالد ذي البيان
ومن ردّه الأمر لا ينثني
إلى الطيّب الطهر نور الجنان
ص: 53
علي وما كان من عمّه
بردّ الأمانة عطف العيان
وتحكيمه حجرا أسودا
وما كان من نطقه المستبان
بتسليم عمّ بغير امتراء
إلى ابن أخ منطقا باللسان
شهدت بذلك حقّا كما
شهدت بتصديق آي القرآن
علي إمامي ولا أمتري
وخلّيت قولي بكان وكان
* * *
وقال المؤلّف :
بعد النبي أئمّة لمعاشر
وأئمّتي من بعده أولاده
إن كان قد شرفت به أصحابه
فبنوه ما شرفوا وهم أكباده
* * *
ص: 54
ص: 55
ص: 56
زرارة بن أعين : سمع سائلاً في جوف الليل يقول : أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة ؟
فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته ولا يرى شخصه : ذلك علي بن الحسين عليهماالسلام(1) .
حلية الأولياء ، وفضائل الصحابة : كان علي بن الحسين عليهماالسلام إذا فرغ من وضوء الصلاة ، وصار بين وضوئه وصلاته ، أخذته رعدة ونفضة ، فقيل له في ذلك ، فقال : ويحكم أتدرون إلى من أقوم ؟ ومن أريد أناجي(2) ؟
ص: 57
وفي كتبنا : أنّه كان إذا توضّأ اصفرّ لونه ، فقيل له في ذلك ، فقال :أتدرون من أتأهّب للقيام بين يديه(1) ؟
طاووس الفقيه : رأيت في الحجر زين العابدين عليه السلام يصلّي ويدعو : عبيدك ببابك ، أسيرك بفنائك ، مسكينك بفنائك ، سائلك بفنائك ، يشكو إليك ما لا يخفى عليك .
وفي خبر : لا تردّني عن بابك(2) .
وأتت فاطمة بنت علي بن أبي طالب عليهم السلام إلى جابر بن عبد اللّه ، فقالت له : يا صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّ لنا عليكم حقوقا ، ومن حقّنا عليكم إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا أن تذكّروه اللّه ، وتدعوه إلى البقيا على نفسه ، وهذا علي بن الحسين عليهماالسلام بقيّة أبيه الحسين عليه السلام قد انخرم أنفه ، ونقبت جبهته وركبتاه وراحتان ، أذاب نفسه في العبادة .
فأتى جابر إلى بابه واستأذن، فلمّا دخل عليه وجده في محرابه قد انضبته(3) العبادة . فنهض علي عليه السلام ، فسأله عن حاله سؤالاً خفيّا(4) أجلسه بجنبه .
ص: 58
ثمّ أقبل جابر يقول : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أما علمت أنّ اللّه خلقالجنّة لكم ولمن أحبّكم ، وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم ، فما هذا الجهد الذي كلّفته نفسك ؟!
فقال له علي بن الحسين عليهماالسلام : يا صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أما علمت أنّ جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد غفر اللّه ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فلم يدع الاجتهاد ، وتعبّد هو - بأبى وأمّي - حتى انتفخ الساق وورم القدم ، وقيل له : أتفعل هذا وقد غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ؟ قال : أفلا أكون عبدا شكورا ؟
فلمّا نظر إليه جابر - وليس يغني فيه قول - قال : يا ابن رسول اللّه ، البقيا على نفسك ، فإنّك من أسرة بهم يستدفع البلاء ، وتستكشف اللأواء ، وبهم تستمسك السماء ، فقال : يا جابر ، لا أزال على منهاج أبويّ مؤتسيا بهما حتى ألقاهما .
فأقبل جابر على من حضر ، فقال لهم : ما أرى من أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين عليهماالسلام إلاّ يوسف بن يعقوب عليهماالسلام ، واللّه لذرّية علي بن الحسين عليهماالسلام أفضل من ذرّية يوسف عليه السلام(1) .
الصادق عليه السلام : ولقد دخل أبو جعفر على أبيه عليهماالسلام ، فإذا هو قد بلغ من
ص: 59
العبادة ما لم يبلغه أحد ، وقد اصفرّ لونه من السهر ، ورمضت عيناه من البكاء ، ودبرت جبهته من السجود ، وورمت قدماه من القيام في الصلاة .
قال : فقال أبو جعفر : فلم أملك حين رأيته بتلك الحال من البكاء ، فبكيت رحمة له ، وإذا هو يفكّر ، فالتفت إليّ بعد هنيئة من دخولي ، فقال : يا بنيّ ، اعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي عليه السلام ، فأعطيته ، فقرأ فيها يسيرا ، ثمّ تركها من يده تضجّرا ، وقال : من يقوي على عبادة علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) ؟!
إذا قام في الصلاة تغيّر لونه ، فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفضّ(1) عرقا(2) .
الباقر عليه السلام : كان علي بن الحسين عليهماالسلام يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة ،وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة(3) ، وكانت له خمسمائة نخلة ، وكان يصلّي عند كلّ نخلة ركعتين .
وكان إذا قام في صلاته غشى لونه لون آخر ، وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ، كانت أعضاؤه ترتعد من خشية اللّه ، وكان يصلّي صلاة مودّع يرى أنّه لا يصلّي بعدها أبدا(4) .
وروي أنّه كان إذا قام إلى الصلاة تغيّر لونه ، وأصابته رعدة ، وحال أمره ، فربما سأله عن حاله من لا يعرف أمره في ذلك ، فيقول : إنّي أريد الوقوف بين يدي ملك عظيم(5) .
وكان إذا وقف في الصلاة لم يشغل بغيرها ، ولم يسمع شيئا لشغله بالصلاة(6) .
وسقط بعض ولده في بعض الليالي ، فانكسرت يده ، فصاح أهل الدار ، وأتاهم الجيران ، وجيء بالمجبّر ، وجبّر الصبي ، وهو يصيح من الألم ، وكلّ ذلك لا يسمعه ، فلمّا أصبح رأى الصبي يده مربوطة إلى عنقه ،
ص: 61
فقال : ما هذا ؟ فأخبروه(1) .
ووقع حريق في بيت هو فيه ساجد ، فجعلوا يقولون : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ! النار النار ، فما رفع رأسه حتى أطفيت .
فقيل له بعد قعوده : ما الذي ألهاك عنها ؟ قال : ألهتني عنها النار الكبرى .
الباقر عليه السلام : ولقد كان سقط منه كلّ سنة سبع ثفنات من مواضع سجوده وكان يجمعها ، فلمّا مات دفنت معه(2) .
الأصمعي : كنت أطوف حول الكعبة ليلة فإذا شابّ ظريف الشمائل ، وعليه ذؤابتان ، وهو متعلّق بأستار الكعبة ويقول : نامت العيون ، وعلت النجوم ، وأنت الملك الحيّ القيّوم ، غلّقت الملوك أبوابها ، وأقامت عليها حرّاسها ، وبابك مفتوح للسائلين ، جئتك لتنظر إليّ برحمتك يا أرحم الراحمين .
ثمّ أنشأ يقول :
يا من يجيب دعا المضطرّ في الظلم
يا كاشف الضرّ والبلوى مع السقم
قد نام وفدك حول البيت قاطبة
وأنت وحدك يا قيّوم لم تنم
ص: 62
أدعوك ربّ دعاء قد أمرت به
فارحم بكائي بحقّ البيت والحرم
إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف
فمن يجود على العاصين بالنعم
* * *
قال : فاقتفيته ، فإذا هو زين العابدين عليه السلام .
طاوس الفقيه : رأيته يطوف من العشاء إلى [ ال-]-سحر ويتعبّد ، فلمّا لم ير أحدا رمق السماء بطرفه وقال : إلهي غارت نجوم سماواتك ، وهجعت عيون أنامك ، وأبوابك مفتّحات للسائلين ، جئتك لتغفر لي وترحمني وتريني وجه جدّي محمد صلى الله عليه و آله في عرصات القيامة .
ثمّ بكى وقال : وعزّتك وجلالك ، ما أردت بمعصيتي مخالفتك ، وما عصيتك إذ عصيتك وأنا بك شاكّ ، ولا بنكالك جاهل ، ولا لعقوبتك متعرّض ، ولكن سوّلت لي نفسي ، وأعانني على ذلك سترك المرخى به عليّ ، فأنا الآن من عذابك من يستنقذني ، وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عنّي ، فوا سوأتاه غدا من الوقوف بين يديك ، إذا قيل للمخفّين : جوزوا ، وللمثقلين : حطّوا ، أَمَع المخفّين أجوز ، أم مع المثقلين أحطّ ؟ ويلي كلّما طال عمري كثرت خطاياي ولم أتب ، أما آن لي أن استحي من ربّي ؟ ثمّ بكى .
ثمّ أنشأ يقول :
أتحرقني بالنار يا غاية المنى
فأين رجائي ثمّ أين محبّتي
أتيت بأعمال قباح رديّة
وما في الورى خلق جنى كجنايتي
* * *
ص: 63
ثمّ بكى وقال : سبحانك ! تُعصى كأنّك لا ترى ، وتحلم كأنّك لم تعص ، تتودّد إلى خلقك بحسن الصنيع كأنّ بك الحاجة إليهم ، وأنت يا سيّدي الغني عنهم .ثمّ خرّ إلى الأرض ساجدا ، فدنوت منه وشلت رأسه ووضعته على ركبتي ، وبكيت حتى جرت دموعي على خدّه ، فاستوى جالسا وقال : من ذا الذي أشغلني عن ذكر ربّي ؟
فقلت : أنا طاوس ، يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ما هذا الجزع والفزع ؟ ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا ، ونحن عاصون جافون ، أبوك الحسين بن علي ، وأمّك فاطمة الزهراء ، وجدّك رسول اللّه عليهم السلام .
قال : والتفت إليّ وقال : هيهات هيهات ، يا طاوس ، دع عنّي حديث أبي وأمّي وجدّي ، خلق اللّه الجنّة لمن أطاعه وأحسن ، ولو كان حبشيّا ، وخلق النار لمن عصاه ، ولو كان سيّدا قرشيّا ، أما سمعت قوله تعالى : « فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ » ؟ واللّه لا ينفعك غدا إلاّ تقدمة تقدّمها من عمل صالح .
قال ابن حماد :
وراهب أهل البيت كان ولم يزل
يلقّب بالسجّاد حتى تعبّد
يقضي بطول الصوم طول نهاره
منيبا ويفني ليله بتهجّد
فأين به من علمه ووفائه
وأين به من نسكه وتعبّده
* * *
ص: 64
وكفاك في زهده الصحيفة الكاملة والندب المروية عنه عليه السلام :
فمنها : ما روى الزهري : يا نفس ، حتى مَ إلى الحياة سكونك ، وإلىالدنيا ركونك ؟ ما اعتبرت بمن مضى في أسلافك ، ومن وارته الأرض من الإفك ، ومن فجعت به من إخوانك ؟ !
فهم في بطون الأرض بعد ظهورها
محاسنها فيها بوالي دواثر
خلت دورهم منهم وأقوت عراصهم
وساقتهم نحو المنايا المقادر
وخلّوا عن الدنيا وما جمعوا لها
وضمّتهم تحت التراب الحفائر(1)
* * *
ومنها : ما روي عن الصادق عليه السلام : حتى متى تعدني الدنيا فتخلف ، وأئتمنها فتخون ، وأستنصحها فتغشّ ، لا تحدث جديدة إلاّ تخلق مثلها ، ولا تجمع شملاً إلاّ بتفريق بين ، حتى كأنّها غيرى ، أو محتجبة تغار على الآلاف ، وتحسد أهل النعم .
فقد آذنتني بانقطاع وفرقة
وأومض لي من كلّ أفق بروقها(2)
ص: 65
ومنها : ما روى سفيان بن عيينة : أين السلف الماضون ، والأهل والأقربون ، والأنبياء والمرسلون ؟ طحنتهم - واللّه - المنون ، وتوالت عليهم السنون ، وفقدتهم العيون ، وإنّا إليهم لصائرون ، و« إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِراجِعُونَ » .
إذا كان هذا نهج من كان قبلنا
فإنّا على آثارهم نتلاحق
فكن عالما أن سوف تدرك من مضى
ولو عصمتك الراسيات الشواهق
فما هذه دار المقامة فاعلمن
ولو عمّر الإنسان ما ذرّ شارق(1)
* * *
ص: 66
وممّا جاء في صدقته عليه السلام :
ما روي في الحلية ، وشرف النبي صلى الله عليه و آله ، والأغاني عن محمد بن إسحاق بالإسناد عن الثمالي ، وعن الباقر عليه السلام : أنّه كان علي بن الحسين عليهماالسلام يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدّق به(1) .
قال أبو حمزة الثمالي وسفيان الثوري : كان عليه السلام يقول : إنّ صدقة السرّ تطفى ء غضب الربّ(2) .
الحلية ، والأغاني عن محمد بن إسحاق : أنّه كان ناس من أهل المدينة
ص: 67
يعيشون لا يدرون [ من ] أين معاشهم ، فلمّا مات علي بن الحسين عليهماالسلام فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل(1) .
وفي رواية أحمد بن حنبل عن معمر عن شيبة بن نعامة : أنّه كان يقّوت مائة أهل بيت(2) .
وقيل : كان في كلّ بيت جماعة من الناس(3) .
الحلية ، قال : إنّ عائشة(4) سمعت أهل المدينة يقولون : ما فقدنا صدقة السرّ حتى مات علي بن الحسين عليهماالسلام(5) .
وفي رواية محمد بن إسحاق : أنّه كان في المدينة كذا وكذا بيتا يأتيهم رزقهم وما يحتاجون إليه لا يدرون من أين يأتيهم ، فلمّا مات زين العابدين عليه السلام فقدوا ذلك(6) ، فصرخوا صرخة واحدة .
وفي خبر عن أبي جعفر عليه السلام : أنّه كان يخرج في الليلة الظلماء ، فيحمل الجراب على ظهره حتى يأتي بابا فيقرعه ، ثمّ يناول من كان يخرج إليه ،
ص: 68
وكان يغطّي وجهه إذا ناول فقيرا لئلاّ يعرفه(1) . . الخبر .
وفي خبر : أنّه كان إذا جنّ الليل وهدأت العيون قام إلى منزله ، فجمع ما يبقى فيه من قوت أهله ، وجعله في جراب ، ورمى به على عاتقه ، وخرج إلى دور الفقراء ، وهو متلثّم ، ويفرّق عليهم ، وكثيرا ما كانوا قياما على أبوابهم ينتظرونه ، فإذا رأوه تباشروا به ، وقالوا : جاء صاحب الجراب(2) .
أبو جعفر في علل الشرائع : سفيان بن عيينة : رأى الزهري علي بن الحسين عليهماالسلام في ليلة باردة مطيرة ، وعلى ظهره دقيق وحطب ، وهو يمشي ، فقال له : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ما هذا ؟
قال : أريد سفرا أعدّ له زادا أحمله إلى موضع حريز ، فقال الزهري : فهذا غلامي يحمله عنك ، فأبى ، فقال : فأحمله عنك ، فإنّي أرفعك عن حمله .
فقال علي بن الحسين عليهماالسلام : لكنّي لا أرفع نفسي عمّا ينجيني في سفري ، ويحسن ورودي على ما أرد عليه ، سألتك باللّه لمّا مضيت في حاجتك وتركتني ، فانصرفت عنه .
فلمّا كان بعد أيّام قال له : يا ابن رسول اللّه ، لست أرى لذلك السفر
ص: 69
الذي ذكرته أثرا ؟ قال : بلى - يا زهري - ليس ما ظننت ، ولكنّه الموت ،وله كنت استعدّ(1) .
حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام : أنّه كان يعول مائة بيت من فقراء المدينة ، وكان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى والأضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم ، وكان يناولهم بيده ، ومن كان منهم له عيال حمله إلى عياله من طعامه . وكان لا يأكل طعاما حتى يبدأ فيتصدّق به(2) .
الحلية : قال الطائي : إنّ علي بن الحسين عليهماالسلام كان إذا ناول الصدقة قبّلها ثمّ ناولها(3) .
شوف العروس : عن أبي عبد اللّه الدامغاني : أنّه كان علي بن الحسين عليهماالسلام يتصدّق بالسكر واللوز ، فسئل عن ذلك ؛ فقرأ قوله تعالى : « لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ » ، وكان عليه السلام يحبّه .
ص: 70
الصادق عليه السلام : أنّه كان علي بن الحسين عليهماالسلام يعجب بالعنب ، فدخل منهإلى المدينة شيء حسن ، فاشترت منه أمّ ولده شيئا ، وأتت به عند إفطاره ، فأعجبه ، فقبل أن يمدّ يده وقف بالباب سائل ، فقال لها : احمليه إليه ، قالت : يا مولاي بعضه يكفيه ! قال : لا واللّه ، وأرسله إليه كلّه .
فاشترت له من غد ، وأتت به ، فوقف السائل ، ففعل مثل ذلك ، فأرسلت فاشترت له ، وأتت به في الليلة الثالثة ، ولم يأت سائل ، فأكل وقال : ما فاتنا منه شيء ، والحمد للّه (1) .
الحلية : قال عمرو بن ثابت : لمّا مات علي بن الحسين عليهماالسلام فغسّلوهجعلوا ينظرون إلى آثار سواد في ظهره ، وقالوا : ما هذا ؟ فقيل : كان يحمل جرب الدقيق ليلاً على ظهره يعطي فقراء أهل المدينة(1) .
وفي روايات أصحابنا : أنّه لمّا وضع على المغتسل نظروا إلى ظهره وعليه مثل ركب الإبل ممّا كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء(2) .
وكان عليه السلام إذا انقضى الشتاء تصدّق بكسوته ، وإذا انقضى الصيف تصدّق بكسوته ، وكان يلبس من خزّ اللباس(3) ، فقيل له : تعطيها من لا يعرف قيمتها ، ولا يليق به لباسها ! فلو بعتها فتصدّقت بثمنها ، فقال : إنّي أكره أن أبيع ثوبا صلّيت فيه(4) .
قال السوسي :
عليّ الساجد للمنّان
معفّر الجبهة والأذنان
علي السجود تالي القرآن
* * *
ص: 72
وممّا جاء في صومه وحجّه عليه السلام :
روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنّه كان علي بن الحسين عليهماالسلام إذا كان اليوم الذي يصوم فيه ، يأمر بشاة فتذبح ، وتقطّع أعضاؤها وتطبخ ، فإذا كان عند المساء أكبّ على القدور حتى يجد ريح المرقة(1) ، وهو صائم ، ثمّ يقول : هاتوا القصاع ، اغرفوا لآل فلان ، حتى يأتي إلى آخر القدور ، ثمّ يؤتى بخبز وتمر ، فيكون بذلك عشاؤه(2) .
معتب : عن الصادق عليه السلام قال : كان علي بن الحسين عليهماالسلام شديد الاجتهاد في العبادة ، نهاره صائم ، وليله قائم ، فأضرّ ذلك بجسمه ، فقلت له : يا أبه كم هذا الدؤب ؟ فقال : أتحبّب إلى ربّي لعلّه يزلفني .
ص: 73
فقال : لولا خوف القصاص لفعلت(1) .
وفي رواية : من القصاص ، وردّ يده عنها(2) .
وقال عبد اللّه بن المبارك : حججت بعض السنين إلى مكّة ، فبينما أنا سائر في عرض الحاجّ ، وإذا صبي سباعي أو ثماني ، وهو يسير ناحية من الحاجّ بلا زاد وراحلة ، فتقدّمت إليه ، وسلّمت عليه ، وقلت له : مع من قطعت البرّ ؟ قال : مع البارّ ، فكبر في عيني .
فقلت : يا ولدي أين زادك وراحلتك ؟ فقال : زادي تقواي ، وراحلتي رجلاي ، وقصدي مولاي ، فعظم في نفسي .
فقلت : يا ولدي ممّن تكن ؟ قال : مطّلبي .
فقلت : أبن لي ؟ فقال : هاشمي .
فقلت : أبن لي ؟ فقال : علوي فاطمي .
فقلت : يا سيّدي هل قلت شيئا من الشعر ؟ فقال : نعم ، فقلت : أنشدني شيئا من شعرك ، فأنشد :
لنحن على الحوض ذوّاده
نذوق ونسقي ورّاده
وما فاز من فاز إلاّ بنا
وما خاب من حبّنا زاده
ص: 75
ومن سرّنا نال منّا السرور
ومن ساءنا ساء ميلاده
ومن كان غاصبنا حقّنا
فيوم القيامة ميعاده
* * *
ثمّ غاب عن عيني إلى أن أتيت مكّة ، فقضيت حجّتي ورجعت ، فأتيت الأبطح فإذا بحلقة مستديرة ، فأطلعت لأنظر من بها ، فإذا هو صاحبي ، فسألت عنه ، فقيل : هذا زين العابدين عليه السلام .
وروي له عليه السلام :
نحن بنو المصطفى ذو غصص
يجرعها في الأنام كاظمنا
عظيمة في الأنام محنتنا
أوّلنا مبتلى وآخرنا
يفرح هذا الورى بعيدهم
ونحن أعيادنا مآتمنا
والناس في الأمن والسرور وما
يأمن طول الزمان خائفنا
وما خصصنا به من الشرف
الطائل بين الأنام آفتنا
يحكم فينا والحكم فيه لنا
جاحدنا حقّنا وغاصبنا(1)
* * *
ص: 76
قال بشّار(1) :
أقول لسجّاد عليه جلالة
غدا أريحيا عاشقا للمكارم
من الفاطميّين الدعاة إلى الهدى
جهارا ومن يهديك مثل ابن فاطم
سراج لعين المستضيء وتارة
يكون ظلاما للعدوّ المزاحم
* * *
وقال الحميري :
فذكر النبيّ وذكر الوصيّ
وذكر المطهّر ذي المسجد
عظام الحلوم حسان الوجوه
وشمّ العرانين والمنجد
ومن دنس الرجس قد طهّروا
فما ضلّ من بهم يهتدي
هم حجج اللّه في خلقه
عليهم هدى كلّ مسترشد
بهم أحييت سنن المرسلين
على الرغم من أنف الحسد
فمن لم يصلّ عليهم يخب
إذا لقى اللّه بالمرصد
* * *
وقال السوسي :
بكم يا بني الزهراء تمّت صلاتنا
ولولاكم كانت خداجا بها بتر(2)
بكم يكشف البلوى ويستدفع الأذى
كما بأبيكم كان يستنزل القطر
ص: 77
ص: 78
ص: 79
ص: 80
شتم بعضهم زين العابدين عليه السلام فقصده غلمانه ، فقال : دعوه ، فإنّ ما خفى منّا أكثر ممّا قالوا .
ثمّ قال له : ألك حاجة يا رجل ؟
فخجل الرجل ، فأعطاه ثوبه ، وأمر له بألف درهم ، فانصرف الرجل صارخا : أشهد أنّك ابن رسول اللّه .
ونال منه الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، فلم يكلّمه ، ثمّ أتى منزله وصرخ به ، فخرج الحسن متوثّبا للشرّ .
فقال عليه السلام : يا أخي ، إن كنت قلت ما فيّ فأستغفر اللّه منه ، وإن كنت قلت ما ليس فيّ يغفر اللّه لك ، فقبّل الحسن ما بين عينيه وقال : بلى قلت ما ليس فيك ، وأنا أحقّ به(1) .
ص: 81
وشتمه آخر ، فقال : يا فتى ، إنّ بين أيدينا عقبة كؤودا ، فإن جزت منها فلا أبالي بما تقول ، وإن أتحيّر فيها ، فأنا شرّ ممّا تقول .
ابن جعدية قال : سبّه رجل فسكت عنه ، فقال : إيّاك أعني ، فقال : وعنك أغضي(1) .
ودعا عليه السلام مملوكه مرّتين فلم يجبه ، ثمّ أجابه في الثالثة ، فقال له : يا بنيّ ، أما سمعت صوتي ؟ قال : بلى ، قال : فما بالك لم تجبني ؟ قال : أمنتك ، فقال : الحمد اللّه الذي جعل مملوكي آمنا منّي(2) .
وكانت جارية له تسكب عليه الماء ، فنعست فسقط الإبريق من يدها فشجّه ، فرفع رأسه إليها ، فقالت : إنّ اللّه - تعالى - يقول : « وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ » قال : قد كظمت غيظي .
ص: 82
قالت : « وَالْعافِينَ عَنِ النّاسِ » ، قال : عفى اللّه عنك .
قالت : « وَاللّهُ يُحِبُّ الُْمحْسِنِينَ » ، قال : فاذهبي ، فأنت حرّة لوجه اللّه (1) .
وكسرت جارية له قصعة فيها طعام ، فاصفرّ وجهها ، فقال : اذهبي فأنت حرّة لوجه اللّه .
وكان إذا دخل عليه شهر رمضان يكتب على غلمانه ذنوبهم ، حتى إذا كان آخر ليلة دعاهم ، ثمّ أظهر الكتاب وقال : يا فلان فعلت كذا ، ولم أوذيك ، فيقرّون أجمع .
فيقوم وسطهم ، ويقول لهم : ارفعوا أصواتكم وقولوا : يا علي بن الحسين ، ربّك قد أحصى عليك ما عملت كما أحصيت علينا ، ولديه « كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ » « لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً » ، فاذكر ذلّ مقامك بين يدي ربّك الذي لا يظلم مثقال ذرّة ، وكفى باللّه شهيدا ، فاعف واصفح يعف عنك المليك ، لقوله تعالى : « وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ » ، ويبكي وينوح(2) .
ص: 83
وكان بطّال يضحك الناس ، فنزع رداه من رقبته ، ثمّ مضى ، فلم يلتفت إليه ، فاتّبعوه وأخذوا الرداء منه ، فجاؤوا به فطرحوه عليه .
فقال لهم : من هذا ؟ قالوا : رجل بطّال يضحك أهل المدينة ، فقال : قولوا له : إنّ للّه يوما يخسر فيه المبطلون(1) .
وقيل : إنّ مولى لعلي بن الحسين عليه السلام يتولّى عمارة ضيعة له ، فجاء ليطلعها ، فأصاب فيها فسادا وتضييعا كثيرا غاظه من ذلك ما رآه وغمّه ، فقرع المولى بسوط كان في يده ، فأصاب وندم على ذلك !!
فلمّا انصرف إلى منزله أرسل في طلب المولى ، فأتاه ، فوجده عاريا والسوط بين يديه ، فظنّ أنّه يريد عقوبته ، فاشتدّ خوفه ، فأخذ علي بن الحسين عليهماالسلام السوط ومدّ يده إليه ، وقال : يا هذا ، قد كان منّي إليك ما لم يتقدّم منّي مثله ، وكانت هفوة وزلّة !! فدونك السوط واقتصّ منّي ، فقال المولى : يا مولاي ، واللّه إن ظننت إلاّ أنّك تريد عقوبتي ، وأنا مستحقّ للعقوبة ، فكيف أقتصّ منك ؟
قال : معاذ اللّه ، أنت في حلّ وسعة ، فكرّر ذلك عليه مرارا ، والمولى كلّ ذلك يتعاظم قوله ويحلّله .
ص: 84
فلمّا لم يره يقتصّ له قال : أما إذا أبيت ، فالضيعة صدقة عليك ، وأعطاه إيّاها(1)(2) .
وانتهى عليه السلام إلى قوم يغتابونه ، فوقف عليهم ، فقال لهم : إن كنتم صادقين ، فغفر اللّه لي ، وإن كنتم كاذبين ، فغفر اللّه لكم(3) .
قال ابن الحجّاج :
ابن من ينتهي إذ افتخر الناس
له افتخار عبد مناف
ابن طه وهل أتى والحواميم
ونون وسورة الأعراف
* * *
ص: 85
وممّا جاء في علمه عليه السلام :
حلية أبي نعيم ، وتاريخ النسائي : روى عن أبي حازم وسفيان بن عيينة والزهري قال كلّ واحد منهم: ما رأيت هاشميّا أفضل من زين العابدين عليه السلام،
ولا أفقه منه(1) .
قال : فثمّ دار العمل ؟ قال : لا ، قال : فللّه في الأرض معاذ غير هذا البيت ؟قال : لا ، قال : فلِم تشغل الناس عن الطواف ؟ ثمّ مضى .
قال الحسن : ما دخل مسامعي مثل هذه الكلمات من أحد قطّ ، أتعرفون هذا الرجل ؟ قالوا : هذا زين العابدين عليه السلام ، فقال الحسن : « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ »(1) .
وقال عليه السلام في قوله تعالى : « يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ » لولا هذه الآية لأخبرتكم بما هو كائن إلى يوم القيامة .
موسى بن أبي القاسم البجلي بإسناد له : إنّ زين العابدين عليه السلام قال : إنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق ، وإنّ شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم(2) .
ولقيه عليه السلام عباد البصري في طريق مكّة ، فقال : تركت الجهاد وصعوبته
ص: 87
وأقبلت على الحاجّ ولينه ، و« إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤمِنِينَ أَنْفُسَهُمْوَأَمْوالَهُمْ » الآية ؟!
فقال عليه السلام : اقرأ ما بعدها : « التّائِبُونَ الْعابِدُونَ » إلى آخرها ، ثمّ قال : إذا ظهر هؤلاء لم نؤثر على الجهاد شيئا(1) .
وكان الزهري عاملاً لبني أميّة ، فعاقب رجلاً فمات الرجل في العقوبة ، فخرج هائما وتوحّش ودخل إلى غار ، فطال مقامه تسع سنين .
قال : وحجّ علي بن الحسين عليهماالسلام ، فأتاه الزهري ، فقال له علي بن الحسين عليهماالسلام : إنّي أخاف عليك من ذنبك ، فابعث بديّة مسلّمة إلى أهله ، واخرج إلى أهلك ، ومعالم دينك ، فقال له : فرّجت عنّي يا سيّدي ، « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ » رسالاته .
ورجع إلى بيته ، ولزم علي بن الحسين عليهماالسلام ، وكان يعدّ من أصحابه ، ولذلك قال له بعض بني مروان : يا زهري ، ما فعل نبيّك ؟ - يعني علي بن الحسين عليهماالسلام(2) - .
ص: 88
رجل كان له ثلاثة أعبد ، اسم كلّ واحد منهم « ميمون » ، فلمّا حضرته الوفاة قال :
ميمون حرّ ، وميمون عبد ، ولميمون مائة دينار ، مَن الحرّ ؟ ومَن العبد ؟ ولمَن المائة الدينار ؟
المعتق مَن هو أقدم صحبة عند الرجل ، ويقترع الباقيان ، فأيّهما وقعت القرعة في سهمه فهو عبد للذي صار حرّا ، ويبقي الثالث مدبرا ، لا حرّ ولا مملوك ، ويدفع إليه المائة الدينار ، بالمأثور عن زين العابدين عليه السلام .
وروي أنّ شاميا سأله عن بدء الوضوء، فقال: قال اللّه - تعالى - لملائكته : « إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً » الآية ، فخافوا غضب ربّهم ، فجعلوا يطوفون حول العرش - كلّ يوم ثلاث ساعات من النهار - يتضرّعون .
قال : فأمرهم أن يأتوا نهرا جاريا - يقال له « الحيوان » - تحت العرش ، فتوضّؤا . . الخبر .
ص: 89
علي بن الحسين عليهماالسلام : كان آدم عليه السلام لمّا أراد أن يغشى حوّاء عليهاالسلام خرج بها من الحرم ، ثمّ كانا يغتسلان ، ويرجعان إلى الحرم(1) .
تفسير علي بن هاشم القمّي : قال سعيد بن المسيب : سألت علي بن الحسين عليهماالسلام عن رجل ضرب امرأة حاملة برجله فطرحت ما في بطنها ميّتا ؟
فقال عليه السلام : إذا كان نطفة فعليه عشرين دينارا ، وهي التي وقعت في الرحم ، واستقرّت فيه أربعين يوما ، وإن طرحته وهو علقة ، فإنّ عليه أربعين دينارا ، وهي التي وقعت في الرحم ، واستقرّت فيه ثمانين يوما ، وإن طرحته مضغة ، فإنّ عليه ستّين دينارا ، وهي التي إذا وقعت في الرحم استقرّت فيه مائة وعشرين يوما ، وإن طرحته وهو نسمة مخلّقة ، له لحم وعظم ، مرتل(2) الجوارح ، وقد نفخ فيه روح الحياة والبقاء ، فإنّ عليه ديّة كاملة(3) .
ص: 90
ابن بابويه في هداية المتعلّمين : أنّ الزهري سأل زين العابدين عليه السلامعن الصوم ، فقال : أربعين وجها .
ثمّ فصّله كما هو المعلوم(1) .
وسأل أبو حمزة الثمالي زين العابدين عليه السلام : لأيّ علّة صار الطواف سبعة أشواط ؟
قال : لأنّ اللّه - تعالى - قال للملائكة : « إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً » ، فردّوا على اللّه وقالوا : « أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ » ؟
قال اللّه تعالى : « إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ » ، وكان لا يحجبهم عن نفسه ، فحجبهم اللّه عن نفسه سبعة آلاف عام ، فرحمهم ، فتاب عليهم ، وجعل لهم البيت المعمور الذي في السماء الرابعة ، وجعله مثابة للملائكة ، ووضع البيت الحرام تحت البيت المعمور ، فجعله مثابة للناس وأمنا ، فصار الطواف سبعة أشواط لكلّ ألف سنة شوطا واحدا(2) .
ص: 91
العقد : كتب ملك الروم إلى عبد الملك : أكلت لحم الجمل الذي هرب عليه أبوك من المدينة ؟! لأغزونّك بجنود مائة ألف ، ومائة ألف ، ومائة ألف .
فكتب عبد الملك إلى الحجّاج أن يبعث إلى زين العابدين عليه السلام ويتوعّده ، ويكتب إليه ما يقول ، ففعل .
فقال علي بن الحسين عليهماالسلام : إنّ للّه لوحا محفوظا يلحظه في كلّ يوم ثلاثمائة لحظة ، ليس منها لحظة إلاّ يحيي فيها ويميت ، ويعزّ ويذلّ ، ويفعل ما يشاء ، وإنّي لأرجو أن يكفيك منها لحظة واحدة .
فكتب بها الحجّاج إلى عبد الملك ، فكتب عبد الملك بذلك إلى ملك الروم ، فلمّا قرأه قال : ما خرج هذا إلاّ من كلام النبوّة(1) .
وقلّ ما يوجد كتاب زهد وموعظة لم يذكر فيه : قال علي بن الحسين عليهماالسلام ، أو : قال زين العابدين عليه السلام .
وقد روى عنه الطبري ، وابن البيع ، وأحمد ، وأبو داود ، وصاحب الحلية ، والأغاني ، وقوت القلوب ، وشرف المصطفى صلى الله عليه و آله ، وأسباب نزول
ص: 92
القرآن ، والفائق ، والترهيب ، عن الزهري ، وسفيان بن عيينة ، ونافع ، والأوزاعي ، ومقاتل ، والواقدي ، ومحمد بن إسحاق .
أنشد أبو علي السروي :
ثمّ الأئمّة من أولاده زهر
متوّجون بتيجان الهدى حُنفا
من جالس بكمال العلم مشتهر
وقائم بغرار(1) السيف قد زحفا
مطهّرون كرام كلّهم علمك
مثل ما قيل كشّافون لا كشفا
* * *
ص: 93
وممّا جاء في تواضعه عليه السلام :
الفسوي في التاريخ : قال نافع بن جبير لعلي بن الحسين عليهماالسلام : إنّك تجالس أقواما دونا ، فقال له : إنّي أجالس من أنتفع بمجالسته في ديني(1) .
محاسن البرقي ، وكافي الكليني : أُخبر عبد الملك أنّ علي بن الحسين عليهماالسلام أعتق خادمة له ثمّ تزوّجها .
فكتب إليه : قد علمت أنّه كان في أكفائك من قريش من تمجّد به الصهر ، وتستحبّه في الولد ، فلا لنفسك نظرت ، ولا على ولدك أبقيت ؟
فأجابه عليه السلام : ليس فوق رسول اللّه صلى الله عليه و آله مرتقى في مجد ، ولا مستزادا في
كرم ، وإنّما كانت ملك يميني خرجت منّي ، أراد اللّه - عزّ وجلّ - بأمر التمست ثوابه ، ثمّ نكحتُها على سنّته ، ومن كان زكيّا في دين اللّه فليس يخلّ به شيئا من أمره ، وقد رفع اللّه بالإسلام الخسيسة ، وتمّ به النقيصة ، وأذهب به اللؤم ، فلا لؤم على امرئ مسلم ، إنّما اللؤم لؤم الجاهلية .
فقال سليمان : يا أمير المؤمنين ، لشدّ ما فخر عليك ابنُ الحسين ! فقال : يا بنيّ ، لا تقل ذلك ، فإنّها ألسن بني هاشم التي تفلق الصخر ، وتغرف من بحر(1) .
وفي العقد : أنّه قال زين العابدين عليه السلام : وهذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله تزوّج أمته ، وامرأة عبده .
فقال عبد الملك : إنّ علي بن الحسين عليهماالسلام يشرف من حيث يضع(2) الناس(3) .
ص: 95
وذكر أنّه كان عبد الملك يقول : إنّه [ قد ] تزوّج بأمّه ، وذلك أنّه عليه السلام كانت ربّته ، فكان يسمّيها أمّي .
وقال سفيان الثوري : ذكر لعلي بن الحسين عليهماالسلام فضله ، فقال : حسبنا أن نكون من صالحي قومنا(1) !!! .
وكان عليه السلام يمرّ على المدرة في وسط الطريق ، فينزل عن دابّته حتى ينحّيها بيده عن الطريق(1) .
أبو عبد اللّه عليه السلام : كان علي بن الحسين عليهماالسلام يمشي مشية كأنّ على رأسه الطير لا يسبق يمينه شماله(2) .
سفيان بن عيينة : قال : ما رؤي علي بن الحسين عليهماالسلام قطّ جائزا بيديه فخذيه وهو يمشي(3) .
عبد اللّه بن مسكان عن علي بن الحسين عليهماالسلام : أنّه كان يدعو خدمه كلّ شهر ويقول : إنّي قد كبرت ولا أقدر على النساء ، فمن أراد منكنّ التزويج زوّجتها ، أو البيع بعتها ، أو العتق أعتقتها .
فإذا قالت إحداهنّ : لا ، قال : اللهمّ اشهد ، حتى يقول ثلاثا ، وإن سكتت واحدة منهنّ قال لنسائه : سلوها ما تريد ، وعمل على مرادها .
ص: 98
قال ابن رزيك :
أئمّة حقّ لو يسيرون في الدجى
بلا قمر لاستصبحوا بالمناسب
بهم تبلغ الآمال من كلّ آمل
بهم تقبل التوبات من كلّ تائب
* * *
ص: 99
ص: 100
ص: 101
ص: 102
تاريخ الطبري : قال الواقدي : كان هشام بن إسماعيل يؤذّي علي بن الحسين عليهماالسلام في إمارته ، فلمّا عزل ، أمر به الوليد أن يوقف للناس ، فقال : ما أخاف إلاّ من علي بن الحسين عليهماالسلام ، وقد وقف عند دار مروان .
وكان علي عليه السلام قد تقدّم إلى خاصّته ألاّ يعرض له أحد منكم بكلمة ، فلمّا مرّ ناداه هشام : « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ » رسالاته .
وزاد ابن فيّاض في الرواية في كتابه : أنّ زين العابدين عليه السلام أنفذ إليه وقال: انظر إلى ما أعجزك من مال تؤخذ به ، فعندنا ما يسعك ، فطب نفسا منّا ، ومن كلّ من يطيعنا ، فنادى هشام : « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ »رسالاته(1) .
كافي الكليني ونزهة الأبصار : عن أبي مهدي : أنّ علي بن الحسين عليهماالسلام
مرّ على المجذومين ، وهو راكب حمار ، وهم يتغدّون ، فدعوه إلى الغداء ،
ص: 103
فقال : إنّي صائم ، ولولا أنّي صائم لفعلت .
فلمّا صار إلى منزله أمر بطعام فصنع ، وأمر أن يتنوّقوا(1) فيه ، ثمّ دعاهم فتغدّوا عنده ، وتغدّى معهم(2) .
وفي رواية : أنّه تنزّه عن ذلك ، لأنّه كان كسرا من الصدقة ، لكونه حراما عليه .
الحلية : عاد علي بن الحسين عليهماالسلام محمد بن أسامة بن زيد في مرضه ، فجعل يبكي ، فقال علي عليه السلام : ما شأنك ؟ قال : عليّ دين .
قال : كم هو ؟ قال : خمسة عشر ألف دينار .
قال : فهو عليّ(3) .
وقد روينا ذلك في باب الحسين عليه السلام مع أبيه .
الكافي : عيسى بن عبد اللّه قال : احتضر عبد اللّه ، فاجتمع غرماؤه ،
ص: 104
فطالبوه بدين لهم ، فقال : لا مال عندي أعطيكم ، ولكن ارضوا بمن شئتممن ابني عمّي ، علي بن الحسين عليهماالسلام وعبد اللّه بن جعفر .
فقال الغرماء : عبد اللّه بن جعفر مليء مطول !!! وعلي بن الحسين عليهماالسلام رجل لا مال له ! صدوق ، فهو أحبّ(1) إلينا .
فأرسل إليه فأخبره الخبر ، فقال عليه السلام : أضمن لكم المال إلى غلّة ، ولم تكن له غلّة - تجمّلاً(2) - .
قال : فقال القوم : قد رضينا وضمنه .
فلمّا أتت الغلّة أتاح اللّه له المال فأوفاه(3) .
الحلية : قال سعيد بن مرجانة : عمد علي بن الحسين عليهماالسلام إلى عبد له كان عبد اللّه بن جعفر أعطاه به عشرة آلاف درهم - أو ألف دينار - فأعتقه(4) .
ص: 105
وخرج زين العابدين عليه السلام وعليه مطرف(1) خزّ ، فتعرّض له سائل ،فتعلّق بالمطرف ، فمضى وتركه(2) .
قال ابن الحجّاج :
أنت الإمام الذي لولا ولايته
ما صحّ في العدل والتوحيد معتقدي
وأنت أنت مكان النور من بصري
يا سيّدي ومحلّ الروح من جسدي
أعيذ قلبك من واش يغلظه
بقل هو اللّه لم يولد ولم يلد
* * *
ص: 106
وممّا جاء في صبره عليه السلام
أنهي إلى علي بن الحسين عليهماالسلام أنّ مسرفا(1) استعمل على المدينة ، وأنّه يتوعّده [ بسوء ] ، وكان يقول عليه السلام : لم أر مثل المقدّم(2) في الدعاء ، لأنّ العبد ليست تحضره الإجابة في كلّ وقت ، فجعل يكثر من الدعاء لما اتّصل به عن المسرف .
وكان من دعائه :
ربّ كم من نعمة أنعمتَ بها عليّ قلّ لك عندها شكري ، وكم من بليّة ابتليتني بها قلّ لك عندها صبري ، وكم من معصية أتيتها ، فسترتها ولم تفضحني ، فيا مَن قلّ عند نعمته شكري فلم يحرمني ، ويا مَن قلّ عند بليّته صبري فلم يخذلني ، ويا مَن رآني على المعاصي فلم يفضحني ، يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبدا ، ويا ذا النعماء التي لا تحصى أمدا
ص: 107
صلّ على محمد وآل محمد ، وبك ادفع في نحره ، وبك أستعيذ من شرّه(1) .
فلمّا قدم المسرف المدينة اعتنقه ، وقبّل رأسه ، وجعل يسأل عن حاله وحال أهله ، وسأل عن حوائجه ، وأمر أن تقدّم دابّته ، وعزم عليه أن يركبها ، فركب وانصرف إلى أهله .
الحلية : قال إبراهيم بن سعد : سمع علي بن الحسين عليهماالسلام واعية في بيته ، وعنده جماعة ، فنهض إلى منزله ، ثمّ رجع إلى مجلسه ، فقيل له : أمن حدث كانت الواعية ؟
قال : نعم ، فعزّوه ، وتعجّبوا من صبره .
فقال : إنّا أهل بيت نطيع اللّه - عزّ وجلّ - فيما يحبّ ، ونحمده فيما نكره(2) .
وفيها : قال العتبي : قال علي بن الحسين عليهماالسلام - وكان من أفضل بني هاشم - لابنه : يا بنيّ ، اصبر على النوائب ، ولا تتعرّض للحقوق ، ولا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرّته عليك أكثر من منفعته له(3) .
ص: 108
محاسن البرقي : بلغ عبد الملك أنّ سيف رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند زين العابدين عليه السلام ، فبعث يستوهبه منه ، ويسأله الحاجة ، فأبى عليه .
فكتب إليه عبد الملك يهدّده ، وأنّه يقطع رزقه من بيت المال .
فأجابه عليه السلام : أمّا بعد : فإنّ اللّه ضمن للمتّقين المخرج من حيث يكرهون ، والرزق من حيث لا يحتسبون ، وقال - جلّ ذكره - : « إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ » ، فانظر أيّنا أولى بهذه الآية(1) ؟
وكان عليه السلام سريره سروره ، بساطه نشاطه ، صديقه(2) تصديقه ، صيابته صيانته ، وسادته سجّادته ، إزاره مزاره ، لحافه إلحافه ، منامه قيامه ، هجوعه خضوعه ، رقوده سجوده ، تجارته زيارته ، سوقه شوقه ، ريحه روحه ، حرفته حرقته ، صناعته طاعته ، بزّته عزّته ، سلاحه صلاحه ، فرسه فراشه ، أعياده استعداده ، بضاعته مجاعته ، أمنيّته منيّته ، رضاه لقاه .
قال الناشي :
وأئمّة من أهل بيت محمد
حفظوا الشرائع والحديث المسندا
علموا المنايا والبلايا والذي
جهل الورى والمنتهى والمبتدا
ص: 109
خزّان علم اللّه مَن برشادهم
دلّ الإله على هداه وأرشدا
وهُم الصراط المستقيم ومنهج
منه إلى ربّ المعالي يهتدى
حجج إذا همّ العدوّ بكتمها
أمر المهيمن قلبه أن يشهدا
* * *
ص: 110
وممّا جاء في حزنه وبكائه عليه السلام :
الصادق عليه السلام : بكى علي بن الحسين عليهماالسلام عشرين سنة ، وما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى ، حتى قال مولى له : جعلت فداك ، يا بن رسول اللّه ، إنّي أخاف أن « تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ » .
« قالَ : إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ » ، إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني العبرة(1) .
وفي رواية : أما آن لحزنك أن ينقضي ؟
فقال له : ويحك ، إنّ يعقوب النبي كان له إثنا عشر ابنا ، فغيّب اللّه واحدا منهم ، فابيضّت عيناه من كثرة بكائه عليه ، واحدودب ظهره من الغمّ ، وكان ابنه حيّا في الدنيا ، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمّي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي ، فكيف ينقضي حزني(2) ؟
ص: 111
وقد ذكر في الحلية نحوه(1) .
وقيل : إنّه بكى حتى خيف على عينيه .
وكان إذا أخذ إناءا يشرب ماءا بكى حتى يملأها دمعا ، فقيل له في ذلك ، فقال : وكيف لا أبكي ؟ وقد منع أبي من الماء الذي كان مطلقا للسباع والوحوش ؟
وقيل له : إنّك لتبكي دهرك فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا ، فقال : نفسي قتلتها وعليها أبكي .
الأصمعي : كنت بالبادية ، وإذا أنا بشابّ منعزل عنهم في أطمار رثّة !! وعليه سيماء الهيبة ، فقلت : لو شكوت إلى هؤلاء حالك لأصلحوا بعض شأنك ، فأنشأ يقول :
لباسي للدنيا التجمّل والصبر
ولبسي للأخرى البشاشة والبشر
ص: 112
إذا اعتراني أمر لجأت إلى العرا
لأنّي من القوم الذين لهم فخر
ألم تر أنّ العرف قد مات أهله
وأنّ الندى والجود ضمّهما قبر
على العرف والجود السلام فما بقي
من العرف إلاّ الرسم في الناس والذكر
وقائلة لمّا رأتني مسهّدا
كان الحشي منّي يلذعها الجمر
أباطن داء لو حوى منك ظاهرا
لقلت الذي بي ضاق عن وسعه الصدر
تغيّر أحوال وفقد أحبّة
وموت ذوي الأفضال قالت كذا الدهر
* * *
فتعرّفته ، فإذا هو علي بن الحسين عليهماالسلام ، فقلت : أبى أن يكون هذا الفرخ إلاّ من ذلك العشّ .
ص: 113
ص: 114
ص: 115
ص: 116
علل الشرائع عن القمّي : ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ : أين زين العابدين ؟ وكأنّي أنظر إلى ولدي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام يخطو في(1) الصفوف(2) .
وفي حلية الأولياء : كان الزهري إذا ذكر علي بن الحسين عليهماالسلام يبكي ويقول : زين العابدين(3) .
جابر الجعفي : قال الباقر عليه السلام : إنّ علي بن الحسين عليهماالسلام ما ذكر للّه نعمة عليه إلاّ سجد ، ولا قرأ آية من كتاب اللّه فيها سجدة إلاّ سجد ، ولا دفع اللّه عنه شرّا يخشاه أو كيد كائد إلاّ سجد ، ولا فرغ من صلاته مفروضة إلاّ سجد ، ولا وفّق لإصلاح بين إثنين إلاّ سجد ، وكان كثير السجود في جميع مواضع سجوده ، فسمّي السجّاد لذلك(4) .
ص: 117
الباقر عليه السلام : كان أبي في موضع سجوده آثار ناتئة ، فكان يقطعها في السنة مرّتين في كلّ مرّة خمس ثفنات(1) ، فسمّي ذو الثفنات(2) .
المحاضرات عن الراغب ، وابن الجوزي في مناقب عمر بن عبد العزيز : أنّه قال عمر بن عبد العزيز يوما - وقد قام من عنده علي بن الحسين عليهماالسلام - : من أشرف الناس ؟ فقالوا : أنتم ؟
فقال : كلاّ ، فإنّ أشرف الناس هذا القائم من عندي آنفا ، من أحبّ الناس أن يكونوا منه ، ولم يحبّ أن يكون من أحد(3) .
ربيع الأبرار عن الزمخشري : روي عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال : للّه من عباده خيرتان ، فخيرته من العرب قريش ، ومن العجم فارس .
وكان يقول علي بن الحسين عليهماالسلام : أنا ابن الخيرتين ، لأنّ جدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأمّه بنت يزدجرد الملك(4) .
ص: 118
وأنشأ أبو الأسود :
وإنّ غلاما بين كسرى وهاشم
لأكرم مَن نيطت عليه التمائم(1)
* * *
روضة الواعظين : قال زين العابدين عليه السلام : نحن أئمّة المسلمين ، وحجج اللّه على العالمين ، وسادة المؤمنين ، وقادة الغرّ المحجّلين ، وموالي المؤمنين ،
ونحن أمان أهل الأرض ، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ، ونحن الذين بنا يمسك اللّه السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه ، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها ، وبنا ينزل الغيث ، وبنا ينشر الرحمة ، وتخرج بركات أهل الأرض ، ولولا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها(2) .
وفي كتاب الأحمر قال الأوزاعي : لمّا أتي بعلي بن الحسين عليهماالسلامورأس أبيه إلى يزيد بالشام ، قال لخطيب بليغ : خذ بيد هذا الغلام !! فائت به إلى المنبر ، وأخبر الناس بسوء رأي أبيه وجدّه ، وفراقهم الحقّ وبغيهم علينا !!
ص: 119
قال : فلم يدع شيئا من المساوئ إلاّ ذكره فيهم .
فلمّا نزل قام علي بن الحسين عليهماالسلام ، فحمد اللّه بمحامد شريفة ، وصلّىعلى النبي صلاة بليغة موجزة ، ثمّ قال :
يا معشر الناس ، فمن عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني ، فأنا أعرّفه نفسي :
أنا ابن مكّة ومنى ، أنا ابن مروة والصفا ، أنا ابن محمد المصطفى ، أنا ابن مَن لا يخفى ، أنا ابن من علا فاستعلى ، فجاز سدرة المنتهى ، وكان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء مثنى مثنى ، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى .
أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن فاطمة الزهرا ، أنا ابن خديجة الكبرى .
أنا ابن المقتول ظلما ، أنا ابن المحزوز الرأس من القفا ، أنا ابن العطشان حتى قضى ، أنا ابن طريح كربلاء ، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء ، أنا ابن من بكت عليه ملائكة السماء ، أنا ابن من ناحت عليه الجنّ في الأرض والطير في الهواء ، أنا ابن من رأسه على السنان يهدى ، أنا ابن من حرمه من العرق إلى الشام تسبى .
أيّها الناس ، إنّ اللّه - تعالى - وله الحمد ، ابتلانا أهل البيت ببلاء حسن ، حيث جعل راية الهدى والعدل والتقى فينا ، وجعل راية الضلالة والردى في غيرنا ، فضّلنا أهل البيت بستّ خصال : فضّلنا بالعلم ، والحلم ، والشجاعة ، والسماحة ، والمحبّة ، والمحلّة في قلوب المؤمنين ، وآتانا ما لم يؤت أحدا من العالمين من قبلنا ، فينا مختلف الملائكة وتنزيل الكتب .
ص: 120
قال : فلم يفرغ حتى قال المؤذّن : اللّه أكبر ، فقال علي عليه السلام : اللّه أكبر كبيرا ، فقال المؤذّن : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، فقال علي بن الحسين عليهماالسلام :أشهد بما تشهد به .
فلمّا قال المؤذّن : أشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال علي عليه السلام : يا يزيد ، هذا جدّي أو جدّك ؟ فإن قلت جدّك فقد كذبت ، وإن قلت جدّي فلِمَ قتلت أبي وسبيت حرمه وسبيتني ؟
ثمّ قال : معاشر الناس ، هل فيكم من أبوه وجدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فعلت الأصوات بالبكاء(1) .
فقام إليه رجل من شيعته يقال له : المنهال بن عمرو الطائي - وفي رواية : مكحول(2) صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله - فقال له : كيف أمسيت يا بن رسول اللّه ؟
فقال : ويحك كيف أمسيت ؟! أمسينا فيكم كهيئة بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ، وأمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمدا صلى الله عليه و آله منها ، وأمسى آل محمد صلى الله عليه و آله مقهورين مخذولين ، فإلى اللّه نشكو كثرة عدوّنا ، وتفرّق ذات بيننا ، وتظاهر الأعداء علينا(3) .
ص: 121
الحلية ، والأغاني وغيرهما : حجّ هشام بن عبد الملك ، فلم يقدر علىالاستلام من الزحام ، فنصب له منبر وجلس عليه ، وأطاف به أهل الشام .
فبينما هو كذلك ، إذ أقبل علي بن الحسين عليهماالسلام ، وعليه إزار ورداء ، من أحسن الناس وجها ، وأطيبهم رائحة ، بين عينيه سجادة كأنّها ركبة عنز ، فجعل يطوف فإذا بلغ موضع الحجر تنحّى الناس حتى يستلمه هيبة له .
فقال شاميّ : من هذا يا أمير المؤمنين ؟ فقال : لا أعرفه - لئلاّ يرغب فيه أهل الشام - ، فقال الفرزدق - وكان حاضرا - : لكنّي أنا أعرفه ، فقال الشامي : من هو يا أبا فراس ؟
فأنشأ قصيدة ذكر بعضها في الأغاني والحلية والحماسة ، والقصيدة بتمامها هذه :
يا سائلي أين حلّ الجود والكرم
عندي بيان إذا طلاّبه قدموا
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحلّ والحرم
هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم
هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا الذي أحمد المختار والده
صلّى عليه إلهي ما جرى القلم
لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه
لخرّ يلثم منه ما وطى القدم
هذا عليّ رسول اللّه والده
أمست بنور هداه تهتدي الأمم
هذا الذي عمّه الطيّار جعفر وال-
-مقتول حمزة ليث حبّه قسم
ص: 122
هذا ابن سيدة النسوان فاطمة
وابن الوصيّ الذي في سيفه نقم
إذا رأته قريش قال قائلها
إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يكاد يمسكه عرفان راحته
ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
وليس قولك من هذا بضائره
العرب تعرف من أنكرت والعجم
ينمى إلى ذروة العزّ التي قصرت
عن نيلها عرب الإسلام والعجم
يغضي حياء ويغضى من مهابته
فما يكلّم إلاّ حين يبتسم
ينجاب نور الدجى(1) عن نور غرّته
كالشمس ينجاب عن إشراقهاالظلم
بكفّه خيزران ريحه عبق(2)من كفّ أروع في عرنينه شمم(3)
ما قال لا قطّ إلاّ في تشهّده
لولا التشهّد كانت لاءه نعم
مشتقّة من رسول اللّه نبعته
طابت عناصره والخيم والشيم(4)
حمّال أثقال أقوام إذا قدحوا
حلوا الشمائل تحلو عنده نعم
إن قال قال بما يهوى جميعهم
وإن تكلّم يوما زانه الكلم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله
بجدّه أنبياء اللّه قد ختموا
اللّه فضّله قدما وشرّفه
جرى بذاك له في لوحه القلم
من جدّه دان فضل الأنبياء له
وفضل أمّته دانت له الأمم
ص: 123
عمّ البريّة بالإحسان وانقشعت
عنها العماية والإملاق والظلم
كلتا يديه غياث عمّ نفعهما
تستوكفان(1) ولا يعروهما عدم
سهل الخليقة لا تخشى بوادره(2)
يزينه خصلتان الحلم والكرم
لا يخلف الوعد ميمونا نقيبته
رحب الفناء أريب حين يعترم(3)
من معشر حبّهم دين وبغضهم
كفر وقربهم منجى ومعتصم
يستدفع السوء والبلوى بحبّهم
ويستزاد به الإحسان والنعم
مقدّم بعد ذكر اللّه ذكرهم
في كلّ فرض ومختوم به الكلم
إن عدّ أهل التقى كانوا أئمّتهم
أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم
ولا يدانيهم قوم وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة(4) أزمت
والأسد أسد الشرى والبأس محتدم
يأبى لهم إن يحلّ الذمّ ساحتهم
خيم كريم وأيد بالندى هضم
لا يقبض العسر بسطا من أكفّهم
سيّان ذلك إن أثروا وإن عدموا
إنّ القبائل ليست في رقابهم
لأولية هذا أوله نعم
من يعرف اللّه يعرف أوّلية ذا
فالدين من بيت هذا ناله الأمم
بيوتهم في قريش يستضاء بها
في النائبات وعند الحلم إن حلموا
ص: 124
فجدّه من قريش في أزمّتها
محمد وعلي بعده علم
بدر له شاهد والشعب من أحد
والخندقان ويوم الفتح قد علموا
وخيبر وحنين يشهدان له
وفي قريضة يوم صيلم قتم(1)
مواطن قد علت في كلّ نائبة
على الصحابة لم أكتم كما كتموا
* * *
فغضب هشام ومنع جائزته وقال : ألا قلت فينا مثلها ؟
قال : هات جدّا كجدّه ، وأبا كأبيه ، وأُمّا كأمّه ، حتى أقول فيكم مثلها .
فحبسه بعسفان بين مكّة والمدينة ، فبلغ ذلك علي بن الحسين عليهماالسلام ، فبعث إليه بإثني عشر ألف درهم وقال : اعذرنا يا أبا فراس ، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به .
فردّها وقال : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ما قلت هذا الذي قلت إلاّ غضبا للّه ولرسوله ، وما كنت لأرزأ عليه شيئا .
فردّها إليه وقال : بحقّي عليك لمّا قبلتها ، فقد رأى اللّه مكانك ، وعلم نيّتك ، فقبلها .
فجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس ، فكان ممّا هجاه به قوله :
أتحبسني بين المدينة والتي
إليها قلوب الناس يهوي منيبها
تقلّب رأسا لم يكن رأس سيد
وعينا له حولاء بادٍ عيوبها
* * *
ص: 125
ص: 127
ص: 128
روى أبو بكر الحضرمي عن الصادق عليه السلام : أنّ الحسين عليه السلام لمّا سار إلى العراق استودع أمّ سلمة الكتب والوصيّة ، فلمّا رجع زين العابدين عليه السلام دفعتها إليه(1) .
ابن الجارود عن الباقر عليه السلام : أنّ الحسين عليه السلام لمّا حضره الذي حضره دعا ابنته فاطمة الكبرى ، فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصيّة ظاهرة(2) . . الخبر .
وروي عن الصادق
عليه السلام في فضل زيارته : من زار إماما مفترضا طاعته،
ص: 129
وصلّى أربع ركعات كتب اللّه له حجّة مقبولة وعمرة مبرورة(1) .
قال الزهري : كان بينه وبين محمد بن الحنفية منازعة في صدقات علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فقيل له : لو ركبت إلى الوليد بن عبد الملك ركبة لكفّ عنك من رغب شرّه .
فقال عليه السلام ويحك أفي حرم اللّه أسأل غير اللّه - عزّ وجلّ - ؟ إنّى لآنف أن أسأل الدنيا خالقها ، فكيف أسأل مخلوقا مثلي .
قال الزهري : لا جرم أنّ اللّه - تعالى - ألقى هيبته في قلب الوليد حتى حكم له(2) .
ويروى : أنّ عمر بن علي خاصم علي بن الحسين عليهماالسلام إلى عبد الملك في صدقات النبي صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا ابن المصدّق ، وهذا ابن ابن ، فأنا أولى بها منه .
فتمثّل عبد الملك بقول أبي الحقيق :
لا تجعل الباطل حقّا ولا
تلط دون الحقّ بالباطل
ص: 130
قم يا علي بن الحسين ، فقد ولّيتكها ، فقاما .
فلمّا خرجا تناوله عمر وآذاه !! فسكت عنه ولم يردّ عليه شيئا(1) .
فلمّا كان بعد ذلك دخل محمد بن عمر على علي بن الحسين عليهماالسلام ، فسلّم عليه ، وأكبّ عليه يقبّله ، فقال علي عليه السلام : يا ابن عمّ ، لا تمنعني قطيعة أبيك أن أصل رحمك ، فقد زوّجتك ابنتي خديجة ابنة علي .
كتاب النسب عن يحيى بن الحسن : قال يزيد لعلي بن الحسين عليهماالسلام : واعجبا لأبيك سمّى عليّا وعليّا !
فقال عليه السلام : إنّ أبي أحبّ أباه ، فسمّى باسمه مرارا .
تاريخ الطبري ، والبلاذري : إنّ يزيد بن معاوية قال لعلي بن الحسين عليهماالسلام : أتصارع هذا ؟ يعني خالدا ابنه ، قال : وما تصنع بمصارعتي إيّاه ؟ أعطني سكّينا ثمّ أقاتله ، فقال يزيد : « شنشنة أعرفها من أخزم »
هذا من العصا عصية
هل تلد الحيّة إلاّ الحيّة(2)
ص: 131
وفي كتاب الأحمر قال : أشهد أنّك ابن علي بن أبي طالب(1) .
وروي أنّه قال لزينب عليهاالسلام : تكلّمي ، فقالت : هو المتكلّم ، فأنشد السجّاد عليه السلام :
لا تطمعوا أن تهينونا فنكرمكم
وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا
واللّه يعلم أنّا لا نحبّكم
ولا نلومكم أن لا تحبّونا
* * *
فقال : صدقت يا غلام ، ولكن أراد أبوك وجدّك أن يكونا أميرين ، والحمد للّه الذي قتلهما وسفك دماهما ، فقال عليه السلام : لم تزل النبوّة والإمرة لآبائي وأجدادي من قبل أن تولد(2) .
قال المدائني : لمّا انتسب السجّاد إلى النبي صلى الله عليه و آله قال يزيد لجلوازه(3) : ادخله في هذا البستان ، واقتله ، وادفنه فيه .
فدخل به إلى البستان ، وجعل يحفر والسجّاد عليه السلام يصلّي ، فلمّا همّ بقتله ضربته يد من الهواء ، فخرّ لوجهه وشهق ودهش .
ص: 132
فرآه خالد بن يزيد وليس لوجهه بقيّة ، فانقلب إلى أبيه وقصّ عليه ، فأمر بدفن الجلواز في الحفرة وإطلاقه .
وموضع حبس زين العابدين عليه السلام هو اليوم مسجد .
وذكر صاحب كتاب البدع ، وصاحب كتاب شرح الأخبار : إنّ عقب الحسين عليه السلام من ابنه علي الأكبر ، وأنّه هو الباقي بعد أبيه ، وأنّ المقتول هو الأصغر منهما ، وعليه يعوّل ، فإنّ علي بن الحسين عليهماالسلام كان يوم كربلاء من أبناء ثلاثين سنة(1) ، وأنّ محمد الباقر عليه السلام ابنه كان - يومئذٍ - من أبناء خمس
عشرة سنة ، وكان لعلي الأصغر عليه السلام المقتول نحو إثنتي عشرة سنة .
وتقول الزيدية : إنّ العقب من الأصغر ، وإنّه كان في يوم كربلاء ابن سبع سنين .
ومنهم من يقول : أربع سنين ، وعلى هذا النسّابون(2) .
وجاء في النكت : إنّ اللّه - تعالى - وضع أشياء على أربعة : العناصر ، والطبائع ، والرياح ، وفصول السنة ، والكتب المنزلة ، ومختار الملائكة ،
ص: 133
ومصطفى الأنبياء ، ومختارات النساء ، ومختار الصحابة ، ومصطفى البيوتات في قوله : « إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ » ، ولفظة « لا إله إلاّ اللّه » .
والسجّاد أربعة أحرف ، وهو رابع الأئمّة .
عن علي بن الحسين عليهماالسلام :
لكم ما تدّعون بغير حقّ
إذا ميز الصحاح من المراض
عرفتم حقّنا فجحدتمونا
كما عرف السواد من البياض
كتاب اللّه شاهدنا عليكم
وقاضينا الإله فنعم قاضي
* * *
قال علم الهدى :
لأنتم آل خير الناس كلّهم
المنهل العذب والمستورد الغدق(1)
وليس للّه دين غير حبّكم
ولا إليه سواكم وحدكم طرق
وإن يكن من رسول اللّه غيركم
سوى الوجوه فأنتم عنده الحدق
رزقتم الشرف الأعلى وقومكم
فيهم غضاب عليكم كيف ما رزقوا
ص: 134
وأنتم في شديدات الورى عصر
وفي سواد الدياجى أنتم الفلق
ما للرسول سوى أولادكم ولد
ولا لنشر له إلاّ بكم عبق(1)
فأنتم في قلوب الناس كلّهم
السمت تقصده والحبل تعتلق
هل يستوي عند ذي عين زبى وربى
أو الصباح على الأوتاد والغسق
ودّي عليه مقيم لا براح له
من الزمان ورهني عندكم علق
وثقت منكم بأن تستوهبوا زللي
عند الحساب وحسبي من به أثق
* * *
وقال آخر :
شفيعي إلى ربّي النبي محمد
لدى الحشر إذ كلّ الصدور تجيش
شعاري ولاء المصطفى ووصيّه
وعترته ما دمت فيه أعيش
* * *
ص: 135
ص: 136
ص: 137
ص: 138
لقبه : زين العابدين ، وسيّد العابدين ، وزين الصالحين ، ووارث علم النبيّين ، ووصيّ الوصيّين ، وخازن وصايا المرسلين ، وإمام المؤمنين ، ومنار القانتين والخاشعين، والمتهجّد، والزاهد، والعابد، والعدل، والبكّاء، والسجّاد، وذو الثفنات ، إمام الأمّة ، وأبو الأئمة ، ومنه تناسل ولد الحسين عليه السلام(1) .
وكنيته : أبو الحسن .
والخاصّ : وأبو محمد .
ويقال : أبو القاسم .
وروي أنّه كنّي ب-« أبي بكر »(2) .
مولده بالمدينة يوم الخميس في النصف من جمادى الآخرة .
ص: 139
ويقال : يوم الخميس لتسع خلون من شعبان سنة ثمان وثلاثين من الهجرة قبل وفاة أمير المؤمنين عليه السلام بسنتين .
وقيل : سنة سبع .
وقيل سنة ستّ .
فبقي مع جدّه أمير المؤمنين عليه السلام أربع سنين ، ومع عمّه الحسن عليه السلامعشر
سنين ، ومع أبيه عليه السلام عشر سنين .
ويقال : مع جدّه سنتين ، ومع عمّه إثنتي عشرة سنة ، ومع أبيه ثلاثا وعشرين سنة(1) .
وأقام بعد أبيه خمسا وثلاثين سنة(2) .
وتوفّي بالمدينة يوم السبت لإحدى عشر ليلة بقيت من المحرّم ، أو لاثنتي عشرة ليلة ، سنة خمس وتسعين من الهجرة(3) .
وله - يومئذٍ - سبع وخمسون سنة .
ويقال : تسع وخمسون .
ويقال : أربع وخمسون .
وكانت إمامته أربعا وثلاثين سنة(4) .
ص: 140
فكان في سنيّ إمامته بقيّة ملك يزيد ، وملك معاوية بن يزيد ، وملكمروان ، وعبد الملك ، وتوفّي في ملك الوليد(1) .
ودفن في البقيع مع عمّه الحسن عليه السلام(2) .
وقال أبو جعفر بن بابويه : سمّه الوليد بن عبد الملك(3) .
بنوه : إثنا عشر من أمّهات الأولاد ، إلاّ إثنين : محمد الباقر عليه السلام ، وعبد اللّه الباهر ، أمّهما أمّ عبد اللّه بنت الحسن بن علي .
وأبو الحسين زيد الشهيد بالكوفة وعمر توأم .
والحسين الأصغر وعبد الرحمن وسليمان توأم .
والحسن والحسين وعبيد اللّه توأم .
ومحمد الأصغر فرد .
وعلي - وهو أصغر ولده - .
وخديجة فرد .
ويقال : لم يكن له بنت .
ويقال له ولد : فاطمة ، وعليه ، وأم كلثوم .
ص: 141
أعقب منهم : محمد الباقر عليه السلام ، وعبد اللّه الباهر ، وزيد بن علي عليهماالسلام ،وعمر بن علي ، وعلي بن علي ، والحسين الأصغر(1) .
وأمّه شهربانويه بنت يزدجر بن شهريار الكسرى ، ويسمّونها أيضا : شاه زنان ، و « جهان بانويه » ، و « سلافة » ، و « خولة » .
وقالوا : شاه زنان بنت شيرويه بن كسرى ابرويز .
ويقال : هي برّة بنت النوشجان(2) ، والصحيح هو الأوّل .
وكان أمير المؤمنين عليه السلام سمّاها مريم .
ويقال : سمّاها فاطمة .
وكانت تدعى « سيدة النساء(3) » .
ومن رجاله من الصحابة : جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، وعامر بنوائلة الكناني ، وسعيد بن المسيّب بن حزن ، وكان ربّاه أمير المؤمنين .
قال زين العابدين عليه السلام : سعيد بن المسيّب أعلم الناس بما تقدّم من الآثار - أي في زمانه -(1) .
وسعيد بن جهان الكناني ، مولى أمّ هاني .
ومن التابعين : أبو محمد سعيد بن جبير ، مولى بني أسد ، نزيل مكّة ، وكان يسمّى جهيد العلماء ، ويقرأ القرآن في ركعتين .
قيل : وما على الأرض أحد إلاّ وهو محتاج إلى علمه !!
ومحمد بن جبير بن مطعم ، وأبو خالد الكابلي ، والقاسم بن عوف ، وإسماعيل بن عبد اللّه بن جعفر ، وإبراهيم والحسين ابنا محمد بن الحنفية ، وحبيب بن أبي ثابت ، وأبو يحيى الأسدي ، وأبو حازم الأعرج ، وسلمة بن دينار المدني الأقرن القاصّ .
ومن أصحابه : أبو حمزة الثمالي - بقي إلى أيّام موسى عليه السلام - ، وفرات بن
ص: 143
أحنف - بقي إلى أيّام أبي عبد اللّه عليه السلام - ، وجابر بن محمد بن أبي بكر ، وأيّوب بن الحسن ، وعلي بن رافع ، وأبو محمد القرشي السدي الكوفي ،والضحّاك بن مزاحم الخراساني - أصله من الكوفة - ، وطاوس بن كيسان أبو عبد الرحمن ، وحميد بن موسى الكوفي ، وأبان بن رباح ، وأبو الفضل سدير بن حكيم بن صهيب الصيرفي ، وقيس بن رمانة ، وعبد اللّه البرقي ، والفرزدق الشاعر(1) .
ومن مواليه : شعيب .
قال السوسي :
أحببتكم يا بني الزهراء محتسبا
وحبّ غيري حبّ غير محتسب
لا حاجة لي إلى خلق ولا أرب
إلاّ إليكم وحسبي ذاك من أرب
ما طاب لي مولدي إلاّ بحبّكم
يا طيّبون ولولا ذاك لم يطب
أنتم بنو المصطفى والمرتضى نجب
من كلّ منتجب سمّي بمنتجب
أنتم بنو شاهد النجوى من الغيب
أنتم بنو صاحب الآيات والعجب
أنتم بنو خير من يمشي على قدم
بعد النبي مقال الحقّ لا كذب
* * *
ص: 144
وقال محمد بن حجر :
فروع رسول اللّه أصل غصونها
وأيكتها طوبى وللغرس غارس
عليهم لإجلال النبوّة هيبة
يشار إليهم والرؤوس نواكس
وقد توّجوا بالعلم واستودعوا الهدى
بهم تحسن الدنيا وتزهو المجالس
فأحمد فيهم والوصيّ وسبطه
كرام لما هم أكرمون أشاوس
نجوم وأعلام إذا غاب آفل
أنار لنا نجم فأشرق دامس
ينابيع علم يستفيض بحكمة
هداة إذا ما جاء للعلم قابس
* * *
وقال غيره :
يا بني طه ونون والقلم
حبّكم فرض على كلّ الأمم
من يدانيكم ولولاكم لما
خلق اللوح ولا أجري القلم
أنتم أكرم إن عدّ الورى
أنتم أعلم ماش بقدم
أنتم للدين أعلام إذا
غاب منكم علم لاح علم
فوّض اللّه إليكم أمره
فحكمتم حسب ما كان حكم
وبكم تفخر أملاك العلى
إذ لكم أضحت عبيدا وخدم
ص: 145
ص: 146
ص: 147
ص: 148
ص: 149
ص: 150
الحمد للّه الذي لم يزل سميعا بصيرا عالما قديرا ، بذوات القلوب خبيرا ، أعدّ للكافرين سعيرا ، وللمؤمنين أرائك وسريرا ، وألبسهم بفضله سندسا وحريرا ، وسقاهم من عين يفجّرونها تفجيرا ، ووقاهم شرّ يوم كان شرّه مستطيرا ، وأبدع في السماء سراجا وهّاجا وقمرا منيرا ، تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا .
أبو المضا عن الرضا عليه السلام : قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : أنت نجم بني هاشم .
وعنه قال صلى الله عليه و آله : أنت أحد العلامات(1) .
عباية عن علي عليه السلام : مثل أهل بيتي مثل النجوم ، كلّما أفل نجم طلع نجم(2) .
تفسير علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي ، في قوله تعالى : « وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها » : النجوم آل محمد(3) صلى الله عليه و آله .
محمد بن مسلم وجابر الجعفي ، في قوله تعالى : « فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » : قال الباقر عليه السلام : نحن أهل الذكر(4) .
ص: 152
قال أبو زرعة : صدق اللّه - ولعمري - إنّ أبا جعفر عليه السلام لأكبر العلماء(1) .
قال أبو جعفر الطوسي : سمّى اللّه رسوله : « ذِكرا » ، قوله تعالى : « قَدْأَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً » ، فالذكر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والأئمّة أهله ، وهو المروي عن الباقر والصادق والرضا(2) عليهم السلام .
وقال سلمان الصهري : وذكر القرآن قوله تعالى : « إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ » ، وهم حافظوه وعارفون بمعانيه(3) .
تفسير يوسف القطّان ، ووكيع بن الجرّاح ، وإسماعيل السدي ، وسفيان الثوري : أنّه قال الحارث : سألت أمير المؤمنين عليه السلام عن هذه الآية ؟ قال : واللّه ، إنّا نحن أهل الذكر ، نحن أهل العلم ، نحن معدن التأويل والتنزيل(4) .
أبو الورد عن أبي جعفر عليه السلام : « لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ » ، قال : نحن هم(5) .
بريد بن معاوية العجلي عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى : « وَكَذلِكَ
ص: 153
جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً » ، نحن الأمّة الوسط ، ونحن شهداء اللّه على خلقه وحجّته في أرضه(1) .وفي رواية حمران عن أبيه أعين عنه عليه السلام : إنّما أنزل اللّه : « وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً » يعني عدلاً(2) ، « لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً » ، قال : ولا يكون شهداء على الناس إلاّ الأئمّة والرسل ، فأمّا الأمّة فإنّه غير جائز أن يستشهدها اللّه - تعالى - على الناس وفيهم من لا تجوز شهادته في الدنيا على حزمة بقل(3) .
عمّار الساباطي : سألت أبا عبد اللّه عن قوله تعالى : « أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ » ، فقال : الذين اتّبعوا رضوان اللّه هم الأئمّة ، وهم - واللّه - يا عمّار درجات للمؤمنين ، وبولايتهم ومعرفتهم إيّانا يضاعف لهم أعمالهم ، وترفع لهم الدرجات العلى(4) .
عطاء بن ثابت ، عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى : « وَيَقُولُ الأَْشْهادُ » ،
ص: 154
قال : نحن الأشهاد(1) .
أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : « وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً » ، قال : نحن الشهود على هذه الأمّة(2) .الباقر عليه السلام في قوله تعالى : « قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً » ، قال : إيّانا عنى(3) .
قال جابر الأنصاري عن الباقر عليه السلام في قوله : « وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ » ، أي مع آل محمد(1) صلى الله عليه و آله .
أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : « يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ » .
قال : قرابة الرسول صلى الله عليه و آله ، وسيّدهم أمير المؤمنين عليه السلام ، أمروا بمودّتهم ، فخالفوا ما أمروا به(2) .
الباقر والصادق عليهماالسلام : في قوله تعالى : « قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ » ، قال : الولاية ، « أَنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنى » ، قال : الأئمّة من ذرّيتهما(1) .
الباقر عليه السلام : في قوله تعالى : « وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً » ، قال : النعمة الظاهرة النبي صلى الله عليه و آله ، وما جاء به من معرفته وتوحيده ، وأمّا النعمة الباطنة ولايتنا أهل البيت ، وعقد مودّتنا(2) .
محمد بن مسلم عن الكاظم عليه السلام : الظاهرة الإمام الظاهر ، والباطنة
الإمام الغائب(3) .
تفسير العيّاشي في قوله : « وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لأُِنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ » أن يكون إماما من ولد آل محمد صلى الله عليه و آله ، فهو ينذر بالقرآن كما أنذر به
النبي(4) صلى الله عليه و آله .
ص: 157
وقالوا : الفضل ثلاثة :
فضل اللّه : قوله تعالى : « وَلَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ » .
وفضل النبي صلى الله عليه و آله ، قوله : « بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ » ، قال ابن عباس : الفضل رسول اللّه صلى الله عليه و آله والرحمة أمير المؤمنين عليه السلام(1) .
وفضل الأوصياء : قال أبو جعفر عليه السلام : « أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ماآتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ » ؟
قال : نحن الناس ، ونحن المحسودون ، وفينا نزلت(2) .
وقال : إنّ اللّه - تعالى - أعطى المؤمن البدن الصحيح ، واللسان الفصيح ، والقلب الصريح ، وكلّف كلّ عضو منها طاعة لذاته ، ولنبيّه ، ولخلفائه .
فمن البدن الخدمة له ولهم ، ومن اللسان الشهادة به [ وبهم ] ، ومن القلب الطمأنينة بذكره وبذكرهم .
فمن شهد باللسان ، واطمأنّ بالجنان ، وعمل بالأركان ، أنزله اللّه الجنان .
ص: 158
مسند أبي حنفية : قال الراوي : ما سألت جابر الجعفي قطّ مسألة إلاّ أتى فيها بحديث(1) .
وكان جابر الجعفي إذا روى عنه قال : حدّثني وصيّ الأوصياء ، ووارث علم الأنبياء(2) .
أبو نعيم في الحلية : الحاضر ، الذاكر ، الخاشع ، الصابر ، أبو جعفر محمد بن علي الباقر(3) عليهماالسلام .
وقال غيره : الإمام الباقر ، والنور الباهر ، والقمر الزاهر ، والعلم القاهر ، باقر العلم ، معدن الحلم ، أظهر الدين اظهارا ، وكان للإسلام منارا ، الصادع بالحقّ ، والناطق بالصدق ، وباقر العلم بقرا ، وناثره نثرا ، لم تأخذه في اللّه لومة لائم ، وكان لأمره غير مكاتم ، ولعدوّه مراغم .
قالوا : الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم : يوسف بن يعقوب
ص: 159
بن إسحاق بن إبراهيم ، وكذلك السيّد ابن السيّد ابن السيّد ابن السيّد :محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام .
وممّا يدلّ على إمامته تواتر الإماميّة بالنصوص عليه من أبيه وجدّه .
وكذلك الأخبار الواردة من النبي صلى الله عليه و آله على الأئمّة الإثني عشر ، إماما إماما .
ومن قال بذلك قطع على إمامته .
ومنها : اعتبار طريق العصمة ، وغير ذلك(1) .
قال ابن الحجّاج :
إذا غاب بدر الدجى فانظر
إلى ابن النبي أبي جعفر
ترى خلقا منه يزرى به
وبالفرقدين وبالمشتري
إمام ولكن بلا شيعة
ولا بمصلّى ولا منبر
* * *
وقال المغربي :
يا ابن الذي بلسانه وبيانه
هدي الأنام ونزّل التنزيل
عن فضله نطق الكتاب وبشّرت
بقدومه التوراة والإنجيل
لولا انقطاع الوحي بعد محمد
قلنا محمد من أبيه بديل
هو مثله في الفضل إلاّ أنّه
لم يأته برسالة جبريل
ص: 160
وقال آخر :
يا ابن الذين متى استقرّ هواهم
في نفس إنسان هوى شيطانه
فإذا أراد اللّه سرّا للعلي
فهم على رغم العدى خزّانه
* * *
ص: 161
ص: 162
ص: 163
ص: 164
قيل لأبي جعفر عليه السلام : محمد بن مسلم وجع ، فأرسل إليه بشراب مع الغلام ، فقال الغلام : أمرني أن لا أرجع حتى تشربه ، فإذا شربته فائته ، ففكّر محمد فيما قال وهو لا يقدر على النهوض .
فلمّا شرب واستقرّ الشراب في جوفه صار كأنّما أنشط من عقال ، فأتى بابه فاستؤذن عليه ، فصوّت له : صحّ الجسم فادخل .
فدخل وسلّم عليه ، وهو باكٍ ، وقبّل يده ورأسه ، فقال : ما يبكيك يا محمد ؟
قال : على اغترابي ، وبعد المشقّة ، وقلّة المقدرة على المقام عندك والنظر إليك .
فقال : أمّا قلّة المقدرة ، فكذلك جعل اللّه أوليائنا وأهل مودّتنا ، وجعل البلاء إليهم سريعا .
وأمّا ما ذكرت من الاغتراب ، فلك بأبي عبد اللّه عليه السلام أسوة ، بأرض ناء عنّا ، بالفرات صلّى اللّه عليه .
وأمّا ما ذكرت من بعد المشقّة ، فإنّ المؤمن في هذه الدار غريب ، وفي هذا الخلق منكوس حتى يخرج من هذه الدار إلى رحمة اللّه .
ص: 165
وأمّا ما ذكرت من حبّك قربنا والنظر إلينا ، وأنّك لا تقدر على ذلك ، فلك ما في قلبك وجزاؤك عليه(1) .
دلالات الحسن بن علي بن أبي حمزة عن بعض أصحابه عن مبشّر(2) بيّاع الزطّي ، قال : أقمت على باب أبي جعفر عليه السلام فطرقته ، فخرجت إليّ جارية خماسيّة ، فوضعت يدي على يدها وقلت لها : قولي لمولاك : هذا مبشّر بالباب .
فناداني من أقصى الدار : ادخل لا أبا لك .
ثمّ قال لي : أما - واللّه - يا مبشّر ، لو كانت هذه الجدر تحجب أبصارنا كما يحجب عنكم أبصاركم لكنّا وأنتم سواء .
فقلت : جعلت فداك - واللّه - ما أردت إلاّ الازدياد في ذلك إيمانا(3) .
الحسن بن مختار عن أبي بصير ، قال : كنت أقرى ء امرأةً القرآن ،
ص: 166
وأعلّمها إيّاه ، فمازحتها بشيء ، فلمّا قدمت على أبي جعفر عليه السلام قال لي : ياأبا بصير ، أيّ شيء قلت للمرأة ؟ فقلت بيدي هكذا - يعني غطّيت وجهي - فقال : لا تعودنّ إليها(1) .
وفي رواية حفص البختري أنّه قال لأبي بصير : أبلغها السلام ، فقل : أبو جعفر يقرؤك السلام ويقول : زوّجي نفسك من أبي بصير .
قال : فأتيتها فأخبرتها ، فقالت : اللّه ، لقد قال لك أبو جعفر هذا ؟ فحلفتُ لها ، فزوّجت نفسها منّي .
أبو حمزة الثمالي في خبر : لمّا كانت السنة التي حجّ فيها أبو جعفر محمد بن علي عليهماالسلام ، ولقيه هشام بن عبد الملك ، أقبل الناس ينثالون عليه ، فقال عكرمة : من هذا ؟! عليه سيماء زهرة العلم ، لأجربنّه(2) .
فلمّا مثّل بين يديه ارتعدت فرائصه ، وأسقط في يد أبي جعفر عليه السلام ، وقال : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لقد جلست مجالس كثيرة بين يدي ابن عباس وغيره ، فما أدركني ما أدركني آنفا ؟
ص: 167
فقال له أبو جعفر عليه السلام : ويلك يا عبيد أهل الشام ، إنّك بين يدي « بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ »(1) .
حبّابة الوالبية ، قالت : رأيت رجلاً بمكّة - أصيلاً - بالملتزم ، أو بين الباب والحجر ، على صعدة من الأرض ، وقد حزم وسطه على المئزر بعمامة خزّ ، والغزالة(2) تخال على ذلك الجبال كالعمائم على قمم الرجال ، وقد صعّد كفّه وطرفه نحو السماء ويدعو .
فلمّا انثال الناس عليه يستفتونه عن المعضلات ، ويستفتحون أبواب المشكلات ، فلم يرم حتى أفتاهم في ألف مسألة ، ثمّ نهض يريد رحله ، ومناد ينادي بصوت صهل(3) : ألا إنّ هذا النور الأبلج المسرج ، والنسيم الأرج ، والحقّ المرج ، وآخرون يقولون : من هذا ؟
فقيل : [ محمد بن علي (4)] الباقر ، علم العلم ، الناطق عن الفهم ، محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
وفي رواية أبي بصير : ألا إنّ هذا باقر علم الرسل ، وهذا مبيّن السبل ،
ص: 168
وهذا خير من وشج في أصلاب أصحاب السفينة ، هذا ابن فاطمة الغرّاء العذراء الزهراء عليهاالسلام ، هذا بقيّة اللّه في أرضه ، هذا ناموس الدهر ، هذا ابن محمد وخديجة وعلي وفاطمة عليهم السلام ، هذا منار الدين القائمة .
وفي حديث جابر بن يزيد الجعفي : إنّه لمّا شكت الشيعة إلى زين العابدين عليه السلام ممّا يلقونه من بني أميّة ، دعا الباقر عليه السلام ، وأمره أن يأخذ الخيط الذي نزل به جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه و آله ، ويحرّكه تحريكا .
قال : فمضى إلى المسجد ، فصلّى فيه ركعتين ، ثمّ وضع خدّه على التراب ، وتكلّم بكلمات ، ثمّ رفع رأسه ، فأخرج من كمّه خيطا دقيقا يفوح منه رائحة ، وأعطاني طرفا منه ، فمشيت رويدا ، فقال : قف يا جابر ، فحرّك الخيط تحريكا لينا خفيفا ، ثمّ قال : اخرج فانظر ما حال الناس .
قال : فخرجت من المسجد ، فإذا صياح وصراخ وولولة من كلّ ناحية ، وإذا زلزلة شديدة ، وهدّة ورجفة قد أخربت عامّة دور المدينة ، وهلك تحتها أكثر من ثلاثين ألف إنسان .
ثمّ صعد الباقر عليه السلام المنارة ، فنادى بأعلى صوته : ألا يا أيّها الضالّون المكذّبون .
قال : فظنّ الناس أنّه صوت من السماء ، فخرّوا لوجوههم ، وطارت أفئدتهم ، وهم يقولون في سجودهم : الأمان الأمان ، - وإنّهم يسمعون
ص: 169
الصيحة بالحقّ ولا يرون الشخص - ، ثمّ قرأ : « فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ » .
قال : فلمّا نزل منها وخرجنا من المسجد سألته عن الخيط ، قال : هذا منالبقيّة ، قلت : وما البقيّة يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : يا جابر ، « بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ » ، ويضعه جبرئيل عليه السلاملدينا(1) .
المفضّل بن عمر : بينما أبو جعفر عليه السلام بين مكّة والمدينة إذ انتهى إلى جماعة على الطريق ، وإذا رجل بين الحجّاج نفق حماره ، وقد بدّد متاعه ، وهو يبكي .
فلمّا رأى أبا جعفر عليه السلام أقبل إليه ، فقال له : يا ابن رسول اللّه ، نفق حماري ، وبقيت منقطعا ، فادع اللّه - تعالى - أن يحيي لي حماري .
قال : فدعا أبو جعفر عليه السلام فأحيى اللّه له حماره(2) .
أبو بصير : قلت لأبي جعفر عليه السلام لمّا ذهب بصري : أنتم ورثة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : نعم ، قلت : رسول اللّه صلى الله عليه و آله وارث الأنبياء ؛ علم كلّما علموا ؟
ص: 170
قال : نعم ، قلت : فأنتم تقدرون أن تحيوا الموتى وتبرؤا الأكمه والأبرص ؟ قال : نعم بإذن اللّه .
ثمّ قال : فادن منّي يا أبا محمد ، فمسح على وجهي وعلى عيني ، فأبصرتالأشياء .
قال لي : أتحبّ أن تكون هكذا ، ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة ، أو تعود كما كنت ، ولك الجنّة خالصا ؟ قلت : أعود كما كنت .
فمسح على عيني فعدت كما كنت .
فحدّثت ابن أبي عمير بهذا فقال : أشهد أنّ هذا حقّ كما أنّ النهار حقّ .
وقد رواه محمد بن أبي عمير(1) .
قال أبو بصير للباقر عليه السلام : ما أكثر الحجيج وأعظم الضجيج ، فقال : بل ما أكثر الضجيج وأقلّ الحجيج ! أتحبّ أن تعلم صدق ما أقوله وتراه عيانا ؟ فمسح على عينيه ودعا بدعوات ، فعاد بصيرا ، فقال : انظر يا أبا بصير إلى الحجيج .
قال : فنظرت فإذا أكثر الناس قردة وخنازير ، والمؤمن بينهم كالكوكب اللامع في الظلماء ، فقال أبو بصير : صدقت يا مولاي ، ما أقلّ الحجيج
ص: 171
وأكثر الضجيج ، ثمّ دعا بدعوات ، فعاد ضريرا .
فقال أبو بصير في ذلك ، فقال عليه السلام : ما بخلنا عليك يا أبا بصير ، وإن كان اللّه - تعالى - ما ظلمك ، وإنّما خار لك ، وخشينا فتنة الناس بنا ، وأنيجهلوا فضل اللّه علينا ، ويجعلونا أربابا من دون اللّه ، ونحن له عبيد ، لا نستكبر عن عبادته ، ولا نسأم من طاعته ، ونحن له مسلمون(1) .
أبو عروة : دخلت مع أبي بصير إلى منزل أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام ،، فقال لي : أترى في البيت كوّة قريبة من السقف ؟ قلت : نعم ، وما علمك بها ؟ قال : أرانيها أبو جعفر عليه السلام(2) .
حلية الأولياء : بالإسناد ، قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام - وسمع عصافير يصحن - قال : أتدري - يا أبا حمزة - ما يقلن ؟ قلت : لا ، قال : يسبّحن ربّي - عزّ وجلّ - ويسألن قوت يومهنّ(3) .
ص: 172
جابر بن يزيد الجعفي ، قال : مررت بمجلس عبد اللّه بن الحسن ، قال : بماذا فضلني محمد بن علي عليهماالسلام ؟ ثمّ أتيت إلى أبي جعفر عليه السلام ، فلمّا بصرني ضحك إليّ ، ثمّ قال : يا جابر ، اقعد ، فإنّه أوّل داخل يدخل عليك في هذاالباب عبد اللّه بن الحسن .
فجعلت أرمق ببصري نحو الباب ، وأنا مصدّق لما قال سيّدي ، إذ أقبل يسحب أذياله ، فقال له : يا عبد اللّه ، أنت الذي تقول : بماذا فضلني محمد بن علي ؟ إنّ محمدا وعليّا ولداه وقد ولداني ؟
ثمّ قال : يا جابر ، احفر حفيرة واملأها حطبا جزلاً ، واضرمها نارا .
قال جابر : ففعلت ، فلمّا أن رأى النار قد صار جمرا أقبل عليه بوجهه ، فقال : إن كنت حيث ترى فادخلها لن تضرّك ، فقطع بالرجل ، فتبسّم في وجهي ، ثمّ قال : يا جابر « فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ » .
أبو حمزة : أنّه ركب أبو جعفر عليه السلام إلى حائط له ، فسأله سليمان بن خالد : هل يعلم الإمام ما في يومه ؟ فقال : يا سليمان ، والذي بعث محمدا بالنبوّة واصطفاه بالرسالة ، إنّه ليعلم ما في يومه ، وما في شهره ، وما في سنته .
ثمّ قال بعد هنيئة : الساعة يستقبلك رجلان قد سرقا سرقة ، قد أضمرا عليها ، فاستقبلنا الرجلان ، فقال أبو جعفر عليه السلام : سرقتما ؟ فحلفا له باللّه أنّهما ما سرقا ، فقال : واللّه لئن أنتما لم تخرجا ما سرقتما لأبعثنّ إلى الموضع الذي
ص: 173
وضعتما فيه سرقتكما ، ولأبعثنّ إلى صاحبكما الذي سرقتما منه حتى يجيء يأخذكما ، ويرفعكما إلى والي المدينة ، ثمّ أمر غلمانه أن يستوثقوا منهما .
قال : فانطلق أنت - يا سليمان - إلى ذلك الجبل ، فاصعد أنت وهؤلاء الغلمان ، فإنّ في قلّة الجبل كهفا ، فادخل أنت فيه بنفسك حتى تستخرج مافيه ، وتدفعه إلى مولاي هذا ، فإنّ فيه سرقة لرجل آخر وسوف يأتي .
فانطلقت واستخرجت عيبتين ، وأتيت بهما أبا جعفر عليه السلام ، فرجعنا إلى المدينة وقد أخذ جماعة بالسرقة .
فقال أبو جعفر عليه السلام : إنّ هؤلاء برآء ، وليسوا هم بسرّاقة عندي .
ثمّ قال للرجل : ما ذهب لك ؟ قال : عيبة فيها كذا وكذا ، فادّعى ما ليس له ، فقال أبو جعفر عليه السلام : لم تكذب ! فقال : أنت أعلم بما ذهب منّي ، فأمر له بالعيبة .
ثمّ قال للوالي : وعندي عيبة أخرى لرجل ، وهو يأتيك إلى أيّام ، وهو رجل من بربر ، فإذا أتاك فارشده إليّ ، فإنّ عيبته عندي ، وأمّا هذان السارقان ، فلست ببارح من هاهنا حتى تقطعهما ، قال أحدهما : واللّه - يا أبا جعفر - لقد قطعتني بحقّ .
ثمّ جاء البربري إلى الوالي بعد ثلاث أيّام ، فأرسله إلى أبي جعفر عليه السلام ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : ألا أخبرك بما في عيبتك ؟ فقال البربري : إن أخبرتني علمت أنّك إمام فرض اللّه طاعتك ، فقال أبو جعفر عليه السلام : ألف دينار لك ، وألف دينار لغيرك ، ومن الثياب كذا وكذا ، قال : فما اسم الرجل الذي له ألف دينار ؟ قال : محمد بن عبد الرحمن ، وهو بالباب ينتظرك ،
ص: 174
فقال البربري : آمنت باللّه وحده لا شريك له وبمحمد صلى الله عليه و آله ، وأشهد أنّكم أهل بيت الرحمة الذين أذهب اللّه عنكم الرجس وطهّركم تطهيرا(1) .
قال الصادق عليه السلام : إنّ أبي قال ذات يوم : إنّما بقي من أجلي خمس سنين ، فحسبت فما زاد ولا نقص(2) .
أبو القاسم بن شبل الوكيل بالإسناد عن محمد بن سليمان : إنّ ناصبيا شاميا كان يختلف إلى مجلس أبي جعفر عليه السلام ويقول له : طاعة اللّه في بغضكم ، ولكنّي أراك رجلاً فصيحا ، فكان أبو جعفر عليه السلام يقول : لن تخفى على اللّه خافية .
فمرض الشامي ، فلمّا ثقل قال لوليّه : إذا أنت مددت عليّ الثوب فائت محمد بن علي عليهماالسلام ، وسَله أن يصلّي عليّ .
قال : فلمّا أن كان في بعض الليل ظنّوا أنّه برد ، وسجّوه ، فلمّا أن أصبح الناس خرج وليّه إلى أبي جعفر عليه السلام ، وحكى له ذلك ، فقال أبو جعفر عليه السلام :
ص: 175
كلاّ إنّ بلاد الشام صرد ، والحجاز بلاد حرّ ، ولحمها شديد ، فانطلق فلا تعجلنّ على صاحبكم حتى آتيكم .
قال : ثمّ قام من مجلسه ، فجدّد وضوءا ، ثمّ عاد فصلّى ركعتين ، ثمّ مدّيده تلقاء وجهه ما شاء اللّه ، ثمّ خرّ ساجدا حتى طلعت الشمس ، ثمّ نهض ، فانتهى إلى مجلس الشامي ، فدخل عليه فدعاه فأجابه ، ثمّ أجلسه ، فدعا له بسويق فسقاه ، وقال : املأوا جوفه ، وبردوا صدره بالطعام البارد ، ثمّ انصرف .
وتبعه الشامي ، فقال : أشهد أنّك حجّة اللّه على خلقه ، قال : وما بدا لك ؟ قال : أشهد أنّي عمدت بروحي وعاينت بعيني ، فلم يتفاجأني إلاّ ومناد ينادي : ردّوا إليه روحه ، فقد كنّا سألنا ذلك محمد بن علي عليهماالسلام ، فقال أبو جعفر عليه السلام : أما علمت أنّ اللّه يحبّ العبد ويبغض عمله ، ويبغض العبد ويحبّ عمله ؟
قال : فصار بعد ذلك من أصحاب أبي جعفر(1) عليه السلام .
الثعلبي في نزهة القلوب : روي عن الباقر عليه السلام أنّه قال : أشخصني هشام بن عبد الملك ، فدخلت عليه وبنو أميّة حوله ، فقال لي : ادن يا ترابي ، فقلت : من التراب خلقنا ، وإليه نصير .
ص: 176
فلم يزل يدنيني حتى أجلسني معه ، ثمّ قال : أنت أبو جعفر الذي تقتل بني أميّة ؟ فقلت : لا ، قال : فمن ذاك ؟ فقلت : ابن عمّنا أبو العباس بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس .
فنظر إليّ وقال : واللّه ما جرّبت عليك كذبا ، ثمّ قال : ومتى ذاك ؟ قلت : عن سنيّات ، واللّه ما هي ببعيدة . . الخبر .
كتاب المعجزات : إنّ الباقر عليه السلام كان في عمرة اعتمرها ، في الحجر جالسا ، إذ أقبل جانّ حتى دنا من الحجر ، فطاف بالبيت أسبوعا ، ثمّ إنّه أتى المقام فقام على ذنبه ، فصلّى ركعتين - وذلك عند زوال الشمس - ، فبصر به عطاء وأناس من أصحابه ، فأتوا أبا جعفر عليه السلام واستغاثوا إليه .
فقال : انطلقوا إليه ، فقولوا له : يقول لك محمد بن علي : إنّ البيت يحضره أعبد وسودان ، وهذه ساعة خلوته منهم ، وقد قضيت نسكك ، ونحن نتخوّف عليك منهم ، فلو خفّفت وانطلقت .
قال : فكوّم كومة من بطحاء المسجد ، ثمّ وضع ذنبه عليها ، ثمّ مثل في الهواء(1) .
جابر الجعفي ، مرفوعا : لا يزال سلطان بني أميّة حتى يسقط حائط مسجدنا هذا - يعني مسجد الجعفي - ، فكان كما أخبر .
ص: 177
قال الكميت الأسدي : دخلت إليه وعنده رجل من بني مخزوم ، وأنشدته شعري فيهم ، فكلّما أنشدته قصيدة قال : يا غلام بدرة(1) ، فماخرجت من البيت حتى أخرج خمسين ألف درهم ، فقلت : واللّه ، إنّي ما قلت فيكم لعرض الدنيا ، وأبيت ، فقال : يا غلام أعد هذا المال في مكانه .
فلمّا حمل قال له المخزومي : سألتك باللّه عشرة آلاف درهم ، فقلتَ : ليست عندي ، وأعطيت للكميت(2) خمسين ألف درهم ، وإنّى لأعلم أنّك
الصادق البارّ ؟ قال له : قم وادخل فخذ ، فدخل المخزومي فلم يجد شيئا .
فهذا دليل على أنّ الكنوز مغطّية لهم(3) .
معتب ، قال : توجّهت مع أبي عبد اللّه عليه السلام إلى ضيعة ، فلمّا دخلها صلّى ركعتين ، ثمّ قال : إنّى صلّيت مع أبي الفجر ذات يوم ، فجلس أبي يسبّح اللّه .
فبينما هو يسبّح ، إذ أقبل شيخ طوال أبيض الرأس واللحية ، فسلّم على أبي ، وإذا شابّ مقبل في أثره ، فجاء إلى الشيخ ، وسلّم على أبي ، وأخذ بيد الشيخ وقال : قم فإنّك لم تؤمر بهذا .
ص: 178
فلمّا ذهبا من عند أبي قلت : يا أبي ، من هذا الشيخ وهذا الشابّ ؟ فقال : واللّه هذا ملك الموت ، وهذا جبرئيل(1) عليهماالسلام .
جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق(2) .
قال : جرى عند أبي عبد اللّه ذكر عمر بن سحنة الكندي ، فزكّوه ، فقال عليه السلام : ما أرى لكم علما بالناس ، إنّي لأكتفي من الرجل بلحظة ، إنّ ذا من أخبث الناس .
قال : وكان عمر بعد ما يدع محرّما للّه إلاّ يركبه(3) .
عبد اللّه بن عطاء المكّي ، قال : اشتقت إلى أبى جعفر عليه السلام وأنا بمكّة ، فقدمت المدينة ، وما أقدمنيها إلاّ شوقا إليه ، فأصابني تلك الليلة مطر وبرد شديد .
فانتهيت إلى بابه نصف الليل ، فقلت : أطرقه هذه الساعة ، أو أنتظر
ص: 179
حتى أصبح ؟ وإنّى لأتفكّر في ذلك إذ سمعته يقول : يا جارية افتحي الباب لابن عطاء ، فقد أصابه في هذه الليلة برد وأذى ، ففتحت الباب فدخلت(1) .
عبد اللّه بن كثير ، قال : نزل أبو جعفر عليه السلام بواد ، فضرب خباه فيه ، ثمّ خرج يمشي إلى نخلة يابسة ، فحمد اللّه عندها ، ثمّ تكلّم بكلام لم أسمع بمثله ، ثمّ قال : أيّتها النخلة أطعمينا ممّا جعل اللّه فيك .
فتساقطت رطب أحمر وأصفر ، فأكل - ومعه أبو أميّة الأنصاري - ، فقال : يا أبا أميّة ، هذه الآية فينا كالآية في مريم إذ هزّت إليها النخلة ، فتساقط عليها « رُطَباً جَنِيًّا »(2) .
عمر بن حنظلة : سألت أبا جعفر عليه السلام أن يعلّمني الإسم الأعظم ، فقال : ادخل البيت ، فوضع أبو جعفر عليه السلام يده على الأرض ، فأظلم البيت ، وارتعدت فرائصي ، فقال : ما تقول ؟ أعلّمك ؟ فقلت : لا ، فرفع يده ، فرجع البيت كما كان(3) .
ص: 180
ويروى : أنّ زيد بن علي لمّا عزم على البيعة قال له أبو جعفر عليه السلام : يا أبا زيد ، إنّ مثل القائم من أهل هذا البيت قبل قيام مهديّهم مثل فرخ نهض من عشّه من غير أن يستوي جناحاه ، فإذا فعل ذلك سقط ، فأخذهالصبيان يتلاعبون به ، فاتّق اللّه في نفسك أن تكون المصلوب غدا بالكناسة ، فكان كما قال(1) .
عبد اللّه بن طلحة ، عن أبي عبد اللّه في خبر : إنّ أبي كان قاعدا في الحجر ومعه رجل يحدّثه ، فإذا هو بوزغ يولول بلسانه ، فقال أبي للرجل : أتدري ما يقول هذا الوزغ ؟ فقال الرجل : لا علم لي بما يقول .
قال : فإنّه يقول : واللّه لئن ذكرت الثالث ، لأسبّنّ عليّا حتى تقوم من هاهنا(2) .
محمد بن مسلم ، قال : كنت مع أبي جعفر بين مكّة والمدينة - وأنا أسير على حمار لي وهو على بغلة له - إذ أقبل ذئب من رأس الجبل حتى انتهى
ص: 181
إلى أبي جعفر عليه السلام ، فحبس البغلة ، ودنا الذئب منه حتى وضع يده على قربوس السرج ، ومدّ عنقه إلى أذنه ، وأدنى أبو جعفر عليه السلام أذنه ساعة ، ثمّ قال له : امض فقد فعلت ، فخرج مهرولاً .
فقلت له : لقد رأيت عجبا ! فقال : وما تدري ما قال ؟ قلت : اللّه ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : إنّه قال : يا ابن رسول اللّه زوجتي في ذلك الجبل ، وقد تعسّر عليها ولادتها ، فادع اللّه يخلّصها ، وأن لا يسلط شيئا من نسلي على أحد من شيعتكم ، فقلت : قد فعلت(1) .
وقد روى الحسن بن علي بن أبي حمزة في الدلالات هذا الخبر عن الصادق عليه السلام وزاد فيها : إنّه عليه السلام مرّ وسكن في ضيعته شهرا ، فلمّا رجع فإذا هو بالذئب وزوجته وجرو عووا في وجه الصادق عليه السلام ، فأجابهم بمثل عوائهم بكلام يشبهه .
ثمّ قال لنا : قد ولد له جرو ذكر ، وكانوا يدعون اللّه لي ولكم بحسن الصحابة ، ودعوت لهم بمثل ما دعوا لي ، وأمرتهم أن لا يؤذوا لي وليّا ولأهل بيتي ، ففعلوا ، وضمنوا لي ذلك(2) .
الحسن بن محمد بإسناده عن أبي بكر الحضرمي ، قال : لمّا حمل
ص: 182
أبو جعفر عليه السلام إلى الشام ، إلى هشام بن عبد الملك ، وصار ببابه ، قال هشام لأصحابه : إذا سكتّ من توبيخ محمد بن علي فلتوبّخوه ! ثمّ أمر أن يؤذن له .
فلمّا دخل عليه أبو جعفر عليه السلام قال بيده : السلام عليكم - فعمّهم جميعابالسلام - ، ثمّ جلس ، فازداد هشام عليه حنقا بتركه السلام بالخلافة ، وجلوسه بغير إذن ، فقال : يا محمد بن علي ، لا يزال الرجل منكم قد شقّ عصا المسلمين ، ودعا إلى نفسه ، وزعم أنّه الإمام سفها وقلّة علم ! وجعل يوبّخه .
فلمّا سكت أقبل القوم عليه - رجل بعد رجل - يوبّخه ، فلمّا سكت القوم ، نهض قائما ، ثمّ قال :
أيّها الناس أين تذهبون؟ وأين يراد بكم؟ بنا هدى اللّه أوّلكم ، وبنا ختم آخركم ، فإن يكن لكم ملك معجّل ، فإنّ لنا ملكا مؤجّلاً ، وليس من بعد ملكنا ملك ، لأنّا أهل العاقبة ، يقول اللّه - عزّ وجلّ - : « وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » .
فأمر به إلى الحبس ، فلمّا صار في الحبس تكلّم ، فلم يبق في الحبس رجل إلاّ ترشفه وحسن عليه .
فجاء صاحب الحبس إلى هشام ، وأخبره بخبره ، فأمر به ، فحمل على البريد هو وأصحابه ليردّوا إلى المدينة ، وأمر ألاّ تخرج لهم الأسواق ، وحال بينهم وبين الطعام والشراب .
فساروا ثلاثا لا يجدون طعاما ولا شرابا حتى انتهوا إلى مدينة ، فأغلق باب المدينة دونهم ، فشكا أصحابه العطش والجوع .
ص: 183
قال : فصعد جبلاً أشرف عليهم ، فقال بأعلى صوته : يا أهل المدينة الظالم أهلها أنا بقيّة اللّه ، يقول اللّه تعالى : « بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ » .
قال : وكان فيهم شيخ كبير ، فأتاهم فقال : يا قوم هذه - واللّه - دعوةشعيب ، واللّه لئن لم تخرجوا إلى هذا الرجل بالأسواق لتؤخذنّ من فوقكم ، ومن تحت أرجلكم ، فصدّقوني هذه المرّة ، وأطيعوني ، وكذّبوني فيما تستأنفون ، فإنّي ناصح لكم .
قال : فبادروا وأخرجوا إلى أبي جعفر عليه السلام وأصحابه الأسواق(1) .
كافي الكليني : قال سدير الصيرفي : أوصاني أبو جعفر عليه السلام بحوائج له بالمدينة ، فخرجت ، فبينما أنا في فجّ الروحاء(2) على راحلتي إذ إنسان يلوي بثوبه ، قال : فملت إليه - وظننت أنّه عطشان - ، فناولته الإداوة(3) ، فقال : لا حاجة لي بها ، - وناولني كتابا طينه رطب - .
قال : فلمّا نظرت إلى خاتمه ، إذا خاتم أبي جعفر عليه السلام ، فقلت له : متى عهدك بصاحب هذا الكتاب ؟
ص: 184
قال : الساعة ، وإذا في الكتاب أشياء يأمرني بها ، ثمّ التفتّ فإذا ليس عندي أحد .
قال : ثمّ قدم أبو جعفر عليه السلام ، فلقيته ، فقلت : جعلت فداك ، رجل أتاني بكتابك وطينه رطب ؟فقال : يا سدير ، إنّ لنا خدما من الجنّ ، فإذا أردنا السرعة بعثناهم(1) .
محمد بن يحيى بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : كانت أمّي قاعدة عند جدار ، فتصدّع الجدار ، وسمعنا هدّة شديدة ، فقالت بيدها : لا وحقّ المصطفى ما أذن لك في السقوط ، فبقي معلّقا إلى الجوّ حتى جازته ، فتصدّق أبي عنها بمائة دينار(2) .
النعمان بن بشير ، قال : ناول رجل طوال جابر الجعفي كتابا ، فتناوله ووضعه على عينيه ، وإذا هو من محمد بن علي عليهماالسلام إليه ، فقال له : متى عهدك بسيدي ؟
ص: 185
فقال : الساعة ، ففكّ الخاتم ، وأقبل يقرأه ويقبض وجهه حتى أتى على آخره ، وأمسك الكتاب فما رأيته ضاحكا مسرورا حتى وافى الكوفة .
فلمّا وافينا بتُّ ليلتي ، فلمّا أصبحت أتيته إعظاما له ، فوجدته قد خرج عليّ وفي عنقه كعاب قد علّقها ، وقد ركب قصبة وهو يقول :ادخل(1) منصور بن جمهور أميرا غير مأمور
واجتمع عليه الصبيان ، وهو يدور معهم والناس يقولون : جنّ جابر .
فواللّه ما مضت إلاّ أيّام حتى ورد كتاب هشام بن عبد الملك إلى واليه يأمره بقتل جابر ، وإنفاذ رأسه إليه ، فقال لجلسائه : مَن جابر بن يزيد الجعفي ؟ قالوا : أصلحك اللّه ، كان رجل له فضل وعلم فجنّ ، وهو دائر في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم .
قال : فأشرف عليه ، ورآه معهم بينهم ، فقال : الحمد للّه الذي عافاني من قتله ، قال : ثمّ لم تمض إلاّ أيّام حتى دخل منصور بن جمهور ، فصنع ما كان يقول جابر(2) .
محمد بن مسلم ، قال : كنت عنده يوما فرجع زوج ورشان ، وهدلا هديلهما ، فردّ عليهما أبو جعفر عليه السلام كلامهما ساعة ، ثمّ نهضا ، فلمّا صار على الحائط هدل الذكر على الأنثى ساعة ، ثمّ طارا .
ص: 186
فقلت له : جعلت فداك ، ما قال هذا الطائر ؟ فقال : يا ابن مسلم ، كلّ شيء خلقه اللّه من طير أو بهيمة أو شيء فيه روح ، فإنّه أطوع لنا وأسمع من ابن آدم ، إنّ هذا الورشان ظنّ بأنثاه سوءا ، فحلفت له ما فعلت ، فلم يقبل ، فقالت : ترضى بمحمد بن علي عليهماالسلام ؟ فرضيا بي ، فأخبرته أنّه لهاظالم ، فصدّقها(1) .
أبو بصير ، قال : كنت مع أبي جعفر عليه السلام في المسجد إذ دخل عليه أبو الدوانيق وداود بن علي وسليمان بن مجالد حتى قعدوا في جانب المسجد ، فقال لهم : هذا أبو جعفر عليه السلام ، فأقبل إليه داود بن علي وسليمان بن مجالد ، فقال لهما : ما منع جبّاركم أن يأتيني ؟ فعذّروه عنده .
فقال : يا داود ، أما إنّه لا تذهب الأيّام حتى يليها ، ويطأ الرجال عقبه ، ويملك شرقها وغربها ، وتدين له الرجال ، وتذلّ رقابها ، قال : فلها مدّة ؟ قال : نعم ، واللّه ليتلقّفنّها الصبيان منكم كما تتلقّف الكرة(2) .
فانطلقا فأخبرا أبا جعفر بالذي سمعا من محمد بن علي عليه السلام ، فبشّراه بذلك .
فلمّا ولّيا دعا سليمان بن مجالد فقال : يا سليمان بن مجالد ، إنّهم لا يزالون
ص: 187
في فسحة من ملكهم ما لم يصيبوا دما - وأومى ء بيده إلى صدره - فإذا أصابوا ذلك الدم ، فبطنُها خير لهم من ظهرها .
فجاء أبو الدوانيق إليه ، وسأله عن مقالهما ، فصدّقهما . . الخبر .
فكان كما قال(1) .
وفي حديث عاصم الحنّاط عن محمد بن مسلم : أنّه سأل أبا جعفر عليه السلام دلالة ، فقال : يا ابن مسلم ، وقع بينك وبين زميلك بالربذة حتى عيّرك بنا وبحبّنا وبمعرفتنا ؟ قال : إي واللّه جعلت فداك ، لقد كان ذلك ، فمن يخبركم بمثل ذلك ؟
قال : يا ابن مسلم ، إنّ لنا خدما من الجنّ هم شيعة لنا ، أطوع لنا منكم(2) .
أبو بصير ، قال : أطرق أبو جعفر عليه السلام إلى الأرض ينكت فيها مليّا ، ثمّ إنّه رفع رأسه فقال : كيف أنتم - يا قوم - إذا جاءكم رجل ، فدخل عليكم مدينتكم هذه في أربعة آلاف رجل حتى يستعرضكم بسيفه ثلاثة أيّام ،
ص: 188
فيقتل مقاتليكم ، وتلقون منه بلاء لا تقدرون أن تدفعوه بأيديكم ؟ وذلك يكون في قابل ، فخذوا حذركم ، واعلموا أنّه ما قلت لكم كائن لابدّ منه .
فلم يأخذ أحد حذره من أهل المدينة إلاّ بنو هاشم خاصّة .
فلمّا كان من قابل تحمّل أبو جعفر عليه السلام لعياله أجمعين ، وبنو هاشم ،وخرجوا(1) من المدينة ، فكان كما قال(2) .
مشمعل الأسدي عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول لرجل من أهل خراسان : كيف أبوك ؟ قال : صالح ، قال : هلك أبوك بعد ما خرجت وجئت إلى جرجان .
ثمّ قال : ما فعل أخوك ؟ قال : خلفته صالحا ، قال : قد قتله جاره [ يقال له : ] « صالح » يوم كذا وكذا .
فبكى الرجل ثمّ قال : « إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » ممّا أصبت به .
فقال أبو جعفر عليه السلام : اسكت فإنّك لا تدري ما صنع اللّه بهم ، قد صاروا إلى الجنّة ، والجنّة خير لهم ممّا كانوا فيه .
فقال له الرجل : جعلت فداك ، إنّى خلّفت ابني وجعا شديد الوجع ، ولم تسألني عنه كما سألتني عن غيره ؟ قال : قد برأ ، وقد زوّجه عمّه بنته ،
ص: 189
وأنت تقدم وقد ولد له غلام ، واسمه علي - وهو لنا شيعة - ، وأمّا ابنك فليس هو لنا شيعة ، بل هو لنا عدوّ(1) .
عاصم الحنّاط عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سمعته وهو يقول لرجل من أهل إفريقية : ما حال راشد ؟ قال : خلّفته حيّا صالحا يقرؤك السلام ، قال : رحمه اللّه .
قلت : جعلت فداك ، ومات ؟ قال : نعم ، رحمه اللّه .
قلت : ومتى مات ؟ قال : بعد خروجك بيومين(2) .
وفي حديث الحلبي : أنّه دخل أناس على أبي جعفر عليه السلام ، وسألوا علامة ، فأخبرهم بأسمائهم ، وأخبرهم عمّا أرادوا يسألون عنه ، وقال : أردتم أن تسألوا عن هذه الآية من كتاب اللّه : « كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها » ، قالوا : صدقت ، هذه الآية أردنا أن نسألك .
ص: 190
قال : نحن الشجرة التي قال اللّه تعالى : « أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ » ، ونحن نعطي شيعتنا ما نشاء من أمر علمنا(1) .
علي بن أبي حمزة وأبو بصير ، قالا : كان لنا موعدا على أبي جعفر عليه السلام ، فدخلنا عليه أنا وأبو ليلى ، فقال : يا سكينة ، هلمّي بالمصباح ، فأتت بالمصباح ، ثمّ قال : هلمّي بالسفط الذي في موضع كذا وكذا .
قال : فأتته بسفط هندي أو سندي ، ففضّ خاتمه ، ثمّ أخرج منه صحيفة صفراء ، فقال علي : فأخذ يدرجها من أعلاها وينشرها من أسفلها ، حتى إذا بلغ ثلثها - أو ربعها - نظر إليّ - فارتعدت فرائصي حتى خفت على نفسي - .
فلمّا نظر إليّ في تلك الحال وضع يده على صدري ، فقال : أبرأت أنت ؟ قلت : نعم جعلت فداك ، قال : ليس عليك بأس .
ثمّ قال : ادنه ، فدنوت ، فقال لي : ما ترى ؟ قلت : اسمي واسم أبي وأسماء أولادي أعرفهم ، فقال : يا علي ، لولا أنّ لك عندي ما ليس لغيرك ما اطلعتك على هذا ، أما إنّهم سيزدادون على عدد ما هاهنا .
قال علي بن أبي حمزة : فمكثت - واللّه - بعد ذلك عشرين سنة ، ثمّ ولد لي الأولاد بعدد ما رأيت بعيني في تلك الصحيفة(2) . . الخبر .
ص: 191
أبو عيينة وأبو عبد اللّه عليه السلام : إنّ موحّدا أتى الباقر عليه السلام وشكا عن أبيه ، ونصبه وفسقه ، وأنّه أخفى ماله عند موته ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : أفتحبّ أن تراه ، وتسأله عن ماله ؟فقال الرجل : نعم ، وإنّى لمحتاج فقير .
فكتب إليه أبو جعفر عليه السلام كتابا بيده في رقّ أبيض ، وختمه بخاتمه .
ثمّ قال : اذهب بهذا الكتاب الليلة إلى البقيع حتى تتوسّط ، ثمّ تنادي : يا درجان .
ففعل ذلك ، فجاءه شخص ، فدفع إليه الكتاب ، فلمّا قرأه قال : أتحبّ أن ترى أباك ؟ فلا تبرح حتى آتيك به ، فإنّه بضجنان .
فانطلق ، فلم يلبث إلاّ قليلاً حتى أتاني رجل أسود في عنقه حبل أسود ، مدلع لسانه يلهث ، وعليه سربال أسود ، فقال لي : هذا أبوك ، ولكن غيّره اللهب ودخان الجحيم وجرع الحميم .
فسألته عن حاله ، قال : إنّي كنت أتوالى بني أميّة ، وكنت أنت تتوالى أهل البيت عليهم السلام ، وكنت أبغضك على ذلك ، واحرمتك مالي ، ودفنته عنك ، فأنا اليوم على ذلك من النادمين ، فانطلق إلى جنّتي ، فاحتفر تحت الزيتونة ، فخذ المال - وهو مائة وخمسون ألفا - ، وادفع إلى محمد بن علي عليهماالسلام خمسين ألفا ، ولك الباقي .
قال : ففعل الرجل كذلك ، فقضى بها أبو جعفر عليه السلام دينا ، وابتاع بها
ص: 192
أرضا ، ثمّ قال : أما إنّه سينفع الميّت الندم على ما فرّط من حبّنا ، وضيّع من حقّنا بما أدخل علينا من الرفق والسرور(1) .
جابر بن يزيد : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله تعالى : « وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ » ، فرفع أبو جعفر عليه السلام بيده وقال : ارفع رأسك ، فرفعت ، فوجدت السقف متفرّقا ، ورمق ناظري في ثلمة حتى رأيت نورا حار عنه بصري .
فقال : هكذا رأى إبراهيم عليه السلام ملكوت السماوات ، وانظر إلى الأرض ، ثمّ ارفع رأسك ، فلمّا رفعته رأيت السقف كما كان .
ثمّ أخذ بيدي وأخرجني من الدار ، وألبسني ثوبا ، وقال : غمّض عينيك ساعة ، ثمّ قال : أنت في الظلمات التي رأى ذو القرنين ، ففتحت عيني فلم أر شيئا .
ثمّ خطا خطىً وقال : أنت على رأس عين الحياة للخضر ، ثمّ خرجنا من ذلك العالم حتى تجاوزنا خمسة ، فقال : هذه ملكوت الأرض .
ثمّ قال : غمّض عينيك ، وأخذ بيدي ، فإذا نحن في الدار التي كنّا فيها ، وخلع عنّي ما كان ألبسنيه .
ص: 193
فقلت : جعلت فداك ، كم ذهب من اليوم ؟ فقال : ثلاث ساعات(1) .
قال ابن حمّاد :
ولاء النبي وآل النبي
عقدي وأمني من مفزعي
ووجّهت وجهي لا أبتغي
سوى السادة الخشّع الركّع
ومالي هداة سوى الطاهرين
بدور الهدى الكمّل اللمّع
بحار النوال بدور الكمال
غيوث الورى الهطّل الهمّع
هم شفعائي إلى ربّهم
وليس سواهم بمستشفع
بهم يرفع اللّه أعمالنا
ولولا الولاية لم ترفع
* * *
وله أيضا :
يا أهل بيت النبي حبّكم
تجارة الفوز للأولى اتّجروا
يا أهل بيت النبي حبّكم
يبلي به ربّنا ويختبر
* * *
ص: 194
ص: 195
ص: 196
محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال : سمعته يقول : إنّا « عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ »(1) .
سماعة بن مهران عن شيخ من أصحابنا عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : جئنا نريد الدخول عليه ، فلمّا صرنا في الدهليز سمعنا قراءة سريانية ، بصوت حزين ، يقرأ ويبكي حتى أبكى بعضنا(2) .
موسى بن أكيل النميري ، قال : جئنا إلى باب دار أبي جعفر عليه السلام نستأذن عليه، فسمعنا صوتا حزينا يقرأ بالعبرانية، فدخلنا عليه، وسألنا عن قاريه؟
ص: 197
فقال : ذكرت مناجاة « إيليا » فبكيت من ذلك(1) .
ويقال : لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين عليهماالسلام من العلوم ما ظهر منه ، من التفسير والكلام ، والفتيا والأحكام ، والحلال والحرام .
قال محمد بن مسلم : سألته عن ثلاثين ألف حديث(2) .
وقد روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ، ورؤساء فقهاء المسلمين .
فمن الصحابة :
نحو : جابر بن عبد اللّه الأنصاري .
ومن التابعين :
نحو : جابر بن يزيد الجعفي ، وكيسان السختاني صاحب الصوفية .
ومن الفقهاء :
نحو : ابن المبارك ، والزهري ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وزياد بن المنذر النهدي .
ومن المصنّفين :
نحو : الطبري ، والبلاذري ، والسلامي ، والخطيب في تواريخهم .
ص: 198
وفي : الموطّأ ، وشرف المصطفى ، والإبانة ، وحلية الأولياء ، وسننأبي
داود ، والألكاني ، ومسندي أبي حنيفة والمروزي ، وترغيب الإصفهاني ، وبسيط الواحدي ، وتفسير النقّاش ، والزمخشري ، ومعرفة أصول الحديث ، ورسالة السمعاني ، فيقولون : قال محمد بن علي عليهماالسلام ، وربما قالوا : قال محمد الباقر عليه السلام .
ولذلك لقّبه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بباقر العلم .
وحديث جابر مشهور معروف رواه فقهاء المدينة والعراق كلّهم .
وقد أخبرني جدّي شهرآشوب والمنتهى ابن كيابكي الحسيني بطرق كثيرة عن سعيد بن المسيّب ، وسليمان الأعمش ، وأبان بن تغلب ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة بن أعين ، وأبي خالد الكابلي :
إنّ جابر بن عبد اللّه الأنصاري كان يقعد في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ينادي : يا باقر العلم ، يا باقر العلم ، فكان أهل المدينة يقولون : جابر يهجر ، وكان يقول : واللّه ما أهجر ، ولكنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إنّك ستدرك رجلاً من أهل بيتي اسمه اسمي ، وشمائله شمائلي ، يبقر العلم بقرا ، فذاك الذي دعاني إلى ما أقول .
قال : فلقي يوما كتّابا فيه الباقر عليه السلام ، فقال : يا غلام أقبل ، فأقبل ، ثمّ قال له : أدبر ، فأدبر ، فقال : شمائل رسول اللّه صلى الله عليه و آله - والذي نفس جابر بيده - ، يا غلام ما اسمك ؟ قال : اسمي محمد ، قال : ابن من ؟ قال : ابن علي بن
ص: 199
الحسين عليهماالسلام ، فقال : يا بنيّ فدتك نفسي ، فإذا أنت الباقر ؟ قال : نعم ،فأبلغني ما حمّلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فأقبل إليه يقبّل رأسه ، وقال : بأبي أنت وأمّي ، أبوك رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقرؤك السلام ، قال : يا جابر على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما قامت السماوات والأرض ، وعليك السلام - يا جابر - بما بلّغت السلام .
قال : فرجع الباقر عليه السلام إلى أبيه - وهو ذعر - ، فأخبره بالخبر ، فقال له : يا بنيّ ، قد فعلها جابر ؟ قال : نعم ، قال : يا بنيّ الزم بيتك .
فكان جابر يأتيه طرفي النهار - وأهل المدينة يلومونه - ، فكان الباقر عليه السلام يأتيه على وجه الكرامة لصحبته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
قال : فجلس يحدّثهم عن أبيه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلم يقبلوه ، فحدّثهم عن جابر فصدّقوه ، وكان جابر - واللّه - يأتيه ويتعلّم منه(1) .
الخطيب صاحب التاريخ : قال جابر الأنصاري للباقر عليه السلام : رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمرني أن أقرئك السلام(2) .
أبو السعادات في فضائل الصحابة : إنّ جابر الأنصاري بلّغ سلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى محمد الباقر عليه السلام ، فقال له محمد بن علي عليهماالسلام : اثبت
ص: 200
وصيّتك ، فإنّك راحل إلى ربّك ، فبكى جابر ، فقال له : يا سيّدي ، وما علمك ؟! فهذا عهد عهده إليّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال له : واللّه - يا جابر - لقدأعطاني اللّه علم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة .
وأوصى جابر وصاياه(1) ، وأدركته الوفاة(2) .
وفي رواية غيره أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا جابر ، يوشك أن تبقي حتى تلقى ولدا لي من الحسين عليه السلام يقال له : « محمد » ، يبقر علم النبيّين بقرا ، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام(3) .
القتيبي في عيون الأخبار : إنّ هشاما قال لزيد بن علي عليه السلام : ما فعل أخوك البقرة ؟!!
فقال زيد : سمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله « باقر العلم » وأنت تسمّيه بقرة ؟! لشدّ ما اختلفتما إذا(4) .
قال زيد بن علي :
ثوى باقر العلم في ملحد
إمام الورى طيّب المولد
فمن لي سوى جعفر بعده
إمام الورى الأوحد الأمجد
أبا جعفر الخير أنت الإمام
وأنت المرجّى لبلوى غد
ص: 201
وقال القرطي :
يا باقر العلم لأهل التقى
وخير من لبّى على الأجبل
* * *
حمران بن أعين : قال لي أبو جعفر عليه السلام - وقد قرأت - : « لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ » ، قال : وأنتم قوم عرب ، تكون المعقّبات من بين يديه ؟
قلت : كيف تقرؤها ؟
قال : له معقّبات من خلفه ، ورقيب من بين يديه ، يحفظونه بأمر اللّه (1) .
وبلغنا أنّ الكميت أنشد الباقر عليه السلام :
مَن لقلب متيّم مستهام
فتوجّه الباقر عليه السلام إلى الكعبة ، فقال : اللّهم ارحم الكميت واغفر له - ثلاث مرّات - .
ثمّ قال : يا كميت ، هذه مائة ألف قد جمعتها من أهل بيتي ، فقال الكميت :
ص: 202
لا - واللّه - لا يعلم أحد أنّي آخذ منها حتى يكون اللّه - عزّ وجلّ - الذي يكافيني ، ولكن تكرمني بقميص من قمصك ، فأعطاه(1) .
وسأل رجل ابن عمر عن مسألة فلم يدر بما يجيبه ، فقال : اذهب إلى ذلك الغلام فاسأله ، وأعلمني بما يجيبك ، - وأشار به إلى محمد بن علي الباقر عليه السلام - ، فأتاه وسأله ، فأجابه ، فرجع إلى ابن عمر فأخبره ، فقال ابن عمر : إنّهم أهل بيت مفهّمون(2) .
ووفد عليه عمرو بن عبيد ، فسأله عن قوله تعالى : « أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالأَْرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما »، ما هذا الرتق والفتق ؟
فقال عليه السلام : [ كانت السماء ] رتقا لا تنزل القطر ، وكانت الأرض رتقا لا تخرج النبات ، فلمّا تاب اللّه على آدم أمر الأرض ، فتفجرّت أنهارا ، وأنبتت أشجارا ، وأينعت ثمارا ، وأمر السماء ، فتقطّرت بالغمام ، وأرخت عزاليها ، فكان ذلك فتقها ، فانقطع عمرو(3) .
ص: 203
وقال الأبرش الكلبي لهشام : من هذا الذي احتوشه أهل العراق ويسألونه ؟ قال : هذا نبيّ الكوفة ، وهو يزعم أنّه ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ،وباقر العلم ، ومفسّر القرآن ، فاسأله مسألة لا يعرفها .
فأتاه وقال : يا ابن علي ! قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ؟ قال : نعم ، قال : فإنّي سائلك عن مسائل ، قال : سل فإن كنت مسترشدا فستنتفع بما تسأل عنه ، وإن كنت متعنّتا فتضلّ بما تسأل عنه .
قال : كم الفترة التي كانت بين محمد صلى الله عليه و آله وعيسى عليه السلام ؟
قال : أمّا في قولنا فسبعمائة ، وأمّا في قولك فستّمائة سنة .
قال : فأخبرني عن قوله تعالى : « يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَْرْضُ غَيْرَ الأَْرْضِ » ، ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة ؟
قال : يحشر الناس على مثل فرضة(1) الأرض ، فيها أنهار متفجّرة ، يأكلون ويشربون حتى يفرغ من الحساب .
فقال هشام : قل له : ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذٍ ؟ قال : هم
ص: 204
في النار أشغل ، ولم يشغلوا عن أن قالوا : « أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ » .
قال : فأخبرني عن قول اللّه تعالى : « وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا » ، كان في أيّامه من يسأل عنه ، فيسألهم فأخبروه ؟ فأجاب عن ذلك مثل ما تقدّم من فصل الميثاق من هذا الكتاب .قال : فنهض الأبرش وهو يقول : أنت ابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله حقّا ، ثمّ صار إلى هشام ، فقال : دعونا منكم يا بني أميّة ، فإنّ هذا أعلم أهل الأرض بما في السماء والأرض ، فهذا ولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وقد روى الكليني هذه الحكاية عن نافع غلام ابن عمر ، وزاد فيه : أنّه قال له الباقر عليه السلام : ما تقول في أصحاب النهروان ؟ فإن قلت : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قتلهم بحقّ فقد ارتددت ، وإن قلت : إنّه قتلهم باطلاً فقد كفرت .
قال : فولّى من عنده وهو يقول : أنت - واللّه - أعلم الناس حقّا ، فأتى هشاما . . الخبر .
وقال أبو جعفر عليه السلام لعبد اللّه بن عباس : أنشدك اللّه ، هل في حكم اللّه اختلاف ؟ قال : لا ، قال : فما ترى في رجل ضرب أصابعه بالسيف حتى سقطت فذهبت ، فأتى رجل آخر ، فأطار كفّ يده ، فأتى به إليك - وأنت قاض - ، كيف أنت صانع ؟
قال : أقول لهذا القاطع : اعطه دية كفّ ، وأقول لهذا المقطوع : صالحه على ما شئت ، أو أبعث إليهما ذوي عدل .
ص: 205
قال : فقال عليه السلام [ له ] : جاء الاختلاف في حكم اللّه ، ونقضت القول الأوّل ، أبى اللّه أن يحدث خلقه شيئا من الحدود ، وليس تفسيره في الأرض ، اقطع يد قاطع الكفّ أوّلاً ، ثمّ اعطه دية الأصابع ، هذا حكم اللّه (1) .
الحكم بن عيينة(2) : سألته امرأة ، فقالت : إنّ زوجي مات وترك ألف درهم ، ولي عليه مهر خمسمائة درهم ، فأخذت مهري ، وأخذت ميراثي ما بقي ، ثمّ جاء رجل فادّعى عليه ألف درهم ، فشهدت بذلك على زوجي ، فجعل الحكم يحسب نصيبها .
إذ خرج أبو جعفر عليه السلام ، فأخبره بمقالة المرأة ، فقال أبو جعفر عليه السلام : أقرّت بثلث ما في يدها ، ولا ميراث لها - أي بقدر ما يصيبها من حصّته - ولا يلزم الدين كلّه(3) .
أوصى رجل بألف درهم للكعبة ، فجاء الوصي إلى مكّة وسأل ، فدلّوه إلى بني شيبة ، فأتاهم فأخبرهم الخبر ، فقالوا له : برئت ذمّتك ادفعه إلينا .
ص: 206
فقال الناس : سل أبا جعفر عليه السلام ، فسأله فقال عليه السلام : إنّ الكعبة غنيّة عن هذا ، انظر إلى من زار هذا البيت فقطع به ، أو ذهبت نفقته ، أو ضلّت راحلته ، أو عجز أن يرجع إلى أهله ، فادفعها إلى هؤلاء(1) .
أبوالقاسم الطبري الألكائي في شرح حجج أهل السنّة: أنّه قال أبوحنيفة لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام : أجلس ؟ وأبو جعفر قاعد في المسجد ، فقال أبو جعفر عليه السلام : أنت رجل مشهور ، ولا أحبّ أن تجلس إليّ .
قال : فلم يلتفت إلى أبي جعفر عليه السلام ، وجلس ، فقال لأبي جعفر عليه السلام : أنت الإمام ؟ قال : لا ، قال : فإنّ قوما بالكوفة يزعمون أنّك إمام ؟ قال : فما أصنع بهم ؟ قال : تكتب إليهم تخبرهم !
قال : لا يطيعون ، إنّما نستدلّ على من غاب عنّا بمن حضرنا ، قد أمرتُك أن لا تجلس فلم تطعني ، وكذلك لو كتبت إليهم ما أطاعوني ، فلم يقدر أبو حنيفة أن يدخل في الكلام(2) .
علي بن مهزيار عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قيل له : إنّ رجلاً تزوّج بجارية
ص: 207
صغيرة فأرضعتها امرأته ، ثمّ أرضعتها امرأة أخرى ، فقال ابن شبرمة : حرّمت عليه الجارية وامرأتاه .
فقال عليه السلام : أخطأ ابن شبرمة ، حرّمت عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أوّلاً ، فأمّا الأخيرة لم تحرم عليه ، لأنّها أرضعت لبنته(1) .
وجاءت امرأة إلى محمد بن مسلم نصف الليل ، فقالت : لي بنت عروس ضربها الطلق ، فما زالت تطلق حتى ماتت ، والولد يتحرّك في بطنها ، ويذهب ويجيء ، فما أصنع ؟
فقال : يا أمة اللّه ، سئل الباقر عليه السلام عن مثل ذلك ، فقال : يشقّ بطن الميّت ويستخرج الولد ، افعلي مثل ذلك ، يا أمة اللّه ، أنا في ستر ، من وجّهك إليّ ؟ قالت : سألت أبا حنيفة ، فقال : عليك بالثقفي ، فإذا أفتاك فأعلمينيه .
فلمّا أصبح محمد بن مسلم دخل المسجد ، رأى أبا حنيفة يسأل عن أصحابه ، فتنحنح محمد بن مسلم ، فقال : اللّهم غفرا ، دعنا نعيش(2) .
سلام بن المستنير عن أبي جعفر عليه السلام - في خبر طويل يذكر فيه خلق
ص: 208
الولد في بطن أمّه - ، قال : ويبعث اللّه ملكا يقال له : « الزاجر » فيزجره زجرة ، فيفزع الولد منها ، وينقلب ، فتصير رجلاه أسفل البطن ، ليسهّل اللّه - عزّ وجلّ - على المرأة وعلى الولد الخروج ، قال : فإن احتبس ، زجره زجرة أخرى شديدة ، فيفزع منها ، فيسقط إلى الأرض فزعا باكيامن الزجر(1) .
قال كهمس : قال لي جابر الجعفي : دخلت على أبي جعفر عليه السلام ، فقال لي : من أين أنت ؟ فقلت : من أهل الكوفة ، قال : ممّن ؟ قلت : من جعف ، قال : ما أقدمك إلى هاهنا ؟ قلت : طلب العلم ، قال : ممّن ؟ قلت : منك .
قال : إذا سألك أحد : من أين أنت ؟ فقل : من أهل المدينة ، قلت : أيحلّ لي أن أكذب ؟ قال : ليس هذا كذبا ، من كان في مدينة فهو من أهلها حتى يخرج(2) .
وسأله عليه السلام طاوس اليماني : متى هلك ثلث الناس ؟
فقال : يا أبا عبد الرحمن ، لم يمت ثلث الناس قطّ ، يا شيخ أردت أن
ص: 209
تقول : متى هلك ربع الناس ؟ وذلك يوم قتل قابيل هابيل ، كانوا أربعةً : آدم ، وحوّاء ، وهابيل ، وقابيل ، فهلك ربعهم .
قال : فأيّهما كان أبا للناس - القاتل أو المقتول - ؟
قال : لا واحد منهما ، أبوهم شيث(1) .
وسأله عن شيء قليلُه حلال وكثيره حرام - في القرآن - ؟
قال : نهر طالوت « إِلاّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ » .
وعن صلاة مفروضة بغير وضوء ، وصوم لا يحجز عن أكل وشرب ؟
فقال عليه السلام : الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله ، والصوم قوله تعالى : « إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً » .
وعن شيء يزيد وينقص ؟ فقال : القمر .
وعن شيء يزيد ولا ينقص ؟ فقال : البحر .
وعن شيء ينقص ولا يزيد ؟ فقال : العمر .
وعن طائر طار مرّة ولم يطر قبلها ولا بعدها ؟
قال : طور سيناء ، قوله تعالى : « وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ » .
وعن قوم شهدوا بالحقّ وهم كاذبون ؟
قال : المنافقون ، « قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ »(2) .
محمد بن المنكدر : رأيت الباقر عليه السلام وهو متّكى ء على غلامين أسودين ،
ص: 210
فسلّمت عليه ، فردّ عليّ على بهر - وقد تصبّب عرقا - ، فقلت : أصلحك اللّه ، لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال في طلب الدنيا ؟!
فخلّى الغلامين من يده وتساند ، وقال : لو جاءني وأنا في طاعة منطاعات اللّه ، أكفّ بها نفسي عنك وعن الناس ، وإنّما كنت أخاف اللّه لو جاءني وأنا على معصية من معاصي اللّه .
فقلت : رحمك اللّه ، أردت أن أعظك فوعظتني(1) .
وكان عبد اللّه بن نافع بن الأزرق يقول : لو عرفت أنّ بين قطريها أحدا تبلغني إليه الإبل يخصمني بأنّ عليّا قتل أهل النهروان وهو غير ظالم ، لَرحلتها إليه ، قيل له : ائت ولده محمد الباقر عليه السلام .
فأتاه فسأله ، فقال عليه السلام بعد كلام : الحمد للّه الذي أكرمنا بنبوّته ، واختصّنا بولايته ، يا معشر أولاد المهاجرين والأنصار ، مَن كان عنده منقبة في أمير المؤمنين عليه السلام فليقم فليحدّث .
فقاموا ونشروا من مناقبه ، فلمّا انتهوا إلى قوله : لأعطينّ الراية . . الخبر ، سأله أبو جعفر عليه السلام عن صحّته ؟ فقال : هو حقّ لا شكّ فيه ، ولكنّ عليّا أحدث الكفر بعد .
ص: 211
فقال أبو جعفر عليه السلام : أخبرني عن اللّه أحبّ علي بن أبي طالب عليهماالسلام يوم أحبّه وهو يعلم أنّه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم ؟ إن قلت ، لا ، كفرت ، فقال : قد علم .
قال : فأحبّه على أن يعمل بطاعته ، أو على أن يعمل بمعصيته ؟ قال : على أن يعمل بطاعته ، فقال أبو جعفر عليه السلام : قم مخصوما .
فقام وهو يقول : « حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَْبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَْسْوَدِ » ، « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ »(1) .
وفي حديث نافع بن الأزرق م أنّه سأل الباقر عليه السلام عن مسائل ، منها : قوله تعالى : « وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ » ، مَن الذي يسأل محمد ؟ وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة .
قال : فقرأ أبو جعفر عليه السلام : « سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً » ، ثمّ ذكر
اجتماعه بالمرسلين والصلاة بهم(2) .
وتكلّم بعض رؤساء الكيسانية مع الباقر عليه السلام في حياة محمد بن الحنفية ، قال له : ويحك ما هذه الحماقة ، أنتم أعلم به أم نحن ؟ قد حدّثني أبي علي بن الحسين عليهماالسلام أنّه شهد موته وغسله وكفنه والصلاة عليه وإنزاله في القبر .
ص: 212
فقال : شبّه على أبيك كما شبّه عيسى بن مريم على اليهود !
فقال له الباقر عليه السلام : أفتجعل هذه الحجّة قضاءا بيننا وبينك ؟
قال : نعم .
قال : أرأيت اليهود الذين شبّه عيسى عليه السلام عليهم كانوا أولياءه أو أعداءه ؟ قال : بل كانوا أعداءه .
قال : فكان أبي عدوّ محمد بن الحنفية فشبّه له ؟ قال : لا ، وانقطع ورجع عمّا كان عليه(1) .
وجاءه رجل من الشام وسأله عن بدو خلق البيت ؟
فقال عليه السلام : إنّ اللّه - تعالى - لمّا قال للملائكة : « إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً » ، فردّوا عليه بقولهم : « أَتَجْعَلُ فِيها » ، وساق الكلام إلى قوله : « وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ » ، فعلموا أنّهم وقعوا في الخطيئة ، فعاذوا بالعرش ، فطافوا حوله سبعة أشواط يسترضون ربّهم - عزّ وجلّ - ، فرضي عنهم وقال لهم : اهبطوا إلى الأرض فابنوا لي بيتا يعوذ به مَن أذنب من عبادي ، ويطوف حوله كما طفتم حول عرشي ، فأرضى عنهم كما رضيت عنكم ، فبنوا هذا البيت .
فقال له الرجل : صدقت يا أبا جعفر ، فما بدو هذا الحجر ؟
ص: 213
قال : إنّ اللّه - تعالى - لمّا أخذ ميثاق بني آدم أجرى نهرا أحلى من العسل وألين من الزبد ، ثمّ أمر القلم فاستمدّ من ذلك النهر ، وكتب إقرارهم ، وما هو كائن إلى يوم القيامة ، ثمّ ألقم ذلك الكتاب هذا الحجر ، فهذا الاستلامالذي ترى إنّما هو بيعة على إقرارهم ، وكان أبي إذا استلم الركن قال : اللّهم أمانتي أدّيتها ، وميثاقي تعاهدته ، ليشهد لي عندك بالوفاء .
فقال الرجل : صدقت يا أبا جعفر ، ثمّ قام .
فلمّا ولّى قال الباقر عليه السلام لابنه الصادق عليه السلام : اردده عليّ ، فتبعه إلى الصفا ، فلم يره ، فقال الباقر عليه السلام : أراه الخضر(1) .
وسأل محمد بن مسلم أبا جعفر عليه السلام : لأيّ شيء صارت الشمس أشدّ حرارة من القمر ؟ فقال : إنّ اللّه - تعالى - خلق الشمس من نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا ؛ حتى إذا كانت سبعة أطباق ألبسها لباسا من نار ، فمِن ثمّ كانت أشدّ حرارة ، وخلق القمر من نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا ؛ حتى صارت سبعة أطباق ، وألبسها لباسا من ماء ، فمن ثمّ صار القمر أبرد من الشمس(2) .
ص: 214
أبو بكر بن دريد الأزدي بإسناد له ، وعن الحسن بن علي الناصر بن الحسن بن علي بن عمر بن علي ، وعن الحسين بن علي بن جعفر بن موسىبن جعفر عن آبائه ، كلّهم عن الصادق عليه السلام ، قال : لمّا أشخص أبي محمد بن علي عليهماالسلام إلى دمشق سمع الناس يقولون : هذا ابن أبي تراب !
قال : فأسند ظهره إلى جدار القبلة ، ثمّ حمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على النبي صلى الله عليه و آله ، ثمّ قال :
اجتنبوا أهل الشقاق ، وذرّية النفاق ، وحشو النار ، وحصب جهنّم عن البدر الزاهر ، والبحر الزاخر ، والشهاب الثاقب ، وشهاب المؤمنين ، والصراط المستقيم ، « مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ » يلعنوا « كَما » لعن « أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً » .
ثمّ قال بعد كلام : أبصنو رسول اللّه صلى الله عليه و آله تستهزؤون ؟! أم بيعسوب الدين تلمزون ؟! وأيّ سبل بعده تسلكون ؟ وأيّ حزن بعده تدفعون ؟
هيهات ، هيهات ، برز - واللّه - بالسبق ، وفاز بالخصل ، واستوى على الغاية ، وأحرز على الخطاب(1) ، فانحسرت عنه الأبصار ، وخضعت دونه الرقاب ، وقرع الذروة العليا ، فكذب من رام من نفسه السعي ، وأعياه الطلب « وَأَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ » ؟
ص: 215
وقال :
أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكم
من اللوم أو سدّوا المكان الذي سدّوا
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا
وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا
* * *
فأنّى يسدّ ثلمة أخي رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ شفعوا(1) ، وشقيقه إذ نسبوا ، ونديده(2) إذ قتلوه ، وذي قرني(3) كنزها إذ فتحوا ، ومصلّي القبلتين إذ تحرّفوا ، والمشهود له بالإيمان إذ كفروا ، والمدعي لنبذ عهد المشركين إذ نكلوا ، والخليفة على المهاد ليلة الحصار إذ جزعوا ، والمستودع الأسرار ساعة الوداع(4) . . إلى آخر كلامه .
الجاحظ في كتاب البيان والتبيين ، قال : قد جمع محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام صلاح حال الدنيا بحذافيرها في كلمتين :
ص: 216
صلاح شأن جميع المعائش والتعاشر ، مل ء مكيال ، ثلثاه فطنة ، وثلث تغافل(1) .
حلية الأولياء : قال عبد اللّه بن عطاء المكّي : ما رأينا العلماء عند أحد أصغر منهم عند أبي جعفر عليه السلام - يعني الباقر عليه السلام - ، ولقد رأيت الحكم بن عيينة مع جلالته وسنّه عنده كأنّه صبيّ بين يدي معلّم يتعلّم منه(2) .
علل الشرائع عن القمّي : القزويني : سئل الباقر عليه السلام عن علّة حسن الخلق وسوئه ؟ فقال : إنّ اللّه - تعالى - أنزل حوراء من الجنّة إلى آدم عليه السلام ، فزوّجها
من أحد بنيه ، وتزوّج الآخر إلى الجانّ ، فولدتا جميعا ، فما كان للناس جمال وحسن الخلق ، فهو من الحوراء ، وما كان فيهم من سوء خلق ، فمن بنت الجانّ ، وأنكر أن يكون بنوه(3) من بناته(4) . رواه ابن بابويه في المقنع(5) .
ص: 217
وسئل عليه السلام : إنّه وجد في جزيرة بيضا كثيرا ، فقال : كلْ ما اختلف طرفاه ، ولا تأكل ما استوى طرفاه(1) .
وسأله محمد بن مسلم : لمَ لا تورث المرأة عمّن يتمتّع بها ؟ قال : لأنّها مستأجرة(2) .
قال : ولم جعل البيّنة في النكاح ؟ قال : من أجل المواريث(3) .
وسأله علي بن محمد بن القاسم العلوي عن آدم عليه السلام حيث حجّ بمَ حلق رأسه ؟ ومَن حلقه ؟
قال : نزل جبرئيل عليه السلام عليه بياقوتة من الجنّة ، فأمرها على رأسه ، فتناثر شعره(4) .
ص: 218
وسأله أبو عبد اللّه القزويني عن غسل الميّت والصلاة عليه وغسل غاسله ؟
قال : يغسّل الميّت لأنّه يخبث ؛ ولتلاقيه الملائكة وهم طاهرون ، فكذلك الغاسل لتلاقيه المؤمنون(1) ، وعلّة الصلاة عليه ليشفع له وليطلباللّه فيه .
وسأله عن علّة الوتيرة ؟
قال : لأنّ اللّه - تعالى - فرض سبع عشرة ركعة ، وأضاف رسول اللّه صلى الله عليه و آله
إليها مثليها ، فصارت إحدى وخمسين(2) .
وسأله عليه السلام أبو بكر الحضرمي عن تكبير صلاة الميّت ؟
فقال عليه السلام : أخذت الخمس مِن الخمس صلوات ، من كلّ صلاة تكبيرة(3) .
ص: 219
أبو جعفر القمّي « في من لا يحضره الفقيه » عن الباقر عليه السلام - في خبر طويل - : كان النساء في زمن نوح إنّما تحيض المرأة في كلّ سنة حيضة ؛ حتى أنّ سبعمائة امرأة جلسن مع الرجال وشهدن الأعياد ، فرماهنّ اللّه بالحيض عند ذلك في كلّ شهر ، فأخرجن من بين الرجال .فتزوّج بنو اللاتي يحضن في كلّ شهر حيضة بنات اللاتي يحضن في كلّ سنة حيضة ؛ فامتزج القوم ، فحضن بنات هؤلاء وهؤلاء في كلّ شهر حيضة ، فكثر أولاد اللاتي يحضن في كلّ شهر - لاستقامة الحيض - وقلّ أولاد اللاتي لا يحضن إلاّ حيضة في السنة - لفساد الدم - ، قال : فكثر نسل هؤلاء وقلّ نسل أولئك(1) .
علل الشرائع عن ابن بابويه : قال الباقر عليه السلام : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله لا يأكل الكليتين - من غير تحريمهما - ، لقربهما من البول(1) .
قال أبو هاشم الجعفري(2) :يا آل أحمد كيف أعدل عنكم
أعن السلامة والنجاة أحول
ذخر الشفاعة جدّكم لكبائري
فيها على أهل الوعيد أصول
شغلي بمدحكم وغيري عنكم
بعدوّكم ومديحه مشغول
* * *
وقال الصاحب :
العدل والتوحيد مذهبي الذي
يزهى به الإيمان والإسلام
وولايتي لمحمد ولآله
ديني وحصن الدين ليس يرام
فهناك حبل اللّه مظفور القوى
وعليه من سرّ القضاء ختام
حيث المبلّغ جبرئيل وصحفه
التنزيل فيه وعلمه الأحكام
والعلم غضّ عندهم بطراوة ال
وحي الوحيّ كأنّه إلهام
* * *
ص: 221
وقال مالك :
إذا طلب الناس علم القرآ
ن كانت قريش عليه عيالا
وإن قيل أين ابن بنت النب-
-ي نلت بذلك فرعا طوالا
نجوم تهلّل للمدلجين
جبال تورث علما جبالا
* * *
ص: 222
ص: 223
ص: 224
المدائني بالإسناد عن جابر الجعفي ، قال :
قال الباقر عليه السلام : نحن ولاة أمر اللّه ، وخزّان علم اللّه ، وورثة وحي اللّه ، وحملة كتاب اللّه ، طاعتنا فريضة ، وحبّنا إيمان ، وبغضنا كفر ، محبّنا في الجنّة ، ومبغضنا في النار(1) .
وقال معروف بن خربوذ : سمعته عليه السلام يقول : إنّ خبرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد امتحن اللّه قلبه للإيمان(2) .
وكان عليه السلام يقول : بليّة الناس علينا عظيمة ، إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا ، وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا(3) .
ص: 225
وقال عليه السلام : نحن أهل بيت الرحمة ، وشجرة النبوة ، ومعدن الحكمة ، وموضع الملائكة ، ومهبط الوحي(1) .
خيثمة ، قال : سمعت الباقر عليه السلام يقول : نحن جنب اللّه ، ونحن حبل اللّه ، ونحن من رحمة اللّه على خلقه ، ونحن الذين بنا يفتح اللّه وبنا يختم اللّه ، نحن
أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، ونحن الهدى ، ونحن العلم المرفوع لأهل الدنيا ، ونحن السابقون ، ونحن الآخرون ، من تمسّك بنا لحق ، ومن تخلّف عنّا غرق ، نحن قادة الغرّ المحجّلين ، ونحن حرم اللّه ، ونحن الطريق والصراط المستقيم إلى اللّه - عزّ وجلّ - ، ونحن من نعم اللّه على خلقه ، ونحن المنهاج ، ونحن معدن النبوّة ، ونحن موضع الرسالة ، ونحن أصول الدين ، وإلينا تختلف الملائكة ، ونحن السراج لمن استضاء بنا ، ونحن السبيل لمن اقتدى بنا ، ونحن الهداة إلى الجنّة ، ونحن عرى الإسلام ، ونحن الجسور ، ونحن القناطر ، من مضى علينا سبق ، ومن تخلّف عنّا محق ، ونحن السنام الأعظم ، ونحن من الذين بنا يصرف اللّه عنكم العذاب ، مَن أبصر بنا وعرفنا وعرف حقّنا وأخذ بأمرنا فهو منّا(2) .
ص: 226
عمرو بن دينار وعبد اللّه بن عبيد بن عمير : قال سفيان : ما لقينا أبا جعفر عليه السلام إلاّ وحمل إلينا النفقة والصلة والكسوة ، فقال : هذه معدّة لكم قبل أن تلقوني(1) .
سليمان بن قرم قال : كان أبو جعفر عليه السلام يجيزنا بالخمسمائة إلى الستّمائة إلى الألف درهم(2) .
وقال له نصراني : أنت بقر ! قال : أنا باقر ، قال : أنت ابن الطبّاخة ! قال : ذاك حرفتها ، قال : أنت ابن السوداء الزنجية البذيّة ، قال : إن كنت صدقت غفر اللّه لها ، وإن كنت كذبت غفر اللّه لك .
قال : فأسلم النصراني .
وقال لكثير : امتدحت عبد الملك ؟ فقال : ما قلت له : يا إمام الهدى ،
ص: 227
وإنّما قلت : يا أسد - والأسد كلب - ، ويا شمس - والشمس جماد - ، ويا بحر - والبحر موات - ، ويا حيّة - والحية دويبة منتنة - ، ويا جبل - وإنّما هوحجر أصم - .
قال : فتبسّم(1) عليه السلام .
وشكا الحسن بن كثير إليه الحاجة ، فقال : بئس الأخ أخا يرعاك غنيّا ويقطعك فقيرا ، ثمّ أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم ، فقال :استنفق هذه ، فإذا نفدت فاعلمني(1) .
هشام بن معاذ في حديثه ، قال : لمّا دخل المدينة عمر بن عبد العزيز ، قال مناديه : من كانت له مظلمة وظلامة فليحضر ، فأتاه أبو جعفر الباقر عليه السلام ، فلمّا رآه استقبله وأقعده مقعده ، فقال عليه السلام :
إنّما الدنيا سوق من الأسواق يبتاع فيها الناس ما ينفعهم وما يضرّهم ، وكم قوم ابتاعوا ما ضرّهم ، فلم يصبحوا حتى أتاهم الموت ، فخرجوا من الدنيا ملومين لمّا لم يأخذوا ما ينفعهم في الآخرة ، فقسّم ما جمعوا لمن لم يحمدهم ، وصاروا إلى من لا يعذّرهم .
فنحن - واللّه - حقيقون أن ننظر إلى تلك الأعمال التي نتخوّف عليهم منها ، فكفّ عنها واتّق اللّه ، واجعل في نفسك اثنتين : إلى ما تحبّ أن يكون معك - إذا قدمت على ربّك - ، فقدّمه بين يديك ، وانظر إلى ما تكره أن يكون معك - إذا قدمت على ربّك - ، فارمه ورائك ، ولا ترغبنّ في سلعة
ص: 229
بارت على من كان قبلك ، فترجو أن يجوز عنك ، وافتح الأبواب ، وسهّل الحجاب ، وانصف المظلوم ، وردّ الظالم .
ثلاثة من كنّ فيه استكمل الإيمان باللّه : من إذا رضي لم يدخله رضاه فيباطل ، ومن إذا غضب لم يخرجه غضبه من الحقّ ، ومن إذا قدر لم يتناول ما ليس له .
فدعا عمر بداوة وبياض وكتب : « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » هذا ما ردّ عمر بن عبد العزيز ظلامة محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم بفدك(1) .
بكر بن صالح : إنّ عبد اللّه بن المبارك(2) أتى أبا جعفر عليه السلام ، فقال : إنّي رويت عن آبائك عليهم السلام : إنّ كلّ فتح بضلال فهو للإمام ، فقال : نعم ، قلت : جعلت فداك ، فإنّهم أتوا بي من بعض فتوح الضلال ، وقد تخلّصت ممّن ملكوني بسبب ، وقد أتيتك مسترقّا مستعبدا ، قال عليه السلام : قد قبلت .
فلمّا كان وقت خروجه إلى مكّة قال : مذ حججت فتزوّجت ، ومكسبي ممّا يعطف على إخواني لا شيء لي غيره ، فمُرني بأمرك ، فقال عليه السلام : انصرف إلى بلادك وأنت من حجّك وتزويجك وكسبك في حلّ .
ص: 230
ثمّ أتاه بعد ستّ سنين ، وذكر له العبودية التي ألزمها نفسه ، فقال : أنت حرّ لوجه اللّه تعالى ، فقال : اكتب لي به عهدا .
فخرج كتابه : « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » ، هذا كتاب محمد بن عليالهاشمي العلوي لعبد اللّه بن المبارك فتاه ، إنّي أعتقك لوجه اللّه والدار الآخرة ، لا ربّ لك إلاّ اللّه ، وليس عليك سيّد ، وأنت مولاي ، ومولى عقبي من بعدي .
وكتب في المحرّم سنة ثلاث عشرة ومائة ، ووقّع فيه محمد بن علي بخطّ يده ، وختمه بخاتمه(1) .
ويقال : إنّه هاشمي من هاشميّين ، وعلويّ من علويّين ، وفاطمي من فاطميّين ؛ لأنّه أوّل ما اجتمعت له ولادة الحسن والحسين عليهماالسلام .
وكانت أمّه أمّ عبد اللّه بنت الحسن بن علي(2) .
وكان أصدق الناس لهجة ، وأحسنهم بهجة ، وأبذلهم مهجة .
الوشّاء : سمعت الرضا عليه السلام يقول : إنّ لكلّ إمام عهدا في أعناق أوليائه
ص: 231
وشيعته ، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم ، فمَن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا لما رغّبوا فيه ، كانت أئمّته شفعاؤه يوم القيامة(1) .
أبو خالد البرقي في كتاب الشعر والشعراء : إنّ الباقر عليه السلام تمثّل :
وأطرق إطراق الشجاع ولو يرى
مساغا لنابيه الشجاع لصمما
* * *
قال الحميري :
أينهونني عن حبّ آل محمد
وحبّهم ممّا به أتقرّب
وحبّهم مثل الصلاة وإنّه
على الناس من كلّ الصلاة لأوجب
هم أهل بيت أذهب الرجس عنهم
وصفّوا من الأدناس طرّا وطيّبوا
هم أهل بيت ما لمن كان مؤمنا
من الناس عنهم بالولاية مذهب
* * *
وقال الجماني :
يا آل حم الذين بحبّهم
حكم الكتاب منزّلاً تنزيلا
كان المديح حلي الملوك وكنتم
حلل المدائح غرّة وحجولا
ص: 232
بيت إذا عدّ المآثر أهله
عدّوا النبي وثانيا جبريلا
قوم إذا اعتدلوا الحمائل أصبحوا
متقسّمين خليفة ورسولا
نشاؤوا بآيات الكتاب فما انثنوا
حتى صدرن كهولة وكهولا
ثقلان لن يتفرّقا أو يطفيا
بالحوض من ظمأ الصدور غليلا
وخليفتان على الأنام بقوله
الحقّ أصدق من تكلّم قيلا
فأتوا أكفّ الآيسين فأصبحوا
ما يعدلون سوى الكتاب عديلا
* * *
وقال ابن المولى الأنصاري :
رهطه واضح برهط أبي القاسم
رهط اليقين والإيمان
هم ذووالنور والهدى وأولوالأمر
وأهل الفرقان والبرهان
معدن الحقّ والنبوّة والعدل
إذا ما تنازع الخصمان
* * *
وقال عبد المحسن(1) :
فهم عدّتي لوفائي هم
نجاتي هم الفوز للفائزينا
هم مورد الحوض للواردين
هم عروة الدين للواثقينا
هم عون من طلب الصالحات
فكم لمحبّهم مستعينا
ص: 233
هم حجّة اللّه في أرضه
وإن جحدوا الحجّة الجاحدونا
هم عروة الدين للواثقينا
هم الناطقون هم الصادقونا
هم وارثون علوم الرسل
فما بالهم لهم وارثونا
* * *
ص: 234
ص: 235
ص: 236
اسمه : محمد .
وكنيته : أبو جعفر ، لا غير .
ولقبه : باقر العلم ، والشاكر للّه ، والهادي ، والأمين(1) ، والشبيه ، لأنّه كان يشبه رسول اللّه (2) صلى الله عليه و آله .
وكان ربع القامة ، دقيق البشرة ، جعد الشعر ، أسمر ، له خال على خدّه ، وخال أحمر في جسده ، ضامر الكشح ، حسن الصوت ، مطرق الرأس .
أمّه : فاطمة - أمّ عبد اللّه - بنت الحسن عليه السلام ، ويقال : أمّه أم عبده بنت الحسن بن علي عليه السلام(3) .
ص: 237
ولد بالمدينة يوم الثلاثاء ، - وقيل : يوم الجمعة - ، غرّة رجب ، وقيل : الثالث من صفر سنة سبع وخمسين من الهجرة(1) .
وقبض بها في ذي الحجّة ، ويقال : في شهر ربيع الآخر سنة أربع عشرة ومائة . وله يومئذٍ سبع وخمسون سنة مثل عمر أبيه وجدّه(2) .
وأقام مع جدّه الحسين عليه السلام ثلاث سنين ، أو أربع سنين ، ومع أبيه علي عليه السلام أربعا وثلاثين سنة وعشرة أشهر ، أو تسعا وثلاثين سنة ، وبعد أبيه تسع عشرة سنة ، وقيل : ثماني عشرة ، وذلك أيّام(3) إمامته(4) .
وكان في سنيّ إمامته ملك الوليد بن يزيد ، وسليمان ، وعمر بن عبد العزيز ، ويزيد بن عبد الملك ، وهشام(5) - أخوه - ، والوليد بن يزيد ، وإبراهيم - أخوه - ، وفي أوّل ملك إبراهيم قبض(6) .
وقال أبو جعفر بن بابويه : سمّه إبراهيم بن الوليد بن يزيد(7) .
وقبره ببقيع الغرقد(8) .
ص: 238
أولاده سبعة : جعفر عليه السلام الإمام - وكان يكنّى به - ، وعبد اللّه الأفطح منأمّ فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وعبد اللّه وإبراهيم من أمّ حكيم بنت أسد الثقفية ، وعلي وأمّ سلمة وزينب من أمّ ولد .
ويقال : زينب لأمّ ولد أخرى .
ويقال : له ابنة واحدة - وهي أمّ سلمة - .
ومن أصحابه : حمران بن أعين الشيباني ، وإخوته : بكر ، وعبد الملك ، وعبد الرحمن ، ومحمد بن إسماعيل بن بزيغ ، وعبد اللّه بن ميمون القدّاح ،ومحمد بن مروان الكوفي - من ولد أبي الأسود - ، وإسماعيل بن الفضل الهاشمي - من ولد نوفل بن الحارث - ، وأبو هارون المكفوف ، وطريف بن ناصح - بيّاع الأكفان - ، وسعيد بن طريف الإسكاف الدؤلي ، وإسماعيل بن جابر الخثعمي الكوفي ، وعقبة بن بشير الأسدي ، وأسلم المكّي - مولى ابن الحنفية - ، وأبو بصير ليث بن البختري المرادي ، والكميت بن زيد الأسدي ، وناجية بن عمّار الصيداوي ، ومعاذ بن مسلم الفراء النحوي ، وكثير الرجال(1)(2) .
ومن رواة النصّ عليه من أبيه : إسماعيل بن محمد بن عبد اللّه بن علي بن الحسين ، وزيد بن علي عليه السلام ، وعيسى عن جدّه ، والحسين بن أبي العلاء(3) .
ص: 240
ولمّا حضرت زين العابدين عليه السلام الوفاة ، قال : يا محمد ، احمل هذا الصندوق . فلمّا توفّي جاء إخوته يدّعون فيه ، فقال الباقر عليه السلام : واللّه ، ما لكم فيه شيء ، ولو كان لكم شيء لما دفعه إليّ - وكان في الصندوق سلاح رسول اللّه (1) صلى الله عليه و آله - .
والذي يدلّ على إمامته : ما ثبت من وجوب الإمامة ، وكون الإمام معصوما ومنصوصا عليه ، وأنّ الحقّ لا يخرج من بين الأمّة(2) .
وفي النكت : إنّ الأصول خمسة ، والأشباح خمسة ، والصلوات خمس ، والعبادات خمس ، والحمد خمس ، والأصابع خمس ، والأسابيع خمسة ، والحواسّ خمسة ، وعلم التصريف مبنيّ على خمس : زيادة وحذف وتغيير بحركة وسكون وإبدال وإدغام ، والباقر عليه السلام خامس الأئمّة عليهم السلام .
وميزان محمد الباقر في الحساب هو : جواد زاهد معصوم ، لاستوائهما في أربعمائة وستّ وعشرين .
ص: 241
قال أبو نواس :
فهو الذي قدّم اللّه العلي له
أن لا يكون له في فضله ثان
فهو الذي امتحن اللّه القلوب به
عمّا تجمجمن(1) من كفر وإيمان
وإنّ قوما رجوا إبطال حقّكم
أمسوا من اللّه في سخط وعصيان
لن يدفعوا حقّكم إلاّ بدفعهم
ما أنزل اللّه من آي وقرآن
فقلّدوها لأهل البيت إنّهم
صنو النبي وأنتم غير صنوان
* * *
وقال منصور :
وما أخل وصيّ الأوصياء به
محمد بن علي نوره الصدع
ذرّية بعضها من بعضٍ اصطنعت
فالحقّ ما صنعوا والحقّ ما شرعوا
يا ابن الأئمّة من بعد النبي ويا
بن الأوصياء أقرّ الناس أم دفعوا
إنّ الخلافة كانت إرث والدكم
من دون تيم وعفو اللّه متّسع
* * *
وقال أبو هريرة :
أبا جعفر أنت الإمام أحبّه
وأرضى الذي ترضى به وأتابع
أتانا رجال يحملون عليكم
أحاديث قد ضافت بهنّ الأضالع
* * *
وقال الحميري :
وإذا وصلت بحبل آل محمد
حبل المودّة منك فابلغ وازدد
ص: 242
بمطهّر لمطهّرين أبوة
نالوا العلى ومكارم لم تنفد
أهل التقى وذوي النهى وأولي العلى
والناطقين عن الحديث المسند
الصائمين القائمين القانتين
العائفين بني الحجى والسؤدد
الراكعين الساجدين الحامدين
السابقين إلى صلاة المسجد
القانتين الراتقين السابحين
العابدين إلههم بتودّد
الواهبين المانعين القادرين
القاهرين لحاسد المتحسّد
* * *
وله أيضا :
جعلت آل الرسول لي سببا
أرجو نجاتي به من العطب
على مَ ألحى على مودّة من
جعلتهم عدّة لمنقلبي
لو لم أكن قائلاً بحبّهم
أشفقت من بغضهم على نسبي
* * *
وقال ابن حمّاد :
يا آل طه حبّكم لم يزل
فرضا علينا واجبا لازما
من لقي اللّه بلا حبّكم
خلّده اللّه لظى راغما
خاب ولو صلّى على رأسه
وقطّع الدهر معا صائما
من مثلكم واللّه لولاكم
لما برا حوّا ولا آدما
شرّفكم في الخلق حتى لقد
صيّر جبريل لكم خادما
* * *
ص: 243
وله أيضا :
آل النبي الذي ترجى شفاعته
يوم القيامة والنيران تشتعل
يوم الجزاء وما قدّمت من عمل
على محبّة أهل البيت متّكل
هم الشموس بها الأقمار مشرقة
هم البدور منيرات وقد كملوا
هم البحار بها الأمواج طامية
والناس محتاج ماء ما لهم نهل
الأسد إن ركبوا والدرّ إن خطبوا
والشرك قد غلبوا والوحي قد نقلوا
لولاهم لم يكن شمس ولا قمر
ولا سماء ولا سهل ولا جبل
* * *
وقال ابن رزيك :
يا عروة الدين المتين
وبحر علم العارفينا
يا قبلة للأولياء
وكعبة للطائفينا
من أهل بيت لم يزالوا
في البريّة محسنينا
التائبين العابدين
الصائمين القائمينا
العالمين الحافظين
الراكعين الساجدينا
يا من إذا نام الورى
باتوا قياما ساهرينا
* * *
ص: 244
ص: 246
ص: 247
ص: 248
الحمد للّه الذي لم يزل عزيرا ، ولا يزال منيعا ، الرحمن الذي كان لدعاء المضطرّ مجيبا سميعا ، الرحيم الذي ستر على العاصي قولاً قبيحا وفعلاً شنيعا ، أقنى العبد عاصيا كان أو مطيعا ، وبذكره شرّف عباده شريفا كان أو وضيعا ، فنصب لأجلنا محمدا صلى الله عليه و آله شفيعا ، وأعطاه منزلاً رفيعا ، وأنزل عليه كتابا كريما وإماما بديعا ، وأمر بالاعتصام به وبآله فقال : « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً » .
أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام : نحن واللّه الذي قال : « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً »(1) .
أبو الصباح الكناني ، قال : نظر الباقر عليه السلام إلى الصادق عليه السلام فقال :
ص: 249
هذا - واللّه - من الذين قال اللّه : « وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ »(1) ، الآية .
الصادق عليه السلام في قوله : « هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ » : نحن الذين يعلمون ، وعدوّنا الذين لا يعلمون ، وشيعتنا أولوا الألباب(2) .
رواه سعد والنضر بن سويد عن جابر عن أبي جعفر(3) عليه السلام .
عمّار بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله : « إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لأُِولِي النُّهى » ، فقلت : ما معنى ذلك ؟
قال : ما أخبر اللّه - عزّ وجلّ - به رسوله صلى الله عليه و آله ممّا يكون من بعده - يعني
ص: 250
أمر الخلافة - ، وكان ذلك كما أخبر اللّه رسوله صلى الله عليه و آله ، وكما أخبر رسوله صلى الله عليه و آله عليّا عليه السلام ، وكما انتهى إلينا من علي عليه السلام ممّا يكون بعده من الملك .
ثمّ قال - بعد كلام - : نحن الذين انتهى إلينا علم ذلك كلّه ، ونحن قوّام اللّه على خلقه ، وخزنة علم دينه(1) . . الخبر .
يحيى بن عبد اللّه بن الحسن عن الصادق عليه السلام : « وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا » ، الآية ، قال : نحن هم .
أبو حمزة عن الباقر عليه السلام ، وضريس الكناسي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : « كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ » ، قال : نحن الوجه الذي يؤتى اللّه
منه(2) .
وعن أبي عبد اللّه عليه السلام : في قوله تعالى : « حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِْيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي
ص: 251
قُلُوبِكُمْ » يعني أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، « وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَوَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ » بغضنا لمن خالف رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخالفنا(1) .
تفسير العيّاشي بإسناده عن أبي الصباح الكناني : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : نحن قوم فرض اللّه طاعتنا ، لنا الأنفال ، ولنا صفو المال ، ونحن الراسخون في العلم ، ونحن المحسودون الذين قال اللّه في كتابه : « أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ »(2) .
كتاب ابن عقدة : قال الصادق عليه السلام للحصين بن عبد الرحمن : يا حصين ، لا تستصغر مودّتنا ، فإنّها من الباقيات الصالحات ، قال : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ما أستصغرها ، ولكن أحمد اللّه عليها(3) .
تفسير علي بن إبراهيم : قال الصادق عليه السلام في قوله « إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ
ص: 252
لِلْمُتَوَسِّمِينَ » : نحن المتوسّمون ، والسبيل فينا مقيم ، والسبيل طريق الجنّة(1) .
وروى هذا المعنى بيّاع الزطّي ، وأسباط بن سالم ، وعبد اللّه بن سليمان عن الصادق(2) عليه السلام .
ورواه محمد بن مسلم وجابر عن الباقر عليه السلام .
وسأله داود : هل تعرفون محبّيكم من مبغضيكم ؟ قال : نعم يا داود ، لا يأتينا مَن يبغضنا إلاّ نجد بين عينيه مكتوبا : « كافر » ، ولا من محبّينا إلاّ نجد بين عينيه : « مؤمن » ، وذلك قول اللّه تعالى : « إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » ، فنحن المتوسّمون يا داود(3) .
قرأ أبو عبد اللّه عليه السلام قوله : « وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً » ، ثمّ أومأ إلى صدره فقال : نحن - واللّه - ذرّية رسول اللّه (4) صلى الله عليه و آله .
أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الموسوي : قال الصادق عليه السلام : نحن - واللّه - الشجرة المنهي عنها .
ص: 253
وبيان مقاله عليه السلام :
إنّه لمّا أمر اللّه الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام ، فسجدت الملائكة والنجموالشجر والحجر والمدر ، فلمّا نظر إبليس أن لا يسجد الأشباح ، وأنّ اللّه نزّهها أن نسجد إلاّ له ، امتنع من السجود ؛ فنودي « أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ » ؟
فالخطاب يدلّ على ماضٍ ؛ لأنّ المعقول يدلّ على أنّ الأرض لم يكن فيها خلق عالٍ ، فيقاس(1) به إبليس في السجود ، فيكون مستأنفا منه العالون على جميع خلقه ، فحسده إبليس .
وسأل آدم عليه السلام : مَن هؤلاء الذين أكرمتهم عليّ ؟ قال : خلق من أجلهم خلقتك ، ولولاهم ما خلقت الجنّ والإنس ، فقال : يا ربّ أفمن ذرّيتي أم من غيرها ، فنودي : بل من ذريّتك .
إنّ المفهوم من اللغة : هم « الكلمة الطيّبة » التي مثّلهم اللّه بها ، ونهى آدم عليه السلام عنها ، ولا يجوز أن تكون الكلمة في نبي للمثل لقوله(2) « فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ » ، جمع شجرة ، كما أنّ الكلام جمع كلمة ، فلمّا أن هبط آدم عليه السلام استوحش ، فألهمه اللّه الكلمات فتلقّاها ، فتاب عليه(3) .
ص: 254
وممّا يدلّ على إمامته : اعتبار العصمة والقطع عليها ، وزيد بن علي لميكن مقطوعا على عصمته ، ولا منصوصا عليه(1) .
ويستدلّ أيضا بأنّ الإمام يجب أن يكون عالما بجميع أحكام الشريعة ، ولا خلاف في أنّ كلّ من يدّعى له الإمامة لم يكن عالما بها ، وثبت من الطريقين المختلفين أنّه منصوص عليه(2) .
واعلم أنّه :
يشتق من اسم الفاعل واسم المفعول ستّة ستّة ، والجهات ستّة ، وعلاّقة الميزان ستّة ، خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام ، وأولوا العزم من الرسل ستّة : آدم(3) ! ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام ، وجبريل سادس أهل العباء ، وقال اللّه تعالى : « وَلا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سادِسُهُمْ » .
وجعفر الصادق عليه السلام سادس الأئمّة .
ص: 255
جعفر الصادق عليه السلام ميزانه من الحساب : الإمام المطلوب للمؤمنوالمنافق ، لاتّفاقهما في تسع وثمانين وخمسمائة .
قال الحماني :
هم فتية كسيوف الهند طال بهم
على المطاول آباء مناجيد
قوم لماء المعالي في وجوههم
عند التكرّم تصويب وتصعيد
يدعون أحمد إن(1) جدّ الفخار أبا
والعود ينبت في أفنانه العود
والمنعمون إذا ما لم يكن نعم
والرائدون إذا قلّ المواريد
أوفوا من المجد والعلياء في فلك
شمّ قواعدهنّ البأس والجود
سبط الأكفّ إذا شيمت مخايلهم
أسد اللقاء إذا صدّ الصناديد
هم المطاف إذا طافوا بكعبته
فشرّفت بهم منه القواعيد
محسّدون ومن يعقد بحبّهم
حبل المودّة يضحى وهو محسود
* * *
وقال القاضي :
لمثل علاكم ينتهي المجد والفخر
وعند نداكم يخجل الغيث والبحر
وعمر سواكم في الورى مثل يومكم
إذا ما علا قدر ويومكم غمر
ص: 256
ملكتم لا عدوى حكمتم ولا هوى
علمتم ولا دعوى عملتم ولا كبر
أياديكم بيض إذا اسودّ حادث
وأسيافكم حمر وأكنافكم جمر
وذكركم في كلّ شرق ومغرب
على الخلق يتلى مثل ما دينكم شكر
* * *
وقال ابن حمّاد :
صلّى الإله على سلا
لة أحمد أهل الكرم
أولاد فاطم والوصيّ
ونسل خير أب وأم(1)
من كان سلمهم سلم
أو كان حربهم ندم
يرضى الإله إذا رضوا
وبكلّ ما حكموا حكم
أزكى الزكاة ولاؤهم
والمحض منه من النعم
خلق المهيمن نورهم
من قبل أن برأ النسم
من لم يصلهم بالصلاة
فلم يصلّ ولم يصم
اللّه أوجب حقّهم
وعلى العباد به حتم
شرع الهداية إن دجى
ليل الضلالة وادلهمّ
لولاهم ما فاز آدم
بالمتاب ولا رحم
ص: 257
لولا هدايتهم لما
عرف السبيل ولا علم
صلّى الإله عليهم
ما غار نجم أو نجم
* * *
ص: 258
ص: 259
ص: 260
مغيث(1) قال لأبي عبد اللّه عليه السلام - ورآه يضحك في بيته - : جعلت فداك ، لست أدري بأيّهما أنا أشدّ سرورا بجلوسك في بيتي أو بضحكك ؟!
قال : إنّه هدر الحمام الذكر على الأنثى ، فقال : أنت سكني وعرسي ، والجالس على الفراش أحبّ إليّ منك ، فضحكت من قوله(2) .
وهذا المعنى رواه الفضيل بن يسار - في حديث برد الإسكاف - : أنّ الطير قال : يا سكني وعرسي ، ما خلق اللّه خلقا أحبّ إليّ منك(3) ، وما حرصي عليك هذا الحرص إلاّ طمعا أن يرزقني اللّه ولدا منك يحبّون أهل البيت عليهم السلام .
سالم مولى بيّاع الزطّي ، قال : كنّا في حائط لأبي عبد اللّه عليه السلام نتغدّي - أنا ونفر معي - فصاحت العصافير ، فقال : أتدري ما تقول ؟ فقلت : جعلت فداك ، لا - واللّه - ما أدري ما تقول .
ص: 261
فقال : تقول : اللّهم إنّي خلق من خلقك ، لابدّ لنا من رزقك ، اللّهم [ فاطعمنا ] فاسقنا(1) .
داود بن فرقد ، وعبد اللّه بن سنان ، وحفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سمع فاختة تصيح في داره ، فقال : تدرون ما تقول هذه الفاختة؟ قلنا: لا، قال: تقول: فقدتكم فقدتكم، فافقدوها قبل أن تفقدكم(2).
وروى عمر الإصفهاني عنه عليه السلام مثل ذلك في صوت الصلصل(3) .
وروي أنّه عليه السلام قال : يقول الورشان : قدّستم قدّستم(4) .
عبد اللّه بن فرقد ، قال : خرجنا مع أبي عبد اللّه عليه السلام متوجّهين إلى مكّة ، حتى إذا كنّا ب-« سرف » استقبلنا غراب ينعق في وجهه ، فقال : مُت جوعا ، ما تعلم من شيء إلاّ ونحن نعلمه ، إلاّ أنّا أعلم باللّه منك(5) .
ص: 262
كتاب خرق العادات : إنّه دخل عليه عليه السلام قوم من أهل خراسان ، فقال - ابتداءً مِن غير مسألة - : مَن جمع مالاً من مهاوش(1) أذهبه اللّه في نهابر ، فقالوا : جعلنا اللّه فداك ، ما نفهم هذا الكلام ، فقال : از باد آيد بدم شود(2) .
عمّار بن موسى الساباطي ، قال لي عليه السلام : مظ اللّه وكسا ولسحه بساطورا(3) .
قال : فقلت له : ما رأيت نبطيّا أفصح منك بالنبطية ، فقال : يا عمّار ، وبكلّ لسان(4) .
وفي حديث عامر بن علي الجامعي أنّه قال : أتدري ما يقولون على ذبائحهم - يعني اليهود - ؟ قلت : لا .
ص: 263
قال : يقولون : نوح أو دل ادموك يلهزبا يحول عالم أسر قدسوا ومضوا بنواصيهم ونيال استخفضوا(1) .
وعن رجل من أهل دوين : كنت أردت أن أسأله عن بيض ديوك الماء ، فقال : نيابت - يعني البيض - وعانا مينا - يعني ديوك الماء - لا تاحل - يعني لا تأكل -(2) .
المفضّل بن عمر ، قال : كنت أنا وخالد الجواز ونجم الحطيم وسليمان بن خالد على باب الصادق عليه السلام ، فتكلّمنا فيما يتكلّم به أهل الغلوّ .
فخرج علينا الصادق عليه السلام بلا حذاء ولا رداء ، وهو ينتفض ويقول : يا خالد ! يا مفضّل ! يا سليمان ! يا نجم ! لا ، « بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ
بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ »(3) .
وقال صالح بن سهل : كنت أقول في الصادق عليه السلام ما تقول الغلاة ،
ص: 264
فنظر إليّ وقال : ويحك يا صالح ، إنّا - واللّه - عبيد مخلوقون ، لنا ربّ نعبده وإن لم نعبده عذّبنا(1) .
عمر بن يزيد ، قال : كنت عند الصادق عليه السلام -وهو وجع - ، فتفكّرت ما ندري ما يصيبه في مرضه ، ولو سألته عن الإمامة بعده ، قال : فحولّ وجهه إليّ فقال : إنّ الأمر ليس كما تظنّ ، ليس عليّ من وجعي هذا بأس(2) .
وعنه ، قال : قعدت أغمّز رجله - فأردت أن أسأله إلى مَن الأمر بعده - ، فحوّل وجهه إليّ فقال : إذا - واللّه - لا أجيبك(3) .
زياد بن أبي الحلال ، قال : أردت أن أسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عمّا اختلفوا في حديث جابر بن يزيد ، فابتدأني ، فقال : رحم اللّه جابر بن يزيد الجعفي ، فإنّه كان يصدق علينا ، ولعن اللّه المغيرة بن سعيد ، فإنّه كان يكذب علينا(4) .
ص: 265
شهاب بن عبد ربّه ، قال : أتيت أبا عبد اللّه عليه السلام لأسأله مسائل ، فقال : جئت لتسألني عن الجنب يغرف الماء من الجبّ بالكوز فيصيب يده الماء ؟ فقلت : نعم ، فقال : ليس به بأس .ثمّ قال : جئت لتسألني عن الجنب يسهو فيغمس يده في الماء قبل أن يغسلها ؟ قلت : نعم ، قال : إذا لم يكن أصاب يده شيء فليس به بأس .
ثمّ قال : جئت تسألني عن الجنب يغتسل فيقطّر الماء من جسده في الإناء أو ينضح الماء من الأرض فيضمّه في الإناء ؟ قلت : نعم ، قال : ليس بهذا بأس كلّه .
ثمّ قال : خرجت تسألني عن الغدير يكون في جانبه(1) الجيفة ، أيتوضّأ منه أم لا ؟ قلت : نعم ، قال : توضّأ من الجانب الآخر ، إلاّ أن يغلب الماء الريح فينتن(2) .
صفوان بن يحيى : قال جعفر بن محمد بن الأشعث : أتدري ما كان سبب دخولنا في هذا الأمر ؟ إنّ أبا جعفر - يعني أبا الدوانيق - قال لأبي محمد بن الأشعث : يا محمد ، ائتيني رجلاً له عقل يؤدّي عنّي ، فقال له : إنّي أصبته لك ، هذا فلان بن فلان بن مهاجر خالي ، قال : فائتني به .
ص: 266
قال : فأتاه بخاله ، فقال له أبو جعفر : يا ابن مهاجر ، خذ هذا المال فائت المدينة فالق عبد اللّه بن الحسن وجعفر بن محمد وأهل بيتهم ، فقل لهم : إنّي رجل غريب من أهل خراسان ، وبها شيعة من شيعتكم ، وقدوجّهوا إليكم بهذا المال ، فادفع إلى كلّ واحد منهم على هذا الشرط كذا وكذا ، فإذا قبض المال فقل : إنّي رسولٌ وأحبّ أن يكون معي خطوطكم بقبض ما قبضتم منّي ، فأخذ المال ومضى .
فلمّا رجع قال له أبو جعفر : ما وراك ؟ فقال : أتيت القوم وهذه خطوطهم بقبضهم ما خلا جعفر بن محمد عليهماالسلام ، فإنّه أتيته -وهو يصلّي في مسجد الرسول صلى الله عليه و آله - فجلست خلفه ، وقلت : ينصرف فأذكر له ما ذكرت لأصحابه ، فعجّل وانصرف ، فالتفت إليّ فقال : يا هذا ، اتّق اللّه ولا تغرّن أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله ، وقل لصاحبك : اتّق اللّه ولا تغرّن(1) أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله ، فإنّهم قريبوا العهد بدولة بني مروان ، وكلّهم محتاج ، فقلت : وما ذاك أصلحك اللّه ؟ فقال : ادن منّي ، فدنوت ، فأخبرني بجميع ما جرى بيني وبينك حتى كأنّه كان ثالثنا .
فقال له : يا ابن مهاجر ، اعلم إنّه ليس من أهل بيت نبوّة إلاّ محدّث ، وإنّ جعفر بن محمد عليهماالسلام محدّثنا اليوم .
فكانت هذه الدلالة حتى قلنا بهذه المقالة(2) .
ص: 267
عمّار السجستاني ، قال : دخل عبد اللّه النجاشي على الصادق عليه السلام- وكان زيديا منقطعا إلى عبد اللّه بن الحسن - فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : ما دعاك إلى ما صنعت ، أتذكر يوما مررت على باب قوم ، فسال عليك ميزاب من الدار ، فقلت : إنّه قذر ، فطرحت نفسك في النهر بثيابك - وعليك منشفة - ، فاجتمع عليك الصبيان يضحكون منك ، ويصيحون عليك ؟ قال : فلمّا خرجنا قال : يا عمّار ، هذا صاحبي لا غيره(1) .
عبد اللّه النجاشي ، قال : أصاب جبّة فرو من نضح بول شككت فيه ، فغمزتها في ماء في ليلة باردة ، فلمّا دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام ابتدأني فقال : إنّ البول إذا غسلته بالماء فسد الفراء(2) .
مهزم قال : وقع بيني وبين أمّي كلام ، فأغلظت لها ، فلمّا كان من الغد
ص: 268
صلّيت الغداة وأتيت أبا عبد اللّه عليه السلام ، فدخلت عليه ، فقال لي مبتدءا : يا مهزم ، ما لك ولخالدة ! أغلظت لها البارحة ؟ أما علمت أنّ بطنها منزلاً قد سكنته ، وأنّ حجرها مهدا قد اغترته(1) ، وإنّ ثديها وعاء قد شربته ؟ قلت : بلى ، قال : فلا تغلظ لها(2) .
الحارث بن حصيرة الأزدي ، قال : قدم رجل من أهل الكوفة إلى خراسان ، فدعا الناس إلى ولاية الصادق عليه السلام ، ففرقة أطاعت وأجابت ، وفرقة جحدت وأنكرت ، وفرقة تورّعت ووقفت .
قال : فخرج من كلّ فرقة رجل ، فدخلوا على الصادق عليه السلام ، فقال أحدهم : أصلحك اللّه ، قدم علينا رجل من أهل الكوفة ، فدعا الناس إلى ولايتك وطاعتك ، فأجاب قوم وتورّع قوم ، فقال له : من أيّ الثلاثة أنت ؟ قال : أنا من الفرقة التي ورعوا .
قال : وأين ورعك يوم كذا وكذا مع الجارية ؟! - يعرّض به أنّه كان مع بعض القوم جارية ، فخلا بها ووقع عليها - ، قال : فسكت الرجل(3) .
ص: 269
عبد الرحمن بن كثير ، في خبر طويل : إنّ رجلاً دخل المدينة يسأل عن الإمام ، فدلّوه على عبد اللّه بن الحسن ، فسأله هنيئة ثمّ خرج ، فدلّوه على جعفر بن محمد عليهماالسلام ، فقصده .
فلمّا نظر إليه جعفر عليه السلام قال : يا هذا إنّك كنت مغرى ، فدخلت مدينتناهذه تسأل عن الإمام ، فاستقبلك فئة من ولد الحسن عليه السلام ، فأرشدوك إلى عبد اللّه بن الحسن ، فسألته هنيئة ثمّ خرجت ، فإن شئت أخبرتك عمّا سألته وما ردّ عليك ، ثمّ استقبلك من ولد الحسين عليهماالسلام ، فقالوا لك : يا هذا ، إن رأيت أن تلقى جعفر بن محمد عليهماالسلام فافعل ، فقال : صدقت ، قد كان كما ذكرت ، فقال له : ارجع إلى عبد اللّه بن الحسن فاسأله عن درع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعمامته .
فذهب الرجل فسأله عن درع رسول اللّه صلى الله عليه و آله والعمامة ، فأخذ درعا من كندوج له فلبسها ، فإذا هي سابغة ، فقال : كذا كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يلبس الدرع .
فرجع إلى الصادق عليه السلام فأخبره ، فقال عليه السلام : ما صدق ، ثمّ أخرج خاتما فضرب به الأرض ، فإذا الدرع والعمامة ساقطين من جوف الخاتم ، فلبس أبو عبد اللّه عليه السلام الدرع ، فإذا هي إلى نصف ساقه ، ثمّ تعمّم بالعمامة ، فإذا هي سابغة فنزعها ، ثمّ ردّهما في الفصّ ، ثمّ قال : هكذا كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يلبسها، إنّ هذا ليس ممّا غزل في الأرض ، إنّ خزانة اللّه في «كُن»،
ص: 270
وإنّ خزانة الإمام في خاتمه ، وإنّ اللّه عنده في الدنيا كسكرجة(1) ، وإنّها عند الإمام كصحيفة ، فلو لم يكن الأمر هكذا لم نكن أئمّة ، وكنّا كسائر الناس(2) .
أبو بصير ، قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال : يا أبا محمد ، ما فعل أبو حمزة الثمالي ؟
قلت : خلّفته صالحا .
قال : إذا رجعت إليه فاقرأه منّي السلام واعلمه أنّه يموت يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا ، فكان كما قال(3) .
شهاب بن عبد ربّه : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : كيف بك إذا نعاني إليك محمد بن سليمان ؟
قال : فلا واللّه ما عرفت محمد بن سليمان من هو ، فكنت يوما بالبصرة عند محمد بن سليمان ، وهو والي البصرة ، إذ ألقى إليّ كتابا وقال لي :
ص: 271
يا شهاب ، عظّم اللّه أجرك وأجرنا في إمامك جعفر بن محمد عليهماالسلام .
قال : فذكرت الكلام فخنقتني العبرة(1) .
محمد بن علاء وسعد الإسكاف عن سعد قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام ذات يوم إذ دخل عليه رجل من ولد الأنصار - من أهل الجبل - بهدايا وألطاف ، وكان فيما أهدى إليه جراب فيه قديد وحش ، فنشره أبو عبد اللّه عليه السلام قدّامه ، ثمّ قال : خذ هذا القديد فأطعمه الكلب ، فقال الرجل : ولم ؟ فقال : إنّ القديد ليس بذكيّ ، فقال الرجل : لقد اشتريته من رجل مسلم ، قال : فردّه أبو عبد اللّه عليه السلام في الجراب كما كان .
ثمّ قال للرجل : قم فأدخله البيت فضعه في زاوية البيت ، ففعل ، وقد تكلّم أبو عبد اللّه عليه السلام بكلام لا أعرفه ، ولا أدري ما هو ، فسمع الرجل القديد وهو يقول : يا عبد اللّه ، ليس مثلي يأكله الإمام ، ولا أولاد الأنبياء ، إنّى لست بذكيّ .
فحمل الرجل الجراب حتى مرّ على كلب فألقاه إليه ، فأكله الكلب(2) .
ص: 272
أخطل الكاهلي ، قال أبو عبد اللّه عليه السلام لقرابتي : يا عبد اللّه بن يحيى الكاهلي إذا لقيت السبع فاقرأ في وجهه آية الكرسي وقل له : عزمت عليك بعزيمة اللّه ، وعزيمة محمد صلى الله عليه و آله ، وعزيمة سليمان بن داود ، وعزيمة أمير المؤمنين عليه السلام ، وعزيمة الأئمّة من بعده عليهم السلام ، فإنّه ينصرف عنك .
قال عبد اللّه الكاهلي : فقدمت الكوفة ، فخرجت مع ابن عمّ لي إلىبعض القرى ، فإذا سبع قد اعترض لنا في بعض الطريق ، فقرأت في وجهه ما أمرني به أبو عبد اللّه عليه السلام ، ثمّ قلت : إلاّ تنحّيت عن طريقنا ولا تؤذينا فإنّا لا نؤذيك .
قال : فنظرت إليه ، وقد طأطأ رأسه وأدخل ذنبه بين رجليه ، وتنكّب الطريق راجعا من حيث جاء .
فقال ابن عمّي : ما سمعت كلاما أحسن من كلامك هذا الذي سمعته منك ، فقلت : أيّ شيء سمعت ؟ هذا كلام جعفر بن محمد عليهماالسلام ، فقال : أنا أشهد أنّ جعفر بن محمد عليهماالسلام إمام فرض اللّه طاعته(1) .
سيف بن عميرة عن أبي أسامة الشحّام ، قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : يا زيد ، كم أتى عليك من سنة ؟ قلت : كذا وكذا .
ص: 273
قال : يا أبا أسامة ، جدّد عبادة ، وأحدث توبة .
فبكيت ، فقال لي : ما يبكيك يا زيد ؟ قلت : جعلت فداك ، نعيت إليّ نفسي ! فقال : يا أبا أسامة ، أبشر ، فإنّك معنا ، وأنت من شيعتنا .
ثمّ قال بعد كلام : واللّه ، لكأنّي أنظر إليك وإلى الحارث بن المغيرة البصري في الجنّة في درجة واحدة ، رفيقك ، فأبشر(1) .
شعيب بن ميثم : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : يا شعيب ، أحسن إلى نفسك وصِل قرابتك ، وتعاهد إخوانك ، ولا تستبدّ بالشيء فتقول : ذا لنفسي وعيالي ، إنّ الذي خلقهم هو الذي يرزقهم ، فقلت : نعى - واللّه - إليّ نفسي .
فرجع شعيب ، فواللّه ما لبث إلاّ شهرا حتى مات(2) .
صندل عن سورة بن كليب ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : يا سورة ، كيف حججت العام ؟ قال : استقرضت حجّتي ، واللّه إنّي لأعلم أنّ اللّه سيقضيها
ص: 274
عنّي ، وما كان حجّتي بعد المغفرة إلاّ شوقا إليك وإلى حديثك ، قال : أمّا حجّتك فقد قضاها اللّه ، فأعطيكها من عندي ، ثمّ رفع مصلّى تحته ، فأخرج دنانير ، فعدّ عشرين دينارا ، فقال : هذه حجّتك ، وعدّ عشرين دينارا وقال : هذه معونة لك في حياتك حتى تموت ، قلت : أخبرتني أنّ أجلي قد دنا ! فقال : يا سورة ، أما ترضى أن تكون معنا ؟
فقال صندل : فما لبث إلاّ سبعة أشهر حتى مات(1) .
ابن مسكان عن سليمان بن خالد ، في خبر طويل : إنّه دخل على الصادق عليه السلام آذنه ، وأذن لقوم من أهل البصرة ، فقال عليه السلام : كم عدّتهم ؟ فقال : لا أدري ، فقال : إثنا عشر رجلاً .
فلمّا دخلوا عليه سألوا عن حرب علي عليه السلام وطلحة والزبير وعائشة ؟ قال : وما تريدون بذلك ؟ قالوا : نريد أن نعلم علم ذلك ، قال : إذا تكفرون يا أهل البصرة ، [ قالوا : لا نكفر ] .
فقال : كان علي(2) مؤمنا منذ بعث اللّه نبيه صلى الله عليه و آله إلى أن قبضه إليه ، لم يؤمر عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله أحدا قطّ ، ولم يكن في سريّة قطّ إلاّ كان أميرها .
ص: 275
وذكر فيه : أنّ طلحة والزبير بايعاه وغدرا به ، وأنّ النبي صلى الله عليه و آله أمره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، فقالوا : [ لأن كان ] هذا عهد من رسول اللّه صلى الله عليه و آله لقد ضلّ القوم جميعا ، فقال عليه السلام : ألم أقل لكم : إنّكم ستكفرون إن أخبرتكم ، أما إنّكم سترجعون إلى أصحابكم من أهل البصرة فتخبرونهم بما أخبرتكم ، فيكفرون أعظم من كفركم ، فكان كما قال(1) .
حسين بن أبي العلاء ، قال : كنت جالسا عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ جاء رجل يشكو امرأته ، فقال : آتيني بها ، فأتاه بها ، فقال : ما لزوجك يشكوك ؟ فقالت : فعل اللّه به وفعل ، قال لها أبو عبد اللّه عليه السلام : أما إنّك إذا ثبتّ على هذا لم تعيشي إلاّ ثلاثة أيّام ، فقالت : واللّه ، ما أبالي أن لا أراه أبدا ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : خذ بيدها فليست تبيت في بيتك أكثر من ثلاثة أيّام .
فلمّا كان اليوم الثالث دخل علينا الرجل ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : ما فعلت زوجتك ؟ قال : واللّه دفنتها الساعة .
فقلت : جعلت فداك ، ما كان حال هذه المرأة ؟ قال : كانت متعدّية عليه ، فبتر اللّه له عمرها ، وأراحه منها(2) .
ص: 276
أبو بصير : قال موسى بن جعفر عليه السلام : فيما أوصاني به أبي أن قال : يا بنيّ ، إذا أنا متّ فلا يغسّلني أحد غيرك ، فإنّ الإمام لا يغسّله إلاّ إمام ، واعلم أنّ عبد اللّه أخاك سيدعو الناس إلى نفسه ، فدعه ، فإنّ عمره قصير .
فلمّا مضى غسّلته كما أمرني ، وادّعى عبد اللّه الإمامة مكانه ، فكان كما قال أبي عليه السلام ، وما لبث عبد اللّه يسيرا حتى مات(1) .
وروى مثل ذلك الصادق عليه السلام .
وفي حديث علي : إنّه قال الصادق عليه السلام : نعلم أنّك خلّفت في منزلك ثلاثمائة درهم وقلت : إذا رجعت أصرفها ، وأبعث بها إلى محمد بن عبد اللّه الدعبلي .
قال : واللّه ما تركت في بيتي شيئا إلاّ وقد أخبرتني به .
وقال سماعة بن مهران : دخلت على الصادق عليه السلام ، فقال لي مبتدءا : يا سماعة ، ما هذا الذي بينك وبين جمّالك في الطريق ؟ إيّاك أن تكون فاحشا أو صيّاحا .
ص: 277
قال : واللّه لقد كان ذلك ، لأنّه ظلمني ، فنهاني عن مثل ذلك(1) .
معتب ، قال : قرع باب مولاي الصادق عليه السلام ، فخرجت فإذا زيد بن علي عليه السلام ، فقال الصادق عليه السلام لجلسائه : ادخلوا هذا البيت ، وردّوا الباب ، ولا يتكلّم منكم أحد .فلمّا دخل قام إليه فاعتنقا ، وجلسا طويلاً يتشاوران ، ثمّ علا الكلام بينهما ، فقال زيد : دع ذا عنك يا جعفر ! فواللّه ، لئن لم تمدّ يدك حتى أبايعك - أو هذه يدي فبايعني - لأتعبنّك ، ولأكلّفنك ما لا تطيق ، فقد تركت الجهاد ، وأخلدت إلى الخفض ، وأرخيت الستر ، واحتويت على مال الشرق والغرب !! فقال الصادق عليه السلام : يرحمك اللّه يا عمّ ، يغفر لك اللّه يا عمّ ، وزيد يسمعه ويقول : موعدنا « الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ » ! ومضى .
فتكلّم الناس في ذلك ، فقال عليه السلام : مه ، لا تقولوا لعمّي زيد إلاّ خيرا ، رحم اللّه عمّي ، فلو ظفر لوفى .
فلمّا كان في السحر قرع الباب ، ففتحت له الباب ، فدخل يشهق ويبكي ويقول : ارحمني - يا جعفر - يرحمك اللّه ، ارض عنّي - يا جعفر - رضي اللّه عنك ، اغفر لي - يا جعفر - غفر اللّه لك ، فقال الصادق عليه السلام : غفر اللّه لك ورحمك ورضي عنك ، فما الخبر يا عمّ ؟
ص: 278
قال : نمت فرأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله داخلاً عليّ ، وعن يمينه الحسن عليه السلام ، وعن يساره الحسين عليه السلام ، وفاطمة عليهاالسلام خلفه ، وعلي أمامه ، وبيده حربة
تلتهب التهابا - كأنّها نار - وهو يقول : إيها يا زيد ، آذيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله في جعفر ، واللّه لئن لم يرحمك ويغفر لك ويرضى عنك لأرمينّك بهذه الحربة ، فلأضعها بين كتفيك ، ثمّ لأخرجها من صدرك ، فانتبهت فزعا مرعوبا فصرت إليك ، فارحمني يرحمك اللّه .
فقال : رضي اللّه عنك ، وغفر اللّه لك ، أوصني ، فإنّك مقتول مصلوبمحروق بالنار ، فوصّى زيد بعياله وأولاده وقضاء الدين عنه .
أبو بصير : سمعت أبا عبد اللّه يقول - وقد جرى ذكر المعلّى بن خنيس - فقال : يا أبا محمد ، اكتم عليّ ما أقول لك في المعلّى ، قلت : أفعل ، فقال : أما إنّه ما كان ينال درجتنا إلاّ بما كان ينال منه داود بن علي ، قلت : وما الذي يصيبه من داود ؟ قال : يدعو به ، فيأمر به فيضرب عنقه ويصلبه ، وذلك من قابل .
فلمّا كان من قابل ولي داود المدينة ، فدعا المعلّى وسأله عن شيعة أبي عبد اللّه عليه السلام فكتمه ، فقال : أتكتمني ؟ أما إنّك إن كتمتني قتلتك ، فقال المعلّى : بالقتل تهدّدني ؟ واللّه ، لو كانوا تحت قدمي ما رفعت قدمي عنهم ، وإن أنت قتلتني لتسعدني ولتشقينّ .
ص: 279
فلمّا أراد قتله قال المعلّى : أخرجني إلى الناس ، فإنّ لي أشياء كثيرة حتى أشهد بذلك ، فأخرجه إلى السوق .
فلمّا اجتمع الناس قال : أيّها الناس ! اشهدوا أنّ ما تركت من مال عين أو دين أو أمة أو عبد أو دار أو قليل أو كثير فهو لجعفر بن محمد عليهماالسلام ، فقتل(1) .
قال محمد بن محمد الأشعري القمّي في نوادر الحكمة بإسناده عن نباتة الأخمسي ، قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام ، وأنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل ونسيت ، فقلت : السلام عليك يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فقال : أجل ، واللّه إنّا ولده ، وما نحن بذي قرابة ، من أتى اللّه بالصلوات الخمس المفروضة لم يسئل عمّا سوى ذلك ، فاكتفيت بذلك(2) .
عروة بن موسى الجعفي : قال عليه السلام يوما ونحن نتحدّث : الساعة انفقأت عين هشام في قبره ، قلنا : ومتى مات ؟ قال : اليوم الثالث ، قال : فحسبنا موته وسألنا عنه ، فكان كذلك(3) .
ص: 280
ابن بابويه القمّي في دلائل الأئمّة ومعجزاتهم : قال أبو بصير : دخلت المدينة وكانت معي جويرية لي فأصبت منها ، ثمّ خرجت إلى الحمّام ، فلقيت أصحابنا الشيعة وهم متوجّهون إلى الصادق عليه السلام ، فخفت أن يسبقوني ويفوتني الدخول عليه ، فمشيت معهم حتى دخلت الدار معهم .
فلمّا مثلت بين يدي أبي عبد اللّه عليه السلام نظر إليّ ثمّ قال : يا أبا بصير ، أماعلمت أنّ بيوت الأنبياء وأولاد الأنبياء لا يدخلها الجنب ؟!
فاستحييت ، وقلت : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّي لقيت أصحابنا ، وخفت أن يفوتني الدخول معهم ، ولن أعود إلى مثلها أبدا(1) .
وفي كتاب الدلالات عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني ، قال أبو بصير : اشتهيت دلالة الإمام ، فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام وأنا جنب ، فقال : يا أبا محمد ، ما كان لك فيما كنت فيه شغل ، تدخل على إمامك وأنت جنب ؟!
فقلت : جعلت فداك ، ما عملته إلاّ عمدا ،
ص: 281
قال : أو لم تؤمن ؟ قلت : « بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي » ، قال : فقم - يا أبا محمد - واغتسل(1) .
مهزم ، قال : كنّا نزولاً بالمدينة ، وكانت جارية لصاحب المنزلتعجبني ، وإنّي أتيت الباب فاستفتحتُ ، ففتحت الجارية ، فغمزت يدها .
فلمّا كان من الغد دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فقال : يا مهزم ، أين أقصى أثرك اليوم ؟
قلت : ما برحت المسجد ، فقال : أما تعلم أنّ أمرنا هذا لا ينال إلاّ بالورع(2) .
في معرفة الرجال : قال عمّار الساباطي : دخل رجل على الصادق عليه السلام ، فقال : ما أقبح بالرجل أن يأتمنه رجل من إخوانه على حرمة من حرمه فيخونه بها(3) .
ص: 282
عبد الرحمن بن سالم عن أبيه ، قال : لمّا قدم أبو عبد اللّه عليه السلام إلى أبي جعفر ، فقال أبو حنيفة لنفر من أصحابه : انطلقوا بنا إلى إمام الرافضة نسأله عن أشياء نحيّره فيها ، فانطلقوا .
فلمّا دخلوا إليه نظر إليه أبو عبد اللّه عليه السلام فقال : أسألك باللّه يا نعمان لما صدقتني عن شيء أسألك عنه ، هل قلت لأصحابك : مرّوا بنا إلى إمام الرافضة فنحيّره ؟ فقال : قد كان ذلك ، قال : فاسأل ما شئت . . القصّة .
أبو العبّاس البقباق : قال تزارى(1) ابن أبي يعفور(2) والمعلّى بن خنيس ، فقال ابن أبي يعفور : الأوصياء علماء أتقياء أبرار ، وقال ابن خنيس : الأوصياء أنبياء .
قال : فدخلا على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فلمّا استقرّ مجلسهما قال عليه السلام : أبرأ ممّن قال : إنّا أنبياء(3)(4) .
ص: 283
الشيخ المفيد بإسناده عن داود بن كثير الرقّي قال : كنت جالسا عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ قال لي مبتدئا من قبل نفسه : يا داود ، لقد عرضت عليّ أعمالكم يوم الخميس ، فرأيت فيما عرض عليّ من عملك صلتك لابن عمّك فلان ، فسرّني ذلك ، إنّي علمت صلتك له أسرع لفناء عمره وقطع أجله .
قال داود : وكان لي ابن عمّ ناصبيّا معاندا بلغني عنه وعن عياله سوء
حال ، فصككت له بنفقة قبل خروجي إلى مكّة ، فلمّا صرت إلى المدينة أخبرني أبو عبد اللّه عليه السلام بذلك(1) .
سدير الصيرفي ، قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام ، وقد اجتمع على مالي(2) بيان ، فأحببت دفعه إليه ، وكنت حبست منه دينارا لكي أعلم أقاويل الناس ، فوضعت المال بين يديه ، فقال لي : يا سدير ، خنتنا ولم ترد بخيانتك إيّانا قطيعتنا .
قلت : جعلت فداك ، وما ذلك ؟ قال : أخذت شيئا من حقّنا لتعلم كيف مذهبنا ، قلت : صدقت ، جعلت فداك ، إنّما أردت أن أعلم قول أصحابي !
ص: 284
فقال لي : أما علمت أنّ كلّ ما يحتاج إليه نعلمه ، وعندنا ذلك ، أما سمعت قول اللّه تعالى : « وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ » ؟
اعلم أنّ علم الأنبياء محفوظ في علمنا ، مجتمع عندنا ، وعلمنا من علم الأنبياء ، فأين يذهب بك ؟ قلت : صدقت ، جعلت فداك .
محمد بن محمد بن أبي حمزة في نوادر الحكمة بإسناد له عن أبي بصير قال : دخلت شعيب العقرقوفي على أبي عبد اللّه عليه السلام ، ومعه صرّة فيهادنانير ، فوضعها بين يديه ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : أزكاة أم صلة ؟ فسكت .
ثمّ قال : [ زكاة وصلة ] ، لا حاجة لنا في الزكاة ، قال : فقبض قبضة فدفعها إليه .
فلمّا خرجت قلت له : كم كانت الزكاة من هذه ؟ قال : بقدر ما أعطاني ، واللّه لم تزد حبّة ولم تنقص حبّة(1) .
شعيب العقرقوفي ، قال : بعث معي رجل بألف درهم وقال : إنّي أحبّ أن أعرف فضل أبي عبد اللّه عليه السلام على أهل بيته ، فقال : خذ خمسة دراهم
ص: 285
مستوقة(1) فاجعلها في الدراهم ، وخذ من الدراهم خمسة فصيّرها في لبنة قميصك ، فإنّك ستعرف ذلك .
قال : فأتيت بها أبا عبد اللّه عليه السلام ، فنثرتها بين يديه ، فأخذ الخمسة ، فقال : خذ خمستك وهات خمستنا(2) .
إبراهيم بن عبد الحميد ، قال : خرجت إلى قبا لأشتري نخلاً ، فلقيته عليه السلام وقد دخل المدينة ، فقال : أين تريد ؟ فقلت : لعلّنا نشتري نخلاً ، فقال : أو أمنتم الجراد ؟ فقلت : لا واللّه لا أشتري نخلة ، فواللّه ما لبثنا إلاّ خمسا حتى
جاء من الجراد ما لم يترك في النخل حملاً(3) .
ابن جمهور القمّي في كتاب الواحدة : إنّ محمد بن عبد اللّه بن الحسن قال لأبي عبد اللّه عليه السلام : واللّه ، إنّي لأعلم منك وأسخى وأشجع !!
فقال له : أمّا ما قلت : أنّك أعلم منّي ، فقد أعتق جدّي وجدّك ألف نسمة من كدّ يده ، فسمّهم لي ، وإن أحببت أن أسمّيهم لك إلى آدم عليه السلام فعلت .
ص: 286
وأمّا ما قلت : أنّك أسخى منّي ، فواللّه ما بتّ ليلة وللّه عليّ حقّ يطالبني به .
وأمّا ما قلت : أنّك أشجع منّي ، فكأنّي أرى رأسك وقد جيء به ووضع على حجر الزنابير يسيل منه الدم إلى موضع كذا وكذا .
قال : فحكي ذلك لأبيه ، فقال : يا بنيّ آجرني اللّه فيك ، إنّ جعفرا عليه السلام أخبرني أنّك صاحب حجر الزنابير(1) .
أبو الفرج الإصفهاني في مقاتل الطالبيين : لمّا بويع محمد بن عبد اللّه بن الحسن على أنّه مهديّ هذه الأمّة جاء أبوه عبد اللّه إلى الصادق عليه السلام- وقد كان ينهاه وزعم أنّه يحسده - ، فضرب الصادق عليه السلام يده على كتف عبد اللّه وقال : إيها ، واللّه ما هي إليك ، ولا إلى ابنك ، وإنّما هي لهذا - يعني السفّاح - ، ثمّ لهذا - يعني المنصور - يقتله على أحجار الزيت ، ثمّ يقتل أخاه بالطفوف ، وقوائم فرسه في الماء .
فتبعه المنصور، فقال: ما قلت يا أبا عبد اللّه؟ فقال: ما سمعته ، وإنّه لكائن.
قال : فحدّثني من سمع المنصور أنّه قال : انصرفت من وقتي فهيّأت أمري ، فكان كما قال(2) .
ص: 287
وروي أنّه لمّا أكبر المنصور أمر ابني عبد اللّه استطلع حالهما منه عليه السلام ، فقال الصادق عليه السلام ما يؤول إليه حالهما ، [ وقال عليه السلام : ] أتلو عليك آية فيها منتهى علمي ، وتلا : « لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَْدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ » ، فخرّ المنصور ساجدا وقال : حسبك أبا عبد اللّه (1) .
ابن كادش العكبري في مقاتل العصابة العلوية كتابة : لمّا بلغ أبا مسلم موت إبراهيم الإمام وجّه بكتبه إلى الحجاز إلى جعفر بن محمد عليه السلام ، وعبد اللّه بن الحسن ، ومحمد بن علي بن الحسين ، يدعو كلّ واحد منهم إلى الخلافة .
فبدأ بجعفر عليه السلام ، فلمّا قرأ الكتاب أحرقه وقال : هذا الجواب ، فأتى عبد اللّه بن الحسن ، فلمّا قرأ الكتاب قال : أنا شيخ ، ولكن ابني محمدا مهديّ هذه الأمّة ، فركب وأتى جعفرا عليه السلام ، فخرج إليه ووضع يده على عنق حماره ، وقال : يا أبا محمد ، ما جاء بك في هذه الساعة ؟ فأخبره ، فقال : لا تفعلوا فإنّ الأمر لم يأت بعد .
فغضب عبد اللّه بن الحسن وقال : لقد علمت خلاف ما تقول ، ولكنّه
ص: 288
يحملك على ذلك الحسد لابني !! فقال : لا - واللّه - ما ذلك يحملني ، ولكن هذا وإخوته وأبناؤه دونك - وضرب بيده على ظهر أبي العبّاس السفّاح - ، ثمّ نهض فاتّبعه عبد الصمد بن علي وأبو جعفر محمد بن علي بن عبد اللّه بن العبّاس ، فقالا له : أتقول ذلك ؟ قال : نعم ، واللّه أقول ذلك وأعلمه(1) .
زكّار بن أبي زكّار الواسطي ، قال : قبّل رجل رأس أبي عبد اللّه عليه السلام ، فمسّ أبو عبد اللّه عليه السلام ثيابه وقال : ما رأيت كاليوم أشدّ بياضا ولا أحسن منها ، فقال : جعلت فداك ، هذه ثياب بلادنا وجئتك منها بخير من هذه ، قال : فقال : يا معتب ، اقبضها منه .
ثمّ خرج الرجل ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : صدق الوصف وقرب الوقت ، هذا صاحب الرايات السود الذي يأتي بها من خراسان .
ثمّ قال : يا معتب ، الحقه فسله ما اسمه ، ثمّ قال : إن كان عبد الرحمن ، فهو - واللّه - هو .
قال : فرجع معتب ، فقال : قال : اسمي عبد الرحمن .
قال : فلمّا ولي ولد العباس نظرت إليه ، فإذا هو عبد الرحمن أبو مسلم(2) .
ص: 289
وفي رامش أفزاي : إنّ أبا مسلم الخلاّل وزير آل محمد صلى الله عليه و آله عرض الخلافة على الصادق عليه السلام قبل وصول الجند إليه ، فأبى ، وأخبره أنّ إبراهيم الإمام لا يصل من الشام إلى العراق ، وهذا الأمر لأخويه الأصغر ثمّ الأكبر ، ويبقى في أولاد أخي(1) الأكبر ، وأنّ أبا مسلم بقي بلا مقصود .
فلمّا أقبلت الرايات كتب أيضا بقوله وأخبره أنّ سبعين ألف مقاتل وصل إلينا فننتظر أمرك ، فقال : إنّ الجواب كما شافهتك .
فكان الأمر كما ذكر ، فبقي إبراهيم الإمام في حبس مروان ، وخطبباسم السفّاح .
وقرأت في بعض التواريخ : لمّا أتى كتاب أبي مسلم(2) الخلاّل إلى الصادق عليه السلام بالليل قرأه ، ثمّ وضعه على المصباح فحرقه ، فقال له الرسول - وظنّ أنّ حرقه له تغطية وستر وصيانة للأمر - : هل من جواب ؟ قال : الجواب ما قد رأيت(3) .
وقال أبو هريرة الأبار ، صاحب الصادق عليه السلام :
ولمّا دعا الداعون مولاي لم يكن
ليثني عليه عزمه بصواب
ولمّا دعوه بالكتاب أجابهم
بحرق الكتاب دون ردّ جواب
وما كان مولاي كمشري ضلالة
ولا ملبسا منها الردى بثواب
ص: 290
ولكنّه للّه في الأرض حجّة
دليل إلى خير وحسن مآب
يا ضيعة الدين ما رأيت جنى
من معدن الوحي والرسالات
كلاّ وربّ الحجيج أنّ لنا
ظهرا ولكنّنا نأبى الضلالات
كيف نعق الورى وأنفسنا
خلقن من أنفس نقيّات
* * *
ص: 291
ص: 292
ص: 293
ص: 294
روى الأعمش ، والربيع ، وابن سنان ، وعلي بن حمزة ، وحسين بن أبي العلاء وأبو المعزا ، وأبو بصير : إنّ داود بن علي بن عبد اللّه بن العبّاس لمّا قتل المعلّى بن خنيس وأخذ ماله قال الصادق عليه السلام : قتلت مولاي وأخذت مالي ؟ أما علمت أنّ الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الحرب ؟ أما - واللّه - لأدعونّ اللّه عليك ، فقال له داود : تهدّدنا بدعائك ؟ كالمستهزئ بقوله .
فرجع أبو عبد اللّه عليه السلام إلى داره فلم يزل ليله كلّه قائما وقاعدا ، فبعث إليه داود خمسة من الحرس وقال : ائتوني به ، فإن أبى فائتوني برأسه .
فدخلوا عليه وهو يصلّي فقالوا له : أجب داود ، قال : فإن لم أجب ؟ قالوا : أمرنا بأمر ، قال : فانصرفوا فإنّه خير لكم لدنياكم وآخرتكم .
فأبوا إلاّ خروجه ، فرفع يديه ، فوضعهما على منكبيه ، ثمّ بسطهما ، ثمّ دعا بسبّابته ، فسمعناه يقول : الساعة الساعة ، حتى سمعنا صراخا عاليا(1) ، فقال لهم : إنّ صاحبكم قد مات فانصرفوا .
ص: 295
فسئل ، فقال : بعث إليّ ليضرب عنقي ، فدعوت عليه بالاسم الأعظم ، فبعث اللّه إليه ملكا بحربة ، فطعنه في مذاكيره ، فقتله(1) .
وفي رواية لبانة(2) بنت عبد اللّه بن العبّاس : بات داود تلك الليلة حائرا قد أغمي عليه ، فقمت أفتقده في الليل ، فوجدته مستلقيا على قفاه وثعبان قد انطوى على صدره وجعل فاه على فيه ، فأدخلت يدي في كمّي ، فتناولته ، فعطف فاه إليّ ، فرميت به ، فانساب في ناحية البيت ، وأنبهت داود ، فوجدته حائرا قد احمرّت عيناه ، فكرهت أن أخبره بما كان وجزعت عليه ، ثمّ انصرفت فوجدت ذلك الثعبان كذلك ، ففعلت به مثل الذي في المرّة الأولى ، وحرّكت داود فأصبته ميّتا ، فما رفع جعفر عليه السلام رأسه من السجود حتى سمع الواعية(3) .
قال الربيع الحاجب : أخبرت الصادق عليه السلام بقول المنصور : لأقتلنّك ولأقتلنّ أهلك حتى لا أبقي على الأرض منكم قامة سوط، ولأخربنّ المدينة حتى لا أترك فيها جدارا قائما ، فقال : لا ترع من كلامه ، ودعه في طغيانه .
ص: 296
فلمّا صار بين السترين سمعت المنصور يقول : أدخلوه إليّ سريعا ،فأدخلته عليه ، فقال : مرحبا يا ابن العمّ النسيب ، وبالسيّد القريب ، ثمّ أخذ بيده وأجلسه على سريره ، وأقبل عليه ، ثمّ قال : أتدري لم بعثت إليك ؟ فقال : وأنّى لي علم بالغيب ؟ قال : أرسلت إليك لتفرّق هذه الدنانير في أهلك ، وهي عشرة آلاف دينار ، فقال : ولها غيري ؟ فقال : أقسمت عليك - يا أبا عبد اللّه - لتفرّقها على فقراء أهلك ، ثمّ عانقه بيده ، وأجازه وخلع عليه ، وقال : يا ربيع ، اصحبه قوما يردّونه إلى المدينة .
قال : فلمّا خرج أبو عبد اللّه عليه السلام قلت له : يا أمير المؤمنين ، لقد كنت من أشدّ الناس عليه غيظا ، فما الذي أرضاك عنه ؟! قال : يا ربيع لمّا حضرت الباب رأيت تنّينا عظيما يقرض أنيابه وهو يقول بألسنة الآدميّين : إن أنت أشكت(1) ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لأفصلنّ لحمك من عظمك ، فأفزعني
ذلك وفعلت به ما رأيت .
وفي الترهيب والترغيب عن أبي القاسم الإصفهاني ، والعقد عن ابن عبد ربّه الأندلسي : إنّ المنصور قال - لمّا رآه - : قتلني اللّه إن لم أقتلك .
فقال له : إنّ سليمان أعطي فشكر ، وإنّ أيّوب ابتلي فصبر ، وإنّ يوسف ظلم فغفر ، وأنت على إرث منهم ، وأحقّ بمن تأسّى بهم ، فقال : إليّ يا أبا عبد اللّه ، فأنت القرابة وذو الرحم الواشجة ، السليم الناحية ، القليل الغائلة ، ثمّ صافحه بيمينه ، وعانقه بشماله ، وأمر له بكسوة وجائزة(2) .
ص: 297
وفي خبر آخر عن الربيع : إنّه أجلسه إلى جانبه ، فقال له : ارفعحوائجك ، فأخرج رقاعا لأقوام ، فقال المنصور : ارفع حوائجك في نفسك ، فقال : لا تدعونّي حتى أجيبك ، فقال : ما إلى ذلك من سبيل(1) .
إسحاق وإسماعيل ويونس بنو عمّار : إنّه استحال وجه يونس إلى البياض ، فنظر الصادق عليه السلام إلى جبهته ، فصلّى ركعتين ، ثمّ حمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على النبي وآله ، ثمّ قال : يا اللّه يا اللّه يا اللّه ، يا رحمن يا رحمن يا رحمن ، يا رحيم يا رحيم يا أرحم الراحمين ، يا سميع الدعوات يا معطي الخيرات صلّ على محمد وعلى أهل بيته الطاهرين الطيّبين ، واصرف عنّي شرّ الدنيا وشرّ الآخرة ، وأذهب عنّي ما بي فقد غاضني ذلك وأحزنني .
قال : فواللّه ما خرجنا من المدينة حتى تناثر عن وجهه مثل النخالة وذهب .
قال الحكيم بن مسكين : ورأيت البياض بوجهه ، ثمّ انصرف وليس في وجهه شيء .
أمالي الطوسي بإسناده عن سدير الصيرفي قال : جاءت امرأة إلى أبي
ص: 298
عبد اللّه عليه السلام ، فقالت : جعلت فداك ، إنّ أبي وأمّي وأهل بيتي يتولّونكم ،فقال لها : صدقت ، فما الذي تريدين ؟ قالت : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أصابني وضح في عضدي ، فادع اللّه لي أن يذهب به عنّي .
قال أبو عبد اللّه عليه السلام : اللّهمّ إنّك تبرئ الأكمه والأبرص ، وتحيي العظام وهي رميم ، ألبسها عفوك وعافيتك ما ترى أثر إجابة دعائي .
فقالت المرأة : واللّه قمت وما بي منه لا قليل ولا كثير(1) .
معاوية بن وهب : صدع ابن لرجل من أهل مرو ، فشكا ذلك الى أبي عبد اللّه عليه السلام ، فقال : ادنه منّي .
قال : فمسح على رأسه ، ثمّ قال : « إِنَّ اللّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالأَْرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ » ، فبرأ بإذن اللّه (2) .
الكلوذاني في الأمالي ، وعمر الملاّ في الوسيلة : جاء في حديث الليث بن سعد : أنّه رأى رجلاً جالسا على أبي قبيس وهو يقول : يا ربّ يا ربّ ، حتى انقطع نفسه ، ثمّ قال : يا أرحم الراحمين ، حتى انقطع نفسه ، ثمّ
ص: 299
قال : يا ربّاه يا ربّاه ، حتى انقطع نفسه ، ثمّ قال : يا اللّه يا اللّه ، حتى انقطعنفسه ، ثمّ قال : يا حيّ يا حيّ ، حتى انقطع نفسه ، ثمّ قال : يا رحيم يا رحيم ، حتى انقطع نفسه ، ثمّ قال : يا أرحم الراحمين ، حتى انقطع نفسه - سبع مرّات - ، ثمّ قال : اللّهمّ إنّي أشتهي من هذا العنب فأطعمنيه ، اللّهمّ وإنّ بُرديّ قد خلقا فاكسني .
قال الليث : فواللّه ما استتمّ كلامه حتى نظرت إلى سلّة مملوءة عنبا - وليس على وجه الأرض يومئذٍ عنبة - وبردين مصبوغين ، فقربت منه وأكلت معه ، ولبس البردين ، ثمّ نزلنا فلقي فقيرا فأعطاه برديه الخلقين ، ثمّ انصرف ، فسألت عنه ، فقيل : هذا جعفر الصادق(1) عليه السلام .
هشام بن الحكم ، قال : كان رجل من ملوك أهل الجبل يأتي الصادق عليه السلام في حجّة كلّ سنة ، فينزله أبو عبد اللّه عليه السلام في دار من دوره في المدينة ، وطال حجّه ونزوله ، فأعطى أبا عبد اللّه عليه السلام عشرة آلاف درهم ليشتري له دارا ، وخرج إلى الحجّ .
فلمّا انصرف قال : جعلت فداك اشتريت لي الدار ؟ قال : نعم ، وأتى بصكّ فيه :
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، هذا ما اشترى جعفر بن محمد عليهماالسلام لفلان بن
ص: 300
فلان الجبلي له دار في الفردوس ، حدّها الأوّل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والحدّالثاني أمير المؤمنين عليه السلام ، والحدّ الثالث الحسن بن علي عليهماالسلام ، والحدّ الرابع الحسين بن علي عليهماالسلام .
فلمّا قرأ الرجل ذلك قال : قد رضيت جعلني اللّه فداك .
قال : فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّي أخذت ذلك المال ففرّقته في ولد الحسن والحسين عليهماالسلام ، وأرجو أن يتقبّل اللّه ذلك ويثيبك به الجنّة .
قال : فانصرف الرجل إلى منزله وكان الصكّ معه ، ثمّ اعتلّ علّة الموت ، فلمّا حضرته الوفاة جمع أهله وحلّفهم أن يجعلوا الصكّ معه ، ففعلوا ذلك .
فلمّا أصبح القوم غدوا إلى قبره ، فوجدوا الصكّ على ظهر القبر مكتوب عليه : وفى وليّ اللّه جعفر بن محمد عليهماالسلام(1) .
يحيى بن إبراهيم بن مهاجر ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : فلان يقرأ عليك السلام وفلان وفلان ، فقال : وعليهم السلام ، قلت : يسألونك الدعاء ، فقال : مالهم ؟ قلت : حبسهم أبو جعفر المنصور ، فقال : وما لهم وما له ؟ قلت : استعملهم فحبسهم ، فقال : وما لهم وما له ؟ ألم أنههم ؟ ألم أنههم ؟ [ ألم أنههم ؟ ] ، هم النار ، هم النار ، [ هم النار ] ، ثمّ قال : اللّهم اخدع عنهم سلطانه .
قال : فانصرفنا ، فإذا هم قد أخرجوا(1) .
وفي الدلالات : حنّان ، قال : حبس أبو جعفر عبد الحميد في المطبق(2) زمانا ، وكان صديقا لمحمد بن عبد اللّه ، ثمّ إنّه وافى الموسم .
فلمّا كان يوم عرفة لقيه الصادق عليه السلام في الموقف ، فقال لمحمد بن عبد اللّه : يا محمد ، ما فعل صديقك عبد الحميد ؟ قال : أخذه أبو جعفر فحبس في المطبق زمانا .
قال : فرفع الصادق عليه السلام يده ساعة ، ثمّ التفت إلى محمد بن عبد اللّه وقال : يا محمد بن عبد اللّه ، قد واللّه خلّي سبيل خليلك .
ص: 302
قال محمد : فسألت عبد الحميد : أيّ ساعة خلاّك أبو جعفر ؟ قال : يومعرفة بعد صلاة العصر(1) .
وبلغ الصادق عليه السلام قول الحكيم بن العبّاس الكلبي :
صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة
ولم أر مهديّا على الجذع يصلب
وقستم بعثمان عليّا سفاهة
وعثمان خير من علي وأطيب
* * *
فرفع الصادق عليه السلام يده إلى السماء - وهما يرعشان - فقال : اللّهمّ إن كان عبدك كاذبا فسلّط عليه كلبك .
فبعثه بنو أميّة إلى الكوفة ، فبينما هو يدور في سككها إذ افترسه الأسد ، واتّصل خبره بجعفر عليه السلام ، فخرّ للّه ساجدا ، ثمّ قال : الحمد للّه الذي أنجزنا وعدنا(2) .
قال الحسن بن محمد بن المتجعفر :
فأنت السلالة من هاشم
وأنت المهذّب والأطهر
ومن جدّه في العلى شامخ
ومن فخره الأعظم الأفخر
ص: 303
ومن أهله خير هذا الورى
ومن لهم البيت والمنبر
ومن لهم الزمزم والصفا
ومن لهم الركن والمشعر
ومن شرعوا الدين في العالمين
فأنوارهم أبدا تزهر
ومن لهم الحوض يوم المقام
ومن لهم النشر والمحشر
وأنتم كنوز لأشياعكم
وإنّكم الصفو والجوهر
وإنّكم الغرر الطاهرون
وإنّكم الذهب الأحمر
وسيّد أيّامنا جعفر
وحسبك من سيّد جعفر
* * *
ص: 304
ص: 305
ص: 306
سدير الصيرفي ، قال : كنت مع الصادق عليه السلام في عرفات فرأيت الحجيج وسمعت الضجيج، فتوسّمت وقلت في نفسي : أترى هؤلاء كلّهم على الضلال؟
فناداني الصادق عليه السلام ، فقال : تأمّل ، فتأمّلتهم ، فإذا هم قردة وخنازير(1) .
قال ابن حمّاد :
لمَ لم يسمعوا مقال سدير
وهو في قوله سديد رشيد
كنت مع جعفر لدى عرفات
ولجمع الحجيج عجّ شديد
فتوسّمت ثمّ قلت ترى ضلّ
عن اللّه جمع هذا الجنود
فانثنى سيّدي عليّ وناداني
تأمّل ترى الذي قد تريد
فتأمّلتهم إذا هم خنازير
بلا شكّ كلّهم وقرود
* * *
الحسين بن محمد ، قال : سخط علي بن هبيرة على رفيد ، فعاذ بأبي
ص: 307
عبد اللّه عليه السلام ، فقال له : انصرف إليه واقرأه منّي السلام وقل له : إنّي أجرت عليك مولاك رفيدا فلا تهجه بسوء ، فقال : جعلت فداك ، شاميّ خبيث الرأي ، فقال : اذهب إليه كما أقول لك .
قال : فاستقبلني أعرابي ببعض البوادي ، فقال : أين تذهب ؟ إنّي أرى وجه مقتول ، ثمّ قال لي : اخرج يدك ، ففعلت ، فقال : يد مقتول ، ثمّ قال لي : اخرج لسانك ، ففعلت ، فقال : امض فلا بأس عليك ، فإنّ في لسانك رسالة لو أتيت بها الجبال الرواسي لانقادت لك .
فقال : فجئت فلمّا دخلت عليه أمر بقتلي ، فقلت : أيّها الأمير لم تظفر بي عنوة ، وإنّما جئتك من ذات نفسي ، وها هنا أمر أذكره لك ، ثمّ أنت وشأنك ، فأمر من حضر فخرجوا ، فقلت له : مولاك جعفر بن محمد عليهماالسلام يقرؤك السلام ويقول لك : قد أجرت عليك مولاك رفيدا ، فلا تهجه بسوء ، فقال : اللّه لقد قال لك جعفر عليه السلام هذه المقالة ، وأقرأني السلام ؟ فحلفت ، فردّها عليّ ثلاثا ، ثمّ حلّ كتافي .
ثمّ قال : لا يقنعني منك حتى تفعل بي ما فعلت بك ، قلت : ما تكتف يدي يديك ولا تطيب نفسي ، فقال : واللّه لا يقنعني إلاّ ذاك ، ففعلت كما فعل وأطلقته ، فناولني خاتمه وقال : أمري في يدك ، فدبّر فيها ما شئت(1) .
التمس محمد بن سعيد من الصادق عليه السلام رقعة إلى محمد بن أبي [ حمزة ]
ص: 308
الثمالي(1) في تأخير خراجه ، فقال عليه السلام : قل له : سمعت جعفر بن محمد
عليهماالسلام يقول : من أكرم لنا مواليا فبكرامة اللّه بدأ ، ومن أهانه فلسخط اللّه تعرّض ، ومن أحسن إلى شيعتنا فقد أحسن إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، ومن أحسن إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقد أحسن إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ومن أحسن إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقد أحسن إلى اللّه ، ومن أحسن إلى اللّه كان - واللّه - معنا في الرفيع الأعلى .
قال : فأتيته وذكرته ، فقال : باللّه سمعت هذا الحديث من الصادق عليه السلام ؟ فقلت : نعم ، فقال : اجلس ، ثمّ قال : يا غلام ، ما على محمد بن سعيد من الخراج ؟ قال : ستّون ألف درهم ، قال : امح اسمه من الديوان ، وأعطاني بدرة وجارية وبغلة بسرجها ولجامها .
قال : فأتيت أبا عبد اللّه عليه السلام ، فلمّا نظر إليّ تبسّم ، فقال : يا أبا محمد ، تحدّثني أو أحدّثك ؟ فقلت : يا ابن رسول اللّه ، منك أحسن ، فحدّثني - واللّه - الحديث كأنّه حضر معي .
وأنبأني الطبرسي في إعلام الورى : قال الشقران مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله : خرج العطاء أيّام أبي جعفر وما لي شفيع ، فبقيت على الباب متحيّرا ،
ص: 309
وإذا أنا بجعفر الصادق عليه السلام ، فقمت إليه فقلت له : جعلني اللّه فداك ، أنا مولاك الشقران ، فرحّب بي ، وذكرت له حاجتي ، فنزل ودخل وخرج وأعطاني من كمّه فصبّه في كمّي .
ثمّ قال : يا شقران ، إنّ الحسن من كلّ أحد حسن ، وإنّه منك أحسن ، لمكانك منّا ، وإنّ القبيح من كلّ أحد قبيح ، وإنّه منك أقبح .
وعظه على جهة التعريض ، لأنّه كان يشرب(1) .
محمد بن الفيض عن أبي عبد اللّه عليه السلام . . . قال أبو جعفر الدوانيق للصادق عليه السلام : تدري ما هذا ؟ قال : وما هو ؟ قال : جبل هناك يقطر منه في السنة قطرات فتجمد ، فهو جيّد للبياض يكون في العين يكحل به فيذهب بإذن اللّه .
قال : نعم ، أعرفه ، وإن شئت أخبرتك باسمه وحاله ، هذا جبل كان عليه نبي من أنبياء بني إسرائيل هاربا من قومه ، فعبد اللّه عليه ، فعلم قومه فقتلوه ، فهو يبكي على ذلك النبي ، وهذه القطرات من بكائه له ، ومن الجانب الآخر عين تنبع من ذلك الماء بالليل والنهار ، ولا يوصل إلى تلك العين(2) .
ص: 310
المفضّل بن عمر ، قال : وجّه المنصور إلى حسن بن زيد ، وهو واليه على الحرمين ، أن احرق على جعفر بن محمد عليهماالسلام داره ، فألقى النار في دار أبي عبد اللّه عليه السلام ، فأخذت النار في الباب والدهليز .
فخرج أبو عبد اللّه عليه السلام يتخطّى النار ، ويمشي فيها ، ويقول : أنا ابن أعراق الثرى ، أنا ابن إبراهيم خليل اللّه (1) .
مهزم عن أبي بردة ، قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام قال : ما فعل زيد ؟ قلت : صلب في كناسة بني أسد ، فبكى حتى بكى النساء من خلف الستور .
ثمّ قال : أما - واللّه - لقد بقي لهم عنده طلبة ما أخذوها منه .
فكنت أتفكّر في قوله حتى رأيت جماعة قد أنزلوه يريدون أن يحرقوه ، فقلت : هذه الطلبة التي قال لي(2) .
حدّث إبراهيم عن أبي حمزة عن مأمون الرقّي قال : كنت عند سيّدي
ص: 311
الصادق عليه السلام إذ دخل سهل بن حسن الخراساني ، فسلّم عليه ، ثمّ جلس فقال له : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لكم الرأفة والرحمة ، وأنتم أهل بيت الإمامة ، ما الذي يمنعك أن يكون لك حقّ تقعد عنه ، وأنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بين يديك بالسيف ؟
فقال له عليه السلام : اجلس يا خراساني ، رعى اللّه حقّك ، ثمّ قال : يا حنفية اسجري التنّّور ، فسجرته حتى صار كالجمرة ، وابيضّ علوه ، ثمّ قال : يا خراساني ، قم فاجلس في التنّور ، فقال الخراساني : يا سيّدي يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لا تعذّبني بالنار ، أقلني أقالك اللّه ، قال : قد أقلتك .
فبينما نحن كذلك ، إذ أقبل هارون المكّي ونعله في سبّابته ، فقال : السلام عليك يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال له الصادق عليه السلام : الق النعل من يدك واجلس في التنّور .
قال : فألقى النعل من سبّابته ، ثمّ جلس في التنّور ، وأقبل الإمام يحدّث الخراساني حديث خراسان حتى كأنّه شاهد لها ، ثمّ قال : قم يا خراساني وانظر ما في التنور .
قال : فقمت إليه فرأيته متربّعا ، فخرج إلينا وسلّم علينا ، فقال له الإمام عليه السلام : كم تجد بخراسان مثل هذا ؟
فقلت : واللّه ، ولا واحدا .
فقال عليه السلام : لا - واللّه - ولا واحدا ، أما إنّا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا ، نحن أعلم بالوقت .
ص: 312
وحدّث أبو عبد اللّه محمد بن أحمد الديلمي البصري عن محمد بن كثير الكوفي قال : كنت لا أختم صلاتي ولا أستفتحها إلاّ بلعنهما ، فرأيت في منامي طائرا معه تور من الجوهر فيه شيء أحمر شبه الخلوق ، فنزل إلى البيت المحيط برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ أخرج شخصين من الضريح ، فخلّقهما بذلك الخلوق في عوارضهما ، ثمّ ردّهما إلى الضريح ، وعاد مرتفعا ، فسألت من حولي : من هذا الطائر ؟ وما هذا الخلوق ؟ فقال : هذا ملك يجيء في كلّ ليلة جمعة يخلّقهما .
فأزعجني ما رأيت ، فأصبحت لا تطيب نفسي بلعنهما ، فدخلت على الصادق عليه السلام ، فلمّا رآني ضحك وقال : رأيت الطائر ؟ فقلت : نعم يا سيّدي ، فقال : اقرأ : « إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ » ، فإذا رأيت شيئا تكره فاقرأها ، واللّه ما هو ملك موكّل بهما لإكرامهما ، بل هو موكّل بمشارق الأرض ومغاربها ، إذا قتل قتيل ظلما أخذ من دمه فطوّقهما به في رقابهما ، لأنّهما سبب كلّ ظلم مذ كانا .
وحدّثني عمر بن حمزة العلوي الكوفي بالإسناد عن محمد بن ميمون الهلالي قال : مضيت إلى الحيرة إلى جعفر بن محمد عليهماالسلام ثلاثة أيّام ، فما كان لي فيه حيلة لكثرة الناس ، فحيث كان اليوم الرابع رآني فأدناني ، وتفرّق
ص: 313
الناس عنه ، ومضى يريد قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، فتبعته ، فكنت أسمع كلامه ، وأنا معه أمشي .
فحيث صار في بعض الطريق غمزه البول ، فتنحّى عن الطريق ، فحفر الرمل وبال ، ونبش الرمل ، فحفر فخرج ماء فتطهّر للصلاة ، فقام فصلّى ركعتين ، وكان ممّا سمعته يدعو ويقول : اللّهمّ لا تجعلني ممّن تقدّم فمرق ، ولا ممّن تخلّف فمحق ، واجعلني من النمط الأوسط(1) .
محمد بن سنان عن المفضّل بن عمر : إنّ المنصور قد كان همّ بقتل أبي عبد اللّه عليه السلام غير مرّة ، فكان إذا بعث إليه ودعاه ليقتله ، فإذا نظر إليه هابه ولم يقتله ، غير أنّه منع الناس عنه ، ومنعه من القعود للناس ، واستقصى عليه أشدّ الاستقصاء ، حتى أنّه كان يقع لأحدهم مسألة في دينه في نكاح أو طلاق أو غير ذلك ، فلا يكون علم ذلك عندهم ، ولا يصلون إليه ، فيعتزل الرجل وأهله(2) .
فشقّ ذلك على شيعته ، وصعب عليهم حتى ألقى اللّه - عزّ وجلّ - في روع المنصور أن يسأل الصادق عليه السلام ليتحفه بشيء من عنده لا يكون لأحد مثله .
ص: 314
فبعث إليه بمخصرة(1) كانت للنبي صلى الله عليه و آله طولها ذراع ، ففرح بها فرحا شديدا ، وأمر أن تشقّ له أربعة أرباع ، وقسّمها في أربعة مواضع ، ثمّ قال له : ما جزاؤك عندي إلاّ أن أطلق لك ، وتفشي عملك لشيعتك ، ولا أتعرّض لك ولا لهم ، فاقعد غير محتشم ، وافت الناس ، ولا تكن في بلد أنا فيه .
ففشى العلم عن الصادق عليه السلام .
وأجاز [ ني ] في المنتهى الحسن الجرجاني في بصائر الدرجات بثلاثة طرق : إنّه دخل رجل على الصادق عليه السلام ، فلمزه رجل من أصحابنا ، فقال الصادق عليه السلام - وأخذ على شيبته - : إن كنت لا أعرف الرجال إلاّ بما أبلغ عنهم ، فبئست الشيبة شيبتي(2) .
وفيه : قال سليم بن خالد : بينما نحن مع الصادق عليه السلام إذ هو بظبي يقتحب(3) ويحرّك ذنبه ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : أفعل إن شاء اللّه .
ص: 315
ثمّ أقبل علينا فقال : هل علمتم ما قال الظبي ؟ قلنا : اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله وابن رسوله أعلم .
قال : إنّه أتاني وأخبرني أنّ بعض أهل المدينة نصب شبكة لأنثاه فأخذها ، وله خشفان لم ينهضا ، ولم يقويا للرعي ، فسألني أن أسألهم أن يطلقوها ، وضمن لي أنّها إذا ارتضعت خشفيهما حتى يقويا على النهوض والرعي أن يردّها عليهم ، فاستحلفته على ذلك ، فقال : برئت من ولايتكم أهل البيت إن لم أف ، وأنا فاعل به إن شاء اللّه تعالى .
فقال له أبو عبد اللّه البلخي : هذه سنّة فيكم كسنّة سليمان ، فسكت(1) عليه السلام .
موسى بن سعيد عن أبيه عن أبي بصير قال : اشتقت إلى رؤية الصادق عليه السلام ، فقال لي : يا أبا محمد ، تريد أن تراني ؟ فقلت : نعم .
فمسح بيده على عيني فرأيته ، ثمّ مسح على عيني ، فإذا أنا كما كنت(2) .
قال أبو الصباح الكناني : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ لنا جارا من همدان يقال له : الجعد بن عبد اللّه ، يسبّ أمير المؤمنين ، أفتأذن لي أن أقتله ؟
ص: 316
قال : إنّ الإسلام قيد الفتك ، ولكن دعه فستكفى بغيرك .
قال : فانصرفت إلى الكوفة ، فصلّيت الفجر في المسجد ، وإذا أنا بقائل يقول : وجد(1) الجعد بن عبد اللّه على فراشه مثل الزقّ المنفوخ ميّتا ، فذهبوا يحملونه إذا لحمه سقط عن عظمه فجمعوه على نطع وإذا تحته أسود ، فدفنوه(2) .
بصائر الدرجات عن سعد القمّي : قال أبو الفضل بن دكين : حدّثني محمد بن راشد عن أبيه عن جدّه قال : سألت جعفر بن محمد عليهماالسلامعلامة ، فقال : سلني ما شئت ، أخبرك إن شاء اللّه ، فقلت : أخا لي بات في هذه المقابر ، فتأمره أن يجيئني ؟
قال : فما كان اسمه ؟ قلت : أحمد ، قال : يا أحمد ، قم بإذن اللّه ، وبإذن جعفر بن محمد ، فقام - واللّه - وهو يقول : [ يا أخي اتبعه ولا تفارقه (3)](4) .
وفيه عن داود الرقّي قال : حجّ رجل من أصحابنا فدخل على أبي
ص: 317
عبد اللّه عليه السلام ، فقال له : فداك أبي وأمّي ، إنّ أهلي توفّيت وبقيت وحيدا ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : أفكنت تحبّها ؟ قال : نعم ، فقال : ارجع إلى منزلك ، فإنّها سترجع إلى المنزل ، وترجع أنت وهي جالسة بإذن اللّه تعالى .
قال : فلمّا رجعت من حجّتي دخلت المنزل ، فوجدتها قاعدة تأكل ، وبين يديها طبق عليه تمر وزبيب(1) .
وفيه عن جميل بن درّاج قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فدخلت عليه امرأة ، فذكرت أنّها تركت ابنها ميّتا مسجّى بالملحفة ، فقال لها : لعلّه لم يمت ، فقومي فاذهبي إلى بيتك ، واغتسلي وصلّي ركعتين ، وادعي اللّه وقولي : يا من وهبه لي ولم يك شيئا جدّد لي هبته ، ثمّ حرّكيه ولا تخبري بذلك أحدا .
فجاءت فحرّكته فإذا هو قد بكى(2) .
علي بن أبي حمزة ، قال : كان لي صديق من كبار بني أميّة ، فقال لي : استأذن لي على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فاستأذنت له .
ص: 318
فلمّا دخل سلّم وجلس ثمّ قال : جعلت فداك إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم ، فأصبت من دنياهم مالاً كثيرا ، وأغمضت في مطالبه ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : لولا أنّ بني أميّة وجدوا من يكتب لهم ، ويجبي لهم الفيء ، ويقاتل عنهم ، ويشهد جماعتهم ، لما سلبونا حقّنا ، ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما وجدوا شيئا إلاّ ما وقع في أيديهم .
فقال الفتى : جعلت فداك ، فهل لي من مخرج منه ؟ قال : إن قلت لك تفعل ؟ قال : أفعل ، قال : اخرج من جميع ما كسبت في دواوينهم ، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ، ومن لم تعرف تصدّقت به ، وأنا أضمن لك على اللّه الجنّة ، قال : فأطرق الفتى طويلاً ، فقال : قد فعلت ، جعلت فداك .
قال ابن أبي حمزة : فرجع الفتى إلى الكوفة ، فما ترك شيئا على وجه الأرض إلاّ خرج منه حتى ثيابه التي كانت على بدنه .
قال : فقسّمنا له قسمة ، واشترينا له ثيابا ، وبعثنا له بنفقة .
قال : فما أتى عليه أشهر قلائل حتى مرض ، فكنّا نعوده ، قال : فدخلت عليه يوما وهو في السياق(1) ، ففتح عينيه ، ثمّ قال : يا علي ، وفى [ لي ] - واللّه - صاحبك .
قال : ثمّ مات فولّينا أمره ، فخرجت حتى دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فلمّا نظر إليّ قال : يا علي ، وفينا لصاحبك ، قال : فقلت : صدقت ، جعلت فداك ، هكذا قال لي - واللّه - عند موته(2) .
ص: 319
سليمان بن خالد ، قال : خرجنا مع أبي عبد اللّه عليه السلام فانتهينا إلى نخلة خاوية ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : أيّتها النخلة السامعة المطيعة لربّها ، أطعمينا ممّا جعل اللّه فيك ، فتساقط علينا رطب مختلف ألوانه ، فأكلنا حتى تضلّعنا(1) .
فقال أبو عبد اللّه البلخي : سنّة فيكم كسنّة مريم عليهاالسلام ، فقال : نعم يا أبا عبد اللّه (2) .
داود الرقّي ، قال : خرج أخوان لي يريدان المزار ، فعطش أحدهما عطشا شديدا حتى سقط من الحمار ، وسقط الآخر في يده ، فقام فصلّى ودعا اللّه ومحمدا صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام ، كان يدعو واحدا بعد واحد حتى بلغ إلى آخرهم جعفر بن محمد عليهماالسلام ، فلم يزل يدعوه ويلوذ به ، فإذا هو برجل قد قام عليه وهو يقول : يا هذا ، ما قصّتك ؟ فذكر له حاله ، فناوله قطعة عود وقال : ضع هذا بين شفتيه ، ففعل ذلك ، فإذا هو قد فتح عينيه ، واستوى جالسا ولا عطش به ، فمضى حتى زار القبر .
فلمّا انصرفا إلى الكوفة أتى صاحب الدعاء المدينة ، فدخل على
ص: 320
الصادق عليه السلام ، فقال له : اجلس ، ما حال أخيك ؟ أين العود ؟ فقال : يا سيّدي إنّي لمّا أصبت بأخي اغتممت غمّا شديدا ، فلمّا ردّ اللّه عليه روحه نسيت العود من الفرح ، فقال الصادق عليه السلام : أما إنّه ساعة صرت إلى غمّ أخيك أتاني أخي الخضر ، فبعثت إليك على يديه قطعة عود من شجرة طوبى .
ثمّ التفت إلى خادم له ، فقال له : عليّ بالسفط ، فأتى به ، ففتحه وأخرج منه القطعة العود بعينها ، ثمّ أراها إيّاه حتى عرفها ، ثمّ ردّها إلى السفط .
داود النيلي ، قال : خرجت مع أبي عبد اللّه عليه السلام إلى الحجّ ، فلمّا كان أوان الظهر قال لي : يا داود ، اعدل بنا عن الطريق حتى نأخذ أهبة(1) الصلاة ، فقلت : جعلت فداك ، أو لسنا نحن في أرض قفر لا ماء فيها ؟ فقال لي : ما أنت وذاك ؟!
قال : فسكتّ ، وعدلنا عن الطريق ، فنزلنا في أرض قفر لا ماء فيها ، فركضها برجله ، فنبع لنا عين ماء يسيب كأنّه قطع الثلج ، فتوضّأ وتوضّيت ، ثمّ أدّينا ما علينا من الفرض .
فلمّا هممنا بالمسير التفت ، فإذا بجذع نخل ، فقال لي : يا داود ، أتحبّ أن أطعمك منه رطبا ؟ فقلت : نعم ، قال : فضرب بيده إلى الجذع ، فهزّه فأخضرّ من أسفله إلى أعلاه .
ص: 321
قال : ثمّ اجتذبه الثانية ، فأطعمنا اثنين وثلاثين نوعا من أنواع الرطب ، ثمّ مسح بيده عليه ، فقال : عد نخلاً بإذن اللّه تعالى ، قال : فعاد كسيرته الأُولى(1) .
أمالي أبي الفضل : قال أبو حازم عبد الغفّار بن الحسن : قدم إبراهيم بن أدهم الكوفة ، وأنا معه - وذلك على عهد المنصور - وقدمها جعفر بن محمد العلوي عليه السلام ، فخرج جعفر عليه السلام يريد الرجوع إلى المدينة ، فشيّعه
العلماء وأهل الفضل من أهل الكوفة ، وكان فيمن شيّعة سفيان الثوري وإبراهيم بن أدهم .
فتقدّم المشيّعون له ، فإذا هم بأسد على الطريق ، فقال لهم إبراهيم بن أدهم : قفوا حتى يأتي جعفر عليه السلام ، فننظر ما يصنع .
فجاء جعفر عليه السلام ، فذكروا له الأسد ، فأقبل حتى دنا من الأسد ، فأخذ بأذنه فنحّاه عن الطريق ، ثمّ أقبل عليهم ، فقال : أما إنّ الناس لو أطاعوا اللّه حقّ طاعته لحملوا عليه أثقالهم(2) .
وفي خبر الربيع : أنّه قال المنصور : يا أبا عبد اللّه ، إنّك تعلم الغيب ؟
ص: 322
قال : ومن أخبرك بهذا ؟ قال : هذا الشيخ ، قال : أفحلفه يا أمير المؤمنين ، قال : نعم .
فلمّا بدأ باليمين قال : قل : برئت من حول اللّه وقوّته والتجأت إلى حولي وقوّتي - وفي رواية : قل : أبرأ إلى اللّه من حوله وقوّته وألجأ إلى حولي وقوّتي- إن لم أكن سمعتك تقول هذا القول ، فما أتمّ الكلام حتى دلع لسانه ومات من وقته .
فقال المنصور : ما هذا اليمين ؟ قال جعفر عليه السلام : حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ العبد إذا حلف باليمين الذي ينزّه اللّه فيها وهو كاذب ، امتنع اللّه من عقوبته عليها في عاجلته لما نزّه اللّه .
ثمّ نهض جعفر عليه السلام ، فقال المنصور : ويلك - يا ربيع - اكتمها عن الناس لا يفتنون(1) .
وروي في المعجزات : أنّه استؤذن عليه لوافد ملك الهند ميزان(2) ، فأبى ، فبقي سنة محجوبا ، فشفّع فيه محمد بن سليمان الشيباني وأخوه يزيد ، فأمر الصادق عليه السلام بطيّ الحصر .
فلمّا دخل ميزان الهندي برك على ركبتيه وقال : أصلح اللّه الإمام
ص: 323
حجبتني سنة ، أهكذا أفعال أولاد الأنبياء ؟ فأطرق عليه السلام رأسه ثمّ رفعه وقال : « وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ » .
ثمّ قرأ الكتاب فإذا فيه : أمّا بعد ، فقد هدانا اللّه على يديك وجعلنا من مواليك ، وقد وجّهنا نحوك بجارية ذات حسن وجمال وخطر وبصر مع شيء من الطيب والحلل والحليّ على يدي أميني .
فقال له الإمام عليه السلام : ارجع - يا خائن - إلى من بعثك بهداياه ، قال : أبعد سنة هذا جوابي ؟ قال : هذا جوابك عندي . قال : ولمَ ؟ قال : لخيانتك .
ثمّ أمر بفروته أن تبسط على الأرض ، ثمّ صلّى ركعتين وسجد ، وقال في سجوده : اللّهمّ إنّي أسألك بمعاقد العزّ من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك أن تصلّي على محمد عبدك ورسولك وأمينك في خلقك وأن تنطق فروة هذا الهندي بفعله بلسان عربي مبين .
ثمّ رفع رأسه وقال : أيّها الفرو الطائع لربّ العالمين تكلّم بما تعلم من هذا الهندي ، وصِف لنا ما جنى .
قال : فانبسطت حتى ضاق عليها المكان ، ثمّ قلصت حتى صارت كشاة ، ثمّ قالت : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّ الملك ليستأمنه عليها ، وكان أمينا ، حتى مطر عليهم وابتلّ ثيابهم ، فأنفذ خدّامه إلى شراء شيء لينشف الثياب ، فخرجت الجارية مكشوفة ساقيها فهواها ، وما زال يكايدها حتى باضعها عليّ ، فأسألك أن تجيرني من النار من فساد هذا الزاني .
ص: 324
فجعل ميزان يرتعد ويستعفي ، فقال : لا يعفو عنك إلاّ أن تقرّ بما جنيت ، فأقرّ بجميع ذلك ، فأمره أن يلبس الفروة ، فلمّا لبسها خنق(1) عليه حتى اسودّ عنقه ، فأمرها عليه السلام أن تخلّي عنه ، ثمّ أمره أن يردّها إلى صاحبها .
فلمّا ردّها إليه خوّفها الملك ، فذكرت له ما كان من الفروة ، فضرب عنق ميزان(2) .
وفي كتاب الدلالات بثلاثة طرق عن الحسين بن أبي العلاء وعلي بن حمزة وأبي بصير ، قالوا : دخل رجل من أهل خراسان على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فقال له : جعلت فداك ، فلان بن فلان بعث معي بجارية ، وأمرني أن أدفعها إليك ، قال : لا حاجة لي فيها ، وإنّا أهل بيت لا يدخل الدنس بيوتنا ، فقال له الرجل : واللّه - جعلت فداك - لقد أخبرني أنّها مولدة بيته ، وأنّها ربيبته في حجرته ، قال : إنّها قد فسدت عليه ، قال : لا علم لي بهذا ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : ولكنّي أعلم أنّ هذا هكذا(3) .
ص: 325
علي بن إسماعيل عن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ لنا أموالاً ، ونحن نعامل الناس ، وأخاف إن حدث حدث أن تفرّق أموالنا ، قال : فقال : اجمع أموالك في كلّ شهر ربيع ، فمات إسحاق في شهر ربيع(1) .
الكافي : إنّ شاميّا سأله مناظرة أصحابه ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : كلامك هذا من كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله أو من عندك ؟ فقال : من كليهما ، فقال : فأنت شريك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ يا يونس ، هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلّم .
وأمر بإدخال بعض المتكلّمين ، فأدخل حمران بن أعين ، ومحمد بن النعمان الأحول ، وهشام بن سالم ، وقيس الماصر ، فأخرج أبو عبد اللّه عليه السلام رأسه من الخيمة فإذا هو ببعير يخبّ(2) ، فقال : هشام وربّ الكعبة ، فإذا هشام بن الحكم قد ورد .
فقال لحمران : كلّم الرجل ، فكلّمه فظهر عليه ، ثمّ أمر الطاقي ، فكلّمه فظهر عليه ، ثمّ أمر ابن سالم فكلّمه فتعارفا ، ثمّ أمر قيسا فكلّمه ، وأبو عبد اللّه عليه السلام يتبسّم من كلامهم ، وقد استخذل الشامي في يده .
ص: 326
ثمّ قال : كلّم هذا الغلام - يعني هشام بن الحكم - .
فقال : يا غلام ، سلني في إمامة هذا ، قال : أربّك أنظر لخلقه أم هم ؟ فقال : بل ربّي أنظر لخلقه ، قال : ففعل بنظره لهم في دينهم ماذا ؟ قال الشامي : كلّفهم وأقام لهم حجّة ودليلاً على ما كلّفهم ، وأزاح في ذلك عللهم ، فقال هشام : فما الدليل الذي نصبه لهم ؟ قال الشامي : هذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : فبعده مَن ؟ قال : الكتاب والسنّة ، قال : فهل ينفعنا اليوم الكتاب والسنّة فيما اختلفنا فيه حتى يرفع عنّا الاختلاف ويمكننا من الاتفاق ؟ قال : نعم ، قال : فلمَ اختلفنا نحن وأنت وجئتنا من الشام تخالفنا ، وتزعم أنّ الرأي طريق الدين ، وأنت مقرّ بأنّ الرأي لا يجمع على القول الواحد المختلفين ؟ فسكت الشامي متفكّرا .
فقال له الصادق عليه السلام : مالك لا تتكلّم ؟ قال : إن قلت : إنّنا ما اختلفنا كابرت ، وإن قلت : إنّ الكتاب والسنّة يرفعان عنّا الاختلاف أبطلت ، لأنّهما يحتملان الوجوه ، ولكن لي عليه مثل ذلك ، قال : سله تجده مليّا .
فقال الشامي لهشام : مَن أنظر للخلق ، ربّهم أم أنفسهم ؟ قال : بل ربّهم ، قال : فهل أقام لهم مَن يجمع كلمتهم ويرفع اختلافهم ؟ قال : في ابتداء الشريعة فرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأمّا بعده فغيره ، قال : ومن غير النبي صلى الله عليه و آله القائم مقامه في حجّته ؟ قال هشام : في وقتنا هذا أم قبله ؟ قال : بل في وقتنا هذا ، قال : هذا الجالس - يعني الصادق عليه السلام - الذي يخبرنا عن السماء وراثة عن أبّ عن جدّ ، قال : فكيف لي أن أعلم ذلك ؟ قال : سله عمّا بدا لك ، قال الشامي : قطعت عذري ؛ فعليّ السؤال .
ص: 327
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : أنا أكفيك المسألة ، يا شامي ، أخبرك عنمسيرك وسفرك ، خرجت يوم كذا ، وكان طريقك كذا ، ومررت على كذا ، ومرّ بك كذا .
فأقبل الشامي يقول : صدقت واللّه ، وحسن اعتقاده(1) .
عمر بن يزيد ، قال : دخل هشام بن الحكم - وكان جهميّا - على أبي عبد اللّه عليه السلام ليناظره - مرارا - ، وكان لا يقدر على التفوّه ، فسأله أبو عبد اللّه عليه السلام مسألة ، وهو يؤجّله .
ثمّ رآه مرّة أخرى بالحيرة ، فهاله منظر أبي عبد اللّه عليه السلام فبقي منسيا ، ووقف أبو عبد اللّه عليه السلام مليّا ينتظر ما يكلّمه ، فلمّا رأى حيرته ضرب بغلته وسار ، فترك هشام مذهبه ، ودان بدين الحقّ(2) .
يونس بن ظبيان ، والمفضّل بن عمر ، وأبو سلمة السرّاج ، والحسين بن ثوير قالوا : كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السلام فقال : عندنا خزائن الأرض
ص: 328
ومفاتيحها ، ولو شئت أن أقول بإحدى رجليّ : أخرجي ما فيك منالذهب ، لأخرجت .
ثمّ قال بإحدى رجليه ، فخطّها في الأرض خطّا ، فانفجرت الأرض ، ثمّ مال بيده فأخرج سبيكة ذهب قدر شبر ، ثمّ قال : انظروا حسنا ، فنظرنا فإذا سبائك كثيرة بعضها على بعض يتلألأ(1) .
معرفة الرجال عن أبي عمرو الكشّي : قال عمّار الساباطي لأبي عبد اللّه عليه السلام : جعلت فداك ، أحبّ أن تخبرني باسم اللّه - عزّ وجلّ - الأعظم ، فقال لي : إنّك لا تقوى على ذلك .
فلمّا ألححت عليه ، قال : فمكانك إذا ، ثمّ قام فدخل البيت هنيئة ، ثمّ صاح بي : ادخل ، فدخلت ، فقال لي : ما ذلك ؟ فقلت : أخبرني به ، جعلت فداك .
قال : فوضع يده على الأرض ، فنظرت إلى البيت يدور بي ، وأخذني أمر عظيم كدت أهلك ، فصحت ، فقلت : جعلت فداك ، حسبي لا أريد ذا(2) .
ص: 329
عبد اللّه بن كثير عن الصادق عليه السلام في خبر : هما - واللّه - أوّل من ظلمنا حقّنا ، وحملا الناس على رقابنا ، وجلسا مجلسا نحن أولى به منهما ، فلا غفر اللّه لهما ذلك الذنب ، كافران ، ومن يتولّهما كافر - يعني عدوّين له - .
وكان معنا في المجلس رجل من أهل خراسان يكنّى بأبي عبد اللّه ، فتغيّر لون الخراساني لمّا أن ذكرهما ، فقال له الصادق عليه السلام : لعلّك ورعت عن بعض ما قلنا ؟ قال : قد كان ذلك يا سيّدي ، قال : فهلاّ كان هذا الورع ليلة نهر بلخ حيث أعطاك فلان بن فلان جاريته لتبيعها ، فلمّا عبرت النهر فجرتَ بها في أصل شجرة كذا وكذا ؟!
قال : قد كان ذلك ، ولقد أتى على هذا الحديث أربعون سنة ، ولقد تبت إلى اللّه منه ، قال : يتوب عليك إن شاء اللّه (1) .
ص: 330
داود الرقّي : بلغ السيّد الحميري أنّه ذكر عند الصادق عليه السلام ، فقال : السيّد كافر ، فأتاه وسأل : يا سيّدي ، أنا كافر مع شدّة حبّي لكم ، ومعاداتي الناس فيكم ؟ قال : وما ينفعك ذاك ، وأنت كافر بحجّة الدهر والزمان ؟
ثمّ أخذ بيده وأدخله بيتا ، فإذا في البيت قبر ، فصلّى ركعتين ، ثمّ ضرب بيده على القبر، فصار القبر قطعا، فخرج شخص من قبره ينفض التراب عن رأسه ولحيته ، فقال له الصادق عليه السلام : من أنت ؟ قال : أنا محمد بن علي المسمّى
بابن الحنفيّة ، فقال : فمن أنا ؟ فقال : جعفر بن محمد حجّة الدهر والزمان .
فخرج السيّد يقول :
تجعفرت باسم اللّه فيمن تجعفرا(1)
* * *
عثمان بن عمر الكوّاء في خبر : إنّ السيّد قال له : اخرج إلى باب الدار ، تصادف غلاما نوبيّا على بغلة شهباء معه حنوط وكفن يدفعها إليك .
ص: 331
قال : فخرجت فإذا بالغلام الموصوف ، فلمّا رآني قال : يا عثمان ، إنّ سيّدي جعفر بن محمد عليهماالسلام يقول لك : ما آن أن ترجع عن كفرك وضلالك ، فإنّ اللّه - عزّ وجلّ - اطّلع عليك فرآك للسيّد خادما فانتجبك ، فخذ في جهازه .
الأغاني : قال عبّاد بن صهيب : كنت عند جعفر بن محمد عليهماالسلام ، فأتاه نعي السيّد ، فدعا له وترحّم عليه ، فقال له رجل : يا ابن رسول اللّه ، وهو يشرب الخمر ويؤمن بالرجعة ؟!
فقال عليه السلام : حدّثني أبي عن جدّي : إنّ محبّي آل محمد صلى الله عليه و آله لا يموتون إلاّ تائبين ، وقد تاب ، ورفع مصلّى كان تحته ، فأخرج كتابا من السيّد يعرّفه أنّه قد تاب ، ويسأله الدعاء(1) .
وفي أخبار السيّد : إنّه ناظر معه مؤمن الطاق في ابن الحنفيّة فغلبه عليه ، فقال :
تركت ابن خولة لا عن قلى
وإنّي لكالكلف الوامق
وإنّي له حافظ في المغيب
أدين بما دان في الصادق
ص: 332
هو الحبر حبر بني هاشم
ونور من الملك الرازق
به ينعش اللّه جمع العباد
ويجري البلاغة في الناطق
أتاني برهانه معلنا
فدنت ولم أك كالمائق
فمن صدّ بعد بيان الهدى
إلى حبتر وأبي حامق
* * *
فقال الطاقي : أحسنت ، الآن أتيت رشدك ، وبلغت أشدّك ، وتبوّأت من الخير موضعا ، ومن الجنّة مقعدا .
وأنشأ السيّد يقول :
تجعفرت باسم اللّه واللّه أكبر
وأيقنت أنّ اللّه يعفو ويغفر
ودنتُ بدين غير ما كنت دائنا
به ونهاني سيّد الناس جعفر
فقلت هب أنّي قد تهوّدت برهة
وإلاّ فديني دين من يتنصّر
فإنّي إلى الرحمن من ذاك تائب
وإنّي قد أسلمت واللّه أكبر
ولست بغال ما حييت وراجع
إلى ما عليه كنت أخفي وأظهر(1)
* * *
وأنشد :
أيا راكبا نحو المدينة جسرة
عذافرة يطوى بها كلّ سبسب(2)
ص: 333
إذا ما هداك اللّه عاينت جعفرا
فقلت وليّ اللّه وابن المهذّب
ألا يا أمين اللّه وابن وليّه
أتوب إلى الرحمن ثمّ تأوبي
إليك من الذنب الذي كنت مبطنا
أجاهد فيه دائبا كلّ مغرب
وأشهد ربّي أنّ قولك حجّة
على الناس طرّا من مطيع ومذنب
بذاك أدين اللّه سرّا وجهرة
ولست وإن عوتبت فيه بمعتب(1)
* * *
وأنشد فيه :
أمدح أبا عبد الإله
فتى البريّة في احتماله
سبط النبي محمد
حبل تفرّع من حباله
تغشى العيون الناظرات
إذا سمون إلى جلاله
عذب الموارد بحره
يروى الخلائف من سجاله
بحر أطلّ على البحور
يمدّهن ندى بلاله
سقت العباد يمينه
وسقى البلاد ندى شماله
يحكي السحاب يمينه
والودق يخرج من خلاله
الأرض ميراث له
والناس طرّا في عياله
يا حجّة اللّه الجليل
وعينه وزعيم آله
وابن الوصيّ المصطفى
وشبيه أحمد في كماله
ص: 334
أنت ابن بنت محمد
حذوا خلقت على مثاله
فضياء نورك نوره
وظلال روحك من ظلاله
فيك الخلاص عن الردى
وبك الهداية من ضلاله
أثني ولست ببالغ
عشر الفريدة من خصاله
* * *
ص: 335
ص: 336
ص: 337
ص: 338
ينقل عنه من العلوم ما لا ينقل عن أحد ، وقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات ، وكانوا أربعة آلاف رجل(1) .
بيان ذلك:
إنّ ابن عقدة مصنّف كتاب الرجال لأبي عبد اللّه عليه السلام عدّدهم فيه .
وكان حفص بن غياث إذا حدّث عنه قال : حدّثني خير الجعافر جعفر بن محمد(2) عليهماالسلام .
وكان علي بن غراب يقول : حدّثني الصادق جعفر بن محمد(3) عليهماالسلام .
حلية أبي نعيم : إنّ جعفر الصادق عليه السلام حدّث عنه من الأئمّة والأعلام :
مالك بن أنس ، وشعبة بن الحجّاج ، وسفيان الثوري ، وابن جريح ، وعبد اللّه بن عمرو ، وروح بن القاسم ، وسفيان بن عيينة ، وسليمان بن بلال ، وإسماعيل بن جعفر ، وحاتم بن إسماعيل ، وعبد العزيز بن المختار ، ووهب بن خالد ، وإبراهيم بن طحّان في آخرين .
ص: 339
قال : وأخرج عنه مسلم في صحيحه محتجّا بحديثه(1) .
وقال غيره : وروى عنه مالك ، والشافعي ، والحسن بن صالح ، وأبو أيّوب السجستاني ، وعمرو بن دينار ، وأحمد بن حنبل .
ص: 340
وقال مالك بن أنس : ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق عليه السلام فضلاً وعلما وعبادة وورعا(1) .
وسئل سيف الدولة عبد الحميد المالكي قاضي الكوفة عن مالك ، فوصفه وقال : وكان جربند(2) جعفر الصادق عليه السلام - أي الربيب - .
وكان مالك كثيرا ما يدّعي سماعه وربّما قال : حدّثني الثقة(3) - يعنيه عليه السلام - .
وجاء أبو حنيفة ليسمع منه ، وخرج أبو عبد اللّه عليه السلام يتوكّأ على عصا ، فقال له أبو حنيفة : يا ابن رسول اللّه ، ما بلغت من السنّ ما تحتاج معه إلى العصا .
قال : هو كذلك ، ولكنّها عصا رسول اللّه صلى الله عليه و آله أردت التبرّك بها .
ص: 341
فوثب أبو حنيفة وقال له : أقبّلها يا ابن رسول اللّه ، فحسر أبو عبد اللّه عليه السلامعن ذراعه وقال له : واللّه ، لقد علمت أنّ هذا بشر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنّ هذا
من شعره ، فما قبّلته وتقبّل عصا(1) ؟
أبو عبد اللّه المحدّث في رامش أفزاي : إنّ أبا حنيفة من تلامذته ، وإنّ أمّه كانت في حبالة الصادق(2) عليه السلام !
قال : وكان محمد بن الحسن أيضا من تلامذته ، ولأجل ذلك كانت بنو العبّاس لم تحترمهما .
قال : وكان أبو زيد البسطامي - طيفور السقّاء - خدمه وسقاه ثلاث عشرة سنة(3) .
وقال أبو جعفر الطوسي : كان إبراهيم بن أدهم ومالك بن دينار من غلمانه .
ودخل إليه سفيان الثوري يوما ، فسمع منه كلاما أعجبه ، فقال : هذا
ص: 342
- واللّه - يا ابن رسول اللّه الجوهر ، فقال له : بل هذا خير من الجوهر ،وهل الجوهر إلاّ حجر(1) ؟
الترغيب والترهيب عن أبي القاسم الإصفهاني : إنّه دخل عليه سفيان الثوري ، فقال عليه السلام : أنت رجل مطلوب ، وللسلطان علينا عيون ، فاخرج عنّا غير مطرود(2) . . القصّة .
ودخل عليه الحسن بن صالح بن حيّ فقال له : يا ابن رسول اللّه ، ما تقول في قوله تعالى : « أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ » ؟ مَن أولي الأمر الذين أمر اللّه بطاعتهم ؟ قال : العلماء .
فلمّا خرجوا قال الحسن : ما صنعنا شيئا ، ألا سألناه من هؤلاء العلماء ؟ قال : فسألوه ، فقال : الأئمّة منّا أهل البيت(3) .
وقال نوح بن درّاج لابن أبي ليلى : أكنت تاركا قولاً قلته أو قضاء قضيته لقول أحد ؟
ص: 343
قال : لا ، إلاّ رجل واحد ، قلت : من هو ؟ قال : جعفر بن محمد عليهماالسلام(1) .
الحلية : قال عمرو بن المقدام : كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد عليهماالسلام علمت أنّه من سلالة النبيّين(2) .
ولا تخلو كتب أحاديث وحكمة وزهد وموعظة من كلامه ، يقولون : قال جعفر بن محمد الصادق عليهماالسلام ، قال جعفر الصادق عليه السلام .
ذكره النقّاش والثعلبي والقشيري والقزويني في تفاسيرهم .
وذكر في الحلية، والإبانة، وأساب النزول، والترغيب والترهيب، وشرف المصطفى صلى الله عليه و آله ، وفضائل الصحابة ، وفي تاريخ الطبري ، والبلاذري ، والخطيب ، ومسند أبي حنيفة ، واللالكائي ، وقوت القلوب ، ومعرفة علوم الحديث لابن البيع .
وقد روت الأمّة بأسرها عنه دعاء أمّ داود .
ص: 344
العلاء بن سيابة عن الصادق عليه السلام قال : إنّا لنعلم ما في الليل والنهار(1) .
وفي رواية : إنّي لأعلم ما في السماوات ، وما في الأرض ، وما في الجنّة ، وما في النار ، وما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة ، ثمّ سكت .
ثمّ قال : وعلمه في كتاب اللّه أنظر إليه هكذا ، ثمّ بسط كفّه وقال : إنّ اللّه يقول : فيه تبيان كلّ شيء(2)(3) .
وسئل عن محمد بن عبد اللّه بن الحسن ، فقال عليه السلام : ما من نبي ولا وصيّولا ملك إلاّ هو في كتاب عندي - يعني مصحف فاطمة عليهاالسلام - ، واللّه ما لمحمد بن عبد اللّه فيه اسم(1) .
أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : كان سليمان عنده اسم اللّه الأكبر الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى ، ولو كان اليوم لاحتاج إلينا(2) .
صفوان بن يحيى عن بعض رجاله عن الصادق عليه السلام قال : واللّه لقد أعطينا علم الأوّلين والآخرين ، فقال له رجل من أصحابه : جعلت فداك ، أعندكم علم الغيب ؟
فقال له : إنّي لأعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، ويحكم ، وسّعوا صدوركم ، ولتبصر أعينكم ، ولتع قلوبكم ، فنحن حجّة اللّه - تعالى - في خلقه ، ولن يسع ذلك إلاّ صدر كلّ مؤمن قويّ قوّته كقوّة
ص: 346
جبال تهامة بإذن اللّه ، واللّه لو أردت أن أحصي لكم كلّ حصاة عليها لأخبرتكم ، وما من يوم ولا ليلة إلاّ والحصى يلد إيلادا كما يلد هذاالخلق ، وواللّه لتتباغضون بعدي حتى يأكل بعضكم بعضا .
بكير بن أعين ، قال : قبض أبو عبد اللّه عليه السلام على ذراع نفسه ، وقال : يا بكير ، هذا - واللّه - جلد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهذه - واللّه - عروق رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهذا - واللّه - لحمه ، وهذا عظمه ، وإنّي لأعلم ما في السماوات ، وأعلم ما في الأرض ، وأعلم ما في الدنيا ، وأعلم ما في الآخرة .
فرأى تغيّر جماعة ، فقال : يا بكير ، إنّي لأعلم ذلك من كتاب اللّه - تعالى - إذ يقول : « وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ » .
المرشد : أبو يعلى الجعفري ، وأبو الحسين الكوفي ، وأبو جعفر الطوسي : أنّه قال زيد بن علي لسورة بن كليب : يا سورة ، كيف علمتم أنّ صاحبكم على ما تذكرون ؟
قال : كنّا نأتي أخاك محمد بن علي عليهماالسلام ، فنسأله فيقول : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال اللّه ، ثمّ مضى أخوك فأتيناكم آل محمد صلى الله عليه و آله ، وأنت فيمن أتينا فأجبتم عن بعض ، فأتينا ابن أخيك أبا عبد اللّه عليه السلام ، فقال لنا كما قال أبوه ، ولم يترك شيئا ممّا سألنا عنه إلاّ أجابنا فيه بما يقع .
ص: 347
قال : فتبسّم زيد ، ثمّ قال : أما - واللّه - لئن قلت هذا ، فإنّ كتب علي عليه السلام عنده دوننا(1) .
تفسير علي بن إبراهيم : إنّ زنديقا سأل أبا جعفر الأحول عن قوله تعالى : « فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً » ، ثمّ قال : « وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ » ، وبين القولين فرق .
فاستمهل الأحول ، وسأل الصادق عليه السلام ، فقال : أمّا قوله : « فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا » ، فإنّه عنى في النفقة ، وأمّا قوله : « وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا » ، فإنّه عنى في المودّة ، فإنّه لا يقدر أحد أن يعدل بين امرأتين في المودّة .
قال : فرجعت إلى الرجل فأخبرته ، فقال : هذا ما حملته [ الإبل ] من الحجاز(2) .
غرر المرتضى : قيل : إنّ الجعد بن درهم جعل في قارورة ماء وترابا ، فاستحال دودا وهواما ، فقال لأصحابه : أنا خلقت ذلك ، لأنّي كنت سبب كونه .
ص: 348
فبلغ ذلك جعفر بن محمد عليهماالسلام فقال : لِيقُل : كم هي ؟ وكم الذكران منه والإناث - إن كان خلقه - ؟ وكم وزن كلّ وحدة منهنّ ؟ وليأمر الذي سعىإلى هذا الوجه أن يرجع إلى غيره .
فانقطع وهرب(1) .
حلية الأولياء : قال أحمد بن المقدام الرازي : وقع الذباب على المنصور فذبّه عنه ، فعاد فذبّه حتى أضجره .
فدخل جعفر بن محمد عليهماالسلام ، فقال له المنصور : يا أبا عبد اللّه ، لمَ خلق الذباب ؟ قال : ليذلّ به الجبابرة(2) .
ودخل عمرو بن عبيد عليه وقرأ : « إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ » ، وقال : أحبّ أن أعرف الكبائر من كتاب اللّه ، فقال : نعم يا عمرو ، ثمّ فصّله بأنّ الكبائر :
الشرك باللّه : « إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ » .
واليأس : و« لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّهِ » .
ص: 349
وعقوق الوالدين ، لأنّ العاقّ جبّار شقيّ : « وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا » .
وقتل النفس : « وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤمِناً مُتَعَمِّداً » .
وقذف المحصنات : [ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الُْمحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالآْخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (1)] .
وأكل مال اليتيم : « إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى » .
والفرار من الزحف : « وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ » .
وأكل الربا : « الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا » .
والسحر : « وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ » .
والزنا : « وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى » ، « وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً » .
واليمين الغموس : « إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً » .
والغلول : « وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ » .
ومنع الزكاة : « يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ » .
وشهادة الزور وكتمان الشهادة : « وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ » .
وشرب الخمر ، لقوله صلى الله عليه و آله : شارب الخمر كعابد وثن .
وترك الصلاة ، لقوله : من ترك الصلاة متعمّدا فقد برئ من ذمّة اللّه وذمّة رسوله صلى الله عليه و آله .
ونقض العهد وقطيعة الرحم : « الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ » .
ص: 350
وقول الزور والجرأة على اللّه : « أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللّهِ » .
وكفران النعمة : « وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ » .
وبخس الكيل والوزن : « وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ » .
واللّواط : « الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإِْثْمِ » .
والبدعة ، قوله عليه السلام : من تبسّم في وجه مبتدع فقد أعان على هدم دينه .
قال : فخرج عمرو وله صراخ من بكائه ، وهو يقول : هلك من سلب تراثكم ونازعكم في الفضل والعلم(1) .
أبو جعفر بن بابويه في الهداية : قال الصادق عليه السلام : الكبائر سبع ، فينا نزلت ، ومنّا استحلّت :
فأوّلها الشرك باللّه ، وقتل النفس التي حرّم اللّه ، وأكل مال اليتيم ، وعقوق الوالدين ، وقذف المحصنات ، والفرار من الزحف ، وإنكار حقّنا .
فأمّا الشرك باللّه ، فقد أنزل اللّه فيه ما أنزل ، وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله فينا ما قال ، [ فكذّبوا اللّه ] وكذّبوا رسوله صلى الله عليه و آله ، وأشركوا باللّه .
وأمّا قتل النفس التي حرم اللّه ، فقد قتلوا الحسين عليه السلام وأصحابه .
ص: 351
وأمّا أكل مال اليتيم ، فقد ذهبوا بفيئنا الذي جعله لنا ، وأعطوه غيرنا .
وأمّا عقوق الوالدين ، فقد أنزل اللّه في كتابه : « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤمِنِينَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ » ، فعقّوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ذرّيته ، وعقّوا أمّهم خديجة عليهاالسلام في ذرّيتها .
وأمّا قذف المحصنات ، فقد قذفوا فاطمة عليهاالسلام على منابرهم .
وأمّا الفرار من الزحف ، فقد أعطوا أمير المؤمنين عليه السلام ببيعتهم طائعين غير مكرهين ، ففرّوا عنه وخذلوه .
وأمّا إنكار حقّنا ، فهذا مالنا يتنازعون فيه(1) .
أبو جعفر الطوسي في الأمالي ، وأبو نعيم في الحلية ، وصاحب الروضة بالإسناد والرواية يزيد بعضها على بعض ، عن محمد الصيرفي ، وعن عبد الرحمن بن سالم :
إنّه دخل ابن شبرمة وأبو حنيفة على الصادق عليه السلام ، فقال لأبي حنيفة : اتّق اللّه ولا تقس الدين برأيك ، فإنّ أوّل من قاس إبليس ، إذ أمره اللّه بالسجود ، فقال : « أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ » .
ص: 352
ثمّ قال : هل تحسن أن تقيس رأسك من جسده ؟ قال : لا ، قال : فأخبرني عن الملوحة في العينين ، والمرارة في الأذنين ، والبرودة فيالمنخرين ، والعذوبة في الشفتين ، لأيّ شيء جعل ذلك ؟ قال : لا أدري .
فقال عليه السلام : إنّ اللّه - تعالى - خلق العينين فجعلهما شحمتين ، وجعل الملوحة فيهما منّا على بني آدم ، ولولا ذلك لذابتا ، وجعل المرارة في الأذنين منّا منه على بني آدم ، ولولا ذلك لقحمت الدوابّ ، فأكلت دماغه ، وجعل الماء في المنخرين ليصعد النفس وينزل ، ويجد منه الريح الطيبة والرديّة ، وجعل العذوبة في الشفتين ليجد ابن آدم لذّة مطعمه ومشربه .
ثمّ قال له : أخبرني عن كلمة أوّلها شرك وآخرها إيمان ؟ قال : لا أدري ، قال : لا إله إلاّ اللّه .
ثمّ قال : أيّما أعظم عند اللّه - تعالى - القتل أو الزنا ؟ فقال : بل القتل ، قال : فإنّ اللّه - تعالى - قد رضى في القتل شاهدين ، ولم يرض في الزنا إلاّ أربعة .
ثمّ قال : إنّ الشاهد على الزنا شهد على إثنين ، وفي القتل على واحد ، لأنّ القتل فعل واحد ، والزنا فعلين .
ثمّ قال : أيّما أعظم عند اللّه الصوم أو الصلاة ؟ قال : لا ، بل الصلاة ، قال : فما بال المرأة إذا حاضت تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ ثمّ قال : لأنّها تخرج إلى صلاة فتداومها ، ولا تخرج إلى صوم .
ثمّ قال : المرأة أضعف أم الرجل ؟ قال : المرأة ، قال : فما بال المرأة - وهي ضعيفة - لها سهم واحد ، والرجل - قوي - له سهمان ؟
ص: 353
ثمّ قال : لأنّ الرجل يجبر على الإنفاق على المرأة ، ولا تجبر المرأة على الإنفاق على الرجل .
ثمّ قال : البول أقذر أم المني ؟ قال : البول ، قال : يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني ، وقد أوجب اللّه الغسل من المني دون البول .
ثمّ قال عليه السلام : لأنّ المني اختيار ، ويخرج من جميع الجسد ، ويكون في الأيّام، والبول ضرورة ، ويكون في اليوم مرّات ، وهو مختار ، والآخر متولج.
قال أبو حنيفة : كيف يخرج من جميع الجسد واللّه يقول : « يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ » ؟
قال أبو عبد اللّه عليه السلام : فهل قال : لا يخرج من غير هذين الموضعين ؟
ثمّ قال عليه السلام : لمَ لا تحيض المرأة إذا حبلت ؟ قال : لا أدري ، قال : حبس اللّه الدم فجعله غذاء للولد .
ثمّ قال : أين مقعد الكاتبَين ؟ قال : لا أدري ، قال : مقعدهما على الناجذين ، والفم الدواة ، واللسان القلم ، والريق المداد .
ثمّ قال : لمَ يضع الرجل يده على مقدّم رأسه عند المصيبة ، والمرأة تضعهما على خدّها ؟ قال : لا أدري ، فقال : اقتداء بآدم وحوّاء عليهماالسلامحيث أهبطا من الجنّة ، أما ترى أنّ من شأن الرجل الاكتباب(1) عند المصيبة ، ومن شأن المرأة رفعها رأسها إلى السماء إذا بكت ؟
ص: 354
ثمّ قال : ما ترى في رجل كان له عبد ، فتزوّج وزوّج عبده في ليلة واحدة ، ثمّ سافرا ، وجعلا امرأتهما في بيت واحد ، فسقط البيت عليهم ،فقتل المرأتين وبقى الغلامين ، أيّهما في رأيك المالك ، وأيّهما المملوك ، وأيّهما الوارث وأيّهما الموروث ؟
ثمّ قال : فما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح ، وأقطع قطع يد رجل كيف يقام عليهما الحدّ ؟
ثمّ قال : فأخبرني عن قول اللّه - تعالى - لموسى وهارون عليهماالسلام حين بعثهما إلى فرعون : « لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى » ، « لعلّ » منك شكّ ؟ قال : نعم ، قال : وكذلك من اللّه شكّ ، إذ قال : لعلّه ؟
ثمّ قال : أخبرني عن قول اللّه : « وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيّاماً آمِنِينَ » ، أيّ موضع هو ؟ قال : هو ما بين مكّة والمدينة ، قال : نشدتكم اللّه ، هل تسيرون بين مكّة والمدينة تأمنون على دمائكم من القتل وعلى أموالكم من السرقة ؟
ثمّ قال : وأخبرني عن قوله : « وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً » ، أيّ موضع هو ؟ قال : ذاك بيت اللّه الحرام ، فقال : نشدتكم باللّه ، هل تعلمون أنّ عبد اللّه بن الزبير وسعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل ؟
قال : فاعفني يا ابن رسول اللّه .
قال : فأنت الذي تقول : « سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللّهُ » ؟ قال : أعوذ باللّه من هذا القول .
ص: 355
قال: إذا سئلت فما تصنع؟ قال: أجيب عن الكتاب أو السنّة أو الاجتهاد.
قال : إذا اجتهدت من رأيك وجب على المسلمين قبوله ؟ قال : نعم .قال : وكذلك وجب قبول ما أنزل اللّه ، فكأنّك قلت : « سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللّهُ »(1) !
وفي حديث محمد بن مسلم : إنّ الصادق عليه السلام قال لأبي حنيفة : أخبرني عن هاتين الركبتين(2) اللتين في يدي حمارك ليس ينبت عليها شعر ؟ قال أبو حنيفة : خلق كخلق أذنيك في جسدك وعينيك .
فقال له : ترى هذا قياسا ؟! إنّ اللّه - تعالى - خلق أذني لأسمع بهما ، وخلق عيني لأبصر بهما ، فهذا لما خلقه في جميع الدوابّ وما ينتفع به .
فانصرف أبو حنيفة معتبا .
فقلت : أخبرني ما هي ؟ قال : إنّ اللّه - تعالى - يقول في كتابه : « لَقَدْ خَلَقْنَا الإِْنْسانَ فِي كَبَدٍ » يعني منتصبا في بطن أمّه ، غذاؤه من غذائها ممّا تأكل وتشرب ، [ تنسمه(3) تنسيما وميثاقه (4)] بين عينيه ، فإذا أذن اللّه - عزّ وجلّ - في ولادته أتاه ملك يقال له « حيوان » ، فزجره زجرة انقلب
ص: 356
ونسي الميثاق ، وخلق جميع البهائم في بطن أمّهاتهنّ منكوسة ، مؤخّره إلى مقدّم أمّه كما يأخذ الإنسان في بطن أمّه ، فهاتان النكتتان السوداوتان اللتان ترى ما بين الدواب هو موضع عيونها في بطن أمّهاتها ، فليسينبت عليها الشعر ، وهو لجميع البهائم ما خلا البعير ، فإنّ عنق البعير طال ، فتقدّم رأسه بين يديه ورجليه(1) .
النهاية : روى المحاملي عن الرفاعي قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قبل رجلاً يحفر له بئرا عشرة قامات بعشرة دراهم ، فحفر له قامة ثمّ عجز ؟
قال : تقسم عشرة على خمسة وخمسين جزءا ، فما أصاب واحدا فهو للقامة الأولى ، والإثنين للإثنين ، والثلاثة للثلاثة ، وعلى هذا الحساب إلى عشرة(2) .
وروى فيها : أنّه سئل الصادق عليه السلام عن رجل سارق دخل على امرأة
ص: 357
ليسرق متاعها ، فلمّا جمع الثياب نازعته نفسه ، فكابرها على نفسها ، فواقعها ، فتحرّك ابنها ، فقام فقتله بفأس كان معه ، فلمّا فرغ حمل الثياب ، وذهب ليخرج ، فحملت عليه بالفأس فقتلته ، فجاء أهله يطلبون بدمهمن الغد ؟
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : اقض على هذا كما وصفت لك ، قال : تضمن مواليه الذين طلبوا بدمه دية الغلام ، ويضمن السارق فيما ترك أربعة آلاف درهم لمكابرتها على فرجها ، إنّه زان ، وهو في ماله غرامة ، وليس عليها في قتلها إيّاه شيء لأنّه سارق(1) .
وفيها : إنّه سئل عن رجل تزوّج بامرأة ، فلمّا كانت ليلة البناء بها عمدت المرأة إلى رجل صديق لها فأدخلته الحجلة ، فلمّا كان الرجل يباضع أهله ثار الصديق واقتتلا في البيت ، فقتل الزوج الصديق ، وقامت المرأة فضربت الزوج ضربة فقتلته بالصديق ؟
فقال عليه السلام : تضمن المرأة دية الصديق ، وتقتل بالزوج(2) .
ص: 358
وذكر أبو القاسم البغار في مسند أبي حنيفة : قال الحسن بن زياد : سمعت أبا حنيفة وقد سئل مَن أفقه مَن رأيت ؟ قال : جعفر بن محمد عليهماالسلام ، لمّا أقدمه المنصور بعث إليّ فقال : يا أبا حنيفة ، إنّ الناس قد فتنوا بجعفربن محمد ، فهيّأ له من مسائلك الشداد ، فهيّأت له أربعين مسألة .
ثمّ بعث إليّ أبو جعفر ، وهو بالحيرة ، فأتيته ، فدخلت عليه ، وجعفر عليه السلام جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر عليه السلامما لم يدخلني لأبي جعفر ، فسلّمت عليه ، فأومأ إليّ فجلست .
ثمّ التفت إليه ، فقال : يا أبا عبد اللّه ، هذا أبو حنيفة ، قال : نعم ، أعرفه ، ثمّ التفت إليّ ، فقال : يا أبا حنيفة ، الق على أبي عبد اللّه من مسائلك .
فجعلت ألقي عليه فيجيبني ، فيقول : أنتم تقولون كذا ، وأهل المدينة يقولون كذا ، ونحن نقول كذا ، فربما تابعناكم ، وربما تابعناهم ، وربما خالفنا جميعا ، حتى أتيت على الأربعين مسألة ، فما أخلّ منها بشيء .
ثمّ قال أبو حنيفة : أليس إنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس(1) ؟
أبان بن تغلب في خبر : إنّه دخل يماني على الصادق عليه السلام ، فقال له : مرحبا بك يا سعد ، فقال الرجل : بهذا الاسم سمّتني أمّي ، وقلّ من يعرفني به !
ص: 359
فقال : صدقت يا سعد المولى ، فقال : جعلت فداك ، بهذا كنت ألقّب .
فقال : لا خير في اللّقب ، إنّ اللّه يقول : « وَلا تَنابَزُوا بِالأَْلْقابِ » ، ما صناعتك يا سعد ؟ قال : أنا من أهل بيت ننظر في النجوم .
فقال : كم ضوء الشمس على ضوء القمر درجة ؟ قال : لا أدري .قال : فكم ضوء القمر على ضوء الزهرة درجة ؟ قال : لا أدري .
قال : فكم للمشتري من ضوء عطارد ؟ قال : لا أدري .
قال : فما اسم النجوم التي إذا طلعت هاجت البقر ؟ قال : لا أدري .
فقال : يا أخا أهل اليمن ، عندكم علماء ؟ قال : نعم ، إنّ عالمهم ليزجر الطير ، ويقفو الأثر في الساعة الواحدة مسيرة سير الراكب المجدّ .
فقال عليه السلام : إنّ عالم المدينة أعلم من عالم اليمن ، لأنّ عالم المدينة ينتهي إلى حيث لا يقفو الأثر ، ويزجر الطير ، ويعلم ما في اللحظة مسيرة الشمس تقطع(1) إثني عشر برجا وإثني عشر بحرا ، وإثني عشر عالما .
قال : ما ظننت أنّ أحدا يعلم هذا ويدري(2) .
سالم الضرير : إنّ نصرانيا سأل الصادق عليه السلام تفصيل الجسم ، فقال عليه السلام : إنّ اللّه - تعالى - خلق الإنسان على إثني عشر وصلاً ، وعلى مائتين وستّة
ص: 360
وأربعين عظما ، وعلى ثلاثمائة وستّين عرقا ، فالعروق هي التي تسقي الجسد كلّه ، والعظام تمسكها ، واللحم يمسك العظام ، والعصب يمسك اللحم .
وجعل في يديه إثنين وثمانين عظما ، في كلّ يد أحد وأربعون عظما ، منها في كفّه خمسة وثلاثون عظما ، وفي ساعده إثنان ، وفي عضده واحد ،وفي كتفه ثلاثة ، وكذلك في الأخرى .
وفي رجله ثلاثون وأربعون عظما ، منها في قدمه خمسة وثلاثون عظما ، وفي ساقه إثنان ، وفي ركبته ثلاثة ، وفي فخذه واحد ، وفي وركه إثنان ، وكذلك في الأخرى .
وفي صلبه ثماني عشرة فقارة ، وفي كلّ واحد من جنبيه تسعة أضلاع ، وفي عنقه ثمانية ، وفي رأسه ستّة وثلاثون عظما .
وفي فيه ثمانية وعشرون ، وإثنان وثلاثون .
عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : تزول الشمس في النصف من حزيران على نصف قدم ، وفي النصف من تموز على قدم ونصف ، وفي النصف من آب على قدمين ونصف ، وفي النصف من أيلول على ثلاثة ونصف ، وفي النصف من تشرين الأوّل على خمسة ونصف ، وفي النصف من تشرين الأخير على سبعة ونصف ، وفي النصف من كانون الأوّل على تسعة ونصف ، وفي النصف من كانون الأخير على سبعة ونصف ، وفي النصف من شباط على خمسة ونصف ، وفي النصف من آذار على ثلاثة
ص: 361
ونصف ، وفي النصف من نيسان على قدمين ونصف ، وفي النصف من أيار على قدم ونصف ، وفي النصف من حزيران على نصف قدم(1) .
يونس في حديثه ، قال : سأل ابن أبي العوجاء أبا عبد اللّه عليه السلام : لما اختلف منيات الناس ، فمات بعضهم بالبطن وبعضهم بالسلّ ؟
فقال عليه السلام : لو كانت العلّة واحدة أمن الناس حتى تجيء تلك العلّة بعينها ، فأحبّ اللّه أن لا يؤمن حال .
قال : ولِمَ يميل القلب إلى الخضرة أكثر ممّا يميل إلى غيرها ؟
قال : من قبل أنّ اللّه - تعالى - خلق القلب أخضر ، ومن شأن الشيء أن يميل إلى شكله .
ويروى : إنّه لمّا جاء إلى أبي عبد اللّه عليه السلام قال له : ما اسمك ؟ فلم يجبه ، وأقبل عليه السلام على غيره ، فانكفى راجعا إلى أصحابه ، فقالوا : ما وراك ؟ قال : شرّ ، ابتدأني فسألني عن اسمي ، فإن كنت قلت : عبد الكريم ، فيقول : من هذا الكريم الذي أنت عبده ؟ فإمّا أقرّ بمليك ، وإمّا أظهر منّي ما أكتم ،
ص: 362
فقالوا : انصرف عنّه(1) .
فلمّا انصرف قال عليه السلام وأقبل ابن أبي العوجاء إلى أصحابه محجوجا قدظهر عليه ذلّة الغلبة .
فقال من قال منهم : إنّ هذه للحجّة الدامغة صدق ، إن لم يكن خير يرجى ولا شرّ يتّقى ، فالناس شرع سواء ، وإن لم يكن منقلب إلى ثواب وعقاب فقد هلكنا .
فقال ابن أبي العوجاء لأصحابه : أو ليس بابن الذي نكّل بالخلق ، وأمر بالحلق ، وشوّه عوراتهم ، وفرّق أموالهم ، وحرّم نسائهم ؟
علي بن محمد عن أبيه رفعه ، قال : قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ الشمس تطلع بين قرني الشيطان ؟
قال : نعم ، إنّ إبليس اتّخذ عرشا بين السماء والأرض ، فإذا طلعت الشمس وسجد في ذلك الوقت الناس قال إبليس : إنّ بني آدم يصلّون لي(2).
معاوية بن عمّار : سئل الصادق عليه السلام : لِمَ لا تجوز المكتوبة في جوف الكعبة ؟
ص: 363
قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يدخلها في حجّ ولا عمرة ، ولكن دخلها في فتح مكّة ، فصلّى فيها ركعتين بين العمودين ، ومعه أسامة(1) .
وسئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن السعي بين الصفا والمروة فريضة أو سنّة ؟ فقال : فريضة .
قيل : قال اللّه : « فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما » ؟
قال : ذاك عمرة القضاء ، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام عن الصفا والمروة ، فتشاغل رجل حتى انقضت الأيّام ، فأعيدت الأصنام ، فجاؤوا إليه فقالوا : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّ فلانا لم يسع بين الصفا والمروة ، وقد أعيدت الأصنام ، فأنزل اللّه : « فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما » ، أي : وعليهما الأصنام(2) .
امرأة أوصت بثلثها يتصدّق به عنها ويحجّ عنها ويعتق بها ، فلم يسع المال ذلك ؟
ص: 364
فسئل أبو حنيفة وسفيان الثوري ، فقال كلّ واحد منهما : انظر إلى رجل قد حجّ فقطع به فيقوى ، ورجل قد سعى في فكاك رقبة ، فبقي عليهشيء فيعتق ، ويتصدّق بالبقيّة .
فسأل معاوية بن عمّار أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك ، فقال : إبدأ بالحجّ ، فإنّ الحجّ فريضة ، وما بقي فضعه في النوافل .
فبلغ ذلك أبا حنيفة ، فرجع عن مقاله(1) .
وقال بعض الخوارج لهشام بن الحكم : العجم تتزوّج في العرب ؟ قال : نعم .
قال : فالعرب تتزوّج في قريش؟ قال : نعم .
قال : فقريش تتزوّج في بني هاشم ؟ قال : نعم .
فجاء الخارجي إلى الصادق عليه السلام ، فقصّ عليه ، ثمّ قال : أسمعه منك ؟ فقال عليه السلام : نعم ، قد قلت ذاك .
قال الخارجي : فها أنا ذا قد جئتك خاطبا ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّك لكفو في دينك ! وحسبك في قومك ، ولكنّ اللّه - عزّ وجلّ - صاننا عن الصدقات ، وهي أوساخ أيدي الناس ، فنكره أن نشرك فيما فضّلنا اللّه به مَن لم يجعل اللّه له مثل ما جعل لنا .
ص: 365
فقام الخارجي وهو يقول : باللّه ما رأيت رجلاً مثله ، ردّني - واللّه - أقبح ردّ ، وما خرج من قول صاحبه(1) .
وقال عمرو بن المقدام : نادى رجل بأبي جعفر [ المنصور ] : يا أمير المؤمنين ، إنّ هذين الرجلين طرقا أخي ليلاً ، فأخرجاه من منزله ، فلم يرجع إليّ ، فواللّه ما أدري ما صنعا به ، فقالا : يا أمير المؤمنين ، كلّمناه ، ثمّ
رجع إلى منزله .
فتقدّم إلى الصادق عليه السلام ، فقال : يا غلام ، اكتب :
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : كلّ من طرق رجلاً بالليل ، فأخرجه من منزله ، فهو له ضامن إلى أن يقيم البيّنة ، إنّه قد ردّه إلى منزله ، قم - يا غلام - نحّ هذا فاضرب عنقه .
فقال : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ما قتلته ، ولكن أمسكته ، ثمّ جاء هذا فوجأه فقتله .
فقال : أنا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، يا غلام نحّ هذا فاضرب عنق الآخر .
فقال : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، واللّه ما عذّبته ، ولكن قتلته بضربة واحدة .
فأمر أخاه فضرب عنقه ، ثمّ أمر بالآخر فضرب جنبيه ، وحبسه
ص: 366
في السجن ، ووقع على رأسه يحبس عمره ، ويضرب كلّ سنة خمسين جلدة(1) .
وسئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن أربعة أنفس قتلوا رجلاً ، مملوك وحرّ وحرّة ومكاتب قد أدّى نصف مكاتبته .
فقال : عليهم الديّة ، على الحرّ ربع الديّة ، وعلى الحرّة ربع الديّة ، وعلى المملوك أن يخيّر مولاه ، فإن شاء أدّى عنه ، وإن شاء دفعه برمّته ، لا يغرم أهله شيئا ، والمكاتب في ماله نصف الربع ، وعلى الذي كاتبه نصف الربع ، فذلك الربع ، لأنّه قد أعتق نفسه(2) .
وفي مسائل الخلاف : سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن سبب التياسر في الصلاة لأهل العراق ، فقال : إنّ الحجر الأسود لمّا أنزله اللّه من الجنّة ووضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه نور الحجر ، فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال ، وعن يسارها ثمانية أميال ، كلّه إثنا عشر ميلاً ،
ص: 367
فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حدّ القبلة ، لقلّة أنصاب الحرم ، وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حدّ القبلة(1) .
علل الشرائع عن أبي جعفر القمّي : الصادق عليه السلام في خبر طويل يذكر فيه حديث المعراج :
قال النبي صلى الله عليه و آله : فنزل الماء من ساق العرش ، فتلقّيته باليمين ، فمن أجل ذلك أوّل الوضوء باليمين(2) .
السكوني : سئل الصادق عليه السلام عن الغائط ، فقال : تصغير لابن آدم لكي لا يتكبّر ، وهو يحمل غائطه معه(3) .
عمرو بن عبيد سأل أبا عبد اللّه عليه السلام : ما بال الرجل إذا أراد الحاجة إنّما ينظر إلى سفليه ، وما يخرج من ثمّ ؟
ص: 368
فقال : إنّه ليس من أحد يريد ذلك إلاّ وكّل اللّه - عزّ وجلّ - ملكا يأخذ بضبعه ليريه ما يخرج منه أحلال أم حرام(1) .
المفضّل بن عمر ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن علّة التسليم في الصلاة ؟
قال : إنّه تحليل الصلاة ، قلت : فالالتفات إلى اليمين ؟ قال : لأنّ الملك الموكّل يكتب الحسنات على اليمين(2) .
وعنه عليه السلام : [ أنّه سئل لأيّ علّة يكبّر المصلّي بعد التسليم ثلاثا يرفع بها يديه ، فقال عليه السلام : ] لمّا فتح اللّه للنبي صلى الله عليه و آله مكّة صلّى مع أصحابه الظهر عند الحجر الأسود ، فلمّا سلّم رفع يديه وكبّر ثلاثا وقال : لا إله إلاّ اللّه وحده وحده أنجز وعده . . الدعاء(3) .
الصادق عليه السلام : إنّما جعل العاهات في أهل الحاجة لئلاّ تستر ، ولو جعلت
ص: 369
في الأغنياء لسترت(1) .
وفي رواية : هم الذين يأتي آباؤهم نساءهم في الطمث(2) .
قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّ للّه - عزّ وجلّ - ماء عذبا ، فخلق منه أهل طاعته ، وخلق ماء مرّا ، فخلق منه أهل معصيته ، ثمّ أمرهما فاختلطا ، فلولا ذلك ما ولد المؤمن إلاّ مؤمنا ، ولا الكافر إلاّ كافرا(3) .
وحدّث أبو هفان - وابن ماسويه حاضر - : إنّ جعفر بن محمد عليهماالسلام قال : الطبائع أربع : الدم ، وهو عبد ، وربما قتل العبد سيّده ، والريح ، وهو عدوّ إذا سدّدت له بابا أتاك من آخر ، والبلغم ، وهو ملك يدارى ، والمرّة ، وهي الأرض إذا رجفت رجفت بمن عليها .
فقال : أعد عليّ ، فواللّه ما يحسن جالينوس أن يصف هذا الوصف(4) .
ص: 370
وفي خبر الربيع : إنّه قرأ هندي عند المنصور كتب الطبّ - وعنده الصادق عليه السلام - ، فجعل ينصب لقراءته .فلمّا فرغ قال : يا أبا عبد اللّه عليه السلام ، أتريد ممّا معي شيئا ؟ قال : لا ، لأنّ ما معي خير ممّا هو معك ، قال : ما هو ؟!
قال : أداوي الحارّ بالبارد ، والبارد بالحارّ ، والرطب باليابس ، واليابس بالرطب ، وأردّ الأمر كلّه إلى اللّه ، وأستعمل ما قاله رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأعلم أنّ المعدة بيت الأدواء ، وأنّ الحميّة هي الدواء ، وأعود البدن ما اعتاد ، قال : وهل الطبّ إلاّ هذا ؟
قال الصادق عليه السلام : أفتراني عن كتب الطبّ أحدّث(1) ؟ [ قال : نعم ، قال : (2)] لا - واللّه - ما أخذت إلاّ عن اللّه - سبحانه وتعالى - ، فأخبرني : أنا أعلم بالطبّ أم أنت ؟
قال : بل أنا ، قال : فأسألك ، قال : سل ، فسأله عشرين مسألة ، وهو يقول : لا أعلم ، فقال الصادق عليه السلام : لكنّي أعلم .
وهذه أجوبة الصادق عليه السلام :
كان في الرأس شؤون ، لأنّ المجوّف إذا كان بلا فصل أسرع إليه الصدع ، فإذا جعل ذا فصول كان الصدع منه أبعد .
ص: 371
وجعل الشعر من فوقه ، ليصل(1) بأصوله الأدهان إلى الدماغ ، ويخرج بأطرافه البخار منه ، ويردّ الحرّ والبرد الواردين عليه .
وخلت الجبهة من الشعر ، لأنّها مصبّ النور إلى العينين .
وجعل فيها التخطيط والأسارير ، ليحبس العرق الوارد من الرأس عن العين قدر ما يميطه الإنسان عن نفسه ، كالأنهار في الأرض التي تحبس المياه .
وجعل الحاجبان من فوق العينين ليردّا عليهما من النور قدر الكفاية ، ألا ترى - يا هندي - أنّ من غلبه النور جعل يده على عينيه ، ليرد عليهما قدر كفايتهما منه ؟
وجعل الأنف فيما بينهما ليقسّم النور قسمين ، إلى كلّ عين سواء ، وجعلت العين كاللوزة ليجري فيها الميل بالدواء ويخرج منها الداء ، ولو كانت مربّعة أو مدوّرة ما جرى فيها الميل ، ولا وصل إليها دواء ، ولا خرج منها داء .
وجعل ثقب الأنف في أسفله لينزل منه الأدواء المنحدرة من الدماغ ، وتصعد فيه الأراييح إلى المشام ، ولو كان في أعلاه لما نزل داء ، ولا وجد رائحة .
وجعل الشارب والشفة فوق الفم ليحبسان ما ينزل من الدماغ عن الفم ، لئلاّ يتنغّص على الإنسان طعامه وشرابه ، فيميطه عن نفسه .
ص: 372
وجعل اللحية للرجل ليستغني بها عن الكشف في المنظر ، ويعلم بها الذكر من الأنثى .
وجعل السنّ حادّا ، لأنّ بها يقع العضّ ، وجعل الضرس عريضا ، لأنّ به يقع الطحن والمضغ ، وجعل الناب طويلاً ، لتشدّ الأضراس والأسنان كالأسطوانة في البناء .وخلا الكفّان من الشعر ، لأنّ بهما يقع اللمس ، فلو كان فيهما شعر ما درى الإنسان ما يقابله ويلمسه .
وخلا الشعر والظفر من الحياة ، لأنّ طولهما سمج وقصّهما حسن ، فلو كان فيهما حياة لآلم الإنسان لقصّهما .
وكان القلب كحبّ الصنوبر ، لأنّه منكّس ، فجعل رأسه دقيقا ليدخل في الرئة فتروح عنه ببردها ، لئلاّ يشيط الدماغ لحرّه .
وجعلت الرئة قطعتين ليدخل بين مضاغطها الرئة ، فتروح عنه بحركتهما .
وكانت الكبد حدباء لثقل المعدة ، وتقع جميعها عليها فيعصرها فيخرج ما فيها من البخار .
وجعلت الكلية كحبّة اللوبيا ، لأنّ عليها مصبّ المني نقطة بعد نقطة ، فلو كانت مربّعة أو مدوّره لحبست النقطة الأولى إلى الثانية ، فلا يتلذّذ بخروجها الحيّ ، إذ المني ينزل من فقار الظهر ، فهي كالدودة تنقبض وتنبسط ترميه أوّلاً فأوّلاً إلى المثانة كالبندقة من القوس .
وجعل طيّ الركبة إلى خلف ، لأنّ الإنسان يمشي إلى بين يديه ، فتعتدل الحركات ، ولولا ذلك لسقط في المشي .
ص: 373
وجعل القدم متخصّرة ، لأنّ الشيء إذا وقع على الأرض جميعه ثقل ثقلَ حجر الرحا ، فإذا كان على حرف رفعه الصبي ، وإذا وقع على وجهه صعب نقله على الرجل .
فقال الهندي : من أين لك هذا العلم ؟ فقال : أخذته عن آبائي عليهم السلام عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن جبرئيل عليه السلام عن ربّ العالمين الذي خلق الأجساموالأرواح .
فقال الهندي : صدقت ، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعبده ، وأنّك أعلم أهل زمانك(1) .
ومن علل الشرائع تصنيفي القزويني والقمّي : قال رجل للصادق عليه السلام : إنّي لأحزن وأفرح من غير أن أعرف لذلك سببا !
فقال عليه السلام : إنّ ذلك الحزن والفرح يصل إليكم منّا ، لأنّا إذا دخل علينا حزن أو سرور كان ذلك داخلاً عليكم ، لأنّا وإيّاكم من نور اللّه خلقنا ، وطينتنا وطينتكم واحدة ، ولو تركت طينتكم كما أخذت لكنّا وأنتم سواء ، ولكن مزجت طينتكم بطينة أعدائكم ، فلولا ذلك ما أذنبتم ذنبا واحدا(2) .
ص: 374
وسأله عليه السلام أبو عبد الرحمن عن ذلك ، فقال : إنّه ليس من أحد إلاّ ومعه ملك وشيطان ، فإذا كان فرح كان دنوّ الملك منه ، وإذا كان حزن كان دنوّ الشيطان منه ، وذلك قول اللّه - عزّ وجلّ - : « الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً »(1) .
وسأله أبو بصير عن علّة سرعة الفهم وإبطائه ، فقال : أمّا الذي إذا قلت له أوّل الشيء فعرف آخره ، فذلك الذي عجن عقله بالنطفة التي منها خلق من بطن أمّه ، وأمّا الذي إذا قلت له الشيء من أوّله إلى آخره ففهمه ، فذلك الذي ركب فيه العقل في بطن أمّه ، وأمّا الذي تردّد عليه الشيء مرارا فلا يفهمه ، فذاك الذي ركب فيه العقل بعد ما كبر(2) .
كافي الكليني : قال زرارة : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : هل على البغال شيء ؟ فقال : لا ، فقلت : كيف صار على الخيل ولم يصر على البغال ؟
فقال : لأنّ البغال لا تلقح والخيل الإناث ينتجن ، وليس على الخيل الذكورة شيء(1) .
مالك بن أعين عن أبي عبد اللّه عليه السلام في أمة بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه ، فلمّا سمع ذلك منه شريكه وثب على الأمة فافتضّها من يومه .
فقال : يضرب الرجل الذي افتضّها خمسين جلدة ، ويطرح عنه خمسون جلدة لحقّه فيها ، وتغرم الأمة عشر قيمتها لموافقتها إيّاه ، وتستسعى(2) في الباقي(3) .
وشتم رجل النبي صلى الله عليه و آله فسأل الوالي عبد اللّه بن الحسن والحسن بن زيد وغيرهما ، فقالوا : يقطع لسانه ، وقال ربيعة الرازي وأصحابه : يؤدّب .
ص: 376
فقال الصادق عليه السلام : أرأيتم لو ذكر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله ما كان الحكم فيه ؟ قالوا : مثل هذا ، قال : فليس بين النبي صلى الله عليه و آله وبين رجل من أصحابه فرق ؟
فقال الوالي : كيف الحكم ؟ قال : أخبرني أبي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : الناس في إسوة سواء ، من سمع أحدا يذكرني فالواجب عليه أن يقتل من شتمني ، ولا يرفع إلى السلطان ، فالواجب على السلطان إذا رفع إليه أن يقتل من نال منّي .فقال الوالي : أخرجوا الرجل فاقتلوه بحكم أبي عبد اللّه عليه السلام(1) .
ابن جرير بن رستم الطبري عن إسماعيل الطوسي عن أحمد البصري عن أبيه عن أبي حبيش الكوفي قال : حضرت مجلس الصادق عليه السلام ، وعنده جماعة من النصارى ، فقالوا : فضل موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه و آله سواء ، لأنّهم أصحاب الشرائع والكتب .
فقال الصادق عليه السلام : إنّ محمدا صلى الله عليه و آله أفضل منهما وأعلم ، ولقد أعطاه اللّه - تعالى - من العلم ما لم يعط غيره .
فقالوا : آية من كتاب اللّه نزلت في هذا ؟
قال : نعم ، قوله تعالى : « وَكَتَبْنا لَهُ فِي الأَْلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ » ، وقوله
ص: 377
لعيسى : « وَلأُِبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ » ، وقوله للسيّد المصطفى : « وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ » ، وقوله : « لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً » ، فهو - واللّه - أعلم منهما ، ولو حضر موسى وعيسى عليهماالسلام
بحضرتي وسألاني لأجبتهما ، وسألتهما ما أجابا .
التهذيب : قال ابن أبي يعفور : سأل رجل فرّاء(1) الصادق عليه السلام عن الخزّ ؟ قال : لا بأس بالصلاة فيه ، فقال الرجل : [ إنّه ميت ، و ]أنا أعرف الناس به ، فقال الصادق عليه السلام : أنا أعرف به منك ، تقول : إنّه دابّة تخرج من الماء ، وتصاد من الماء ، فإذا فقد الماء مات ، وإنّه دابّة تمشي على أربع - وليس هو [ في ] حدّ الحيتان - فيكون خروجه من الماء ذكاته ، فقال الرجل : إي - واللّه - هكذا أقول .
فقال عليه السلام : إنّ اللّه - تعالى - أحلّه ، وجعل ذكاته موته ، كما أحلّ الحيتان ، وجعل ذكاتها موتها(2) .
أتى الربيع أبا جعفر المنصور ، وهو في الطواف ، فقال : يا أمير المؤمنين ، مات فلان - مولاك - البارحة ، فقطع فلان رأسه بعد موته .
ص: 378
قال : فاستشاط وغضب ، وقال لابن شبرمة وابن أبي ليلى ، وعدّة من القضاة والفقهاء : ما تقولون في هذا ؟ فكلّ قال : ما عندنا في هذا شيء .
فكان يقول : أقتله أم لا ؟ فقالوا : قد دخل جعفر الصادق عليه السلام في السعي ، فقال المنصور للربيع : اذهب إليه وسله عن ذلك .
فقال عليه السلام : فقل له : عليه مائة دينار ، قال : فأبلغه ذلك ، فقالوا له : فأسأله كيف صار عليه مائة دينار .فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : في النطفة عشرون ، وفي العلقة عشرون ، وفي المضغة عشرون ، وفي العظم عشرون ، وفي اللحم عشرون ، ثمّ أنشأه خلقا آخر ، وهذا وهو ميت بمنزلة قبل أن ينفخ الروح في بطن أمّه ، جنين .
قال : فرجع إليه فأخبره بالجواب فأعجبهم ذلك ، فقالوا : ارجع إليه وسله الديّة لمن هي ، لورثته أم لا ؟
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : ليس لورثته فيها شيء ، لأنّه أتى إليه في بدنه بعد موته ، يحجّ بها عنه ، أو يتصدّق بها عنه ، أو تصير في سبيل من سبل الخير(1) .
كافي الكليني : محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه في رجل قال لامرأته : يا زانية ، أنا زنيت بك .
ص: 379
قال : عليه حدّ واحد لقذفه إيّاها ، وأمّا قوله : أنا زنيت بك فلا حدّ فيه إلاّ أن يشهد على نفسه أربع شهادات بالزنا عند الإمام(1) .
وسئل الصادق عليه السلام : لمَ حرّم اللّه الزنا ؟قال : لما فيه من الفساد ، وذهاب المواريث ، وانقطاع الأنساب ، لا تعلم المرأة في الزنا مَن أحبلها ، ولا المولود يعلم من أبوه ، ولا أرحام موصولة ، ولا قرابة معروفة(2) .
وسئل عليه السلام : لمَ حرّم اللواط ؟
قال : من أجل أنّه لو كان إتيان الغلام حلالاً لاستغنى الرجال عن النساء ، فكان فيه قطع النسل ، وتعطيل الفروج ، وكان في إجازة ذلك فساد كثير(3) .
وسئل عليه السلام : لم حرّم الربا ؟
ص: 380
فقال : هو المصلحة التي علمها اللّه سبحانه ، والفصل بينه وبين البيع ، ولأنّه يدعو إلى العدل ويحضّ عليه ، ولأنّه يدعو إلى مكارم الأخلاق بالإقراض ، وانتظار المعسر(1) .
وفي امتحان الفقهاء : رجل صانع قطع عضو صبي بأمر أبيه ، فإن مات فعليه نصف الديّة ، وإن عاش فعليه الديّة كاملة ، وهذا حجّام قطع حشفة صبي ، وهو يختنه ، فإن مات فعليه نصف الديّة ، ونصف الديّة على أبيه ، لأنّه شاركه في موته ، وإن عاش فعليه الديّة كاملة ، لأنّه قطع النسل ، وبه ورد الأثر عن الصادق عليه السلام .
وفيه : إنّ رجلاً حضرته الوفاة فأوصى : إنّ غلامي يسار - هو ابني - فورّثوه ، وغلامي يسار فاعتقوه ، فهو حرّ ؟
الجواب : يسأل أيّ الغلامين كان يدخل عليهنّ ، فيقول أبوهم : لا يستترنّ منه فإنّما هو ولده ؟
فإن قال أولاده : إنّما أبونا قال : لا يستترنّ منه ، فإنّه نشأ في حجورنا وهو صغير ، فيقال لهم : أفيكم أهل البيت علامة ؟
ص: 381
فإن قالوا : نعم ، نظر ، فإن وجدت تلك العلامة بالصغير فهو أخوهم ، وإن لم توجد فيه يقرع بين الغلامين ، فأيّهما خرج سهمه فهو حرّ(1) ، بالمروي عنه عليه السلام .
وسأل زنديق الصادقَ عليه السلام فقال : ما علّة الغسل من الجنابة ، وإنّما أتى حلالاً وليس في الحلال تدنيس ؟
فقال عليه السلام : لأنّ الجنابة بمنزلة الحيض ، وذلك أنّ النطفة دم لم يستحكم ، ولا يكون الجماع إلاّ بحركة غالبة ، فإذا فرغ تنفّس البدن ، ووجد الرجل من نفسه رائحة كريهة ، فوجب الغسل لذلك ، غسل الجنابة أمانة ائتمن اللّه عليها عبيده ليختبرهم بها(2) .
هاشم الخفّاف قال لأبي عبد اللّه عليه السلام : أنا أبصر بالنجوم في العراق ، فقال عليه السلام : كيف دوران الفلك عندكم ؟ قال : فأخذت قلنسوتي عن رأسي فأدرتها ، فقال : إن كان الأمر على ما تقول ، فما بال بنت النعش والجدي والفرقدين لاتدور يوما من الدهر في القبلة؟ قال: واللّه، هذا شيء لا أعرفه.
ص: 382
فقال عليه السلام : كم السكينة من الزهرة جزءا من الشمس في ضوئها ؟ قال : هذا شيء لا يعلمه إلاّ اللّه - عزّ وجلّ - .
قال : فكم القمر جزءا من الشمس ؟ قال : ما أعرف .
قال عليه السلام : فما بال العسكرين يلتقيان ، في هذا حاسب ، وفي هذا حاسب ، فيحسب هذا لصاحبه بالظفر ، ويحسب هذا لصاحبه بالظفر ، ثمّ يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر ؟ فأين كانت النحوس ؟ قال : لا أعلم .
قال عليه السلام : صدقت ، إنّ أصل الحساب حقّ ، ولكن لا يعلم ذلك إلاّ من علم مواليد الخلق كلّهم(1) .
أبو بصير : رأيت رجلاً يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن النجوم ، فلمّا خرج من عنده قلت له : هذا علم له أصل ؟ قال : نعم ، قلت : حدّثني عنه .
قال : أحدّثك عنه بالسعد ، ولا أحدّثك بالنحس ، إنّ اللّه - جلّ اسمه - فرض صلاة الفجر لأوّل ساعة ، فهو فرض ، وهي سعد ، وجعل الظهر لسبع ساعات ، وهو فرض ، وهي سعد ، وجعل العصر لتسع ساعات ، وهو فرض ، وهي سعد ، والمغرب لأوّل ساعة من الليل ، وهو فرض ، وهي سعد ، والعتمة لثلاث ساعات ، وهو فرض ، وهي سعد(2) .
ص: 383
الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : لمّا هبط آدم عليه السلام من الجنّة ظهرت به شامة سوداء في وجهه من قرنه إلى قدمه ، فطال حزنه وبكاؤه على ما ظهر به ، فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال : ما يبكيك يا آدم ؟ قال : لهذه الشامة التي ظهرت بي .
قال : قم - يا آدم - فصلّ ، فهذا وقت الأولى ، فقام فصلّى فانحطّتالشامة إلى عنقه .
فجاءه في الصلاة الثانية ، فقال : يا آدم ، قم فصلّ فهذا وقت الصلاة الثانية ، فقام فصلّى ، فانحطّت الشامة إلى سرّته .
فجاءه في الصلاة الثالثة ، فقال : يا آدم ، قم فصلّ فهذا وقت الصلاة الثالثة ، فقام فصلّى ، فانحطّت الشامة إلى ركبتيه .
فجاءه في الصلاة الرابعة ، فقال : يا آدم ، قم فصلّ فهذا وقت الصلاة الرابعة ، فقام فصلّى ، فانحطّت الشامة إلى رجليه .
فجاءه في الصلاة الخامسة ، فقال : يا آدم ، قم فصلّ فهذا وقت الصلاة الخامسة ، فقام فصلّى فخرج منها ، فحمد اللّه وأثنى عليه .
فقال : يا آدم ، مثل ولدك في هذه الصلاة كمثلك في هذه الشامة ، من صلّى من ولدك في كلّ يوم خمس صلوات خرج من ذنوبه كما خرجت من هذه الشامة(1) .
ص: 384
من لا يحضره الفقيه ، وتهذيب الأحكام : سئل الصادق عليه السلام : لمَ لا يقصّر المغرب ؟
فقال : إنّ اللّه - تعالى - أنزل على نبيّه كلّ صلاة ركعتين ، فأضاف إليها رسول اللّه صلى الله عليه و آله لكلّ صلاة ركعتين في الحضر ، وقصّر فيها في السفر إلاّ المغرب والغداة .فلمّا صلّى المغرب بلغه مولد فاطمة عليهاالسلام ، فأضاف إليها ركعة شكرا للّه ، فلمّا أن ولد الحسن عليه السلام أضاف إليها ركعتين شكرا للّه ، فلمّا أن ولد الحسين عليه السلام أضاف إليها ركعتين ، فقال : « لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُْنْثَيَيْنِ » ، فتركها على حالها في السفر والحضر(1) .
الصادق عليه السلام : كان البراء بن معرور الأنصاري بالمدينة ، وكان النبي صلى الله عليه و آله
بمكّة والمسلمون يصلّون إلى بيت المقدس ، فأوصى إذا دفن أن يجعل وجهه إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فجرت به السنّة ، ونزل به الكتاب(2) .
ص: 385
وسئل الصادق عليه السلام عن علّة تقليب [ النبي صلى الله عليه و آله ] الرداء في الاستسقاء ؟ فقال : علامة بينه وبين أصحابه تحوّل الجدب خصبا(1) .
وسأل زيد الشحّام أبا عبد اللّه عن كيفيّة قوله صلى الله عليه و آله : نيّة المؤمن خير من عمله ؟
قال : لأنّ العمل ربما كان رياء للمخلوقين ، والنيّة خالصة لربّ العالمين ، فيعطي اللّه - عزّ وجلّ - على النيّة ما لا يعطي على العمل(2) .
قال مسمع : قلت لجعفر بن محمد عليهماالسلام : لمَ خلّد أهل الجنّة فيها ، وإنّما كانت أعمارهم قصيرة ، وآثارهم يسيرة ؟ ولم خلّد أهل النار ، وهم كذلك ؟
فقال عليه السلام : لأنّ أهل الجنّة يرون أن يطيعوه أبدا ، وأهل النار يرون أن يعصوه أبدا ، فلذلك صاروا مخلّدين(3) .
ص: 386
الحسن بن الوليد : سئل أبو عبد اللّه عليه السلام : لأيّ علّة يربّع القبر ؟ قال : لعلّة البيت ، لأنّه نزل مربّعا(1) .
سأل زنديق أبا جعفر الأحول : كيف صارت الزكاة من كلّ ألف خمسةوعشرين ؟ فقال : إنّما مثل ذلك مثل الصلوات ثلاث وإثنتان وأربع ، قال : فقبل منه .
قال الأحول : فسألت ذلك أبا عبد اللّه عليه السلام ، فقال : إنّ اللّه - تعالى - خلق الخلق كلّهم صغيرهم وكبيرهم ، وعلم فقيرهم وغنيّهم ، وجعل من كلّ ألف إنسان خمسة وعشرين فقيرا ، ولو علم أنّ ذلك لا يسعهم لزادهم ، لأنّه خالقهم ، وهو أعلم بهم(2) .
وكتب المنصور إلى محمد بن خالد القشيري : أن اجمع فقهاء المدينة ، فسلهم عن علّة الزكاة : لِمَ صارت من المائتين خمسة على وزن سبعة ؟ وليكن فيمن يسأل عبد اللّه بن الحسن وجعفر بن محمد عليهماالسلام ، فإن أجابوا ، وإلاّ فاضرب جعفر بن محمد عليهماالسلام على تضييع علم آبائه خمسين درّة !!!
ص: 387
قال : فجمعهم وسألهم عن ذلك فلم يعرفوا ، قال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام:إنّ اللّه فرض الزكاة على الناس، وكان الناس - يومئذٍ - يتعاملون بالأواقي بالذهب والفضّة، فأوجب رسول اللّه صلى الله عليه و آله في كلّ أربعين أوقية أوقية ، فإذا حسبت ذلك وجدت من المائتين خمسة - لا أقلّ ولا أكثر - على وزن سبعة ، وكانت قبل اليوم على وزن ستّة حين كانت الدراهم خمسة دوانيق .
فقال عبد اللّه بن الحسن : من أين لك هذا ؟ قال : قرأته في كتاب أمّك فاطمة عليهاالسلام ، ثمّ انصرف .فبعث إليه القشيري : ابعث إليّ كتاب فاطمة عليهاالسلام ، فقال : إنّي إنّما أخبرتك أنّي قرأته ، ولم أخبرك أنّه عندي ، قال : فجعل القشيري يقول : ما رأيت مثل هذا قطّ(1) .
وفي كتاب الرضا عليه السلام : إنّ علّة الزكاة من أجل قوت الفقراء ، وتحصين أموال الأغنياء(2) .
سأل هشام بن الحكم الصادق عليه السلام عن علّة الصيام ؟ فقال : إنّما فرض الصيام ليسوّي بين الغني والفقير(3) .
ص: 388
وسأله أبان بن تغلب عن استلام الحجر ؟ فقال : إنّ آدم عليه السلام شكا إلى ربّه الوحشة في الأرض ، فنزل جبرئيل عليه السلام بياقوتة من الجنّة كان آدم عليه السلام إذا مرّ بها في الجنّة ضربها برجله ، فلمّا رآها عرفها فبادر فقبّلها ، ثمّ صار الناس يلثمون الحجر(1) .
ص: 389
ص: 390
وقال الصادق عليه السلام : كان موضع الكعبة ربوة من الأرض بيضاء تضييء كما تضييء الشمس والقمر ، حتى قتل ابنا آدم أحدهما صاحبه فاسودّت .
قال : ولمّا نزل آدم عليه السلام رفع اللّه له الأرض كلّها حتى رآها ، ثمّ قال : هذه لك كلّها ، قال : يا ربّ ما هذه الأرض البيضاء المنيرة ؟ قال : حرمي في أرضي وقد جعلت عليك أن تطوف بها كلّ يوم سبعمائة(1) طواف(2) .
ص: 391
زياد السكوني ، سأل الصادق عليه السلام : ما بال البدنة تقلّد النعل وتشعر ؟
فقال : أمّا النعل ، فيعرف أنّها بدنة ، ويعرف صاحبها بنعله ، وأمّا الإشعار ، فإنّه يحرم ظهرها على صاحبها حيث يشعرها ولا يستطيع الشيطان أن يتسنّمها(1) .
وسئل الصادق عليه السلام : ما بال النبي صلى الله عليه و آله حلّ له النساء ، ولم يطف بالبيت
عام الحديبيّة ، وإنّ الحسن بن علي عليهماالسلام مرض بالسقيا(2) ، فخرج علي عليه السلام في طلبه ، فدعا ببدنة فنحرها ، وحلق رأسه وردّه إلى المدينة ، وما حلّ له النساء ؟ فقال : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله مصدودا ، وكان الحسن عليه السلام(3) محصورا(4) .
وسئل عليه السلام : لأيّ علّة أحرم النبي صلى الله عليه و آله من الشجرة ؟ قال : لأنّه أسري به
ص: 392
إلى السماء وصار بحذاء الشجرة ، وكانت الملائكة تأتي البيت المعمور بحذاء المواضع التي هي مواقيت سوى الشجرة ، وكان الموضع الذي بحذاءالشجرة نودي : يا محمد ، قال : لبّيك ، قال : ألم أجدك يتيما فآويت ووجدتك ضالاًّ فهديت ؟ قال النبي صلى الله عليه و آله : الحمد للّه والمنّة لك والملك ، لا شريك لك ، فلذلك أحرم من الشجرة والمواضع كلّها(1) .
قال أبو كهمس : قال لي الصادق عليه السلام : [ يشهد محمد بن مسلم الثقفي عند ابن أبي ليلى فيردّ شهادته ؟ فقلت : نعم ، فقال : ] إذا صرت إلى الكوفة ، فائت ابن أبي ليلى فقل له : أسألك عن ثلاث مسائل ، لا تفتني فيها بالقياس ، ولا تقل : قال أصحابنا ، ثمّ سله عن الرجل يسلّم في الركعتين الأوّلتين من الفريضة ، وعن رجل يصيب ثيابه البول كيف يغسله ، وعن الرجل يرمي الجمار بسبع حصيات فيسقط منه واحدة ، كيف يصنع ؟ فإذا لم يكن عنده فيها شيء ، فقل له : يقول لك جعفر بن محمد عليهماالسلام : ما حملك على أن رددت شهادة رجل أعرف بأحكام اللّه منك ، وأعلم بسيرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله منك ؟!
قال أبو كهمس : ففعلت كما أمرني الصادق عليه السلام ، فلمّا عجز قلت : يقول لك جعفر بن محمد عليهماالسلام : ما حملك أن رددت شهادة رجل أعرف منك
ص: 393
بأحكام اللّه ، وأعرف بسنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله منك ؟ قال : ومن هو ؟ قلت : محمد بن مسلم ، قال : فأرسل إلى محمد بن مسلم فأجاز شهادته(1) .
وسأله أبو حنيفة عن قوله : « وَاللّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ » ، فقال : ما تقول فيها يا أبا حنيفة ؟ فقال : أقول : إنّهم لم يكونوا مشركين ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : قال اللّه تعالى : « انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ » ٔ
فقال : ما تقول فيها يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال : هؤلاء قوم من أهل القبلة أشركوا من حيث لا يعلمون .
وسأله عبّاد المكّي عن رجل زنى وهو مريض ، فإن أقيم عليه الحدّ خافوا أن يموت ، ما تقول فيه ؟
فقال : هذه المسألة من تلقاء نفسك أو أمرك بها إنسان ؟ فقال : إنّ سفيان الثوري أمرني بها .
فقال عليه السلام : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتي برجل أحبن(2) قد استسقى ببطنه ،
ص: 394
وبدت عروق فخذيه ، وقد زنى بامرأة مريضة ، فأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأتي بعرجون فيه مائة شمراخ ، فضربه به ضربة ، وخلّى سبيلهما ، وذلكقوله : « وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ »(1) .
وحكم عليه السلام في امرأة حبلى قتلت ، قال : لا يقتصّ منها حتى تضع .
وقال إسحاق بن عمّار للصادق عليه السلام : كيف صار في الخمر ثمانون ، وفي الزنا مائة ؟ قال : لتضييع النطفة ، ولوضعه إيّاها في غير موضعها(1) .
غياث بن إبراهيم : قال الصادق عليه السلام : إنّ المرأة خلقت من الرجل ، فإنّما همّتها في الرجال ، فاحبسوا نساءكم ، وإنّ الرجل خلق من الأرض ، فإنّما همّته الأرض(2) .
الحسين بن المختار : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مهر السنّة ؟ قال : خمسمائة ، قلت : لِمَ صار خمسمائة ؟
قال : إنّ اللّه أوجب على نفسه أن لا يحمده مؤمن مائة تحميدة ، ويسبّحه مائة تسبيحة ، ويهلّله مائة تهليلة ، ويكبّره مائة تكبيرة ، ويصلّي على النبي صلى الله عليه و آله مائة مرّة ، ويقول : اللّهمّ زوّجني حورا ، إلاّ زوّجه اللّه ، وجعل ذلك مهرها(3) .
ص: 396
وسئل عليه السلام عن علّة المهر على الرجل ؟ فقال : إنّ اللّه غيور ، جعل فيالنكاح حدودا ، لئلاّ تستباح الفروج إلاّ بشرط مشروط ، وصداق مسمّى ، ورضى بالصداق .
وعنه عليه السلام : لمّا أهبط آدم وحوّاء إلى الدنيا أهبط اللّه معهما الذهب والفضّة ، وجعله مهر حوّاء ، ثمّ « سَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الأَْرْضِ » ، ثمّ قال : هذا الذهب والفضّة من ذلك .
وفي رواية : إنّه قال لآدم عليه السلام : هذه مهور بناتك .
وسأله عروة الخيّاط : لِمَ حرّم على الرجل جارية ابنه وإن كان صغيرا ، ويحلّ له جارية ابنته ؟ قال : لأنّ البنت لا تنكح والابن ينكح ، ولا يدرى لعلّه ينكحها ، ثمّ يخفي ذلك على أبيه(1) .
وسأله جماعة عن علّة تفضيل المرأة على الأخرى في القسمة والنفقة ؟
ص: 397
فأشار عليه السلام إلى أنّ الرجل يستحلّ أربعة ، فليأت ثلاث ليال حيث شاء(1) .
وسئل الصادق عليه السلام عن علّة تحريم الخمر ؟ فقال - في خبر طويل - :
فقال لها إبليس - يعني لحوّاء - : أريد أن تذيقيني من هذا الغرس - يعني النخل والعنب والزيتون والرمّان - ، فقالت له : إنّ آدم عليه السلام عهد أن لا أطعمك شيئا من هذا الغرس ، لأنّه من الجنّة ، ولا ينبغي لك أن تأكل منه ، فقال لها : فاعصري في كفّي منه شيئا ، فأبت عليه ، فقال : ذريني أمصّه ولا آكله ، فأخذت عنقودا من عنب فأعطته فمصّه ولم يأكل منه ، فأوحى اللّه إلى آدم عليه السلام : إنّ العنب قد مصّه عدوّي وعدوّك ، فقد حرّمت عليك من عصيره الخمر(2) .
وعنه عليه السلام : إنّ إبليس عمل لنوح عليه السلام في الكرم ، فأتاه جبرئيل عليه السلام ، فقال : إنّ له حقّا فأعطه ، فأعطاه الثلث ، فلم يرض إبليس ، ثمّ أعطاه النصف فلم يرض ، فطرح عليه جبرئيل عليه السلام نارا ، فأحرقت الثلثين ، وبقي الثلث ، فقال : ما أحرقت ، فهو نصيبه ، وما بقي فهو لك حلال(3) .
ص: 398
وقال أبو عبد اللّه عليه السلام لرجل أصاب غلامين في بطن : أيّهما أكبر ؟ قال : الذي خرج أوّلاً ، فقال عليه السلام : الذي خرج آخرا فهو أكبر ، أما تعلم أنّها حملت ذلك أوّلاً ، وإنّ هذا دخل على ذاك ، لم يمكنه أن يخرج هذا ، فالذييخرج آخرا فهو أكبرهما(1) .
وقال عبد اللّه بن سنان : لأيّ علّة صار عدّة المطلّقة ثلاثة أشهر ، وعدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ؟
قال : لأنّ حرقة المطلّقة تسكن في ثلاثة أشهر ، وحرقة المتوفّى عنها لا تسكن إلاّ بعد أربعة أشهر وعشر(2) .
وسئل عليه السلام : كيف صار الزوج إذا قذف امرأة كانت شهادته أربع شهادات باللّه ، وإذا قذفها أبوها أو غيرهما جلد ؟
فقال عليه السلام : لأنّه إذا قذف الرجل امرأته قيل له : كيف علمت أنّها فاعلة ؟
ص: 399
فإن قال : رأيت ذلك بعيني ، كانت شهادته أربع شهادات باللّه ، وذلك أنّه يجوز للرجل أن يدخل المداخل في الخلوات التي لا يصلح لغيره أن يدخلها ، ولا يشهدها ولد ولا والد في الليل ولا في النهار ، فلذلك صارت شهادته أربع شهادات إذا قال : رأيت بعيني ، وإن قال : لم أعاين ، صارقاذفا وضرب الحدّ ، إلاّ أن يقيم عليها البيّنة ، وغير الزوج إذا قذفها وادّعى أنّه رأى ذلك قيل له : كيف رأيت ذلك ؟ وما أدخلك ذلك المدخل(1) ؟ .. الخبر .
علل الشرائع عن ابن بابويه : قال أبو عبد اللّه عليه السلام في خبر : حرّم الخصيتان ، لأنّهما موضع النكاح ومجرى للنطفة ، وحرّم النخاع ، لأنّه موضع الماء الدافق من كلّ ذكر وأنثى(1) .
هشام بن الحكم ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام ، فقلت : ما العلّة في بطن الراحة لا ينبت فيها الشعر ، وينبت في ظهرها ؟
قال : لعلّتين :
أمّا أحدهما : فإنّ الناس يعلمون أنّ الأرض التي تداس ويكثر عليها المشي لا ينبت فيها نبات ، وأنّ ما لا يداس ينبت ، والكفّ لكثرة ما يلاقي من الأشياء لا ينبت .
والعلّة الأخرى : لأنّها جعلت من الأبواب التي يلاقي بها الأشياء ، فتركت لا ينبت عليها الشعر ، ليجد مسّ اللين والخشن(2) .
قال ابن الحجّاج :
يا سيّدا أروي أحاديثه
رواية المستبصر الحاذق
كأنّني أروي حديث النبي
محمد عن جعفر الصادق
ص: 401
وقال البشنوي :
سليل أئمّة سلكوا كراما
على منهاج جدّهم الرسول
إذا ما مشكل أعيى علينا
أتونا بالبيان وبالدليل
* * *
وقال الزاهي :
قوم سماؤهم السيوف وأرضهم
أعداؤهم ودم السيوف نحورها
يستمطرون من العجاج سحائبا
صوف الحتوف على الرجوف مطيرها
وحنادس الفتن التي إن أظلمت
فشموسها آراؤهم وبدورها
ملكوا الجنان بفضلهم فرياضها
طرّا لهم وخيامها وقصورها
وإذا الذنوب تضاعف فبحبّهم
يعطى الأمان أخا الذنوب غفورها
تلك النجوم الزهر في أبراجها
ومن السنين بهم تتمّ شهورها
* * *
ص: 402
وقال أبو إسماعيل الطغرائي(1) :
نجوم العلى فيكم تطلع
وغايتها نحوكم ترجع
فلا يستقلّ ولا يستقرّ
به لهما دونكم مضجع
* * *
ص: 403
ص: 404
ص: 405
ص: 406
في الأنوار : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : إذا ولد جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام ابني فسمّوه الصادق ، فإنّه ولدي ، يولد منه ولد يقال له : « الكذّاب » ، ويل له من جرأته على اللّه - تعالى - وكذبه على أخيه صاحب الحقّ مهدي أهل بيتي .
فلأجل ذلك(1) سمّي الصادق(2) عليه السلام .
وفي خبر : إذا ولد ابني جعفر بن محمد عليهماالسلام ، فسمّوه الصادق ، فإنّ الخامس من ولده اسمه « جعفر » يدّعي الإمامة افتراء على اللّه وكذبا عليه ، فهو عند اللّه جعفر الكذّاب(3) .
وجعفر الكذّاب هو المعروف بزقّ الخمر(4) .
ص: 407
وأنشأ الصادق عليه السلام يقول :
وفينا يقينا يعدّ الوفاء
وفينا تفرّخ أفراخه
رأيت الوفاء يزين الرجال
كما زيّن العذق شمراخه
* * *
وقال المنصور للصادق عليه السلام : قد استدعاك أبو مسلم لإظهار تربة علي عليه السلام فتوقّفت ، تعلم أم لا ؟ فقال : إنّ في كتاب علي عليه السلام : إنّه يظهر في أيّام عبد اللّه بن جعفر الهاشمي ، ففرح المنصور بذلك .
ثمّ إنّه عليه السلام أظهر التربة ، فأخبر المنصور بذلك ، وهو في الرصافة ، فقال : هذا هو الصادق عليه السلام ، فليزر المؤمن بعد هذا إن شاء اللّه ، فلقّبه ب-« الصادق عليه السلام » .
ويقال : إنّما سمّي صادقا ، لأنّه ما جرّب عليه قطّ زلل ولا تحريفة(1) .
وذكر صاحب الحلية : الإمام الناطق ، ذو الزمام السابق ، أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق(2) عليهماالسلام .
وذكر فيها بالإسناد عن أبي الهياج بن بسطام قال : كان جعفر بن محمد عليهماالسلام يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء(3) .
ص: 408
أبو جعفر الخثعمي ، قال : أعطاني الصادق عليه السلام صرّة فقال لي : ادفعها إلى رجل من بني هاشم ولا تعلمه أنّي أعطيتك شيئا .
قال : فأتيته ، قال : جزاه اللّه خيرا ما يزال كلّ حين يبعث بها ، فنعيش به إلى قابل ، ولكنّي لا يصلني جعفر بدرهم في كثرة ماله(1) .
التهذيب : لمّا حضر الصادق عليه السلام الوفاة قال : أعطوا الحسن بن علي - وهو الأفطس - سبعين دينارا .
قيل له : أتعطي رجلاً حمل عليك بالشفرة ؟!
فقال : ويحك ، ما تقرأ القرآن : « وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ »(2) ؟
ميراث ، فوقف علينا ساعة ، ثمّ قال : تعالوا إلى المنزل ، فأتيناه ، وأصلحبيننا بأربعمائة درهم ، ودفعها إلينا من عنده حتى يستوثق كلّ واحد منّا .
ثمّ قال : أما إنّها ليست من مالي ، ولكن أبا عبد اللّه عليه السلام أمرني إذا تشاجر رجلان من أصحابنا في شيء أصلح بينهما ، وأفتديهما من ماله ، فهذا مال أبي عبد اللّه عليه السلام(1) .
وفي كتاب الفنون : نام رجل من الحاجّ في المدينة ، فتوهّم أنّ هميانه(2) سرق ، فخرج فرأى جعفر الصادق عليه السلام مصلّيا - ولم يعرفه - ، فتعلّق به وقال له : أنت أخذت همياني ! قال : ما كان فيه ؟ قال : ألف دينار ، قال : فحمله إلى داره ، ووزن له ألف دينار .
وعاد إلى منزله ، ووجد هميانه ، فعاد إلى جعفر عليه السلام معتذرا بالمال ، فأبى قبوله وقال : شيء خرج من يدي لا يعود إليّ .
قال : فسأل الرجل عنه ، فقيل : هذا جعفر الصادق عليه السلام ، قال : لا جرم ، هذا فعال مثله(3) .
ص: 410
ودخل الأشجع السلمي على الصادق عليه السلام فوجده عليلاً ، فجلسوسأل عن علّة مزاجه ، قال له الصادق عليه السلام : عدِّ عن العلّة ، واذكر ما جئت له ، فقال :
ألبسك اللّه منه عافية
في نومك المعترى وفي أرقك
تخرج من جسمك السقام كما
أخرج ذلّ الفعال من عنقك
* * *
فقال : يا غلام أيش معك ؟ قال : أربعمائة ، قال : أعطها للأشجع(1) .
وفي عروس النرماشيري : إنّ سائلاً سأله حاجة ، فأسعفها ، فجعل السائل يشكره ، فقال عليه السلام :
إذا ما طلبت خصال الندى
وقد عضّك الدهر من جهده
فلا تطلبنّ إلى كالح
أصاب اليسارة من كدّه
ولكن عليك بأهل العلى
ومن ورث المجد عن جدّه
فذاك إذا جئته طالبا
تحبّ اليسارة من جدّه(2)
* * *
ص: 411
جعفر بن أبي عائشة ،قال : بعث الصادق عليه السلام غلاما له في حاجة فأبطأ ،فخرج الصادق عليه السلام في أثره ، فوجده نائما ، فجلس عند رأسه يروّحه حتى انتبه .
فلمّا انتبه قال : يا فلان ، واللّه ما ذاك لك ، تنام الليل والنهار ؟ لك الليل ، ولنا منك النهار(1) .
كتاب الروضة : إنّه دخل سفيان الثوري على الصادق عليه السلام فرآه متغيّر اللون ، فسأله عن ذلك ، فقال : كنت نهيت أن يصعدوا فوق البيت ، فدخلت فإذا جارية من جواريّ ممّن تربّي بعض ولدي قد صعدت في سلّم والصبي معها ، فلمّا بصرت بي ارتعدت وتحيّرت ، وسقط الصبي إلى الأرض فمات ، فما تغيّر لوني لموت الصبي ، وإنّما تغيّر لوني لما أدخلت عليها من الرعب .
وكان عليه السلام قال لها : أنت حرّة لوجه اللّه ، لا بأس عليك - مرّتين(2) - .
مالك بن أنس الفقيه ! قال : حججت مع الصادق عليه السلام سنة ، فلمّا استوت به راحلته عند الإحرام كان كلّما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه ،
ص: 412
وكاد أن يخرّ من راحلته ، فقلت في ذلك ، فقال : وكيف أجسر أن أقول : لبّيك اللّهمّ لبّيك ، وأخشى أن يقول : لا لبّيك ولا سعديك(1) .
وروي عن الصادق عليه السلام :
تعصي الإله وأنت تظهر حبّه
هذا لعمرك في الفعال بديع
لو كان حبّك صادقا لأطعته
إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع(2)
* * *
وله
عليه السلام :
علم المحجّة واضح لمريده
وأرى القلوب عن المحجّة في عمى
ولقد عجبت لهالك ونجاته
موجودة ولقد عجبت لمن نجا(3)
* * *
تفسير الثعلبي : روى الأصمعي له عليه السلام :
أثامن بالنفس النفيسة ربّها
فليس لها في الخلق كلّهم ثمن
ص: 413
بها يشترى الجنّات إن أنا بعتها
بشيء سواها إنّ ذلكم غبن
إذا ذهبت نفسي بدنيا أصبتها
فقد ذهبت نفسي وقد ذهب الثمن(1)* * *
وقال مالك بن أنس : ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمد عليهماالسلام فضلاً وعلما وورعا .
وكان لا يخلو من إحدى ثلاث خصال : إمّا صائما ، وإمّا قائما ، وإمّا ذاكرا .
وكان من عظماء البلاد ، وأكابر الزهّاد « الذين يخشون ربّهم » .
وكان كثير الحديث ، طيّب المجالسة ، كثير الفوائد ، فإذا قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، اخضرّ مرّة ، واصفرّ أخرى ، حتى لينكره من لا يعرفه(2) .
ويقال : الإمام الصادق ، والعلم الناطق ، بالمكرمات سابق ، وباب السيّئات راتق ، وباب الحسنات فاتق ، لم يكن غيّابا ، ولا سبّابا ،
ص: 414
ولا صخّابا ، ولا طمّاعا ، ولا خدّاعا ، ولا نمّاما ، ولا ذمّاما ، ولا أكولاً ، ولا عجولاً ، ولا ملولاً ، ولا مكثارا ، ولا ثرثارا ، ولا مهذارا ، ولا طعّانا ، ولا لعّانا ، ولا همّازا ، ولا لمّازا ، ولا كنّازا .
وروى سفيان الثوري له عليه السلام :
لا اليسر يطرقنا يوم فيبطرنا
ولا لأزمة دهر نظهر الجزعا
إن سرّنا الدهر لم نبهج لصحّته
أو ساءنا الدهر لم نظهر له الهلعا
مثل النجوم على مضمار أوّلنا
إذا تغيّب نجم آخر طلعا(1)
* * *
ويروى له عليه السلام :
اعمل على مهل فإنّك ميّت
واختر لنفسك أيّها الإنسان
فكأنّما قد كان لم يك إذ مضى
وكأنّما هو كائن قد كان(2)
* * *
الصادق عليه السلام : إنّ عندي سيف رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وإنّ عندي لراية رسول
ص: 415
اللّه صلى الله عليه و آله المغلبة ، [ وإن عندي لخاتم سليمان بن داوود (1)] ، وإنّ عندي الطشت الذي كان موسى عليه السلام يقرّب بها القربان ، وإنّ عندي الاسم الذي كان رسولاللّه
صلى الله عليه و آله إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة ، وإنّ عندي لمثل الذي جاءت به الملائكة ، ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل(2) - يعني إنّه كان دلالة على الإمامة - .
وفي رواية الأعمش قال عليه السلام : ألوح موسى عليه السلام عندنا ، وعصى موسى عليه السلام عندنا ، ونحن ورثة النبيّين(3) .
وقال عليه السلام : علمنا غابر مزبور ، ونكت في القلوب ، ونقر في الأسماع ، وإنّ عندنا الجفر الأحمر ، والجفر الأبيض ، ومصحف فاطمة عليهاالسلام ، وإنّ عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس إليه(4) .
وقد ذكرنا معانيه في فصل الإمامة .
ص: 416
ويروى له :
في الأصل كنّا نجوما يستضاء بنا
وللبريّة نحن اليوم برهان
نحن البحور التي فيها لغائصكم
درّ ثمين وياقوت ومرجان
مساكن القدس والفردوس نملكها
ونحن للقدس والفردوس خزّان
من شذّ عنّا فبرهوت مساكنه
ومن أتانا فجنّات وولدان
* * *
محاسن البرقي : قال الصادق عليه السلام لضريس الكناسي : لِمَ سمّاك أبوك ضريسا ؟ قال : كما سمّاك أبوك جعفرا .
قال : إنّما سمّاك أبوك ضريسا بجهل ، لأنّ لإبليس ابنا يقال له : « ضريس » ، وإنّ أبي سمّاني جعفرا بعلم ، على أنّه اسم لنهر في الجنّة(1) ، أما سمعت قول ذي الرمّة :
ابكي الوليد أبا الوليد
أخا الوليد فتى العشيرة
قد كان غيثا في السنين
وجعفرا غدقا وميره
* * *
ص: 417
وقال زيد بن علي عليه السلام : في كلّ زمان رجل منّا أهل البيت يحتجّ اللّه به على خلقه ، وحجّة زماننا ابن أخي جعفر عليه السلام ، لا يضلّ من تبعه ، ولايهتدي من خالفه(1) .
شوف العروس عن الدامغاني : إنّه استقبله عبد اللّه بن المبارك فقال :
أنت يا جعفر فوق المدح والمدح عناء
إنّما الأشراف أرض ولهم أنت سماء
جاز حدّ المدح من قد ولدته الأنبياء
* * *
اللّه أظهر دينه وأعزّه بمحمد
واللّه أكرم بالخلافة جعفر بن محمد(2)
* * *
وقال أبو حنيفة لمؤمن الطاق - بحضرة المهدي لمّا توفّي الصادق عليه السلام - :
ص: 418
قد مات إمامك ، فقال الطاقى : [ أمّا ] إمامك « مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ(1) » ، فضحك المهدي ، وأمر له بعشرة آلاف درهم(2) .
وقال مالك بن أعين الجهني :
وغيّبت عنك فيا ليتني
شهدت الذي كنت لم أشهد
فآسيت(3) في بثّه جعفرا
وشاهدت في لطف العوّد
فإن قيل نفسك قلت الفداءوكفّ المنيّة بالمرصد
عشيّة يدفن فيك الهدىوغرّته من بني أحمد(4)
* * *
وقال آخر :
يا عين بكّي(5) جعفر بن محمد
زين المشاعر كلّها والمسجد(6)
* * *
ص: 419
وقال أبو هريرة الأبار :
أقول وقد راحوا به يحملونه
على كاهل من حامليه وعاتق
أتدرون ماذا تحملون إلى الثرى
ثبير ثوى من رأس علياء شاهق
غداة حثا الحاثّون فوق ضريحه
ترابا وأولى كان فوق المفارق
أيا صادق ابن الصادقين إليةً
بآبائك الأطهار حلفة صادق(1)
* * *
وقال العوني :
عجّ بالمطي على بقيع الغرقد
واقرا التحيّة جعفر بن محمد
وقل ابن بنت محمد ووصيّه
يا نور كلّ هداية لم تجحد
يا صادقا شهد الإله بصدقه
فكفى مهابة ذي الجلال الأمجد
يا ابن الهدى وأبا الهدى أنت الهدى
يا نور حاضر سرّ كلّ موحّد
يا ابن النبي محمد أنت الذي
أوضحت قصد ولاء آل محمد
يا سادس الأنوار يا علم الهدى
ضلّ امرؤ بولائكم لم يهتد
ص: 420
ومن رواة النصّ من أبيه عليه السلام : أبو الصباح الكناني ، وهشام بن سالم ، وجابر بن يزيد ، وطاهر ، وعبد الأعلى مولى سالم(1)(2) .
وقال الصادق عليه السلام : إنّ أبي استودعني ما هنالك ، فلمّا حضرته الوفاة قال لي : ادع شهودا ، فدعوت أربعة من قريش فيهم : نافع مولى عبد اللّه بن عمر ، قال : اكتب : هذا ما أوصى به محمد بن علي إلى جعفر بن محمد ، وأمره أن يكفّنه في برده الذي يصلّي فيه الجمعة ، وأن يعمّمه بعمامته ، وأن يرفع قبره أربع أصابع من الأرض ويربّع ، وأن يحلّ عنه أطماره في دفنه .
ثمّ قال للشهود : انصرفوا رحمكم اللّه .
فقلت له : يا أبه ، ما كان في هذا بأن تشهد عليه ؟ فقال : يا بنيّ ، كرهت أن تغلب ، وأن يقال : لم يوص إليه ، فأردت أن يكون لك الحجّة(3) .
قال العوني :
يا آل أحمد أنتم
سفن النجاة لمن عقل
أنت سماء للسماء
وبهديكم ضرب المثل
* * *
ص: 421
وقال الناشي :
بآل محمد عرف الصواب
وفي أبياتهم نزل الكتاب
وهم حجج الإله على البرايا
بهم وبحكمهم لا يستراب
بقيّة ذي العلى وفروع أصل
بحسن بيانهم وضح الخطاب
وأنوار ترى في كلّ عصر
لإرشاد الورى منها شهاب
ذراري أحمد وبني علي
خليفته وهم لبّ لباب
إذا ما أعوز الطلاّب علم
ولم يوجد فعندهم يصاب
تناهوا في نهاية كلّ مجد
فطهر خلقهم وزكوا وطابوا
وحبّهم صراط مستقيم
ولكن في مسالكه عقاب
* * *
وقال العلوي الكوفي :
هم صفوة اللّه التي ليس مثلها
وما مثلهم في العالمين بديل
خيار خيار الناس من لايحبّهم
فليس له إلاّ الجحيم مقيل
* * *
وقال غيره :
بحمد اللّه أبدأ في المقال
وذكر رسوله في كلّ حال
أصلّي بالنهار وطول ليلي
على آل الرسول ولا أبالي
* * *
وأنشد :
وإذا الرجال توسّلوا بوسيلة
فوسيلتي حبّي لآل محمد
اللّه طهّرهم بفضل نبيّهم
وأبان شيعتهم بطيب المولد
ص: 422
ص: 423
ص: 424
ولد بالمدينة يوم الجمعة عند طلوع الفجر - ويقال : يوم الإثنين - لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث وثمانين ، وقالوا : سنة ستّ وثمانين .
فأقام مع جدّه إثنتي عشرة سنة ، ومع أبيه تسع عشرة سنة ، وبعد أبيه أيّام إمامته أربعا وثلاثين سنة(1) .
وكان في سنيّ إمامته ملك إبراهيم بن الوليد ومروان الحمار ، ثمّ سارت المسودّة من أرض خراسان مع أبي مسلم سنة إثنين وثلاثين ومائة ، وانتزعوا الملك من بني أميّة وقتلوا مروان الحمار ، ثمّ ملك أبو العبّاس السفّاح أربع سنين وستّة أشهر وأيّاما ، ثمّ ملك أخوه أبو جعفر المنصور إحدى وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وأيّاما ، وبعد مضيّ سنتين من ملكه قبض في شوّال سنة ثمان وأربعين ومائة ، وقيل : يوم الإثنين النصف من رجب(2) .
ص: 425
وقال أبو جعفر القمّي : سمّه المنصور(1) .
ودفن بالبقيع ، وقد كمل عمره خمسا وخمسين سنة ، ويقال : كان عمره خمسين سنة .
أمّه : فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر(2) .
أولاده عشرة: إسماعيل الأمين وعبداللّه، من فاطمة بنت الحسين الأصغر.
وموسى الإمام عليه السلام ومحمد الديباج وإسحاق ، لأمّ ولد ثلاثتهم .
وعلي العريضي ، لأمّ ولد .
والعبّاس ، لأمّ ولد .
ابنته أسماء « أمّ فروة » التي زوّجها من ابن عمّه الخارج .
ويقال : له ثلاث بنات : أمّ فروة من فاطمة بنت الحسين الأصغر ، وأسماء من أمّ ولد ، وفاطمة من أمّ ولد(3) .
ص: 426
وبابه : محمد بن سنان(1) .
واجتمعت العصابة على تصديق ستّة من فقهائه عليه السلام ، وهم :
جميل بن درّاج ، وعبد اللّه بن مسكان ، وعبد اللّه بن بكير ، وحمّاد بن عيسى ، وحمّاد بن عثمان ، وأبان بن عثمان(2) .
وأصحابه من التابعين نحو :
إسماعيل بن عبد الرحمن الكوفي ، وعبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي عليه السلام مدني .
ومن خواصّ أصحابه :
معاوية بن عمّار مولى بني دهن ، وهو حيّ من بجيلة ، وزيد الشحّام ، وعبد اللّه بن أبي يعفور ، وأبو جعفر محمد بن علي بن النعمان الأحول ، وأبو
ص: 427
الفضل سدير بن حكيم ، وعبد السلام بن عبد الرحمن ، وجابر بن يزيد الجعفي ، وأبو حمزة الثمالي ، وثابت بن دينار ، والمفضّل بن قيس بن رمانة ، والمفضّل بن عمر الجعفي ، ونوفل بن الحرث بن عبد المطّلب ، وميسرة بن عبد العزيز ، وعبد اللّه بن عجلان ، وجابر المكفوف ، وأبو داود المسترق ، وإبراهيم بن مهزم الأسدي ، وبسّام الصيرفي ، وسليمان بن مهران أبو محمد الأسدي مولاهم الأعمش ، وأبو خالد القمّاط ، واسمه يزيد بن ثعلبة بن ميمون ، وأبو بكر الحضرمي ، والحسن بن زياد ، وعبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري من ولد أبي أمامة ، وسفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي ، وعبد العزيز بن أبي حازم ، وسلمة بن دينار المدني(1) .
ومن مواليه : معتب ، ومسلم ، ومصادف(2) .
وكان عليه السلام ربع القامة ، أزهر الوجه ، حالك الشعر ، جعد ، أشمّ الأنف ، أنزع ، رقيق البشرة ، على خدّه خال أسود ، وعلى جسده خيلان حمرة .
ص: 428
وكان اسمه جعفر عليه السلام .
ويكنّى : أبا عبد اللّه ، وأبا إسماعيل ، والخاصّ : أبو موسى(1) .
قال ابن حمّاد :
ارض الإله وأسخط الشيطانا
تعطى الرضى في الحشر والرضوانا
وامحض ولاك للذين ولاؤهم
فرض على من يقرأ القرآنا
آل النبي محمد خير الورى
وأجلّهم عند الإله مكانا
قوم قوام الدين والدنيا هم
إذ أصبحوا لهما معا أركانا
قوم إذا أصفى هواهم مؤمن
أعطي غدا ممّا يخاف أمانا
قوم يطيع اللّه طائع أمرهم
وإذا عصاه فقد عصى الرحمانا
وهم الصراط المستقيم وحبّهم
يوم المعاد يثقّل الميزانا
واللّه صيّرهم لمحنة خلقه
بين الضلالة والهدى فرقانا
حفظوا الشريعة قائمين بحكمها
ينفون عنها الزور والبهتانا
وأتى القرآن بفضل طاعتهم على
كلّ الأنام فاسمع الآذانا
وتوالت الأخبار أنّ محمدا
بولائهم وبحفظهم وصّانا
* * *
وقال العوني :
ألا إنّ آل نبي الهدى
جرى ذكرهم في قديم الصحف
بني البيت والحجر والمشعرين
والموقف الصدق والمعترف
بني زمزم والصفا والمقام
وآل المعالي وبيت الشرف
ومن للملائك في فضلها
إلى بيت والدهم مختلف
ومن في الولا لموالاتهم
محو الذنوب لمن يقترف
ص: 431
ومن يرتجي منهم شافع
وساق مروّ إذا ما اغترف
ومن لا يقدّس إلاّ امرؤ
تعلّق من حبلهم بالطرف
* * *
وقال الحصكفي :
أئمّة أكرم بهم أئمّة
أسماؤهم مشهودة تطّرد
هم حجج اللّه على عباده
وهم إليه منهج ومقصد
هم بالنهار صوّم لربّهم
وفي الدياجي ركّع وسجّد
* * *
وقال الموسوي :
من معشر وجدوا المكارم طعمة
ورووا من الشرف الأغرّ الأقدم
من قائد أو ذائد أو عامر
أو ماطر أو منعم أو مرغم
وقروا على المجد المشيد همومهم
وتهاونوا بالنائل المتهدّم
غيض الفّ تقابلت شعبانه
في المجد شجر مقوم لمقوم
يتوارثون المكرمات ولادة
من بين جدّ في المكارم أيتم
الطيّبين الطاهرين ومن يكن
لأب إلى حرم النبوّة يعظم
* * *
ص: 432
باب إمامة أبي محمد علي بن الحسين عليهماالسلام
فصل 1 : في المقدّمات
( 7 - 16 )
الحمد للّه فاطر السماوات··· 9
الآيات··· 10
هم الهدى والشهداء··· 10
هم القرى المباركة الآمنة··· 11
هم ورثة الكتاب··· 11
هم الأمّة··· 13
اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ··· 13
ليس مثلي من يستخفّ بذمّته··· 14
الدليل على إمامته عليه السلام··· 15
في الحساب··· 15
كثرة ذرّيّته··· 15
ص: 433
فصل 2 : في معجزاته عليه السلام
( 17 - 54 )
ألقى الحديد وذهب الى عبدالملك قبل الأعوان··· 19
شفاء حبابة الوالبية··· 20
عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ··· 20
استجابة دعائه في حرملة لعنه اللّه ··· 21
بشارته بزوال ملك بني أميّة··· 21
إنّ الملائكة ليزاحمونا على متّكاتنا··· 22
حصاة أمّ سليم وحقّها··· 22
عجز إبليس أن يشغله عن صلاته··· 23
خسر ابن المسيب الصلاة عليه عليه السلام··· 24
أشار الى حبابة الوالبية فردّ عليها شبابها··· 25
وقوع ابنه في البئر وإخراجه سالما··· 26
إخباره الكابلي بما في نفسه وإخراجه سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله··· 28
حصاة غانم ابن أمّ غانم··· 28
تسبيح الشجر والمدر معه··· 30
فصاحة الصحيفة الكاملة··· 31
لقاء الخضر معه عليهماالسلام··· 31
سلام الخضر عليه كلّ يوم··· 32
بشارته بولده الباقر عليه السلام··· 33
كلامه مع حوت يونس أمام ابن عمر··· 34
ص: 434
استغاثة النعجة به··· 35
بناؤه الكعبة··· 36
استسقاؤه··· 37
تسليطه السبع على اللّص··· 38
كلامه مع الظبي··· 38
كلامه مع الثعلب··· 39
وضوؤه في الليلة الأخيرة وناقته··· 40
خبر حمّاد الكوفي العطّار وحمله الى مكة··· 41
سبب مرضه عليه السلام في كربلاء··· 43
إخباره بما يكون لعمر بن عبد العزيز··· 43
يرى العدو ولا يرونه وملك يدافع عن حرمه··· 43
رجل يدافع عنه في كربلاء··· 44
قضاؤه دين أبيه··· 45
استجاب اللّه دعاءه فأراه قاتل أبيه قتيلاً··· 46
ديوان الشيعة··· 46
ملك الشام الأوّل يستغيث به··· 47
معالجة الجارية وانصراف الكابلي الى أهله··· 47
كلامه عليه السلام مع الحرس بلغتهم في حبس يزيد··· 49
بركة قرصيه عليه السلام··· 49
نادى الكابلي باسمه الذي سمّته به أمّه··· 51
نطق الحجر الأسود بإمامته··· 52
ص: 435
فصل 3 : في زهده عليه السلام
( 55 - 78 )
عبادته عليه السلام··· 57
الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة··· 57
صفة وضوئه وقيام وتأهّبه للقيام··· 57
دعاؤه في الحجر··· 58
البقيا على نفسك يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله··· 58
بكاء الباقر عليه السلام حين رآه بتلك الحال من البكاء··· 59
كان يسجد على تربة الحسين··· 60
صفة سجوده عليه السلام··· 60
صفة صلاته عليه السلام··· 61
صفة طوافه في البيت الحرام··· 62
بعض الندب المروية عنه عليه السلام··· 65
صدقته عليه السلام··· 67
كان يحمل جراب الصدقة··· 67
صدقة السرّ تطفى ء غضب الربّ··· 67
كان يقّوت فقراء أهل المدينة في الليل··· 67
كان يغطّي وجهه إذا ناول الفقير لئلا يعرفه··· 68
كان يحمل الدقيق والحطب على ظهره الى الفقراء··· 69
يحضر الفقراء طعامه ويناولهم بيده··· 70
يقبّل الصدقة ثم يناولها··· 70
ص: 436
ينفق ممّا يحبّه··· 70
قاسم اللّه ماله مرّتين··· 71
يستقي لضعفة جيرانه بالليل··· 71
أثر الجراب على ظهره··· 72
يتصدّق بكسوة الشتاء والصيف··· 72
صومه وحجّه عليه السلام··· 73
صومه عليه السلام··· 73
يوزع اللحم ويفطر بالخبر والتمر··· 73
يتحبّب الى ربّه بالصيام والقيام··· 73
ما أتوه طعام بنهار ولا فراش بليل··· 74
حجّه عليه السلام··· 74
لم يقرع ناقته بسوط··· 74
لقاء ابن المبارك معه في طريق الحجّ··· 75
من شعره عليه السلام··· 76
فصل 4 : في علمه وحلمه وتواضعه عليه السلام
( 79 - 100 )
حلمه عليه السلام··· 81
شتمه رجل فأعطاه ثوبا وألف درهم··· 81
نال منه الحسن بن الحسن فأتاه الى منزله··· 81
شتمه رجل··· 82
ص: 437
سبّه رجل فسكت··· 82
الحمد اللّه الذي جعل مملوكي آمنا منّي··· 82
اذهبي أنت حرّة لوجه اللّه ··· 82
خافت الجارية فأعتقها··· 83
مع غلمانه في شهر رمضان··· 83
مع الرجل البطّال··· 84
ضرب غلامه بالسوط !! ثم طلب منه الاقتصاص··· 84
مرّ بقوم كان يغتابونه !!··· 85
علمه عليه السلام··· 86
لم يرّ هاشميا أفضل ولا أفقه منه··· 86
كلامه مع الحسن البصري في البيت الحرام··· 86
لولا هذه الآية لأخبرتكم بما هو كائن··· 87
إنّا لنعرف الرجل بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق··· 87
ردّه على عباد البصري في طريق مكة··· 87
فرّج عن الزهري··· 88
امتحان الفقهاء··· 89
وصية رجل له ثلاثة غلمان كلّ منهم اسمه ميمون··· 89
بدء الوضوء··· 89
غسل آدم وحواء عليهماالسلام··· 90
رجل ضرب امرأة حاملة فطرحت ما في بطنها ميّتا··· 90
أوجه الصوم··· 91
ص: 438
لأيّ علّة صار الطواف سبعة أشواط ؟··· 91
كتاب ملك الروم وجواب زين العابدين عليه السلام··· 92
ذكره في كتب الزهد والموعظة··· 92
مَن روى عنه··· 92
تواضعه عليه السلام··· 94
إنّك تجالس أقواما دونا !··· 94
إذا سافر كتم نفسه أهل الرفقة··· 94
ردّه على عبد الملك حينما عيّره بزواجه من أمته··· 95
أحبّونا حبّ الإسلام··· 96
حسبنا أن نكون من صالحي قومنا··· 97
برّه بأمّه··· 97
ينحي المدرة بيده عن الطريق··· 98
صفة مشيه عليه السلام··· 98
تعامله مع إمائه··· 98
فصل 5 : في كرمه وصبره وبكائه
عليه السلام
( 101 - 114 )
كرمه عليه السلام··· 103
موقفه عليه السلام من هشام الذي كان يؤذيه··· 103
دعوة المجذومين··· 103
ضمانه دين ابن أسامة في مرضه··· 104
ص: 439
ضمانه دين عيسى بن عبد اللّه ··· 104
أعتق عبدا قيمتة عشرة آلاف درهم··· 105
أعطى سائلاً مطرف خزّ··· 106
صبره عليه السلام··· 107
دعاؤه على مسرف··· 107
إنّا أهل بيت نطيع اللّه فيما يحبّ ونحمده فيما نكره··· 108
يا بنيّ اصبر على النوائب··· 108
موقفه من ابتزاز عبد الملك··· 109
بعض خصاله عليه السلام··· 109
حزنه وبكاؤه عليه السلام··· 111
ما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى··· 111
ما شرب الماء إلاّ ملأ الإناء دمعا··· 112
نفسي قتلتها وعليها أبكي··· 112
مع الأصمعي في البادية··· 112
فصل 6 : في سيادته عليه السلام
( 115 - 126 )
زين العابدين··· 117
السجّاد··· 117
ذو الثفنات··· 118
أشرف الناس··· 118
ص: 440
أنا ابن الخيرتين··· 118
لولا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها··· 119
خطبته في مجلس يزيد··· 119
قصيدة الفرزدق··· 122
فصل 7 : في المفردات والنصوص عليه
( 127 - 136 )
النصوص عليه··· 129
دفعت له أمّ سلمة وصية الحسين عليه السلام··· 129
دفعت له فاطمة الكبرى وصية الحسين عليه السلام··· 129
ما قاله الصادق عليه السلام في فضل زيارته··· 129
أفي حرم اللّه أسأل غير اللّه ؟··· 130
صلته ابن عمّه··· 130
إنّ أبي أحبّ أباه فسمّى باسمه مرارا··· 131
يزيد يدعوه لمصارعة ابنه··· 131
ردّه على يزيد··· 132
مقتل الجلواز الذي أراد قتله··· 132
عقب الحسين عليه السلام منه··· 133
في النكت··· 133
من شعره عليه السلام··· 134
ص: 441
فصل 8 : في أحواله وتاريخه عليه السلام
( 137 - 146 )
لقبه··· 139
كنيته··· 139
مولده ومدّة عمره وإمامته ومدفنه··· 139
أولاده عليه السلام··· 141
أمّه عليه السلام··· 142
بابه عليه السلام··· 142
رجاله من الصحابة··· 143
رجاله من التابعين··· 143
أصحابه··· 143
مواليه··· 144
باب في إمامة أبي جعفر الباقر
عليهماالسلام
فصل 1 : في المقدّمات
( 149 - 162 )
الآيات··· 151
هم النجم والعلامات··· 151
هم أهل الذكر··· 152
هم الشهداء··· 153
ص: 442
هم جنب اللّه ··· 155
هم الذين أخرجوا من ديارهم··· 155
هم الصادقون··· 156
وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالأَْرْحامَ··· 156
فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الَّثمَراتِ··· 156
أَنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنى··· 157
وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً··· 157
هم ينذرون بالقرآن كما أنذر النبي صلى الله عليه و آله··· 157
الفضل ثلاثة··· 158
تكاليف المؤمن فيما أعطاه اللّه ··· 158
ألقابه وصفاته والدليل على إمامته··· 159
ألقابه وصفاته··· 159
ممّا يدلّ على إمامته··· 160
فصل 2 : في آياته عليه السلام
( 163 - 194 )
شفاء محمد بن مسلم من وجعه··· 165
الجدر لا تحجب أبصارنا··· 166
أبو بصير والمرأة التي علّمها القرآن··· 166
مع عكرمة عبيد أهل الشام··· 167
هاتف يهتف بصفاته في البيت الحرام··· 168
ص: 443
خيط الباقر عليه السلام يزلزل المدينة··· 169
دعا عليه السلام فأحيى اللّه الحمار··· 170
ردّ البصر الى أبي بصير··· 170
ردّ بصر أبي بصير في الحجّ··· 171
ردّ بصر أبي بصير في بيته··· 172
عصافير يسبّحن ويسألن قوت يومهن··· 172
مع عبد اللّه بن الحسن··· 173
أخذه السارق وإخباره بما في العيبة··· 173
بقي من أجلي خمس سنين··· 175
ردّ للشامي روحه··· 175
إخباره بمن يقتل بني أميّة··· 176
إطاعة الجنّ له··· 177
علامة سقوط سلطان بني أميّة··· 177
كنوزهم المغطاة··· 178
مع ملك الموت وجبرئيل··· 178
نعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان··· 179
يا جارية افتحي الباب لابن عطاء··· 179
دعا فتساقط عليه رطبا جنيا··· 180
وضع يده على الأرض فأظلم البيت··· 180
أخبر زيدا أنّه المصلوب بالكناسة··· 181
ما يقول الوزغ··· 181
ص: 444
إغاثة الذئب··· 181
خطبته وحبسه في الشام ودعوته بدعوة شعيب··· 182
إنّ لنا خدما من الجنّ··· 184
كرامة أمّه··· 185
جنّ جابر··· 185
تقاضي الطيور عنده··· 186
إخباره بما يكون من حكم بني العباس··· 187
الجنّ أطوع لنا منكم··· 188
ما قلت لكم كائن لابدّ منه··· 188
إخباره الخراساني بما جرى على أهله··· 189
إخباره الإفريقي بموت راشد··· 190
إخباره القوم بما يريدون··· 190
إخباره بما يجري على علي بن أبي حمزة··· 191
أحضر الميت من وادي ضجنان··· 192
أرى جابرا الملكوت··· 193
فصل 3 : في علمه عليه السلام
( 195 - 222 )
إنّا عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ··· 197
يقرأ بالسريانية··· 197
يقرأ بالعبرانية··· 197
ص: 445
ما ظهر منه عليه السلام من العلم··· 198
النبي صلى الله عليه و آله يسلّم عليه عليه السلام ويلقّبه الباقر··· 199
قراءة آية··· 202
إكرامه الكميت··· 202
إنّهم أهل بيت مفهّمون··· 203
معنى الرتق والفتق··· 203
مسائل الأبرش الكلبي··· 204
مسألة مع ابن عباس··· 205
ميراث إمرأة مات عنها زوجها وله غريم··· 206
رجل أوصى بألف درهم للكعبة··· 206
مع أبي حنيفة··· 207
رجل تزوّج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته··· 207
أبو حنيفة يتعلّم من محمد بن مسلم··· 208
كيف يولد الجنين··· 208
مجيء الجعفي للتعلّم··· 209
مسائل طاووس اليماني··· 209
مع ابن المنكدر··· 210
محاججة ابن الأزرق··· 211
محاججة بعض رؤساء الكيسانية··· 212
مسائل الخضر··· 213
لماذا صارت الشمش أشدّ حرارة من القمر ؟··· 214
ص: 446
خطبته عليه السلام في الشام··· 215
جمع الباقر صلاح حال الدنيا في كلمتين··· 216
صفة حضور العلماء عنده··· 217
علّة حسن الخلق وسوئه··· 217
ما يؤكل من البيض··· 218
لمَ لا تورث المرأة عمّن يتمتّع بها ؟··· 218
لم جعل البيّنة في النكاح ؟··· 218
بم حلق آدم عليه السلام رأسه في الحج ؟··· 218
علّة غسل الميّت والصلاة عليه وغسل غاسله··· 219
علّة الوتيرة··· 219
تكبير صلاة الميّت··· 219
علّة حيض النساء كلّ شهر··· 220
علّة طيب الطلاء··· 220
علّة ترك النبي صلى الله عليه و آله أكل الكليتين··· 221
فصل 4 : في معالي أُموره عليه السلام
( 223 - 234 )
طاعتنا فريضة··· 225
خبرنا صعب مستصعب··· 225
بليّة الناس علينا عظيمة··· 225
نحن أهل بيت الرحمة··· 226
ص: 447
وصفهم عليهم السلام ووصف من كان منهم··· 226
ما لقينا الباقر عليه السلام إلاّ وحمل إلينا النفقة··· 227
جوائز الباقر عليه السلام··· 227
حلمه مع النصراني··· 227
عتبه على كثير··· 227
تصحيح شعر الكميت··· 228
عطاؤه للحسن بن كثير··· 229
كلامه مع ابن عبد العزيز وردّ فدك··· 229
كرمه مع من أقرّ له بالرقّية··· 230
إنّه أوّل ما اجتمعت له ولادة الحسن والحسين··· 231
زيارته··· 231
بيت تمثّل به الإمام عليه السلام··· 232
فصل 5 : في أحواله وتاريخه عليه السلام
( 235 - 244 )
اسمه وكنيته ولقبه··· 237
حليته··· 237
أمّه··· 237
ولادته ووفاته ومدفنه وملوك عصره··· 238
أولاده··· 239
بابه··· 239
ص: 448
أصحابه أفقه الأوّلين··· 239
أصحابه··· 240
رواة النصّ عليه··· 240
الدليل على إمامته عليه السلام··· 241
النكت··· 241
في الحساب··· 241
باب إمامة أبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليهماالسلام
فصل 1 : في المقدّمات
( 247 - 258 )
الآيات··· 249
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ··· 249
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا··· 249
هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ··· 250
إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لأُِولِي النُّهى··· 250
وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا··· 251
كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ··· 251
حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِْيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ··· 251
أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ··· 252
الْباقِياتُ الصّالِحاتُ··· 252
ص: 449
إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ··· 252
لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ··· 253
ممّا يدلّ على إمامته··· 255
النكت··· 255
في الحساب··· 256
فصل 2 : في معرفته باللّغات وإخباره بالغيب
( 259 - 292 )
لغة الحمام··· 261
لغة العصافير··· 261
لغة الفاختة والصلصل والورشان··· 262
لغة الغراب··· 262
لغة أهل خراسان··· 263
لغة النبط وكلّ لسان··· 263
ما يقوله اليهود على ذبائحهم··· 263
لغة أهل دوين··· 264
تكلّموا على الباب فأجابهم··· 264
الردّ على الغلاة··· 264
أردت أن أسأله فأجاب··· 265
أخبرني بجميع ما جرى بيننا حتى كأنّه كان ثالثنا··· 266
أخبر عبد اللّه النجاشي بما جرى له··· 268
ص: 450
ابتدأني فأخبرني بمسألتي··· 268
ما لك ولخالدة ! أغلظت لها البارحة ؟··· 268
أين ورعك يوم كذا وكذا مع الجارية ؟!··· 269
إنّ خزانة الإمام في خاتمه··· 270
أخبر الثمالي بيوم موته··· 271
كيف بك إذا نعاني إليك محمد بن سليمان ؟··· 271
نطق القديد وقال إنّي لست بذكيّ··· 272
ما يقال للسبع لينصرف··· 273
إخبار زيد بموته وأنّه من أهل الجنّة··· 273
إخبار شعيب بموته··· 274
إخبار سورة بدنو أجله وأنّه من أهل الجنّة··· 274
ألم أقل لكم إنّكم ستكفرون إن أخبرتكم··· 275
ليست تبيت في بيتك أكثر من ثلاثة أيّام··· 276
دعه فإنّ عمره قصير··· 277
ما تركت في بيتي شيئا إلاّ وقد أخبرتني به··· 277
ما هذا الذي بينك وبين جمّالك في الطريق ؟··· 277
لا تقولوا لعمّي زيد إلاّ خيرا··· 278
شهادة المعلى بن خنيس··· 279
أردت أن أسأله عن صلاة الليل ونسيت··· 280
الساعة انفقأت عين هشام في قبره··· 280
إنّ بيوت أولاد الأنبياء لا يدخلها الجنب !··· 281
ص: 451
تدخل على إمامك وأنت جنب ؟!··· 281
أما تعلم أنّ أمرنا هذا لا ينال إلاّ بالورع··· 282
ما أقبح بالرجل أن يؤتمن فيخون··· 282
فضيحة أبي حنيفة··· 283
أبرأ ممّن قال إنّا أنبياء··· 283
عرض عليّ من عملك صلتك لابن عمّك··· 284
أخذت شيئا من حقّنا لتعلم كيف مذهبنا··· 284
ردّ الزكاة وقبل الصلة··· 285
خذ خمستك وهات خمستنا··· 285
أو أمنتم الجراد ؟··· 286
أخبرني أنّك صاحب حجر الزنابير··· 286
انصرفت من وقتي فهيّأت أمري··· 287
إخباره المنصور بحال ابني عبد اللّه ··· 288
واللّه أقول ذلك وأعلمه··· 288
أخبار صاحب الرايات السود··· 289
فصل 3 : في استجابة دعواته عليه السلام
( 293 - 304 )
دعاؤه على داود بن علي قاتل المعلى··· 295
دعاؤه على المنصور العباسي··· 296
شفاء يونس من البياض بدعائه··· 298
ص: 452
شفاء موالية من الوضح بدعائه··· 298
شفاء مصدوع بدعائه··· 299
اللّهمّ إنّي أشتهي العنب فأطعمنيه··· 299
وفى وليّ اللّه جعفر بن محمد عليهماالسلام··· 300
هاتف من بطنان العرش··· 301
اللّهم اخدع عنهم سلطانه··· 302
قد واللّه خلّي سبيل خليلك··· 302
دعاؤه على الحكيم بن العباس··· 303
فصل 4 : في خرق العادات له عليه السلام
( 305 - 336 )
تأمّلتهم فإذا هم قردة وخنازير··· 307
في لسانك رسالة لو أتيت بها الجبال الرواسي لانقادت لك··· 307
حدّثني واللّه الحديث كأنّه حضر معي··· 308
وعظه على جهة التعريض لأنّه كان يشرب··· 309
أعرف الجبل وإن شئت أخبرتك باسمه وحاله··· 310
أنا ابن أعراق الثرى . .··· 311
لقد بقي لهم عند زيد طلبة ما أخذوها منه··· 311
الق النعل من يدك واجلس في التنّور··· 311
إنّهما سبب كلّ ظلم مذ كانا··· 313
نبش الرمل فحفر فخرج ماء فتطهّر للصلاة··· 313
ص: 453
سبب إفشاء علم الصادق عليه السلام··· 314
معرفته بالرجال··· 315
شكوى الظبي عنده··· 315
ردّ بصر أبي بصير··· 316
دعه فستكفى بغيرك··· 316
قم بإذن اللّه وبإذن جعفر بن محمد··· 317
ترجع أنت وهي جالسة بإذن اللّه تعالى··· 317
لا تخبري بذلك أحدا··· 318
وفينا لصاحبك··· 318
أيّتها النخلة أطعمينا··· 320
بعثت إليك على يدي الخضر قطعة عود من شجرة طوبى··· 320
أنبع الماء في الأرض القفر وهزّ الجذع فأطعمنا الرطب··· 321
أخذ بأذن الأسد فنحّاه عن الطريق··· 322
اكتمها عن الناس لا يفتنون··· 322
خيانة ميزان الهندي··· 323
إنّا أهل بيت لا يدخل الدنس بيوتنا··· 325
اجمع أموالك في كلّ شهر ربيع··· 326
مناظرة الشامي أصحاب الصادق عليه السلام··· 326
هشام بن الحكم يدين بدين الحقّ··· 328
عندنا خزائن الأرض ومفاتيحها··· 328
أحبّ أن تخبرني باسم اللّه الأعظم··· 329
ص: 454
هلاّ كان هذا الورع ليلة نهر بلخ··· 330
أخبار السيّد الحميري··· 331
أخرج ابن الحنفية من القبر فشهد له بالإمامة··· 331
ما آن أن ترجع عن كفرك وضلالك··· 331
إنّ محبّي آل محمد لا يموتون إلاّ تائبين··· 332
مناظرة مؤمن الطاق والسيّد في ابن الحنفية··· 332
فصل 5 : في علمه عليه السلام
( 337 - 404 )
كثرة الرواة عنه··· 339
أئمة المذاهب عيال عليه··· 341
مالك بن أنس··· 341
أبو حنيفة··· 341
محمد بن الحسن وطيفور السقّاء··· 342
ابن أدهم وابن دينار··· 342
سفيان الثوري··· 342
الحسن بن صالح··· 343
ابن أبي ليلى··· 343
عمرو بن المقدام··· 344
كثرة الكتب التي نقلت عنه··· 344
رواة دعاء أمّ داود··· 344
ص: 455
أعلم ما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة··· 345
إنّي أتكلّم على سبعين وجها··· 345
للصلاة أربعة آلاف حدّ··· 345
عنده أسماء الأنبياء والأوصياء والملوك··· 346
إحتياج سليمان لهم··· 346
لقد أعطينا علم الأوّلين والآخرين··· 346
إنّي لأعلم ما في . . الدنيا والآخرة··· 347
إنّ كتب علي عليه السلام عنده··· 347
هذا ما حملته من الحجاز··· 348
جواب من زعم أنّه خلق دودا وهواما··· 348
خلق اللّه الذباب ليذلّ به الجبابرة··· 349
الكبائر من كتاب اللّه ··· 349
الكبائر سبع وقد استحلّت منّا··· 351
مناظرات مع أبي حنيفة في بطلان القياس··· 352
أجير عجز عن إتمام العمل··· 357
رجل سرق وزنا وقتل ثم قتل··· 357
زوج قتل صديق زوجته فقتلته الزوجة··· 358
مسائل أبي حنيفة في مجلس المنصور··· 359
مع سعد اليماني المنجم··· 359
تفصيل الجسم··· 360
زوال الشمس على الشهور الرومية··· 361
ص: 456
علّة اختلاف منيات الناس وميل القلب الى الخضرة··· 362
ظهور ذلّة الغلبة على ابن أبي العوجاء··· 362
إنّ الشمس تطلع بين قرني الشيطان··· 363
لِمَ لا تجوز المكتوبة في جوف الكعبة ؟··· 363
السعي بين الصفا والمروة فريضة أو سنّة ؟··· 364
امرأة أوصت بثلثها فلم يسع المال ذلك··· 364
ردّني أقبح ردّ وما خرج من قول صاحبه··· 365
رجوع المنصور اليه عليه السلام في كشف جريمة وقعت··· 366
أربعة أنفس قتلوا رجلاً··· 367
علّة التياسر في الصلاة لأهل العراق··· 367
علّة أوّل الوضوء باليمين··· 368
علّة الغائط··· 368
علّة نظر من أراد الحاجة الى ما يخرج منه··· 368
علّة التسليم في الصلاة··· 369
علّة التكبير بعد التسليم··· 369
علّة جعل العاهات في أهل الحاجة··· 369
علّة خروج المؤمن من الكافر وبالعكس··· 370
الطبائع أربع··· 370
علل ما خلق في الإنسان من الجوارح والأعضاء··· 371
علّة حزن الإنسان وفرحه من غير سبب··· 374
علّة سرعة الفهم وإبطائه··· 375
ص: 457
علّة الحبّ تقع فيه القملة··· 375
علّة سقوط الزكاة عن البغال··· 376
أمة بين شريكين··· 376
حكم من شتم النبي صلى الله عليه و آله··· 376
الصادق عليه السلام أعلم من موسى وعيسى عليهماالسلام··· 377
حكم الفراء··· 378
حكم من قطع رأسه بعد الموت··· 378
من قال لامرأته يا زانية··· 379
علّة تحريم الزنا··· 380
علّة تحريم اللواط··· 380
علّة تحريم الربا··· 380
رجل صانع قطع عضو صبي بأمر أبيه··· 381
أوصى الى غلامين له كلّ اسمه يسار··· 381
علّة غسل الجنابة··· 382
لا يعلم الحساب إلاّ من علم مواليد الخلق كلّهم··· 382
ساعات السعد··· 383
علّة فرض الصلوات الخمس··· 384
لمَ لا يقصر صلاة المغرب في السفر··· 385
علّة توجيه الميت الى القبلة في القبر··· 385
علّة تحويل الرداء في الاستسقاء··· 386
علّة كون نيّة المؤمن خير من عمله··· 386
ص: 458
علّة خلود أهل الجنّة في الجنّة وأهل النار في النار··· 386
علّة تربيع القبر··· 387
علّة الزكاة والنصاب··· 387
علّة الصيام··· 388
علّة استلام الحجر وتقبيله··· 389
ابتداء البيت والحرم··· 391
علّة تقليد البدنة··· 392
المصدود والمحصور في الحجّ··· 392
علّة إحرام النبي صلى الله عليه و آله من الشجرة··· 392
دفاع الإمام عليه السلام عن محمد بن مسلم··· 393
مع أبي حنيفة··· 394
رجل زنى وهو مريض··· 394
حكم المرأة الحبلى إذا قتلت··· 395
علّة قطع يد السارق اليمنى ورجله اليسرى··· 395
علّة زيادة الحدّ في الزنا على الخمر··· 396
علّة أنّ النساء همّتهن في الرجال··· 396
لمَ صار مهر السنّة خمسمائة··· 396
لم صار المهر على الرجل··· 397
لِمَ حرّم على الرجل جارية ابنه··· 397
علّة تفضيل المرأة على الأخرى في القسمة والنفقة··· 397
علّة تحريم الخمر··· 398
ص: 459
تحديد الأكبر في التوأم··· 399
علّة عدّة المطلّقة وعدّة المتوفى عنها زوجها··· 399
علّة قبول أربع شهادات من الزوج إذا قذف زوجته··· 399
حكم السمك الطافي··· 400
بيان الفرق بين الذكي والميت··· 400
علّة تحريم الخصية والنخاع··· 401
علّة عدم نبات الشعر في راحة اليد··· 401
فصل 6 : في معالي أُموره عليه السلام
( 405 - 422 )
علّة تسميته ب-« الصادق »··· 407
كان يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء··· 408
تصدّقه بالسرّ··· 409
أعطى من حمل عليه بالشفرة··· 409
كان يأمر أن يصلح بين أصحابه ويفتديهم من ماله··· 409
كان إذا أعطى لا يرجع بعطائه··· 410
عطاؤه للأشجع··· 411
اطلب الحاجة من أهل العلى··· 411
رفقه بغلمانه··· 412
خوفه من اللّه ··· 412
من شعره عليه السلام··· 413
ص: 460
مالك بن أنس يصف الإمام عليه السلام··· 414
قيل فيه··· 414
من شعره عليه السلام··· 415
نحن ورثة الأنبياء··· 415
عندنا جميع ما يحتاج الناس إليه··· 416
من شعره عليه السلام··· 417
معنى اسم جعفر··· 417
قول زيد فيه عليه السلام··· 418
قول ابن المبارك فيه عليه السلام··· 418
بين أبي حنيفة ومؤمن الطاق عند وفاة الصادق عليه السلام··· 418
شعر في رثائه عليه السلام··· 419
من رواة النصّ عليه··· 421
وصية الباقر له عليهماالسلام··· 421
فصل 7 : في تواريخه وأحواله عليه السلام
( 423 - 432 )
ولادته وشهادته وملوك عصره··· 425
موضع قبره ومدّة عمره عليه السلام··· 426
أمّه··· 426
أولاده··· 426
بابه··· 427
ص: 461
أصحابه والرواة عنه··· 427
أصحابه من التابعين··· 427
من خواصّ أصحابه··· 427
مواليه··· 428
حليته··· 428
زيارته··· 429
اسمه وكنيته··· 430
ألقابه··· 430
نسبة الجعفرية اليه··· 430
مسجده··· 430
في الحساب··· 430
الفهرست··· 433
ص: 462
عنوان و نام پديدآور:مناقب آل ابی طالب/ تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب. تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.
مشخصات نشر:قم: المکتبه الحیدریه، 1432ق = 1390.
مشخصات ظاهری:12ج
وضعیت فهرست نویسی:در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)
يادداشت:ج.9. (چاپ اول)
شماره کتابشناسی ملی:2481606
ص: 1
مناقب آل أبي طالب
تأليف الإمام الحافظ رشيد الدين أبي عبد اللّه محمد بن علي بن شهرآشوب
ابن أبي نصر بن أبي الجيش السروي المازندراني
المتوفى سنة 588 ه
الجزء الثاني عشر
تحقيق السيد علي السيد جمال أشرف الحسيني
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
ص: 8
الحمد للّه الذي كبس بلطفه الصدور ، فألقى عسرها وغلّها ، الرحمن الذي كمل بفضله الأمور دقّها وجلّها ، الرحيم الذي أفاض من رحمته البحور ، فغسل الزلاّت صكّها وسجّلها ، علم الأشياء ، فأحصى كثرها وقلّها ، وسمع الأقوال فأثبت حرّها ونحلها ، وأفحم الملائكة حين « عَلَّمَ آدَمَ الأَْسْماءَ كُلَّها » .
الكاظم عليه السلام في قوله تعالى : « بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً » ، قال : بغضنا ، « وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ » ، قال : من شرك في دمائنا .
وعنه عليه السلام في قوله تعالى : « فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ » ، قال : نحن هم ، نشهد للرسل على أممها .
ص: 9
وعنه في قوله تعالى : « وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ » ، قال : هم عدوّنا أهل البيت ، إذا سألوا عنّا قالوا ذلك .
الباقر عليه السلام في قوله تعالى : « بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ » ، قال : إيّانا عنى ، الأئمّة من آل محمد صلى الله عليه و آله(1) .
وروى هذا المعنى أبو بصير عن الباقر عليه السلام ، وعبد العزيز العبدي ، وهارون بن حمزة عن الصادق(2) عليه السلام .
وعنه عليه السلام في قوله تعالى : « وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ » ، نحن السبيل(3) لمن اقتدى بنا ، ونحن الهداة إلى الجنّة ، ونحن عرى الإسلام(4) .
وعنه في قوله تعالى : « وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِْسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآْخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ » ، فقال : غير التسليم لولايتنا .
ص: 10
وعنه في قوله تعالى : « ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ » ، نحن جنب اللّه (1) .
وعنه في قوله تعالى : « وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ » ، قال : نحن السابقون ، ونحن الآخرون(2) .
وعنه في قوله تعالى : « وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا » ، قال : هذه نزلت في آل محمد عليهم السلام وأشياعهم(3) .
وعنه في قوله تعالى : « وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ » ، قال : اتّبع سبيل محمد صلى الله عليه و آله وعلي عليه السلام(4) .
ص: 11
وعنه في قوله تعالى : « مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها » ، قال : الحسنة حبّنا ومعرفة حقّنا ، والسيّئة بغضنا ، وانتقاص حقّنا .
وقال زيد بن علي ، وأبو عبد اللّه الجدلي : قال علي عليه السلام : « مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ » ، قال : حبّنا ، « وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ » ، قال : بغضنا(1) .
أبو الحسن الماضي عليه السلام في قوله : « ما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ » ، إنّ اللّه أعزّ وأمنع من أن يظلم ، وأن ينسب نفسه إلى ظلم ، ولكنّ اللّه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه ، وولايتنا ولايته(2) .
وعنه في قوله تعالى : « كَلاّ إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ » ، الذين فجروا في حقّ الأئمّة ، واعتدوا عليهم(1) .
أمير المؤمنين عليه السلام في قوله تعالى : « إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » ، فكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله المتوسّم ، والأئمّة من ذرّيتي المتوسّمون إلى يوم القيامة(2) .
« وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ » ، فذلك السبيل المقيم هو الوصيّ بعد النبي صلى الله عليه و آله .
الصادق عليه السلام في قوله تعالى : « ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ » ، أي عن ولايتنا(3) .
ص: 13
وعنه في قوله : « وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لأُِنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ » ، قال : من بلغ أن يكون إماما ، من آل محمد عليهم السلام ، فهو ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول اللّه (1) صلى الله عليه و آله .
أبو جعفر وأبو عبد اللّه عليهماالسلام في قوله تعالى : « الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإِْثْمِ وَالْفَواحِشَ » ، نزلت في آل محمد صلى الله عليه و آله(2) .
الصادق والباقر عليهماالسلام في قوله تعالى : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً » ، نعمة اللّه رسوله صلى الله عليه و آله ، إذ يخبر أمّته بمن يرشدهم من الأئمّة ، فأحلّوهم دار البوار ، ذلك معنى قول النبي صلى الله عليه و آله : لا ترجعنّ(3) بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض(4) .
ص: 14
بُني الدين على اتّباع النبي صلى الله عليه و آله : « قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي » .
واتّباع الكتاب : « وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ » .
واتباع الأئمّة من أولاده : « وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ » .
فاتّباع النبي صلى الله عليه و آله يورث المحبّة : « يُحْبِبْكُمُ اللّهُ » .
واتّباع الكتاب يورث السعادة « فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى » .
واتباع الأئمّة يورث الجنّة « رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ » .
كادت الأشياء تكون سبعة : السماوات ، والأرضون ، والبحار ، والجزائر ، والنجوم السيّارة ، والأقاليم ، والأسابيع ، وأبواب جهنّم ، والأعضاء ، والوضوء ، والطواف ، والسعي ، ورمي الجمار ، وأسباع القرآن ،
ص: 15
وأكثر الأسماء(1) .
والمولود إذا بلغ سبعة أيّام عقّ عنه ، وإذا بلغ سبع سنين سقط سنّه ، وإذا بلغ ثلاثة أسباع توفّر لمحبّته ويلفّ عن النهر(2) ، ثمّ جعل طوله بشبره سبعة أشبار ، وإذا ولد في سبعة أشهر عاش .
و« لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله » سبع كلمات .
وموسى بن جعفر سابع الأئمّة عليهم السلام .
إنّ الذي قسم الأئمّة حازها
في صلب آدم للإمام السابع
* * *
وميزان موسى بن جعفر من الحساب : إمام معصوم منصوص عليه ، لاستوائهما في أربعمائة وخمس وثمانين .
قال ابن حمّاد :
اصرف هواك إلى النبي وآله
وتولّهم أبدا بقلب غارب
قوم براهم ربّهم من نوره
والخلق من ماء وطين لازب
جاءت مراتبهم لديه فأصبحوا
باللّه معدن كلّ فضل راتب
طابت أصولهم معا وفروعهم
فتطهّروا من شبهة وشوائب
ص: 16
قوم هم حجج الإله على الورى
ممّن يرى بمشارق ومغارب
يا عاتبي في حبّهم قد زادني
حبّا لهم وهوى مقال العاتب
إن كان ذنبي حبّهم ومديحهم
فاشهد بأنّي منه غير التائب
أأتوب من عمل به أرجو النجا
يوم المعاد من العذاب الواصب
* * *
وقال الكميت :
بنو هاشم فهم الأكرمون
بنو الباذخ الأفضل الأطيب
وآباؤهم فاتّخذ أولياء
من دون ذي النسب الأقرب
وفي ودّهم فائتهم عادلاً
نهاك وفي حبلهم فاخطب
أرى لهم الفضل والسابغات
ولم أتمنّ ولم أحسب
لئن طال شربي للآجنات
لقد طاب عندهم مشربي
أناس إذا أوردت بحرهم
صوادي الغرائب لم تضرب
نجوم الأمور إذا دلّست
بظلماء ديجورها الغيهب
وأهل القديم وأهل الحديث
إذا نقصت حبوة المجتبي
* * *
وقال مهيار :
أين الذين بصروا من العمى
وفتحوا باب الرشاد المغلقا
وانتظم المجد نبيّا صادعا
بالمعجزات وإماما صادقا
مناسك الناس لكم وعندكم
جزاء من أسرف أو من اتّقى
والوحي والأملاك في أبياتكم
مختلفات مهبطا ومرتقى
ص: 17
لا يملك الناس عليكم إمرة
كنتم ملوكا والأنام سوقا
في جدّة الدهر وفي شبابه
وحين شاب عمره وأخلقا
مجدا إلهيّا توخّاكم به
ربّ العلى وشرفا مخلقا
رتّقتم بالدين قوم ألحدوا
فيكم وعن قوم حللتم ربقا
وآمن اللّه بكم عباده
حتى حمام بيته المطوّقا
ليس المسيح يوم أحيى ميّتا
ولا الكليم يوم خرّ مصعقا
ثنا لغير ما انثى في أمركم
وإن هما تقدّما وسبقا
وزالت الريح سليمان لو
ابتغاكم في ظهرها ما لحقا
ولا أبوه ناسجا أدراعه
مضاعفا سرودها وألحلقا
فضلتموهم ولكلٍ فضله(1)
فضيلة الرأس المطا والعنقا
وكلّ مهدي له معجزةباهرة بها التاب نطقا(2)
* * *
ص: 18
ص: 19
ص: 20
بيان بن نافع التفليسي ، قال : خلّفت والدي مع الحرم في الموسم وقصدت موسى بن جعفر عليه السلام ، فلمّا أن قربت منه هممت بالسلام عليه ، فأقبل عليّ بوجهه وقال : برّ حجّك يا ابن نافع ، آجرك اللّه في أبيك ، فإنّه قد قبضه إليه في هذه الساعة ، فارجع فخذ في جهازه ، فبقيت متحيّرا عند قوله - وقد كنت خلّفته وما به علّة - ، فقال : يا ابن نافع ، أفلا تؤمن ؟
فرجعت فإذا أنا بالجواري يلطمن خدودهنّ ، فقلت : ما وراكنّ ؟ قلن : أبوك فارق الدنيا .
قال ابن نافع : فجئت إليه أسأله عمّا أخفاه ورأى(1) ، فقال لي : أبدا(2) ما أخفاه وراك ، ثمّ قال : يا ابن نافع إن كان في أمنيّتك كذا وكذا أن تسأل عنه ، فأنا جنب اللّه ، وكلمته الباقية ، وحجّته البالغة .
أبو خالد الرمّاني ، وأبو يعقوب الزبالي ، قال كلّ واحد منهما :
ص: 21
استقبلت أبا الحسن بالأجفر في المقدِمة الأولى على المهدي ، فلمّا خرج ودّعته وبكيت ، فقال لي : ما يبكيك ؟ قلت : حملك هؤلاء ، ولا أدري ما يحدث .
قال : فقال لي : لا بأس عليّ منه في وجهي هذا ، ولا هو بصاحبي ، وإنّي لراجع إلى الحجاز ، ومارّ عليك في هذا الموضع راجعا ، فانتظرني في يوم كذا وكذا في وقت كذا وكذا ، فإنّك تلقاني راجعا ، قلت له : خير البشرى ، لقد خفته عليك ، قال : فلا تخف .
فترصّدته ذلك الوقت في ذلك الموضع ، فإذا بالسواد قد أقبل ، ومناد ينادي من خلفي ، فأتيته فإذا هو أبو الحسن عليه السلام على بغلة له ، فقال لي : إيها أبا خالد ، قلت : لبّيك يا ابن رسول اللّه ، الحمد للّه الذي خلّصك من أيديهم ، فقال : أما إنّ لي عودة إليهم لا أتخلّص من أيديهم(1) .
إسحاق بن عمّار ، قال أبو الحسن عليه السلام لرجل : يا فلان ، أنت تموت إلى شهر ، فأضمرت في نفسي : كأنّه يعلم آجال الشيعة !
فقال لي : يا إسحاق ، ما تنكرون من ذلك ؟ كان رشيد الهجري مستضعفا ، وكان يعلم علم المنايا ، والإمام أولى بذلك منه .
ص: 22
ثمّ قال : يا إسحاق ، تموت إلى سنتين ، ويتشتّت مالك وعيالك وأهل بيتك ويفلسون إفلاسا شديدا .
قال الحسن بن علي بن أبي عثمان : فكان كما قال(1) .
يعقوب السرّاج ، قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام وهو واقف على رأس أبي الحسن عليه السلام - وهو في المهد - ، فجعل يسارّه طويلاً ، فقال لي : ادن إلى مولاك .
فدنوت فسلّمت عليه ، فردّ عليّ السلام بلسان فصيح ، ثمّ قال : اذهب فغيّر اسم ابنتك التي سمّيتها أمس ، فإنّه اسم يبغضه اللّه .
وكانت ولدت لي ابنة ، فسمّيتها بفلانة ، فقال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : انته إلى أمره ترشد ، فغيّرت اسمها(2) .
الرافعي : كان الحسن بن عبد اللّه مهيبا عند الملوك ، زاهدا في الدنيا ،
ص: 23
يأمر بالمعروف على السلطان ، فلقيه موسى بن جعفر عليهماالسلام فقال : يا أبا علي ، ما أحبّ إليّ ما أنت عليه وأسرّني به ! إلاّ أنّه ليست لك معرفة ، فاطلب المعرفة ، قال : وما المعرفة ؟ قال : اذهب وتفقّه واطلب الحديث .
قال : فذهب وكتب الحديث عن مالك وعن فقهاء المدينة ، وعرض عليه ، فأسقط عليه السلام كلّه .
فجاء وذهب معرضا ، وموسى عليه السلام يردّ عليه ويقول : اذهب واعرف - وكان الرجل معنيا(1) بدينه - ، فوجد منه الخلوة ، فقال : إنّي أحتجّ عليك بين يدي اللّه ، فدلّني إلى خيرة ، وسأله دلالة ، فقال : اذهب إلى تلك الشجرة ، فقل لها : يقول لك موسى بن جعفر عليهماالسلام اقبلي .
قال : فأتيتها وقلت لها ، فرأيتها - واللّه - تخدّ الأرض خدّا حتى وقفت بين يديه ، ثمّ أشار إليها بالرجوع فرجعت .
قال : فلزم الصمت ، وكان لا يراه أحد بعد ذلك(2) .
محمد بن الفضل ، قال : اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء ، هو من الأصابع إلى الكعبين ؟ أم من الكعبين إلى الأصابع ؟
ص: 24
وكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن ذلك .
فكتب إليه : فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء ، والذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثا ، وتستنشق ثلاثا ، وتخلّل لحيتك ، وتمسح رأسك كلّه - وبه تمسح ظاهر أذنيك وباطنهما - ، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا ، ولا تخالف ذلك إلى غيره .
فلمّا وصل الكتاب إلى علي تعجّب ممّا رسم له فيه ، ثمّ قال : مولاي أعلم بما قال ، وأنا ممتثل أمره ، فكان يعمل في وضوئه على هذه .
وسعي بعلي إلى الرشيد بالرفض ، فقال : قد كثر القول عندي في رفضه ، فأمتحنه من حيث لا يعلم ، بالوقوف على وضوئه .
فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرشيد وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو ، فدعا بالماء ، وتوضّأ على ما أمره الإمام عليه السلام ، فلم يملك الرشيد ! نفسه حتى أشرف عليه بحيث يراه ، ثمّ ناداه : كذّاب - يا علي - من زعم أنّك من الرافضة ، وصلحت حاله عنده .
وورد كتاب أبي الحسن عليه السلام : ابتدئ من الآن - يا علي بن يقطين - وتوضّأ كما أمرك اللّه ، وذكر وصفه ، ثمّ قال : فقد زال ما كنت أخافه عليك ، والسلام(1) .
قال الشاعر :
ثمّ حال الوضوء حال عجيب
كيف أنباه بالضمير وخبّر
ص: 25
هو عين الحياة وهو نجاة
ورشاد لمن قرا وتدبّر
هو سرّ الإله في البأس والجود
فطوبى لمن به يتبصّر
* * *
ابن سنان ، قال : حمل الرشيد في بعض الأيّام إلى علي بن يقطين ثيابا أكرمه بها ، وفيها درّاعة خزّ سوداء من لباس الملوك مثقّلة بالذهب ، فأنفذ ابن يقطين بها إلى موسى بن جعفر عليهماالسلام مع مال كثير .
فلمّا وصل إلى أبي الحسن عليه السلام قبل المال وردّ الدراعة ، وكتب إليه :
احتفظ بها ولا تخرجها من يدك ، فسيكون لك بها شأن تحتاج إليها معه .
فلمّا كان بعد أيّام تغيّر علي بن يقطين على غلام له ، فصرفه عن خدمته ، فسعى الغلام به إلى الرشيد ، فقال : إنّه يقول بإمامة موسى بن جعفر عليهماالسلام ، ويحمل إليه خمس ماله في كلّ سنة ، وقد حمل إليه الدراعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين .
فغضب الرشيد ! غضبا شديدا وقال : إن كان الأمر على ما تقول أزهقت نفسه .
فأنفذ بإحضار ابن يقطين وقال : عليّ بالدراعة التي كسوتك بها(1) الساعة ، فأنفذ خادما وقال : آتيني بالسفط الفلاني .
ص: 26
فلمّا جاء به وضعه بين يدي الرشيد وفتحه ، فنظر إلى الدراعة بحالها مطويّة مدفونة في الطيب ، فسكن الرشيد من غضبه ، وقال : انصرف راشدا ، فلن أصدّق بعدها ساعيا .
وأمر أن يتبع بجائزة سنيّة ، وتقدّم بضرب الساعي حتى مات منه(1) .
وابن يقطين حين ردّ عليه
الطهر أثوابه وقال وحذّر
قال خذها وسوف تسأل عنها
ومعاديك فيّ لا شكّ يخسر
* * *
أحمد بن عمر الخلاّل ، قال : سمعت الأخوص بمكّة يذكره ، فاشتريت سكّينا وقلت : واللّه لأقتلنّه إذا خرج من المسجد - وأقمت على ذلك وجلست له - ، فما شعرت إلاّ برقعة أبي الحسن عليه السلام قد طلعت عليّ فيها :
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، بحقّي عليك لما كففت عن الأخوص ، فإنّ اللّه ثقتي وهو حسبي(2) .
ص: 27
أحمد بن خالد البرقي عن محمد بن عباد المهلبي ، قال : لمّا حبس هارون الرشيد موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وأظهر الدلائل والمعجزات - وهو في الحبس - ، دعا الرشيد يحيى بن خالد البرمكي ، وسأله تدبيرا في شأن موسى عليه السلام ، فقال : الذي أراه لك أن تمنّ عليه وتصل رحمه ، فقال الرشيد : انطلق إليه ، وأطلق عنه الحديد ، وأبلغه عنّي السلام ، وقل له : يقول لك ابن عمّك : إنّه قد سبق منّي فيك يمين أن لا أخلّيك حتى تقرّ لي بالإساءة ، وتسألني العفو عمّا سلف منك ، وليس عليك في إقرارك عار ، ولا في مسألتك إيّاي منقصة !!! وهذا يحيى - وهو ثقتي ووزيري - فسله(1) بقدر ما أخرج من يميني ، وانصرف راشدا .
فقال عليه السلام : يا أبا علي ، أنا ميّت ، وإنّما بقي من أجلي أسبوع ، اكتم موتي وائتني يوم الجمعة ، وصلّ أنت وأوليائي عليّ فرادى ، وانظر إذا سار هذا الطاغية إلى الرقّة ، وعاد إلى العراق لا يراك ولا تراه ، واحتل لنفسك ، فإنّي رأيت في نجمك ونجم ولدك ونجمه أنّه يأتي عليكم فاحذروه .
ثمّ قال له : يا أبا علي أبلغه عنّي : يقول موسى بن جعفر : رسولي يأتيك يوم الجمعة ، ويخبرك بما يرى ، وستعلم غدا إذا جاثيتك بين يدي اللّه مَن الظالم والمتعدّي على صاحبه .
ص: 28
فلمّا أخبره بجوابه قال له هارون : إن لم يدّع النبوّة بعد أيّام فما أحسن حالنا .
فلمّا كان يوم الجمعة توفّي أبو إبراهيم(1) عليه السلام .
اجتمع الناس على عبد اللّه بن جعفر بعد وفاة الصادق عليه السلام ، فدخل عليه هشام بن سالم ومحمد بن النعمان صاحب الطاق ، فسألاه عن الزكاة في كم تجب ؟ قال : في مائتي درهم خمسةُ دراهم ، فقالا : ففي مائة ؟ قال : درهمين ونصف .
فخرجا يقولان : إلى المرجئة ؟ إلى القدرية ؟ إلى المعتزلة ؟ إلى الزيدية ؟ فرأيا شيخا يومئ إليهما ، فاتّبعاه خائفين أن يكون عينا من عيون أبي جعفر المنصور ، فلمّا ورد هشام على باب موسى عليه السلام ، فإذا خادم بالباب ، فقال له : ادخل رحمك اللّه .
فلمّا دخل قال : إليّ إليّ ، لا إلى المرجئة ، ولا إلى القدرية ، ولا إلى المعتزلة ، ولا إلى الزيدية .
فقال هشام : مضى أبوك موتا ؟ قال : نعم ، قال : فمن لنا بعده ؟ قال : إن شاء اللّه أن يهديك هداك ، قال : إنّ عبد اللّه يزعم أنّه إمام ، قال : عبد اللّه
يريد أن لا يعبد اللّه ، قال : فمن لنا بعده ؟ قال : إن شاء اللّه أن يهديك
ص: 29
هداك ، قال : فأنت هو ؟ قال : وما أقول ذلك ، قال : عليك إمام ؟ قال : لا ، قال : أسألك كما كنت أسأل أباك ؟ قال : سل تخبر ولا تذع ، فإن أذعت فهو الذبح(1) .
أبو علي بن راشد وغيره في خبر طويل : إنّه اجتمعت العصابة الشيعة بنيسابور ، واختاروا محمد بن علي النيسابوري ، فدفعوا إليه ثلاثين ألف دينار وخمسين ألف درهم وألفي شقّة من الثياب ، وأتت شطيطة بدرهم صحيح وشقّة خام من غزل يدها تساوي أربعة دراهم ، فقالت : إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ .
قال : فثنيت درهمها ، وجاؤوا بجزء فيه مسائل مل ء سبعين ورقة ، في كلّ ورقة مسألة ، وباقي الورق بياض ليكتب الجواب تحتها ، وقد حزمت كلّ ورقتين بثلاث حزم ، وختم عليها بثلاث خواتيم على كلّ حزام خاتم ، وقالوا : ادفع إلى الإمام ليلة ، وخذ منه في غد ، فإن وجدت الجزء صحيح الخواتيم فاكسر منها خمسة ، وانظره هل أجاب عن المسائل ؟ وإن لم تنكسر الخواتيم فهو الإمام المستحقّ للمال ، فادفع إليه ، وإلاّ فردّ إلينا أموالنا .
ص: 30
فدخل على الأفطح عبد اللّه بن جعفر وجرّبه ، وخرج عنه قائلاً : ربّ اهدني إلى سواء الصراط .
قال : فبينما أنا واقف إذا أنا بغلام يقول : أجب من تريد ، فأتى بي دار موسى بن جعفر عليهماالسلام ، فلمّا رآني قال لي : لِمَ تقنط يا أبا جعفر ؟ ولِمَ تفزع إلى اليهود والنصارى ؟ فأنا حجّة اللّه ووليّه ، ألم يعرفك أبو حمزة على باب مسجد جدّي ؟ وقد أجبتك عمّا في الجزء من المسائل بجميع ما تحتاج إليه منذ أمس ، فجئني به وبدرهم شطيطة الذي وزنه درهم ودانقان الذي في الكيس الذي فيه أربعمائة درهم للوازواري(1) ، والشقّة التي في رزمة الأخوين البلخيين .
قال : فطار عقلي من مقاله ، وأتيت بما أمرني ، ووضعت ذلك قبله ، فأخذ درهم شطيطة وإزارها ، ثمّ استقبلني وقال : إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ ، يا أبا جعفر ، أبلغ شطيطة سلامي ، وأعطها هذه الصرّة - وكانت أربعين درهما - .
ثمّ قال : وأهديت لك شقّة من أكفاني من قطن قريتنا صيداء - قرية فاطمة عليه السلام - وغزل أختي حليمة ابنة أبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليهماالسلام .
ثمّ قال : وقل لها : ستعيشين تسعة عشر يوما من وصول أبي جعفر ووصول الشقّة والدراهم ، فانفقي على نفسك منها ستّة عشر درهما ،
ص: 31
واجعلي أربعة وعشرين صدقة منك ، وما يلزم عنك ، وأنا أتولّي الصلاة عليك .
فإذا رأيتني - يا أبا جعفر - فاكتم عليّ ، فإنّه أبقى لنفسك ، ثمّ قال : واردد الأموال إلى أصحابها ، وافكك هذه الخواتيم عن الجزء ، وانظر هل أجبناك عن المسائل أم لا ، - من قبل أن تجيئنا بالجزء - ؟! فوجدت الخواتيم صحيحة ، ففتحت منها واحدا من وسطها فوجدت فيه مكتوبا :
ما يقول العالم عليه السلام في رجل قال : نذرت للّه لأعتقنّ كلّ مملوك كان في رقّي قديما - وكان له جماعة من العبيد - ؟
الجواب بخطّه : ليعتقنّ من كان في ملكه من قبل ستّة أشهر ، والدليل على صحّة ذلك قوله تعالى : « وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ » ، الآية ، والحديث : من ليس له(1) ستّة أشهر .
وفككت الختم الثاني ، فوجدت ما تحته : ما يقول العالم في رجل قال : واللّه لأتصدّقنّ بمال كثير فيما يتصدّق ؟
الجواب تحته بخطّه : إن كان الذي حلف من أرباب شياهٍ ، فليتصدّق بأربع وثمانين شاة ، وإن كان من أصحاب النعم ، فليتصدّق بأربع وثمانين بعيرا ، وإن كان من أرباب الدراهم ، فليتصدّق بأربع وثمانين درهما ، والدليل عليه قوله تعالى : و« لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ » ، فعددت مواطن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل نزول تلك الآية ، فكانت أربعة وثمانين موطنا .
ص: 32
فكسرت الختم الثالث ، فوجدت تحته مكتوبا : ما يقول العالم في رجل نبش قبر ميّت ، وقطع رأس الميّت ، وأخذ الكفن ؟
الجواب بخطّه : يقطع السارق ، لأخذ الكفن من وراء الحرز ، ويلزم مائة دينار لقطع رأس الميّت ، لأنّا جعلناه بمنزلة الجنين في بطن أمّه قبل أن ينفخ فيه الروح ، فجعلنا في النطفة عشرين دينارا . . المسألة إلى آخرها .
فلمّا وافى خراسان وجد الذين ردّ عليهم أموالهم ارتدّوا إلى الفطحية ، وشطيطة على الحقّ ، فبلّغها سلامه ، وأعطاها صرّته وشقّته ، فعاشت كما قال عليه السلام .
فلمّا توفّيت شطيطة جاء الإمام عليه السلام على بعير له ، فلمّا فرغ من تجهيزها ركب بعيره ، وانثنى نحو البرّيّة وقال : عرّف أصحابك واقرأهم منّي السلام ، وقل لهم : إنّي ومن يجري مجراي من الأئمّة لا بدّ لنا من حضور جنائزكم في أيّ بلد كنتم ، فاتّقوا اللّه في أنفسكم(1) .
علي بن أبي حمزة ، قال : كنّا بمكّة سنة من السنين ، فأصاب الناس تلك السنة صاعقة كبيرة(2) حتى مات من ذلك خلق كثير ، فدخلت على أبي الحسن عليه السلام ، فقال مبتدئا من غير أن أسأله : يا علي ينبغي للغريق
ص: 33
والمصعوق أن يتربّص به ثلاثا إلى أن يجيء منه ريح يدلّ على موته ، قلت له : جعلت فداك كأنّك تخبرني أنّه دفن ناس كثير أحياء ؟
قال : نعم يا علي قد دفن ناس كثير أحياء ، ما ماتوا إلاّ في قبورهم(1) .
عيسى بن شلقان ، قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن أبي الخطّاب ، فقال مبتدئا من قبل أن أجلس : يا عيسى ، ما يمنعك أن تلقى(2) ابني فتسأله عن جميع ما تريد ؟
فقال عيسى : فذهبت إلى العبد الصالح ، وهو قاعد وعلى شفتيه أثر المداد ، فقال مبتدئا : يا عيسى ، إنّ اللّه - تبارك وتعالى - أخذ ميثاق النبيّين على النبوّة ، فلم يتحوّلوا عنها أبدا ، وأعار قوما الإيمان ثمّ سلبه اللّه إيّاه ،
وإنّ أبا الخطّاب ممّن أعير الإيمان ، ثمّ سلبه اللّه إيّاه ، فقلت : « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »(3) .
علي بن أبي حمزة ، قال : أرسلني أبو الحسن
عليه السلام إلى رجل قدّامه طبق
ص: 34
يبيع بفلس فلس ، وقال : اعطه هذه الثمانية عشر درهما وقل له : يقول لك أبو الحسن : انتفع بهذه الدراهم ، فإنّها تكفيك حتى تموت .
فلمّا أعطيته بكى ، فقلت : وما يبكيك ؟ قال : ولِمَ لا أبكي وقد نعيت إليّ نفسي ، فقلت : وما عند اللّه خير ممّا أنت فيه ، فسكت ، وقال : من أنت يا عبد اللّه ؟ فقلت : علي بن أبي حمزة ، قال : واللّه ، لهكذا قال لي سيّدي ومولاي : إنّي باعث إليك مع علي بن أبي حمزة برسالتي .
قال علي : فلبثت نحوا من عشرين ليلة ، ثمّ أتيت إليه وهو مريض ، فقلت : أوصني - بما أحببت - أنفذه من مالي ، قال : إذا أنا متّ ، فزوّج ابنتي من رجل ديّن ، ثمّ بع داري وادفع ثمنها إلى أبي الحسن عليه السلام ، واشهد لي بالغسل والدفن والصلاة .
قال : فلمّا دفنته زوّجت ابنته من رجل مؤمن ، وبعت داره وأتيت بثمنها إلى أبي الحسن عليه السلام ، فزكّاه وترحّم عليه وقال : ردّ هذه الدراهم ، فادفعها إلى ابنته(1) .
علي بن أبي حمزة ، قال : أرسلني أبو الحسن عليه السلام إلى رجل من بني حنيفة وقال : إنّك تجده في ميمنة المسجد ، فدفعت إليه كتابه ، فقرأ ثمّ قال : ائتني يوم كذا وكذا حتى أعطيك جوابه .
ص: 35
فأتيته في اليوم الذي كان وعدني ، فأعطاني جواب الكتاب ، ثمّ لبثت شهرا فأتيته لأسلّم عليه ، فقيل : إنّ الرجل قد مات .
فلمّا رجعت من قابل إلى مكّة لقيت أبا الحسن عليه السلام ، وأعطيته جواب كتابه ، فقال : رحمه اللّه .
فقال : يا علي ، لِمَ لم تشهد جنازته ؟ قلت : قد فاتت منّي(1) .
شعيب العقرقوفي ، قال : بعثت مباركا مولاي إلى أبي الحسن عليه السلام ، ومعه مائتا دينار ، وكتبت معه كتابا ، فذكر لي مبارك أنّه سأل عن أبي الحسن عليه السلام ، فقيل : قد خرج إلى مكّة ، فقلت : لأسير بين مكّة المدينة بالليل ، وإذا هاتف يهتف بي : يا مبارك مولى شعيب العقرقوفي ، فقلت : من أنت يا عبد اللّه ؟! فقال : أنا معتب ، يقول لك أبو الحسن عليه السلام : هات الكتاب الذي معك ، وواف بالذي معك إلى منى .
فنزلت من محملي ، ودفعت إليه الكتاب ، وصرت إلى منى ، فأدخلت عليه وصببت الدنانير التي معي قدّامه ، فجرّ بعضها إليه ، ودفع بعضها بيده ، ثمّ قال : يا مبارك ، ادفع هذه الدنانير إلى شعيب ، وقل له : يقول لك أبو الحسن عليه السلام : ردّها إلى موضعها الذي أخذتها منه ، فإنّ صاحبها يحتاج إليها .
ص: 36
فخرجت من عنده وقدمت على سيّدي ، وقلت : ما قصّة هذه الدنانير ؟ قال : إنّي طلبت من فاطمة خمسين دينارا لأتمّ بها هذه الدنانير ، فامتنعت عليّ وقالت : أريد أن أشتري بها قراح(1) فلان بن فلان ، فأخذتها منها سرّا ، ولم ألتفت إلى كلامها .
ثمّ دعا شعيب بالميزان ، فوزنها فإذا هي خمسين دينارا(2) .
علي بن أبي حمزة ، قال : قال لي أبو الحسن عليه السلام مبتدئا : يا علي ، يلقاك غدا رجل من أهل المغرب يسألك عنّي ، فقل : واللّه هو الإمام الذي قال لنا أبو عبد اللّه عليه السلام ، وإذا سألك عن الحلال والحرام فأجبه ، قلت : وما علامته ؟ قال : رجل طويل جسيم يقال له : يعقوب .
فبينا أنا في الطواف إذ أقبل رجل بهذه الصفة ، فقال لي : إنّي أريد أن أسألك عن صاحبك ، قلت : عن أيّ أصحابي ؟ قال : عن فلان بن فلان ، قلت : وما اسمك ؟ قال : يعقوب ، قلت : ومن أين أنت ؟ قال : رجل من أهل المغرب ، فقلت : ومن أين عرفتني ؟ قال : أتاني آت في منامي فقال : الق عليّا فاسأله عن جميع ما تحتاج إليه ، ثمّ سألني أن أدخله إلى أبي الحسن عليه السلام ، فاستأذنت عليه فأذن .
ص: 37
فلمّا رآه أبو الحسن عليه السلام قال : يا يعقوب ، قدمت أمس ووقع بينك وبين أخيك شرّ في موضع كذا وكذا حتى شتم بعضكم بعضا ، وهذا ليس من ديني ، ولا من دين آبائي ، ونهاني عن مثل ذلك(1) . . الخبر .
أبو خالد الزبالي ، قال : نزل أبو الحسن عليه السلام منزلنا في يوم شديد البرد في سنة مجدبة ، ونحن لا نقدر على عود نستوقد به ، فقال : يا أبا خالد ، ائتينا بحطب نستوقد به ، قلت : واللّه ، ما أعرف في هذا الموضع عودا واحدا ، فقال : كلاّ - يا أبا خالد - ترى هذا الفجّ ؟ خذ فيه فإنّك تلقى أعرابيا معه حملان حطبا ، فاشترهما منه ولا تماكسه .
فركبت حماري وانطلقت نحو الفجّ الذي وصف لي ، فإذا أعرابي معه حملان حطبا ، فاشتريتهما منه وأتيته بهما ، فاستوقدوا منه يومهم ذلك ، وأتيته بطرف ما عندنا فطعم منه .
ثمّ قال : يا أبا خالد ، انظر خفاف الغلمان ونعالهم فاصلحها حتى نقدم عليك في شهر كذا وكذا .
قال أبو خالد : فكتبت تاريخ ذلك اليوم ، فركبت حماري يوم الموعود(2) حتى جئت إلى لزق ميل ونزلت فيه ، فإذا أنا براكب مقبل نحو القطار ،
ص: 38
فقصدت إليه فإذا هو يهتف بي ويقول : يا أبا خالد ، قلت : لبّيك ، جعلت فداك ، قال : أتراك وفيناك بما وعدناك ؟
ثمّ قال : يا أبا خالد ، ما فعلت بالقبّتين اللتين كنّا نزلنا فيهما ؟ فقلت : جعلت فداك ، قد هيّأتهما لك ، وانطلقت معه حتى نزل في القبّتين اللتين كان نزل فيهما .
ثمّ قال : ما حال خفاف الغلمان ونعالهم ؟ قلت : قد أصلحناها ، فأتيته بهما .
فقال : يا أبا خالد ، سلني حاجتك ، فقلت : جعلت فداك ، أخبرك بما كنت فيه : كنت زيديّ المذهب حتى قدمت عليّ وسألتني الحطب ، وذكرت مجيئك في يوم كذا ، فعلمت أنّك الإمام الذي فرض اللّه طاعته .
فقال : يا أبا خالد ، من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ، وحوسب بما عمل في الإسلام(1) .
قال الناشي :
أناس علوا أعلى المعالي من العلى
فليس لهم في الفاضلين ضريب
إذا انتسبوا جازوا التناهي لمجدهم
فما لهم في العالمين نسيب
هم البحر أضحى درّه وعبابه
فليس له من مبتغيه رسوب
تسير به فلك النجاة وماؤها
لشرّابه عذب المذاق شروب
هو البحر يغني من غدا في جواره
وساحله سهل المجال رحيب
ص: 39
هم سبب بين العباد وربّهم
محبّهم في الحشر ليس يخيب
حووا علم ما قد كان أو هو كائن
وكلّ رشاد يحتويه طلوب
وقد حفظوا كلّ العلوم بأسرها
وكلّ بديع يحتويه غيوب
هم حسنات العالمين بفضلهم
وهم للأعادي في المعاد ذنوب
* * *
وقال الحميري :
وطبتم في قديم الدهر إذ سطرت
فيه البريّة مرحوما وملعونا
ولن تزالوا بعين اللّه ينسجكم
في مستكنّات أصلاب الأبرّينا
يختار من كلّ قرن خيرهم لكم
لا النذل يلزمكم منهم ولا الدونا
حتى تناهت بكم في أمّة جعلت
من أجل فضلكم خير المصلّينا
فأنتم نعمة للّه سابغة
منه علينا وكان الخير مخزونا
لا يقبل اللّه من عبد له عملاً
ولا عدوّكم العمى المضلّينا
* * *
وقال شاعر :
أتنسى ذكر أهل الفضل جهلاً
وتذكر غيرهم في الذاكرينا
من الشفعاء يوم الحشر أكرم
بهم من شافعين مشفّعينا
من الأنوار في ظلم الليالي
من الأنوار عند المجدبينا
من الشجعان يوم الحرب لا بل
من الفرسان فيها المبدعونا
من الفقهاء في الشبه اللواتي
يحار لشرحها المتفقّهونا
ص: 40
من الحجج التي نصبت منارا
تزيد بصائر المستبصرينا
على من أنزل القرآن أم من
أبان الرشد للمسترشدينا
بمن هدي الورى لمّا استجابوا
بحجّة من أقرّوا مذعنينا
بمن فخر المطوق جبرئيل
أتعرف مثله في الفاخرينا
بمن ضمّ الكساء بمن يباهي
رسول اللّه من كالمنجحينا
بمن ذا باهل الكفّار لمّا
أتوه مجادلين مباهلينا
* * *
ص: 41
ص: 42
ص: 43
ص: 44
أبو الأزهر ناصح بن عليّة البرجمي في حديث طويل : إنّه جمعني مسجد بإزاء دار السندي بن شاهك وابن السكّيت ، فتفاوضنا في العربية ، ومعنا رجل لا نعرفه ، فقال : يا هؤلاء أنتم إلى إقامة دينكم أحوج منكم إلى إقامة ألسنتكم ، وساق الكلام إلى إمام الوقت وقال : ليس بينكم وبينه غير هذا الجدار ، قلنا : تعني هذا المحبوس موسى عليه السلام ؟ قال : نعم ، قلنا : سترنا عليك ، فقم من عندنا خيفة أن يراك أحد جليسنا فنؤخذ بك ، قال : واللّه لا يفعلون ذلك أبدا ، واللّه ما قلت لكم إلاّ بأمره ، وإنّه ليرانا ويسمع كلامنا ، ولو شاء أن يكون معنا لكان ، قلنا : فقد شئنا فادعه إلينا .
فإذا قد أقبل رجل من باب المسجد داخلاً كادت لرؤيته العقول أن تذهل ، فعلمنا أنّه موسى بن جعفر عليهماالسلام ، ثمّ قال : أنا هذا الرجل ، وتركنا وخرجنا من المسجد مبادرا ، فسمعنا وجيبا شديدا ، وإذا السندي بن شاهك يعدو داخلاً إلى المسجد معه جماعة ، فقلنا : كان معنا رجل فدعانا إلى كذا وكذا ، ودخل هذا الرجل المصلّي ، وخرج ذاك الرجل ولم نره .
فأمر بنا فأمسكنا ، ثمّ تقدّم إلى موسى عليه السلام ، وهو قائم في المحراب ، فأتاه من قبل وجهه ونحن نسمع ، فقال : يا ويحك ، كم تخرج بسحرك هذا
ص: 45
وحيلتك من وراء الأبواب والأغلاق والأقفال وأردّك ؟ فلو كنت هربت كان أحبّ إليّ من وقوفك هاهنا ، أتريد - يا موسى - أن يقتلني الخليفة ؟
قال : فقال موسى عليه السلام ونحن نسمع كلامه : كيف أهرب وللّه في أيديكم موقت لي يسوق إليها أقداره ، وكرامتي على أيديكم ؟ - في كلام له - .
قال : فأخذ السندي بيده ومشى ، ثمّ قال للقوم : دعوا هذين وأخرجوا إلى الطريق فامنعوا أحدا يمرّ من الناس حتى أتمّ أنا وهذا إلى الدار .
وفي كتاب الأنوار : قال العامري : إنّ هارون الرشيد(1) أنفذ إلى موسى بن جعفر عليهماالسلام جارية خصيفة - لها جمال ووضاءة - لتخدمه في السجن ، فقال : قل له : « بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ » ، لا حاجة لي في هذه ، ولا في أمثالها .
قال : فاستطار هارون غضبا ، وقال : ارجع إليه وقل له : ليس برضاك حبسناك ، ولا برضاك أخدمناك ، واترك الجارية عنده وانصرف .
قال : فمضى ورجع ، ثمّ قام هارون عن مجلسه ، وأنفذ الخادم إليه ليتفحّص عن حالها ، فرآها ساجدة لربّها لا ترفع رأسها تقول : قدّوس
ص: 46
سبحانك سبحانك ، فقال هارون : سحرها - واللّه - موسى بن جعفر عليهماالسلام
بسحره ، عليّ بها .
فأتي بها ، وهي ترتعد شاخصة نحو السماء بصرها ، فقال : ما شأنك ؟ قالت : شأني الشأن البديع ، إنّي كنت عنده واقفة ، وهو قائم يصلّي ليله ونهاره ، فلمّا انصرف من صلاته بوجهه ، وهو يسبّح اللّه ويقدّسه ، قلت : يا سيّدي ، هل لك حاجة أعطيكها ؟ قال : وما حاجتي إليك ! قلت : إنّي أدخلت عليك لحوائجك ، قال : فما بال هؤلاء .
قالت : فالتفت فإذا روضة مزهّرة لا أبلغ آخرها من أوّلها بنظري ، ولا أوّلها من آخرها ، فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج ، وعليها وصفاء ووصائف لم أر مثل وجوهم حسنا ، ولا مثل لباسهم لباسا ، عليهم الحرير الأخضر ، والأكاليل والدرّ والياقوت ، وفي أيديهم الأباريق والمناديل ، ومن كلّ الطعام ، فخررت ساجدة حتى أقامني هذا الخادم ، فرأيت نفسي حيث كنت .
قال : فقال هارون : يا خبيثة ، لعلّك سجدت فنمت ، فرأيت هذا في منامك ! قالت : لا - واللّه - يا سيّدي إلاّ قبل سجودي رأيت ، فسجدت من أجل ذلك ، فقال الرشيد : اقبض هذه الخبيثة إليك ، فلا يسمع هذا منها أحد .
فأقبلت في الصلاة ، فإذا قيل لها في ذلك ، قالت : هكذا رأيت العبد
الصالح ، فسئلت عن قولها ، قالت : إنّي لمّا عاينت من الأمر نادتني الجواري : يا فلانة ، ابعدي عن العبد الصالح حتى ندخل عليه فنحن له دونك .
ص: 47
فما زالت كذلك حتى ماتت ، وذلك قبل موت موسى عليه السلام بأيّام يسيرة .
قال المرزكي :
قصدتك يا موسى بن جعفر راجيا
بقصدي تمحيص الذنوب الكبائر
ذخرتك لي يوم القيامة شافعا
وأنت لعمر اللّه خير الذخائر
* * *
علي بن أبي حمزة البطائني ، قال : كنت مع أبي الحسن عليه السلام في طريق إذ استقبلنا أسد ، ووضع يده على كفل بغلته ، فوقف له أبو الحسن عليه السلام كالمصغي إلى همهمته ، ثمّ تنحّى الأسد إلى جانب الطريق ، وحوّل أبو الحسن عليه السلام وجهه إلى القبلة ، وجعل يدعو بما لم أفهمه ، ثمّ أومى ء إلى الأسد بيده أن امضِ ، فهمهم الأسد همهمة طويلة ، وأبو الحسن عليه السلاميقول : آمين آمين ، وانصرف الأسد .
فقلت له : جعلت فداك ، عجبت من شأن هذا الأسد معك ! فقال : إنّه خرج إليّ يشكو عسر الولادة على لبوته ، وسألني أن أسأل اللّه أن يفرّج عنها ، ففعلت ذلك ، وألقي في روعي أنّها تلد ذكرا ، فخبّرته بذلك ، فقال لي : امض في حفظ اللّه ، فلا سلّط اللّه عليك ، ولا على ذرّيتك ، ولا على أحد من شيعتك شيئا من السباع ، فقلت : آمين(1) .
ص: 48
وقد نظم ذلك :
واذكر الليث حين ألقى لديه
فسعى نحوه وزار وزمجر
ثمّ لمّا رأى الإمام أتاه
وتجافى عنه وهاب وأكبر
وهو طاو ثلاث هذا هو الحقّ
وما لم أقله أوفى وأكثر
* * *
أبو بصير ، قال : قلت للكاظم عليه السلام : بمَ يعرف الإمام ؟
قال : بخصال : أوّلهنّ ، فإنّه شيء(1) قد تقدّم من أبيه بإشارته إليه
ليكون حجّة ، وليسأل فيجيب ، وإذا سكت عنه ابتدأ ، ويخبر بما في غد ، ويكلّم الناس بكلّ لسان .
ثمّ قال : يا أبا محمد ، أعطيك علامة قبل أن تقوم ؟ فلم ألبث أن دخل عليه رجل من أهل خراسان ، فقال : فكلّمه بالعربية ، فأجابه أبو الحسن عليه السلام بالفارسية .
فقال له الخراساني : واللّه ، ما منعني أن أكلّمك بالفارسية إلاّ أنّني ظننت أنّك لا تحسنها .
فقال له : سبحان اللّه ! إذا كنت لا أحسن ما أجيبك ، فما فضلي عليك فيما تستحقّ به للإمامة ؟
ص: 49
ثمّ قال : يا أبا محمد ، إنّ الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ، ولا منطق الطير ، ولا كلام شيء فيه روح(1) .
علي بن يقطين ، قال : استدعى الرشيد رجلاً يبطل به أمر أبي الحسن عليه السلام ، ويخجله في المجلس ، فانتدب له رجل معزّم .
فلمّا أحضرت المائدة عمل ناموسا على الخبز ، فكان كلّما رام خادم أبي الحسن عليه السلام تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه ، واستفزّ هارون الفرح والضحك لذلك .
فلم يلبث أبو الحسن عليه السلام أن رفع رأسه إلى أسد مصوّر على بعض الستور ، فقال له : يا أسد اللّه ، خذ عدوّ اللّه .
قال : فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع ، فافترس ذلك المعزّم ، فخرّ هارون وندماؤه على وجوههم مغشيّا عليهم ، وطارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه .
فلمّا أفاقوا من ذلك بعد حين قال هارون لأبي الحسن عليه السلام : أسألك بحقّي
عليك لمّا سألت الصورة أن تردّ الرجل ، فقال : إن كانت عصا موسى عليه السلام
ص: 50
ردّت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيّهم ، فإنّ هذه الصورة تردّ ما ابتلعته من هذا الرجل(1) .
قال السوسي :
من صاحب الرشيد والإيوان
والسبع والساحر والرغفان
إذ طيّر الخبز على الخوان
وخلف هارون وسادتان
وفيهما للسبع تمثالان
فقال قول الحنق الحردان
يا سبع خذ ذا الكفر والطغيان
فزمجر السبع على المكان
وافترس الساحر ذا البهتان
وافتقد السبع عن العيان
معجزة للعالم الربّاني
الصادق اللهجة واللسان
* * *
وفي رواية : إنّ الرشيد أمر حميد بن مهران الحاجب بالاستخفاف به عليه السلام فقال له : إنّ القوم قد افتتنوا بك بلا حجّة ، فأريد أن يأكلني هذان الأسدان المصوّران على هذا المسند ، فأشار عليه السلام إليهما وقال : خذا عدوّ اللّه .
فأخذاه وأكلاه ثمّ قالا : وما الأمر ؟ أنأخذ الرشيد ؟ قال : لا ، عودا إلى مكانكما .
ص: 51
وله المعجز الذي بهر الخلق
بإهلاكه الذي كان يسحر
حين قال افترسه يا أسد اللّه
وأومى إلى هزبر مصوّر
فسعى نحوه ومدّ إليه
باع ليث عند الفريسة قسور
ثمّ غابا عن العيون جميعا
بعد أكل اللعين والخلق حضّر
* * *
لمّا بويع محمد المهدي دعا حميد بن قحطبة نصف الليل ، وقال : إنّ إخلاص أبيك وأخيك فينا أظهر من الشمس ، وحالك عندي موقوف ، فقال : أفديك بالمال والنفس !!
فقال : هذا لسائر الناس .
قال : أفديك بالروح والمال والأهل والولد !! فلم يجبه المهدي ، فقال : أفديك بالمال والنفس والأهل والولد والدين !!! فقال : للّه درّك .
فعاهده على ذلك ، وأمره بقتل الكاظم عليه السلام في السحر بغتة ، فنام فرأى في منامه عليّا عليه السلام يشير إليه ، ويقرأ : « فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَْرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ » ، فانتبه مذعورا ، ونهى حميدا عمّا أمره ، وأكرم الكاظم عليه السلام ووصله(1) .
ص: 52
علي بن أبي حمزة ، قال : كان يتقدّم الرشيد إلى خدمه إذا خرج موسى بن جعفر عليهماالسلام من عنده أن يقتلوه ، فكانوا يهمّون به ، فيتداخلهم من الهيبة والزمع .
فلمّا طال ذلك أمر بتمثال من خشب ، وجعل له وجها مثل موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وكانوا إذا سكروا أمرهم أن يذبحوه بالسكاكين ، فكانوا يفعلون ذلك أبدا .
فلمّا كان في بعض الأيّام جمعهم في الموضع - وهم سكارى - وأخرج سيّدي إليهم ، فلمّا بصروا به همّوا به على رسم الصورة ، فلمّا علم منهم ما يريدون كلّمهم بالخزرية والتركية ، فرموا من أيديهم السكاكين ، ووثبوا إلى قدميه فقبّلوها ، وتضرّعوا إليه ، وتبعوه إلى أن شيّعوه إلى المنزل الذي كان ينزل فيه .
فسألهم الترجمان عن حالهم ، فقالوا : إنّ هذا الرجل يصير إلينا في كلّ عام فيقضي أحكامنا ، ويرضي بعضنا من بعض ، ونستسقي به إذا قحط بلدنا ، وإذا نزلت بنا نازلة فزعنا إليه ، فعاهدهم أنّه لا يأمرهم بذلك ، فرجعوا(1) .
خالد السمّان في خبر : إنّه دعا الرشيد رجلاً يقال له : « علي بن صالح
ص: 53
الطالقاني » ، وقال له : أنت الذي تقول : إنّ السحاب حملتك من بلد الصين إلى طالقان ؟ فقال : نعم ، قال : فحدّثنا كيف كان ؟
قال : كسر مركبي في لجج البحر ، فبقيت ثلاثة أيّام على لوح تضربني الأمواج ، فألقتني الأمواج إلى البرّ ، فإذا أنا بأنهار وأشجار ، فنمت تحت ظلّ شجرة ، فبينا أنا نائم إذ سمعت صوتا هائلاً ، فانتبهت فزعا مذعورا ، فإذا أنا بدابّتين يقتتلان على هيئة الفرس ، لا أحسن أن أصفهما ، فلمّا بصرا بي دخلتا في البحر .
فبينما أنا كذلك إذا رأيت طائرا عظيم الخلق ، فوقع قريبا منّي بقرب كهف في جبل ، فقمت مستترا بالشجر حتى دنوت منه لأتأمّله ، فلمّا رآني طار ، وجعلت أقفو أثره ، فلمّا قمت بقرب الكهف سمعت تسبيحا وتهليلاً وتكبيرا وتلاوة قرآن ، فدنوت من الكهف ، فناداني مناد من الكهف : ادخل يا علي بن صالح الطالقاني ، رحمك اللّه .
فدخلت وسلّمت ، فإذا رجل فخم ضخم ، غليظ الكراديس ، عظيم
الجثّة ، أنزع ، أعين ، فردّ عليّ السلام ، وقال : يا علي بن صالح الطالقاني ، أنت من معدن الكنوز ، لقد أقمت ممتحنا بالجوع والعطش والخوف ، لولا أنّ اللّه رحمك في هذا اليوم فأنجاك ، وسقاك شرابا طيّبا ، ولقد علمت الساعة التي ركبت فيها ، وكم أقمت في البحر ، وحين كسر بك المركب ، وكم لبثت تضربك الأمواج ، وما هممت به من طرح نفسك في البحر لتموت - اختيارا للموت - لعظيم ما نزل بك ، والساعة التي نجوت فيها ،
ص: 54
ورؤيتك لمّا رأيت من الصورتين الحسنتين ، واتّباعك للطائر الذي رأيته واقعا ، فلمّا رآك صعد طائرا إلى السماء ، فهلمّ فاقعد رحمك اللّه .
فلمّا سمعت كلامه قلت : سألتك باللّه من أعلمك بحالي ؟ فقال : عالم الغيب والشهادة و« الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السّاجِدِينَ » .
ثمّ قال : أنت جائع ! فتكلّم بكلام - تململت به شفتاه - فإذا بمائدة عليها منديل ، فكشفه وقال : هلمّ إلى ما رزقك اللّه ، فكُل ، فأكلت طعاما ما رأيت أطيب منه ، ثمّ سقاني ماءا ما رأيت ألذّ منه ولا أعذب .
ثمّ صلّى ركعتين ، ثمّ قال : يا علي ، أتحبّ الرجوع إلى بلدك ؟ فقلت : ومن لي بذلك ؟ فقال : كرامة لأوليائنا أن نفعل بهم ذلك ، ثمّ دعا بدعوات ورفع يده إلى السماء وقال : الساعة الساعة ، فإذا سحاب قد أظلّت باب الكهف قطعا قطعا ، وكلّما وافت سحابة قالت : سلام عليك ، يا وليّ اللّه وحجّته ، فيقول : وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته أيّتها السحابة السامعة المطيعة ، ثمّ يقول لها : أين تريدين ؟ فتقول : أرض كذا ، فيقول : لرحمة أو سخط ؟ فتقول : لرحمة أو سخط ، وتمضي .
حتى جاءت سحابة حسنة مضيئة ، فقالت : السلام عليك يا وليّ اللّه وحجّته ، قال : وعليك السلام أيّتها السحابة السامعة المطيعة ، أين تريدين ؟ فقالت : أرض طالقان ، فقال : لرحمة أو سخط ؟ فقالت : لرحمة ، فقال لها : احملي ما حملت مودعا في اللّه ، فقالت : سمعا وطاعة ، قال لها : فاستقرّي بإذن اللّه على وجه الأرض فاستقرّت ، فأخذ بعض عضدي ،
ص: 55
فأجلسني عليها ، فعند ذلك قلت له : سألتك باللّه العظيم ، وبحقّ محمد خاتم النبيّين ، وعلي سيّد الوصيين والأئمّة الطاهرين من أنت ؟ فقد أعطيت - واللّه - أمرا عظيما .
فقال : ويحك - يا علي بن صالح - إنّ اللّه لا يخلي أرضه من حجّة طرفة عين ، إمّا باطن ، وإمّا ظاهر ، أنا حجّة اللّه الظاهرة وحجّته الباطنة ، أنا حجة اللّه يوم الوقت المعلوم ، وأنا المؤدّي الناطق عن الرسول ، أنا في وقتي هذا موسى بن جعفر .
فذكرت إمامته وإمامة آبائه ، وأمر السحاب بالطيران فطارت ، واللّه ما وجدت ألما ولا فزعت ، فما كان بأسرع من طرفة العين حتى ألقتني بالطالقان في شارعي الذي إليه أهلي وعقاري سالما في عافية .
فقتله الرشيد وقال : لا يسمع بهذا أحد .
وفي كتاب أمثال الصالحين : قال شقيق البلخي : وجدت رجلاً عند « فيد » يملأ الإناء من الرمل ويشربه ، فتعجّبت من ذلك ، واستسقيته ، فسقاني ، فوجدته سويقا وسكّرا(1) . . القصّة . .
وقد نظموها :
سل شقيق البلخي عنه بما شاهد
منه وما الذي كان أبصر
ص: 56
قال لمّا حججت عاينت شخصا
ناحل الجسم شاحب اللون أسمر
سائرا وحده وليس له زاد
فما زالت دائبا أتفكّر
وتوهّمت أنّه يسأل الناس
ولم أدر أنّه الحجّ الأكبر
ثمّ عاينته ونحن نزول
دون « فيد » على الكثيب الأحمر
يضع الرمل في الإناء ويشربه
فناديته وعقلي محيّر
اسقني شربة فلمّا سقاني
منه عاينته سويقا وسكّر
فسألت الحجيج من يك هذا
قيل هذا الإمام موسى بن جعفر(1)
* * *
عيون أخبار الرضا عليه السلام عن ابن بابويه : إنّ موسى عليه السلام دعا بالمسيّب - وذلك قبل وفاته بثلاثة أيّام ، وكان موكّلاً به - ، فقال له : يا مسيّب ، إنّي ظاعن في هذه الليلة إلى المدينة - مدينة جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله - لأعهد إلى علي ابني ما عهده إليّ أبي ، وأجعله وصيّي وخليفتي ، وآمره بأمري .
فقال المسيّب : كيف تأمرني أن أفتح لك الأبواب وعليها أقفالها والحرس معي على الأبواب ؟
فقال : يا مسيّب ، ضعف يقينك في اللّه - عزّ وجلّ - وفينا ؟ قلت : لا يا سيّدي .
ص: 57
قال : فمه ، فسمعته يدعو ، ثمّ فقدته عن مصلاّه ، فلم أزل قائما على قدمي حتى رأيته قد عاد إلى مكانه ، وأعاد الحديد إلى رجليه ، فخررت للّه ساجدا شاكرا على ما أنعم عليّ به من معرفته .
فقال لي : ارفع رأسك - يا مسيّب - واعلم أنّي راحل إلى اللّه - عزّ وجلّ - في ثالث هذا اليوم ، لا تبك يا مسيّب ، فإنّ عليّا ابني هو إمامك ومولاك بعدي ، فائته فتمسّك بولايته ، فإنّك لن تضلّ ما لزمته(1) .
عمرو بن رافد : إنّ الرشيد وضع في صينية عشرين رطبة ، وأخذ سلكا ففركه في السمّ ، وأدخله في سمّ الخياط ، وأخذ رطبة منها ، فأقبل يردد عليها ذلك السمّ حتى حصل فيها ، وقال لخادم : احمل هذه الصينية إلى موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وقل له : إنّي اذخرتها لك بيدي ، بحقّي لا تبق منها شيئا ، ولا تطعم منها أحدا .
فأتاه بها الخادم ، فكان يأكل بالخلال ، وكان للرشيد كلبة تعزّ عليه ، فجذبت نفسها ، وخرجت تجرّ سلاسلها من ذهب وجوهر حتى حاذت موسى بن جعفر عليهماالسلام ، فبادر بالخلال إلى الرطبة المسمومة ، ورمى بها إلى الكلبة ، فأكلتها ولم تلبث أن ضربت نفسها الأرض وعوت ، وتهرت قطعة قطعة ، واستوفى عليه السلام باقي الرطب .
ص: 58
فأخبر الخادم الرشيد بذلك ، فقال : ما ربحنا من موسى عليه السلام إلاّ أن أطعمناه الرطب ، وضيّعنا سمّنا ، وقتل كلبتنا ، ما في موسى عليه السلام من حيلة(1) .
محمد بن الحسن : إنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي عليه السلام يسأله عن الصلاة على الزجاج ، قال : فلمّا نفذت كتابي إليه تفكّرت وقلت : هو ممّا تنبت الأرض ، وما كان لي أن أسأله عنه .
فقال : فكتب إليّ : لا تصلّ على الزجاج ، وإن حدّثتك نفسك : إنّه ممّا أنبتته الأرض ، ولكنّه من الملح والرمل ، وهما ممسوخان(2) .
علي بن أبي حمزة ، قال : كنت معتكفا في مسجد الكوفة ، إذ جاءني أبو جعفر(3) الأحول بكتاب مختوم من أبي الحسن عليه السلام ، فقرأت كتابه ، فإذا فيه : إذا قرأت كتابي الصغير الذي في جوف كتابي المختوم ، فاحرزه حتى أطلبه منك .
ص: 59
فأخذ علي الكتاب ، فأدخله بيت بزّه(1) في صندوق مقفّل في جوف قمطر في جوف حقّ مقفل ، وباب البيت مقفل ، ومفاتيح هذه الأقفال في حجرته ، فإذا كان الليل ، فهي تحت رأسه ، وليس يدخل بيت البزّ غيره .
فلمّا حضر الموسم خرج إلى مكّة ، وأفاد بجميع ما كتب إليه من حوائجه ، فلمّا دخل عليه قال له العبد الصالح عليه السلام : يا علي ، ما فعلت بالكتاب الصغير الذي كتبت إليك فيه أن احتفظ به ؟ فحكيته ، قال : إذا نظرت إلى الكتاب أليس تعرفه ؟ قلت : بلى .
قال : فرفع مصلّى تحته ، فإذا هو قد أخرجه إليّ ، فقال : احتفظ به ، فلو تعلم ما فيه لضاق صدرك .
قال : فرجعت إلى الكوفة ، والكتاب معي ، فأخرجته من دروز جيبي عند إبطي ، فكان الكتاب [ مدّة ] حياة علي في جيبه .
فلمّا مات علي قال محمد وحسن ابناه : فلم يكن لنا همّ إلاّ الكتاب ، ففقدناه ، فعلمنا أنّ الكتاب قد صار إليه(2) .
ص: 60
ومن معجزاته ما نظم .
قصيدة ابن الغار البغدادي :
وله معجز القليب فسل عنه
رواة الحديث بالنقل تخبر
ولدى السجن حين أبدى إلى السجّان
قولاً في السجن والأمر مشهر
ثمّ يوم الفصاد حتى أتى الآسي
إليه فردّه وهو يذعر
ثمّ نادى آمنت باللّه لا غير
وأنّ الإمام موسى بن جعفر
واذكر الطائر الذي جاء بالصكّ
إليه من الإمام وبشّر
ولقد قدّموا إليه طعاما
فيه مستلمح أباه وأنكر
وتجافى عنه وقال حرام
أكل هذا فكيف يعرف منكر
واذكر الفتيان أيضا ففيها
فضله أذهل العقول وأبهر
عند ذاك استقال من مذهب كان
يوالي أصحابه وتغيّر
ص: 61
ص: 62
ص: 63
ص: 64
الخطيب في تاريخه بإسناده عن علي بن الخلاّل ، قال : ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وتوسّلت به إلاّ سهل اللّه - تعالى - لي ما أحبّ(1) .
ورؤي في بغداد امرأة تهرول ، فقيل : إلى أين ؟ قالت : إلى موسى بن جعفر عليهماالسلام ، فإنّه حبس ابني ، فقال لها حنبلي : إنّه قد مات في الحبس ، فقالت : بحقّ المقتول في الحبس أن تريني القدرة .
فإذا بابنها قد أطلق وأخذ ابن المستهزئ بجنايته .
وحكي أنّه مغص بعض الخلفاء ، فعجز بختيشوع النصراني عن دوائه ، وأخذ جليدا ، فأذابه بدواء ، ثمّ أخذ ماء وعقده بدواء ، وقال : هذا الطبّ إلاّ أن يكون مستجاب دعاء ذا منزلة عند اللّه يدعو لك .
ص: 65
فقال الخليفة : عليّ بموسى بن جعفر عليهماالسلام .
فأتي به ، فسمع في الطريق أنينه ، فدعا اللّه سبحانه ، وزال مغص الخليفة . فقال له : بحقّ جدّك المصطفى أن تقول بم دعوت لي ؟ فقال عليه السلام قلت : اللّهم كما أريته ذلّ معصيته ، فأره عزّ طاعتي ، فشفاه اللّه من ساعته .
محمد بن علي بن ماجيلويه ، قال : لمّا حبس هارون الكاظم عليه السلام جنّ عليه الليل ، فجدّد موسى عليه السلام طهوره ، فاستقبل بوجهه القبلة ، وصلّى أربع ركعات ، ثمّ دعا فقال : يا سيّدي ، نجّني من حبس هارون ، وخلّصني من يده ، يا مخلّص الشجر من بين رمل وطين ، ويا مخلّص النار من بين الحديد والحجر ، ويا مخلّص اللّبن من بيت فرث ودم ، ويا مخلّص الولد من بين مشيمة ورحم ، ويا مخلّص الروح من بيت الأحشاء والأمعاء ، خلّصني من يد هارون الرشيد .
قال : فرأى هارون رجلاً أسودا بيده سيف قد سلّه واقفا على رأس هارون ، وهو يقول : يا هارون ، أطلق عن موسى بن جعفر ، وإلاّ ضربت علاوتك بسيفي هذا .
فخاف من هيبته ، ثمّ دعا بحاجبه ، فجاء الحاجب ، فقال له : اذهب إلى السجن وأطلق عن موسى بن جعفر(1) .
ص: 66
وفي رواية الفضل بن الربيع أنّه قال : صر إلى حبسنا ، وأخرج موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وادفع إليه ثلاثين ألف درهم ، واخلع عليه خمس خلع ، واحمله على ثلاث مراكب ، وخيّره إمّا المقام معنا أو الرحيل إلى أيّ البلاد أحبّ .
فلمّا عرض الخلع عليه أبى أن يقبلها(1) .
معرفة الرجال : حماد بن عيسى قال : دخلت على أبي الحسن الأوّل عليه السلام ، فقلت له : جعلت فداك ، ادع لي أن يرزقني اللّه دارا وزوجة وولدا وخادما والحجّ في كلّ سنة ، فقال : اللّهم صلّ على محمد وآل محمد ، وارزقه دارا وزوجة وولدا وخادما والحجّ خمسين سنة .
قال : فرزقت كلّ ذلك .
ثمّ إنّه خرج بعد الخمسين حاجّا ، فزامل أبا العبّاس النوفلي القصير ، فلمّا صار في موضع الإحرام دخل يغتسل في الوادي ، فحمله فغرّقه الماء(2) .
علي بن يقطين وعبد اللّه بن أحمد الوضّاح ، قالا : لمّا حمل رأس صاحب فخّ إلى موسى بن المهدي أنشأ يقول :
ص: 67
بني عمّنا لا تنطقوا الشعر بعدما
دفنتم بصحراء الغميم القوافيا
فلسنا كمن كنتم تصيبون سلمه
فيقبل قيلاً أو يحكّم قاضيا
ولكن حدّ السيف فيكم مسلّط
فنرضى إذا ماأصبح السيف راضيا
فإن قلتم إنّا ظلمنا فلم نكن
ظلمنا ولكنّا أسأنا التقاضيا
فقد ساءني ما جرّت الحرب بيننا
بني عمّنا لو كان أمرا مدانيا
* * *
ثمّ أخذ في ذكر الطالبيّين ، وجعل ينال منهم إلى أن ذكر موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وحلف اللّه بقتله ، فتكلّم فيه القاضي أبو يوسف حتى سكن غضبه .
وأنهي الخبر إلى الإمام عليه السلام ، وعنده جماعة من أهل بيته ، فقال لهم : ما تشيرون ؟ قالوا : نشير عليك بالابتعاد عن هذا الرجل ، وأن تغيب شخصك عنه ، فإنّه لا يؤمن شرّه .
فتبسّم أبو الحسن وتمثّل :
زعمت سخينة أن ستغلب(1) ربّها
وليغلبنّ مغلب الغلاب
* * *
ثمّ أنشد :
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا
أبشر بطول سلامة يا مربع
* * *
ص: 68
ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي كم من عدوّ شحذ لي ظبة مديته ، وأرهف لي شبا حدّه ، ودفع لي قواتل سمومه ، ولم تنم عنّي عين حراسته ، فلمّا رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح ، وعجزي عن ملمّات(1) الجوائح ، صرفت ذلك بحولك وقوّتك . .، إلى آخر الدعاء .
ثمّ أقبل على أصحابه فقال لهم : يفرّج روعكم ، فإنّه لا يأتي أوّل كتاب من العراق إلاّ بموت موسى بن المهدي ، قالوا : وما ذاك أصلحك اللّه ؟ قال : وحرمةِ صاحب القبر قد مات من يومه هذا ، واللّه « إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ » .
ثمّ تفرّق القوم ، فما اجتمعوا إلاّ لقراءة الكتب الواردة بموت موسى بن المهدي(2) .
وقال بعض أهل بيته شعرا منه :
يمرّ وراء الليل والليل ضارب
بجثمانه فيه سمير وهاجع
تفتّح أبواب السماء ودونها
إذا قرع الأبواب منهنّ قارع
إذا وردت لم يردد اللّه وفدها
على أهلها واللّه راء وسامع
وإنّي لأرجو اللّه حتى كأنّني
أرى بجميل الظنّ ما هو صانع(3)
* * *
ص: 69
ولمّا أمر هارون موسى بن جعفر عليه السلام أن يحمل إليه ، أدخل عليه وعلي بن يقطين على رأسه - متوكّئ على سيفه - فجعل يلاحظ موسى عليه السلام
ليأمره ، فيضرب به هارون ، ففطن له هارون ، فقال : قد رأيت ذلك ، فقال : يا أمير المؤمنين ، سللتُ من سيفي شبرا رجاء أن تأمرني فيه بأمرك ، فنجا منه بهذه المقالة .
ويقال : إنّ بعض الأسباب في أخذه عليه السلام أنّ الرشيد جعل ابنه في حجر جعفر بن محمد الأشعث - وكان يقول بالإمامة - ، فحسده يحيى البرمكي حتى داخله فآنس به ، وكان يكثر غشيانه في منزله ، ويقف على أمره ، ويرفعه إلى الرشيد .
ثمّ قال يوما لبعض ثقاته : تعرفون طالبيّا معدما(1) يعرّفني ما يحتاج إليه ؟
فدلّ على علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد عليه السلام ، فحمل إليه يحيى مالاً - وكان موسى عليه السلام يبرّ علي بن إسماعيل ويصله - ، ثمّ أنفذ إليه يحيى يرغّبه في قصد الرشيد .
فدعاه موسى عليه السلام فقال له : إلى أين يا ابن الأخ ؟ فقال : إلى بغداد .
فقال : وما تصنع ؟ قال : عليّ دين ، وأنا مملق منه ، قال : أنا أقضي دينك وأصنع ، فلم يلتفت إلى ذلك .
ص: 70
فاستدعاه أبو الحسن عليه السلام ، فقال له : أنت خارج ، انظر يا ابن أخي ، واتّق اللّه ولا تؤتم أولادي ، وأمر له بثلاثمائة دينار وأربعة آلاف درهم .
فلمّا قام من بين يديه قال : واللّه ليسعينّ في دمي ، ويؤتمنّ أولادي ، فقالوا : فتعطيه وتصله ؟!
قال : نعم ، حدّثني أبي عن آبائه عليهم السلام عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ الرحم إذا قطعت فوصلت قطعها اللّه .
قالوا : فلمّا أتى علي إلى يحيى رفعه إلى الرشيد ، فسأله عن عمّه ، فسعى به ، فقال : إنّ الأموال تحمل إليه من الآفاق ، وإنّه اشترى ضيعة سمّاها « اليسيرة » بثلاثين ألف دينار ، فقال له صاحبها - وقد أحضر المال - : إنّي أريد نقد كذا ، فأعطاه ذلك .
فسمع ذلك منه الرشيد فأمر له بمائتي ألف درهم تسبيبا على النواحي ، فاختار بعض كور المشرق ، فلمّا أتي بها زحر زحرة خرجت عنه حشاشته كلّها ، فسقط ، فقال : ما أصنع بالمال وأنا في الموت(1) ؟
ص: 71
ثمّ إنّه زال ملك البرامكة ، واجتثّ أصلهم(1) .
ص: 72
عبد اللّه بن المغيرة ، قال : مرّ العبد الصالح عليه السلام بامرأة يمنية(1) تبكي وصبيانها حولها يبكون - وقد ماتت بقرة لها - ، فدنا منها ، فقال : ما يبكيك يا أمة اللّه ؟ فقالت : يا عبد اللّه ، إنّ لي صبية أيتاما ، وكانت لي بقرة ، وكانت معيشتي ومعيشة صبياني منها ، فقد ماتت وبقيت منقطعة بي وبولدي لا حيلة لنا(2) .
فتنحّى عليه السلام فصلّى ركعتين ، ثمّ رفع يده ، وقلب يمينه ، وحرّك شفتيه ، ثمّ قام فمرّ بالبقرة ، فنخسها نخسا ، أو صدمها برجله ، فاستوت على الأرض قائمة .
فلمّا نظرت المرأة إلى البقرة قد قامت قالت : عيسى بن مريم وربّ الكعبة ، فخالط الناس ومضى(3) عليه السلام .
قال ابن حمّاد :
وأنفع أعمال الفتى صدق ودّه
لآل رسول اللّه أكرم شافع
لأكرم خلق اللّه حيّا وميّتا
وأفضلهم من بين كهل ويافع
بهم أوضح اللّه الهدى وبنورهم
أنارت لنا سبل التقى والشرائع
* * *
ص: 73
وقال الشريف المرتضى :
قوم ولاؤهم حصن وودّهم
لمن أعدّ نجاة أوثق العدد
* * *
وقال أبو الرضا الحسني الراوندي :
أرادكم الحسود بكيد سوء
فلا يك ما أراد عليه غمّه
يريد ليطفئ النور المصفّى
ويأبى اللّه إلاّ أن يتمّه
* * *
وقال الحيري :
فهم مصابيح الدجى لذوي الحجى
والعروة الوثقى لدى استمساك
وهم الصراط المستقيم ونورهم
يجلو عمى المتحيّر الشكّاك
وهم الأئمّة لا إمام سواهم
فدعي لتيم وغيرها دعواك
* * *
وقال العبدي :
علي والأئمّة من بنيه
هم سادوا الأولى عربا وعجما
نجوم نورها يهدي إذا ما
مضى نجم أتى واللّه نجما
* * *
وقال الحميري :
رضيت بالرحمن ربّا وبالإ
سلام دينا أتوخّاه
وبالنبي المصطفى هاديا
وكلّ ما قال قبلناه
ص: 74
ثمّ الإمام ابن أبي طالب
الطاهر الطهر وابناه
والعالم الصامت والناطق ال-
-باقر علما كان أخفاه
وجعفر المخبر عن جدّه
بأوّل العلم وأخراه
ثمّ ابنه موسى ومن بعده
وارثه علم وصاياه
* * *
ص: 75
ص: 76
ص: 77
ص: 78
الريّان بن شبيب : قال المأمون : استأذن الناس على الرشيد ، فكان آخر من أذن له موسى بن جعفر عليهماالسلام ، فلمّا نظر إليه الرشيد تحرّك ، ومدّ بصره وعنقه إليه ، حتى دخل البيت الذي كان فيه ، فلمّا قرب منه جثا الرشيد على ركبتيه وعانقه ، ثمّ أقبل يسأل عن أحواله ، وأبو الحسن عليه السلام يقول : خير خير ، فلمّا قام عانقه وودّعه .
فقلت : يا أمير المؤمنين ! لقد رأيتك عملت بهذا الرجل شيئا ما عملته مع أحد قطّ ! فمن هذا الرجل ؟! فقال : يا بنيّ ، هذا وارث علم النبيّين ، هذا موسى بن جعفر بن محمد عليهم السلام ، إن أردت العلم الصحيح فعند هذا .
قال المأمون : فعند ذلك انغرس(1) في قلبي حبّهم(2) !
هشام بن الحكم : قال موسى بن جعفر عليهماالسلام لأبرهة(3) النصراني : كيف
ص: 79
علمك بكتابك ؟ قال : أنا عالم به وبتأويله ، قال : فابتدأ موسى عليه السلام يقرأ الإنجيل ، فقال أبرهة : والمسيح لقد كان يقرأها هكذا ، وما قرأ هكذا إلاّ المسيح ، وأنا كنت أطلبه منذ خمسين سنة . فأسلم على يديه(1) .
كافي الكليني : إنّ رجلاً افتضّ جارية معصرا(2) لم تطمث ، فسال الدم نحوا من عشرة أيّام ، فاختلف القوابل أنّه دم الحيض أم دم العذرة .
وسألوا أبا حنيفة عن ذلك ، فقال : هذا شيء قد أشكل ، فلتتوضّأ ولتصلّ وليمسك عنها زوجها حتى ترى البياض .
فسأل خلف بن حمّاد موسى بن جعفر عليهماالسلام ، فقال عليه السلام : تستدخل القطنة ، ثمّ تدعها مليّا ، ثمّ تخرجها إخراجا رفيقا ، فإن كان الدم مطوّقا في القطنة ، فهو من العذرة ، وإن كان مستنقعا في القطنة ، فهو من الحيض .
فبكى خلف وقال : جعلت فداك ، من يحسن(3) هذا غيرك .
قال : فرفع يده إلى السماء وقال : إنّي - واللّه - ما أخبرك إلاّ عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن جبرئيل عليه السلام عن اللّه تعالى(4) .
ص: 80
ودخل أبو حنيفة على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال له : رأيت ابنك موسى عليه السلام
يصلّي والناس يمرّون بين يديه ! فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : ادعوا لي موسى عليه السلام ، فدعاه ، فقال له في ذلك ، فقال : نعم يا أبه ، إنّ الذي كنت أصلّي له كان أقرب إليّ منهم ، يقول اللّه تعالى : « وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » .
فضمّه أبو عبد اللّه عليه السلام إلى نفسه ، ثمّ قال : بأبي أنت وأمّي يا مودع الأسرار .
وقال الكليني : هذا تأديب منه إلاّ أنّه ترك الأفضل(1) !!!
حجّ المهدي ، فلمّا صار في فتق(2) العبادي ضجّ الناس من العطش ، فأمر أن يحفر بئرا ، فلمّا بلغوا قريبا من القرار هبّت عليهم ريح من البئر فوقعت الدلاء ، ومنعت من العمل ، فخرجت الفعلة خوفا على أنفسهم .
فأعطى علي بن يقطين لرجلين عطاءا كثيرا ليحفرا ، فنزلا فأبطئا ، ثمّ خرجا مرعوبين قد ذهبت ألوانهما ، فسألهما عن الخبر ، فقالا : إنّا رأينا آثارا وأثاثا ورأينا رجالاً ونساء ، فكلّما أومأنا إلى شيء منهم صار هباء .
ص: 81
فصار المهدي يسأل عن ذلك ولا يعلمون ، فقال موسى بن جعفر عليهماالسلام : هؤلاء أصحاب الأحقاف غضب اللّه عليهم ، فساخت بهم وديارهم وأموالهم(1) .
دخل موسى بن جعفر عليه السلام بعض قرى الشام متنكّرا هاربا ، فوقع في غار ، وفيه راهب يعظ في كلّ سنة يوما .
فلمّا رآه الراهب دخله منه هيبة ، فقال : يا هذا ، أنت غريب ؟ قال : نعم .
قال : منّا أو علينا ؟ قال : لست منكم .
قال : أنت من الأمّة المرحومة ؟ قال : نعم .
قال : أفمن علمائهم أنت أم من جهّالهم ؟ قال : لست من جهّالهم .
فقال : كيف طوبى أصلها في دار عيسى عليه السلام ، وعندكم في دار محمد صلى الله عليه و آله ، وأغصانها في كلّ دار ؟ فقال عليه السلام : الشمس قد وصل ضوؤها إلى كلّ مكان ، وكلّ موضع ، وهي في السماء .
قال : وفي الجنّة لا ينفد طعامها ، وإن أكلوا منه ، ولا ينقص منه شيء ؟ قال : السراج في الدنيا يقتبس منه ، ولا ينقص منه شيء .
قال : وفي الجنّة ظلّ ممدود ؟ فقال عليه السلام : الوقت الذي قبل طلوع الشمس كلّها ظلّ ممدود ، قوله : « أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ » .
ص: 82
قال : ما يؤكل ويشرب في الجنّة لا يكون بولاً ولا غائطا ؟ قال عليه السلام : الجنين في بطن أمّه .
قال : أهل الجنّة لهم خدم يأتونهم بما أرادوا بلا أمر ؟ فقال عليه السلام : إذا احتاج الإنسان إلى شيء عرفت أعضاؤه ذلك ، ويفعلون بمراده من غير أمر .
قال : مفاتيح الجنّة من ذهب أو فضّة ؟ قال : مفتاح الجنّة لسان العبد : لا إله إلاّ اللّه .
قال : صدقت وأسلم ، والجماعة معه(1) .
الفضل بن الربيع ورجل آخر ، قالا : حجّ هارون الرشيد ! وابتدأ بالطواف ، ومنعت العامّة من ذلك لينفرد وحده ، فبينما هو في ذلك ، إذ ابتدر أعرابي البيت وجعل يطوف معه ، وقال الحجّاب : تنحّ - يا هذا - عن وجه الخليفة ! فانتهرهم الأعرابي وقال : إنّ اللّه ساوى بين الناس في هذا الموضع ، فقال : « سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ » ، فأمر الحاجب بالكفّ عنه .
فكلّما طاف الرشيد طاف الأعرابي أمامه ، فنهض إلى الحجر الأسود ليقبّله ، فسبقه الأعرابي إليه والتثمه ، ثمّ صار الرشيد إلى المقام ليصلّي فيه فصلّى الأعرابي أمامه .
ص: 83
فلمّا فرغ الرشيد من صلاته استدعى الأعرابي ، فقال الحجّاب : أجب أمير المؤمنين ! فقال : ما لي إليه حاجة فأقوم إليه ، بل إن كانت الحاجة له فهو بالقيام إليّ أولى ، قال : صدق .
فمشى إليه ، وسلّم عليه ، فردّ عليه السلام ، فقال هارون : أجلس يا أعرابي ؟ فقال : ما الموضع لي فتستأذنني فيه بالجلوس ، إنّما هو بيت اللّه نصبه لعباده ، فإن أحببت أن تجلس فاجلس ، وإن أحببت أن تنصرف فانصرف .
فجلس هارون وقال : ويحك يا أعرابي ، مثلك من يزاحم الملوك ؟! قال : نعم ، وفيّ مستمع ، قال : فإنّي سائلك فإن عجزت آذيتك ، قال : سؤالك هذا سؤال متعلّم أو سؤال متعنّت ؟ قال : بل متعلّم ، قال : اجلس مكان السائل من المسؤول وسل ، وأنت مسؤول .
فقال : أخبرني ما فرضك ؟ قال : إنّ الفرض - رحمك اللّه ! - واحد ، وخمسة ، وسبعة عشر ، وأربع وثلاثون ، وأربع وتسعون ، ومائة وثلاثة وخمسون على سبعة عشر ، ومن اثني عشر واحد ، ومن أربعين واحد ، ومن مائتين خمس ، ومن الدهر كلّه واحد ، وواحد بواحد .
قال : فضحك الرشيد وقال : ويحك أسألك عن فرضك ، وأنت تعدّ عليّ الحساب ؟ قال : أما علمت أنّ الدين كلّه حساب ، ولو لم يكن الدين حسابا لما اتّخذ اللّه للخلائق حسابا ؟ ثمّ قرأ : « وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ » .
ص: 84
قال : فبيِّن لي ما قلت ، وإلاّ أمرت بقتلك بين الصفا والمروة ، فقال الحاجب : تهبه للّه ولهذا المقام !
قال : فضحك الأعرابي من قوله ، فقال الرشيد : ممّا ضحكت يا أعرابي ؟ قال : تعجّبا منكما ، إذ لا أدري مَن الأجهل منكما ، الذي يستوهب أجلاً حضر ، أو الذي استعجل أجلاً لم يحضر ! فقال الرشيد : فسّر ما قلت .
قال : أمّا قولي الفرض واحد ، فدين الإسلام كلّه واحد ، وعليه خمس صلوات ، وهي سبع عشرة ركعة ، وأربع وثلاثون سجدة ، وأربع وتسعون تكبيرة ، ومائة وثلاث وخمسون تسبيحة .
وأمّا قولي : من إثنى عشر واحد ، فصيام شهر رمضان من إثني عشر شهرا .
وأمّا قولي : من الأربعين واحد ، فمَن ملك أربعين دينارا أوجب اللّه عليه دينارا .
وأمّا قولي : من مائتين خمسة ، فمن ملك مائتي درهم أوجب اللّه عليه خمسة دراهم .
وأمّا قولي : فمن الدهر كلّه واحد ، فحجّة الإسلام .
وأمّا قولي : واحد من واحد ، فمن أهرق دما من غير حقّ وجب إهراق دمه ، قال اللّه تعالى : « النَّفْسَ بِالنَّفْسِ » .
فقال الرشيد : للّه درّك ، وأعطاه بدرة ، فقال : فبم استوجب منك هذه البدرة يا هارون ، بالكلام أو بالمسألة ؟
ص: 85
قال : بل بالكلام .
قال : فإنّي مسائلك عن مسألة ، فإن أنت أتيت بها كانت البدرة لك تصدّق بها في هذا الموضع الشريف ، فإن لم تجبني عنها أضفتَ إلى البدرة بدرة أخرى لأتصدّق بها على فقراء الحيّ من قومي ، فأمر بإيراد أخرى ، وقال : سل عمّا بدا لك .
فقال : أخبرني عن الخنفساء تزق أم ترضع ولدها ؟ فخرد(1) هارون وقال : ويحك - يا أعرابي - مثلي من يسأل عن هذه المسألة ؟!
فقال : سمعت ممّن سمع من رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : من ولي أقواما وهب له من العقل كعقولهم ، وأنت إمام هذه الأمّة يجب أن لا تسأل عن شيء من أمر دينك ، ومن الفرائض إلاّ وأجبت عنها ، فهل عندك له الجواب ؟ قال هارون : رحمك اللّه لا ، فبيِّن لي ما قلته ، وخذ البدرتين .
فقال : إنّ اللّه - تعالى - لمّا خلق الأرض خلق دبابات الأرض [ الذي ]
من غير فرث ولا دم ، خلقها من التراب ، وجعل رزقها وعيشها منه ، فإذا فارق الجنين أمّه لم تزقه ولم ترضعه ، وكان عيشها من التراب ، فقال هارون : واللّه ما ابتلي أحد بمثل هذه المسألة .
وأخذ الأعرابي البدرتين وخرج ، فتبعه بعض الناس وسأله عن اسمه ، فإذا هو موسى بن جعفر بن محمد عليهم السلام ، فأخبر هارون بذلك ، فقال : واللّه ، لقد ركنت أن تكون هذه الورقة من تلك الشجرة .
ص: 86
وروى ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه : إنّ أبا يوسف أمره الرشيد بسؤال موسى بن جعفر عليهماالسلام ، قال : ما تقول في التظليل للمحرم ؟ قال : لا يصلح .
قال : فيضرب الخباء في الأرض ، ويدخل البيت ؟ قال : نعم .
قال : فما الفرق بين الموضعين ؟ قال أبو الحسن عليه السلام : ما تقول في الطامث أتقضي الصلاة ؟ قال : لا .
قال : فتقضي الصوم ؟ قال : نعم .
قال : ولمَ ؟ قال : هكذا جاء ، قال أبو الحسن عليه السلام : وهكذا جاء هذا .
فقال المهدي لأبي يوسف : ما أراك صنعت شيئا ، قال : رماني من حجر دامغ(1) .
وروي من وجه آخر : إنّ محمد بن الحسن سأله عنها فأجابه بما أجاب ، قال : فتضاحك محمد من ذلك ، فقال أبو الحسن عليه السلام : أتعجب من سنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتستهزئ ؟ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كشف ظلاله في إحرامه ، ومضى تحت الظلال وهو محرم ، إنّ أحكام اللّه لا تقاس ، مَن قاس بعضها على بعض ، « فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ »(2) .
ص: 87
وقال أبو حنيفة : رأيت موسى بن جعفر عليهماالسلام - وهو صغير السنّ - في دهليز أبيه ، فقلت : أين يحدث الغريب منكم إذا أراد ذلك ؟
فنظر إليّ ، ثمّ قال : يتوارى خلف الجدار ، ويتوقّى أعين الجار ، ويتجنّب شطوط الأنهار ، ومساقط الثمار ، وأفنية الدور ، والطرق النافذة ، والمساجد ، ولا يستقبل القبلة ، ولا يستدبرها ، ويرفع ويضع بعد ذلك حيث شاء .
قال : فلمّا سمعت هذا القول منه نبل في عيني ، وعظم في قلبي ، فقلت له : جعلت فداك ، ممّن المعصية ؟
فنظر إليّ ، ثمّ قال : اجلس حتى أخبرك ، فجلست ، فقال : إنّ المعصية لا بدّ أن تكون من العبد ، أو من ربّه ، أو منهما جميعا ، فإن كانت من اللّه - تعالى - فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ، ويأخذه بما لم يفعله ، وإن كانت منهما فهو شريكه ، والقويّ أولى بإنصاف الضعيف ، وإن كانت من العبد وحده ، فعليه وقع الأمر ، وإليه توجّه النهي ، وله حقّ الثواب والعقاب ، ووجبت الجنّة والنار .
فقلت : « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ »(1) ، الآية .
ص: 88
وسأل علي بن جعفر أخاه عليه السلام عن المحرم إذا اضطرّ إلى أكل الصيد أو الميتة ؟ فقال : يأكل الصيد .
فقلت : إنّ اللّه - عزّ وجلّ - حرّم الصيد ، فقال : إنّ اللّه - عزّ وجلّ - حرّم الصيد وأحلّ له الميتة ؟!
فقال عليه السلام : يأكل الصيد ويفديه ، فإنّما يأكل من ماله(1) .
وقال علي بن جعفر : وسألته عن رمي الجمار ، لمَ جعل ؟ قال : لأنّ إبليس اللعين كان يترائى لإبراهيم عليه السلام في موضع الجمار ، فرجمه إبراهيم عليه السلام ، فجرت السنّة بذلك(2) .
وسأل هشام بن الحكم موسى بن جعفر عليه السلام : لأيّ علّة صار التكبير في الافتتاح سبع تكبيرات ؟ ولأيّ علّة يقال في الركوع : سبحان ربّي العظيم وبحمده ؟ وفي السجود : سبحان ربّي الأعلى وبحمده ؟
قال عليه السلام : إنّ اللّه - تعالى - خلق السماوات سبعا والأرضين سبعا ، فلمّا أسري بالنبي عليه السلام ، وصار من ملكوت الأرض كقاب قوسين أو أدنى ، رفع
ص: 89
له حجابا من حجبه ، فكبّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وجعل يقول الكلمات التي تقال في الافتتاح ، فلمّا رفع الثاني كبّر ، فلم يزل كذلك حتى رفع سبع حجب، وكبّر سبع تكبيرات ، فلذلك العلّة يكبّر في الافتتاح سبع تكبيرات.
فلمّا ذكر ما رأى من عظمة اللّه ارتعدت فرائصه ، فابترك على ركبتيه ، وأخذ يقول : سبحان ربّي العظيم وبحمده .
فلمّا اعتدل من ركوعه قائما نظر إلى تلك العظمة في موضع أعلى من ذلك الموضع خرّ على وجهه ، وهو يقول : سبحان ربّي الأعلى وبحمده .
فلمّا قالها سبع مرّات سكن ذلك الرعب ، فلذلك جرت به السنّة(1) .
جمع المأمون المتكلّمين على رجل من ولد الصادق عليه السلام ، فاختاروا يحيى بن الضحّاك السمرقندي ، وكلّفوا العلوي سؤاله في الإمامة ، فقال العلوي : يا يحيى ، أخبرني عمّن ادّعى الصدق لنفسه وكذّب الصادقين عليه ، أَيكون(2) محقّا صادقا أو كاذبا ؟ فأمسك يحيى(3) .
فقال له المأمون : أجبه ، فقال يحيى : لا جواب يا أمير المؤمنين ، فقد قطعني .
ص: 90
فقال له المأمون : ما هذه المسألة ؟ فقال له : يا أمير المؤمنين ، لا يخلو يحيى من ثلاثة أجوبة :
إن زعم أنّه صدق وكذب الصادقين على أنفسهم ، فلا إمامة لكذّاب ، لقول أبي بكر : « ولّيتكم ولست بخيركم ، أقيلوني » ، وقوله : « إنّ لي شيطانا يعتريني ، فإذا ملت فسدّدوني لئلاّ أوثر في أشعاركم وأبشاركم » .
وإن زعم يحيى أنّه كذب وصدّق الصادقين على أنفسهم ، فلا إمامة لمن أقرّ على رؤوس الأشهاد بمثل ما أقرّ به الصادق عند أصحابنا المقتدين به الموقنين بإمامته ، ولا إمامة لمن أقرّ بالعجز على نفسه ، ولا إمامة لمن قال صاحبه بعده : « كانت إمامة أبي بكر فلتة وقى اللّه شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه » ، ولا تصحّ الإمامة من بعده ، لأنّه عقدها له من كانت بيعته فلتة .
وإن قال يحيى : لا أدري ، ففي أيّ الأحزاب ؟ أيعدّ في العلماء أم من الجهّال ؟
فقبل(1) المأمون في وجهه وقال : ما يحسن يتكلّم بهذا غيرك(2) .
وقال بعض خواصّ موسى بن جعفر عليهماالسلام له : إنّ فلانا ينافقك في الدين ،
ص: 91
لأنّه قال له صاحب المجلس : أنت تزعم أنّ موسى بن جعفر عليهماالسلامإمام ؟ فقال : إن لم أكن أعتقد أنّه غير إمام فعليّ وعلى من يعتقد ذلك لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين .
فقال موسى عليه السلام : إنّما قال : موسى ، عنى : غير إمام(1) ، أي إنّ الذي هو غير إمام فموسى غيره ، فهو إذا إمام ، فإنّما أثبت بقوله هذا إمامتي ، ونفى إمامة غيري(2) .
ص: 92
الشريف المرتضى في الغرر عن أبي عبد اللّه عليه السلام بإسناده عن أيّوب الهاشمي أنّه حضر باب الرشيد رجل يقال له : « نفيع الأنصاري » ، وحضر موسى بن جعفر عليهماالسلام على حمار له ، فتلقّاه الحاجب بالإكرام وعجّل له بالإذن .
فسأل نفيع عبد العزيز بن عمر : من هذا الشيخ ؟ قال : شيخ آل أبي طالب شيخ آل محمد صلى الله عليه و آله ، هذا موسى بن جعفر عليهماالسلام .
قال : ما رأيت أعجز من هؤلاء القوم ، يفعلون هذا برجل يقدر أن يزيلهم عن السرير ، أما إن خرج لأسوءنه ، فقال له عبد العزيز : لا تفعل ، فإنّ هؤلاء أهل بيت قلّ ما تعرّض لهم أحد في الخطاب إلاّ وسموه في الجواب سمة يبقى عارها عليه مدى الدهر .
قال : وخرج موسى عليه السلام وأخذ نفيع بلجام حماره ، وقال : من أنت يا هذا ؟
قال : يا هذا ، إن كنت تريد النسب ، أنا ابن محمد صلى الله عليه و آله حبيب اللّه بن
إسماعيل ذبيح اللّه بن إبراهيم خليل اللّه عليهم السلام ، وإن كنت تريد البلد ، فهو الذي فرض اللّه على المسلمين - إن كنت منهم - الحجّ إليه ، وإن كنت تريد المفاخرة ، فواللّه ما رضوا مشركوا قومي مسلمي قومك أكفاء لهم حتى قالوا : يا محمد صلى الله عليه و آله ، أخرج إلينا أكفاءنا من قريش ، وإن كنت تريد الصيت والإسم ، فنحن الذين أمر اللّه بالصلاة علينا في الصلوات
ص: 93
المفروضة ، تقول : اللّهم صلّ على محمد وآل محمد ، فنحن آل محمد صلى الله عليه و آله ، خلّ عن الحمار .
فخلّى عنه ويده ترتعد ، وانصرف مخزيّا ، فقال له عبد العزيز : ألم أقل لك(1) ؟!
قال ابن المعاذ :
سل بحال الإمام يوم نفيع
كيف أخزاه اللعين وكفّر
هو للأولياء اسم ومعنى
وهو في القلب للمحقّ مصوّر
* * *
وأخذ عنه العلماء ما لا يحصى كثرته .
وذكر عنه الخطيب في تاريخ بغداد ، والسمعاني في الرسالة القوامية ، وأبو صالح أحمد المؤذّن في الأربعين ، وأبو عبد اللّه بن بطّة في الإبانة ، والثعلبي في الكشف والبيان .
وكان أحمد بن حنبل - مع انحرافه عن أهل البيت عليه السلام - لمّا روى عنه قال : حدّثني موسى بن جعفر عليهماالسلام ، قال : حدّثني أبي جعفر بن محمد عليهماالسلام ،
ص: 94
قال : حدّثني أبي محمد بن علي عليهماالسلام ، قال : حدّثني أبي علي بن الحسين عليهماالسلام ، قال : حدّثني أبي الحسين بن علي عليهماالسلام ، قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ثمّ قال أحمد : وهذا إسناد لو قرئ على المجنون لأفاق(1) .
ولقيه أبو نؤاس فقال :
إذا أبصرتك العين من غير ريبة
وعارض فيه الشكّ أثبتك القلب
ولو أنّ ركبا أمّموك لقادهم
نسيمك حتى يستدلّ بك الركب
جعلتك حسبي في أموري كلّها
وما خاب من أضحى وأنت له حسب(2)
* * *
وقال العوني :
نعم آل طه خير من وطأ الحصى
وأكرم أبصارا على الأرض تطرف
هم الكلمات الطيّبات التي بها
يتاب على الخاطي فيحبا ويزلف
ص: 95
هم البركات النازلات على الورى
تعمّ جميع المؤمنين وتكنف
هم الباقيات الصالحات بذكرها
لذاكرها خير الثواب المضعف
هم الصلوات الزاكيات عليهم
يدلّ المنادي بالصلاة ويعكف
هم الحرّ والمأمون آمن أهله
وأعداؤه من حوله تتخطف
هم الوجه وجه اللّه والجنب جنبه
وهم فلك نوح خاب عنه المخلّف
هم الباب باب اللّه والحبل حبله
وعروته الوثقى توارى وتكتف
وأسماؤه الحسنى التي من دعا بها
أجيب فما للناس عنها تحرّف
هم الآية الكبرى بهم صارت العصا
لموسى الكليم حيّة تتلقّف
* * *
وقال شاعر :
وسيلتي يوم المحشر
مولاي موسى بن جعفر
وجدّه وأبيه
والسيّدان وحيدر
ص: 96
ص: 97
ص: 98
صفوان الجمّال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن صاحب هذا الأمر ؟ فقال : صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب .
فأقبل موسى بن جعفر عليهماالسلام - وهو صغير - ومعه عناق مكّية ، وهو يقول لها : اسجدي لربّك .
فأخذه أبو عبد اللّه عليه السلام ، فضمّه إليه وقال : بأبي وأمّي لا يلهو ولا يلعب(1) .
وكان يبكي من خشية اللّه حتى تخضلّ لحيته بالدموع(1) .
أحمد بن عبد اللّه عن أبيه ، قال : دخلت على الفضل بن الربيع ، وهو جالس على سطح ، فقال لي : اشرف على هذا البيت وانظر ما ترى ؟ فقلت : ثوبا مطروحا ، فقال : انظر حسنا ، فتأمّلت ، فقلت : رجل ساجد .
فقال لي : تعرفه ؟ هو موسى بن جعفر عليهماالسلام ، أتفقّده الليل والنهار ، فلم أجده في وقت من الأوقات إلاّ على هذه الحالة ، إنّه يصلّي الفجر فيعقّب إلى أن تطلع الشمس ، ثمّ يسجد سجدة ، فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس ، وقد وكّل من يترصّد أوقات الصلاة ، فإذا أخبره وثب يصلّي من غير تجديد وضوء ، وهو دأبه ، فإذا صلّى العتمة أفطر ، ثمّ يجدّد الوضوء ، ثمّ يسجد ، فلا يزال يصلّي في جوف الليل حتى يطلع الفجر(2) .
وقال بعض عيونه : كنت أسمعه كثيرا يقول في دعائه : اللّهمّ إنّني كنت أسألك أن تفرّغني لعبادتك ، اللّهمّ وقد فعلت فلك الحمد(3) .
وكان عليه السلام يقول في سجوده : قبح الذنب من عبدك فليحسن العفو والتجاوز من عندك(4) .
ومن دعائه : اللّهمّ إنّي أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب .
ص: 100
وكان يتفقّد فقراء أهل المدينة ، فيحمل إليهم في الليل العين والورق ، وغير ذلك ، فيوصله إليهم وهم لا يعلمون من أيّ جهة هو(1) .
وكان عليه السلام يصل بالمائة دينار إلى الثلاثمائة دينار .
وكانت صرار موسى مثلاً(2) .
وشكا محمد البكري إليه ، فمدّ يده إليه ، فدفع(3) إليّ صرّة فيها ثلاثمائة دينار(4) .
وحكي أنّ المنصور تقدّم إلى موسى بن جعفر عليهماالسلام بالجلوس للتهنئة في يوم النيروز ، وقبض ما يحمل إليه ، فقال عليه السلام : إنّي قد فتّشت الأخبار عن جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم أجد لهذا العيد خبرا ، وإنّه سنّة للفرس ومحاها الإسلام ، ومعاذ اللّه أن نحيي ما محاه الإسلام ، فقال المنصور : إنّما نفعل هذا سياسة للجند ، فسألتك باللّه العظيم إلاّ جلست .
ص: 101
فجلس ودخلت عليه الملوك والأمراء والأجناد يهنّونه ، ويحملون إليه الهدايا والتحف ، وعلى رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل .
فدخل في آخر الناس رجل شيخ كبير السنّ ، فقال له : يا ابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّني رجل صعلوك لا مال لي ، أتحفك بثلاث أبيات قالها جدّي في جدّك الحسين بن علي عليهماالسلام :
عجبت لمصقول علاك فرنده
يوم الهياج وقد علاك غبار
ولأسهم نفذتك دون حرائر
يدعون جدّك والدموع غزار
الاّ تقضقضت(1) السهام وعاقها
عن جسمك الإجلال والإكبار
* * *
قال : قبلت هديّتك ، اجلس بارك اللّه فيك .
ورفع رأسه إلى الخادم وقال : امض إلى أمير المؤمنين وعرّفه بهذا المال ، وما يصنع به ؟
فمضى الخادم وعاد وهو يقول : كلّها هبة منّي له يفعل به ما أراد .
فقال موسى عليه السلام للشيخ : اقبض جميع هذا المال ، فهو هبة منّي لك .
وكان عمريّ يؤذّيه ويشتم عليّا عليه السلام ، فقال له بعض حاشيته : دعنا نقتله ، فنهاهم عن ذلك .
ص: 102
فركب يوما إليه ، فوجده في مزرعة ، فجالسه وباسطه ، وقال له : كم عزمت في زرعك هذا ؟ قال : مائة دينار ، قال : وكم ترجو أن تصيب ؟ قال : مائتي دينار .
قال : فأخرج له صرّة فيها ثلاثمائة دينار ، فقال : هذا زرعك على حاله يرزقك اللّه فيه ما ترجو .
فاعتذر العمري إليه وقال : اللّه أعلم حيث يجعل رسالاته ، وكان يخدمه بعد ذلك(1) .
موسى بن جعفر عليهماالسلام قال : دخلت ذات يوم من المكتب ومعي لوحي !! قال : فأجلسني أبي بين يديه وقال : يا بنيّ اكتب : « تنحّ عن القبيح ولا ترده » ، ثمّ قال : أجزه(2) .
فقلت : « ومن أوليته حسنا فزده » .
ثمّ قال : « ستلقى من عدوّك كلّ كيد » .
فقلت : « إذا كاد العدوّ فلا تكده » .
قال : فقال : « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ »(3) .
ص: 103
ابن عمّار : إنّه استقبل الرشيد على بغلة فاستنكر ذلك ، فقال : أتركب دابّة إن طلبت عليها لم تلحق ، وإن طلبت لم تسبق ؟!
وفي رواية أنّه قال : إن طلبت عليها لم تدرك ، وإن طلبت لم تفت ؟
فقال عليه السلام : لست بحيث أحتاج أن أطلب أو أُطلب ، وإنّها تطأطأت عن خيلاء الخيل ، وارتفعت عن ذلّة العير ، وخير الأمور أوساطها(1) .
داود بن كثير الرقّي ، قال : أتى أعرابي إلى أبي حمزة الثمالي فسأله خبرا ، فقال : توفّي جعفر الصادق عليه السلام ، فشهق شهقة وأغمي عليه ، فلمّا أفاق قال : هل أوصى إلى أحد ؟ قال : نعم ، أوصى إلى ابنه عبد اللّه ، وموسى عليه السلام ، وأبي جعفر المنصور .
فضحك أبو حمزة وقال : الحمد للّه الذي هدانا إلى المهدي ، وبيّن لنا عن الكبير ، ودلّنا على الصغير ، وأخفى عن أمر عظيم .
فسئل عن قوله ، فقال : بيّن عيوب الكبير ، ودلّ على الصغير لإضافته إيّاه ، وكتم الوصيّة للمنصور ، لأنّه لو سأل المنصور عن الوصيّ لقيل : أنت(1) .
ودعا أبو جعفر المنصور في جوف الليل أبا أيّوب الحوبي ، فلمّا أتاه رمى كتابا إليه - وهو يبكي - وقال : هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا بأنّ جعفر بن محمد عليهماالسلام قد مات ف-« إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » ، وأين مثل جعفر(2) ؟!
ص: 105
ثمّ قال له : اكتب : إن كان أوصى إلى رجل بعينه فقدّمه واضرب عنقه .
فكتب ، وعاد الجواب : قد أوصى إلى خمسة ، أحدهم أبو جعفر المنصور ، ومحمد بن سليمان ، وعبد اللّه ، وموسى عليه السلام ، وحميدة(1) .
قال المنصور : ما إلى قتل هؤلاء سبيل(2) .
وفي كتاب أخبار الخلفاء : إنّ هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر عليهماالسلام : خذ فدكا حتى أردّها إليك ، فيأبى حتى ألحّ عليه ، فقال عليه السلام : لا آخذها إلاّ بحدودها ، قال : وما حدودها ؟ قال : إن حدّدتها لم تردّها ، قال : بحقّ جدّك إلاّ فعلت .
قال : أمّا الحدّ الأوّل : فعدن ، فتغيّر وجه الرشيد وقال : إيها .
قال : والحدّ الثاني : سمرقند ، فأربد وجهه .
والحدّ الثالث : إفريقية ، فاسودّ وجهه ، وقال : هيه .
ص: 106
قال : والرابع : سيف البحر ، ممّا يلي الجزر وأرمينية .
قال الرشيد : فلم يبق لنا شيء ، فتحوّل إلى مجلسي ، قال موسى عليه السلام : قد أعلمتك أنّني إن حدّدتها لم تردّها ، فعند ذلك عزم على قتله .
وفي رواية ابن أسباط أنّه قال :
أمّا الحدّ الأوّل : فعريش مصر .
والثاني : دومة الجندل .
والثالث : أحد .
والرابع : سيف البحر .
فقال : هذا كلّه ! هذه الدنيا ، فقال : هذا كان في أيدي اليهود بعد موت أبي هالة ، فأفاءه اللّه على رسوله بلا خيل ولا ركاب ، فأمره اللّه أن يدفعه إلى فاطمة عليهاالسلام .
يزيد بن أسباط ، قال : دخلت على أبى عبد اللّه عليه السلام في مرضته التي مات فيها ، فقال لي : يا يزيد ، أترى هذا الصبي ؟ إذا رأيت الناس قد اختلفوا فيه فاشهد عليّ بأنّي أخبرتك أنّ يوسف عليه السلام إنّما كان ذنبه عند إخوته - حتى طرحوه في الجبّ - الحسد له حين أخبرهم أنّه رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ، وهم له ساجدون ، وكذلك لابدّ لهذا الغلام من أن يحسد .
ثمّ دعا موسى عليه السلام وعبد اللّه وإسحاق ومحمدا والعبّاس ، وقال لهم : هذا وصيّ الأوصياء ، وعالم علم العلماء ، وشهيد على الأموات والأحياء .
ص: 107
ثمّ قال : يزيد ، « سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ »(1) .
ولمّا نصّ الصادق عليه السلام على موسى عليه السلام - وهو غلام - قال فيض بن المختار : جعلت فداك ، أخبر به أحدا ؟ قال : نعم ، أهلَك وولدك ورفقاك .
قال : فأخبرت يونس بن ظبيان ، فقال : لا - واللّه - حتى أسمع ذلك منه ، فلمّا انتهى إلى الباب سمعت الصادق عليه السلام يقول له : الأمر كما قال لك فيض .
ثمّ دخلت ، فقال لي : يا فيض ، زرقه زرقه ، أي احتفظ به بالنبطية(2) .
وروى صريح النصّ عليه بالإمامة من أبيه ثقاتٌ منهم : أخوه علي ، وإسحاق ، والمفضّل بن عمر الجعفي ، ومعاذ بن كثير ، وعبد الرحمن بن الحجّاج ، والفيض بن المختار ، ويعقوب السرّاج ، وسليمان بن خالد ، وصفوان بن مهران الجمّال ، وحمران بن أعين ، وأبو بصير ، وداود الرقّي ، ويزيد بن سليط ، ويونس بن ظبيان .
وقطع عليه العصابة إلاّ طائفة عمّار الساباطي(3) .
ص: 108
اعتبار القطع على عصمة الإمام ووجوب النصّ عليه يوجب إمامته ويبطل إمامة كلّ من يدّعى له الإمامة ، لأنّهم بين من لم يكن مقطوعا على عصمته ، وبين من يدّعى له العصمة ولم يكن مقطوعا ، وعليه في ثبوت الأمرين ثبوت إمامته خلفا عن سلف بالنصّ عليه من أبيه عليه السلام
وعن آبائه عليهم السلام وعن النبي صلى الله عليه و آله .
قال بعض شعراء أهل مصر :
يا ابن النبي المصطفى
وخليفة الرحمن ربّك
وصلاتنا وصيامنا
لا يقبلان بغير حبّك
* * *
وقال داود بن سالم :
يا ابن بنت النبي زارك زور
لم يكن ملحفا ولا سؤالاً
ذاك خير الأنام أبا وأمّا
والذي يمنح الندا والسؤالا
وإذا مرّ عابر ابن سبيل
يجمع الفاضلين والعقالا
بهت الناس ينظرون إليه
مثل ما ترقب العيون الهلالا
* * *
وقال عبد المحسن :
عرفت فضلكم ملائكة اللّه
فدانت وقومكم في شقاق
يستحقّون حقّكم زعموا ذا
مستحقّا لهم من استحقاق
واستشار والسيوف فيكم فقمنا
نستشير الأقلام في الأوراق
* * *
ص: 109
وقال السوسي :
يلومني في هوا أبناء فاطمة
قوم وما عدلوا باللّه إذ عدلوا
واليت قوما تميد الأرض إن ركبوا
وتطمئنّ وتهدأ إن هم نزلوا
قوم بهم تكشف الأمراض والعلل
وفيهم يستقرّ الحرّ والنغل
بحور جود فلا غاضوا ولا جهلوا
بدور فخر فلا غابوا ولا أفلوا
إن يغضبوا صفحوا أو يسألوا سمحوا
أو يوزنوا رجحوا أو يحكموا عدلوا
يوفون إن نذروا يعفون إن قدروا
وإن يقولوا نعم من وقتهم فعلوا
وإن سألت بهم أعطي الذي اسل
وهم غناي إذا ضاقت بي الحيل
إن خفت في هذه الدنيا بحبّهم
فما عليّ غدا خوف ولا وجل
* * *
ص: 110
ص: 111
ص: 112
موسى بن جعفر عليهماالسلام الكاظم الإمام العالم .
أبو الحسن الأوّل ، وأبو الحسن الماضي ، وأبو إبراهيم ، وأبو علي .
ويعرف بالعبد الصالح ، والنفس الزكية ، وزين المجتهدين ، والوافي ، والصابر ، والأمين ، والزاهر(1) ، وسمّي بذلك لأنّه زهر بأخلاقه الشريفة وكرمه المضي التامّ .
وسمّي الكاظم لما كظمه من الغيظ ، وغضّ بصره عمّا فعله الظالمون به حتى مضى قتيلاً في حبسهم(2) .
والكاظم الممتلئ خوفا وحزنا ، ومنه : كظم قربته إذا شدّ رأسها ،
ص: 113
والكاظمة : البئر الضيّقة ، والسقاية المملوءة .
وقال الربيع بن عبد الرحمن : كان - واللّه - من المتوسّمين ، فيعلم من يقف عليه بعد موته ، ويكظم غيظه عليهم ، ولا يبدي لهم ما يعرفه منهم ، فلذلك سمّي الكاظم(1) .
وكان عليه السلام أزهر إلاّ في القيظ(2) - لحرارة مزاجه - ، ربع تمام ، خضر ، حالك ، كثّ اللحية .
وكان أفقه أهل زمانه ، وأحفظهم لكتاب اللّه ، وأحسنهم صوتا بالقرآن ، فكان إذا قرأ يحزن وبكى وبكى السامعون لتلاوته(3) .
وكان أجلّ الناس شأنا ، وأعلاهم في الدين مكانا ، وأسخاهم بنانا ، وأفصحهم لسانا ، وأشجعهم جنانا(4) .
وقد خصّ بشرف الولاية ، وحاز إرث النبوّة ، وبوّأ محلّ الخلافة ، سليل النبوّة ، وعقيد الخلافة .
ص: 114
أمّه : حميدة المصفّاة ابنة صاعد البربري(1) .
ويقال : إنّها أندلسية(2) ، أمّ ولد تكنّى : لؤلؤة .
ولد عليه السلام بالأبواء موضع بين مكّة والمدينة يوم الأحد لسبع خلون من صفر سنة ثمان وعشرين ومائة(3) .
وكان في سنيّ إمامته بقيّة ملك المنصور ، ثمّ ملك المهدي عشر سنين وشهرا وأيّاما ، ثمّ ملك الهادي سنة وخمسة عشر يوما ، ثمّ ملك الرشيد ثلاث وعشرين سنة وشهرين وسبعة عشر يوما .
ص: 115
وعاش أربعا وخمسين سنة .
أولاده ثلاثون فقط - ويقال : سبعة وثلاثون - ..
فأبناؤه ثمانية عشر : علي الإمام ، وإبراهيم ، والعبّاس ، والقاسم ، وعبد اللّه ، وإسحاق ، وعبيد اللّه ، وزيد ، والحسن ، والفضل ، من أمّهات أولاد .
وإسماعيل ، وجعفر ، وهارون ، والحسن ، من أمّ ولد .
وأحمد ، ومحمد ، وحمزة ، من أم ولد .
ويحيى ، وعقيل ، وعبد الرحمن .
المعقّبون منهم ثلاثة عشر : علي الرضا عليه السلام ، وإبراهيم ، والعبّاس ، وإسماعيل ، ومحمد ، وعبد اللّه ، وعبيد اللّه ، والحسن ، وجعفر ، وإسحاق ، وحمزة .
وبناته تسع عشرة : خديجة ، وأم فروة ، وأم أبيها ، وعليّة ، وفاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ، ونزيهة ، وكلثوم ، وأم كلثوم ، وزينب ، وأم القاسم ، وحكيمة ، ورقيّة الصغرى ، وأمّ وحية ، وأم سلمة ، وأم جعفر ، ولبابة ، وأسماء ، وأمامة ، وميمونة ، من أمّهات أولاد(1) .
ص: 117
وفي اختيار الرجال ، عن الطوسي : إنّه اجتمع أصحابنا على تصديق ستّة نفر من فقهاء الكاظم والرضا عليه السلام ، وهم : يونس بن عبد الرحمن ، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري ، ومحمد بن أبي عمير ، وعبد اللّه بن المغيرة ، والحسن بن محبوب السرّاد ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر(1) .
ومن ثقاته : الحسن بن علي بن فضّال الكوفي ، مولى لتيم الرباب ، وعثمان بن عيسى ، وداود بن كثير الرقّي ، مولى بني أسد ، وعلي بن جعفر الصادق عليه السلام .
ومن خواصّ أصحابه : علي بن يقطين ، مولى بني أسد ، وأبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي ، وإسماعيل بن مهران ، وعلي بن مهزيار - من قرى فارس ثمّ سكن الأهواز - ، والريّان بن الصلت الخراساني ، وأحمد بن محمد الحلبي ، وموسى بن بكير الواسطي ، وإبراهيم بن أبي البلاد الكوفي(2) .
ص: 119
قال الكوفي :
سادتي عدّتي عمادي ملاذي
خمسة عندهم تحطّ الرحال
سادتي سادة بهم ينزل الغيث
علينا وتقبل الأعمال
سادة حبّهم تحطّ الخطايا
ولديهم تصدق الآمال
سادة قادة إليهم إذا ما
ذكر الفضل تضرب الأمثال
وبهم تدفع المكاره والخيفة
عنّا وتكشف الأهوال
وبهم طابت المواليد وامتاز
لنا الحقّ والهدى والضلال
وبهم حرّم الحرام وزال
الشكّ في ديننا وحلّ الحلال
* * *
وله أيضا :
يا آل أحمد أنتم خير مشتمل
بالمكرمات وأنتم خير معترف
خلافة اللّه فيكم غير خافية
يفضي بها سلف منكم إلى خلف
طبتم فطاب مواليكم لطيبتكم
وباء أعداؤكم بالخبث في النطف
رأيت نفعي وضرّي عندكم فإذا
ما كان ذاك فعنكم أين منصرفي
* * *
وقال العوني :
فقالت إلى أين انصرافك نبّني
فقلت إلى أولاد فاطمة الزهرا
إلى آل وحي اللّه عند نزوله
على المصطفى أعلى به عنده قدرا
إلى شفعاء الخلق في يوم بعثهم
إلى المرتضى للنار يزجرها زجرا
* * *
ص: 120
وقال ابن طباطبا :
في كلّ يوم للفخار بنيّة
ما بيننا تبنى ومجد يبدع
أو جحفل يقتاد أو سيف على
أعداء دين اللّه فينا يطبع
أو ليث غاب نرفع الجلى به
أو كوكب من أهلنا يستطلع
أو منبر يرقى على أعواده
منّا لخطبته خطيب مصقع
فينا النبوّة والإمامة والهدى
والآي والسنن التي لا تدفع
إنّ المعالي إن أطعن معاشرا
لتقى فهن لآل أحمد أطوع
* * *
ص: 121
ص: 122
ص: 123
ص: 124
كان محمد(1) بن إسماعيل بن الصادق عليه السلام مع عمُّه موسى الكاظم عليه السلام يكتب له الكتب إلى شيعته في الآفاق ، فلمّا ورد الرشيد إلى الحجاز سعى بعمّه إلى الرشيد ، فقال : أما علمت أنّ في الأرض خليفتين يجبى إليهما الخراج ؟ فقال الرشيد : ويلك أنا ومن ؟ قال : موسى بن جعفر عليهماالسلام .
وأظهر أسراره ، فقبض عليه ، وحظي محمد عند الرشيد ، ودعا عليه موسى الكاظم عليه السلام بدعاء استجابه اللّه فيه وفي أولاده(2) .
وفي رواية : إنّه جاء محمد بن إسماعيل إليه عليه السلام واستأذن منه ، فأذن له ، فقال : يا عمّ أحبّ أن توصّيني ، فقال : أوصيك أن تتّقي اللّه في دمي ، [ ثم ناوله أبو الحسن عليه السلام صرّة فيها مائة وخمسون دينارا فقبضها محمد ] ، وأعطاه صرّة أخرى وصرّة أخرى ، وأمر له بألف وخمسمائة درهم .
ص: 125
فجاء محمد بن إسماعيل إلى الرشيد ، فدخل عليه وسعى بعمّه ، فأمر له بمائة ألف درهم ، فلمّا قبضها دخل إلى منزله ، فأخذته الذبحة في جوف ليلته ، فمات(1) .
وروي أنّه لمّا دخل الرشيد إلى المدينة أمر بقبض موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وكان قائما يصلّي عند رأس النبي صلى الله عليه و آله ، فقطع عليه صلاته ، وحمل وهو يبكي ويقول : إليك أشكو يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقيّد ، واستدعى قبّتين ، فجعله في أحدهما ، وخرج البغلان من داره ، ومع كلّ واحد منهما خيل ، فأخذوا واحدة على طريق البصرة ، والأخرى على طريق الكوفة ، وكان أبو الحسن عليه السلام في التي على طريق البصرة ، وأمرهم بتسليمه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور ، فحسبه عنده سنة .
فكتب عيسى إلى الرشيد : قد طال أمر موسى عليه السلام ومقامه في حبسي ، وقد اختبرت حاله ، ووضعت من يسمع منه ما يقول ، فما دعا عليك ولا عليّ بسوء ، ما يدعو لنفسه إلاّ بالمغفرة ، فإن أنفذت إليّ من يتسلّمه منّي ، وإلاّ خلّيت سبيله ، فإنّني متحرّج من حبسه .
فوجّه الرشيد من يتسلّمه من عيسى ، وصيّر به إلى بغداد ، فسلّم إلى الفضل بن الربيع يقتله ، فأبى ، فأمر بتسليمه إلى الفضل بن يحيى ، فوسّع عليه الفضل وأكرمه .
ص: 126
فوجّه إليه مسرور الخادم ليتعرّف حاله ، فحكى كما كان ، فأمر السندي وعبّاس بن محمد بضرب الفضل ، فضربه السندي بين يديه مائة سوط .
وأخبر الرشيد بذلك ، فقال : أيّها الناس ، إنّ الفضل بن يحيى قد عصاني وخالف طاعتي فالعنوه ، فلعنه الناس من كلّ جانب .
فاستدبر يحيى بن خالد وقال : إنّ الفضل حدث وأنا أكفيك ما تريد ، فقال الرشيد : ألا إنّ الفضل قد تاب وأناب إلى طاعتي ، فتولّوه .
ثمّ خرج يحيى إلى بغداد ، فدعا السندي ، فأمره بأمره فامتثله ، وجعل سمّا في طعام فقدّمه إليه(1) .
وقال أحمد بن عبد اللّه : لمّا نقل الكاظم عليه السلام من دار الفضل بن الربيع إلى الفضل بن يحيى البرمكي كان ابن الربيع يبعث إليه في كلّ ليلة مائدة ، ومنع أن يدخل من عند غيره حتى مضى ثلاثة أيّام .
فلمّا كانت الليلة الرابعة قدّمت إليه مائدة البرمكي ، قال : فرفع رأسه إلى السماء ، فقال : يا ربّ إنّك تعلم أنّي لو أكلت قبل اليوم كنت أعنت على نفسي .
قال : فأكل فمرض .
ص: 127
فلمّا كان من الغد بعث إليه بالطبيب ، فقال عليه السلام : هذه علّتي ، وكانت خضرة في وسط راحته تدلّ على أنّه سمّ ، فانصرف إليهم وقال : واللّه لهو أعلم بما فعلتم به منكم .
ثمّ توفّي(1) .
وفي رواية الحسن بن محمد بن بشّار : إنّ السندي بن شاهك جمع ثمانين رجلاً من الوجوه وأدخلهم على موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وقال : يا هؤلاء ، انظروا إلى هذا الرجل ، هل حدث به حدث ، وهذا منزله وفرشه موسّع عليه ؟
فقال عليه السلام : أمّا ما ذكرت من التوسعة وما أشبه ذلك ، فهو على ما ذكر ، غير أنّي أخبركم أيّها النفر : إنّي سقيت السمّ في تسع تمرات ، وأنا أخضر غدا ، وبعد غد أموت .
وفي رواية غيره : أنّه قال عليه السلام يا فلان وفلان ، إنّي سقيت السمّ في يومي هذا ، وفي غد يصفرّ بدني ، وبعد غد يسودّ ، وأموت(2) .
ص: 128
وفي كتاب الأنوار : أنّه قال عليه السلام للمسيّب : إذا دعا لي بشربة من ماء فشربتها ، ورأيتني قد انتفخ بطني ، واصفرّ لوني ، وتلوّن أعضائي ، فهي وفاتي(1) .
وروي أنّه قال للمسيّب : ذا الرجس ابن شاهك يقول : إنّهّ يتولّى أمري ويدفنني ، هيهات أن يكون ذلك أبدا .
ووجدت شخصا جالسا على يمينه ، فلمّا قضى غاب الشخص .
ثمّ أوصلت الخبر إلى الرشيد ، فوافى السندي يظنّ أنّه يفعل ذلك ، وهو مغسّل مكفّن محنّط ، فحمل حتى دفن في مقابر قريش(2) .
ولمّا مات أخرجه السندي ، ووضعه على الجسر ببغداد ونودي : هذا موسى بن جعفر عليهماالسلام الذي تزعم الرافضة أنّه لا يموت ، فانظروا إليه .
وإنّما قال ذلك لاعتقاد الواقفة أنّه القائم ، وجعلوا حبسه غيبة القائم(3) ، فنفر بالسندي فرسه نفرة وألقاه في الماء فغرق فيه ، وفرّق اللّه جموع يحيى بن خالد .
ص: 129
وقيل : إنّ سليمان بن جعفر بن أبي جعفر المنصور كان ذات يوم جالسا في دهليزه في يوم مطر ، إذ مرّت جنازته عليه السلام ، فقال : سلوا هذه جنازة من ؟ فقيل : هذا موسى بن جعفر عليهماالسلام مات في الحبس ، فأمر الرشيد أن يدفن بحاله .
فقال سليمان : موسى بن جعفر عليهماالسلام يدفن هكذا ؟! فهب في الدنيا كان يخاف على الملك في الآخرة لا يؤتى حقّه(1) !
فأمر سليمان غلمانه بتجهيزه ، وكفّنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين وخمسمائة دينار ، مكتوب عليها القرآن كلّه ، ومشى حافيا ودفنه في مقابر قريش(2) .
قال القاضي :
وهارونكم أردى بغير جريرة
نجوم تقى مثل النجوم الكواكب
ومأمونكم سمّ الرضا بعد بيعة
فآدت له شمّ الجبال الرواسب
* * *
أتقتل يا ابن الشفيع المطاع
ويا ابن المصابيح الغرر
ويا ابن الشريعة وابن الكتاب
ويا ابن الرواية وابن الأثر
مناسب ليست بمجهولة
ببدو البلاد ولا بالحضر
مهذبة من جميع الجهات
ومن كلّ شائبة أو كدر
ص: 130
ربيع اليتامى والأرامل كلّهم
مداريس للقرآن في كلّ سحرة
مصابيح أعلام نجوم هداية
مراجيح أحلام لقوا كلّ كربة
وأعلام دين المصطفى وولاته
وأصحاب قرآن وحجّ وعمرة
أآل رسول اللّه صبرا على الذي
أضيم به فالصبر أوثق عروة
* * *
ابن سنان : قلت للرضا عليه السلام : ما لمن زار أباك ؟
قال : له الجنّة ، فزره(1) .
زكريّا بن آدم عن الرضا عليه السلام : إنّ اللّه نجّا بغداد بمكان قبر أبي الحسن عليه السلام(2) .
وقال
عليه السلام :
وقبر ببغداد لنفس زكيّة
تضمّنها الرحمن بالغرفات
وقبر بطوس يا لها من مصيبة
ألحّت على الأحشاء بالزفرات(3)
* * *
ص: 131
قال أبو الحسن المعاذ :
زر ببغداد موسى بن جعفر
قبر موسى مديحه ليس ينكر
هو باب إلى المهيمن تقضى
منه حاجاتنا وتحبى وتجبر
هو حصني وعدّتي وغياثي
وملاذي وموئلي يوم أحشر
صائم القيظ كاظم الغيظ في ا
للّه مصفّى به الكبائر تغفر
كم مريض وافى إليه فعافاه
وأعمى أتاه صحّ وأبصر
* * *
وقال الناشي :
ببغداد وإن ملئت قصورا
قبور أغشت الآفاق نورا
ضريح السابع المعصوم موسى
إمام يحتوي مجدا وخيرا
بأكناف المقابر من قريش
له جدث غدا بهجا نضيرا
وقبر محمد في ظهر موسى
يغشي نور بهجته الحضورا
هما بحران من علم وحلم
تجاوز في نفاستها البحورا
إذا غارت جواهر كلّ بحر
فجوهرها ينزّه أن يغورا
يلوح على السواحل من بغاه
تحصّل كفّه الدرّ الخطيرا
* * *
ص: 132
ص: 133
ص: 134
ص: 135
ص: 136
الحمد للّه الذي لكلّ أحد في كلّ لحظة من صنعه لطيفة ، الرحمن الذي لكلّ حيوان من خزائن امتنانه وظيفة ، الرحيم الذي ستر القبائح والفضائح بنظرته الشريفة ، أقبل كلّ مدبر لقبول حضرته المنيفة ، وأدبر كلّ مقبل لورود ضربته العنيفة ، إن عاقب فلا طاقة لعقوبته للنفس الضعيفة ، قرب المؤمن فصار بين أرجى الرجاء وأخوف الخيفة ، فخلق آدم عليه السلام فهيّأه تهيئة طريفة ، وصوّره في صورة نظيفة ، وناظر عنه ملائكة الملكوت حتى أبرزوا آراءهم سخيفة ! فذلك قوله : « وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَهِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً » .
يحيى بن محمد الفارسي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : « وَما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ » قال : أنزلت في الأئمّة الأوصياء من آل محمد(1) عليهم السلام .
ص: 137
عبد العظيم الحسني بإسناده إلى جعفر عليه السلام في قوله تعالى : « وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأََسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً » يقول : لأشربنا قلوبهم الإيمان ، والطريقة هي ولاية علي بن أبي طالب والأوصياء عليهم السلام(1) .
محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا » ، قال : استقاموا على الأئمّة عليهم السلام واحدا بعد واحد ، « تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ »(2) .
إدريس بن عبد اللّه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى : « ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ » ، قال : عنى بها لم نك من أتباع الأئمّة عليهم السلام الذين قال فيهم « وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ » ، إنّا نرى أنّ الناس يسمعون الذي يلي السابق في الحلبة(3) المصلي ، فذلك الذي عنى حيث قال : « لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ » ، قالوا : لم نك من أتباع السابقين(4) .
ص: 138
عبد اللّه بن خليل عن علي عليه السلام في قوله تعالى : « وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ » ، قال : نزلت فينا(1) .
وروي عن الأئمّة عليهم السلام في قوله تعالى : « وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ » ، وعنهم عليهم السلام في قوله تعالى : « وَاللّهُ يُؤتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ » ، إنّهما نزلتا فينا(2) .
زيد بن علي في قوله تعالى : « وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ » ، قال : سبيلنا أهل البيت .
القصد : السبيل الواضح .
ابن عباس في قوله تعالى : « أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ » ، عنى بني المطّلب(3) .
ص: 139
سليمان بن عبد اللّه بن الحسين عن أبيه عن آبائه عليهم السلام في قوله تعالى : « وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً » ، قال : المودّة لآل محمد(1) عليهم السلام .
ابن عباس في قوله : « إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ » . . الآيات ، نزلت في أهل البيت عليهم السلام .
سئل أبو الحسن¨ عليهماالسلام عن الواقفة ، فقال : مَلْعُونون « أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً سُنَّةَ اللّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً » ، واللّه إنّ اللّه لا يبدّلها حتى يقتلوا عن آخرهم(2) .
وقال عليه السلام لمحمد بن عاصم : لا تجالسهم ، فإنّ اللّه - عزّ وجلّ - يقول : « فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ »
الآيات ، يعني الأوصياء عليهم السلام الذين كفر بهم الواقفة(3) .
ص: 140
ومتابعة ثمانية أورثت ثمانية :
ففي متابعة النفس الندامة ، كما في قصّة قابيل : « فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ » .
وفي متابعة الهوى الخساسة ، كما في قصّة بلعام : « وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ » .
وفي متابعة الشهوات الكفر ، كما في قصّة الكفرة : « وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ » .
وفي متابعة الشيطان النار : « إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ » .
وفي متابعة الفراعنة الغرق في الدنيا ، والحرق في العقبى : « فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ » .
وفي متابعة الضالّين الكون معهم : « يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ » .
وفي متابعة الرسول عليه السلام محبّة اللّه : « فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ » .
وفي متابعة أهل البيت عليهم السلام الحشر معهم : « الَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ » .
وقد وضع اللّه أشياء على ثمانية :
العرش ، قوله : « وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ » .
وأبواب الجنّة ، لقوله : « وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتّى إِذا جاؤها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها » .
قالوا : أثبت « الواو » لزيادة الباب الثامن .
وأرباب الصدقات ، لقوله : « إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ » .
ص: 141
وقوله : « ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ » .
وقوله : « سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ » !!
وقوله : « عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ » .
والمولود تتكامل حركته وقواه وخلقته فيها .
وقد كان خاتم سليمان مثمّن الشكل .
وجميع من حوت سفينة نوح وسلموا من الغرق كانوا ثمانين ، وسمّي منزلهم سوق الثمانين .
والأفلاك سبعة ، وفلك البروج المحيط بها الثامن .
والقفيز ثمانية مكاكيك .
والدانق من الدرهم ثماني حبّات .
والإعراب والبناء ثمانية .
والعروض مبناها على ثمانية أجزاء .
ويشتقّ من المصدر ثمانية مجاري .
والجسم من ثمانية جواهر .
ومدار سائر الأعداد على ثمانية درج ، وهي آحاد وعشرات .
وأوتار البربط ثمانية !!!
وقولهم بهدل في أعداد النرد ، ليس كما يزعمون ، لأنّ تفسيره « نفس أجود » ، ألا ترى أنّ « به » أجود ، و« دل » نفس(1) !!
ص: 142
وعلي الرضا عليه السلام ثمانية أحرف ، وهو ثامن الأئمّة عليهم السلام .
قال الصولي :
ألا إنّ خير الناس نفسا ووالدا
ورهطا وأجدادا علي المعظم
أتينا به للحلم والعلم ثامنا
إماما يؤدّي حجّة اللّه تكتم
* * *
وعلي بن موسى عليهماالسلام ميزانه في الحساب : أمين اللّه على عباده ووليّه في بلاده ، لاستوائهما في خمسمائة وثلاثة وخمسين .
اعتبار العصمة ووجوب النصّ وكون الإمام عالما بجميع أحكام الشريعة تدلّ على إمامة الرضا عليه السلام ، لأنّ كلّ من ادّعيت إمامته ، فهذه الصفات عنه منفيّة .
ويدلّ أيضا على إمامته تواتر الشيعة بالنصّ من أبيه .
قال محمد بن النعمان :
معادن العلم والآيات والحكم
وموضع الجود والإفضال والكرم
قوم بهم فتح اللّه الهدى وبهم
ختامه عند درس الحقّ في الأمم
ص: 143
إن كان دين إله الخلق إذ لهم
سوالف في الورى من خالص النعم
كانوا لدى العرش أنوارا تضييء بهم
طرف السماء لما فيها من الظلم
وملجئا لأبينا عند توبته
من ذنبه في قبول التوب والندم
لمّا دعا اللّه إذعانا بحقّهم
أجابه معظما للحقّ في القسم
* * *
وقال ابن العوذي :
هم التين والزيتون آل محمد
هم شجر الطوبى لمن يتفهّم
هم جنّة المأوى هم الحوض في غد
هم اللوح والسقف الرفيع المعظّم
هم آل عمران هم الحجّ والنسا
هم سبأ والذاريات ومريم
هم آل ياسين وطاها وهل أتى
هم النمل والأنفال لو كنت تعلم
هم الآية الكبرى هم الركن والصفا
هم الحجر والبيت العتيق وزمزم
ص: 144
هم في غد سفن النجاة لمن وعى
هم العروة الوثقى التي ليس تفصم
هم الجنب جنب اللّه واليد في الورى
هم العين لو قد كنت تدري وتفهم
هم السرّ فينا والمعالي هم الأولى
نيمّم في منهاجهم حيث يمّموا
هم الغاية القصوى هم منتهى المنى
سل النصّ في القرآن يخبرك عنهم
هم في غد للقادمين سقاتهم
إذا وردوا والحوض بالماء مفعم
هم شفعاء الناس في يوم عرضهم
إلى اللّه فيما أسرفوا وتجرّموا
هم ينقذونا من لظى النار في غد
إذا ما غدت في وقدها تتضرّم
* * *
ص: 145
ص: 146
ص: 147
ص: 148
الجلاء والشفاء : محمد بن عبد اللّه بن الحسن في خبر طويل : قال المأمون : قلت للرضا عليه السلام : « الزاهرية » حظيّتي ، ومن لا أقدّم عليها أحدا من جواريّ ، وقد حملت غير مرّة كلّ ذلك تسقط ، فهل عندك في ذلك شيء ينتفع به ؟
فقال : لا تخش من سقطها ، ستسلم وتلد غلاما صحيحا مليحا أشبه الناس بأمّه ، وقد زاده اللّه مزيدتين في يده اليمنى خنصر ، وفي رجله اليمنى خنصر .
فقلت في نفسي : هذه - واللّه - فرصة ، إن لم يكن الأمر على ما ذكر خلعتُه !
فلم أزل أتوقّع أمرها حتى أدركها المخاض ، فقلت للقيّمة : إذا وضعت فجيئيني بولدها ذكرا كان أو أنثى .
فما شعرت إلاّ والقيّمة قد أتتني بالغلام كما وصفه زائد اليد والرجل ، كأنّه كوكب درّي ، فأردت أن أخرج من الأمر - يومئذٍ - وأسلّم ما في يدي إليه ، فلم تطاوعني نفسي ، لكنّي دفعت إليه الخاتم(1) .
ص: 149
فقلت : دبّر الأمر ، فليس عليك منّي خلاف وأنت المقدّم(1) .
أبو الصلت الهروي قال : كان الرضا عليه السلام يكلّم الناس بلغاتهم ، فقلت له في ذلك ، فقال : يا أبا الصلت ، أنا حجّة اللّه على خلقه ، وما كان اللّه ليتّخذ حجّة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم ، أو ما بلغك قول أمير المؤمنين عليه السلام : أوتينا فصل الخطاب ، وهل هو إلاّ معرفة(2) اللغات(3) .
وفي حديث طويل عن علي بن مهران : إنّ أبا الحسن عليه السلام أمره أن يعمل له مقدار الساعات .
قال : فحملناه إليه ، فلمّا وصلنا إليه نالنا من العطش أمر عظيم ، فما قعدنا حتى خرج إلينا بعض الخدم ومعه قلال من ماء أبرد ما يكون ، فشربنا .
ص: 150
فجلس عليه السلام على كرسيّ ، فسقطت حصاة ، فقال مسرور : هَشْت ، - أي ثمانية - .
ثمّ قال عليه السلام لمسرور : دَرْ بِبَنْد ، - أي أغلق الباب(1) - .
محمد بن جندل عن ياسر الخادم ، قال : كان لأبي الحسن عليه السلام في البيت صقالبة وروم ، وكان أبو الحسن عليه السلام قريبا منهم ، فسمعهم بالليل يتراطنون بالصقلبية والرومية ، ويقولون : إنّا كنّا نفصد كلّ سنة في بلادنا ، ثمّ ليس نفصد هاهنا .
فلمّا كان من الغد وجّه أبو الحسن عليه السلام إلى بعض الأطبّاء ، فقال له : افصد فلانا عرق كذا ، وافصد فلانا عرق كذا .
ثمّ قال : يا ياسر ، لا تفصد أنت ذاك ، فافتصدت ، فورمت يدي واخضرّت ، فقال : يا ياسر ، ما لك ؟ فأخبرته ، فقال لي : ألم أنهك عن ذلك ؟ هلمّ يدك ، فمسح يده عليها ، وتفل عليها ، ثمّ أوصاني أن لا أتعشّى .
فكنت بعد ذلك كلمّا أغفل فأتعشّى تضرب عليّ(2) .
ص: 151
محمد بن عبيد اللّه الأشعري ، قال : كنت عند الرضا عليه السلام ، فأصابني عطش شديد ، فكرهت أن استسقي في مجلسه ، فدعا بماء فذاقه ، ثمّ قال : يا محمد ، اشرب فإنّه بارد(1) .
هارون بن موسى في خبر ، قال : كنت مع أبي الحسن عليه السلام في مفازة ، فحمحم فرسه ، فخلّى عنه عنانه ، فمرّ الفرس يتخطّى إلى أن بال وراث ورجع .
فنظر إليّ أبو الحسن عليه السلام وقال : إنّه لم يعط داود عليه السلام شيئا إلاّ وأعطى محمدا وآل محمد عليهم السلام أكثر منه(2) .
سليمان بن جعفر الجعفري ، قال : كنت مع الرضا عليه السلام في حائط له ، وأنا معه إذ جاء عصفور ، فوقع بين يديه وأخذ يصيح ، ويكثر الصياح ويضطرب ، فقال لي : يا سليمان ، تدري ما يقول العصفور ؟ قلت : لا ،
ص: 152
قال : إنّه يقول : إنّ حيّة تريد تأكل أفراخي في البيت ، فقُم فخذ النبعة في يدك - يعني العصا - وادخل البيت واقتل الحيّة .
فأخذت النبعة ودخلت البيت ، فإذا حيّة تجول في البيت ، فقتلتها(1) .
سليمان الجعفري ، قال : كنت عند أبي الحسن الرضا عليه السلام والبيت مملوّ من الناس يسألونه ، وهو يجيبهم ، فقلت في نفسي : ينبغي أن يكونوا أنبياء .
فترك الناس ، ثمّ التفت إليّ ، فقال : يا سليمان ، إنّ الأئمّة حلماء علماء ، يحسبهم الجاهل أنبياء ، وليسوا أنبياء .
ابن بابويه عن الحسن بن موسى بن جعفر عليهماالسلام ، قال : مرّ علينا جعفر بن عمر العلوي - وهو رثّ الهيئة - فنظر بعضنا إلى بعض ، فقال عليه السلام : سترونه عن قريب كثير المال كثير التبع .
فما مضى إلاّ شهر حتى ولّي المدينة(2) .
الحسين بن بشّار : قال الرضا عليه السلام : إنّ عبد اللّه يقتل محمدا .
ص: 153
قلت : عبد اللّه بن هارون يقتل محمد بن هارون ؟ قال : نعم ، عبد اللّه الذي بخراسان يقتل محمد بن زبيدة الذي هو ببغداد ، فقتله(1) .
وكان
عليه السلام يتمثّل :
وإنّ الضغن بعد الضغن يفشو
عليك ويخرج الداء الدفينا
* * *
خالد بن نجيح ، قال لي أبو الحسن عليه السلام : فرّغ(2) فيما بينك وبين من كان له عمل معك في سنة أربع وسبعين ومائة حتى يجيئك كتابي ، واخرج وانظر ما عندك ، فابعث به إليّ ، ولا تقبل من أحد شيئا ، وخرج إلى المدينة وبقي خالد بمكّة .
قال الراوي : فلبث خالد بعده خمسة عشر يوما ، ثمّ مات(3) .
وعنه قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : إنّ أصحابنا قدموا من الكوفة ، فذكروا أنّ المفضّل شديد الوجع ، فادع اللّه له .
ص: 154
فقال عليه السلام : قد استراح ، وكان هذا الكلام بعد موته بثلاثة أيّام(1) .
وعنه قال : دخلت على الرضا عليه السلام ، فقال لي : مَن هاهنا من أصحابكم مريض ؟ فقلت : عثمان بن عيسى من أوجع الناس ، فقال : قل له : يخرج .
ثمّ قال : مَن هاهنا ، فعددت عليه ثمانية ، فأمر بإخراج أربعة ، وكفّ عن أربعة ، فما أمسينا من الغد حتى دفنّا الأربعة الذي كفّ عن إخراجهم ، وخرج عثمان بن عيسى(2) .
ودخل أبو الحسن عليه السلام على عمّه محمد بن جعفر يعوده ، وإسحاق بن جعفر يبكي عليه ، ثمّ قام ، فقال لأخيه الحسين بن موسى : أرأيت هذا الباكي ؟ سيموت ويبكي ذاك عليه .
قال : فبرأ محمد بن جعفر ، واشتكى إسحاق فمات ، وبكى محمد بن جعفر(3) .
ص: 155
موسى بن مهران قال : رأيت الرضا عليه السلام وقد نظر إلى هرثمة بالمدينة ، فقال : كأنّي به وقد حمل إلى مرو فضربت عنقه .
فكان كما قال(1) .
أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : بعثني الرضا عليه السلام في حاجة ، فأركبني دابّته ، وبيّتني في منزله ، فلمّا دخلت في فراشي رددت الباب ، وقلت : مَن أعظم منزلة منّي ؟! بعثني في حاجة ! وأركبني دابّته ! وبيّتني في منزله !
قال : فلم أشعر إلاّ بخفق نعليه حتى فتح الباب ودخل عليّ ، وقال : يا أحمد ! إنّ أمير المؤمنين عليه السلام عاد صعصعة بن صوحان وقال : لا تتّخذنّ عيادتي فخرا على قومك(2) .
وذكر أبو جعفر الطوسي في كتاب الغيبة : إنّه مات أبو إبراهيم عليه السلام ، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار ، وعند حمزة بن بزيع سبعون
ص: 156
ألفا ، وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألفا ، وعند أحمد بن أبي بشر السرّاج عشرة آلاف ، وكان ذلك سبب وقفهم ، فكتب الرضا عليه السلامإليهم
يطلب المال ، فأنكروا وتعلّلوا(1) .
فقال الرضا عليه السلام : هم اليوم شكّاك ، لا يموتون غدا إلاّ على الزندقة .
قال صفوان : بلغنا عن رجل منهم أنّه قال عند موته : هو كافر بربّ أماته(2) .
وقال ابن فضّال : قال لي أحمد بن حمّاد السرّاج : كان عندي عشرة آلاف دينار وديعة لموسى بن جعفر عليهماالسلام ، فقلت : إنّ أباه لم يمت ، فاللّه اللّه خلّصوني من النار ، وسلّموها إلى الرضا عليه السلام(3) .
ثمّ قال : ورجع جماعة عن القول بالوقف ، مثل : عبد الرحمن بن الحجّاج ، ورفاعة بن موسى ، ويونس بن يعقوب ، وجميل بن درّاج ، وحمّاد بن عيسى ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، والحسن بن علي الوشّا ، وغيرهم ، والتزموا الحجّة(4) .
وقال أحمد بن محمد : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام كتابا ، وأضمرت في نفسي أنّي متى دخلت عليه أسأله عن قوله تعالى : « أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ
ص: 157
الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ » ، وقوله : « فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ » ، وقوله : « إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ » .
فأجابني عن كتابي ، وكتب في آخره الآيات التي أضمرتها في نفسي ، فقلت : أيّ شيء هذا من جوابي ؟ ثمّ ذكرت أنّه ما أضمرته(1) .
وقال الحسن بن علي الوشّا : بعث إليّ الرضا عليه السلام يطلب منّي حبرة - وكانت بين ثيابي قد خفى عليّ أمرها - ، فقلت : ما معي منها شيء ، فردّ الرسول وذكر علامتها ، وأنّها في سفط كذا ، فطلبتُها فكان كما قال ، فبعثت بها إليه .
ثمّ كتبت مسائل أسأله عنها ، فلمّا وردت بابه خرج إليّ جواب المسائل التي أردت أن أسأله عنها من غير أن أظهرها(2) .
وقال أحمد بن محمد بن أبي نصر : قال لي ابن النجاشي : من الإمام بعد صاحبك ؟ فدخلت على الرضا عليه السلام فأخبرته ، فقال : الإمام بعدي ابني .
ثمّ قال : هل يجترئ أحد أن يقول : ابني ، وليس له ولد(3) ؟
ص: 158
وقال محمد بن عبد اللّه بن الأفطس : دخلت على المأمون ، فقرّبني وحباني ، ثمّ قال : رحم اللّه الرضا عليه السلام ما كان أعلمه ، لقد أخبرني بعجب ، سألته ليلة - وقد بايع له الناس - فقلت له : جعلت فداك أرى لك أن تمضي إلى العراق ، وأكون خليفتك بخراسان .
فتبسّم ، ثمّ قال : لا - لعمري - ولكنّه من دون خراسان درجات(1) ، إنّ لنا هاهنا مسكنا ، ولست بنازح حتى يأتيني الموت ، ومنها المحشر لا محالة .
فقلت له : جعلت فداك ، وما علمك بذلك ؟ قال : علمي بمكاني كعلمي بمكانك .
قلت : وأين مكاني أصلحك اللّه ؟ فقال : لقد بعدت الشقّة بيني وبينك ، أموت بالمشرق وتموت بالمغرب .
فجهدت الجهد كلّه ، وأطمعته في الخلافة ، فأبى(2) .
الحسن بن علي الوشّا ، قال : دعاني سيّدي الرضا عليه السلام بمرو ، فقال : يا حسن ، مات علي بن أبي حمزة البطائني في هذا اليوم ، وأدخل في قبره
ص: 159
الساعة ، ودخلا عليه ملكا القبر ، فسألاه : من ربّك ؟ فقال : اللّه ، ثمّ قالا : من نبيّك ؟ فقال : محمد صلى الله عليه و آله ، فقالا : من وليّك ؟ فقال : علي بن أبي طالب عليهماالسلام،
قالا : ثمّ من ؟ قال : الحسن عليه السلام ، قالا : ثمّ من ؟ قال : الحسين عليه السلام ، قالا : ثمّ من ؟ قال : علي بن الحسين عليهماالسلام ، قالا : ثمّ من ؟ قال : محمد بن علي عليهماالسلام ، قالا : ثمّ من ؟ قال : جعفر بن محمد عليهماالسلام ، قالا : ثمّ من ؟ قال : موسى بن جعفر عليهماالسلام ، قالا : ثمّ من ؟ فلجلج ، فزجراه وقالا : ثمّ من ؟ فسكت ، فقالا له : أفموسى بن جعفر عليهماالسلام أمرك بهذا ؟ ثمّ ضرباه بمقمعة من نار ، فألهبا عليه قبره إلى يوم القيامة .
فخرجت من عند سيّدي ، فأرّخت ذلك اليوم ، فما مضت الأيّام حتى وردت كتب الكوفيّين بموت البطائني في ذلك اليوم ، وأنّه دخل قبره في تلك الساعة(1) .
وفي الروضة : قال عبد اللّه بن إبراهيم الغفّاري في خبر طويل : أنّه ألحّ عليّ غريم لي وآذاني ، فلمّا مضى عنّي مررت من وجهي إلى صريا ليكلّمه أبو الحسن عليه السلام في أمري ، فدخلت عليه ، فإذا المائدة بين يديه ، فقال لي : كل ، فأكلت .
فلمّا رفعت المائدة أقبل يحادثني ، ثمّ قال : ارفع ما تحت ذاك المصلّى ، فإذا هي ثلاثمائة دينار وتزيد ، فإذا فيها دينار مكتوب عليه ثابت فيه :
ص: 160
« لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وعلى أهل بيته » من جانب ، وفي الجانب الآخر : « إنّا لم ننساك فخذ هذه الدنانير فاقض بها دينك وأنفق ما بقي على عيالك(1) » .
وفي كتاب الشعر : أنّه كان عليه السلام يتمثّل :
تضيء كضوء السراج السليط
لم يجعل اللّه فيه نحاسا
* * *
ولمّا دخل دعبل بن علي الخزاعي على الرضا عليه السلام وأنشده :
مدارس آيات خلت من تلاوة
ومنزل وحي مقفّر العرصات
* * *
قيل : له لِم تركت التشبيب ؟ قال : استحييت من الإمام(2) .
فلمّا بلغ إلى قوله :
أرى فيئهم في غيرهم متقسّما
وأيديهم من فيئهم صفرات
* * *
ص: 161
بكى عليه السلام وقال له : صدقت يا خزاعي .
فلمّا بلغ إلى قوله :
إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم
أكفّا عن الأوتار منقبضات
* * *
جعل الرضا يقلّب كفّيه ويقول : أجل واللّه منقبضات .
فلمّا بلغ إلى قوله :
لقد خفت في الدنيا وأيّام سعيها
وإنّي لأرجو الأمن بعد وفاتي
* * *
قال الرضا عليه السلام : آمنك اللّه يوم الفزع الأكبر .
فلمّا انتهى إلى قوله :
وقبر ببغداد لنفس زكيّة
قال الرضا عليه السلام : أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك ؟ قال : بلى يا ابن رسول اللّه .
فقال
عليه السلام :
وقبر بطوس يا لها من مصيبة
ألحّت على الأحشاء بالزفرات
إلى الحشر حتى يبعث اللّه قائما
يفرّج عنّا الهمّ والكربات
* * *
فقال دعبل : يا ابن رسول اللّه ، هذا الذي بطوس قبر من هو ؟!
قال : قبري ، ولا تنقضي الأيّام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزوّاري .
ص: 162
فلمّا انتهى إلى قوله :
خروج إمام لا محالة خارج
يقوم على اسم اللّه والبركات
يميّز فينا كلّ حقّ وباطل
ويجزي على النعماء والنقمات
* * *
قال الرضا عليه السلام: يا خزاعي ، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين.
وفي رواية : رزقك اللّه رؤيته ، وحشرك في زمرته .
قال : فحباه بمائة دينار ، فردّ الصرّة ، وسأل ثوبا من ثياب الرضا عليه السلام ليتبرّك به ويتشرّف ، فأنفذ إليه بجبّة خزّ مع الصرّة ، وقال للخادم : قل له : خذ هذه الصرّة فإنّك ستحتاج إليها ، ولا تراجعني فيها .
فانصرف دعبل ، وسار من مرو في قافلة ، فوقع عليهم اللصوص ، وأخذوا القافلة ، وكتفوا أهلها ، وجعلوا يقسّمون أموالهم ، فتمثّل رجل منهم بقوله :
« أرى فيئهم في غيرهم متقسّما »
فقال دعبل : لمن هذا البيت ؟ فقال : لرجل من خزاعة ، قال : فأنا دعبل قائل هذه القصيدة ، فخلّوا كتافه وكتاف جميع القافلة ، وردّوا إليهم جميع ما أخذوا منهم .
وسار دعبل حتى وصل إلى قم ، وأنشدهم القصيدة ، فوصلوه بمال
كثير ، وسألوه أن يبيع الجبّة منهم بألف دينار ، فأبى وسار عن قم ، فلحقه قوم من أحداثهم وأخذوا الجبّة منه ، فرجع دعبل وسألهم ردّها عليه ،
ص: 163
فقالوا : لا سبيل لك إليها ، فخذ ثمنها ألف دينار ، فقال : على أن تدفعوا إليّ شيئا منها ، فأعطوه .
وانصرف إلى وطنه ، فوجد اللصوص أخذوا جميع ما في منزله ، فباع المائة دينار التي كان الرضا عليه السلام وصله بها من الشيعة كلّ دينار بمائة درهم ، وتذكّر قول الرضا عليه السلام : إنّك ستحتاج إليها(1) .
هشام : لمّا أراد هارون بن المسيّب أن يواقع محمد بن جعفر ، قال لي الرضا عليه السلام : اذهب إليه وقل له : لا تخرج غدا ، فإنّك إن خرجت هزمت وقتل أصحابك ، فإن سألك : من أين عرفت هذا ؟ فقل : رأيت في النوم .
قال : فقال : نام العبد ولم يغسل استه .
ثمّ خرج ، فهزم وقتل أصحابه(2) .
محمد بن سنان : قيل للرضا عليه السلام : إنّك قد شهرت نفسك بهذا الأمر ، وجلست مجلس أبيك ، وسيف هارون يقطر دما ، فقال : جوابي(3) هذا ما
ص: 164
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إن أخذ أبو جهل من رأسي شعرة ، فاشهدوا أنّني لست بنبيّ ، وأنا أقول لكم : إن أخذ هارون من رأسي شعرة ، فاشهدوا أنّني لست بإمام(1) .
مسافر ، قال : كنت عند الرضا عليه السلام بمنى ، فمرّ يحيى بن خالد ، فغطّى أنفه من الغبار ، فقال : مساكين لا يدرون ما يحلّ بهم في هذه السنة .
ثمّ قال : وأعجب من هذا هارون وأنا كهاتين ، وضمّ بين إصبعيه .
[ قال مسافر : ما عرفت معنى حديثه حتى دفنّاه معه (2)] .
ابن بابويه بإسناده عن يحيى بن محمد بن جعفر ، قال : مرض أبي مرضا شديدا ، فأتاه الرضا عليه السلام يعوده ، وعمّي إسحاق جالس يبكي ، فالتفت إليّ وقال : ما يبكي عمّك ؟ قلت : يخاف عليه ما ترى ، قال : فقال : لا تغتمّ ، فإنّ إسحاق سيموت قبله . قال : فبرأ أبي محمد ومات إسحاق(3) .
ص: 165
معمّر بن خلاّد ، قال : قال لي الريّان بن الصلت : أحبّ أن تستأذن لي على أبي الحسن عليه السلام ، فأسلّم عليه ، وأحبّ أن يكسوني من ثيابه ، وأن يهب لي من الدراهم التي ضربت باسمه .
فدخلت على الرضا عليه السلام ، فقال لي مبتدئا : إنّ الريّان بن الصلت يريد الدخول علينا ، والكسوة من ثيابنا ، والعطيّة من دراهمنا .
فأذنت له ، فدخل وسلّم ، فأعطاه ثوبين وثلاثين درهما من الدراهم المضروبة باسمه(1) .
ابن قولويه : إنّه لمّا خرج من المدينة في السنة التي حجّ فيها هارون يريد الحجّ ، فانتهى إلى جبل على يسار الطريق يقال له « فارع » ، فنظر إليه أبو الحسن عليه السلام ، ثمّ قال : باني « فارع » وهادمه يقطع إربا إربا ، فلم ندر ما معنى ذلك .
فلمّا بلغ هارون ذلك الموضع نزله ، وصعد جعفر بن يحيى الجبل ، وأمر أن يبنى له فيه مجلس ، فلمّا رجع من مكّة صعد إليه ، وأمر بهدمه .
ص: 166
فلمّا انصرف ، فأتى العراق ، فقطع جعفر بن يحيى إربا إربا(1) .
صفوان بن يحيى ، قال : لمّا مضى أبو الحسن موسى عليه السلام ، وتكلّم الرضا عليه السلام خفنا عليه من ذلك ، وقلنا له : إنّك قد أظهرت أمرا عظيما ، وإنّا نخاف عليك من هذا الطاغي .
فقال عليه السلام : يجهد جهده فلا سبيل له عليّ(2) .
الحسن بن علي الوشّا ، قال الرضا عليه السلام : إنّي لمّا أرادوا الخروج بي من المدينة جمعت عيالي ، وأمرتهم أن يبكوا عليّ حتى أسمع ، ثمّ فرّقت فيهم إثني عشر ألف دينارا . ثمّ قال : أما إنّي لا أرجع إلى عيالي أبدا(3) .
حمزة بن جعفر الأرجاني ، قال : خرج هارون من المسجد الحرام مرّتين ،
ص: 167
وخرج الرضا عليه السلام مرّتين ، فقال الرضا عليه السلام : ما أبعد الدار وأقرب اللقاء [ بطوس ، يا طوس ] ! يا طوس ! ستجمعني وإيّاه(1) .
موسى بن سيار ، قال : كنت مع الرضا عليه السلام وقد أشرف على حيطان طوس ، وسمعت واعية فاتّبعتها ، فإذا نحن بجنازة ، فلمّا بصرت بها رأيت سيّدي وقد ثنى رجله عن فرسه ، ثمّ أقبل نحو الجنازة فرفعها ، ثمّ أقبل يلوذ بها كما تلوذ السخلة بأمّها ، ثمّ أقبل عليّ وقال : يا موسى بن سيار ، من شيّع جنازة وليّ من أوليائنا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه لا ذنب عليه .
حتى إذا وضع الرجل على شفير قبره رأيت سيّدي قد أقبل ، فأفرج الناس عن الجنازة حتى بدا له الميّت ، فوضع يده على صدره ، ثمّ قال : يا فلان بن فلان ، ابشر بالجنّة فلا خوف عليك بعد هذه الساعة .
فقلت : جعلت فداك ، هل تعرف الرجل ؟ فواللّه إنّها بقعة لم تطأها قبل يومك هذا !
فقال لي : يا موسى بن سيار ، أما علمت أنّا معاشر الأئمّة تعرض علينا أعمال شيعتنا صباحا ومساء ؟ فما كان من التقصير في أعمالهم سألنا اللّه - تعالى - الصفح لصاحبه ، وما كان من العلوّ سألنا اللّه الشكر لصاحبه .
ص: 168
الحسن بن موسى قال : خرجنا مع الرضا عليه السلام إلى بعض أمواله في يوم طلق ، فقال : حملتم معكم الماطر(1) ؟ فقلنا : وما حاجتنا إليها في هذا اليوم ؟! قال : لكنّي حملته وستمطرون .
قال : فما مضينا إلاّ يسيرا حتى مطرنا(2) .
وممّا روته العامّة ممّا ذكره الحاكم أبو عبد اللّه الحافظ بإسناده عن سعد بن سعد أنّه قال : نظر الرضا عليه السلام إلى رجل فقال : يا عبد اللّه ، أوص ممّا تريد ، واستعدّ لما لابدّ منه ، فمات الرجل بعد ثلاثة أيّام(3) .
وروى الحسن بن محمد بن أحمد السمرقندي المحدّث بالإسناد عن الحسن بن علي الوشّاء الكوفي ، قال : كتبت مسائل في طومار لأجرّب بها علي بن موسى عليهماالسلام ، فغدوت إلى بابه فلم أصل إليه لزحام الناس .
ص: 169
فبينما خادم يسأل الناس عنّي ، وهو يقول : مَن الحسن بن علي الوشّاء ابن بنت إلياس البغدادي ؟
فقلت له : يا غلام ، فها أنا ذا ، فأعطاني كتابا وقال لي : هذه جوابات مسائلك التي معك .
فقطعت بإمامته ، وتركت مذهب الوقف(1) .
وروى الحسن السمرقندي هذا عن ابن الوشّاء ، قال : خرجت من الكوفة إلى خراسان ، فقالت لي ابنتي : يا أبه ، خذ هذه الحلّة فبعها ، وخذ لي بثمنها فيروزجا .
فلمّا نزلت مرو ، فإذا غلمان الرضا عليه السلام قد جاؤوا وقالوا : نريد حلّة نكفن بها بعض غلماننا ، فقلت : ما عندي .
فمضوا ، ثمّ عادوا وقالوا : مولانا يقرأ عليك السلام ويقول لك : معك حلّة في السفط الفلاني دفعتها إليك ابنتك وقالت : اشتر لي بثمنها فيروزجا ، وهذا ثمنها(2) .
ص: 170
وروى الحاكم أبو عبد اللّه الحافظ بإسناده عن محمد بن عيسى عن أبي حبيب البناجي ، قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المنام . .
وحدّثني محمد بن منصور السرخسي بالإسناد عن محمد بن كعب القرطي ، قال : كنت في جحفةٍ نائما فرأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المنام ، فأتيته ، فقال لي : يا فلان سررت بما تصنع مع أولادي في الدنيا ، فقلت : لو تركتهم فبمن أصنع ؟
فقال عليه السلام : فلا جرم تجزى منّي في العقبى ، فكان بين يديه طبق فيه تمر صيحاني ، فسألته عن ذلك ، فأعطاني قبضة فيها ثماني عشرة تمرة ، فتأوّلت ذلك أن أعيش ثماني عشر سنة .
فنسيت ذلك ، فرأيت يوما ازدحام الناس ، فسألتهم عن ذلك ، فقالوا : أتى علي بن موسى الرضا عليهماالسلام ، فرأيته جالسا في ذلك الموضع وبين يديه طبق فيه تمر صيحاني ، فسألته عن ذلك ، فناولني قبضة فيها ثماني عشرة تمرة ، فقلت له : زدني منه ، فقال : لو زادك جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله لزدناك(1) .
ذكره عمر الملاّ الموصلي في الوسيلة إلاّ أنّه روى : أنّ ابن علوان قال : رأيت في منامي كأنّ قائلاً يقول : قد جاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى البصرة ، قلت : وأين نزل ؟
فقيل : في حائط بني فلان .
ص: 171
قال : فجئت الحائط ، فوجدت رسول اللّه صلى الله عليه و آله جالسا ومعه أصحابه وبين يديه أطباق فيها رطب برني ، فقبض بيده كفّا من رطب وأعطاني ، فعددتها فإذا هي ثماني عشرة رطبة .
ثمّ انتبهت ، فتوضّأت وصلّيت ، وجئت إلى الحائط ، فعرفت المكان الذي فيه رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فبعد ذلك سمعت الناس يقولون : قد جاء علي بن موسى الرضا عليهماالسلام ، فقلت : أين نزل ؟ فقيل : في حائط بني فلان ، فهديت فوجدته في الموضع الذي رأيت النبي صلى الله عليه و آله فيه ، وبين يديه أطباق فيها رطب ، وناولني ثماني عشرة رطبة ، فقلت : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله زدني ، فقال : لو زادك جدّي لزدتك .
ثمّ بعث إليّ بعد أيّام يطلب منّي رداءا ، وذكر طوله وعرضه ، فقلت : ليس هذا عندي ، فقال : بلى ، هو في السفط الفلاني بعثت به امرأتك معك .
قال : فذكرت فأتيت السفط ، فوجدت الرداء فيه كما قال .
ودخل أبو نؤاس على هارون الرشيد ، وعنده الرضا عليه السلام فقال :
قيل لي أنت أوحد الناس طرّا
في علوم الورى وشعر البديه
لك من جوهر الكلام نظام
يثمر الدرّ في يدي مجتنيه
فعلى ما تركت مدح ابن موسى
والخصال التي تجمّعن فيه
قلت لا أهتدي لمدح إمام
كان جبريل خادما لأبيه(1)
ص: 172
قال ابن الحجّاج :
يا ابن من تؤثر المكارم عنه
ومعالي الآداب تمتار منه
من سمّي الرضا علي بن موسى
رضي اللّه عن أبيه ثم عنه(1)
* * *
وله أيضا :
وسمّي الرضا علي بن موسى
لك فعل يرضي صديقك عنكا
* * *
وقال السروجي :
عليك بتقوى اللّه ما عشت إنّه
لك الفوز من نار تقاد بأغلال
وحبّ علي والبتول ونسلها
طريق إلى الجنّات والمنزل العالي
إلى اللّه أبرء من موالاة ظالم
لآل رسول اللّه في الأهل والمال
* * *
وقال الحميري :
لا فرض إلاّ فرض عقد الولا
في أوّل الدهر وفي الآخره
لأهل بيت المصطفى إنّهم
صفوة حزب اللّه ذي المغفره
ص: 173
أعطاهم الفضل على غيرهم
بسؤدد البرهان والمقدره
فهم ولاة الأمر في خلقه
حكّامه الماضون في أدهره
* * *
ص: 174
ص: 175
ص: 176
أبو الصلت الهروي : لمّا بلغ الرضا عليه السلام من نيسابور إلى القرية الحمراء قيل له : قد زالت الشمس ، أفلا تصلّي ؟ فنزل ودعا بماء ، فقيل له : ما معنا ماء .
فبحث بيده الأرض ، فنبع من الأرض ماء توضّأ به هو ومن معه ، وأثره باق إلى اليوم يقال له : «چشمه رضا»(1) .
فلمّا بلغ سناباد استند إلى الجبل الذي تنحت منه القدور ، فقال : اللّهم انفع به وبارك فيما يجعل منه ، وفيما ينحت منه .
ثمّ أمر به فنحت منه قدور من الجبل ، وقال : لا يطبخ ما آكله إلاّ فيها ، وكان خفيف الأكل ، قليل الطعم .
فاهتدى الناس إليه من ذلك اليوم ، وظهرت بركة دعائه فيه(2) .
قال بعضهم : يقول أهل طوس : قد ألان اللّه لنا الحجارة كما ألان لداود عليه السلام الحديد .
ص: 177
قال أبو(1) الصلت : ثمّ دخل دار حميد بن قحطبة البطائني ، ودخل القبّة التي فيها قبر هارون ، ثمّ خطّ بيده إلى جانبه ، ثمّ قال : هذه تربتي ، وسيجعل اللّه هذا المكان مختلف شيعتي(2) . . الخبر .
الحاكم أبو عبد اللّه الحافظ : لمّا دخل الرضا عليه السلام نيسابور ، ونزل محلّة فور(3) - ناحية يعرفها الناس بلاد سناباد(4) في دار تعرف بدار « پسنديده » ،
وإنّما سمّيت پسنديده ، لأنّ الرضا عليه السلام ارتضاه من بين الناس .
فلمّا نزلها زرع في جانب من جوانب الدار لوزة ، فنبتت وصارت شجرة ، فأثمرت في كلّ سنة ، وكان أصحاب العلل يستشفون بلوز هذه الشجرة ، وعوفي أعمى وصاحب قولنج ، وغير ذلك .
فمضت الأيّام على ذلك ويبست ، فجاء حمدان وقطع أغصانها ، ثمّ جاء ابن لحمدان يقال له « أبو عمرو » ، فقطع تلك الشجرة من وجه الأرض ، فذهب ماله كلّه ، وكان له ابنان يقال لأحدهما « أبو القاسم » ، والآخر
ص: 178
« أبو صادق » ، فأرادا عمارة تلك الدار ، وأنفقا عليها عشرين ألف درهم ، فقلعا الباقي من أصل تلك الشجرة ، فماتا في مدّة سنة(1) .
الصفواني : قطع اللصوص على قافلة خراسان ، وأقاموا واحدا اتّهموه بكثرة المال ، وملؤوا فاه من الثلج ، ففسد فمه ولسانه ، وعجزت الأطبّاء عن دوائه ، فرأى في منامه الرضا عليه السلام فسأله عن علّته ، فقال : خذ من الكمّون والسعتر(2) والملح ، ودقّه ، وخذ منه في فمك مرّتين أو ثلاث ، فإنّك تعافى .
فلمّا انتبه قيل له : ورد الرضا عليه السلام ، فارتحل من نيسابور ، وهو برباط سعد ، فأتاه وقصّ عليه قصّته ، وسأله الدواء ، فقال : ألم أعلّمك ؟! فاستعمل ما وصفتُه لك في منامك .
فاستعمل ما وصفه ، فعوفي من ساعته(3) .
حكيمة بنت موسى عليه السلام قالت : رأيت الرضا عليه السلام واقفا على باب بيت
ص: 179
الحطب ، وهو يناجي ، ولست أرى أحدا ، فقلت : سيّدي من تناجي ؟ فقال : هذا عامر الدهراني(1) أتاني يسألني ويشكو إليّ ، فقلت : سيّدي ، أحبّ أن أسمع كلامه ، فقال : إنّك إن سمعت حممت سنة ، فقلت : سيّدي ، أحبّ أن أسمعه ، فقال لي : اسمعي ، فاستمعت ، فسمعت شبه الصفير ، وركبتني الحمى سنة(2) .
الكليني ، بإسناده إلى إبراهيم بن موسى ، قال : قلت للرضا عليه السلام في طريق : جعلت فداك ، هذا العيد قد أظلّنا ، ولا واللّه ما أملك درهما فما سواه ، وكنت أطالبه بآية من زمان ، فحكّ بسوطه الأرض حكّا شديدا ، ثمّ ضرب بيده ، فتناول منه سبيكة ذهب ، ثمّ قال : انتفع بها ، واكتم ما رأيت(3) .
الغفّاري، قال: كان لرجل من آل أبيرافع مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليّ حقّ،
ص: 180
فألحّ عليّ ، فأتيت الرضا عليه السلام وقلت : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّ لمولاك فلان عليّ حقّ وقد شهرني .
فأمرني بالجلوس على الوسادة ، فلمّا أكلنا وفرغنا قال : ارفع الوسادة ، وخذ ما تحتها ، فرفعتها فإذا دنانير فأخذتها .
فلمّا أتيت المنزل نظرت إلى الدنانير ، فإذا هي ثمانية وأربعون دينارا ، وفيها دينار يلوح ، منقوش عليه : حقّ الرجل عليك ثمانية وعشرون دينارا ، وما بقي فهو لك ، ولا واللّه ما كنت عرفت ما له عليّ على التحديد(1) .
أبو الصلت عبد السلام بن صالح ، قال : رفع إلى المأمون : أنّ الرضا عليه السلام يعقد مجالس الكلام ، والناس يفتنون بعلمه ، فأنفذ محمد بن عمرو الطوسي ، فطرد الناس عن مجلسه ، وأحضره ، فلمّا نظر إليه المأمون زبره واستخفّ به ، فخرج الرضا عليه السلام يقول : وحقّ المصطفى والمرتضى وسيّدة النساء ، لأستنزلنّ من حول اللّه - عزّ وجلّ - بدعائي عليه ما يكون سببا لطرد كلاب أهل هذه الكورة إيّاه ، واستخفافهم به ، وبخاصّته وعامّته .
ثمّ أتى منزله واغتسل وصلّى ركعتين قال في قنوته : يا ذا القوّة الجامعة والرحمة الواسعة ، - إلى آخر دعائه - صلّ على من شرّفت الصلاة بالصلاة عليه ، وانتقم لي ممّن ظلمني ، واستخفّ بي ، وطرد الشيعة عن بابي ،
ص: 181
وأذقه مرارة الذلّ والهوان كما أذاقنيها ، واجعله طريد الأرجاس ، وشريد الأنجاس ، فلم يتمّ دعائه حتى وقعت الرجفة ، وارتفعت الزعفة ، وثارت الغبرة .
فلمّا سلّم من صلاته قال : اصعد السطح ، فإنّك سترى امرأة بغيّة رثّة غثّه متّسخة الأطمار ، مهيّجة الأشرار ، يسمّيها أهل هذه الكورة « سمانة » ، لغباوتها(1) وتهتّكها ، قد أسندت مكان الرمح إلى نحرها قصبا ، وقد شدّت وقاية لها حمرا(2) إلى طرف لها مكان اللواء ، فهي تقود جيوش الغاغة ، وتسوق عساكر الطغام إلى قصر المأمون، وهو قصر أبي مسلم في شاهجان.
قال : ورأيت المأمون متدرعا قد برز من قصر الشاهجان متوجّها للهرب ، فما شعرت إلاّ بشاجرد الحجّام قد رماه من بعض أعالي السطوح بلبنة ثقيله أسقطت عن رأسه بيضته بعد أن شقّت جلدة هامّته .
فقال بعض من عرف المأمون : ويلك أمير المؤمنين ، فسمعت سمانة ، فقالت : اسكت - لا أمّ لك - ليس هذا يوم التمييز والمحاباة ، ولا يوم إنزال الناس على طبقاتهم ومقاديرهم ، فلو كان هذا أمير المؤمنين لما سلّط ذكور الفجّار على فروج الأبكار .
وطرد المأمون أسوء طرد بعد إذلال واستخفاف شديد ، ونهبوا أمواله(3) .
ص: 182
فصلب المأمون أربعين غلاما وأسلى دهقان مرو ، وأمر أن يطول جدرانهم ، وعلم أنّ ذلك من استخفاف الرضا عليه السلام ، فانصرف ودخل عليه وحلّفه أن لا يقوم له ، وقبّل رأسه وجلس بين يديه ، وقال : لم تطب نفسي بعدُ مع هؤلاء ، فما ترى ؟
فقال الرضا عليه السلام : اتّق اللّه في أمّة محمد صلى الله عليه و آله ، وما ولاّك من هذا الأمر وخصّك به ، فإنّك قد ضيّعت أمور المسلمين ، وفوّضت ذلك إلى غيرك يحكم فيها بغير حكم اللّه - عزّ وجلّ - ، وقعدت في هذه البلاد ، وتركت دار الهجرة ومهبط الوحي ، وإنّ المهاجرين والأنصار يظلمون دونك ، ولا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمّة ، ويأتي على المظلوم دهر يتعب فيه نفسه ، ويعجز عن نفقته ، فلا يجد من يشكو إليه حاله ، ولا يصل إليه ، فاتّق اللّه - يا أمير المؤمنين - في أمور المسلمين ، وارجع إلى بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، وموضع المهاجرين والأنصار .
أما علمت - يا أمير المؤمنين - أنّ والي المسلمين مثل العمود في وسط الفسطاط ، مَن أراده أخذه ؟
فقال : نعم ما قلت - يا سيّدي - هذا هو الرأي ، وخرج يجهّز للرحيل .
وأتاه ذو الرياستين وقال : قتلت أمس أخاك ، وأظهرت اليوم عقد الرضا عليه السلام ، وأخرجت الخلافة من بني العباس ، أفترضي الناس عنك وهاهنا في حبسك أولياء أبيك نحو علي بن عمران وابن مؤنس والجلودي - وكانوا لم يدخلوا في عهد الرضا عليه السلام - .
ص: 183
فأمر بإحضار المحبوسين واحدا بعد واحد ، فأدخل عليه ابن عمران ، فخاض في عقده للرضا ، فأمر بقتله ، وثنّى بابن مؤنس بعد هجره في الرضا عليه السلام .
فلمّا أدخل الجلودي قال الرضا عليه السلام من كرمه : هبني هذا - وكان أغار ذلك في دور آل أبي طالب وقت خروج محمد بن أبي طالب وعرّى نساءهم - ، فقال : يا أمير المؤمنين ، باللّه لا تصغ إلى مقاله فيّ ، قال : نعم ، وأمر بقتله .
فاغتمّ بذلك ذو الرياستين ، فقال المأمون لتسليته : اكتب حجّة لك أن لا أعزلك ما دمت حيّا ، وكتب بما شاء ، فوقّع عليه أمير المؤمنين ! المأمون ، واستأذنه في توقيع الرضا عليه السلام ، فقال : إنّه لا يكتب ، فأتاه واستدعاه للتوقّع ، فأبى .
فكان ذو الرياستين يخلط على الرضا عليه السلام ، ويغيظ المأمون ، ويكتب إلى بغداد بأحواله .
فبويع إبراهيم بن المهدي ، وفيه قال دعبل :
يا معشر الأجناد لا تقنطوا
خذوا عطاياكم ولا تسخطوا
فسوف يعطيكم حنينية
يلذّها الأمرد والأشمط
والمعبديات لقوّادكم
لا تدخل الكيس ولا تربط
وهكذا يرزق أصحابه
خليفة مصحفه البربط
* * *
ص: 184
فلمّا سمع المأمون ذلك اغتمّ ، وأثّر فيه كلام ذو الرياستين وغيره ، فعزم على إهلاك الرضا(1) عليه السلام .
وفي رواية ياسر : إنّ الحسن بن سهل كتب إلى أخيه الفضل بن سهل في تحويل السنة ، فوجدت فيه : أنّك تذوق في شهر كذا يوم الأربعاء حرّ الحديد وحرّ النار ، وأرى أنّك تدخل أنت وأمير المؤمنين والرضا عليه السلام الحمّام ، وتحتجم فيه ليزول عنك نحسه .
فكتب الفضل إلى المأمون ، وكتب المأمون إلى الرضا عليه السلام بالحضور ، فأجابه الرضا عليه السلام : لست بداخل الحمّام غدا ، فأعاد عليه الرقعة مرّتين ، فأجابه : رأيت النبي صلى الله عليه و آله فنهاني عن ذلك .
فكتب إليه المأمون : صدقت ، وصدق رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لست بداخل الحمّام والفضل أعلم بما يفعله .
فلمّا غابت الشمس قال لنا الرضا عليه السلام : قولوا : نعوذ باللّه من شرّ ما ينزل في هذه الليلة ، فلم نزل نقول ذلك .
فلمّا صلّى الصبح قال : اصعد السطح فاستمع هل تجد شيئا ، فسمعت صيحة وكثرت ، فإذا نحن بالمأمون ، وقد دخل من بابه إلى الرضا عليه السلام ، وهو يقول :
ص: 185
يا أبا الحسن ، آجرك اللّه في الفضل ، فإنّه دخل الحمّام وقتلوه ، فأخذ ثلاثة ، أحدهم ابن خالة الفضل ذي القلمين .
قال : فشغب رجال الفضل على باب المأمون ، وجاءوا بالنيران ليحرقوا الباب ، وقالوا : هو اغتاله ، فقال المأمون : يا سيّدي ، ترى أن تخرج إليهم .
فركب أبو الحسن عليه السلام .
فلمّا ركب نظر إلى الناس ، فقال بيده : تفرّقوا ، فما أشار إلى أحد إلاّ ركض ومضى لوجهه يقع بعضهم على بعض(1) .
وأتى رجل من ولد الأنصار بحقّة فضّة مقفل عليها ، وقال : لم يتحفك أحد بمثلها ، ففتحها ، وأخرج منها سبع شعرات ، وقال : هذا شعر النبي صلى الله عليه و آله ، فميّز الرضا عليه السلام أربع طاقات منها ، وقال : هذا شعره ، فقبل في ظاهره دون باطنه .
ثمّ إنّ الرضا عليه السلام أخرجه من الشبهة بأن وضع الثلاثة على النار ، فاحترقت ، ثمّ وضع الأربعة ، فصارت كالذهب(2) .
ص: 186
علي بن إبراهيم ، قال : دخل أبو سعيد المكاري - وكان واقفيّا - على الرضا عليه السلام ، فقال له : أَبَلغ من قدرك أنّك تدّعي ما ادّعاه أبوك ؟!
فقال عليه السلام : ما لك أطفأ اللّه نورك ، وأدخل الفقر بيتك ؟ أما علمت أنّ اللّه - عزّ وجلّ - أوحى إلى عمران: إنّي واهب لك ذكرا يبرئ الأكمه والأبرص، فوهب له مريم ، ووهب لمريم عيسى عليهماالسلام ، فعيسى من مريم ، ومريم من عيسى ، فعيسى ومريم شيء واحد ، وأنا من أبي ، وأبي منّي ، وأنا وأبي شيء واحد .
فقال : أسألك عن مسأله ؟ فقال : سل ، لا أخالك تقبل منّي ، ولستَ من غنمي ، ولكن هلمّها .
قال : ما تقول في رجل قال عند موته : كلّ عبد لي قديم فهو حرّ لوجه اللّه ؟ . . المسألة .
قال : فخرج من عنده وذهب بصره ، وكان يسأل على الأبواب حتى مات(1) .
ولمّا نزل الرضا عليه السلام في نيسابور بمحلّة « فوزا » أمر ببناء حمّام ، وحفر
ص: 187
قناة ، وصنعة حوض فوقه مصلّى ، فاغتسل من الحوض ، وصلّى في المسجد ، فصار ذلك سنّة .
فيقال : « گرمابه رضا » ، و « آب رضا » ، و « حوض كاهلان » .
ومعنى ذلك : أنّ رجلاً وضع هميانا على طاقه واغتسل منه ، وقصد إلى مكّة ناسيا ، فلمّا انصرف من الحجّ أتى الحوض للغسل فرآه مشدودا(1) ، فسأل الناس عن ذلك ، فقالوا : قد آوى فيه ثعبان ، ونام على طاقه ، ففتحه الرجل ودخل في الحوض ، وأخرج هميانه وهو يقول : هذا من معجز الإمام عليه السلام .
فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا : « اي كاهلان(2) » ! ألاّ(3) يأخذوها ، فسمّي الحوض بذلك « كاهلان » ، وسمّيت المحلة « فوز » ، لأنّه فتح أوّلاً ، فصحّفوها وقالوا : « فوزا » .
وروي أنّه أتته ظبية فلاذت فيه .
قال ابن حمّاد :
الذي لاذ به الظبية والقوم جلوس
من أبوه المرتضى يزكو ويعلو ويروس
ص: 188
الكليني عن الحسين بن منصور عن أخيه ، قال : دخلت على الرضا عليه السلام في بيت داخل في جوف بيت ليلاً ، فرفع يده ، فكانت كأنّ في البيت عشرة مصابيح ، فاستأذن عليه رجل ، فخلاّ يده ، ثمّ أذن له(1) .
وعنه أنّه حمل إليه مالاً خطيرا ، قال : فلم أره سرّ به ، فاغتممت لذلك ، وقلت في نفسي : قد حملت مثل هذا المال ولم يسرّ به !
قال : فقال للغلام : صبّ عليّ الماء ، فجعل يسيل من بين أصابعه في الطشت ذهب ، ثمّ التفت إليّ ، فقال لي : من كان هكذا لا يبالي بالذي حملت إليه(2) .
وذكره أبو الحسن القزويني في بعض كتبه بالإسناد عن هرثمة بن أعين أنّه قال : حدّثني صبيح الديلمي :
أنّ المأمون دعاني البارحة في ثلاثين غلاما من ثقاته في الثلث الأوّل من الليل ، فأخذ علينا العهد ، وأمرنا أن نفتك بالرضا عليه السلام ، [ وقال :
ص: 189
]وقد جعلت لكلّ واحد منكم على هذا الفعل عشرة بدر دراهم ، وعشرة أضياع منتخبة ، والحظوة(1) عندي ما بقيت .
ففعلوا ذلك ، وزعموا أنّهم قطّعوه ، ثمّ طوّوا عليه بساطه ، ومسحوا أسيافهم ، وخرجوا حتى دخلوا على باب المأمون ، فقال : ما الذي صنعتم ؟ فقالوا : الذي أمرتنا به يا أمير المؤمنين ، فقال : أيّكم كان المسرع إليه ؟ فقالوا بأجمعهم : صبيح الديلمي ، فقال : لا - واللّه - ما مددت إليه يدا .
فجزّاني خيرا ، وقرّبني إليه ، ثمّ قال : لا تعيدوا عليّ الذي فعلتم ، فتبخسوا جعلكم ، وتتعجّلوا الفناء ، وتخسروا الآخرة والأولى .
فلمّا كان في بلج الفجر خرج المأمون ، فجلس في مجلسه مكشوف الرأس محلّل الأزرار ، وأظهر وفاته وقعد للتعزية ، فقبل أن يصل الناس إليه قام قائما يمشي إلى الدار ، فينظر إليه ، وأنا بين يديه .
فلمّا دخل في حجرته عليه السلام سمع همهمة فأراعه ، ثمّ قال : من عنده ؟ فقلنا : لا علم لنا يا أمير المؤمنين ، فقال : أسرعوا وانظروا .
قال صبيح : فأسرعت إلى البيت ، فإذا أنا بسيّدي جالس في محرابه يصلّي ويسبّح ، فانتفض المأمون وأرعد ، ثمّ قال : غررتموني لعنكم اللّه .
ثمّ التفت إليّ من بين الجماعة ، فقال لي : يا صبيح ، أنت تعرفه ، فانظر من المصلّي عنده ؟
ص: 190
قال صبيح : وتولّى المأمون راجعا ، فلمّا صرت بعتبة الباب قال لي : يا صبيح ، قلت : لبّيك يا مولاي ، وسقطت لوجهي ، فقال عليه السلام : قم يرحمك اللّه ، فارجع ، وقال : « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ » .
فرجعت إلى المأمون وحكيت له ، فانتعل وتعمّم ، ثمّ قال : اغلقوا عليّ الأبواب ، وافتحوا عليه ، وقولوا : كانت البارحة غشي على الرضا عليه السلام .
قال هرثمة : فرآني الرضا عليه السلام فقال : لا يضرّنا كيدهم شيئا « حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ » ، ونهاني عن إفشاء قول صبيح(1) .
أبو العباس الصولي يخاطب علي بن موسى الرضا عليهماالسلام ويفضّله على المأمون :
كفى بفعال امرئ عالم
على أهله عادلاً شاهدا
يرى لهم طارقا مونقا
ولا يشبه الطارق التالدا
يمنّ عليكم بأموالكم
وتعطون من مائة واحدا
فلا يحمد اللّه مستنصرا
يكون لأعدائكم حامدا
فضلت قسيمك في قعدد
كما فضّل الوالد الوالدا(2)
ص: 191
وكان الرضا عليه السلام والمأمون يجتمعان في الأب الثامن من عبد المطّلب ، كان يقول : فضّل أبوك علي عليه السلام أباه عبد اللّه بن عباس .
قال أبو بكر الخوارزمي :
يا هارون من أمره بدعة
جاورت قبرا قربه رفعة
تريد أن تفلح من أجله
لن تدخل الجنّة بالشفعة
* * *
وقال ابن حمّاد :
ساقها شوقي إلى طوس ومن تحويه طوس
مشهد فيه الرضا العالم والحبر النفيس
ذاك بحر العلم والحكمة إن قاس مقيس
ذاك نور اللّه لا يطفي له قطّ طميس
* * *
وقال الأديب :
تجوز زيارة قبر ابن حرب
وتربة حفص ويحيى بن يحيى
فلِمَ لا تجوز زيارة قبر
الإمام علي بن موسى الرضا
سليل البتول وسبط الرسول
ونجل أبي الحسن المرتضى
* * *
ص: 192
ص: 193
ص: 194
كان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كلّ شيء ، فيجيب فيه ، وكان كلامه كلّه وجوابه وتمثيله بآيات من القرآن .
وقال إبراهيم بن العباس : ما رأيته سئل عن شيء قطّ إلاّ علمه(1) .
الجلاء والشفاء : قال محمد بن عيسى اليقطيني : لمّا اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا عليه السلام جمعت من مسائله ممّا سئل عنه وأجاب فيه ثمانية عشر ألف مسألة(2) .
وقد روى عنه جماعة من المصنفين ، منهم : أبو بكر الخطيب في تاريخه ، والثعلبي في تفسيره ، والسمعاني في رسالته ، وابن المعتزّ في كتابه ، وغيرهم .
ص: 195
وذكر أبو جعفر القمّي في عيون أخبار الرضا عليه السلام :
إنّ المأمون جمع علماء سائر الملل ، مثل : الجاثليق ، ورأس الجالوت .
ورؤساء الصابئين ، منهم : عمران الصابي ، والهربذ الأكبر .
وأصحاب زرادشت ونسطاس الرومي .
والمتكلّمين ، منهم : سليمان المروزي .
ثمّ أحضر الرضا عليه السلام فسألوه ، فقطع الرضا عليه السلام واحدا بعد واحد(1) .
وكان المأمون أعلم خلفاء بني العباس ، وهو مع ذلك كلّه انقاد له اضطرارا حتى جعله وليّ عهده ، وزوّجه ابنته(2) .
وروى ابن جرير بن رستم الطبري ، عن أحمد الطوسي عن أشياخه في حديث : أنّه انتدب الرضا عليه السلام قوم يناظرونه في الإمامة عند المأمون ، فأذن لهم ، فاختاروا يحيى بن الضحّاك السمرقندي ، فقال : سل يا يحيى .
ص: 196
قال يحيى : بل سل أنت - يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله - لتشرّفني بذلك .
فقال عليه السلام : يا يحيى ، ما تقول في رجل ادّعى الصدق لنفسه ، وكذّب الصادقين ، أيكون صادقا محقّا في دينه أم كاذبا ؟
فلم يحر جوابا ساعة ، فقال المأمون : أجبه يا يحيى ، فقال : قطعني يا أمير المؤمنين .
فالتفت إلى الرضا عليه السلام ، فقال : ما هذه المسألة التي أقرّ يحيى بالانقطاع فيها ؟
فقال عليه السلام : إن زعم يحيى أنّه صدّق الصادقين ، فلا إمامة لمن شهد بالعجز على نفسه ، فقال على منبر الرسول صلى الله عليه و آله : « ولّيتكم ولست بخيركم » ، والأمير خير من الرعية ، وإن زعم يحيى أنّه صدّق الصادقين ، فلا إمامة لمن أقرّ على نفسه على منبر الرسول صلى الله عليه و آله : « أنّ لي شيطانا يعتريني » ، والإمام لا يكون فيه شيطان ، وإن زعم يحيى أنّه صدّق الصادقين ، فلا إمامة لمن أقرّ عليه صاحبه ، فقال : « كانت إمامة أبي بكر فلتة وقى اللّه شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه » .
فصاح المأمون عليهم ، فتفرّقوا ، ثمّ التفت إلى بني هاشم ، فقال لهم : ألم أقل لكم أن لا تفاتحوه ولا تجمعوا عليه ؟ فإنّ هؤلاء علمهم من علم رسول اللّه صلى الله عليه و آله(1) .
ص: 197
وفي كتاب الصفواني أنّه قال الرضا عليه السلام لابن قرّة النصراني : ما تقول في المسيح ؟ قال : يا سيّدي ، إنّه من اللّه .
فقال : ما تريد بقولك : «مِن » ؟ و « مِن » على أربعة أوجه لا خامس لها :
أتريد بقولك : « من » كالبعض من الكلّ ، فيكون مبعّضا .
أو كالخلّ من الخمر ، فيكون على سبيل الاستحالة .
أو كالولد من الوالد ، فيكون على سبيل المناكحة .
أو كالصنعة من الصانع ، فيكون على سبيل المخلوق من الخالق .
أو عندك وجه آخر فتعرّفناه ؟ فانقطع(1) .
ياسر الخادم ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : رأيت في النوم كأنّ قفصا فيه سبعة عشر قارورة ، إذ وقع القفص فتكسّرت القوارير ، فقال : إن صدقت رؤياك يخرج رجل من أهل بيتي يملك سبعة عشر يوما ، ثمّ يموت .
فخرج محمد بن إبراهيم بالكوفة مع أبي السرايا ، فمكث سبعة عشر يوما ، ثمّ مات(2) .
ص: 198
وكان الجاثليق يناظر المتكلّمين ، فيقول : نحن نتّفق على نبوّة عيسى عليه السلام وكتابه ، وأنّه حيّ في السماء ، ونختلف في بعثة محمد صلى الله عليه و آله ، ونتّفق في موته ، فما الذي يدلّ على نبوّته ؟ فيحيّرهم .
فأُحضر عند الرضا عليه السلام والمأمون ، فقال : ما تقول في نبوّة عيسى عليه السلام وكتابه ؟ هل تنكر منهما شيئا ؟
فقال الرضا عليه السلام : أنا مقرّ بنبوّة عيسى عليه السلام وكتابه ، وما بشّر به أمّته ، وأقرّ
به الحواريّون ، وكافر بنبوّة كلّ عيسى عليه السلام لم يقرّ بنبوّة محمد صلى الله عليه و آله وكتابه ، ولم يبشّر به أمّته ، فانقطع .
ثمّ قال الرضا عليه السلام : يا نصراني ، واللّه إنّا لنؤمن بعيسى عليه السلام الذي آمن بمحمد صلى الله عليه و آله ، وما ننقم على عيساكم إلاّ ضعفه ، وقلّة صيامه وصلاته ، فقال : واللّه ، ما زال عيسى عليه السلام صائم النهار ، قائم الليل .
قال عليه السلام : لِمن كان يصلّي ويصوم ؟ فخرس .
وقال الجاثليق : مَن أحيى الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص مستحقّ أن يعبد .
فقال الرضا عليه السلام : فإن اليسع صنع ما صنع ، مشى على الماء ، وأبرأ الأكمه والأبرص ، وحزقيل أحيى خمسة وثلاثين ألف رجل من بعد
ص: 199
موتهم بستّين سنة ، وقوم بني إسرائيل خرجوا من بلادهم من الطاعون « وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ » ، فأماتهم اللّه في ساعة واحدة ، فأوحى اللّه إلى نبيّ مرّ على عظامهم بعد سنين : أن نادهم ، فقال : أيّتها العظام البالية ، قومي بإذن اللّه ، فقاموا .
وذكر عليه السلام حديث إبراهيم عليه السلام والطير : « فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ » ، وحديث موسى عليه السلام : « وَاخْتارَ مُوسى » لمّا قالوا : « لَنْ نُؤمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً »فاحترقوا ، فأحياهم اللّه من بعد قول موسى عليه السلام : « لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ » ، وسؤال قريش رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يحييهم .
ثمّ قال : والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان قد نطقت به ، فإن كان مَن أحيى الموتى يتّخذ ربّا من دون اللّه ، فاتّخذوا هؤلاء كلّهم أربابا ، فأسلم النصراني(1) .
الفضل بن سهل : قال الرضا عليه السلام لرأس الجالوت : هل تنكر أنّ التوراة تقول : جاء النور من جبل طور سيناء ، وأضاء للناس(2) من جبل ساعير ، واستعلن لنا من بجل فاران ؟ قال رأس الجالوت : اعرف هذه الكلمات ، وما أعرف تفسيرها .
ص: 200
قال الرضا عليه السلام : أنا أخبرك :
أمّا قوله : « جاء النور من طور سيناء » ، فذلك وحي اللّه الذي أنزله على موسى عليه السلام على جبل طور سيناء .
وأمّا قوله : « وأضاء للناس من جبل ساعير » ، فهو الجبل الذي أوحى إلى عيسى عليه السلام ، وهو عليه .
وأمّا قوله : « واستعلن لنا من جبل فاران » ، فذلك جبل من جبال مكّة ، وبينهما يوم(1) .
الأشعث بن حاتم : سئل الرضا عليه السلام بمرو على مائدة عليها المأمون والفضل : النهار خلق قبل أم الليل ؟ قال عليه السلام : أمِن القرآن ؟ أم من الحساب ؟ فقال الفضل : من كليهما .
فقال عليه السلام : قد علمت أنّ طالع الدنيا السرطان والكواكب في موضع شرفها ، فزحل في الميزان ، والمشتري في السرطان ، والشمس في الحمل ، والقمر في الثور ، فذلك يدلّ على كينونة الشمس في الحمل في العاشرة في وسط السماء ، ويوجب ذلك أنّ النهار خلق قبل الليل .
وأمّا دليل ذلك من القرآن : فقوله تعالى : « لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ »(2) .
ص: 201
كافي الكليني : أنّه سئل الرضا عليه السلام عن وقت التزويج بالليل ؟
فقال : لأنّ اللّه - تعالى - جعل الليل سكنا ، والنساء إنّما هنّ سكن(1) .
وسئل عليه السلام عن طعم الخبز والماء ؟
فقال : الماء طعم الحياة(2) ، وطعم الخبز طعم العيش .
وممّا أجاب عليه السلام بحضرة المأمون لصباح بن نصر الهندي وعمران الصابي عن مسائلهما .
قال عمران : العين نور مركّبة ، أم الروح تبصر الأشياء من منظرها ؟
قال : العين شحمة ، وهو البياض والسواد ، والنظر للروح ، دليله : أنّك تنظر فيه فترى صورتك في وسطه ، والإنسان لا يرى صورته إلاّ في ماء أو مرآة ، وما أشبه ذلك .
قال صباح : فإذا عميت العين كيف صارت الروح قائمة والنظر ذاهب ؟ قال عليه السلام : كالشمس طالعة يغشاها الظلام .
ص: 202
قال : أين تذهب الروح ؟ قال : أين يذهب الضوء الطالع من الكوّة في البيت إذا سدّت الكوة ؟
قال : أوضح لي ، قال عليه السلام : الروح مسكنها في الدماغ ، وشعاعها منبث في الجسد بمنزلة الشمس دارتها في السماء وشعاعها منبسط في الأرض ، فإذا غابت الدائرة فلا شمس ، وإذا قطع الرأس فلا روح .
قالا : فما بال الرجل يلتحى دون المرأة ؟ قال : زيّن اللّه الرجال باللحى ، وجعلها فضلاً يستدلّ بها على الرجال من النساء .
قال عمران : ما بال الرجل إذا كان مؤنّثا ، والمرأة إذا كانت مذكّرة ؟
قال عليه السلام : علّة ذلك أنّ المرأة إذا حملت وصار الغلام في الرحم موضع الجارية كان مؤنّثا ، وإذا صارت الجارية موضع الغلام كانت مذكّرة ، وذلك أنّ موضع الغلام في الرحم ممّا يلي ميامنها ، والجارية ممّا يلي مياسرها ، وربما ولدت المرأة ولدين في بطن واحد ، فإن عظم ثدياها جميعا تحمل توأمين ، وإن عظم أحد ثدييها كان ذلك دليلاً على أنّه تلد واحدا ، إلاّ أنّه إذا كان الثدي الأيمن أعظم كان المولود ذكرا ، وإذا كان الأيسر أعظم كان المولود أنثى ، وإذا كانت حاملاً فضمر ثديها الأيمن ، فإنّها تسقط غلاما ، وإذا ضمر ثديها الأيسر ، فإنّها تسقط أنثى ، وإذا ضمرا جميعا تسقطهما جميعا .
قالا : من أيّ شيء الطول والقصر في الإنسان ؟
فقال عليه السلام : من قبل النطفة إذا خرجت من الذكر فاستدارت جاء القصر ، وإن استطالت جاء الطول .
ص: 203
قال صباح : ما أصل الماء ؟
قال عليه السلام : أصل الماء خشية اللّه ، بعضه من السماء ، ويسلكه في الأرض ينابيع ، وبعضه ماء عليه الأرضون ، وأصله واحد عذب فرات .
قال : فكيف منها عيون نفط وكبريت ، ومنها قار وملح ، وأشبه ذلك ؟
قال عليه السلام : غيّره الجوهر ، وانقلبت كانقلاب العصير خمرا ، وكما انقلبت الخمر فصارت خلاًّ ، وكما يخرج من بين فرث ودم لبنا خالصا .
قال : فمن أين أخرجت أنواع الجوهر ؟
قال : انقلبت منها كانقلاب النطفة علقة ، ثمّ مضغة ، ثمّ خلقة مجتمعة مبنيّة على المتضادّات الأربع .
قال عمران : إذا كانت الأرض خلقت من الماء ، والماء البارد رطب ، فكيف صارت الأرض باردة يابسة ؟
قال عليه السلام : سلبت النداوة فصارت يابسه .
قال : الحرّ أنفع أم البرد ؟
قال : بل الحرّ أنفع من البرد ، لأنّ الحرّ من حرّ الحياة ، والبرد من برد الموت ، وكذلك السموم القاتلة الحارّ منها أسلم وأقلّ ضررا من السموم الباردة .
وسألاه عن علّة الصلاة ؟
فقال : طاعة أمرهم بها ، وشريعة حملهم عليها ، وفي الصلاة توقير له وتبجيل وخضوع من العبد إذا سجد ، والإقرار بأنّ فوقه ربّا يعبده ويسجد له .
ص: 204
وسألاه عن الصوم ؟
فقال عليه السلام : امتحنهم بضرب من الطاعة كيما ينالوا بها عنده الدرجات ، ليعرّفهم فضل ما أنعم عليهم من لذّة الماء وطيب الخبز ، وإذا عطشوا يوم صومهم ذكروا يوم العطش الأكبر في الآخرة ، وزادهم ذلك رغبة في الطاعة .
وسألاه لم حرّم الزنا ؟
قال : لما فيه من الفساد وذهاب المواريث وانقطاع الأنساب ، لا تعلم المرأة في الزنا مَن أحبلها ، ولا المولود يعلم من أبوه ، ولا أرحام موصولة ، ولا قرابة معروفة .
أبو إسحاق الموصلي : إنّ قوما ممّا وراء النهر سألوا الرضا عليه السلام عن الحور العين ممّ خلقن ؟ وعن أهل الجنّة إذا دخلوها أوّل ما يأكلون ؟ وعن معتمد ربّ العالمين أين كان ؟ وكيف كان ؟ إذ لا أرض ولا سماء ولا شيء ؟ .
فقال عليه السلام : أمّا الحور العين ، فإنّهنّ خلقن من الزعفران والتراب لا يفنين .
وأمّا أوّل ما يأكل أهل الجنّة ، فإنّهم يأكلون أوّل ما يدخلونها من كبد الحوت التي عليها الأرض .
وأمّا معتمد الربّ - عزّ وجلّ - ، فإنّه أيّن الأين ، وكيّف الكيف ، وإنّ ربّي بلا أين ولا كيف ، وكان معتمده على قدرته سبحانه وتعالى .
ص: 205
وفيما كتب عليه السلام إلى محمد بن سنان في علّة الوضوء : إنّه لقيامه بين يدي اللّه - عزّ وجلّ - واستقباله إيّاه بجوارحه الطاهرة ، وملاقاته بها الكرام الكاتبين ، فغَسل الوجه للسجود والخضوع ، وغسل اليد ليقلبهما(1) ويرغب بهما ويرهب ويبتهل بهما ، ومسح الرأس والقدمين ، لأنّه ظاهر مكشوف مستقبل بهما في حالاته ، وليس فيها من الخضوع والتبتّل ما في الوجه والذراعين(2) .
وقيل للنبي صلى الله عليه و آله : لأيّ علّة تغسل هذه المواضع الأربع ، وهي أنظف المواضع في الجسد ؟ فقال النبي صلى الله عليه و آله : لمّا أن وسوس الشيطان إلى آدم عليه السلام
دنا من الشجرة ونظر إليها ذهب ماء وجهه ، ثمّ قام ومشى إليها ، وهي أوّل قدم مشت إلى الخطيئة ، ثمّ تناول بيده منها ما عليها ، فأكل وطار الحليّ والحلل عن جسده ، فوضع آدم يده على أمّ رأسه وبكى ، فلمّا تاب اللّه عليه فرض عليه وعلى ذرّيته غسل هذه الجوارح الأربعة ، فأمره بغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة ، وأمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول بيده منها ، وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على أمّ رأسه ، وأمره بمسح القدمين لما مشى بهما إلى الخطيئة(3) .
ص: 206
وفيما كتب الرضا عليه السلام إلى محمد بن سنان : علّة غسل الجنابة النظافة وتطهير الإنسان نفسه ممّا أصابه من أذى وتطهير سائر جسده ، لأنّ الجنابة خارج من كلّ جسده ، فلذلك وجب عليه تطهير جسده كلّه .
وعلّة التخفيف في البول والغائط ، لأنّه أكثر وأدوم من الجنابة ، فرضي فيه بالوضوء ، لكثرته ومشقّته ومجيئه بغير إرادة منه ولا شهوة ، والجنابة لا تكون إلاّ بالاستلذاذ منه ، والإكراه لأنفسهم(1) .
وكان عليه السلام قال في جواب الصابيء : الجنابة بمنزلة الحيض ، وذلك أنّ النطفة دم لم يستحكم ، ولا يكون الجماع إلاّ بحركة شديدة ، وشهوة غالبة ، فإذا فرغ ، تنفّس البدن ، فوجد له الرجل من نفسه رائحة كريهة مع دم قد ينشقّ عن النطفة ، فوجب الغسل لذلك .
وغسل الجنابة مع ذلك أمانة امتحنهم اللّه بها ، فأمر اللّه عبيده ليختبرهم بها(2) .
وقال في علّة غسل الميّت : لأنّه تطهّر وتنظّف من أدناس أمراضه ،
ص: 207
ولأنّه يلقى الملائكة ويباشر أهل الآخرة(1) .
وفي رواية : إنّه يخرج منه الأذى(2) الذي منه خلق(3) .
قال : وعلّة غسل العيد ويوم الجمعة تعطيف العبد ربّه ، واستقباله الجليل الكريم ، وطلبه المغفرة لذنوبهم ، وليكون لهم يوم عيد معروف يجتمعون فيه على ذكر اللّه ، وليكون ذلك طهارة لهم من الجمعة إلى الجمعة .
وفي رواية عن بعضهم عليهم السلام : أنّه كان الناس يتأذّون من روائح من يسقي بالنواضح ، فأمر النبي صلى الله عليه و آله بالغسل في يوم الجمعة(4) .
قال عليه السلام : والعلّة في أنّ البيّنة في جميع الحقوق على المدّعي واليمين على المدّعى عليه ما خلا الدم ، لأنّ المدّعى عليه جاحد ، ولا يمكنه إقامة البيّنة على الجحود ، لأنّه مجهول .
ص: 208
وصارت البيّنة في الدم على المدّعى عليه واليمين على المدّعي ، لأنّه حوط يحتاط به المسلمون ، لئلاّ يبطل دم امرئ مسلم ، وليكون ذلك زاجرا وناهيا للقاتل ، لشدّة إقامة البيّنة عليه ، لأنّ من شهد عليه أنّه لم يفعل قليل(1) .
وأمّا علّة القسامة أن جعل خمسين رجلاً ، فلِما في ذلك من التغليظ والتشديد والاحتياط ، لئلاّ يهدر دم امرئ مسلم(2) .
قال عليه السلام : وعلّة شهادة امرأتين شهادة رجل واحد ، لأنّها نصف رجل في سهم المواريث ، ولأنّ المرأة لا تحفظ حفظ الرجل ، فتذكّر إحداهما الأخرى .
قال : وعلّة شهادة أربعة في الزنا وإثنين في سائر الحقوق ، لشدّة حدّ المحصن ، لأنّ فيه القتل ، فجعل الشهادة فيه مضاعفة ومغلظة ، ولأنّ الزنا يقام على إثنين ، فاحتيج لكلّ واحد منهما شاهدين ، لأنّهما حدّان(3) .
ص: 209
وسئل الصادق عليه السلام عن ذلك ، فقال : إنّ اللّه - تعالى - أحلّ لكم المتعة ، وعلم أنّها ستنكر عليكم ، فجعل الأربعة إحتياطا لكم(1) .
وفيما كتب الرضا عليه السلام : وحرّم سباع الطير والوحش كلّها ، لأكلها الأقذار من الجيف ولحوم الناس والعذرة ، وما أشبه ذلك(2) .
قال : وحرّم اللّه الميتة لما فيها من الإفساد(3) للأبدان والآفة ، ولما أراد اللّه أن يجعل التسمية سببا للتحليل ، وفرقا بينها وبين الحلال والحرام .
وحرّم الدم كتحريم الميتة ، لأنّه يورث القساوة ، ويعفّن البدن ويغيره(4) .
قال : وعلّة تحليل مال الولد للوالد بغير إذنه ، وليس ذلك للولد ، لأنّ
ص: 210
الولد موهوب للوالد في قول اللّه تعالى : « يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ » ، مع أنّه المأخوذ بمؤنته صغيرا وكبيرا ، والمنسوب إليه ، والمدعوّ به ، لقول اللّه تعالى : « ادْعُوهُمْ لآِبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ » ، وقول النبي صلى الله عليه و آله : أنت ومالك لأبيك .
وليست الوالدة كذلك ، فلا يحلّ لها أن تأخذ من ماله إلاّ بإذنه ، أو بإذن الأب ، لأنّ الأب مأخوذ بنفقة الولد ، ولا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها(1) .
وسئل عليه السلام عن علّة وجوب المهر على الرجال ؟ قال : لأنّ على الرجل مؤنة المرأة ، ولأنّ المرأة بائعة نفسها والرجل مشتر ، ولا يكون البيع بلا ثمن ، ولا الشراء بغير إعطاء الثمن ، مع أنّ النساء محصورات عن التعامل والذهاب والمجيء مع علل كثيرة(2) .
قال عليه السلام : وعلّة تزويج الرجل أربع نسوة والتحريم أن تتزوّج المرأة أكثر من واحد ، لأنّ الرجل إذا تزوّج أربعة كان الولد منسوبا إليه ، والمرأة لو كان لها زوجان أو أكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو ،
ص: 211
إذ هم مشتركون في نكاحها ، وفي ذلك فساد الأنساب(1) والمواريث والتعارف(2) .
قال : وتحليل أربع نسوة لرجل واحد لأنّهنّ أكثر من الرجال(3) .
قال عليه السلام : وعلّة تزويج العبد إثنتين لا أكثر منه ، لأنّه نصف رجل في النكاح والطلاق ، لا يملك نفسه(4) .
قال عليه السلام : وعلّة الطلاق ثلاثا لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث ، لرغبة تحدث ، أو سكون غضب إن كان ، وليكون ذلك تخفيفا وتأديبا للنساء ، وزاجرا لهنّ عن معصية أزواجهنّ ، فإذا مضت المرأة على معصية زوجها استحقّت الفرقة والمباينة ، لدخولها فيما لا ينبغي ، ومعصية زوجها(5) .
قال عليه السلام : وعلّة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات ، فلأجل عقوبة ، لئلاّ
ص: 212
يتلاعب بالطلاق ، ولا يستضعف المرأة ، وليكون ناظرا في أموره متّعظا معتبرا ، وإياسا لهم من الاجتماع بعد تسع تطليقات(1) .
قال عليه السلام : وعلّة طلاق المملوك إثنتين ، لأنّ طلاق الأمة على النصف جعله إثنتين إحتياطا لكمال الفرائض ، كذلك في الفرق عند عدّة المتوفّى عنها زوجها(2) .
قال عليه السلام : حرّم اللّه الزنا لما فيه من الفساد ، ومن ذهاب الأنساب ، وترك التربية للأطفال ، وفساد المواريث ، وما أشبه ذلك(3) .
قال عليه السلام : وعلّة ضرب الزاني مائة على جسده بأشدّ الضرب ، لمباشرته الزنا ، واستلذاذ الجسد كلّه ، فجعل الضرب عقوبة له وعبرة لغيره ، وهو أعظم الجنايات(4) .
ص: 213
قال عليه السلام : وحرّم قذف المحصنات لما فيه فساد الأنساب ، ونفي الولد ، وإبطال المواريث ، وترك التربية ، وذهاب المعارف ، ولما فيه من التعاير ، والعلل التي ترد إلى فساد الخلق(1) .
قال عليه السلام : وعلّة قطع اليمين من السارق ، لأنّه يباشر الأشياء بيمينه ، وهي أفضل أعضائه ، وأنفعها له ، فجعل قطعها نكالاً له ، وعبرة للخلق ، ليمتنعوا من أخذ الأموال من غير حلّها ، ولأنّه أكثر ما يباشر السرقة بيمينه(2) .
قال عليه السلام : وحرّم اللّه عقوق الوالدين لما فيه من الخروج من التوقير للّه ، والتوقير للوالدين ، وكفر النعمة ، وإبطال الشكر ، وما يدعو من ذلك إلى قلّة النسل(3) .
قال عليه السلام : وحرّم لحم البغال والحمير الأهلية ، لحاجة الناس إلى ظهورها
ص: 214
واستعمالها ، والخوف من فنائها لقلّتها ، لا لقذر خلقها ، ولا لقذر غذائها(1) .
وعن أبي جعفر عليه السلام : وليست الحمر بحرام ، ثمّ قرأ « لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً »(2) .
وسئل عن علّة الخنثى في الناس والبهائم ؟ قال : علّة ذلك أنّ اللّه أراد أن يعرّف قدرته فيهم أنّه قادر ، يعني على الزيادة والنقصان .
امتحان الفقهاء : رجل حضرته الوفاة ، فقال عند موته : لفلان عندي ألف درهم إلاّ قليلاً ، كم القليل ؟ قال : القليل هو النصف ، لقوله تعالى : « يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً نِصْفَهُ » ، بالأثر عن الرضا عليه السلام .
قال دعبل :
أربع بطوس على قبر الزكيّ بها
إن كنت تربع من دين على وطر
قبران في طوس خير الناس كلّهم
وقبر شرّهم هذا من العبر
ص: 215
ما ينفع الرجس من قرب الزكيّ ولا
على الزكيّ بقرب الرجس من ضرر
هيهات كلّ امرئ رهن بما كسبت
له يداه فخذ ما شئت أو فذر
* * *
وقال محمد بن حبيب الضبّي :
قبران في طوس الهدى في واحد
والغي في لحد ثراه ضرام
قرب الغوي من الزكي مضاعف
لعذابه ولأنفه الإرغام
* * *
وقال علي بن أحمد الحواقي :
يا أرض طوس سقاك اللّه رحمته
ماذا حويت من الخيرات يا طوس
طابت بقاعك في الدنيا وطيّبها
شخص زكيّ بسنآباذ مرموس
شخص عزيز على الإسلام مصرعه
في رحمة اللّه مغمور ومغموس
يا قبر إنّك قبر قد تضمّنه
علم وحلم وتطهير وتقديس
فافخر بأنّك مغبوط بجثّته
وبالملائكة الأبرار محروس
ص: 216
[ في كلّ عصر لنا منكم إمام هدى
فربعه آهل منكم ومأنوس
أمست نجوم سماء الدين آفلة
وظلّ أسد الشرى قد ضمّها الخيس
غابت ثمانية منكم وأربعة
يرجى مطالعها ما حنّت العيس
حتى متى يظهر الحقّ المنير بكم
فالحقّ في غيركم داج ومطموس (1)]
* * *
وقال المشيع :
يا بقعة مات بها سيّد
ما مثله في الناس من سيّد
مات الهدى من بعده والندى
وشمّر الموت به يقتدي
لا زال غيث اللّه يا قبره
عليك منه رائحا يغتدي
إنّ عليّا ابن موسى الرضا
قد حلّ والسؤود في ملحد
* * *
وقال الحميري :
فطوبى لمن أمسى لآل محمد
وليّا إماماه شبير وشبر
وقبلهما الهادي وصيّ محمد
علي أمير المؤمنين المطهّر
ومن نسله طهر فروع أطايب
أئمّة حقّ أمرهم يتنظر
ص: 217
وقال بعض البصريّين :
خذا بيدي يا آل بيت محمد
إذا زلّت الأقدام في غدوة الغد
أبى القلب إلاّ حبّكم وولاءكم
وما ذاك إلاّ من طهارة مولدي
* * *
ص: 218
ص: 219
ص: 220
كان عليه السلام يختم القرآن في كلّ ثلاث ، ويقول : لو أردت أن أختم في أقلّ من ثلاث لختمت ، ولكن ما مررت بآية قطّ إلاّ فكّرت فيها ، وفي أيّ شيء أنزلت ، وفي أيّ وقت ، فلذلك صرت أختمه في ثلاث(1) .
وقال إبراهيم بن العباس : ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا عليه السلام ، ما جفا أحدا ، ولا قطع على أحد كلامه ، ولا ردّ أحدا عن حاجة ، وما مدّ رجليه بين يدي جليس ، ولا اتّكى قبله ، ولا شتم مواليه ومماليكه ، ولا قهقه في ضحكه ، وكان يجلس على مائدة مماليكه ومواليه .
قليل النوم بالليل ، يحيي أكثر لياليه من أوّلها إلى آخرها ، كثير الصوم ، كثير المعروف والصدقة في السرّ ، وأكثر ذلك في الليالي المظلمة(2) .
ص: 221
محمد بن عباد، قال: كان جلوس الرضا عليه السلام على حصير في الصيف، وعلى مسح في الشتاء ، ولبسه الغليظ من الثياب ، حتى إذا برز للناس تزيّا(1)(2) .
ولقيه سفيان الثوري في ثوب خزّ ، فقال : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ! لو لبست ثوبا أدنى من هذا !! فقال : هات يدك ، فأخذ بيده ، وأدخل كمّه ، فإذا تحت ذلك مسح .
فقال : يا سفيان الخزّ للخلق والمسح للحقّ .
يعقوب بن إسحاق النوبختي ، قال : مرّ رجل بأبي الحسن الرضا عليه السلام ، فقال له : أعطني على قدر مروّتك ، قال عليه السلام : لا يسعني ذلك ، فقال : على قدر مروّتي ، قال : إذا فنعم ، ثمّ قال : يا غلام اعطه مائتي دينار(3) .
اليسع بن حمزة في حديثه : إنّ رجلاً قال له : السلام عليك يا ابن رسول
ص: 222
اللّه صلى الله عليه و آله ، أنا رجل من محبّيك ، ومحبّي آبائك ، مصدري من الحجّ ، وقد نفدت نفقتي ، وما معي ما أبلغ مرحلة ، فإن رأيت أن تهيّئني إلى بلدي - وللّه عليّ نعمة - فإذا بلغت بلدي تصدّقت بالذي تولّيني عنك ، فلستُ موضع صدقة .
فقام عليه السلام فدخل الحجرة ، وبقى ساعة ، ثمّ خرج ، وردّ الباب ، وأخرج يده من أعلى الباب ، فقال : خذ هذه المائتي دينار فاستعن بها في أمورك ونفقتك ، وتبرّك بها ، ولا تتصدّق بها عنّي ، اخرج ولا أراك ولا تراني .
فلمّا خرج سئل عن ذلك ، فقال : مخافة أن أرى ذلّ السؤال في وجهه لقضاء حاجته ، أما سمعت حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله : المستترّ بالحسنة تعدل سبعين حجّة ، والمذيع بالسيّئة مخذول ، والمستترّ بها مغفور ، أما سمعت قول الأوّل :
متى آته يوما أطالب حاجة
رجعت إلى أهلي ووجهي بمائه(1)
* * *
وفرّق عليه السلام بخراسان ماله كلّه في يوم عرفة ، فقال له الفضل بن سهل : إنّ هذا لمغرم ، فقال : بل هو المغنم ، لا تعدّنّ مغرما ما ابتغيت به أجرا وكرما(2) .
ص: 223
إبراهيم بن العباس : كان الرضا عليه السلام إذا جلس على مائدته أجلس عليها مماليكه حتى السائس والبوّاب(1) .
وله
عليه السلام :
لبست بالعفّة ثوب الغنى
وصرت أمشي شامخ الرأس
لست إلى النسناس مستأنسا
لكنّني آنس بالناس
إذا رأيت التيه من ذي الغنى
تهت على التائه بالياس
ما إن تفاخرت على معدم
ولا تضعضعت لإفلاس
* * *
ودخل زيد بن موسى بن جعفر عليهماالسلام على المأمون فأكرمه ، وعنده الرضا عليه السلام ، فسلّم زيد عليه فلم يجبه ، فقال : أنا ابن أبيك ، ولا تردّ عليّ سلامي ؟
فقال عليه السلام : أنت أخي ما أطعت اللّه ، فإذا عصيت اللّه فلا إخاء بيني وبينك(2).
ص: 224
وذكر ابن الشهرزوري في مناقب الأبرار : إنّ معروف الكرخي كان من موالي علي بن موسى الرضا عليهماالسلام ، وكان أبواه نصرانيّين ، فسلّما معروفا إلى المعلّم ، وهو صبي ، فكان المعلّم يقول له : قل : ثالث ثلاثة ، وهو يقول : بل هو الواحد ، فضربه المعلّم ضربا مبرحا ، فهرب(1) ، ومضى إلى الرضا عليه السلام ، وأسلم على يده .
ثمّ إنّه أتى داره ، فدقّ الباب ، فقال أبوه : من بالباب ؟ فقال : معروف ، فقال : على أيّ دين ؟ قال : على ديني الحنيفي ، فأسلم أبوه ببركات الرضا عليه السلام .
قال معروف : فعشت زمانا ، ثمّ تركت كلّما كنت فيه إلاّ خدمة مولاي علي بن موسى الرضا(2) عليهماالسلام .
ودخل عليه السلام الحمّام ، فقال له بعض الناس : دلّكني يا رجل ، فجعل يدلّكه ، فعرّفوه ، فجعل الرجل يستعذر منه ، وهو يطيب قلبه ويدلّكه .
وفي المحاضرات : إنّه ليس في الأرض سبعة أشراف عند الخاصّ والعامّ
ص: 225
كتب عنهم الحديث إلاّ علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام(1) .
قال عبد اللّه بن المبارك :
هذا علي والهدى يقوده
من خير فتيان قريش عوده(2)
* * *
هشام بن أحمد ، قال أبو الحسن الأوّل عليه السلام : هل علمت أحدا من أهل المغرب قدم ؟ قلت : لا ، قال : بلى ، قد قام رجل من أهل المغرب إلى المدينة ، فانطلق بنا .
فركب وركبت معه حتى انتهينا إلى الرجل ، فاستعرضت منه جارية ، فعرض علينا سبع جواري ، كلّ ذلك يقول أبو الحسن عليه السلام : لا حاجة لي فيها ، ثمّ قال : اعرض علينا ، فقال : ما عندي إلاّ جارية مريضة ، فقال له : ما عليك أن تعرضها ؟ فأبى عليه ، فانصرف .
ثمّ أرسلني من الغد ، فقال لي : قل له : كم غايتك فيها ؟ فإذا قال لك : كذا وكذا ، فقل : قد أخذتها ، قال : هي لك ، ولكن أخبرني مَن الرجل الذي كان معك أمس ؟ قلت : رجل من بني هاشم .
ص: 226
قال : أخبرك أنّي اشتريتها من أقصى المغرب ، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب ، فقالت : ما هذه الوصيفة معك ؟ قلت : اشتريتها لنفسي ، قالت : ما ينبغي أن تكون هذه عند مثلك ، إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض ، فلم تلبث عنده إلاّ قليلاً حتى تلد غلاما لم يولد بشرق الأرض ولا غربها مثله ، فولدت له الرضا(1) عليه السلام .
وعزّى أبو العيناء ابن الرضا عليه السلام عن أبيه ، قال له : أنت تجلّ عن وصفنا ، ونحن نقلّ عن عظتك ، وفي علم اللّه ما كفاك ، وفي ثواب اللّه ما عزّاك .
والأصل في مسجد زرد(2) في كورة مرو أنّه صلّى فيه الرضا عليه السلام ، فبنى مسجدا ، ثمّ دفن فيه ولد الرضا عليه السلام ، ويروى فيه من الكرامات .
أبو الصلت وياسر وغيرهما : إنّ المأمون قال للرضا عليه السلام : يا ابن رسول
ص: 227
اللّه صلى الله عليه و آله ، قد عرفت فضلك وعلمك وزهدك وورعك وعبادتك ، وأراك أحقّ بالخلافة منّي ، فقال الرضا عليه السلام : بالعبوديّة للّه أفتخر ، وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شرّ الدنيا ، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم ، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند اللّه .
فقال له المأمون : فإنّي قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة ، وأجعلها لك وأبايعك ، فقال له الرضا عليه السلام : إن كانت هذه الخلافة لك ، فلا يجوز أن تخلع لباسا ألبسكه اللّه وتجعله لغيرك ، وإن كانت الخلافة ليست لك ، فلا يجوز أن تجعل لي ما ليس لك .
فقال المأمون : لابدّ لك من قبول هذا الأمر ، فقال : لست أفعل ذلك طائعا أبدا .
فما زال يجهد به أيّاما ، والفضل والحسن يأتيانه حتى يئس من قبوله ، فقال : فكُن وليّ عهدي .
فقال الرضا عليه السلام : واللّه لقد حدّثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين عن رسول اللّه - صلوات اللّه عليهم - أنّي أخرج من الدنيا قبلك مقتولاً بالسمّ مظلوما ، تبكي عليّ ملائكة السماء والأرض ، وأدفن في أرض غربة إلى جنب هارون .
فقال : ومن الذي يقتلك أو يقدر على الإساءة إليك وأنا حيّ ؟! قال : أما إنّي لو أشاء أن أقول من الذي يقتلني لقلت ، فقال : إنّما تريد التخفيف عن نفسك بهذا !
ص: 228
قال : وإنّي لأعلم ما تريد بذلك ، أن تقول للناس : إنّ علي بن موسى لم يزهد في الدنيا ، بل الدنيا زهدت فيه ، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة ؟!
فقال المأمون : إنّ عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستّة نفر ، وشرط فيمن خالف منهم أن يضرب عنقه ، فباللّه أقسم لئن قبلت ولاية العهد ، وإلاّ أجبرتك على ذلك ، فإن فعلت وإلاّ ضربت عنقك .
فقال الرضا عليه السلام : إنّ اللّه نهاني أن ألقي بيدي إلى التهلكة ، فإن كان الأمر على هذا ، فافعل ما بدا لك ، وأنا أقبل ولاية العهد على أنّني لا آمر ولا أنهى ، ولا أُفتي ولا أقضي ، ولا أولّي ولا أعزل ، ولا أغيّر شيئا ممّا هو قائم .
فأجابه المأمون إلى ذلك كلّه ، وخرج ذو الرياستين قائلاً : واعجبا ، وقد رأيت عجبا ، رأيت المأمون أمير المؤمنين يفوّض أمر الخلافة إلى الرضا عليه السلام ، ورأيت الرضا عليه السلام يقول : لا طاقة لي بذلك ، ولا قوّة لي عليه ، فما رأيت خلافة قطّ كانت أضيع منه(1) .
ثمّ إنّه خرج الفضل ، فأعلم الناس برأي المأمون في علي بن موسى الرضا عليهماالسلام ، وأنّه قد ولاّه عهده ، وسمّاه الرضا !!
قال العوني :
ذاك الذي آثره المأمون بال-
-عهد وسمّاه الرضا لما اختبر
* * *
ص: 229
وأمرهم بلبس الخضرة ، والعود لبيعته في الخميس على أن يأخذوا أرزاق سنة .
فلمّا كان ذلك اليوم جلس المأمون والرضا في الخضرة ، ثمّ أمر ابنه العباس بن المأمون يبايع له أوّل الناس ، فدفع الرضا عليه السلام يده ، فتلقى بها(1) وجه نفسه وببطنها وجوههم ، فقال المأمون : ابسط يدك للبيعة ، فقال عليه السلام : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله هكذا كان يبايع .
فبايعه الناس ، ويده فوق أيديهم ، ووضعت البدر ، وجعل أبو عباد يدعو بعلويّ وعباسيّ ، فيقبضون جوائزهم .
فخطب عبد الجبار بن سعيد في تلك السنة على منبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالمدينة ، فقال في الدعاء له : وليّ عهد المسلمين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام :
ستّة آباؤهم من هم(2)
أفضل من يشرب صوب الغمام(3)
* * *
فأمر المأمون فضربت له الدراهم ، وطبع عليها اسم الرضا عليه السلام ، وهي الدراهم المعروفة بالرضوية .
ص: 230
ونظر الرضا إلى وليّ له وهو مستبشر بما جرى ، فأومى إليه أن ادن ، فدنا منه ، فقال سرّا : لا تشغل قلبك بهذا الأمر ، ولا تستبشر ، فإنّه شيء لا يتمّ .
فسمع منه وقد رفع يده إلى السماء وقال : اللّهم إنّك تعلم أنّي مكره
مضطرّ ، فلا تؤاخذني ، كما لم تؤاخذ عبدك ونبيّك يوسف عليه السلام حين دفع إلى ولاية مصر(1) .
محمد بن عرفة ، قلت للرضا عليه السلام : يا ابن رسول اللّه ما حملك على الدخول في ولاية العهد ؟
فقال : ما حمل جدّي أمير المؤمنين عليه السلام على الدخول في الشورى(2) .
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد للّه الفعّال لما يشاء ، لا معقّب لحكمه ، ولا رادّ لقضائه ، « يَعْلَمُ خائِنَةَ الأَْعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ » ، وصلواته على نبيّه محمد خاتم النبيين
وآله الطيّبين الطاهرين .
ص: 231
أقول ، وأنا علي بن موسى بن جعفر :
إنّ أمير المؤمنين - عضّده اللّه بالسداد ، ووفّقه للرشاد - عرف من حقّنا ما جهله غيره ، فوصل أرحاما قطعت ، وآمن أنفسا فزعت ، بل أحياها وقد تلفت ، وأغناها إذ افتقرت ، مبتغيا رضى ربّ العالمين ، لا يريد جزاء من غيره « وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ » و« لا يُضِيعُ أَجْرَ الُْمحْسِنِينَ » ، فإنّه جعل إليّ عهده ، والإمرة الكبرى إن بقيتُ بعده ، فمن حلّ عقدة أمر اللّه بشدّها ، وقصم عروة أحبّ اللّه إيثاقها ، فقد أباح حريمه ، وأحلّ محرّمه ، إذ كان بذلك زاريا على الإمام ، متهتّكا حرمة الإسلام ، بذلك جرى السالف فصبر منه على الفلتات ، ولم يعترض بها على الغرمات ، خوفا على شتات الدين ، واضطراب حبل المسلمين ، ولقرب أمر الجاهلية ، ورصد فرصة تنتهز ، وبائقة تبتدر ، وقد جعلت للّه على نفسي إذ استرعاني أمر المسلمين ، وقلّدني خلافته العمل فيهم عامّة ، وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصّة بطاعته وسنّة رسوله صلى الله عليه و آله ، وأن لا أسفك
دما حراما ، ولا أبيح فرجا ولا مالاً إلاّ ما سفكته حدوده وأباحته فرائضه ، وأن أتخيّر الكفاة جهدي وطاقتي ، وقد جعلت بذلك على نفسي عهدا مؤكّدا يسألني اللّه عنه ، فإنّه - عزّ وجلّ - يقول : « أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤلاً » ، فإن أحدثت أو غيّرت أو بدّلت كنتُ للعتب مستحقّا ، وللنكال متعرّضا ، وأعوذ باللّه من سخطه ، وإليه أرغب في التوفيق لطاعته ، والحول بيني وبين معصيته في عافية لي وللمسلمين ، والجامعة والجفر يدلاّن على ضدّ ذلك ، « وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا
ص: 232
بِكُمْ » ، « إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ » ، لكنّي امتثلت أمر أمير المؤمنين وآثرت رضاه ، واللّه يعصمني وإيّاه ، وأشهدت اللّه على نفسي بذلك « وَكَفى بِاللّهِ شَهِيداً » .
وكتبت بخطّي بحضرة أمير المؤمنين - أطال اللّه بقاه - ، والفضل بن سهل ، ويحيى بن أكثم ، وعبد اللّه بن طاهر ، وثمامة بن أشرس ، وبشر بن المعتمر ، وحمّاد بن النعمان ، في شهر رمضان سنة إحدى ومائتين(1) .
وقد ذكر ابن المعتزّ ذلك مع نصبه في قصائد منها :
وأعطاكم المأمون حقّ خلافة
لنا حقّها لكنّه جاد بالدنيا(2)
فمات الرضا من بعد ما قد علمتمولاذت بنا من بعده مرّة أخرى
* * *
وكان دخل عليه الشعراء :
فأنشد دعبل :
مدارس آيات خلت من تلاوة
ومنزل وحي مقفّر العرصات(3)
ص: 233
وأنشد إبراهيم بن العباس :
أزالت عزاء القلب بعد التجلّد
مصارع أولاد النبي محمد(1)
* * *
وأنشد أبو نؤاس :
مطهّرون نقيّات ثيابهم
تتلى الصلاة عليهم أينما ذكروا
مَن لم يكن علويّا حين تنسبه
فما له في قديم الدهر مفتخر
واللّه لمّا برا خلقا فأتقنه
صفاكم واصطفاكم أيّها البشر
فأنتم الملأ الأعلى وعندكم
علم الكتاب وماجاءت به السور
فقال الرضا عليه السلام : قد جئتنا بأبيات ما سبقك أحد إليها ، يا غلام ، هل معك من نفقتنا شيء ؟ فقال : ثلاثمائة دينار ، فقال : أعطها إيّاه ، ثمّ قال : يا غلام ، سق إليه البغلة(2) .
وقال ابن حمّاد :
إذا جذت شبهة في الدين مبهمة
فهم مصابيحها للخلق والسرج
هم الشموس التي تهدى الأنام وما
غير المنيف إذا يعزى ولا فرج
مشكاة نور ومصباح يضيى ء بها
كأنّه كوكب يوري وينسرج
* * *
ص: 234
وقال كشاجم :
فكم فيهم من هلال هوى
قبيل التمام وبدر أفل
هم حجّة اللّه يوم المعاد
هم الناصرين على من خذل
ومن أنزل اللّه تفضيلهم
فردّ على اللّه ما قد نزل
فجدّهم خاتم الأنبياء
يعرف ذاك جميع الملل
ووالدهم سيّد الأوصياء
معطي الفقير ومردي البطل
* * *
وقال أسامة :
أمّكم فاطمة وجدّكم محمد
وحيدر أبوكم طبتم وطاب المولد
* * *
ص: 235
ص: 236
ص: 238
علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
يكنّى أبو الحسن ، والخاصّ : أبو علي(1) .
في سمائه ، ورضى لرسوله والأئمّة عليهم السلام بعده في أرضه(1) . وقيل : لأنّه رضي به المخالف والمؤالف .
وقيل : لأنّه رضي به المأمون(2) !!
ثلاث وخمسين ومائة(1) ، بعد وفاة الصادق عليه السلام بخمس سنين ، رواه ابن بابويه(2) .
وقيل : سنة إحدى وخمسين ومائة .
فكان في سنيّ إمامته بقيّة ملك الرشيد ، ثمّ ملك الأمين ثلاث سنين وثمانية عشر يوما ، وملك المأمون عشرين سنة وثلاثة وعشرين يوما(3) .
وأخذ البيعة في ملكه للرضا عليه السلام بعهد المسلمين من غير رضى في الخامس من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين(4) .
وزوّجه ابنته أمّ حبيب(5) في أوّل سنة إثنتين ومائتين ، وقيل : سنة ثلاث ، وهو - يومئذٍ - ابن خمس وخمسين سنة ، وذكر ابن همّام تسعة وأربعين سنة وستّة أشهر . وقيل : وأربعة أشهر(6) .
وقام بالأمر ، وله تسع وعشرون سنة وشهران .
ص: 241
وعاش مع أبيه تسعا وعشرين سنة وأشهرا ، وبعد أبيه أيّام إمامته عشرين سنة(1) .
وولده محمد الإمام عليه السلام فقط(2) .
ومشهده بطوس من خراسان في القبّة التي فيها هارون ، إلى جانبه ممّا يلي القبلة ، وهي دار حميد بن قحطبة الطائي في قرية يقال لها : « سناباذ » من رستاق نوقان(3) .
ورواة نصّ أبيه : داود بن كثير الرقّي ، ومحمد بن إسحاق بن عمّار ، وعلي بن يقطين ، ونعيم القابوسي ، والحسين بن المختار ، وزياد بن مروان ، وداود بن سليمان ، ونصر بن قابوس ، وداود بن رزين ، ويزيد بن سليط ، ومحمد بن سنان المخزومي(4) .
ص: 242
وروى نعيم القابوسي عن أبي الحسن عليه السلام أنّه قال : ابني علي أكبر ولدي ، وآثرهم عندي ، وأحبّهم إليّ ، وهو ينظر معي في الجفر ، ولم ينظر إليه إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ(1) .
داود بن رزين ، قال : جئت إلى أبي إبراهيم عليه السلام بمال ، فأخذ بعضه وترك بعضه ، فقلت : أصلحك اللّه لأيّ شيء تركته عندي ؟ فقال : إنّ صاحب هذا الأمر يطلبه منك .
فلمّا جاء نعيه بعث إليّ أبو الحسن عليه السلام ، فسألني ذلك المال ، فدفعته إليه(2) .
وكان بابه : محمد بن راشد(3) .
ومن ثقاته : أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، ومحمد بن الفضل الكوفي الأزدي ، وعبد اللّه بن جندب البجلي ، وإسماعيل بن سعد الأخوص الأشعري ، وأحمد بن محمد الأشعري .
ص: 243
ومن أصحابه : الحسن بن علي الخزّاز - ويعرف بالوشّاء - ، ومحمد بن سليمان الديلمي البصري ، وعلي بن الحكم الأنباري ، وعبد اللّه بن المبارك النهاوندي ، وحمّاد بن عثمان الباب ، وسعد بن سعد ، والحسن بن سعيد الأهوازي ، ومحمد بن الفرج الرجحي ، وخلف البصري ، ومحمد بن سنان ، وبكر بن محمد الأزدي ، وإبراهيم بن محمد الهمداني ، ومحمد بن أحمد بن قيس بن غيلان ، وإسحاق بن محمد الحضيني(1) .
قال ابن سنان : كان المأمون يجلس في ديوان المظالم يوم الإثنين ويوم الخميس ، ويقعد الرضا عليه السلام على يمينه ، فرفع إليه أنّ صوفيّا من أهل الكوفة سرق ، فأمر بإحضاره ، فرأى عليه سيماء الخير ، فقال : سوءا لهذه الآثار الجميلة بهذا الفعل القبيح ، فقال الرجل : فعلت ذلك اضطرارا لا اختيارا ، وقال اللّه تعالى : « فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لإِِثْمٍ » فلا إثم ، وقد منعتَ من الخمس والغنائم ، فقال : وما حقّك منها ؟ فقال : قال اللّه تعالى : « وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ » ، فمنعتني حقّي ، وأنا مسكين وابن السبيل ، وأنا من حملة القرآن ، وقد منعت كلّ سنة منّي مائتي دينار بقول النبي صلى الله عليه و آله .
ص: 244
فقال المأمون : لا أعطّل حدّا من حدود اللّه ، وحكما من أحكامه في السارق من أجل أساطيرك هذه .
قال : فابدأ أوّلاً بنفسك فطهّرها ، ثمّ طهّر غيرك ، وأقم حدود اللّه عليها ثمّ على غيرك .
قال : فالتفت المأمون إلى الرضا عليه السلام فقال : ما تقول ؟
قال : إنّه يقول : سرقتَ فسرق .
قال : فغضب المأمون ، ثمّ قال : واللّه لأقطعنّك ، قال : أتقطعني وأنت عبدي ؟
فقال : ويلك أيش تقول ؟!
قال : أليس أمّك اشتريت من مال الفيء ، ولا تقسمها بالحقّ ، وأنت عبد لمن في المشرق والمغرب من المسلمين حتى يعتقوك ، وأنا منهم وما أعتقتك ، والأخرى أنّ النجس لا يطهّر نجسا ، إنّما يطهّره طاهر ، ومَن في جنبه حدّ لا يقيم الحدود على غيره حتى يبدأ بنفسه ، أما سمعت اللّه - تعالى - يقول : « أَتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ » ؟
فالتفت المأمون إلى الرضا عليه السلام ، فقال : ما تقول ؟
قال : إنّ اللّه - عزّ وجلّ - قال لنبيّه : « قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ » ، وهي التي تبلغ الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه ، والدنيا والآخرة قائمتان بالحجّة ، وقد احتجّ الرجل .
ص: 245
قال : فأمر بإطلاق الرجل الصوفي وغضب على الرضا عليه السلام في السرّ(1)(2) .
وفي حديث الريّان بن شبيب : إنّه لمّا أراد المأمون أن يأخذ البيعة لنفسه بإمرة المؤمنين ، وللرضا عليه السلام بولاية العهد ، وللفضل بن سهل بالوزارة ، أذن للناس فدخلوا يبايعون يصفقون أيمانهم على أيمانهم من أعلى الإبهام إلى الخنصر ويخرجون .
حتى بايع فتى في آخر الناس من أولاد الأنصار ، فصفق يمينه من الخنصر إلى أعلى الإبهام ، فتبسّم الرضا عليه السلام ، ثمّ قال للمأمون : كلّ من بايعنا يفسخ البيعة من عقدها غير هذا الفتى ، فإنّه بايعنا بعقدها ، فقال المأمون : وما فسخ البيعة من عقدها ؟
قال : عقد البيعة من الخنصر إلى أعلى الإبهام ، وفسخها من أعلى الإبهام إلى الخنصر .
فأمر المأمون بإعادة الناس إلى البيعة ، فقالوا : كيف يستحقّ البيعة والإمامة وهو لا يعرف عقد البيعة ؟ إنّ من علم أولى بهذا ممّن لا يعلم(3) .
ص: 246
صفوان : قال يحيى بن خالد الطاغي : هذا علي ابنه قد قعد وادّعى الأمر لنفسه ، فقال : ما يكفينا ما صنعنا بأبيه تريد أن تقتلهم جميعا(1) ؟!
وفي إعلام الورى أنّه قال الحسن الطيّب : لمّا توفّي أبو الحسن موسى عليه السلام دخل الرضا عليه السلام السوق ، واشترى كلبا وكبشا وديكا ، فلمّا كتب صاحب الخبر بذلك إلى هارون قال : قد أمنّا جانبه .
وكتب الزبيري : إنّ علي بن موسى عليهماالسلام قد فتح بابه ، ودعى إلى نفسه ، فقال هارون : واعجبا ، إنّ علي بن موسى عليهماالسلام قد اشترى كلبا وكبشا وديكا ، ويكتب فيه بما يكتب(2) !
علي بن محمد بن سيّار ، عن آبائه ، قال : لمّا بويع الرضا عليه السلام قلّ المطر ، فقالوا : هذا من نكده ، فسأله المأمون أن يستسقي ، فقبل ، وقال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله في منامي يقول : يا بنيّ انتظر يوم الإثنين ، وابرز إلى
ص: 247
الصحراء واستسق ، فإنّ اللّه يسقيهم ، وأخبرهم بما يريد اللّه ، وهم لا يعلمون حالك ، ليزداد علمهم بفضلك ومكانك من ربّك .
فبرز يوم الإثنين ، وصعد المنبر ، وحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال :
اللّهمّ يا ربّ أنت عظّمت حقّنا أهل البيت ، فتوسّلوا بنا كما أمرت ، وأمّلوا فضلك ورحمتك ، وتوقّعوا إحسانك ونعمتك ، فاسقهم سقيا نافعا عامّا غير رائث ولا ضائر ، وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم ومقارّهم .
فرعدت السماء وبرقت وهاجت الرياح ، فتحرّك الناس ، فنبّأهم أنّ هذا العارض لبلدة كذا ، إلى تمام عشر مرّات ، ثمّ بدا عارض ، فقال : هذا لكم ، وأمرهم بالانصراف ، وقال : لم تمطر عليكم ما لم تبلغوا منازلكم ، ونزل من المنبر .
فكان كما قال ، فقالوا : هنيئا لولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله كرامات اللّه - عزّ وجلّ - .
فلمّا حضر عند المأمون قال له حميد بن مهران : تجاوزت حدّك وصلت على قومك بناموسك ، فإن صدقت ، فامر هذين الأسدين المصوّرين الذين على مسند المأمون أن يأخذاني .
فغضب الرضا عليه السلام ونادى : دونكما الفاجر فافترساه ، ولا تبقيا له عينا ولا أثرا ، فانقلبا وقطّعاه وأكلاه .
ثمّ استقبلا الرضا عليه السلام وقالا : يا وليّ اللّه في أرضه ، ماذا تأمرنا أن نفعل بهذا ؟ قال : فغشي عليه ، فقال : امكثا .
ص: 248
ثمّ قال: صبّوا عليه ماء ورد وطيّبوه ، فلمّا صبّ عليه أفاقه، فقالا : أتأمرنا أن نلحقه بصاحبه ؟ فقال : لا ، لأنّ للّه - تعالى - فيّ تدبيرا هو متمّمه ، فقالا :
فما تأمرنا ؟ قال : عودا إلى مقرّكما كما كنتما ، فصارا صورتين على المسند .
فقال المأمون : الحمد للّه الذي كفاني شرّ حميد بن مهران(1) .
معرفة الرجال : عن الكشّي ، قال محمد بن إسحاق لأبي الحسن عليه السلام : إنّ أبي يقول بحياة أبيك ، وأنا كثيرا ما أناظره ، فقال لي يوما : سل صاحبك إن كان بالمنزل الذي ذكرت أن يدعو اللّه لي حتى أصير إلى قومكم ، فأنا أحبّ أن تدعو اللّه له .
قال : فرفع أبو الحسن عليه السلام يده اليمنى ، فقال : اللّهمّ خذه بسمعه وبصره ومجامع قلبه حتى تردّه إلى الحقّ .
فأتى بريد فأخبرني بما كان ، فواللّه ما لبثت إلاّ قليلاً حتى قلت بالحقّ(2) .
وفيه : أنّه قال عبد اللّه بن المغيرة : كنت واقفا ، فتعلّقت بالملتزم وقلت :
اللّهمّ ارشدني إلى خير الأديان ، فوقع في نفسي أن آتي الرضا عليه السلام .
ص: 249
فأتيت المدينة ، فوقفت ببابه وقلت للغلام : قل لمولاك : رجل من أهل العراق بالباب ، فسمعت نداء : ادخل يا عبد اللّه بن المغيرة ، فدخلت .
فلمّا نظر إليّ قال : قد استجاب اللّه دعوتك ، وهداك إلى دينك .
فقلت : أشهد أنّك حجة اللّه (1) .
إبراهيم بن شعيب ، قال : كتبت إلى الرضا عليه السلام : إنّ من كان قبلنا من آبائك كان يخبرنا بأشياء فيها براهين ، قد أحببت أن تخبرني باسمي واسم أبي وولدي .
فجاء جوابه : يا إبراهيم ، إنّ من آبائك شعيبا وصالحا ، ومن أبنائك محمدا وعليا ، وفلانة وفلانة ، وزاد اسما لا نعرفه(2) .
قال : فقال له بعض أهل المجلس : اعلم أنّه كما صدقك في غيره صدقك فيه ، فابحث عنه(3) .
ياسر الخادم وريّان بن الصلت : إنّ المأمون بعث إلى الرضا عليه السلام
ص: 250
بالركوب إلى العيد والصلاة بالناس والخطبة بهم - وذلك بمرو - ، فقال : قد علمت ما كان بيني وبينك من الشرائط في دخول الأمر ، فاعفني من الصلاة بالناس .
فألحّ عليه ، فقال : إن أعفيتني فهو أحبّ إليّ ، وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام ، قال : اخرج كما شئت .
وأمر أن يبكّروا إلى بابه ، فوقف الناس والجنود في المواضع ينتظرونه .
فلمّا طلعت الشمس ، اغتسل أبو الحسن عليه السلام ، ولبس ثيابا بيضا من قطن ، وتطيّب طيبا ، وأخذ بيده عكازة ، وهو حاف قد شمّر سراويله إلى نصف الساق ، فمشى قليلاً ورفع رأسه إلى السماء وكبّر .
فلمّا رآه القوّاد هكذا تزيّوا بزيّه ، فخيّل إلينا أنّ السماء والأرض تجاوبه ، وتزعزعت مرو بالبكاء لمّا رأوه وسمع تكبيره .
فقال الفضل بن سهل : يا أمير المؤمنين ، إن بلغ الرضا افتتن به الناس ، وخفنا كلّنا على دمائنا .
فبعث إليه المأمون : قد كلّفناك شططا ، ولسنا نريد أن يلحقك أذى ، فارجع ، وليصلّ بالناس من كان يصلّي بهم على رسمه ، وكان قد بلغ مسجد« خركاه تراشان » ، فدخل فيه ، وصلّى تحت عباية فيه ، ثمّ لبس الموزج(1) ، وركب وانصرف ، فاختلف أمر الناس ، ولم ينتظم في صلاتهم(2) .
ص: 251
وقال البحتري :
ذكروا بطلعتك النبي فهلّلوا
لمّا طلعت من الصفوف وكبّروا
حتى انتهيت إلى المصلّى لابسا
نور الهدى يبدو عليك فيظهر
ومشيت مشية خاشع متواضع
للّه لا يزهى ولا يتكبّر
ولو أنّ مشتاقا تكلّف غير ما
في وسعه لمشى إليك المنبر
* * *
وأنشأ الرضا عليه السلام :
إذا كان من دوني بليت بجهله
أبيت لنفسي أن أقابل بالجهل
وإن كان مثلي في محلّي من النهى
أخذت بحلمي كي أجلّ عن المثل
وإن كنت أدنى منه في الفضل والحجى
عرفت له حقّ التقدّم والفضل
* * *
وله
عليه السلام :
وذي غيلة سالمته فقهرته
فأوقرته منّي بعفو التحمّل
ولم أر للأشياء أسرع مهلكا
لغمر قديم من وداد معجّل
* * *
ص: 252
هرثمة بن أعين ، قال : كنت ليلة بين يدي المأمون حتى مضى من الليل أربع ساعات ، ثمّ أذن لي في الانصراف ، فانصرفت .
فلمّا مضى من الليل نصفه قرع قارع الباب ، فأجابه بعض غلماني ، فقال : قل لهرثمة : أجب سيّدك .
قال : فقمت مسرعا ، وأخذت على أثوابي ، وأسرعت إلى سيّدي الرضا عليه السلام ، فدخل الغلام بين يديّ ، ودخلت ورائه ، فإذا أنا بسيدي في صحن داره جالس ، فقال : يا هرثمة ، فقلت : لبّيك يا مولاي ، فقال لي : اجلس .
فجلست ، فقال لي : اسمع وعِ - يا هرثمة - هذا أوان رحيلي إلى اللّه - تعالى - ولحوقي بجدّي وآبائي ، وقد بلغ الكتاب أجله ، وعزم هذا الطاغي على سمّي في عنب ورمّان مفروك ، فأمّا العنب فإنّه يغمس بالسلك في السمّ ويجذبه بالخيط في العنب ليخفى ، وأمّا الرمّان ، فإنّه يطرح السمّ في كفّ بعض غلمانه(1) ، ويفرك الرمّان بيده ليلطخ حبّه في ذلك ، وإنّه سيدعوني في يومي هذا المقبل ، ويقرب إليّ الرمّان والعنب ، ويسألني أكلهما ، فآكلهما ، ثمّ ينفذ الحكم ، ويحضر القضاء ، فإذا أنا متّ فسيقول المأمون : أنا أغسّله بيدي ، فإذا قال ذلك ، فقل له عنّي - بينك وبينه - : إنّه قال لي : قل لا تتعرّض لغسلي ولا لتكفيني ولا لدفني ، فإنّه إن فعل ذلك عاجله من العذاب ما أخّر عنه ، وحلّ به اليوم ما يحذر ، فإنّه سينتهي .
ص: 253
قال : قلت : نعم يا سيّدي ، ثمّ قال لي : فإذا خلّى بينك وبين غسلي ، فسيجلس في علوّ من أبنيته هذه مشرفا على موضع غسلي لينظر ، فلا تعرض - يا هرثمة - لشيء من غسلي حتى ترى فسطاطا قد ضرب في جانب الدار أبيض ، فإذا رأيت ذلك ، فاحملني في أثوابي التي أنا فيها ، وضعني من وراء الفسطاط ، وتراني فيها ، فإنّه سيشرف عليك ويقول لك : يا هرثمة ، أليس زعمتم أنّ الإمام لا يغسّله إلاّ إمام مثله ، فمن يغسّل أبا الحسن ، وابنه محمد بالمدينة من بلاد الحجاز ، ونحن بطوس ؟
فإذا قال ذلك فأجبه وقل له : ما يغسّله أحد غير مَن ذكرتَه ، فإذا ارتفع الفسطاط ، فسوف تراني مدرجا في أكفاني ، فضعني على نعشي واحملني ، فإذا أراد أن يحفر قبري ، فإنّه سيجعل قبر أبيه هارون الرشيد قبلة لقبري ، ولن يكون ذلك - واللّه - أبدا ، فإذا ضربوا المعاول نبت من الأرض ، ولا ينحفر لهم منها ، ولا كقلامة الظفر ، فإذا اجتهدوا في ذلك وصعب عليهم ، فقل له عنّي : إنّي أمرتك أن تضرب معولاً واحدا في قبلة قبر أبيه هارون ، فإذا ضربت نفذ في الأرض إلى قبر محفور ، وضريح قائم ، فإذا انفرج ذلك القبر ، فلا تنزلني فيه حتى يفور من ضريحه ماء أبيض ، فيمتلي به ذلك القبر ، حتى يصير الماء مع وجه القبر ، ثمّ يضطرب فيه حوت بطوله ، فإذا اضطربت ، فلا تنزلني في القبر ، حتى إذا غابت الحوت ، وغار الماء ، فأنزلني في ذلك القبر ، وألحدني في ذلك الضريح ، ولا تتركهم يأتوا بتراب يلقونه عليّ ، فإنّ القبر ينطبق من نفسه ويمتلي ، فكان كما قال عليه السلام .
ص: 254
قال : فلمّا انصرف ، فأخلى مجلسه ، ثمّ قال لي : واللّه لتصدقني يا هرثمة ، ما أسرّ إليك ؟ قلت : خبر العنب والرمان .
قال : فأقبل يتلوّن ألوانا ، ويقول في غشيته : ويل للمأمون من فاطمة عليهاالسلام ، ويل للمأمون من الحسن والحسين عليهماالسلام ، ويل للمأمون من علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، ويل للمأمون من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ويل للمأمون من علي بن موسى عليهماالسلام ، ويل للمأمون من موسى بن جعفر عليهماالسلام ، هذا - واللّه - الخسران حقّا ، ثمّ أخذ عليّ العهد أن لا أفشيه إلى أحد .
فلمّا ولّيت عنه صفق بيده ، وسمعته يقول : « يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ »(1) .
وفي الإرشاد ، في خبر : إنّ المأمون أمر عبد اللّه بن بشير أن يطوّل أظفاره ، وأخرج إليه شيئا كالتمر [ الهندي ] ، وقال : اعجن هذا بيدك جميعا ، ثمّ أمر للرضا عليه السلام بالرمّان ، وأمر لابن بشير أن يعصره بيده ، ففعل ، وسقاه المأمون للرضا عليه السلام بيده(2) .
ص: 255
وقال أبو الصلت الهروي : دخلت على الرضا عليه السلام ، وقد خرج من عند المأمون ، فقال : يا أبا الصلت ، قد فعلوها ، وجعل يوحّد اللّه ويمجّده(1) .
وروى محمد بن الجهم : أنّه كان الرضا عليه السلام يعجبه العنب ، فأخذ له شيء منه ، فجعل في موضع أقماعه الإبر المسمومة أيّاما ، ثمّ نزع منه وجيء به ، فأكل منه ومات(2) .
قال السوسي :
بأرض طوس نائي الأوطان
إذ غرّه المأمون بالأماني
حين سقاه السمّ في الرمّان
* * *
وفي روضة الواعظين عن النيسابوري ، روى عن أبي الصلت في خبر
ص: 256
أنّه قال : بينا أنا واقف بين يدي الرضا عليه السلام إذ قال لي : يا أبا الصلت ، ادخل إلى هذه القبّة التي فيها قبر هارون ، وائتني بتراب من أربع جوانبها .
قال : فأتيت به ، فأخذه وشمّه ، ثمّ رمى به ، ثمّ قال : سيحفر لي هاهنا قبر ، ثمّ أوصى بما أوصى ، وجلس في محرابه ينتظر ، إذ دعاه المأمون .
فلمّا أتاه وثب إليه وعانقه ، وقبّل ما بين عينيه ، وأجلسه معه ، وناوله عنقود عنب كان بيديه قد أكل بعضه ، وقال : يا بن رسول اللّه ، ما رأيت عنبا أحسن من هذا .
فقال الرضا عليه السلام : ربما كان عنبا حسنا ، فيكون في الجنّة ، فقال له : كل منه ، فقال : تعفيني منه ، قال : لابدّ من ذلك ، ما يمنعك منه ؟ لعلك تتّهمنا بشيء !
فتناول العنقود ، فأكل منه ثلاث حباب ، ثمّ رمى به وقام ، فقال : إلى أين ؟ قال : إلى حيث وجّهتني .
وخرج حتى دخل الدار ، وأمر أن يغلق الباب ، ونام على فراشه ، فمكثت واقفا في صحن الدار مهموما محزونا ، إذ دخل عليّ شابّ حسن الوجه ، قطط الشعر ، أشبه الناس بالرضا عليه السلام ، فقلت له : من أين دخلت والباب مغلق ؟ قال : الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت أدخلني الدار ، فقلت : ومن أنت ؟ قال : أنا حجّة اللّه عليك - يا أبا الصلت - أنا محمد بن علي .
ثمّ مضى نحو أبيه ، فدخل وأمرني بالدخول معه ، فلمّا نظر اليه الرضا عليه السلام وثب إليه فعانقه ، وضمّه إلى صدره ، وقبّل ما بين عينيه ،
ص: 257
ثمّ سحبه سحبا في فراشه ، وأكبّ عليه محمد يقبّله ويسّاره(1) ، وجعل يكلّمه بشيء لم أفهمه ، ورأيت على شفتي الرضا عليه السلام زبدا أشدّ بياضا من الثلج ، وأبو جعفر عليه السلام يلحسه بلسانه ، ثمّ أدخل يده بين ثوبيه وصدره ، واستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه ، ومضى الرضا عليه السلام .
فقال أبو جعفر عليه السلام : قم - يا أبا الصلت - فائتني بالمغتسل والماء من الخزانة ، فقلت : ما في الخزانة مغتسل ولا ماء ، فقال : ائت بما آمرك به ، فأتيت بهما ، وشمّرت ثيابي لأغسّله معه ، فقال : تنحّ ، فإنّ لي من يعينني غيرك ، فغسّله .
ثمّ قال : ادخل الخزانة ، فأخرج السفط الذي فيه كفنه وحنوطه ، ثمّ أمرني بالتابوت من الخزانة ، فأتيته به - ولم أر ذلك في الخزانة قطّ - فوضعه في التابوت ، وصلّى عليه ركعتين لم يفرغ منهما حتى علا التابوت ومضى ، فقلت : فإنّ المأمون يطالبني به ، فقال : اسكت فإنّه سيعود يا أبا الصلت ، ما من نبيّ يموت بالمشرق ويموت وصيّه بالمغرب إلاّ جمع اللّه بين أرواحهما وأجسادهما .
فما تمّ الحديث حتى انشقّ السقف ، ونزل التابوت ، فاستخرج من التابوت ووضعه على فراشه ، كأنّه لم يغسّل ولم يكفّن .
قال : يا أبا الصلت ، قم فافتح الباب للمأمون ، ففتحت للمأمون والغلمان بالباب ، فدخل باكيا قد شقّ جيبه ، ولطم رأسه ، وهو يقول : يا سيّداه ! فجعت بك يا سيّدي ، وأمر بتجهيزه ، وحفر قبره .
ص: 258
فحفروا الموضع ، فبدا نداوة ، فنبع الماء حتى امتلأ اللّحد ، وبدا فيه حيتان صغار ، ففتت لها الخبز الذي كان أعطانيه الرضا عليه السلام لها ، فالتقطوا ، فإذا لم يبق منه شيء خرجت منه حوتة كبيرة ، فالتقطت الحيتان الصغار حتى لم يبق فيها شيء ، ثمّ غابت ، فوضعت يدي على الماء ، وتكلّمت بكلام علّمنيه الرضا عليه السلام ، فنضب الماء .
فقال المأمون : لم يزل الرضا عليه السلام يرينا عجائبه في حياته حتى أراناها بعد وفاته ، فقال له وزير كان معه : أتدري ما أخبرك به الرضا عليه السلام ؟ إنّه أخبرك أنّ ملككم بني العباس مع كثرتكم مثل هذه الحيتان ، إذا فنيت آجالكم ، وانقطعت آثاركم ، وذهبت دولتكم سلّط اللّه عليكم رجلاً منّا ، فأفناكم عن آخركم ، قال : صدقت .
ثمّ قال : يا أبا الصلت ، علّمني الكلام ، قلت : واللّه نسيت الكلام من ساعتي - وقد كنت صدقت - ، فأمر بحبسي ، ودفن الرضا عليه السلام .
فلمّا أضاق عليّ الحبس ، وسهرت الليالي دعوت اللّه بدعاء ذكرت فيه محمدا وآل محمد ، وسألت اللّه أن يفرّج عنّي ، فما استتمّ الدعاء حتى دخل محمد بن علي عليهماالسلام ، فقال : يا أبا الصلت ! ضاق صدرك ؟ قم فاخرج .
ثمّ ضرب يده إلى القيود التي كانت عليّ ففكّها ، وأخذ بيدي وأخرجني من الدار ، والحرسة يرونني فلم يستطيعوا أن يكلّموني ، وخرجت من باب الدار ، ثمّ قال : امض في ودائع اللّه ، فإنّه لن يصل يده إليك ابدا(1) .
ص: 259
قال أبو فراس :
باؤا بقتل الرضا من بعد بيعته
وأبصروا بعضهم من رشدهم وعموا
عصابة شقيت من بعدما سعدوا
ومعشر هلكوا من بعدما سلموا
لا بيعة ردعتهم عن دمائهم
ولا يمين ولا قربى ولا رحم
* * *
وأكثر دعبل مراثيه عليه السلام ، منها :
يا حسرة تتردّد
وعبرة ليس تنفد
على علي بن موسى
بن جعفر بن محمد(1)
* * *
ومنها :
يا نكبة جاءت من الشرق
لم تترك منّي ولم تبق
موت علي بن موسى الرضا
من سخط اللّه على الخلق
وامسح الإسلام مستعبرا
لثلمة باينة الرتق
سقى الغريب المبتنى قبره
بأرض طوس سبل الودق
ص: 260
أصبح عيني مانعا للكرى
وأولع الأحشاء بالخفق(1)
* * *
ومنها :
ألا ما لعين بالدموع استهلّت
ولو نفدت ماء الشؤون لقلّت
على من بكته الأرض واسترجعت له
رؤوس الجبال الشامخات وذلّت
وقد أعولت تبكي السماء لفقده
وأنجمها ناحت عليه وكلّت
فنحن عليه اليوم أجدر بالبكا
لمرزئة عزّت لدينا وجلّت
رزينا رضى اللّه سبط نبيّنا
فأخلفت الدنيا له وتولّت
وما خير دينا بعد آل محمد
ألا لا نباليها إذا ما اضمحلّت
تجلّت مصيبات الزمان ولا أرى
مصيبتنا بالمصطفين تجلّت(2)
* * *
ص: 261
ومنها :
ألا أيّها القبر الغريب محلّه
بطوس عليك الساريات هتون
شككت فما أدري أمسقيّ شربة
فأبكيك أم ريب الردى فيهون
أيا عجبا منهم يسمّونك الرضا
ويلقاك منهم كلحة وغضون(1)
* * *
ومنها :
وقد كنّا نؤمّل أن سيحيى
إمام هدى له رأي طريف(2)
ترى سكناته فيقول عنهم
وتحت سكونه رأي ثقيف
له سمحاء تغدو كلّ يوم
بنايلة وسارية تطوف
فأهدى ريحه قدر المنايا
وقد كانت له ريح عصوف
أقام بطوس تلحقه المنايا
مزار دونه نأي قذوف(3)
* * *
ص: 262
ص: 263
ص: 264
ص: 265
ص: 266
الحمد للّه الملك الشكور ، القادر الغفور ، الذي بيده مفاتيح الأمور ، عالم السرّ والنجوى ، وكاشف الضرّ والبلوى ، أهل المغفرة والتقوى ، له الحمد في الآخرة والأولى ، « وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ » .
له العزّة والجلال ، والقدرة والكمال ، والإنعام والإفضال ، وهو الكبير المتعال ، « سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ » .
له الحجّة القاهرة ، والنعمة الزاهرة ، والآلاء المتظاهرة ، يرزق من في السماء والأرض « أَإِلهٌ مَعَ اللّهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ » .
يرجع الأمر كلّه إليه ، وينطق الكتاب بالحقّ لديه ، « وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ » .
يظهر بصنعه شرائف صفاته ، ويحقّ الحقّ بكلماته ، ويحشر الخلق لميقاته ، « وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللّهِ تُنْكِرُونَ » .
وجعل « السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً » ، وبناء مصنوعا ، وممسكا بلا عمد
ممنوعا ، وهم عن آياته معرضون .
بسط الأرض فأخرج نباتها ، وأسكنها أحياءها وأمواتها ، « فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ » .
ص: 267
بعث المصطفى داعيا إلى جنانه ، خالصا في إسلامه وإيمانه ، « وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ » .
نصب عليّا عليه السلام إماما إزاحة للعلّة ، وتأكيدا للأدلّة ، وإظهارا للملّة ، « لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » .
واختار أولاده أوصياء خلفاء عليهم السلام كما قال تعالى : « وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ » .
الصادق عليه السلام ، في هذه الآية قال : النجم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والعلامات الأئمّة عليهم السلام من بعده(1) .
ص: 268
أبو الورد عن أبي جعفر عليه السلام : « الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ » ، قال : هم آل محمد صلى الله عليه و آله(1) .
أبو جعفر وأبو عبد اللّه عليه السلام في قوله : « بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ » ، إنّهم الأئمّة من آل محمد صلى الله عليه و آله(2) .
زيد بن علي في قوله : « وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا » ، قال : نحن هم(3) .
الباقر عليه السلام في قوله : « الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ » ، إلى قوله :
ص: 269
« راجِعُونَ » ، نزل في علي عليه السلام(1) ، ثمّ جرت في المؤمنين ، وشيعته هم المؤمنون حقّا .
مالك الجهني : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : « وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لأُِنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ » أن يكون إماما من آل محمد صلى الله عليه و آله ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول اللّه (2) صلى الله عليه و آله .
محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام في قوله : « وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً » ، قال : هم الأوصياء(3) عليهم السلام .
حنّان بن سالم الحنّاط : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله : « فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ » ، فقال أبو
جعفر عليه السلام : آل محمد صلى الله عليه و آله لم يبق فيها غيرهم(4) .
ص: 270
سلام بن المستنير عن أبي جعفر عليه السلام : في قوله : « قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي » ، قال : ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأمير المؤمنين عليه السلام ، والأوصياء عليهم السلام من بعدهما(1) .
ص: 271
ص: 272
ص: 273
ص: 274
أبو جعفر بن أبي الحسن بن أبي إبراهيم بن أبي عبد اللّه بن أبي جعفر بن أبي محمد بن أبي عبد اللّه بن أبي الحسن بن أبي طالب عليهم السلام .
المنتجب المرتضى ، المتوشّح بالرضا ، المستسلم للقضا ، له من اللّه أكثر الرضا ، ابن الرضا .
توارث الشرف كابرا عن كابر ، وشهد له بذا الصوامع ، استسقى عروقه من منبع النبوّة ، ورضعت شجرته ثدي الرسالة ، وتهدّلت أغصانه ثمر الإمامة .
وحساب الجمل وحساب الهند وطبقات الأسطرلاب تسعة تسعة ، ومحمد بن علي تاسع الأئمّة عليهم السلام .
للمؤلف :
فديت إمامي أبا جعفر
جوادا يلقّب بالتاسع
* * *
ومحمد بن علي الجواد ميزانه في الحساب : إمام عادل زاهد وفيّ ، لاتّفاقهما في ثلاثمائة .
ولد بالمدينة ، ليلة الجمعة ، التاسع عشر من شهر رمضان ، ويقال :
ص: 276
للنصف منه(1) .
وقال ابن عيّاش : يوم الجمعة ، لعشر خلون من رجب ، سنة خمس وتسعين ومائة .
وقبض ببغداد مسموما في آخر ذي القعدة .
وقيل : يوم السبت لستّ خلون من ذي الحجّة سنة عشرين ومائتين .
ودفن في مقابر قريش إلى جنب موسى بن جعفر عليهماالسلام .
وعمره خمس وعشرون سنة ، قالوا : وثلاثة أشهر وإثنان وعشرون يوما(2) .
وأمّه أم ولد تدعى « درّة » ، وكانت مريسية ، ثمّ سمّاها الرضا عليه السلام خيزران ، وكانت من أهل بيت مارية القبطية .
ويقال : إنّها سبيكة ، وكانت نوبية .
ص: 277
ويقال : ريحانة ، وتكنّى أم الحسن(1) .
ومدّة ولايته سبع عشر سنة .
ويقال : أقام مع أبيه سبع سنين وأربعة أشهر ويومين ، وبعده ثمانية عشر سنة إلاّ عشرين يوما(2) .
وقال أبو عبد اللّه الحارثي : خلف فاطمة وأمامة فقط(1) .
وقد كان زوّجه المأمون ابنته ، ولم يكن له منها ولد(2) .
وسبب وروده بغداد إشخاص المعتصم له من المدينة ، فورد بغداد لليلتين من المحرّم سنة عشرين ومائتين ، وأقام بها حتى توفّي في هذه السنة(3) .
والدليل(4) على إمامته اعتبار القطع على العصمة ، ووجوب كونه أعلم الخلق بالشريعة ، واعتبار القول بإمامة الإثني عشر ، وتواتر الشيعة .
وأمّا قول الكيسانية والفطحية وغيرهم ، فكلّهم قد انقرضوا ، ولو كانوا محقّين لما جاز انقراضهم ، لأنّ الحقّ لا يجوز أن يخرج عن أمّة محمد صلى الله عليه و آله .
وقد ثبت بقول الثقات إشارة أبيه إليه ، منهم : عمّه علي بن جعفر
ص: 279
الصادق عليه السلام ، وصفوان بن يحيى ، ومعمّر بن خلاّد ، وابن أبي نصر البزنطي ، والحسين بن يسار ، والحسن بن جهم ، وأبو يحيى الصنعاني ، ويحيى بن حبيب الزيّات(1) .
وكان بابه عثمان بن سعيد السمّان(2) .
ومن ثقاته : أيّوب بن نوح بن درّاج الكوفي ، جعفر بن محمد بن يونس الأحول ، والحسين بن مسلم بن الحسن ، والمختار بن زياد العبدي البصري ، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطّاب الكوفي .
ومن أصحابه : شاذان بن الخليل النيسابوري ، ونوح بن شعيب البغدادي ، ومحمد بن أحمد المحمودي ، وأبو يحيى الجرجاني ، وأبو القاسم إدريس القمّي ، وعلي بن محمد بن هارون بن الحسن بن محبوب ، وإسحاق بن إسماعيل النيسابوري ، وأبو حامد أحمد بن إبراهيم المراغي ،
ص: 280
وأبو علي بن بلال ، وعبد اللّه بن محمد الحضيني ، ومحمد بن الحسن بن شمّون البصري(1) .
ريّان بن شبيب ، ويحيى الزيّات وغيرهما(2) : إنّ المأمون قد شغف بأبي جعفر عليه السلام لما رأى من فضله مع صغر سنّه ، فعزم أن يزوّجه بابنته أمّ الفضل ، فغلظ ذلك على العباسيّين ، فاجتمعوا عنده وقالوا : ننشدك اللّه - يا أمير المؤمنين - أن تقيم على هذا الأمر الذي قد عزمت ، فتخرج به عنان أمرٍ قد ملّكناه اللّه ، وتنزع منّا عزّا قد ألبسناه اللّه ، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديما وحديثا ، وما كان عليه الخلفاء من التصغير بهم ! وقد كنّا في وهلة من عملك مع الرضا عليه السلام حتى أنّه مات .
فأجابهم المأمون لكلّ كلمة جوابا ، ثمّ قال : وأمّا أبو جعفر عليه السلام ، فقد برز على كافّة أهل الفضل مع صغر سنّه .
فقالوا : إنّ هذا الفتى وإن راقك منه هديه لا معرفة له ! فامهل ليتأدّب !! ثمّ افعل ما تراه .
فقال المأمون : ويحكم ، إنّي أعرف به منكم ، وإنّ أهل هذا البيت علمهم من اللّه وموادّه وإلهامه ، فإن شئتم فامتحنوه .
ص: 281
فقالوا : قد رضينا بذلك .
واجتمع رأيهم على أن يسأله قاضي القضاة يحيى بن أكثم مسألة لا يعرف الجواب فيها ، ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك .
فجلس المأمون في دست ، وأبو جعفر في دست ، فسأله يحيى : ما تقول - جعلت فداك - في محرم قتل صيدا ؟
فقال عليه السلام : قتل في حلّ أو حرم ؟ عالما كان المحرم أم جاهلاً ؟ عمدا كان أو خطأً ؟ حرّا كان أو عبدا ؟ صغيرا كان أم كبيرا ؟ مبتدءا أو معيدا ؟ من ذوات الطير كان الصيد أم غيرها من ذوات الظلف ؟ من صغار الصيد كان أم من كبارها ؟ مصرّا على ما فعل أو نادما ؟ في الليل كان قتله للصيد أم نهارا ؟ محرما كان بالعمرة إذ قتله أم بالحجّ كان محرما ؟
فانقطع يحيى ، فسأله المأمون عن بيانه ، فأجابه بما هو مسطور في كتب الفقه .
ثمّ التمس منه أن يسأل يحيى ، فقال عليه السلام : رجل نظر أوّل النهار إلى امرأة ، فكان نظره إليها حراما ، فلمّا ارتفع النهار حلّت له ، وعند الزوال حرمت ، وعند العصر حلّت ، وعند الغروب حرمت ، وعند العشاء حلّت ، وعند انتصاف الليل حرمت ، وعند الفجر حلّت ، وعند ارتفاع النهار حرمت ، وعند الظهر حلّت ؟
تفسيره : هذا رجل نظر إلى أمة غيره ثمّ ابتاعها ، ثمّ أعتقها ، ثمّ تزوّجها ، ثمّ ظاهرها ، ثمّ كفّر عن الظهار ، ثمّ طلّقها طلقة واحدة ، ثمّ راجعها ، ثمّ خلعها ، ثمّ استأنف العقد ، وذلك بالإجماع .
ص: 282
وفي رواية : إنّه ارتدّ عن الإسلام ثمّ تاب .
وقد أتاه ابن أكثم جدلاً
فانصاع لما يعلمه قطعه
* * *
فقال المأمون : اخطب - جعلت فداك - لنفسك .
فقال : الحمد للّه إقرارا بنعمته ، ولا إله إلاّ اللّه إخلاصا لوحدانيّته ، وصلّى اللّه على محمد سيّد بريّته ، والأصفياء من عترته .
أمّا بعد :
فقد كان من فضل اللّه على الأنام ، أن أغناهم بالحلال عن الحرام ، فقال سبحانه : « وَأَنْكِحُوا الأَْيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ » .
ثمّ إنّ محمد بن علي بن موسى يخطب أمّ الفضل بنت عبد اللّه المأمون ، وقد بذل لها من الصداق مهر جدّته فاطمة بنت محمد صلى الله عليه و آله ، وهو خمسمائة درهم جياد ، فهل زوّجته - يا أمير المؤمنين - بها على هذا الصداق المذكور ؟
قال : نعم ، زوّجتك - يا أبا جعفر - أمّ الفضل ابنتي على الصداق المذكور ، فهل قبلت النكاح ؟
قال : قد قبلت(1) .
ص: 283
الخطيب في تاريخ بغداد عن يحيى بن أكثم : إنّ المأمون خطب فقال : الحمد للّه الذي تصاغرت الأمور لمشيّته ، ولا إله إلاّ اللّه إقرارا بربوبيّته ، وصلّى اللّه على محمد عبده وخيرته .
أمّا بعد :
فإنّ اللّه جعل النكاح الذي رضيه لكما سبب المناسبة ، ألا وإنّي قد زوّجت زينب ابنتي من محمد بن علي بن موسى الرضا أمهرناها عنه أربعمائة درهم(1) .
فكتب إليها المأمون : يا بنيّة ، إنّا لم نزوّجك أبا جعفر لنحرّم عليه حلالاً ، فلا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها(1) .
الجلاء والشفاء : في خبر : إنّه لمّا مضى الرضا عليه السلام جاء محمد بن جمهور القمّي ، والحسن بن راشد ، وعلي بن مدرك ، وعلي بن مهزيار ، وخلق كثير من سائر البلدان إلى المدينة ، وسألوا عن الخلف بعد الرضا عليه السلام ، فقالوا : بصريا - وهي قرية أسّسها موسى بن جعفر عليهماالسلام على ثلاثة أميال من المدينة - .
فجئنا ودخلنا القصر ، فإذا الناس فيه متكابسون ، فجلسنا معهم ، إذ خرج علينا عبد اللّه بن موسى - وهو شيخ - ، فقال الناس : هذا صاحبنا ، فقال الفقهاء : قد روينا عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام أنّه لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين عليهماالسلام ، وليس هذا صاحبنا .
فجاء حتى جلس في صدر المجلس ، فقال رجل : ما تقول - أعزّك اللّه - في رجل طلّق امرأته عدد نجوم السماء ؟ قال : بانت منه بصدر الجوزا والنسر الطائر والنسر الواقع ، فتحيّرنا في جرأته على الخطأ .
إذ خرج علينا أبو جعفر عليه السلام - وهو ابن ثمان سنين - ، فقمنا إليه ، فسلّم على الناس ، وقام عبد اللّه بن موسى من مجلسه ، فجلس بين يديه ، وجلس أبو جعفر عليه السلام في صدر المجلس ، ثمّ قال : سلوا رحمكم اللّه .
ص: 285
فقام إليه الرجل الأوّل وقال : ما تقول - أصلحك اللّه - في رجل أتى حمارة ؟
قال : يضرب دون الحدّ ، ويغرم ثمنها ، ويحرم ظهرها ونتاجها ، وتخرج إلى البريّة حتى تأتي عليها منيّتها ، سبع أكلها ، ذئب أكلها .
ثمّ قال بعد كلام : يا هذا ، ذاك الرجل ينبش عن ميتة ، فيسرق كفنها ، ويفجر بها يوجب عليه القطع بالسرق ، والحدّ بالزنا ، والنفي إذا كان عزبا ، فلو كان محصنا لوجب عليه القتل والرجم .
فقال الرجل الثاني : يا بن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ما تقول في رجل طلّق امرأته عدد نجوم السماء ؟
قال : تقرأ القرآن ؟ قال : نعم ، قال : إقرأ سورة الطلاق إلى قوله : « وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ » ، يا هذا ، لا طلاق إلاّ بخمس : شهادة شاهدين عدلين في طهر من غير جماع بإرادة عزم .
ثمّ قال بعد كلام : يا هذا ، هل ترى في القرآن عدد نجوم السماء ؟ قال : لا . . الخبر .
فقالت المرضعة له من سعد بن بكير
إنّي أشبهك يا مولاي ذا لبة
شثن البراثن أو صماء حيات
ولست تشبه ورد الّلون ذا لبد
ولا ضئيلاً من الرقش الضئيلات
ولو خسأت سباع الأرض أسكتها
إشجاء صوتك حتفا أيّ إسكات
ولو عزمت على الحيات تأمرها
بالكفّ ما جاوزت تلك العزيمات
* * *
ص: 286
وقد روى عنه المصنّفون نحو : أبي بكر أحمد بن ثابت في تاريخه ، وأبي إسحاق الثعلبي في تفسيره ، ومحمد بن منده بن مهربذ في كتابه .
وروى إبراهيم بن هاشم ، قال : استأذنت أبا جعفر عليه السلام لقوم من الشيعة ، فأذن لهم ، فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة ، فأجاب فيها ، وهو ابن عشر سنين(1) .
وكتب عبد العظيم الحسني إلى أبي جعفر عليه السلام يسأله عن الغائط ونتنه ، فقال عليه السلام : إنّ اللّه خلق آدم عليه السلام ، فكان جسده طينا ، وبقى أربعين سنة ملقى ، تمرّ به الملائكة تقول : لأمر ما خلقت ؟ وكان إبليس يدخل في فيه ويخرج من دبره ، فلذاك صار ما في جوف ابن آدم منتنا خبيثا غير طيّب(2) .
ويقال : إذا بال الإنسان أو تغوّط يردّد النظر إليهما ، لأنّ آدم عليه السلام لمّا
ص: 287
هبط من الجنّة لم يكن له عهد بهما ، فلمّا تناول الشجرة المنهية أخذه ذلك ، فجعل ينظر إلى شيء يخرج منه ، فبقي ذلك في أولاده ، لأنّه تغذّى في الجنّة وبال وتغوّط في الدنيا .
ولمّا بويع المعتصم جعل يتفقّد أحواله ، فكتب إلى عبد الملك الزيّات أن ينفذ إليه التقي عليه السلام وأمّ الفضل ، فأنفذ ابن الزيّات علي بن يقطين إليه .
فتجهّز وخرج إلى بغداد ، فأكرمه وعظّمه ، وأنفذ اشناس بالتحف إليه والى أم الفضل .
ثمّ أنفذ إليه شراب حماض الأترج تحت ختمه على يدي اشناس ، وقال : إنّ أمير المؤمنين ذاقه قبل أحمد بن أبي داود وسعد بن الخصيب وجماعة من المعروفين ، ويأمرك أن تشرب منها بماء الثلج وصنع في الحال ، فقال : أشربها بالليل ، قال : إنّما ينفع باردا ، وقد ذاب الثلج ، وأصرّ على ذلك ، فشربها عالما بفعلهم .
وروي من وجه آخر سنذكره في فصل معجزاته إن شاء اللّه تعالى .
قال عمير بن المتوكّل :
كنّا كشارب سمّ حان مهلكه
أغاثه اللّه بالترياق من كثب
هاجت بمصرعه الدنيا فما سكنت
إلاّ باسمهم المحّاء للريب
* * *
ص: 288
وكتب إبراهيم بن عقبة إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام يسأله عن زيارة الحسين بن علي ، وموسى بن جعفر ، ومحمد بن علي عليهم السلام ببغداد ، فكتب عليه السلام : الأفضل المقدّم ، وهذان أجمع وأعظم أجرا(1) .
قال العبدي :
يا سادتي يا بني علي
يا آل طه وآل صاد
من ذا يوازيكم وأنتم
خلائف اللّه في البلاد
أنتم نجوم الهدى اللواتي
يهدي بها اللّه كلّ هاد
لولا هداكم إذا ضللنا
والتبس الغيّ بالرشاد
لا زلت في حبّكم أوالي
عمري وفي بغضكم أعادي
وما تزوّدت غير حبّي
إيّاكم وهو خير زاد
وذاك ذخري الذي عليه
في عرصة الحشر اعتمادي
ولاؤكم والبراء ممّن
يشنأكم اعتقادي
* * *
وقال الناشي :
يا آل ياسين من يحبّكم
بغير شكّ لنفسه نصحا
أنتم رشاد من الضلال كما
كلّ فساد بحبّكم صلحا
ص: 289
وكلّ مستحسن لغيركم
إن قيس يوما بفضلكم قبحا
ما محيت آية النهار لنا
بذاته الليل ذو الجلال محا
وكيف يمحى رشاد نوركم
وأنتم في دجى الظلام ضحى
أبوكم أحمد وصاحبه
الممنوح من علم ربّه منحا
* * *
وقال مهيار :
غلامكم في الجحفل ابن عجاجة
مغيمة من دجنها الدم يهطل
تعانق منه الموت عريان تحتها
شجاع بغير الصبر لا يتبتّل
فكم لكم في فتكه وانبساطه
فتى وفتاكم في الحجى يتكهّل
وأنتم ولاة الدين أرباب حقّه
مبيّنوه في آياته وهو مشكل
مساقط وحي اللّه في حجراتكم
وبيتكم كان الكتاب ينزل
يذاد عن الحوض الشقيّ ببغضكم
ويورد من أحببتموه فينهل
* * *
عجبت لقوم أضلّوا السبل
ولم يبتغوا اتّباع الهدى
فما عرفوا الحقّ حين استنار
ولا أبصروا الفجر لمّا بدا
ألا أيّها المعشر النائمون
أحذركم أن تعصوا الكرى
أفيقوا فما هي إلاّ اثنتان
إمّا الرشاد وإمّا العمى
وما خفى الرشد لكنّما
أضلّ الحلوم اتّباع الهوى
وما خلقت عبثا أمّة
ولا ترك اللّه قوما سدى
أكلّ بني أحمد فضله
ولكنّه الواحد المجتبى
ص: 290
وقال ابن الحجّاج :
يا باني الشرف الذي
أوفى وعمّ وطبّقا
سبا بأسباب النبي
وجبرئيل معلّقا
* * *
وقال ابن رزيك :
قوم علومهم عن جدّهم أخذت
عن جبرئيل وجبرئيل عن اللّه
هم السفينة ما كنّا لنطمع أن
ننجو من الهول يوم الحشر لولا هي
الخاشعون إذا جنّ الظلام فما
تغشاهم سنة تنفى بإنباه
ولا بدت ليلة إلاّ وقابلها
من التهجّد منهم كلّ أوّاه
وليس يشغلهم عن ذكر ربّهم
تغريد شاد ولا ساق ولا طاه
سحايب لا تزال العلم هامية
أجلّ من سحب تهمي بأمواه
* * *
ص: 291
ص: 292
ص: 293
ص: 294
كان عليه السلام شديد الأدمة ، فشكّ فيه المرتابون - وهو بمكّة - ، فعرضوه على القافة ، فلمّا نظروا إليه خرّوا لوجوههم سجّدا ، ثمّ قاموا فقالوا : يا ويحكم ، أمثل هذا الكوكب الدرّي ، والنور الزاهر ، تعرضون على مثلنا ، وهذا - واللّه - الحسب الزكي ، والنسب المهذّب الطاهر ، ولدته النجوم الزواهر ، والأرحام الطواهر ، واللّه ما هو إلاّ من ذرّية النبي صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام - وهو في ذلك الوقت ابن خمس وعشرين شهرا - .
فنطق بلسان أرهف من السيف وأفصح من الفصاحة يقول :
الحمد للّه الذي خلقنا من نوره ، واصطفانا من بريّته ، وجعلنا أمناء على خلقه ووحيه .
معاشر الناس ، أنا محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي سيّد العادين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وابن فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى ، عليهم السلام أجمعين .
أفي مثلي يشكّ ، وعلى اللّه - تبارك وتعالى - وعلى جدّي يُفترى ، وأُعرض على القافة ؟!
ص: 295
إنّي - واللّه - لأعلم ما في سرائرهم وخواطرهم ، وإنّى - واللّه - لأعلم الناس أجمعين بما هم إليه صائرون .
أقول حقّا وأظهر صدقا ، علما قد نبّأه اللّه - تبارك وتعالى - قبل الخلق أجمعين ، وقبل بناء السماوات والأرضين ، وأيم اللّه لولا تظاهر الباطل علينا ، وغواية ذرّية الكفر ، وتوثّب أهل الشرك والشكّ والشقاق علينا ، لقلتُ قولاً يعجب منه الأوّلون والآخرون .
ثمّ وضع يده على فيه ، ثمّ قال : يا محمد ، اصمت كما صمت آباؤك ، و« اصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ » .
ثمّ أتى إلى رجل بجانبه ، فقبض على يده ، فما زال يمشي يتخطّى رقاب الناس وهم يفرجون له .
قال : فرأيت مشيخة أجلاّءهم ينظرون إليه ويقولون : « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ » ، فسألت عنهم ، فقيل : هؤلاء قوم من بني هاشم من أولاد عبد المطّلب .
فبلغ الرضا عليه السلام - وهو في خراسان - ما صنع ابنه ، فقال : الحمد للّه ، ثمّ ذكر ما قذفت به مارية القبطية ، ثمّ قال : الحمد للّه الذي جعل في ابني محمد أسوة برسول اللّه صلى الله عليه و آله وابنه إبراهيم(1) .
ص: 296
قال عسكر مولى أبى جعفر عليه السلام : دخلت عليه فقلت في نفسي : يا سبحان اللّه ! ما أشدّ سمرة مولاي وأضوى جسده !
قال : فواللّه ما استتمّمت الكلام في نفسي حتى تطاول وعرض جسده وامتلأ به الإيوان إلى سقفه ومع جوانب حيطانه ، ثمّ رأيت لونه وقد أظلم حتى صار كالليل المظلم ، ثمّ ابيضّ حتى صار كأبيض ما يكون من الثلج ، ثمّ احمرّ حتى صار كالعلق المحمرّ ، ثمّ اخضرّ حتى صار كأخضر ما يكون من الأغصان الورقة الخضرة ، ثمّ تناقض جسمه حتى صار في صورته الأولى ، عاد لونه الأوّل ، وسقطت لوجهي ممّا رأيت .
فصاح بي : يا عسكر ، تشكّون فننبّئكم ، وتضعفون فنقوّيكم ، واللّه لا وصل إلى حقيقة معرفتنا إلاّ مَن مَنّ اللّه عليه ، وارتضاه لنا وليّا(1) .
قال العوني :
هذا الذي إذ ولدته أمّه
عاجلها منه حسيبا فابتدر
حتى تفرّغن النسا من حولها
وقلن هذا هو أمر مبتكر
والولد الطيّب قد جلّله
عنهنّ مولاه بنوب فاستتر
* * *
بنان بن نافع ، قال : سألت علي بن موسى الرضا عليه السلام فقلت : جعلت
ص: 297
فداك ، مَن صاحب الأمر بعدك ؟ فقال لي : يا ابن نافع ، يدخل عليك من هذا الباب من ورث ما ورثته من قبلي ، وهو حجّة اللّه - تعالى - من بعدي .
فبينا أنا كذلك ، إذ دخل علينا محمد بن علي عليهماالسلام ، فلمّا بصر بي قال لي : يا ابن نافع ، ألا أحدّثك بحديث ؟
إنّا معاشر الأئمّة إذا حملته أمّه يسمع الصوت من بطن أمّه أربعين يوما ، فإذا أتى له في بطن أمّه أربعة أشهر رفع اللّه - تعالى - له أعلام الأرض ، فقرب له ما بعُد عنه ، حتى لا يغرب عنه حلول قطرة غيث نافعة ولا ضارّة ، وإنّ قولك لأبي الحسن عليه السلام : « مَن حجّة الدهر والزمان من بعده » ، فالذي حدّثك أبو الحسن عليه السلام ما سألت عنه هو الحجّة عليك ، فقلت : أنا « أَوَّلُ الْعابِدِينَ » .
ثمّ دخل علينا أبو الحسن عليه السلام فقال لي : يا ابن نافع ، سلّم وأذعن له بالطاعة ، فروحُه روحي ، وروحي روح رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
اجتاز المأمون بابن الرضا عليه السلام ، وهو بين صبيان ، فهربوا سواه ، فقال : عليّ به ، فقال له : ما لك ما هربت في جملة الصبيان ؟ قال : ما لي ذنب فأفرّ ، ولا الطريق ضيق فأوسّعه عليك ، تمرّ من حيث شئت .
فقال : من تكون ؟ قال : أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
ص: 298
فقال : ما تعرف من العلوم ؟ قال : سلني عن أخبار السماوات .
فودّعه ومضى ، وعلى يده باز أشهب يطلب به الصيد ، فلمّا بعد عنه نهض عن يده الباز ، فنظر يمينه وشماله لم ير صيدا ، والباز يثب عن يده ، فأرسله ، وطار يطلب الأفق حتى غاب عن ناظره ساعة ، ثمّ عاد إليه ، وقد صاد حيّة ، فوضع الحيّة في بيت الطعم ، وقال لأصحابه : قد دنا حتف ذلك الصبي في هذا اليوم على يدي .
ثمّ عاد ، وابن الرضا في جمله الصبيان ، فقال : ما عندك من أخبار السماوات ؟ فقال : نعم ، يا أمير المؤمنين ، حدّثني أبي عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه و آله عن جبرئيل عليه السلام عن ربّ العالمين أنّه قال : بين السماء والهواء بحر عجّاج يتلاطم به الأمواج ، فيه حيات خضر البطون رقط الظهور ، ويصيدها الملوك بالبزاة الشهب يمتحن بها العلماء ، فقال : صدقت وصدق آباؤك وصدق جدّك وصدق ربّك . فأركبه ، ثمّ زوّجه أمّ الفضل .
محمد بن أحمد بن يحيى في نوادر الحكمة عن أميّة بن علي ، قال : دعا أبو جعفر عليه السلام يوما بجارية ، فقال : قولي لهم يتهيّأون للمأتم ، قالوا : مأتم مَن ؟ قال : مأتم خير من على ظهرها .
فأتى خبر أبيالحسن عليه السلام بعد ذلك بأيّام، فإذا هو قد مات في ذلك اليوم(1).
ص: 299
محمد بن الفرج : كتب إليّ أبو جعفر عليه السلام : احملوا إليّ الخمس ، فإنّي لست آخذه منكم سوى عامي هذا ، فقبض في تلك السنة(1) .
وفي كتاب معرفة تركيب الجسد عن الحسين بن أحمد التميمي : روي عن أبي جعفر الثاني عليه السلام أنّه استدعى فاصدا في أيّام المأمون ، فقال له : افصدني في العرق الزاهر ، فقال له : ما أعرف هذا العرق - يا سيّدي - ولا سمعته ، فأراه إيّاه.
فلمّا فصده خرج منه أصفر ، فجرى حتى امتلأ الطست ، ثمّ قال له : امسكه ، فأمر بتفريغ الطست ، ثمّ قال : خلّ عنه ، فخرج دون ذلك ، فقال : شدّه الآن .
فلمّا شدّ يده أمر له بمائة دينار ، فأخذها وجاء إلى بخناس ، فحكى له ذلك ، فقال : واللّه ما سمعت بهذا العرق مذ نظرت في الطبّ ، ولكن هاهنا فلان الأسقف قد مضت عليه السنون ، فامض بنا إليه ، فإن كان عنده علمه وإلاّ لم نقدر على من يعلمه .
فمضيا ودخلا عليه ، وقصّ القصص ، فأطرق مليّا ، ثمّ قال : يوشك أن يكون هذا الرجل نبيّا ، أو من ذرّية نبي .
ص: 300
معلى بن محمد ، قال : خرج عليّ أبو جعفر عليه السلام حدثان موت أبيه ، فنظرت إلى قدّه لأصف قامته لأصحابنا بمصر ، فقعد ، ثمّ قال : يا معلّى ، إنّ اللّه احتجّ في الإمامة بمثل ما احتجّ في النبوّة ، فقال : « وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا » .
وقد رواه علي بن أسباط(1) .
أبو سلمة ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام - وكان بي صمم شديد - ، فخبّر بذلك لمّا أن دخلت عليه ، فدعاني إليه ، فمسح يده على أذني ورأسي ، ثمّ قال : اسمع وعِه .
فواللّه إنّي لأسمع الشيء الخفيّ عن أسماع الناس من بعد دعوته .
وروي أنّ أبا جعفر عليه السلام لمّا صار إلى شارع الكوفة نزل عند دار المسيّب ، وكان في صحنه نبقة لم تحمل ، فدعا بكوز فيه ماء ، فتوضّأ في أسفل النبقة ، وقام فصلّى بالناس المغرب والعشاء الآخرة ، وسجد سجدتي التكبير ، ثمّ خرج .
ص: 301
فلمّا انتهى إلى النبقة رآها الناس ، وقد حملت حسنا ، فتعجّبوا من ذاك ، وأكلوا منها ، فوجدوا نبقا حلوا لا عجم له ، وودّعوه ، ومضى إلى المدينة(1) .
قال الشيخ المفيد : وقد أكلت من ثمرها ، وكان لا عجم له .
ابن عيّاش في كتاب أخبار أبي هاشم الجعفري ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام ، ومعي ثلاث رقاع غير معنونة ، فاشتبهت عليّ ، فاغتممت لذلك .
فتناول إحداهنّ وقال : هذه رقعة ريّان بن شبيب ، وتناول الثانية وقال : هذه رقعة محمد بن أبي حمزة ، وتناول الثالثة وقال : هذه رقعة فلان .
فبهتّ ، فنظر عليه السلام ، وتبسّم .
وفيه أنّه قال الحميري : قال لي أبو هاشم : أعطاني أبو جعفر عليه السلام ثلاثمائة دينار في صرّة ، فأمرني أن أحملها إلى بعض بني عمّه ، وقال : أما إنّه سيقول لك : دلّني على حريف يشتري لي بها متاعا ، فدلّه عليه ، فكان كما قال .
ص: 302
وقال أبو هاشم : كلّمني جمّال أن أكلّمه له ليدخل في بعض أموره ، فدخلت عليه أكلّمه ، فوجدته يأكل في جماعة ، فلم يمكنّي كلامه ، فقال : يا أبا هاشم ، كُل ، ووضع الطعام بين يدي ، ثمّ قال : يا غلام ، انظر الجمّال الذي أتانا به أبو هاشم فضمّه إليك .
وقال أبو هاشم : قلت له : جعلت فداك ، إنّي مولع بأكل الطين ، فادع اللّه لي ، فسكت .
ثمّ قال لي بعد أيّام : يا أبا هاشم ، قد أذهب اللّه عنك أكل الطين ، قلت : فما شيء أبغض إليّ منه(1) .
محمد بن حمزة الهاشمي ، قال : أصابني العطش عند أبي جعفر عليه السلام ، فنظر في وجهي وقال : أراك عطشانا ؟ قلت : أجل ، قال : يا غلام ، اسقنا ماء ، فقلت : الساعة يأتونه بماء مسموم من بيت المأمون ، واغتممت لذلك ، فتبسّم في وجهي .
ص: 303
ثمّ قال : يا غلام ، ناولني الماء ، فتناول الماء فشرب ، ثمّ ناولني فشربت .
فعطشت مرّة أخرى ، فدعا بالماء ، ففعل كما فعل أوّلاً .
فقال محمد الهاشمي : واللّه ، أظنّ أبا جعفر يعلم ما في النفوس ، كما تقول الرافضة(1) .
الحسن بن علي : إنّ رجلاً جاء إلى التقي عليه السلام وقال : أدركني يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فإنّ أبي قد مات فجأة ، وكان له ألفا دينار ، ولست أصل إليه ، ولي عيال كثير .
فقال : إذا صلّيت العتمة ، فصلّ على محمد وآله مائة مرّة ليخبرك به .
فلمّا فرغ الرجل من ذلك رأى أباه يشير إليه بالمال ، فلمّا أخذه قال : يا بنيّ ، اذهب إلى الإمام ، وأخبره بقصّتي ، فإنّه أمرني بذلك .
فلمّا انتبه الرجل أخذ المال ، وأتى أبا جعفر عليه السلام وقال : الحمد للّه الذي أكرمك واصطفاك(2) .
وفي رواية ابن أسباط : وهو إذ ذاك خماسي ، إلاّ أنّه لم يذكر موت والده .
ص: 304
وقال المطرفي : مضى أبو الحسن عليه السلام ولي عليه أربعة آلاف درهم لم يكن يعرفها غيري ، فأرسل إليّ أبو جعفر عليه السلام : إذا كان في غد فائتني .
فأتيته من الغد ، فقال لي : مضى أبو الحسن عليه السلام ولك عليه أربعة آلاف درهم ، فدفع دنانير من تحت مصلاّه ، وكانت قيمتها في الوقت أربعة آلاف درهم(1) .
وروي أنّ امرأته أمّ الفضل بنت المأمون سمّته في فرجه بمنديل(2) ، فلمّا أحسّ بذلك قال لها : أبلاكِ بداء لا دواء له .
فوقعت الآكلة في فرجها ، وكانت تنتصب للطبيب ، فينظرون إليها ويسرون بالدواء عليها ، فلا ينفع ذلك حتى ماتت من علّتها(3) .
قال العوني :
يا آل أحمد لولاكم لما طلعت
شمس ولا ضحكت أرض على العشب
يا آل أحمد لا زال الفؤاد بكم
صباية بادرت تبكي على الندب
ص: 305
يا آل أحمد أنتم خير من وجدت
به المطايا وأنتم منتهى إربي
يا زينة الأرض يا فجر الظلام بها
يا درّة المجد يا عرعورة العرب
* * *
وقال العبدي :
صلوات الإله ربّي عليكم
أهل بيت الصيام والصلوات
قدّم اللّه كونكم في قديم
الكون قبل الأرضين والسماوات
واصطفاكم لنفسه وارتضاكم
وأرى الخلق فيكم المعجزات
وعلمتم ما قد يكون وما كان
وعلم الدهور والحادثات
أنتم جنبه وعروته الوثقى
وأسماؤه وباب النجاة
وبكم يعرف الخبيث من الطيّب
والنور في دجى الظلمات
لكم الحوض والشفاعة والأعراف
عرفتم جميع السمات
* * *
وقال المعرّي :
يا بن الذي بلسانه وبنانه
هدي الأنام ونزّل التنزيل
عن فضله نطق الكتاب وبشّرت
لقدومه التوراة والإنجيل
لولا انقطاع الوحي بعد محمد
قلنا محمد من أبيه بديل
هو مثله في الفضل إلاّ أنّه
لم يأته برسالة جبريل
* * *
ص: 306
وقال مهيار :
لئن قام دهري دون المنى
وأصبح عن نيلها مقعدي
ولم آل أحمد أفعاله
فلي أسوة ببني أحمد
بخير الورى وهم خيرهم
إذا ولد الخير لم يولد
وأكرم حيّ على الأرض قام
وميّت توسّد في ملحد
وبيت تقاصر عنه البيوت
وطاول علي على الفرقد
نجوم الملائك من حوله
ويصبح في الوحي دار الند
ومنها :
وإرث علي لأولاده
إذا انه الإرث لم يفسد
فمن قاعد منهم خائف
ومن ناثر قام لم يسعد
فسلّط بغي أكفّ النفا
ق منهم على سيّد سيّد
أبوهم وأمّهم من علمت
فأنقص متأخّرهم أو زد
ستعلم من فاطم خصمه
بأيّ نكال غدا يرتدي
* * *
وقال ابن الحجّاج :
ابن النبي المصطفى
والمرتضي الهادي الوصي
* * *
ص: 307
ص: 308
ص: 309
ص: 310
أخبر علي بن خالد بالعسكر : أنّ متنبّيا أتي من الشام وحبس فيه ، فأتاه وقال : ما قصّتك ؟ قال : كنت بالشام أعبد اللّه في الموضع الذي يقال : إنّه نصب فيه رأس الحسين عليه السلام ، فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب أذكر اللّه ، إذ رأيت شخصا يقول : قم ، فقمت ، فمشى بي قليلاً ، وإذا أنا في مسجد الكوفة ، فصلّينا فيه ، ثمّ انصرفنا ، ومشينا قليلاً ، فإذا نحن بمسجد الرسول صلى الله عليه و آله ، فصلّينا فيه ، ثمّ خرجنا ، فمشينا قليلاً ، وإذا نحن بمكّة ، فطفنا بالبيت ، ثمّ خرجنا ، فمشينا قليلاً ، فإذا نحن بموضعي ، ثمّ غاب الشخص عن عيني ، فبقيت متعجّبا بذلك حولاً بما رأيت .
فلمّا كان في العام المقبل أتاني أيضا ، ففعل كما فعل في العام الماضي ، فلمّا أراد مفارقتي قلت له : أسألك بالحقّ الذي أقدرك على ما رأيت منك إلاّ أخبرتني من أنت ؟
قال : أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر عليهم السلام ، فحدّثت بذلك ، فرفع إلى محمد بن عبد الملك الزيّات ، فأخذني وكبّلني كما ترى ، وادّعى عليّ المحال .
فكتب خالد عنه قصّته ، ورفعها إلى ابن الزيّات ، فوقع في ظهرها : قل للذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة ، ومن الكوفة إلى المدينة ،
ص: 311
ومن المدينة إلى مكّة ، ومن مكّة إلى الشام ، أن يخرجك من حبسك هذا ، فانصرف خالد محزونا .
فلمّا كان من الغد باكر الحبس ليأمره بالصبر ، فوجد أصحاب الحرس وغوغاء يهرجون ، فسأل عن حالهم ، فقيل : المحمول من الشام افتقد البارحة من الحبس .
وكان علي بن خالد زيديّا ، فقال بالإمامة لمّا رأى ذلك ، وحسن اعتقاده(1) .
محمد بن أبي العلاء : سألت يحيى بن أكثم بعد التحف والطرف(2) ، فقلت له : علّمني من علوم آل محمد صلى الله عليه و آله ، فقال : أخبرك بشرط أن تكتمه عليّ حال حياتي ، فقلت : نعم .
قال : دخلت المدينة ، فوجدت محمد بن علي الرضا عليهماالسلام يطوف عند قبر النبي صلى الله عليه و آله ، فناظرته في مسائل ، فأجابني .
فقلت في نفسي - خفية - : أريد أن أبديها .
ص: 312
فقال : إنّي أخبرك بها تريد أن تسأل : من الإمام في هذا الزمان ؟
فقلت : هو - واللّه - هذا ، فقال : إنّني .
فسألته علامة ، فتكلّم عصا في يده ، فقال : إنّ مولاي إمام هذا الزمان ، وهو الحجّة(1) .
حكيمة بنت أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قالت : لمّا حضرت ولادة الخيزران - أمّ أبي جعفر عليه السلام - ، دعاني الرضا عليه السلام ، فقال لي : يا حكيمة ، احضري ولادتها ، وادخلي وإيّاها والقابلة بيتا ، ووضع لنا مصباحا ، وأغلق الباب علينا .
فلمّا أخذها الطلق طفي المصباح - وبين يديها طست - ، فاغتممت بطفي المصباح ، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر عليه السلام في الطست ، وإذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى أضاء البيت ، فأبصرناه ، فأخذته فوضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء .
فجاء الرضا عليه السلام ، ففتح الباب وقد فرغنا من أمره ، فأخذه ، فوضعه في المهد وقال لي : يا حكيمة الزمي مهده .
قالت : فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ، ثمّ نظر يمينه ويساره ، ثمّ قال : أشهد أنّ لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ص: 313
فقمت ذعرة فزعة ، فأتيت أبا الحسن عليه السلام ، فقلت له : لقد سمعت من هذا الصبي عجبا ، فقال : وما ذاك ؟ فأخبرته الخبر ، فقال : يا حكيمة ، ما ترون من عجائبه أكثر(1) .
صفوان بن يحيى ، قال : حدّثني أبو نصر الهمداني وإسماعيل بن مهران وحبران الأسباطي عن حكيمة بنت أبي الحسن القرشي عن حكيمة بنت موسى بن عبد اللّه عن حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى التقي عليه السلام ، قال :
دخلت على أمّ الفضل بنت المأمون يوم السابع من وفاة التقي عليه السلام فوجدتها جزعة ، وكان الناس يعزّونها ، ويذكرون مناقبه ، فدعت ياسر الخادم ، وجواري كثيرة ، وقالت : كنت أغار على محمد التقي عليه السلام ، وكان يشدّد عليّ القول ، وكنت أشكو ذلك إلى والدي ، فيقول والدي : يا بنيّة ، احتمليه ، فإنّه بضعة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فبينا أنا جالسة يوما ، إذ دخلت امرأة من أحسن الناس ، وسلّمت عليّ ، فسألتها من أنت ؟ قالت : أنا من أولاد عمّار بن ياسر .
فأجلستها لحرمته ، فقالت : أنا زوجة محمد التقي عليه السلام ، فوسوس إليّ الشيطان بقتلها ، ثمّ احتملت ، ورحّبت إليها وأعطيتها .
ص: 314
فلمّا خرجت دخلت على والدي ، وقصصت عليه - وهو سكران لا يعقل - ، فقال : عليّ بالسيف - واللّه - لأقتلنّه ، ودخل عليه وضربه حتى قطعه وانصرف ، فنام .
فلمّا انتبه رآني ، فقال : ما تصنعين هاهنا ؟ قلت : قد قتلت البارحة ابن الرضا عليه السلام ، فبرقت عيناه وغشي عليه .
فلمّا أفاق قال : ويلك ما تقولين ؟! قلت : نعم ، يا أبه ، دخلت عليه ولم تزل تضربه بالسيف حتى قتلته ، فاضطرب من ذلك اضطرابا شديدا ، ثمّ قال : عليّ بياسر الخادم ، فلمّا حضر قال : ويلك ما هذا الذي تقول هذه ؟ فقال : صدقت يا أمير المؤمنين .
فضرب نفسه وحوقل ، وقال : هلكنا - واللّه - وعطبنا وافتضحنا إلى آخر الأبد ، ويلك ، فانظر ما القصّة .
فخرج وانصرف قائلاً : البشرى يا أمير المؤمنين ، قال : فما عندك ؟ قال : رأيته يستاك ، فقلت : يا ابن رسول اللّه ، أريد أن تخلع عليّ ثوبك ، وغرضي أن أرى أعضاءه ، قال : بل أكسوك خيرا منه ، قلت : لست أريد غيره ، فأتى بآخر فنزعه ، وخلع عليّ ، فلم أجد عليه أثرا .
فبكى والدي وقال : ما بقي بعد هذا شيء آخر ، إنّ هذا لعبرة الأوّلين والآخرين .
ثمّ قال : اعلمه من قصّتها ودخولي عليه بالسيف ، لعن اللّه هذه البنت ، وهدّدها في شكايتها عنه ، وأنفذ ياسر إليه بألف دينار ، وأمر الهاشميّين أن يأتوه في الخدمة .
ص: 315
فنظر التقي عليه السلام إليه مليّا ، فقال : هكذا كان العهد بينه وبين أبي ، وبينه وبيني ، حتى هجم عليّ بالسيف ، أو ما علم أنّ لي ناصرا وحاجزا يحجز بيني وبينه ؟
فقال ياسر : ما شعر واللّه ، فدع عن عتابك ، فإنّه لن يسكر أبدا .
ثمّ ركب حتى أتى إلى والدي ، فرحّب به والدي ، وضمّه إلى نفسه ، وقال : إن كنت وجدت عليّ فاعف عنّي وأصلح ، فقال : ما وجدت شيئا ، وما كان إلاّ خيرا .
فقال المأمون : لأتقرّبنّ إليه بخراج الشرق والغرب ، ولأهلكنّ أعداءه كفّارة لما صدر منّي ، ثمّ أذن للناس ودعا بالمائدة(1) .
الحسين بن محمد الأشعري ، قال : حدّثني شيخ من أصحابنا يقال له « عبد اللّه بن رزين » ، قال : كنت مجاورا بالمدينة - مدينة الرسول صلى الله عليه و آله - ، وكان أبو جعفر عليه السلام يجيء في كلّ يوم مع الزوال إلى المسجد ، فينزل على الصخرة ، ويسير إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويسلّم عليه ، ويرجع إلى بيت فاطمة عليهاالسلام ، ويخلع نعله ، فيقوم فيصلّي ، فوسوس إليّ الشيطان(2) !
ص: 316
فقال : إذا نزل فاذهب حتى تأخذ من التراب الذي يطأ عليه .
فجلست في ذلك اليوم أنتظره لأفعل هذا ، فلمّا أن كان في وقت الزوال أقبل عليه السلام على حمار له ، فلم ينزل في الموضع الذي كان ينزل فيه ، وجازه حتى نزل على الصخرة التي كانت على باب المسجد ، ثمّ دخل فسلّم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ رجع إلى مكانه الذي كان يصلّي فيه ، ففعل ذلك أيّاما .
فقلت : إذا خلع نعليه جئت ، فأخذت الحصا الذي يطأ عليه بقدميه ، فلمّا كان من الغد جاء عند الزوال ، فنزل على الصخرة ، ثمّ دخل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وجاء إلى الموضع الذي كان يصلّي فيه ولم يخلعهما ، ففعل ذلك أيّاما .
فقلت في نفسي : لم يتهيّأ لي هاهنا ، ولكن اذهب إلى الحمّام ، فإذا دخل الحمّام آخذ من التراب الذي يطأ عليه ، فلمّا دخل الحمّام دخل في المسلخ بالحمار ، ونزل على الحصير ، فقلت للحمّامي في ذلك ، فقال : واللّه ما فعل هذا قطّ إلاّ في هذا اليوم ، فانتظرته ، فلمّا خرج دعا بالحمار ، فأدخل المسلخ ، وركب فوق الحصير وخرج .
فقلت : واللّه آذيته ولا أعود أروم ما رمت منه أبدا ، فلمّا كان وقت الزوال نزل في الموضع الذي كان ينزل فيه(1) .
الكليني بإسناده إلى محمد بن الريّان ، قال : احتال المأمون على أبي
ص: 317
جعفر عليه السلام بكلّ حيلة ، فلم يمكنه فيه شيء ، فلمّا أراد أن يبني(1) عليه ابنته دفع إلى مائة وصيفة من أجمل ما يكون ، إلى كلّ واحدة منهنّ جاما فيه جوهر يستقبلون أبا جعفر عليه السلام إذا قعد في موضع الأختان ، فلم يلتفت إليهنّ .
وكان رجل يقال له : « مخارق » صاحب صوت وعود وضرب ، طويل اللحية ، فدعاه المأمون فقال : يا أمير المؤمنين إن كان في شيء من أمر الدنيا ، فأنا أكفيك أمره ، فقعد بين يدي أبي جعفر عليه السلام ، فشهق مخارق شهقة اجتمع إليه أهل الدار ، وجعل يضرب بعوده ويغنّي .
فلمّا فعل ساعة ، وإذا أبو جعفر عليه السلام لا يلتفت إليه ، ولا يمينا ولا شمالاً ، ثمّ رفع رأسه وقال : اتّق اللّه يا ذا العثنون .
قال : فسقط المضراب من يده والعود ، فلم ينتفع بيده إلى أن مات(2) .
أبو هاشم الجعفري ، قال : صلّيت مع أبي جعفر عليه السلام في مسجد المسيّب ، وصلّى بنا في موضع القبلة سواء ، وذكر أنّ السدرة التي في المسجد كانت يابسة ليس عليها ورق ، فدعا بماء وتهيّأ تحت السدرة ، فعاشت السدرة ، وأورقت ، وحملت من عامها(3) .
ص: 318
وقال ابن سنان : دخلت على أبي الحسن عليه السلام ، فقال : يا محمد ، حدث بآل فرج حدث ! فقلت : مات عمر ، فقال : الحمد للّه على ذلك - أحصيت له أربعا وعشرين مرّة - .
ثمّ قال : أفلا تدري ما قال - لعنه اللّه - لمحمد بن علي أبي عليه السلام ؟ قال : قلت : لا ، قال : خاطبه في شيء ، قال : أظنّك سكرانا !!!
فقال أبي : اللّهمّ إن كنت تعلم أنّي أمسيت لك صائما فأذقه طعم الحرب(1) وذلّ الأسر .
فواللّه ما أن ذهبت الأيّام حتى حرب ماله ، وما كان له ، ثمّ أخذ أسيرا ، فهو ذا ذليل(2) حتى مات(3) . . الخبر .
أحمد بن علي بن كلثوم السرخسي : قال أبو زينبة : وفي حلق الحكم بن يسار المروزي شبه الخطّ ، كأنّه أثر الذبح ، فسألته عن ذلك .
فقال : كنّا سبعة نفر في حجرة واحدة ببغداد في زمان أبي جعفر الثاني عليه السلام ، فغاب عنّا الحكم عند العصر ، ولم يرجع تلك الليلة .
ص: 319
فلمّا كان جوف الليل جاءنا توقيع من أبي جعفر عليه السلام : إنّ صاحبكم الخراساني مذبوح مطروح في لبد في مزبلة كذا وكذا ، فاذهبوا فداووه بكذا وكذا .
فذهبنا ، فحملناه وداويناه بما أمرنا به ، فبرأ من ذلك(1) .
إبراهيم بن محمد الهمداني ، قال : كتب أبو جعفر عليه السلام إليّ كتابا ، وأمرني أن لا أفكّه حتى يموت يحيى بن عمران .
قال : فمكث الكتاب عندي سنين ، فلمّا كان اليوم الذي مات فيه يحيى بن عمران ، فككته فإذا فيه : قم بما كان يقوم به - أو نحو هذا - من الأمر .
قال : فقرأ إبراهيم هذا الكتاب في المقبرة يوم مات يحيى بن عمران ، وكان إبراهيم يقول : كنت لا أخاف الموت ما كان يحيى حيّا(2) .
ابن الهمداني الفقيه في تتمّة تاريخ أبي شجاع الوزير ذيله على تجارب الأمم : إنّه لمّا حرقوا القبور بمقابر قريش جادلوا حفر ضريح أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلام ، وإخراج رمته ، وتحويلها إلى مقابر أحمد ، فحال تراب الهدم ، وزناد الحريق بينهم وبين معرفة قبره .
ص: 320
قال شاعر :
سيحبر من جمع المكارم كلّها
والعلم أجمع للإمام محمد
يميز الخلائق فضله وجلاله
وهو ابن سيّدنا النبي محمد
* * *
وقال الشريف المرتضى :
أقلني ربّي بالذين اصطفيتهم
وقلت لنا هم خير من أنا خالق
وإن كنت قد قصّرت سعيا إلى التقى
فإنّي بهم ما شئت عندك لاحق
هم أنقذوا لمّا فزعت إليهم
وقد صممت نحوي السنون العوارق
وهم جدبوا صنعي إليهم من الأذى
وقد طرقت باب الخطوب الطوارق
ولولاهم ما زلت في الدين خطوة
ولا اتّسعت فيه عليّ المضايق
ولا سيّرت فضلي إليها مغارب
ولا طيّرته بينهنّ مشارق
ولا صيّرت قلبي من الناس كلّهم
لها وطنا تأوي إليه الحقائق
* * *
ص: 321
وقال ابن حمّاد :
ما اتّكالي إلاّ على عفو ربّي
وولائي للطاهرين الطياب
آل طاها وآل ياسين صفو
الصفو من ذا الورى ولبّ اللباب
خير من كان أو يكون من الخلق
وأزكى من حلّ فوق التراب
من إليهم يوم الإياب إيابي
وعليهم يوم الحساب حسابي
من زكاتي بهم زكت وصلاتي
قبلت إذ جعلتهم محرابي
أهل بيت الإله طهّرهم من
كلّ رجس وريبة ومعاب
والبيوت التي تأذن أن تر
فع فاسأل بها ذوي الألباب
ومعاني الأسماء قال له الر
حمن فليرتقوا إلى الأسباب
خلفاء الإله يقضون بالحكمة
بين الورى وفصل الخطاب
* * *
وقال الحصكفي الخطيب :
إنّي جعلت في الخطوب مؤمّلي
محمدا والأنزع البطينا
أحببت ياسين وطاسين ومن
يلزم في ياسين أو طاسينا
سفن النجاة والمناجاة ومن
آوى إلى الفلك وطور سينا
والعلم في الصين ولكن كشفه
في قصدهم لا أن ترون الصينا
ذروا الغبا فإنّ أصحاب العبا
هم النبأ إن شئتم التبيينا
قوموا ادخلوا الباب وقولوا حطّة
يغفر لنا الذنوب أجمعينا
* * *
ص: 322
وقال محمد بن أبي النعمان :
سلام على آل النبي محمد
ورحمة ربّي دائما أبدا يجري
وصلّى عليهم ذو الجلال معظّما
وزادهم في الفضل فخرا على فخر
فهم خير خلق اللّه أصلاً ومحتدا
وأكرمهم فرعا على الفحص والسدر
وأوسعهم علما وأحسنهم هدى
وأتقاهم للّه في السرّ والجهر
وأفضلهم في الفضل في كلّ مفضل
وأقولهم بالحكم في محكم الذكر
وأشجعهم في النازلات وفي الوغى
وأجودهم للّه في العسر واليسر
أناس علوا كلّ المعاني بأسرها
فدقّت معانيهم على كلّ ذي فكر
* * *
وقال الحميري :
بيت الرسالة والنبوّة والذين
نعدّهم لذنوبنا شفعاء
الطاهرين الصادقين العالمين
العارفين السادة النجباء
إنّي علقت بحبلهم مستمسّكا
أرجو بذاك من الإله رضاء
أسواهم أبغي لنفسي قدوة
لا والذي فطر السماء سماء
ص: 323
ص: 324
ص: 325
ص: 326
ص: 327
ص: 328
الحمد للّه الذي لم يحتج في صنعه إلى الآلة والعلّة والحيلة ، الرحمن الذي قدّر لأهل البيت عليهم السلام بفضله كلّ فضيلة ، الرحيم الذي أزال من المؤمن بلطفه من الذلّة كلّ ذليلة ، عرّف الخلائق بأن جعلها شعبا وقبيلة ، وعدّ في كتابه للمؤمنين الموقنين عدّة جميلة ، وجعل الفردوس للمشتاقين مثوبة جزيلة ، فقال : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ » .
سعيد بن طريف عن علي عليه السلام ، قال : في الجنّة لؤلؤتان إلى بطنان العرش : إحداهما بيضاء ، والأخرى صفراء ، في كلّ واحدة منها سبعون ألف غرفة ، أبوابها وأكوابها من عرق واحد ، فالبيضاء الوسيلة لمحمد صلى الله عليه و آله وأهل بيته ، والصفراء لإبراهيم عليه السلام وأهل بيته(1) .
الصادق عليه السلام : نحن السبب بينكم وبين اللّه (2) .
ص: 329
يزيد بن معاوية عن الصادق عليه السلام في قوله : « عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ » ، إيّانا عنى ، وعلي عليه السلام أوّلنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي(1) صلى الله عليه و آله .
وسأل يحيى بن أكثم أبا الحسن عليه السلام عن قوله : « سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللّهِ » ، قال : هي عين الكبريت ، وعين اليمن ، وعين البرهوت ، وعين الطبرية ، وحمّة(2) ماسيدان ، وحمّة إفريقية ، وعين باحوران ، ونحن الكلمات التي لا تدرك فضائلنا ولا تستقصى(3) .
عروة بن أذينة : سألت أبا عبد اللّه
عليه السلام عن قوله : « وَقُلِ اعْمَلُوا
ص: 330
فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤمِنُونَ » ، فقال : إيّانا عنى(1) .
زيد بن علي في قوله : « أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي
إِلاّ أَنْ يُهْدى » ، نزلت فينا .
زيد الشحّام : قال أبو عبد اللّه عليه السلام في قوله : « إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ إِلاّ مَنْ رَحِمَ اللّهُ » ، نحن - واللّه - الذي رحم اللّه (2) ، ونحن - واللّه - الذين استثنى اللّه - عزّ وجلّ - لكنّا نغني عنهم(3) .
علي بن عبد اللّه ، قال : سأله رجل عن قوله : « فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى » ، قال : من قال بالأئمّة عليهم السلام ، وتبع أمرهم ، ولم يجز طاعتهم(4) .
ص: 331
عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن قوله : « وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ » ، قال : هم الأئمّة عليهم السلام(1) .
وإنّ اللّه - تعالى - جعل على عهدة الأئمّة شهداء ، قال : « وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ » ، وقال في النبي صلى الله عليه و آله : « وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً » ، وفي علي عليه السلام : « وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ » ، وفي الأئمّة عليهم السلام : « وَتَكُونُوا شُهَداءَ » ، آل محمد صلى الله عليه و آله يكونوا شهداء على الناس بعد النبي صلى الله عليه و آله .
ص: 332
ص: 333
ص: 334
هو النقي بن التقي بن الصابر بن الوفي بن الصادق بن الباقر بن السجّاد بن حيدر بن عبد مناف عليهم السلام .
وكان أطيب الناس بهجة ، وأصدقهم لهجة ، وأملحهم من قريب ، وأكملهم من بعيد ، إذا صمت علته هيبة الوقار ، وإذا تكلّم سماه البهاء ، وهو من بيت الرسالة والإمامة ، ومقرّ الوصيّة والخلافة ، شعبة من دوحة النبوّة منتضاة مرتضاة ، وثمرة من شجرة الرسالة مجتناة مجتباة .
ولد بصرياء من المدينة للنصف من ذيالحجّة سنة إثنتي عشرة ومائتين.
ابن عيّاش : يوم الثلاثاء الخامس من رجب سنة أربع عشرة .
وقبض بسرّ من رأى الثالث من رجب سنة أربع وخمسين ومائتين .
وقيل : يوم الإثنين لثلاث ليال بقين من جمادى الآخرة نصف النهار(1) ، وليس عنده إلاّ ابنه أبو محمد عليه السلام .
وله - يومئذٍ - أربعون سنة ، وقيل : واحد وأربعون وسبعة أشهر(2) .
أُمّه أمّ ولد يقال لها « سمانة المغربية(3) » .
ويقال : إنّ أمّه المعروفة بالسيدة « أمّ الفضل » .
ص: 336
فأقام مع أبيه ستّ سنين وخمسة أشهر ، وبعده مدّة إمامته ثلاثا وثلاثين سنة .
ويقال : وتسعة أشهر(1) .
ومدّة مقامه بسرّ من رأى عشرون سنة ، وتوفّي فيها ، وقبره في داره .
وكان في سنيّ إمامته بقيّة ملك المعتصم ، ثمّ الواثق ، والمتوكّل ، والمنتصر ، والمستعين ، والمعتزّ(2) .
وفي آخر ملك المعتمد استشهد مسموما .
وقال ابن بابويه : وسمّه المعتمد(3) .
وقيل لأبي عبد اللّه عليه السلام : ما لمن زار أحدا منكم ؟
قال : كمن زار رسول اللّه (4) صلى الله عليه و آله .
ص: 337
قال دعبل :
قبور بكوفان وأخرى بطيبة
وأخرى بفخّ نالها صلواتي
وآخر من بعد النقي مبارك
زكيّ أرى بغداد في الحفرات
* * *
بوّابه : محمد بن عثمان العمري(1) .
ومن ثقاته : أحمد بن حمزة بن اليسع ، وصالح بن محمد الهمداني ، ومحمد بن جزك الجمّال ، ويعقوب بن يزيد الكاتب ، وأبو الحسين بن هلال ، وإبراهيم بن إسحاق ، وخيران الخادم ، والنضر بن محمد الهمداني .
ومن وكلائه : جعفر بن سهيل الصيقل(2) .
ومن أصحابه : داود بن زيد ، وأبو سليم زنكان ، والحسين بن محمد المدائني ، وأحمد بن إسماعيل بن يقطين ، وبشر بن بشّار النيسابوري الشاذاني ، وسليمان بن جعفر المروزي ، والفتح بن يزيد الجرجاني ، ومحمد بن سعيد بن كلثوم - وكان متكلّما - ، ومعاوية بن حكيم الكوفي ، وعلي بن معد بن محمد البغدادي ، وأبو الحسن بن رجا العبرتائي(3) .
ص: 339
ورواة النصّ عليه جماعة ، منهم : إسماعيل بن مهران ، وأبو جعفر الأشعري ، والخيراني(1) .
والدليل على إمامته : إجماع الإمامية على ذلك ، وطريق النصوص والعصمة ، والطريقان المختلفان من العامّة والخاصّة : من نصّ النبي صلى الله عليه و آله على إمامة الإثني عشر ، وطريق الشيعة : النصوص على إمامته عن آبائه عليهم السلام .
وقال أبو عبد اللّه الزيادي : لمّا سُمّ المتوكّل نذر للّه : إن يرزقه اللّه العافية أن يتصدّق بمال كثير .
فلمّا عوفي اختلف العلماء في المال الكثير ، فقال له الحسن - حاجبه - : إن أتيتك - يا أمير المؤمنين - بالصواب فما لي عندك ؟ قال : عشرة آلاف درهم ، وإلاّ ضربتك مائة مقرعة ، قال : قد رضيت .
فأتى أبا الحسن عليه السلام ، فسأله عن ذلك ، فقال : قل له : يتصدّق بثمانين درهما ، فأخبر المتوكّل ، فسأله ما العلّة ؟
ص: 340
فأتاه ، فسأله ، قال : إنّ اللّه - تعالى - قال لنبيّه : « لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ » ، فعددنا مواطن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فبلغت ثمانين موطنا .
فرجع إليه فأخبره ، ففرح ، فأعطاه عشرة آلاف درهم(1) .
وقال المتوكّل لابن السكّيت : اسأل ابن الرضا عليه السلام مسألة عوصاء - بحضرتي - ، فسأله ، فقال : لمَ بعث اللّه موسى عليه السلام بالعصا ، وبعث عيسى عليه السلام بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ، وبعث محمدا صلى الله عليه و آلهبالقرآن والسيف ؟
فقال أبو الحسن عليه السلام : بعث اللّه موسى عليه السلام بالعصا واليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السحر ، فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم ، وأثبت الحجّة عليهم ، وبعث عيسى عليه السلام بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى - بإذن اللّه - في زمان الغالب على أهله الطبّ ، فأتاهم من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى - بإذن اللّه - فقهرهم وبهرهم ، وبعث محمدا صلى الله عليه و آله بالقرآن والسيف في زمان الغالب على أهله السيف والشعر ، فأتاهم من القرآن الزاهر ، والسيف القاهر ، ما بهر به شعرهم ، وقهر سيفهم ، وأثبت الحجّة عليهم .
ص: 341
فقال ابن السكيت : فما الحجّة الآن ؟ قال : العقل ، يعرف به الكاذب على اللّه ، فيكذّب(1) .
فقال يحيى بن أكثم : ما لابن السكيت ومناظرته ! وإنّما هو صاحب نحو وشعر ولغة ، ورفع قرطاسا فيه مسائل .
فأملى علي بن محمد عليهماالسلام على ابن السكيت جوابها ، وأمره أن يكتب : سألت عن قول اللّه تعالى : « قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ » ، فهو آصف بن برخيا ، ولم يعجز سليمان عن معرفة ما عرفه آصف ، ولكنّه أحبّ أن يعرف أمّته من الجنّ والإنس أنّه الحجّة من بعده ، وذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر اللّه ، ففهّمه ذلك لئلاّ يختلف في إمامته وولايته من بعده ، ولتأكيد الحجّة على الخلق .
وأمّا سجود يعقوب عليه السلام لولده ، فإنّ السجود لم يكن ليوسف عليه السلام ، وإنّما كان ذلك من يعقوب وولده طاعة للّه - تعالى - وتحيّة ليوسف عليه السلام ، كما أنّ السجود من الملائكة لم يكن لآدم عليه السلام، فسجد يعقوب عليه السلام وولده ويوسف عليه السلام معهم شكرا للّه - تعالى - باجتماع(2) الشمل ، ألم تر أنّه يقول في شكره في ذلك الوقت : « رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ » الآية .
وأمّا قوله : « فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤنَ الْكِتابَ » ، فإنّ المخاطب بذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولم يكن في شكّ ممّا أنزل
ص: 342
اللّه إليه ، ولكن قالت الجهلة : كيف لم يبعث نبيّا من الملائكة ؟ ولمَ لم يفرّق بينه وبين الناس في الاستغناء عن المأكل والمشرب والمشي في الأسواق ؟ فأوحى اللّه إلى نبيّه : « فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤنَ الْكِتابَ » بمحضر من الجهلة : هل بعث اللّه نبيّا قبلك إلاّ وهو يأكل الطعام والشراب ، ولك بهم أسوة - يا محمد صلى الله عليه و آله - وإنّما قال : « فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ » ، ولم يكن للنصفة كما قال : « قُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ » ، ولو قال : تعالوا نبتهل فنجعل لعنة اللّه
عليكم لم يكونوا يجيبوا إلى المباهلة ، وقد علم اللّه أنّ نبيّه مؤدّ عنه رسالته ، وما هو من الكاذبين ، وكذلك عرف النبي صلى الله عليه و آله بأنّه صادق فيما يقول ، ولكن أحبّ أن ينصف من نفسه .
وأمّا قوله : « وَلَوْ أَنَّ ما فِي الأَْرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ » الآية ، فهو كذلك لو أنّ أشجار الدنيا أقلام ، والبحر مداد يمدّه سبعة أبحر مدّا حتى انفجرت الأرض عيونا - كما انفجرت في الطوفان - ما نفدت كلمات اللّه ، وهي : عين الكبريت ، وعين اليمن ، وعين برهوت ، وعين الطبرية ، وحمّة ماسيدان - تدعى لسان - ، وحمّة إفريقية - تدعى سيلان - ، وعين باحوران ، ونحن الكلمات التي لا تدرك فضائلنا ولا تستقصى .
وأمّا الجنّة ففيها من المأكل والمشرب والملاهي ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين ، وأباح اللّه ذلك لآدم عليه السلام ، والشجرة التي نهى اللّه آدم عنها وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد ، عهد اللّه إليهما أن لا ينظر إلى من فضّله اللّه عليهما وإلى خلائقه بعين الحسد ، فنسي ولم يجد له عزما .
ص: 343
وأمّا قوله : « أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً » ، فإنّ اللّه - تعالى - زوّج الذكران المطيعين ، ومعاذ اللّه أن يكون الجليل العظيم عنى ما لبست على نفسك تطلب الرخص لارتكاب المحارم ، « وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً » إن لم يتب .
فأمّا قول شهادة امرأة وحدها التي جازت ، فهي القابلة التي جازت شهادتها مع الرضا ، فإن لم يكن رضى فلا أقلّ من امرأتين تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة ، لأنّ الرجل لا يمكنه أن يقوم مقامها ، فإن كانت وحدها قبل قولها مع يمينها .
فأمّا قول علي عليه السلام في الخنثى ، فهو كما قال : يرث من المبال ، وينظر إليه قوم عدول يأخذ كلّ واحد منهم مرآة ، ويقوم الخنثى خلفهم عريانة ، وينظرون إلى المرأة ، فيرون الشيء ويحكمون عليه .
وأمّا الرجل الناظر إلى الراعي ، وقد نزا على شاة ، فإن عرفها ذبحها وأحرقها ، وإن لم يعرفها قسمها الإمام نصفين ، وساهم بينهما ، فإن وقع السهم على أحد القسمين ، فقد أقسم النصف الآخر ، ثمّ يفرّق الذي وقع عليهم السهم نصفين ، ويقرع بينهما ، فلا يزال كذلك حتى تبقى إثنتان ، فيقرع بينهما ، فأيّتهما وقع السهم عليها ذبحت وأحرقت ، وقد نجا سائرها ، وسهم الإمام سهم اللّه لا يخيب .
وأمّا صلاة الفجر والجهر فيها بالقراءة ، لأنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يغلس بها ، فقراءتها من الليل .
ص: 344
وأمّا قول أمير المؤمنين عليه السلام : بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار ، لقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان ممّن خرج يوم النهروان ، فلم يقتله أمير المؤمنين عليه السلام
بالبصرة ، لأنّه علم أنّه يقتل في فتنة النهروان .
وأمّا قولك : « إنّ عليّا قاتل أهل صفّين مقبلين ومدبرين وأجهز على جريحهم ، وإنّه يوم الجمل لم يتبع مولّيا ، ولم يجهز على جريحهم ، وكلّ من ألقى سيفه وسلاحه آمنه » ، فإنّ أهل الجمل قتل إمامهم ، ولم يكن لهم فئة يرجعون إليها ، وإنّما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا محتالين ولا متجسّسين ولا مبارزين ، فقد رضوا بالكفّ عنهم ، وكان الحكم فيه رفع السيف والكفّ عنهم ، إذ لم يطلبوا عليه أعوانا ، وأهل صفّين يرجعون إلى فئة مستعدّة ، وإمام منتصب يجمع لهم السلاح من الرماح والدروع والسيوف ، ويستعدّ لهم ، ويسني لهم العطاء ، ويهيّء لهم الأموال ، ويعقب مريضهم ، ويجبر كسيرهم ، ويداوي جريحهم ، ويحمل راجلهم ، ويكسو حاسرهم ، ويردّهم ، فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم .
فإنّ الحكم في أهل البصرة الكفّ عنهم لمّا ألقوا أسلحتهم ، إذ لم تكن لهم فئة يرجعون إليها ، والحكم في أهل صفّين أن يتبع مدبرهم ، ويجهّز على جريحهم ، فلا يساوي بين الفريقين في الحكم ، ولولا أمير المؤمنين عليه السلام وحكمه في أهل صفّين والجمل لما عرف الحكم في عصاة أهل التوحيد ، فمن أبى ذلك عرض على السيف .
وأمّا الرجل الذي أقرّ باللواط ، فإنّه أقرّ بذلك متبرّعا من نفسه ، ولم تقم عليه بيّنة ، ولا أخذه سلطان ، وإذا كان الإمام الذي من اللّه أن يعاقب
ص: 345
في اللّه ، فله أن يعفو في اللّه ، أما سمعت اللّه يقول لسليمان : « هذا عَطاؤنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ » ، فبدأ بالمنّ قبل المنع .
فلمّا قرأ ابن أكثم ، قال للمتوكّل : ما نحبّ أن تسأل هذا الرجل عن شيء بعد مسائلي هذه ، وإنّه لا يرد عليه شيء بعدها إلاّ دونها ، وفي ظهور علمه تقوية للرافضة(1) .
جعفر بن رزق اللّه ، قال : قدّم إلى المتوكّل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة ، فأراد أن يقيم عليه الحدّ ، فأسلم ، فقال يحيى بن أكثم : الإيمان يمحو ما قبله ، وقال بعضهم : يضرب ثلاثة حدود .
وكتب المتوكّل إلى علي بن محمد النقي عليه السلام يسأله ، فلمّا قرأ الكتاب كتب : يضرب حتى يموت .
فأنكر الفقهاء ذلك ، فكتب إليه يسأله عن العلّة .
فقال : « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » « فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ » ، السورة .
قال : فأمر المتوكّل فضرب حتى مات(2) .
ص: 346
علي بن محمد النوفلي ، قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : اسم اللّه الأعظم ثلاثة وسبعون حرفا ، وإنّما كان عند آصف حرف واحد ، فتكلّم به فانخرق له الأرض فيما بينه وبين سبأ ، فتناول عرش بلقيس حتى صيّره إلى سليمان عليه السلام ، ثمّ انبسطت الأرض في أقلّ من طرفة عين ، وعندنا منه إثنان وسبعون حرفا ، وحرف واحد عند اللّه مستأثر به في علم الغيب(1) .
أبو محمد الفحّام ، قال : سأل المتوكّل ابن الجهم : مَن أشعر الناس ؟ فذكر شعراء الجاهلية والإسلام .
ثمّ إنّه سأل أبا الحسن عليه السلام ، فقال : الجماني حيث يقول :
لقد فاخرتنا من قريش عصابة
بمدّ خدود وامتداد أصابع
فلمّا تنازعنا المقال قضى لنا
عليهم بما نهوى نداء الصوامع
ترانا سكوتا والشهيد بفضلنا
عليهم جهير الصوت في كلّ جامع
فإنّ رسول اللّه أحمد جدّنا
ونحن بنوه كالنجوم الطوالع
* * *
قال : وما نداء الصوامع ، يا أبا الحسن ؟
ص: 347
قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه ، جدّي أم جدّك ؟ فضحك المتوكّل ، ثمّ قال : هو جدّك لا ندفعك عنه(1) .
قال ابن حمّاد :
لا يستوي من وفى يوما ومن نكثا
وليس من طاب أصلاً كالذي خبثا
قد شرّف اللّه خلقا من بريّته
لولاهم ما بدا نفسا ولا نفثا
قوم أبوهم علي خير منتجب
وجدّهم في البرايا خير من بعثا
وأمّهم فاطم الطهر التي طهرت
فلا نفاسا رأت يوما ولا طمثا
رمتهم نايبات الدهر عن لبث
فلا تدع منهم كهلاً ولا حدثا
* * *
ص: 348
ص: 349
ص: 350
أبو محمد الفحّام بالإسناد عن سلمة الكاتب ، قال : قال خطيب - يلقّب بالهريسة - للمتوكّل : ما يعمل أحد بك ما تعمله بنفسك في علي بن محمد ! فلا في الدار إلاّ من يخدمه ، ولا يتعبونه يشيل الستر لنفسه ، فأمر المتوكّل بذلك .
فرفع صاحب الخبر أنّ علي بن محمد عليهماالسلام دخل الدار ، فلم يخدم ، ولم يشل أحد بين يديه الستر ، فهبّ هواء فرفع الستر حتى دخل وخرج .
فقال : شيلوا له الستر بعد ذلك ، فلا نريد أن يشيل له الهواء(1) .
وفي تخريج أبي سعيد العامري رواية عن صالح بن الحكم بيّاع السابري ، قال : كنت واقفيا ، فلمّا أخبرني حاجب المتوكّل بذلك أقبلت أستهزئ به ، إذ خرج أبو الحسن عليه السلام ، فتبسّم في وجهي من غير معرفة بيني وبينه وقال : يا صالح ، إنّ اللّه - تعالى - قال في سليمان : « فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ » ، ونبيّك وأوصياء نبيّك أكرم على اللّه
- تعالى - من سليمان عليه السلام .
قال : وكأنّما انسلّ من قلبي الضلالة ، فتركت الوقف .
ص: 351
الحسين بن محمد ، قال : لمّا حبس المتوكّل أبا الحسن عليه السلام ، ودفعه [ الى ]
علي بن كركر ، قال أبو الحسن عليه السلام : أنا أكرم على اللّه من ناقة صالح ، « تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ » .
قال : فلمّا كان من الغد أطلقه واعتذر إليه ، فلمّا كان في اليوم الثالث وثب عليه باغز وتامش ومعلون(1) ، فقتلوه ، وأقعدوا المنتصر ولده
خليفة(2) .
وفي رواية أبي سالم : إنّ المتوكّل أمر الفتح بسبّه ، فذكر الفتح له ذلك ، فقال : قل له : « تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ » ، الآية .
فأنهى ذلك إلى المتوكّل ، فقال : اقتله بعد ثلاثة أيّام ، فلما كان اليوم الثالث قتل المتوكّل والفتح(3) .
أبو الحسين سعيد بن سهل البصري - المعروف بالملاّح - ، قال : دلّني أبو الحسن عليه السلام - وكنت واقفيّا - فقال لي : الى كم هذه النومة ؟ أما لك أن تنتبه منها ؟ فقدح في قلبي شيئا ، وغشي عليّ ، وتبعت الحقّ(4) .
ص: 352
محمد بن الحسن الأشتر العلوي : كنت مع أبي على باب المتوكّل في جمع من الناس ما بين طالبي إلى عباسي وجعفري ، فتحالفوا لا نترجّل لهذا الغلام ، فما هو بأشرفنا ، ولا بأكبرنا - يعنون أبا الحسن عليه السلام - ، فما هو إلاّ أن أقبل ، وبصروا حتى ترجّل له الناس كلّهم .
فقال لهم أبو هاشم : أليس زعمتم أنّكم لا تترجّلون له ؟ فقالوا : واللّه ما ملكنا أنفسنا حتى ترجّلنا(1) .
أبو يعقوب ، قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام مع أحمد بن الخصيب يتسايران ، وقد قصر أبو الحسن عليه السلام عنه ، فقال له ابن الخصيب : سر جعلت فداك ؟ فقال له أبو الحسن عليه السلام : أنت المقدّم .
فما لبثنا إلاّ أربعة أيّام حتى وضع الوهق على ساق ابن الخصيب وقتل .
قال : وقد ألحّ عليه ابن الخصيب قبل هذا في الدار التي كان نزلها وطالبه بالانتقال عنها وتسليمها إليه ، فبعث إليه أبو الحسن عليه السلام : لأقعدنّ بك من اللّه مقعدا لا تبقى لك معه باقية ، فأخذه اللّه في تلك الأيّام(2) .
ص: 353
إسماعيل بن مهران : لمّا خرج أبو جعفر عليه السلام من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجيته قلت له : جعلت فداك ، إنّي أخاف عليك في هذا الوجه ، فإلى من الأمر بعدك ؟
قال : فكرّ بوجهه إليّ ضاحكا ، وقال لي : ليس حيث ما ظننت في هذه السنة .
فلمّا استدعى به المعتصم صرت إليه ، وقلت له : جعلت فداك ، أنت خارج ! فإلى من هذا الأمر بعدك ؟
فبكى حتى خضب(1) لحيته ، ثمّ التفت إليّ وقال : عند هذه يخاف عليّ ، الأمر من بعدي إلى علي ابني(2) .
زيد بن علي بن الحسين بن زيد : مرضت ، فدخل الطبيب عليّ ليلاً ، ووصف لي دواء آخذه في السحر كذا وكذا يوما ، فلم يمكنّي تحصيله من الليل ، وخرج الطبيب من الباب ، وقد ورد صاحب أبي الحسن عليه السلامفي
الحال ، ومعه صرّة فيها ذلك الدواء بعينه ، فأخذته ، فشربت فبرأت(3) .
ص: 354
أبو هاشم الجعفري ، قال : مرّ بأبى الحسن عليه السلام تركيّ ، فكلّمه أبو الحسن عليه السلام بالتركية ، فنزل عن فرسه ، فقبّل حافر دابّته .
قال : فحلّفتُ التركي أنّه ما قال لك الرجل ؟ قال : هذا تكنّاني باسم سمّيت به في صغري في بلاد الترك ما علمه أحد إلاّ الساعة(1) .
وعنه ، قال : دخلت عليه ، فكلّمني بالهندية ، فلم أحسن أن أردّ عليه - وكان بين يديه ركوة ملأى حصا - ، فتناول حصاة واحدة ، فوضعها في فيه ، فمصّها ثلاثا ، ثمّ رمى بها إليّ ، فوضعتها في فمي ، فواللّه ما برحت من عنده حتى تكلّمت بثلاثة وسبعين لسانا ، أوّلها الهندية(2) .
علي بن مهزيار ، قال : أرسلت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام غلامي - وكان صقلبيا - ، فرجع الغلام إليّ متعجّبا ، فقلت له : مالك يا بنيّ ؟
ص: 355
فقال : وكيف لا أتعجّب ؟ ما زال يكلّمني بالصقلبية كأنّه واحد منّا ، وإنّما أراد بهذا الكتمان عن القوم .
أبو هاشم ، قال : شكوت إليه قصور يدي ، فأهوى بيده إلى رمل كان عليه جالسا ، فناولني منه كفّا ، وقال : اتّسع بهذا ، فقلت لصائغ : اسبك هذا ، فسبكه وقال : ما رأيت ذهبا أشدّ منه حمرة(1) .
داود بن القاسم الجعفري ، قال : دخلت عليه بسرّ من رأى ، وأنا أريد الحجّ لأودّعه ، فخرج معي .
فلمّا انتهى إلى آخر الحاجز نزل ونزلت معه ، فخطّ بيده الأرض خطّة شبيهة بالدائرة ، ثمّ قال لي : يا عمّ ، خذ ما في هذه يكون في نفقتك وتستعين به على حجّك ، فضربت بيدي ، فإذا سبيكة ذهب ، فكان منها مائتا مثقال .
دخل أبو عمر عثمان بن سعيد وأحمد بن إسحاق الأشعري وعلي بن
ص: 356
جعفر الهمداني على أبى الحسن العسكري عليه السلام ، فشكا إليه أحمد بن إسحاق دينا عليه ، فقال : يا أبا عمرو - وكان وكيله - ادفع إليه ثلاثين ألف دينار ، وإلى علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار ، وخذ أنت ثلاثين ألف دينار .
فهذه معجزة لا يقدر عليها إلاّ الملوك(1) ، وما سمعنا بمثل هذا العطاء .
النوفلي : أنّه كتب علي بن الخصيب إلى محمد بن الفرج بالخروج إلى العسكر ، فكتب إلى أبى الحسن عليه السلام يشاوره ، فكتب إليه : اخرج ، فإنّ فيه فرجك إن شاء اللّه .
فخرج ، فلم يلبث إلاّ يسيرا حتى مات(2) .
عبد اللّه بن عبد الرحمن الصالحي : أنّه شكا أبو هاشم إلى أبى الحسن عليه السلام ما لقي من السوق إليه إذا انحدر من عنده إلى بغداد ، وقال له : يا سيّدي ، ادع اللّه لي ، فما لي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه ، قال : قوّاك اللّه - يا أبا هاشم - وقوّى برذونك .
ص: 357
قال : وكان أبو هاشم يصلّي الفجر ببغداد ، والظهر بسرّ من رأى ، والمغرب ببغداد إذا شاء(1) .
الحسين بن الحسن الحسني ، قال : حدّثني أبو الطيّب المديني قال : كان المتوكّل يقول : أعياني ابن الرضا ، فلا يشاربني ، فقيل له : فهذا أخوه موسى(2) ! قصّاف عزّاف ، فأحضره واشهره ، فإنّ الخبر يسمع عن
ص: 358
ابن الرضا ، ولا يفرّق في فعلهما .
وأمر بإحضاره واستقباله ، وأمر له بصلات وأقطاع ، وبنى له فيها [ وحوّل اليه ] من الخمّارين والقينات .
فلمّا وافى موسى تلقّاه أبو الحسن عليه السلام في قنطرة « وصيف » ، فسلّم عليه ، ثمّ قال : إنّ هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك ويضع منك ، فلا تقرّ له أنّك شربت نبيذا قطّ ، واتّق اللّه - يا أخي - أن تركب محظورا ، فقال موسى : وإنّما دعاني لهذا ، فما حيلتي ؟ قال : فلا تضع من قدرك ، ولا تعص ربّك ، ولا تفعل ما يشينك ، فما غرضه إلاّ هتكك ، فأبى عليه موسى .
وكرّر أبو الحسن عليه السلام عليه القول والوعظ ، وهو مقيم على خلافه ، فلمّا رأى أنّه لا يجيب قال : أما إنّ الذي تريد الاجتماع معه عليه لا تجتمع عليه أنت وهو أبدا .
ص: 359
قال : فأقام ثلاث سنين يبكّر كلّ يوم إلى باب المتوكّل ويروح ، فيقال له : قد سكر ، أو قد شرب دواء ، حتى قتل المتوكّل(1) .
خيران الأسباطي ، قال : قدمت على النقي عليه السلام ، فقال : ما خبر الواثق ؟ قلت : في عافية ، قال : إنّ أهل المدينة يقولون : إنّه قد مات ، قلت : إنّني أقرب الناس به عهدا منذ عشرة أيّام ، فقال : إنّ الناس يقولون : إنّه مات ، فعلمت أنّه نعى نفسه .
ثمّ قال : ما فعل جعفر ؟ قلت : تركته في السجن ، فقال : أما إنّه صاحب الأمر .
ثمّ قال : ما فعل ابن الزيّات ؟ قلت : الناس معه ، والأمر أمره ، فقال : إنّه شوم عليه .
ثمّ قال : لابدّ أن يجري مقادير اللّه وأحكامه - يا خيران - مات الواثق ، وقد قعد المتوكّل جعفر ، وقد قتل ابن الزيّات .
قلت : متى جعلت فداك ؟ قال : بعد خروجك بستّة أيّام(2) .
ص: 360
ابن سهلويه : وقع زيد بن موسى إلى عمر بن الفرج مرارا يسأله أن يقدّمه على ابن أخيه(1) ، ويقول : إنّه قد حدث ، وأنا عمّ أبيه ، فقال عمر : ذاك له ، فقال : افعل .
فلمّا كان من الغد أجلسه وجلس في الصدر ، ثمّ أحضر أبا الحسن عليه السلام ، فدخل ، فلمّا رآه زيد قام من مجلسه ، وأقعده في مجلسه ، وجلس وقعد بين يديه ، فقيل له في ذلك ، فقال : لمّا رأيته لم أتمالك نفسي(2) .
أبو محمد الفحّام بالإسناد عن أبي الحسن محمد بن أحمد ، قال : حدّثني عمّ أبي قال : قصدت الإمام يوما ، فقلت : إنّ المتوكّل قطع رزقي ، وما اتّهم في ذلك إلاّ علمه بملازمتي لك ، فينبغي أن تتفضّل عليّ بمسألته ، فقال : تكفى إن شاء اللّه .
فلمّا كان في الليل طرقني رسل المتوكّل ، رسول يتلو رسولاً ، فجئت إليه فوجدته في فراشه ، فقال : يا أبا موسى ، يشتغل شغلي عنك(3) وتنسينا نفسك ، أيّ شيء لك عندي ؟ فقلت : الصلة الفلانية - وذكرت
ص: 361
أشياء - ، فأمر لي بها وبضعفها ، فقلت للفتح : وافى علي بن محمد عليهماالسلام إلى هاهنا أو كتب رقعة ؟ قال : لا .
قال : فدخلت على الإمام عليه السلام ، فقال لي : يا أبا موسى ، هذا وجه الرضا ، فقلت : ببركتك يا سيّدي ، ولكن قالوا : إنّك ما مضيت إليه ولا سألت ، قال : إنّ اللّه - تعالى - علم منّا أنّا لا نلجأ في المهمّات إلاّ إليه ، ولا
نتوكّل في الملمّات إلاّ عليه ، وعوّدنا إذا سألناه الإجابة ، ونخاف أن نعدل فيعدل بنا(1) .
صالح بن سعيد ، قال : دخلت على أبى الحسن عليه السلام يوم وروده بسرّ من رأى ، فقلت له : جعلت فداك ، في كلّ الأمور أرادوا إطفاء نورك حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع - خان الصعاليك - ! فقال : هاهنا أنت يا بن سعيد !
ثمّ أومئ بيده ، فإذا أنا بروضات آنقات ، وأنهار جاريات ، وجنّات بينها خيرات عطرات ، وولدان كأنّهم اللؤلؤ المكنون ، فحار بصري ، وكثر عجبي ، فقال لي : حيث كنّا ، فهذا لنا - يا ابن سعيد - لسنا في خان الصعاليك(2) .
ص: 362
وقال إسحاق الجلاّب : اشتريت لأبي الحسن عليه السلام غنما كثيرة يوم التروية ، فقسّمتها في أقاربه ، ثمّ استأذنته في الانصراف ، فكتب إليّ : تقيم غدا عندنا ، ثمّ انصرف .
فبتّ ليلة الأضحى في رواق له ، فلمّا كان وقت السحر أتاني ، فقال : يا أبا إسحاق قم ، فقمت ، ففتحت عيني وأنا على بابي ببغداد ، فدخلت على والدي ، فقلت : عرّفت بالعسكر ، وخرجت ببغداد إلى العيد(1) .
قال أبو الأسود الكندي :
أمفندي في حبّ آل محمد
حجر بفيك فدع ملامك أو زد
من لم يكن بحبالهم مستمسّكا
فليعرفنّ بولادة لم تشهد
* * *
وقال الصاحب :
حبّي محض لبني المصطفى
بذاك قد تشهد أضماري
ولامني جاري في حبّهم
فقلت بعدا لك من جار
واللّه ما لي عمل صالح
أرجو به العتق من النار
إلاّ موالاة بني المصطفى
آل رسول الخالق الباري
ص: 363
وقال ابن حمّاد :
بنى مريم الكبرى بني خيرة الورى
بني الحجّة العظمى بني خاتم النذر
بني العلم والأحكام والزهد والتقى
وآل الندا والجود والمجد والفخر
بني التين والزيتون في محكم الذكر
أجل وبني طوبى بني ليلة القدر
* * *
وقال زيد المرزبي :
قوم رسول اللّه جدّهم
وعلي الأب فانتهى الشرف
غفر الإله لآدم بهم
ونجا بنوح هلكة القذف
أمناء قد شهدت بفضلهم
التوراة والإنجيل والصحف
* * *
وقال أبو علي البصير :
بنفسي ومالي من طريف وتالد
كذا الأهل أنتم يا بني خاتم الرسل
بحبّكم ينجو من النار من نجا
ويزكو لدى اللّه اليسير من العمل
أواصل من واصلتموه وإن جفا
فأقطع من قاطعتموه وإن وصل
عليه حياتي ما حييت وإن أمت
فلست على شيء سوى ذاك أتّكل
* * *
ص: 364
وقال محمد بن علي بن هرمة :
ومهما ألام على حبّهم
بأنّي أحبّ بني فاطمه
بني بنت من جاء بالمحكمات
وبالدين والسنّة القائمه
ولست أبالي بحبّي لهم
سواهم من النعم السائمه
* * *
وقال بعض المغاربة :
إن كنت تمدح قوما
للّه لا لتعله
فاقصد بمدحك قوما
هم الهداة الأدلّه
إسنادهم عن أبيهم
عن جبرئيل عن اللّه
* * *
ص: 365
ص: 366
ص: 367
ص: 368
الفتح بن خاقان ، قال : قد ذكر عند المتوكّل خبر مال يجيء من قم ، وقد أمرني أن أرصده لأخبره به ، فقلت لأبي موسى : من أيّ طريق يجيء به حتى اجتنبه ؟
فجئت إلى الإمام عليه السلام ، فصادفت عنده من احتشمه ، فتبسّم وقال : لا يكون إلاّ خيرا يا أبا موسى ، لمَ لم تعد الرسالة الأوّلة ؟ فقلت : أجللتك يا سيّدي ، فقال : المال يجيء الليل ، وليس يصلون إليه ، فبت عندي .
فلمّا كان من الليل قام إلى ورده ، فقطع الركوع بالسلام وقال لي : قد جاء الرجل ومعه المال ، وقد منعه الخادم الوصول إليّ ، فاخرج فخذ ما معه .
فخرجت ، فإذا معه زنفيلجة(1) فيها المال ، فدخلت بها إليه ، فقال : قل له : هات الجبّة التي قالت القيّمة : أنّها ذخيرة جدّتها .
فخرجت إليه ، فأعطانيها ، فدخلت بها عليه ، فقال : قل له : الجبّة التي أبدلتها منها ردّها إلينا .
فخرجت إليه ، فقلت له ذلك ، فقال : نعم كانت ابنتي استحسنتها فأبدلتها بهذه الجبّة ، وأنا أمضي وأجيء بها .
ص: 369
فقال : اخرج فقل له : إنّ اللّه يحفظ لنا وعلينا ، هاتها من كتفك .
فخرجت إلى الرجل ، فأخرجها من كتفه ، فغشي عليه ، فخرج إليه عليه السلام ، فقال له : قد كنت شاكّا فتيقّنت(1) .
ووجّه المتوكّل عتاب بن أبي عتاب إلى المدينة يحمل علي بن محمد عليه السلام إلى سرّ من رأى ، وكان الشيعة يتحدّثون أنّه يعلم الغيب ، فكان في نفس عتاب من هذا شيء .
فلمّا فصل من المدينة رآه وقد لبس لبّادة والسماء صاحية ، فما كان أسرع من أن تغيّمت وأمطرت ، وقال عتاب : هذا واحد .
ثمّ لمّا وافى شطّ القاطون رآه مقلق القلب ، فقال له : ما لك يا أبا أحمد ؟ فقال : قلبي مقلق بحوائج التمستها من أمير المؤمنين ، قال له : فإنّ حوائجك قد قضيت ، فما كان بأسرع من أن جاءته البشارات بقضاء حوائجه .
قال : الناس يقولون : إنّك تعلم الغيب ، وقد تبيّنت من ذلك خلّتين .
المعتمد في الأصول : قال علي بن مهزيار : وردت العسكر وأنا شاكّ في الإمامة ، فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلاّ أنّه
ص: 370
صائف ، والناس عليهم ثياب الصيف ، وعلى أبي الحسن عليه السلام لباد ، وعلى فرسه تجفاف لبود ، وقد عقد ذنب الفرس ، والناس يتعجّبون منه ويقولون : ألا ترون إلى هذا المدني ! وما قد فعل بنفسه ؟! فقلت في نفسي : لو كان هذا إماما ما فعل هذا .
فلمّا خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا أن ارتفعت سحابة عظيمه هطلت ، فلم يبق أحد إلاّ ابتلّ حتى غرق بالمطر ، وعاد عليه السلام وهو سالم من جميعه .
فقلت في نفسي : يوشك أن يكون هو الإمام ، ثمّ قلت : أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب ، فقلت في نفسي : إن كشف وجهه ، فهو الإمام ، فلمّا قرب منّي كشف وجهه ، ثمّ قال : إن كان عرق الجنب في الثوب ، وجنابته من حرام لا يجوز الصلاة فيه ، وإن كانت جنابته من حلال فلا بأس .
فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة .
كافور الخادم : قال لي الإمام علي بن محمد عليهماالسلام : اترك لي السطل الفلاني في الموضع الفلاني لأتطّهر منه للصلاة ، وأنفذني في حاجة ، فنسيت ذلك حتى انتبه ليصلّي - وكانت ليلة باردة - .
ثمّ إنّه ناداني ، فقال : ما ذاك ! أما عرفت رسمي أنّني لا أتطهّر إلاّ بماء بارد ؟ سخّنت لي الماء ، وتركته في السطل ؟! فقلت : واللّه - يا سيّدي - ما تركت السطل ولا الماء .
ص: 371
قال : الحمد للّه ، واللّه ما تركنا رخصة ، ولا رددنا منحة ، الحمد للّه الذي جعلنا من أهل طاعته ، ووفّقنا للعون على عبادته ، ثمّ إنّ النبي صلى الله عليه و آلهيقول : إنّ اللّه يغضب على من لا يقبل رخصته(1) .
محمد بن الفرج الرخجي ، قال : كتب أبو الحسن عليه السلام : اجمع أمرك ، وخذ حذرك ، فبينا أنا في حذري ، إذ صفّد بي ، وضرب على كلّ ما أملك ، فمكثت في السجن ثمان سنين .
ثمّ ورد عليّ كتاب منه في السجن : يا محمد ، لا تنزل في ناحية الجانب الغربي ، ففرّج عنّي بعد يوم .
فكتبت إليه أن يسأل اللّه أن يردّ عليّ ضيعتي ، فكتب إليّ : سوف يردّ إليك ، وما يضرّك ألاّ يردّ عليك .
قال النوفلي : كتب له بردّ ضياعه ، فلم يصل الكتاب حتى مات(2) .
أبو يعقوب : رأيت محمد بن الفرج ينظر إليه أبو الحسن عليه السلام نظرا شافيا ، فاعتلّ من الغد .
ص: 372
فدخلت عليه ، فقال : إنّ أبا الحسن عليه السلام قد أنفذ إليه بثوب ، فأرانيه مدرجا تحت رأسه .
قال : فكفنّ فيه واللّه (1) .
سعيد بن سهل البصري ، قال : كان لبعض أولاد الخلافة(2) وليمة ، فدعا أبا الحسن عليه السلام فيها .
فلمّا رأوه أنصتوا إجلالاً له ، وجعل شابّ في المجلس لا يوقّره ، وجعل يلفظ ويضحك ، فقال له : ما هذا الضحك مل ء فيك ، وتذهل عن ذكر اللّه ، وأنت بعد ثلاثة أيّام من أهل القبور ؟
فكفّ عمّا هو عليه ، وكان كما قال(3) .
سعيد الملاّح : اجتمعنا في وليمة ، فجعل رجل يمزح ، فأقبل أبو الحسن عليه السلام على جعفر بن القاسم بن هاشم البصري ، فقال : أما إنّه لا يأكل من هذا الطعام ، وسوف يرد عليه من خبر أهله ما ينغّص عليه عيشه .
ص: 373
فلمّا قدّمت المائدة أتى غلامه باكيا أنّ أمّه وقعت من فوق البيت ، وهي بالموت ، فقال جعفر : واللّه لا وقفت بعد هذا ، وقطعت عليه(1) .
وفي كتاب البرهان عن الدهني : أنّه لمّا ورد به سرّ من رأى كان المتوكّل برّا به(2) !! ووجّه إليه يوما بسلّة فيها تين ، فأصاب الرسول المطر ، فدخل إلى المسجد ، ثمّ شرهت نفسه إلى التين ، ففتح السلّة ، وأكل منها .
فدخل - وهو قائم يصلّي - ، فقال له : ما قصّتك ؟ فعرّفه القصّة .
قال له : أو ما علمت أنّه قد عرف خبرك ، وما أكلت من هذا التين ، فقامت على الرسول القيامة ، ومضى مبادرا حتى إذا سمع صوت البريد ارتاع هو ومن في منزله بذلك الخبر .
إبراهيم بن محمد الطاهري : إنّه مرض المتوكّل من خرّاج خرج به ، فأشرف منه على الموت ، فلم يجسر أحد أن يمسّه بحديدة ، فنذرت أمّه : إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن عليه السلام بأموال نفيسة .
ص: 374
وقال الفتح بن خاقان : لو بعثت إلى هذا الرجل فسألته ، ربما كان عنده شيء ، فسأل عن الإمام عليه السلام فقال : خذوا كسب الغنم ، فديفوه بماء ورد ، وضعوه على الخراج .
وفعل ذلك ، فنعش المتوكّل وخرج منه ما كان فيه ، فحملت إليه عشرة آلاف دينار تحت ختمها .
ثمّ إنّه سعى إليه أنّ عنده أموالاً وسلاحا ، فتقدّم المتوكّل إلى سعيد الحاجب أن يهجم عليه ليلاً ، ويأخذ ما يجد عنده .
فصعد سعيد سقف داره ، ولم يهتد أن ينزل ، فنادى أبو الحسن عليه السلام : يا سعيد ، مكانك حتى يأتوك بشمعة .
فلمّا دخل الدار قال : دونك والبيوت ، فما وجد إلاّ كيسا مختوما ، وبدرة مختومة ، وسيفا تحت مصلاّه ، فأتى به المتوكّل .
فلمّا رأى ختم أمّه سألها عنها ، فحكت نذرها ، فخجل وضاعف بذلك وردّ إليه .
فقال الحاجب : أعزز عليّ بدخولي دارك بغير إذنك ، ولكنّني مأمور ! فقال : يا سعيد « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ »(1) .
أبو الهلقام وعبد اللّه بن جعفر الحميري والصقر الجبلي وأبو شعيب
ص: 375
الحنّاط وعلي بن مهزيار ، قالوا : كانت زينب الكذّابة تزعم أنّها بنت علي بن أبي طالب ، فأحضرها المتوكّل ، وقال : اذكري نسبك ، فقالت : أنا زينب بنت علي ، وأنّها كانت حملت إلى الشام ، فوقعت إلى بادية من بني كلب ، فأقامت بين ظهرانيهم .
فقال لها المتوكّل : إنّ زينب بنت علي قديمة ، وأنت شابّة ! فقالت : لحقتني دعوة رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأن يردّ شبابي في كلّ خمسين سنة .
فدعا المتوكّل وجوه آل أبي طالب ، فقال : كيف يعلم كذبها ؟ فقال الفتح : لا يخبرك بهذا إلاّ ابن الرضا عليه السلام .
فأمر بإحضاره وسأله ، فقال عليه السلام : إنّ في ولد علي علامة ، قال : وما هي ؟ قال : لا تعرض لهم السباع ، فألقها إلى السباع ، فإن لم تعرض لها فهي صادقة .
فقالت : يا أمير المؤمنين ، اللّه اللّه فيّ ، فإنّما أراد قتلي ، وركبت الحمار ،
وجعلت تنادي : ألا إنّني زينب الكذّابة .
وفي رواية : أنّه عرض عليها ذلك فامتنعت ، فطرحت للسباع فأكلتها(1) .
قال علي بن مهزيار : فقال علي بن الجهم : جرّب هذا على قائله .
فأجيعت السباع ثلاثة أيّام ، ثمّ دعى بالإمام عليه السلام وأخرجت السباع ، فلمّا رأته لاذت به ، وبصبصت بأذنابها ، فلم يلتفت الإمام عليه السلام إليها ، وصعد السقف ، وجلس عند المتوكّل .
ص: 376
ثمّ نزل من عنده ، والسباع تلوذ به ، وتبصبص حتى خرج ، وقال : قال النبي صلى الله عليه و آله : حرم لحوم أولادي على السباع .
الحسين بن علي : إنّه أتى النقي عليه السلام رجل خائف ، وهو يرتعد ، ويقول : إنّ ابني أخذ بمحبّتكم ، والليلة يرمونه من موضع كذا ، ويدفنونه تحته ، قال ، فما تريد ؟ قال : ما يريد الأبوان ، فقال عليه السلام : لا بأس عليه ، اذهب ، فإنّ ابنك يأتيك غدا .
فلمّا أصبح أتاه ابنه ، فقال : يا بنيّ ما شأنك ؟ فقال : لمّا حفر القبر ، وشدّوا لي الأيدي ، أتاني عشرة أنفس مطهّرة عطرة ، وسألوا عن بكائي ، فذكرت لهم ، قالوا : لو جعل الطالب مطلوبا تجرّد نفسك وتخرج ، وتلزم تربة النبي(1) صلى الله عليه و آله ؟ قلت : نعم ، فأخذوا الحاجب فرموه من شاهق الجبل ، ولم يسمع أحد جزعه ، ولا رآني الرجال ، وأوردوني إليك ، وهم ينتظرون خروجي إليهم ، وودّع أباه ، وذهب .
فجاء أبوه إلى الإمام عليه السلام ، وأخبره بحاله ، فكان الغوغاء تذهب وتقول : وقع كذا وكذا ، والإمام يتبسّم ويقول : إنّهم لا يعلمون ما نعلم(2) .
ص: 377
قال أبو جعفر الطوسي في المصباح والأمالي : قال إسحاق بن عبد اللّه العلوي العريضي : اختلف أبي وعمومتي في الأربعة الأيّام التي تصام في السنة .
فركبوا إلى مولانا أبى الحسن علي بن محمد عليهماالسلام ، وهو مقيم بصيرا - قبل مصيره إلى سرّ من رأى - فقالوا : جئناك - يا سيّدنا - لأمر اختلفنا فيه .
فقال جئتم تسألونني عن الأيّام التي تصام في السنة ؟ وذكرنا(1) أنّها يوم مولد النبي صلى الله عليه و آله ، ويوم بعثه ، ويوم دحيت الأرض من تحت الكعبة ، ويوم الغدير ، وذكر فضائلها(2) .
وقال المنصوري : حدّثني عمّ أبي قال : دخلت يوما على المتوكّل وهو يشرب ، فدعاني إلى الشرب ، فقلت : يا سيّدي ، ما شربت قطّ ، قال : أنت تشرب مع علي بن محمد !!!!
ص: 378
قال : فقلت له : إنّه ليس تعرف(1) من في يديك ، إنّه يضرّك ولا يضرّه ، ولم أعد ذلك عليه(2) .
وكان شخوصه عليه السلام من المدينة إلى سرّ من رأى [ ب- ]-سعاية عبد اللّه بن محمد إلى المتوكّل ، فكتب الإمام عليه السلام إلى المتوكّل بتحامل عبد اللّه ، وبكذبه ، ولؤمه فيما سعى به .
فدعاه المتوكّل بأحسن كتاب ! وأجلّ خطاب ! وأوفر موعود ! وخرج معه يحيى بن هرثمة ، ثمّ كان منه ما كان ، وأقام بسرّ من رأى حتى مضى(3) .
أبو محمد الفحام عن المنصوري عن عمّه عن أبيه قال : قال يوما الإمام علي بن محمد عليهماالسلام : يا أبا موسى ، أخرجت إلى سرّ من رأى كرها ، ولو أخرجت عنها أخرجت كرها .
قال : قلت : ولمَ يا سيّدي ؟ فقال : لطيب هوائها ، وعذوبة مائها ، وقلّة دائها .
ص: 379
ثمّ قال : تخرب سرّ من رأى حتى يكون فيها خان وقفا للمارّة ، وعلامة خرابها تدارك العمارة في مشهدي من بعدي(1) .
دخلنا كارهين لها فلمّا
ألفناها خرجنا مكرهينا
* * *
وقال أبو جنيد : أمرني أبو الحسن العسكري عليه السلام بقتل فارس بن حاتم القزويني ، فناولني دراهم ، وقال : اشتر بها سلاحا ، واعرضه عليّ .
فذهبت فاشتريت سيفا ، فعرّضته عليه ، فقال : ردّ هذا ، وخذ غيره .
قال : فرددته ، وأخذت مكانه ساطورا ، فعرضته عليه ، فقال : هذا نعم .
فجئت إلى فارس ، وقد خرج من المسجد بين الصلاتين المغرب والعشاء الآخرة ، فضربته على رأسه ، فسقط ميّتا ، ورميت الساطور ، واجتمع الناس ، وأُخذت إذ لم ير هناك أحد غيري ، فلم يروا معي سلاحا ، ولا سكّينا ، ولا أثر الساطور ، ولم يروا بعد ذلك ، فخلّيت(2) .
ص: 380
وأنشد فيه عليه السلام أبو بديل التميمي :
أنت من هاشم بن مناف ب-
-ن قصي في سرّها المختار
في الباب والأرفع الأرفع
منهم وفي النضار النضار
* * *
وأنشدني أبو الفتح محمد بن الخشّان الكاتب لنفسه :
حبّي موقوف على سادة
قد اصطفاهم لنبي الهدى
سلم لمن سالمهم قلبه
وحرب من كان عليهم عدى
مهاجروه مثل أنصاره
وآله نحن لكلّ فدى
وفرق ما بينهم ربّنا
علّمه من دوننا أحمدا
* * *
وقال مهيار الديلمي :
اشدد يدا بحبّ آل أحمد
فإنّه عقدة فوز لا تحل
الطيّبون أزرا تحت الرجا
والكاتبون وزرا يوم الرجل
والمنعمون المطعمون والثرى
مقطب والعام عقبان أزل
يستشعرون اللّه أعلى في الوغى
وغيرهم شعاره اعل هبل
لم يتزخرف(1) وثن لعابد
منهم يزيغ قلبه ولا يضل(2)
ص: 381
وقال علم الهدى :
يا عصب اللّه ومن حبّهم
مهيم ما عشت في صدري
ومن أرى ودّهم وحده
زادي إذا وسّدت في قبري
* * *
وهو الذي أعددته جنّتي
وعصمتي في ساعة الحشد
حتى إذا لم يك لي مفرّة
من أحد كان بكم نضدي
بموقف ليس به سلعة
لتاجر أنفق من يد
* * *
وقال السيد الحميري :
يا آل ياسين يا ثقاتي
أنتم مواليّ في حياتي
وعدّتي إذا دنت وفاتي
بكم لدى محشري نجاتي
إذ يفصل الحاكم القضاء
أبرء إليكم من الأعادي
من آل حرب ومن زياد
وآل مروان ذي العتاد
وأوّل الناس في العناد
مجاهرا أظهر البراء
* * *
وقال الهاشمي :
لي سادة قدمتهم الرسل
عليهم في المعاد أتّكل
محمد والوصيّ وابنته
والزهر أولادهم وما نسلوا
لحبّهم يدخل الجنان غدا
حشر البرايا ويغفر الزلل
ص: 382
هم حجج اللّه والذين بهم
يقبل يوم التغابن العمل
شيعتهم يوم بعثهم معهم
في جنّة الخلد حيث ما نزلوا
في حجرات غدت مقاصرها
بأهل بيت النبي تتّصل
* * *
وقال دعبل :
شفيعي في القيامة عند ربّي
محمد والوصيّ مع البتول
وسبطا أحمد وبنو بنيه
أولئك سادتي آل الرسول
* * *
وقال آخر :
إذا ما همومي أسرجتهم وألجمت
جعلت سلاحي حبّ آل محمد
* * *
ص: 383
ص: 384
ص: 385
ص: 386
ص: 387
ص: 388
الحمد للّه الذي اختار من فضله لقضاء حقّه أحرارا أشرافا ، وأتاح لهم حقائق الحقّ اطلاعا وإشرافا ، وأباح لهم لامتصاص درر الفضل أخلافا ، وأودع في صدورهم لانتقاد درر الصدق أصدافا ، بهروا إلى نيل بساط القرب بعطف الحقّ أعطافا ، وأطافوا بكعبة المجد فنالوا في الطواف ألطافا ، فألفوا من الإحسان آلافا ، ووجدوا على الحسنات أضعافا ، وأعدّ لهم الحقّ طرف الطرف « وَجَنّاتٍ أَلْفافاً » ، فتجّملوا بلباس التعفّف واختاروا عفافا وكفافا ، الذين نعتهم النبي صلى الله عليه و آله في قوله :
يذهب الصالحون أسلافا(1) ، ووصفهم الربّ فقال : « تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النّاسَ إِلْحافاً » .
ص: 389
بريد بن معاوية العجلي ، وأبو بصير ، وحمران ، وعبد اللّه بن عجلان ، وعبد الرحيم القصيري ، كلّهم عن أبي جعفر عليه السلام .
وروى أسباط بن سالم ، والحسين بن زياد الصيقل ، وحمران بن أعين ، والمثنّى الحنّاط ، وعبد الرحمن بن كثير ، وهارون بن حمزة الغنوي ، وعبد العزيز العبدي ، وسدير الصيرفي ، كلّهم عن أبي عبد اللّه عليه السلام .
وروى محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قالوا في قوله تعالى : « بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ » : نحن هم ، وإيّانا عنى(1) .
أبو عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى : « مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها » ، الآية ، قال : الحسنة معرفة الإمام وطاعته ، « وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ » ، الآية ، وإنّما أراد بالسيّئة إنكار الإمام(2) ، الذي هو من اللّه .
ص: 390
وقال تعالى فيهم : « وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً » ، وقال : « لا يَسْئَلُونَ النّاسَ إِلْحافاً » .
زيد بن علي في قوله : « ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ » ، قال : نحن هم .
أبو الورد عن أبي جعفر عليه السلام : « وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ » ، الآية ، لآل محمد صلى الله عليه و آله .
علي بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى : « قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى » ، هم آل محمد(1) صلى الله عليه و آله .
عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد اللّه
عليه السلام في قوله : « هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ » ، قال : أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام ، « وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ » ، قال : فلان وفلان ، « فَأَمَّا الَّذِينَ فِي
ص: 391
قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ » ، أصحابهم وأهل ولايتهم ، « فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ
فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ » ، أمير المؤمنين والأئمّة(1) عليهم السلام .
عبد الرحمن بن عجلان عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : « أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤمِنِينَ وَلِيجَةً » ، يعني بالمؤمنين الأئمّة عليهم السلام لم يتّخذوا الولائج من دونهم(2) .
عبد اللّه بن جندب عن أبي الحسن عليه السلام في قوله : « وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ » ، قال : إمام إلى إمام(3) .
قوله تعالى : « الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّاهُمْ فِي الأَْرْضِ » ، حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام ، وأبو الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قالا : نحن هم(4) .
ص: 392
ص: 393
ص: 394
هو الحسن الهادي ابن علي المتوكّل ابن محمد القانع ابن علي الوفي ابن موسى الأمين ابن جعفر الفاضل ابن محمد الشبيه ابن علي ذي الثفنات ابن الحسين السبط ابن علي أبي تراب .
فتّاح الأبواب ، مذلّل الصعاب ، نقيّ الجيب ، بعيد الريب ، بريء من العيب ، أمين على الغيب ، معدن الوقار بلا شيب ، خافض الطرف ، واسع الكفّ ، كثير الحياء ، كريم الوفاء ، عظيم الرجاء ، قليل الإفتاء ، لطيف الغداء ، كثير التبسّم ، جميل التنعّم ، سريع التحكّم ، أبو الخلف ، مكنّى أبو محمد .
وألقابه : الصامت ، الهادي ، الرفيق ، الزكي ، السراج ، المضيء ، الشافي ، المرضي ، الحسن العسكري .
وكان هو وأبوه وجدّه يعرف كلّ منهم في زمانه بابن الرضا(1) عليه السلام .
ص: 395
من شيعته(1) .
وتولّى أخوه أخذ تركته ، وسعى إلى السلطان في حبس جواري أبى محمد عليه السلام ، وشنّع على الشيعة في انتظارهم ولده ، وجرى على المخلف كلّ بلاء .
واجتهد جعفر في المقام مقامه ، فلم يقبله أحد ، برأوا منه ، ولقّبوه « الكذّاب » .
فورد إلى عبد اللّه بن خاقان وقال : اجعل لي مرتبة أخي ، وأنا أوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألف دينار ، فزبره وقال : يا أحمق ، إنّ السلطان جرّد سيفه في الذين زعموا أنّ أباك وأخاك أئمّة ليردّهم عن ذلك ، فلم يتهيّأ له ، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماما ، فلا حاجة بك إلى مرتب ، ثمّ أمر أن يحجب عنه(2) .
و(3)يستدلّ على إمامته عليه السلام بطريق العصمة والنصوص .
وبما استدلّ على أمير المؤمنين عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه و آله بلا فصل .
وكلّ من قطع على ذلك قطع على أنّ الإمام بعد علي بن محمد النقي
ص: 398
الحسن العسكري عليهم السلام ، لأنّه لم يحدث مزقة أخرى بعد الرضا عليه السلام ، وقد صحّت إمامته .
وطريقُ النصّ من آبائه عليهم السلام من المؤالف والمخالف .
ورواة النصّ من أبيه :
يحيى بن بشار القنبري ، وعلي بن عمرو النوفلي ، وعبد اللّه بن محمد الإصفهاني ، وعلي بن جعفر ، ومروان الأنباري ، وعلي بن مهزيار ، وعلي بن عمرو العطّار ، ومحمد بن يحيى ، وأبو هاشم الجعفري ، وأبو بكر الفهفكي ، وشاهويه بن عبد اللّه ، وداود بن القاسم الجعفري ، وعبدان محمد الإصفهاني(1) .
قال أبو الحسن عليه السلام : صاحبكم بعدي الذي يصلّي عليّ - ولم يكن يُعرف أبا محمد عليه السلام قبل ذلك - ، فلمّا مات أبو الحسن عليه السلام خرج أبو محمد عليه السلام ، فصلّى عليه(2) .
وروى ابن قولويه عن علي بن جعفر ومروان الأنباري والحسن الأفطس : أنّهم حضروا يوم توفّي محمد بن علي بن محمد عليه السلام دارَ أبي الحسن عليه السلام - وهي مملوءة من الناس - إذ نظر إلى الحسن عليه السلام ، وقد جاء
ص: 399
مشقوق الجيب حتى قام عن يمينه - ونحن لا نعرفه - ، فنظر إليه أبو الحسن عليه السلام بعد ساعة من قيامه ، ثمّ قال : وأحدث للّه شكرا ، فقد أحدث فيك أمرا .
فبكى الحسن عليه السلام واسترجع ، ثم قال : الحمد للّه ربّ العالمين ، وأنا أسأل تمام النعمة ، « إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ »(1) .
ومن ثقاته : علي بن جعفر ، قيّم لأبي الحسن عليه السلام ، وأبو هاشم داود بن القاسم الجعفري ، وقد رأى خمسة من الأئمّة عليهم السلام ، وداود بن أبي يزيد النيسابوري ، ومحمد بن علي بن بلال ، وعبد اللّه بن جعفر الحميري القمّي ، وأبو عمرو عثمان بن سعيد العمري ، والزيّات ، والسمّان ، وإسحاق بن الربيع الكوفي ، وأبو القاسم جابر بن يزيد الفارسي ، وإبراهيم بن عبدة بن إبراهيم النيسابوري .
ص: 402
ص: 403
ص: 404
قال الحسين بن محمد الأشعري ومحمد بن علي : جرى ذكر العلوية عند أحمد بن عبد اللّه بن خاقان بقم - وكان ناصبيّا - ، فقال : ما رأيت منهم مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام ، جاء ودخل حجّابه على أبي ، فقال : أبو محمد بن الرضا بالباب ، فزجرهم الآذن ، واستقبله ، ثمّ أجلسه على مصلاّه ، وجعل يكلّمه ، ويفديه بنفسه ، فلمّا قام شيّعه .
فسألت أبي عنه ، فقال : يا بنيّ ، ذاك إمام الرافضة ، ولو زالت الخلافة عن بني العبّاس ما استحقّها أحد من بني هاشم غيره ، لفضله وعفافه وصومه وصلاته وصيانته وزهده وجميع أخلاقه .
ولقد كنت أسأل عنه دائما ، فكانوا يعظّمونه ، ويذكرون له كرامات(1) .
وقال : ما رأيت أنقع ظرفا ، ولا أغضّ طرفا ، ولا أعفّ لسانا وكفّا من الحسن العسكري عليه السلام .
وخرج من عند أبي محمد عليه السلام في سنة خمس وخمسين ومائتين كتاب ترجمة في جهة رسالة المقنعة يشتمل على أكثر علم الحلال والحرام ، وأوّله : أخبرني علي بن محمد بن موسى .
وذكر الحميري في كتاب سمّاه مكاتبات الرجال عن العسكريين من قطعه ، ومن أحكام الدين .
أبو القاسم الكوفي في كتاب التبديل : إنّ إسحاق الكندي - كان فيلسوف العراق في زمانه - أخذ في تأليف تناقض القرآن ، وشغل نفسه بذلك ، وتفرّد به في منزله .
وإنّ بعض تلامذته دخل يوما على الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، فقال له أبو محمد عليه السلام : أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكندي عمّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن ؟
فقال التلميذ : نحن من تلامذته كيف يجوز منّا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره ؟
فقال له أبو محمد عليه السلام : أتؤدّي إليه ما ألقيه إليك ؟ قال : نعم .
قال : فصر إليه ، وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله ، فإذا وقعت الأنسة في ذلك ، فقل : قد حضرتني مسألة أسألك عنها ؟
ص: 406
فإنّه يستدعي ذلك منك ، فقل له : إن أتاك هذا المتكلّم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلّم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنّك ذهبت إليها ؟
فإنّه سيقول لك : إنّه من الجائز ، لأنّه رجل يفهم إذا سمع .
فإذا أوجب ذلك ، فقل له : فما يدريك ؟ لعلّه قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه ، فيكون واضعا لغير معانيه .
فصار الرجل إلى الكندي ، وتلطّف إلى أن ألقى عليه هذه المسألة ، فقال له : أعد عليّ ، فأعاد عليه .
فتفكّر في نفسه ، ورأي ذلك محتملاً في اللغة ، وسائغا في النظر ، فقال : أقسمت عليك إلاّ أخبرتني من أين لك ؟ فقال : إنّه شيء عرض بقلبي ، فأوردته عليك ، فقال : كلاّ ، ما مثلك مَن اهتدى إلى هذا ، ولا من بلغ هذه المنزلة ، فعرّفني من أين لك هذا ؟ فقال : أمرني به أبو محمد عليه السلام ، فقال : الآن جئت به ، وما كان ليخرج مثل هذا إلاّ من ذلك البيت .
ثمّ إنّه دعا بالنار ، وأحرق جميع ما كان ألّفه .
الجلاء والشفاء : قال أبو جعفر العمرى : إنّ أبا طاهر بن بلبل حجّ ، فنظر إلى علي بن جعفر الهمداني ، وهو ينفق النفقات العظيمة ، فلمّا انصرف كتب بذلك إلى أبي محمد عليه السلام .
ص: 407
فوقّع في رقعته : قد أمرنا له بمائة ألف دينار ، ثمّ أمرنا لك بمثلها(1) .
وهذا يدلّ على أنّ كنوز الأرض تحت أيديهم .
علي بن الحسن بن سابور ، قال : كان في زمن الحسن الأخير عليه السلامقحط ، فخرجوا للاستسقاء ثلاثة أيّام ، فلم يمطر عليهم .
قال : فخرج يوم الرابع بالجاثليق مع النصارى فسقوا .
فخرج المسلمون يوم الخامس فلم يمطروا ، فشكّ الناس في دينهم .
فأخرج المتوكّل الحسن عليه السلام من الحبس ، وقال : أدرك دين جدّك يا أبا محمد .
فلمّا خرجت النصارى ، ورفع الراهب يده إلى السماء ، قال أبو محمد عليه السلام لبعض غلمانه : خذ من يده اليمنى ما فيها ، فلمّا أخذه كان عظما أسود ، ثمّ قال : استسق الآن .
فاستسقى فلم يمطر ، وصحّت السماء .
فسأل المتوكّل عن العظم ، قال : لعلّه أخذ من قبر نبيّ ، ولا يكشف عظم نبي إلاّ ليمطر(2) .
ص: 408
وكتب عليه السلام إلى أهل قم وآبه : إنّ اللّه - تعالى - بجوده ورأفته قد منّ على عباده بنبيّه محمد صلى الله عليه و آله بشيرا ونذيرا ، ووفّقكم لقبول دينه ، وأكرمكم بهدايته ، وغرس في قلوب أسلافكم الماضين رحمة اللّه عليهم ، وأصلابكم الباقين وتولّى كفايتهم ، وعمّرهم طويلاً في طاعته حبّ العترة الهادية ، فمضى من مضى على وتيرة الصواب ، ومنهاج الصدق ، وسبيل الرشاد ، فوردوا موارد الفائزين ، واجتنوا ثمرات ما قدّموا ، ووجدوا غبّ ما سلفوا .
ومنها : فلم تزل نيّتنا مستحكمة ، ونفوسنا إلى طيب آرائكم ساكنة ، القرابة الراسخة بيننا وبينكم قويّة ، وصيّة أوصى بها أسلافنا وأسلافكم ، وعهد عهد إلى شباننا ومشايخكم ، فلم يزل على حملة كاملة من الاعتقاد لما جمعنا اللّه عليه من الحال القريبة ، والرحم الماسّة ، يقول العالم سلام اللّه
عليه إذ يقول : المؤمن أخو المؤمن لأمّه وأبيه .
وممّا كتب عليه السلام إلى أبي الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمّي :
اعتصمت بحبل اللّه ، بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، والحمد للّه ربّ العالمين ، والعاقبة للمتّقين ، والجنّة للموحّدين ، والنار للملحدين ، ولا عدوان إلاّ على الظالمين ، ولا إله إلاّ اللّه أحسن الخالقين ، والصلاة على خير خلقه محمد وعترة الطاهرين .
ص: 409
منها : عليك بالصبر وانتظار الفرج ، قال النبي صلى الله عليه و آله : أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج ، ولا يزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشّر به النبي صلى الله عليه و آله ، يملأ الأرض قسطا وعدلاً ، كما ملئت جورا وظلما ، فاصبر يا شيخي - يا أبا الحسن علي - وأمر جميع شيعتي بالصبر ، ف-« إِنَّ الأَْرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » ، والسلام عليك وعلى جميع شيعتنا ، ورحمة اللّه وبركاته ، وصلّى اللّه على محمد وآله .
وقال الحميري :
هم الأئمّة بعد المصطفى وهم
من اهتدى بالهدى والناس ضلاّل
وإنّهم خير من يمشي على قدم
وهم لأحمد أهل البيت والآل
* * *
وقال العبدي :
لأنتم على الأعراف أعرف عارف
بسيما الذي يهواكم والذي يشنا
أئمّتنا أنتم سندعى بكم غدا
إذا ما إلى ربّ العباد معا قمنا
وإنّ إليكم في المعاد إيابنا
إذا نحن من أجداثنا صرّعا عدنا
وإنّ موازين الخلائق حبّكم
فأسعدهم من كان أثقلهم وزنا
وموردنا يوم القيامة حوضكم
فيظمى الذي يقصى ويروى الذي يدنى
وأمر صراط اللّه ثمّ إليكم
فعلوا لنا إذ نحن عن أربكم جدنا
وإنّ ولاكم يقسم الخلق في غد
فيسكن ذا نارا ويسكن ذا عدنا
وأنتم لنا غيث وأمن ورحمة
فما عنكم بدّ ولا عنكم مغنى
ص: 411
وقال العوني :
أبهى وأكرم عند اللّه ما خلقوا
ونور أنوارهم كالدرّ منعقد
يفديكم يا بني الهادي أبا حسن
نفسي ومالي والأهلون والولد
يا خيرة اللّه خار اللّه حالمها
لم يحتلم ( كذا) ما عاش يعتضد
* * *
وقال الحميري :
شهدت وما شهدت بغير حقّ
بأنّ اللّه ليس له شبيه
نحبّ محمدا ونحبّ فيه
بني أبنائه وبني أبيه
فأبشر بالشفاعة غير شكّ
من الموصى إليه ومن بنيه
فإنّ اللّه يقبل كلّ قول
يدان به الوصيّ ويرتضيه
* * *
ص: 412
ص: 413
ص: 414
كافور الخادم : كان يونس النقّاش يغشى سيّدنا الإمام ويخدمه ، فجاءه يوما يرعد ، فقال : يا سيّدي ، أوصيك بأهلي خيرا ، قال : وما الخبر ؟ قال : عزمت على الرحيل ، قال : ولمَ يا يونس ؟ - وهو يتبسّم - ، قال : وجّه إليّ ابن بغا بفصّ ليس له قيمة ، أقبلت أنقشه ، فكسرته بإثنين ، وموعده غدا ، وهو ابن بغا ! إمّا ألف سوط أو القتل ، قال : امض إلى منزلك إلى غد فرج ، فما يكون إلاّ خيرا .
فلمّا كان من الغد وافاه بكرة يرعد ، فقال : قد جاء الرسول يلتمس الفصّ ، قال : امض إليه ، فلن ترى إلاّ خيرا ، قال : وما أقول له يا سيّدي ؟ قال : فتبسّم ، وقال : امض إليه واسمع ما يخبرك به ، فلا يكون إلاّ خيرا .
قال : فمضى وعاد وقال : قال لي - يا سيّدي - : الجواري اختصمن ، فيمكنك أن تجعله إثنين حتى نغنك ؟
فقال الإمام عليه السلام : اللّهمّ لك الحمد ، إذ جعلتنا ممّن يحمدك حقّا ، فأيّ شيء قلت له ؟ قال : قلت له : أمهلني حتى أتأمّل أمره ،
فقال : أصبت(1) .
ص: 415
أبو هاشم الجعفري عن داود بن الأسود - وقّاد حمام أبي محمد عليه السلام - قال : دعاني سيّدي أبو محمد عليه السلام ، فدفع إليّ خشبة كأنّها رجل باب مدوّرة طويلة مل ء الكفّ ، فقال : صر بهذه الخشبة إلى العمري ، فمضيت .
فلمّا صرت إلى بعض الطريق عرض لي سقّاء معه بغل ، فزاحمني البغل على الطريق ، فناداني السقّاء : صح على البغل ، فرفعت الخشبة التي كانت معي ، فضربت البغل فانشقّت ، فنظرت إلى كسرها ، فإذا فيها كتب ، فبادرت سريعا فرددت الخشبة إلى كمّي ، فجعل السقّاء يناديني ، ويشتمني ، ويشتم صاحبي .
فلمّا دنوت من الدار راجعا استقبلني عيسى الخادم عند الباب ، فقال : يقول لك مولاي - أعزّه اللّه - لمَ ضربت البغل ، وكسرت رجل الباب ؟ فقلت له : يا سيّدي ، لم أعلم ما في رجل الباب ، فقال : ولم احتجت أن تعمل عملاً تحتاج أن تعتذر منه ؟ إيّاك بعدها أن تعود إلى مثلها ، وإذا سمعت لنا شاتما ، فامض لسبيلك التي أمرت بها ، وإيّاك أن تجاوب من يشتمنا ، أو تعرّفه مَن أنت ، فإنّنا ببلد سوء ، ومصر سوء ، وامض في طريقك ، فإنّ أخبارك وأحوالك ترد إلينا ، فاعلم ذلك .
فخرجت إلى العسكر للقاء أبي محمد عليه السلام ، فقدمت وعليّ أثر السفر وعناؤه ، فألقيت نفسي على دكّان حمام ، فذهب بي النوم ، فما انتبهت إلاّ بمقرعة أبي محمد عليه السلام ، قد قرعني بها حتى استيقظت ، فعرفته ، فقمت قائما أقبّل قدميه وفخذه ، وهو راكب والغلمان من حوله ، فكان أوّل ما تلقّاني به أن قال : يا إدريس ، « بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ » ، فقلت : حسبي - يا مولاي - وإنّما جئت أسألك عن هذا .
قال : فتركني ومضى .
أبو حمزة نصر الخادم ، قال : سمعت أبا محمد عليه السلام يكلّم غلمانه بلغاتهم - فيهم ترك وروم وصقالبة - ، فقلت في نفسي : هذا ولد بالمدينة ، ولم يظهر حتى مضى أبو الحسن عليه السلام ، فكيف هذا ؟!
فأقبل عليّ ، فقال : إنّ اللّه بيّن حجّته من سائر خلقه ، وأعطاه معرفة كلّ شيء ، فهو يعرف اللغات والأنساب والحوادث ، ولولا ذلك لما كان بين الحجّة والمحجوج فرق(1) .
محمد بن صالح الخثعمي ، قال : عزمت أن أسأل في كتابي إلى أبي
ص: 417
محمد عليه السلام عن أكل البطّيخ على الريق ، وعن صاحب الزنج ، فأنسيت .
فورد عليّ جوابه : لا يؤكل البطّيخ على الريق ، فإنّه يورث الفالج ، وصاحب الزنج ليس منّا أهل البيت(1) .
محمد بن موسى ، قال : شكوت إلى أبى محمد عليه السلام مطل غريم لي ، فكتب إليّ : عن قريب يموت ، ولا يموت حتى يسلّم إليك ما لك عنده .
فما شعرت إلاّ وقد دقّ عليّ الباب ، ومعه مالي ، وجعل يقول : اجعلني في حلّ ممّا مطلتك .
فسألته عن موجبه ، فقال : إنّي رأيت أبا محمد عليه السلام في منامي ، وهو يقول لي : ادفع إلى محمد بن موسى ما له عندك ، فإنّ أجلك قد حضر ، واسأله أن يجعلك في حلّ من مطلك .
حمزة بن محمد السروي ، قال : أملقت وعزمت على الخروج إلى يحيى بن محمد ابن عمّي بحرّان ، وكتبت إلى أبى محمد عليه السلام أسأله أن يدعو لي .
فجاء الجواب : لا تبرح ، فإنّ اللّه يكشف ما بك ، وابن عمّك قد مات .
وكان كما قال ، وصلت إليّ تركته .
ص: 418
محمد بن الربيع الشيباني ، قال : ناظرت رجلاً من الثنوية ، فقويت في نفسي حجّته ، هذا ، وأنا بالأهواز .
ثمّ قدمت سامرّاء ، فحين رأيت أبا محمد عليه السلام أومى ء بسبّابته : أحد ، فوحِّده ، فخررت مغشيّا عليّ(1) .
محمد بن إسماعيل العلوي ، قال : دخل العبّاسيّون على صالح بن وصيف عندما حبس أبو محمد عليه السلام ، فقالوا له : ضيّق عليه ، قال : وكّلت به رجلين من شرّ من قدرت عليه علي بن بارمش واقتامش ، فقد صارا من العبادة والصلاة إلى أمر عظيم ، يضعان خدّيهما له .
ثمّ أمر باحضارهما ، فقال : ويحكما ! ما شأنكما في شأن هذا الرجل ؟ فقالا : ما نقول في رجل يقوم الليل كلّه ، ويصوم النهار ، لا يتكلّم ، ولا يتشاغل بغير العبادة ؟ فإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا ، وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا(2) .
ص: 419
وروي : أنّه سلّم إلى يحيى بن قتيبة ، وكان يضيّق عليه ، فقالت له امرأته : اتّق اللّه ، فإنّي أخاف عليك منه ، قال : واللّه لأرمينّه بين السباع .
ثمّ استأذن في ذلك ، فأذن له ، فرمى به إليها ، ولم يشكّوا في أكلها إيّاه ، فنظروا إلى الموضع ، فوجدوه قائما يصلّي ، فأمر بإخراجه إلى داره(1) .
وروي : أنّ يحيى بن قتيبة الأشعري أتاه بعد ثلاث مع الأستاذ ، فوجداه يصلّي والأسُود حوله ، فدخل الأستاذ الغيل ، فمزّقوه وأكلوه ، وانصرف يحيى في قومه إلى المعتمد .
فدخل المعتمد على العسكري عليه السلام ، وتضرّع إليه ، وسأل أن يدعو له بالبقاء عشرين سنة في الخلافة ، فقال عليه السلام : مدّ اللّه في عمرك ، فأجيب ، وتوفّي بعد عشرين سنة .
أبو جعفر الطوسي : قال أبو هاشم الجعفري : كنت محبوسا مع الحسن العسكري عليه السلام في حبس المهتدي ابن الواثق ، فقال لي : في هذه الليلة يبتر اللّه عمره .
ص: 420
فلمّا أصبحنا شغب الأتراك ، وقتل المهتدي ، وولّي المعتمد مكانه(1) .
علي بن محمد بن زياد الصيمري ، قال : دخلت على أبي أحمد عبد اللّه بن طاهر ، وفي يديه رقعة أبي محمد عليه السلام ، فيها : إنّي نازلت اللّه في هذا الطاغي - يعني المستعين - ، وهو آخذه بعد ثلاث .
فلمّا كان اليوم الثالث خلع ، وكان من أمره ما كان إلى أن قتل(2) .
فزاد يوما في الكلام وألحّ ، فسار حتى انتهى إلى مفرق الطريقين ، وضاق على الرجل العبور ، فعدل إلى طريق يخرج منه ويلقاه فيه ، فدعا عليه السلام ببعض خدمه وقال له : امض فكفّن هذا .
فتبعه الخادم ، فلمّا انتهى عليه السلام إلى السوق خرج الرجل من الدرب ليعارضه ، وكان في الموضع بغل واقف ، فضربه البغل فقتله ، ووقف الغلام فكفنّه(1) .
علي بن زيد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام ، قال : كان لي فرس ، وكنت به معجبا ، أكثر ذكره ، فقال أبو محمد عليه السلام : ما فعل فرسك ؟ فقلت : هو على بابك الآن ، فقال : استبدل به قبل المساء .
فمضيت ، ونفست على الناس ببيعه ، وأمسينا ، فلمّا صلّينا العتمة جاءني السائس ، فقال : إنّه نفق فرسك الساعة .
فدخلت على أبي محمد عليه السلام بعد أيّام ، وأنا أقول في نفسي : ليته أخلف عليّ دابّة ، فقال : نعم تخلف عليك ، يا غلام اعطه برذوني الكميت ، ثمّ قال : هذا خير من فرسك ، وأوطئ ، وأطول عمرا(2) .
ص: 422
علي بن زيد العلوي الزيدي ، قال : أعطاني أبو محمد عليه السلام دنانير ، وقال : اشتر بهذه الدنانير جارية ، فإنّ جاريتك قد ماتت .
فأتيت داري ، وإذا بالجارية قد شرقت وماتت .
الحسن بن ظريف ، قال : اختلج في صدري أن أكتب إلى أبي محمد عليه السلام : أنّ القائم إذا قام بمَ يقضي ؟ وأين مجلسه للقضاء ؟ وأن أسأله عن شيء لحمّى الربع ، فأغفلت عنها .
فجاء الجواب : سألت عن القائم عليه السلام إذا قام بالناس بمَ يقضي ؟ يقضي بعلمه كقضاء داود عليه السلام ، لا يسأل عن بيّنة ، وأردت أن تسأل عن حمّى الربع ، فاكتب في ورقة وعلّقها على المحموم : « يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ »(1) .
أبو هاشم الجعفري ، قال : شكوت إلى أبي محمد عليه السلام الحاجة ، فحكّ بسوطه الأرض ، فأخرج منها سبيكة فيها نحو الخمسمائة دينار ، فقال : خذها - يا أبا هاشم - واعذرنا(2) .
ص: 423
أبو علي المطهّري : كتب إليه من القادسية يعلمه إنصراف الناس عن المضيّ إلى الحجّ ، وأنّه يخاف العطش إن مضى .
فكتب : امضوا ، فلا خوف عليكم إن شاء اللّه ، فمضوا ولم يجدوا عطشا(1) .
علي بن الحسين بن الفضل اليماني ، قال : نزل الجعفري من آل جعفر خلق كثير لا قبل له بهم ، فكتب إلى أبي محمد عليه السلام يشكو ذلك ، فكتب إليه : تكفونهم إن شاء اللّه تعالى .
قال : فخرج إليهم في نفر يسير ، والقوم يزيدون على عشرين ألفا ، وهو في أقلّ من ألف ، فاستباحهم(2) .
أبو طاهر : قال محمد بن بلبل : تقدّم المعتز إلى سعيد الحاجب أن اخرج أبا محمد عليه السلام إلى الكوفة ، ثمّ اضرب عنقه في الطريق .
فجاء توقيعه عليه السلام إلينا : الذي سمعتموه تكفونه .
فخلع المعتزّ بعد ثلاث وقتل(3) .
ص: 424
إسماعيل بن محمد العباسي ، قال : شكوت إلى أبي محمد عليه السلامالحاجة ، وحلفت أنّه ليس عندي درهم فما فوقه ، فقال : أتحلف باللّه كاذبا ، وقد دفنت مائتي دينار ؟ وليس قولي لك هذا دفعا عن العطيّة ، اعطه يا غلام ما معك ، فأعطاني مائة دينار .
ثمّ أقبل عليّ فقال : إنّك تحرم الدنانير التي دفنتها في أحوج ما تكون إليها .
وذلك أنّني اضطررت وقتا ، ففتّشت عنها فلم أجدها ، فنظرت فإذا ابن عمّ لي قد عرف موضعها ، فأخذها وهرب(1) .
أبو هاشم ، قال : سمعت أبا محمد عليه السلام يقول : إنّ في الجنّة بابا يقال له : « المعروف » ، لا يدخله إلاّ أهل بيت المعروف ، فحمدت اللّه - تعالى - في نفسي ، وفرحت ممّا أتكلّفه من حوائج الناس .
فنظر إليّ أبو محمد عليه السلام ، فقال : نعم ، قد علمت ما أنت عليه ، وإنّ أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة ، جعلك اللّه منهم - يا أبا هاشم - ورحمك(2) .
ص: 425
سفيان بن محمد الصيفي ، قال : كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله عن الوليجة ، وهو قول اللّه - عزّ وجلّ - : « وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤمِنِينَ وَلِيجَةً » ، قلت في نفسي - لا في الكتاب - : من ترى
المؤمن هاهنا ؟
فرجع الجواب : الوليجة التي تقام دون وليّ الأمر ، وحدّثتك نفسك عن المؤمنين : من هم في هذا الموضع ؟ فهم الأئمّة عليهم السلام الذين يؤمنون على اللّه ، فنحن(1) إيّاهم(2) .
أبو هاشم الجعفري ، قال : شكوت إلى أبي محمد عليه السلام ضيق الحبس ، وكلب القيد ، فكتب إليّ : تصلّي اليوم الظهر في منزلك .
فأخرجت وقت الظهر ، وصلّيت في منزلي(3) .
أشجع بن الأقرع ، قال : كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله أن يدعو اللّه لي
ص: 426
من وجع عيني ، وكانت إحدى عيني ذاهبة ، والأخرى على شرف هار(1) .
فكتب إليّ : حبس اللّه عليك عينك ، وأقامت الصحيحة ، ووقّع في آخر الكتاب : أعزّك اللّه ، آجرك اللّه ، وأحسن ثوابك .
فاغتممت بذلك ، ولم أعرف في أهلي أحدا مات ، فلمّا كان بعد أيّام جاءني خبر وفاة ابني طيّب ، فعلمت أنّ التعزية له(2) .
عمر بن مسلم ، قال : قدم علينا بسرّ من رأى رجل من أهل مصر يقال له : « سيف بن الليث » يتظلّم إلى المهتدي في ضيعة له غصبها شفيع الخادم ، وأخرجه منها ، فأشرنا إليه أن يكتب إلى أبي محمد عليه السلام يسأله تسهيل أمرها .
فكتب إليه أبو محمد عليه السلام : لا بأس عليك ، ضيعتك تردّ عليك ، فلا تتقدّم إلى السلطان ، وإنّ الوكيل الذي في يده الضيعة قد كتب إليّ عند خروجك أن أطلبك ، وأن أردّ الضيعة عليك .
فردّها عليه بحكم القاضي ابن أبي الشوارب ، وشهادة الشهود ، ولم يحتجّ أن يتقدّم إلى المهتدي ، فصارت الضيعة له .
وقال سيف بن الليث : خلّفت ابنا لي عليلاً بمصر عند خروجي منها ،
ص: 427
وابنا آخر أسنّ منه كان وصيّي ، فكتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله الدعاء لابني العليل .
فكتب إليّ : قد عوفي ابنك العليل ، ومات الكبير وصيّك وقيّمك ، فاحمد اللّه ولا تجزع ، فيحبط أجرك .
فكان كما قال(1) .
إسحاق ، قال : حدّثني يحيى القنبري قال : كان لأبي محمد عليه السلام وكيل قد اتّخذ منه في الدار حجرة يكون فيها ، وخادم أبيض ، فراود الوكيل الخادم على نفسه ، فأبى إلاّ أن يأتيه بنبيذ ، فاحتال له نبيذا ، ثمّ أدخله عليه ، وبينه وبين أبي محمد عليه السلام ثلاثة أبواب مغلقة .
قال : فحدّثني الوكيل قال : إنّي لمنتبه إذ أنا بالأبواب تفتح حتى جاء بنفسه ، فوقف على باب الحجرة ، ثمّ قال : يا هؤلاء خافوا اللّه .
فلمّا أصبحنا أمر ببيع الخادم وإخراجي من الدار(2) .
أبو العيناء الهاشمي : كنت أدخل على أبي محمد عليه السلام ، فأعطش وأنا عنده ، وأجلّه أن أدعو بالماء ، ثمّ يقول : يا غلام ، اسقه .
ص: 428
وربما حدّثتني نفسي بالنهوض ، فأفكّر في ذلك ، فيقول : يا غلام ، دابّته(1) .
وروى الكليني في الكافي حديث الفصّاد له(2) عليه السلام مثل الذي ذكرناه في باب أبي جعفر الثاني عليه السلام .
ص: 429
علي بن محمد عن بعض أصحابنا ، قال : كتب محمد بن حجر إلى أبي محمد عليه السلام يشكو عبد العزيز بن دلف ويزيد بن عبد اللّه .
فكتب إليه : أمّا عبد العزيز ، فقد كفيته ، وأمّا يزيد ، فإنّ لك وله مقاما بين يدي اللّه - عزّ وجلّ - .
فمات عبد العزيز ، وقتل يزيد محمد بن حجر(1) .
أحمد بن إسحاق ، قال : دخلت على أبي محمد عليه السلام ، فسألته أن يكتب لأنظر إلى خطّه ، فأعرفه إذا ورد ، فقال : نعم .
ثمّ قال : يا أحمد ، إنّ الخطّ سيختلف عليك ما بين القلم الغليظ والقلم الدقيق ، فلا تشكّنّ .
ثمّ دعا بالدواة ، فقلت في نفسي : أستوهبه القلم الذي كتب به .
فلمّا فرغ من الكتابة أقبل يحدّثني ، وهو يمسح القلم بمنديل الدواة ساعة ، ثمّ قال : هاك يا أحمد ، فناولنيه(2) . . الخبر .
ص: 430
غيبة الطوسي : أبي علي بن همّام عن شاكري(1) أبي محمد عليه السلام قال : كان أستاذي صالحا من العلويّين لم أر مثله قطّ ، وكان يركب إلى دار الخلافة في كلّ إثنين وخميس ، وكان يوم النوبة يحضر من الناس شيء عظيم ، ويغصّ الشارع بالدوابّ والبغال والحمير والضجّة ، لا يكون لأحد موضع يمشي ولا يدخل بينهم ، وإذا جاء أستاذي سكنت الضجّة وهدأ صهيل الخيل ، ونهاق الحمير ، وتفرّقت البهائم حتى يصير الطريق واسعا ، ثمّ يدخل ، وإذا أراد الخروج ، وصاح البوّابون : هاتوا دابّة أبي محمد عليه السلام ، سكن صياح الناس وصهيل الخيل ، وتفرّقت الدوابّ حتى يركب ويمضي .
وفيها : قال الشاكري : وجاء أستاذي يوما إلى سوق الدوابّ ، فجيء له بفرس كبوس ، لا يقدر أحد أن يدنو منه .
قال : فباعوه إيّاه بوكس ، فقال لي : يا محمد ، قم فاطرح السرج عليه .
قال : فقمت ، وعلمت أنّه لا يقول لي ما يؤذيني ، فحللت الحزام ، وطرحت السرج عليه ، فهدأ ولم يتحرّك .
فجئت به لأمضي ، فجاء النخّاس ، فقال لي : ليس يباع ، فقال لي : سلّمه إليهم .
ص: 431
قال : فجاء النخّاس ليأخذه ، فالتفت إليه التفاتة ذهب منهزما .
قال : فركبت ، ومضينا وجئت به إلى الإصطبل ، فما تحرّك ، ولا آذاني ببركة أستاذي(1) .
ومن كتاب الكشي : الفضل بن الحرث قال : كنت بسرّ من رأى وقت خروج سيّدي أبي الحسن عليه السلام ، فرأينا أبا محمد عليه السلام ماشيا قد شقّ ثيابه ، فجعلت أتعجّب من جلالته ، وما هو له أهل ، ومن شدّة اللّون والأدمة ، وأشفق عليه من التعب .
فلمّا كان الليلة رأيته عليه السلام في منامي ، فقال : اللّون الذي تعجّبت منه اختيار من اللّه لخلقه يجريه كيف يشاء ، وإنّها لعبرة في الأبصار لا يقع فيه غير المختبر ، ولسنا كالناس فنتعب كما يتعبون ، فاسأل اللّه الثبات وتفكّر في خلق اللّه ، فإنّ فيه متّسعا ، واعلم أنّ كلامنا في النوم مثل كلامنا في اليقظة(2) .
وخرج أبو محمد عليه السلام في جنازة أبي الحسن عليه السلام وقميصه مشقوق ، فكتب إليه أبو عون الأبرش في ذلك ، فقال عليه السلام : يا أحمق ، ما أنت وذاك ؟ قد شقّ موسى على هارون .
ص: 432
ثمّ قال بعد كلام : وإنّك لا تموت حتى تكفر ويتغيّر عقلك .
فما مات حتى حجبه ابنه عن الناس ، وحبسوه في منزله - في ذهاب العقل - عمّا كان عليه(1) .
وكان عروة الدهقان كذب على علي بن محمد بن الرضا ، وعلى أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام بعده ، ثمّ إنّه أخذ بعض أمواله ، فلعنه أبو محمد عليه السلام ، فما أمهل يومه ذلك وليلته حتى قبض إلى النار(2) .
وقال محمد بن الحسن : لقيت من علّة عيني شدّة ، فكتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله أن يدعو لي ، فلمّا نفذت الكتاب قلت في نفسي : ليتني كتبت إليه أن يصف لي كحلاً أكحلها .
فوقّع بخطّه يدعو لي سلامتها ، إذ كانت إحداهما ذاهبة ، وكتب بعده : أردت أن أصف لك كحلاً عليك أن تصيّر(3) مع الإثمد كافورا وتوتيا ، فإنّه يجلو ما فيها من الغشاء ، وييبس من الرطوبة .
قال : فاستعملت ما أمرني به ، فصحّت(4) .
ص: 433
محمد بن الحسن قال : كتبت إليه أشكو الفقر ، ثمّ قلت في نفسي : أليس قد قال أبو عبد اللّه عليه السلام :
الفقر معنا خير من الغنى مع عدوّنا ، والقتل معنا خير من الحياة مع عدوّنا ؟
فرجع الجواب : إنّ اللّه - عزّ وجلّ - يخصّ أوليائنا إذا تكاثفت ذنوبهم بالفقر ، وقد يعفو عن كثير منهم ، وهو كما حدّثتك نفسك : الفقر معنا خير من الغنى مع عدوّنا ، ونحن كهف من التجأ إلينا ، ونور لمن استضاء بنا ، وعصمة لمن اعتصم بنا ، من أحبّنا كان معنا في السنام الأعلى ، ومن انحرف عنّا مال ، فإلى النار(1) .
قال العوني :
بهم بيّنات الأنبياء وصدّقوا
لما كان في كتب النبيّين مصحف
ألا هم وعيد اللّه فينا ووعده
فلا تحسبنّ اللّه للوعد مخلف
بهم قسم اللّه العظيم الذي به
يرى اللّه في القرآن ما تاح محلف
هم ما هم هم كلّ ما قيل فيهم
وزادوا سوى ما منهم زاد مسرف
هم الحقّ شاع الحقّ فيهم وعنهم
يطف بهم وصّافهم والمكيف
* * *
ص: 434
وقال أبو عمرو عبد الملك البعلبكي :
يا أهل بيت محمد
يا خير من ملك النواصي
أنتم وسيلتي التي
أنجوبها يوم القصاص
وأنا المعير بما اكتسبت
من القبائح والمعاصي
لكن بكم يا سادتي
أرجو غدا عنها خلاصي
من حاز علما بالولاء
فذاك للرحمن خاص
* * *
وقال أبو الفتح البستي :
من لم يكن للنبي عبدا
ولم يكن مخلصا لآله
فكلّ ما يخرج البرايا
من السبيلين في سباله
* * *
وقال عبد الرحمن بن حامد الخوافي :
سلام على نفس هي الآية الكبرى
وشخص هو المجد المنيف على الشعرى
هو الدين والدنيا يرى نوره متى
تحصل لك الأولى وتحصل لك الأخرى
* * *
ص: 435
ص: 436
ص: 437
ص: 438
سأل محمد بن صالح الأرميني لأبي محمد عليه السلام عن قوله تعالى : « لِلّهِ الأَْمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ » ، فقال : الأمر من قبل أن يأمر به ، ومن بعد أن يأمر .
فقلت في نفسي : هذا قوله : « أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَْمْرُ » ، فنظر إليّ وتبسّم ، ثمّ قال : له الخلق والأمر(1) .
قال أبو هاشم : خطر ببالي أنّ القرآن مخلوق أم غير مخلوق ؟ فقال أبو محمد عليه السلام : يا أبا هاشم ، اللّه خالق كلّ شيء ، وما سواه مخلوق(2) .
وكتب محمد بن شمّون البصري ، فسأل أبا محمد عليه السلام عن الحال ، وقد اشتدّت على الموالي من محمد المهتدي .
ص: 439
فكتب إليه : عدّ من يومك خمسة أيّام ، فإنّه يقتل في اليوم السادس من بعد هوان يلاقيه .
فكان كما قال(1) .
وفي رواية أحمد بن محمد : إنّه وقّع عليه السلام بخطّه : ذاك أقصر لعمره ، عدّ من يومك هذا خمسة أيّام ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمرّ به(2) .
علي بن محمد بن إسماعيل ، قال : كتب أبو محمد عليه السلام إلى أبي القاسم إسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت المعتزّ بنحو من عشرين يوما : الزم بيتك حتى يحدث الحادث .
فلمّا قتل بريحة كتب إليه : قد حدث الحادث فما تأمرني ؟
فكتب إليه : ليس هذا الحادث ، الحادث الآخر ، فكان من المعتز ما كان(3) .
قال : وكتب
عليه السلام إلى رجل آخر : يقتل محمد بن عبد اللّه بن داود - قبل قتله بعشرة أيّام - ، فلمّا كان في اليوم العاشر قتل(4) .
ص: 440
أبو هاشم : دخلت على أبي محمد ، وأنا أريد أن أسأله فصّا أصوغ به خاتما أتبرّك به ، فجلست ، وأنسيت ما جئت له .
فلمّا ودّعته ونهضت أومئ إليّ بخاتم ، وقال : أردت فصّا فأعطيناك خاتما ، وربحت الفصّ والكرى ، هنّأك اللّه ، يا أبا هاشم(1) .
ورأي أبو محمد والحسن بن محمد العقيقي ومحمد بن إبراهيم العمري في الحبس ، فقال عليه السلام : لولا أنّ فيكم من ليس منكم لأعلمتكم متى يفرّج عنكم.
وأومى إلى الجمحي أن يخرج ، فخرج ، فقال أبو محمد عليه السلام : هذا الرجل ليس منكم فاحذروه ، وإن في ثيابه قصّة قد كتبها إلى السلطان يخبره ما تقولون ، فقام بعضهم ، ففتّش ثيابه ، فوجدوا القصّة يذكرهم فيها بكلّ عظيمة(2) .
أبو هاشم : قال أبو محمد عليه السلام : إذا خرج القائم عليه السلام يأمر بهدم المنابر والمقاصير التي في المساجد .
ص: 441
فقلت في نفسي : لأيّ معنى هذا ؟ فأقبل عليّ وقال : معنى هذا أنّها محدثة مبتدعة لم يبنها نبيّ ولا حجّة(1) .
وسأله الفهفكي : ما بال المرأة تأخذ سهما واحدا ، ويأخذ الرجل سهمين ؟
فقال أبو محمد عليه السلام : إنّ المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ، ولا عليها معقلة ، إنّما ذلك على الرجال .
فقلت في نفسي : قيل لي : إنّ ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن هذه المسألة ، فأجابه بمثل هذا الجواب ، - وفي رواية : لما جعل لها من الصداق - .
فأقبل أبو محمد عليه السلام عليّ ، فقال : نعم ، هذه مسألة ابن أبي العوجاء ، والجواب منّا واحد ، إذا كان معنى المسألة واحد ، وأجري لآخرنا ما أجري لأوّلنا ، وأوّلنا وآخرنا في العلم والأمر سواء ، ولرسول اللّه صلى الله عليه و آله ولأمير المؤمنين عليه السلام فضلهما(2) .
وكان سأل عمران الصابي الرضا عليه السلام : لمَ صار الميراث « لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُْنْثَيَيْنِ » ؟ فقال : من قبل السنبلة كان عليها ثلاث حبّات ، فبادرت
ص: 442
إليها حوّاء ، فأكلت منها حبّة ، وأطعمت آدم عليه السلام حبّتين ، فمِن ذلك ورث الذكر مثل حظّ الأنثيين(1) .
وقال محمد بن إبراهيم لابن الكردي : ضاق بنا الأمر ، فقال أبي : امض بنا إلى هذا الرجل - يعني أبا محمد عليه السلام - فإنّه قد وصف عنه سماحة ، فقلت : تعرفه ؟
قال : ما رأيته قطّ .
فقصداه ، فقال أبوه في طريقه : ما أحوجنا أن يأمر لنا بخمسمائة(2) درهم : مائتا درهم للكسوة ، ومائتا درهم للدقيق ، ومائة(3) درهم للنفقة .
وقال محمد في نفسه : ليته أمر لي بثلاثمائة درهم : مائة أشتري بها حمارا ، ومائة للنفقة ، ومائة للكسوة ، فأخرج إلى الجبل .
فلمّا وافيا الباب خرج إليهما غلامه ، فقال : يدخل علي بن إبراهيم وابنه محمد ، فدخلا وجلسا .
فلمّا خرجا أتاهما غلامه ، فناول أباه صرّة فيها خمسمائة درهم وقال :
ص: 443
مائتان للكسوة ، ومائتان للدقيق ، ومائة(1) للنفقة ، وأعطى محمدا صرّة فيها
ثلاثمائة درهم ، وقال : مائة في ثمن الحمار ، ومائة للكسوة ، ومائة للنفقة ، ولا تخرج إلى الجبل ، وصر إلى سورا .
قال : فصار إلى سورا ، وتزوّج بامرأة منها ، فدخله ألف دينار(2) .
أحمد بن الحرث القزويني ، قال : كان عند المستعين بغل - لم ير مثله حسنا وكبرا - وكان يمنع ظهره واللجام ، وعجز الروّاض(3) عن ركوبه ، فقال بعضهم : ألا تبعث به إلى ابن الرضا عليه السلام فيجيء ؟ فإمّا أن يركبه أو يقتله .
فبعث إلى أبي محمد عليه السلام ، فلمّا أتاه وضع يده على كفله ، فعرق البغل حتى سال العرق منه ، ثمّ صار إلى المستعين ، فسلّم ، فرحّب به ، وقرّبه وقال : يا أبا محمد ، الجم هذا البغل .
فقام فألجمه ، ثمّ قال : اسرجه ، فأسرجه ، فرجع ، وقال : نرى أن تركبه .
فركبه من غير أن يمتنع عليه ، ثمّ ركّضه في الدار ، ثمّ حمله على الهملجة ، فمشى أحسن مشي يكون ، ثمّ رجع ، فنزل .
ص: 444
فقال المستعين : كيف رأيته ؟ فقال : ما رأيت مثله حسنا وفراهة ! فقال : إنّ أمير المؤمنين حملك عليه ، فقال : يا غلام خذه(1) .
شاهويه بن عبد ربّه : كان أخي صالح محبوسا ، فكتبت إلى سيّدي أبي محمد عليه السلام أسأله عن أشياء أجابني عنها ، وكتب : إنّ أخاك يخرج من الحبس يوم يصلك كتابي هذا ، وقد كنت أردت أن تسألني عن أمره فأنسيت .
فبينا أنا أقرأ كتابه إذا أناس جاؤوني يبشّرونني بتخلية أخي ، فتلقّيته وقرأت عليه الكتاب .
أبو هاشم ، قال : كنّا نفطر مع أبي الحسن عليه السلام ، فضعفت يوما عن الصوم ، وأفطرت في بيت آخر على كعكة فريدا ، ثمّ جئت فجلست معه ، فقال لغلامه : أطعم أبا هاشم شيئا ، فإنّه مفطر .
فتبسّمت ، فقال : ما يضحكك يا أبا هاشم ، إذا أردت القوّة فكل اللحم ، فإنّ الكعك لا قوّة فيه(2) .
ص: 445
أبو العبّاس(1) محمد بن القاسم ، قال : عطشت عند أبي محمد عليه السلام ، ولم تطب نفسي أن يفوتني حديثه ، وصبرت على العطش ، وهو يتحدّث ، فقطع الكلام وقال : يا غلام ، اسق أبا العبّاس ماء .
وقال أبو هاشم : كنت مضيّقا ، فأردت أن أطلب منه معونة فاستحييت .
فلمّا صرت إلى منزل لي وجّه إليّ بمائة دينار ، وكتب إليّ : إذا كانت لك حاجة ، فلا تستحي، ولا تحتشم، واطلبها، فإنّك ترى ما تحبّ إن شاء اللّه (2) .
عبد اللّه بن جعفر : قال أبو هاشم(3) : قلت في نفسي ، وقد كتب الإمام :
ص: 446
يا أسمع السامعين إلى آخره - : الّلهم اجعلني في حزبك وفي زمرتك .
فأقبل عليّ أبو محمد فقال : أنت في حزبه وفي زمرته إذ كنت باللّه مؤمنا ولرسوله مصدّقا ولأوليائه عارفا ولهم تابعا ، فأبشر ثمّ أبشر(1) .
أبو هاشم ، قال : سمعت أبا محمد عليه السلام يقول : من الذنوب التي لا تغفر : قول الرجل : ليتني لم أؤاخذ إلاّ بهذا ، فقلت في نفسي : إنّ هذا لهو الدقيق ، وقد ينبغي للرجل أن يتفقّد من أمره ومن نفسه كلّ شيء .
فأقبل عليّ أبو محمد عليه السلام ، فقال : صدقت يا أبا هاشم ، فالزم ما حدّثتك به نفسك ، فإنّ الإشراك في الناس أخفى من دبيب الذرّ على الصفا في الليلة الظلماء ، أو من دبيب الذرّ على المسح الأسود(2) .
علي بن أحمد بن حمّاد ، قال : خرج أبو محمد عليه السلام في يوم مصيف راكبا ،
ص: 447
وعليه تجفاف وممطر ، فتكلّموا في ذلك .
فلمّا انصرفوا من مقصدهم أمطروا في طريقهم ، وابتلّوا سواه .
محمد بن عيّاش ، قال : تذاكرنا آيات الإمام ، فقال ناصبي : إن أجاب عن كتاب بلا مداد علمت أنّه حقّ .
فكتبنا مسائل ، وكتب الرجل بلا مداد على ورق ، وجعل في الكتب ، وبعثنا إليه .
فأجاب عن مسائلنا ، وكتب على ورقه اسمه واسم أبويه ، فدهش الرجل ، فلمّا أفاق اعتقد الحقّ .
وكان بشر بن سليمان النخّاس - من ولد أبي أيّوب الأنصاري - أحد موالي أبي الحسن وأبي محمد عليهماالسلام ، فدعاه أبو الحسن عليه السلام - وكان يحدّث ابنه أبا محمد - فقال : يا بشر ، إنّك من ولد الأنصار ، وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف ، وأنتم ثقاتنا أهل البيت ، وكتب كتابا لطيفا بخطّ رومي ، ولغة رومية ، وطبع عليه خاتمه ، وأخرج شقّة صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا ، وأنفذه إلى بغداد ، وقال له : احضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا ، ويأتي البيع ، فعند ذلك تعطيها الكتاب .
ص: 448
قال : ففعلت كذا ، فلمّا نظرت إلى الكتاب بكت بكاء شديدا ، وقالت للنخّاس : بعني من صاحب هذا الكتاب .
فما زلت أشّاحه في ثمنها حتى استقرّ الأمر ، واستوفى من الدنانير ، وتسلّمت منه الجارية مستبشرة ، فكانت تلثم الكتاب ، وتضعه على خدّها .
فقلت : تعرفين صاحبه ؟ قالت : أعرني سمعك : أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم ، وأمّي من ولد الحواريّين ، تنسب إلى وصيّ المسيح شمعون ، إنّ قيصرا أراد أن يزوّجني من ابن أخيه ، فجمع من نسل الحواريّين ثلاثمائة رجل ، ومن الملوك والقوّاد أربعة آلاف ، ونصب عرشا مصوغا من أصناف الجواهر فوق أربعين مرقاة .
فلمّا استقام أمرهم للخطبة تسافلت الصلبان من الأعالي على وجوهها ، وانهارت الأعمدة ، وخرّ الصاعد من العرش مغشيّا عليه .
فتغيّرت ألوان الأساقفة ، وقالوا : أيّها الملك ! اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال الدين المسيحي والمذهب الملكاني ، فتطيّر جدّي من ذلك ، وأمر أن يزوّج أخاه .
فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأوّل ، فقام جدّي ، وتفرّق الناس ، فرأيت من تلك الليلة المسيح وشمعون وعدّة من الحواريّين قد اجتمعوا في قصر جدّي ، ونصبوا فيه منبرا من نور ، يباري السماء علوّا وارتفاعا ، فدخل عليهم محمد صلى الله عليه و آله مع فئة ، فتقدّم إليه المسيح فاعتنقه ، وخطب محمد صلى الله عليه و آله ، وزوّجني من ابنه ، وشهد بنو محمد صلى الله عليه و آله والحواريّون .
ص: 449
فلمّا استيقظت كنت أشفق على نفسي مخافة القتل حتى مرضت ، وضعفت نفسي ، وعجزت الأطبّاء عن دوائي ، فقال قيصر : يا بنيّة ، هل تخطر ببالك شهوة ؟ فقلت : لو كشفت عمّن في سجنك من أسارى المسلمين رجوت أن يهب المسيح وأمّه لي عافية .
فلمّا فعل ذلك تجلّدت في إظهار الصحّة من بدني ، وتناولت يسيرا من الطعام ، فأقبل على إكرام الأسارى .
فأريت أيضا كأنّ فاطمة عليهاالسلام زارتني ، ومعها مريم ، وألف وصيفة من وصائف الجنان ، فيقال لي : هذه سيّدة النساء أمّ زوجك أبي محمد عليه السلام ، فأتعلّق بها ، وأشكو إليها امتناع أبي محمد عليه السلام من زيارتي ، فتقول : إنّ ابني لا يزروك وأنت مشركة باللّه على مذهب النصارى ، وهذه أختي مريم عليهاالسلام ، تبرّئي إلى اللّه من دينك ، فقولي : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فلمّا تكلّمت بها ضمّتني إلى صدرها ، وطيّبت نفسي ، وكانت بعد ذلك كلّ ليلة يزورني أبو محمد عليه السلام ، إذ أخبرني : أنّ جدّك سيسري جيوشا إلى قتال المسلمين يوم كذا ، فعليك باللحاق به متنكّرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا .
ففعلت ، فوقعت علينا طلائع المسلمين حتى كان من أمري ما شاهدت .
قال بشر : فلمّا دخلت على أبي الحسن عليه السلام قال لها : كيف أراك اللّه عزّ الإسلام ، وذلّ النصرانية ، وشرف أهل بيت نبيه محمد صلى الله عليه و آله ؟ قالت : كيف
ص: 450
أصف لك - يا بن رسول اللّه صلى الله عليه و آله - ما أنت أعلم به منّي ؟ قال : فأبشري بولد يملك الدنيا شرقا وغربا ، ويملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت جورا وظلما .
يا كافور ، ادع لي أختي حكيمة ، فلمّا دخلت عليه قال لها : ها هيه ؟ فاعتنقتها طويلاً .
قال : خذيها إلى منزلك ، وعلّميها الفرائض والسنن ، فإنّها زوجة أبي محمد(1) عليه السلام .
ولقد أورد كتابا في ذكر ولده القائم(2) عليه السلام .
وقال أبو هاشم الجعفري : استؤذن لرجل جميل طويل من أهل اليمن على أبي محمد عليه السلام ، فجلس إلى جنبي ، فقلت في نفسي : ليت شعري من هذا ؟
فقال أبو محمد عليه السلام : هذا من ولد الأعرابية صاحبة الحصاة التي طبع آبائي عليهم السلام فيها .
ص: 451
ثمّ قال : هاتها ، فأخرج حصاة ، فطبع في موضع منها أملس .
فقلت لليماني : رأيته قطّ ؟ قال : لا واللّه ، وإنّي منذ دهر لحريص على رؤيته حتى كان الساعة ، أتاني شابّ - لست أراه - فقال : قم فادخل ، فدخلت ، ثمّ نهض وهو يقول : « رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ » منّا « أَهْلَ الْبَيْتِ » ، « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ » .
فسألته عن اسمه ، فقال : اسمي : مهجع بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن غانم بن أمّ غانم(1) .
فقال أبو هاشم في ذلك :
بدرت الحصا مولى لنا يختم الحصا
له اللّه أصفى بالدليل وأخلصا
وأعطاه آيات الإمامة كلّها
كموسى وفلق البحر واليد والعصا
وما قمّص اللّه النبيّين آية
ومعجزة إلاّ الوصيّين قمّصا
فمن كان مرتابا بذاك فقصره
من الأمر أن يتلو الدليل ويفحصا(2)
* * *
ص: 452
وقال السري الرفاء الموصلي الكندي :
وربّ عوالم لم ينظم قلائدها
إلاّ ليحمد فيها الفاطميّينا
الوارثون كأنّ اللّه بينهم
إرث النبي على رغم العدوّينا
والسابقون إلى الخيرات تنجدهم
عتق المجار إذا كلّ المجارونا
قوم نصلّي عليهم حين نذكرهم
حبّا ونلعن أقواما ملاعينا
إذا عددنا قريشا في أباطحها
كان الرواتب منها والقرابينا
أغنتهم عن صفات المادحين لهم
مدائح اللّه في طاها وياسينا
فلست أمدحهم إلاّ لأرغم في
مديحهم أنف شانيهم وشانينا
فما نخاطبكم إلاّ بسادتنا
ولا ننادمكم إلاّ موالينا
* * *
وقال الناشي :
يا آل ياسين إنّ مفخركم
صيّر كلّ الورى لكم خولا
لو كان بعد النبي أوخذ في
الخلق رسولاً لكنتم رسلا
لولا موالاتكم وحبّكم
ما قبل اللّه للورى عملا
يا كلمات لولا تلقّنها
آدم يوم المتاب ما قبلا
أنتم طريق إلى الإله بكم
أوضح ربّ المعارج السبلا
يا بن البدور الذين نورهم
يلمع في الخافقين ما أفلا
وابن الهمام الذي بسطوته
تدرع الخوف خوفه وجلا
* * *
ص: 453
وقال زيد المرزبي :
فاطميّ النجاد من آل موسى
أبحر العلم والجبال الرواسي
قرشيّ لا من بني عبد شمس
هاشميّ لا من بني العبّاس
* * *
وقال العبدي :
بجدّكم خير الورى وأبيكم
هدينا إلى سبل النجاة وأنقذنا
ولولاكم لم يخلق اللّه خلقه
ولا كانت الدنيا الغرور ولا كنّا
ومن أجلكم أنشا الإله لخلقه
سماء وأرضا وابتلى الإنس والجنّا
تجلّون عن شبه من الناس كلّهم
بشأنكم الأعلى وقدركم الأسنى
إذا مسّنا ضرّ دعونا إلهنا
بموضعكم منه فيكشفه عنّا
وإن دهمتنا غمّة أو ملمّة
جعلناكم منها ومن غيرها حصنا
وإن ضامنا دهر فعدنا بعزّكم
وخرّج عنّا الضيم لما بكم عذنا
وإن عارضتنا خيفة من ذنوبنا
براة لنا منها شفاعتكم أمنا
وأنتم لنا نعم التجارة لم يكن
خسارا علينا في ولاكم ولا غبنا
ونعلم أن لو لم ندن بولائكم
لما قبلت أعمالنا أبدا منّا
* * *
ص: 454
باب إمامة أبي إبراهيم موسى بن جعفر الكاظم عليهماالسلام
فصل 1 : في المقدّمات
( 7 - 18 )
الآيات··· 9
بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً··· 9
فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ··· 9
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ··· 10
بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ··· 10
وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ··· 10
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِْسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ··· 10
ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ··· 11
وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ··· 11
وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا··· 11
وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ··· 11
مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها··· 12
ص: 455
ما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ··· 12
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ··· 12
كَلاّ إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ··· 13
إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ··· 13
وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ··· 13
ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ··· 13
وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لأُِنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ··· 14
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإِْثْمِ وَالْفَواحِشَ··· 14
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً··· 14
بني الدين على اتباع النبي والكتاب والوصي··· 15
الأشياء سبعة··· 15
في الحساب··· 16
فصل 2 : في إنبائه عليه السلام بالمغيّبات
( 19 - 42 )
قبض اللّه أباك هذه الساعة··· 21
إنّي لراجع إلى الحجاز··· 21
أنت تموت إلى شهر··· 22
اذهب فغيّر اسم ابنتك··· 23
قل للشجرة يقول لك موسى بن جعفر عليهماالسلام اقبلي··· 23
من الآن توضّأ كما أمرك اللّه ··· 24
ص: 456
احتفظ بالدراعة فستحتاج إليها··· 26
بحقّي عليك لما كففت عن الأخوص··· 27
إنّما بقي من أجلي أسبوع··· 28
إليّ إليّ··· 29
خبر شطيطة··· 30
قد دفن ناس كثير أحياء··· 33
إنّ أبا الخطّاب ممّن أعير الإيمان··· 34
انتفع بهذه الدراهم فإنّها تكفيك حتى تموت··· 34
إنّك تجده في ميمنة المسجد··· 35
ردّها إلى موضعها فإنّ صاحبها يحتاج إليها··· 36
يلقاك غدا رجل من أهل المغرب يسألك عنّي··· 37
من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية··· 38
فصل 3 : في خرق العادات عليه السلام
( 43 - 62 )
خروجه من سجن ابن شاهك مرارا··· 45
عاقبة الجارية التي أدخلت عليه في السجن··· 46
دعاؤه للأسد ودعاء الأسد له ولشيعته··· 48
الإمام يعرف كلّ اللغات··· 49
يا أسد اللّه خذ عدوّ اللّه ··· 50
قال الأسدان أنأخذ الرشيد··· 51
ص: 457
دفاع جدّه أمير المؤمنين عنه··· 52
من محاولات هارون لقتل الإمام عليه السلام··· 53
حمله الرجل الطالقاني على السحاب··· 53
سقا البلخي سويقا وسكرا من الرمل··· 56
خروجه من السجن لوداع أهله··· 57
من محاولات هارون لقتل الإمام عليه السلام··· 58
أعطاه الحكم وذكر له ما حدّثته نفسه··· 59
كتاب مدّة حياة علي بن أبي حمزة··· 59
معاجزه منظومة··· 61
فصل 4 : في استجابة دعواته عليه السلام
( 63 - 76 )
ما قصد قبره بحاجة إلاّ سهلت··· 65
أطلق سراح المحبوس وأخذ ابن المستهزئ··· 65
اللّهم كما أريته ذلّ معصيته فأره عزّ طاعتي··· 65
دعاء الإمام عليه السلام في الحبس وإطلاقه··· 66
اللّهم ارزقه دارا وزوجة وولدا . .··· 67
الدعاء المعروف بالجوشن الصغير··· 67
الإمام عليه السلام وعلي بن يقطين عند هارون··· 70
سعاية يحيى البرمكي في قتل الإمام··· 70
إحياؤه البقرة الميّتة··· 73
ص: 458
فصل 5 : في علمه عليه السلام
( 77 - 96 )
هذا وارث علم النبيّين··· 79
ما قرأ الإنجيل هكذا إلاّ المسيح··· 79
إنّي ما أخبرك إلاّ عن رسول اللّه عن جبرئيل عن اللّه ··· 80
بأبي أنت وأمّي يا مودع الأسرار··· 81
هؤلاء أصحاب الأحقاف··· 81
أجوبة مسائل الراهب في الشام··· 82
مناظرة هارون في الطواف··· 83
مناظرتان في ردّ القياس··· 87
أجوبة مسائل أبي حنيفة··· 88
مسائل علي بن جعفر عليه السلام··· 89
مسائل هشام بن الحكم عن بعض علل الصلاة··· 89
مناظرة في مجلس المأمون··· 90
متى يزول عنك هذا الذي ظننته بأخيك··· 91
مفاخرة على باب السلطان··· 93
أخذ عنه العلماء ما لا يحصى كثرته··· 94
لو قرئ إسناده على المجنون لأفاق··· 94
فصل 6 : في معالي أُموره عليه السلام
( 97 - 110 )
لا يلهو ولا يلعب··· 99
ص: 459
عبادته وسجوده ودعاؤه··· 99
كرمه وجوده وسخاؤه··· 101
هديته لمن أنشد أبيات في جدّه الحسين عليه السلام··· 101
عطاؤه لعمري كان يؤذّيه ويشتم عليّا··· 102
إجازته شعر أبيه في الصغر !··· 103
لست بحيث أحتاج أن أطلب أو أُطلب··· 104
السلام عليك يا أبه يا رسول اللّه ··· 104
فهم أبي حمزة الثمالي وصيّة الإمام··· 105
أوصى عليه السلام إلى خمسة··· 105
حدود فدك··· 106
النصّ عليه··· 107
رواة النصّ عليه··· 108
فصل 7 : في أحواله وتواريخه عليه السلام
( 111 - 122 )
ألقابه وكنيته··· 113
كنيته··· 113
ألقابه··· 113
سبب تلقيبه بالكاظم··· 113
حليته··· 114
بعض صفاته··· 114
ص: 460
أمّه··· 115
مولده··· 115
الملوك في عهد إمامته··· 115
شهادته··· 116
مقامه مع أبيه وأيام إمامته··· 116
مدفنه··· 116
مدّة عمره··· 117
أولاده··· 117
بناته··· 117
الذين تولّوا حبسه··· 118
موضع شهادته··· 118
بابه··· 118
المصدّقون من أصحابه··· 119
ثقاته··· 119
خواص أصحابه··· 119
فصل 8 : في وفاته عليه السلام
( 123 - 132 )
السعاية بالإمام··· 125
نقل الإمام من سجن الى سجن··· 126
واللّه لهو أعلم بما فعلتم به منكم··· 127
ص: 461
إنّي سقيت السمّ في تسع تمرات··· 128
الإمام يخبر عن وفاته وتجهيزه··· 129
نداء السندي على جنازة الإمام وموقف سليمان··· 129
زيارته··· 131
باب إمامة أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهماالسلام
فصل 1 : في المقدّمات
( 135 - 146 )
الآيات··· 137
وَما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ··· 137
وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ··· 138
الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا··· 138
ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ··· 138
وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ··· 139
وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ··· 139
وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ··· 139
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا··· 139
وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً··· 140
إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ··· 140
أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً··· 140
ص: 462
فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ··· 140
متابعة ثمانية أورثت ثمانية··· 141
وضع اللّه أشياء على ثمانية··· 141
في الحساب··· 143
الدليل على إمامته··· 143
فصل 2 : في إنبائه بالمغيّبات ومعرفته باللّغات عليه السلام
( 147 - 174 )
ستلد غلاما صحيحا مليحا أشبه الناس بأمّه··· 149
يكلّم الناس بلغاتهم··· 150
سقى القوم وكلّمهم بالفارسية··· 150
سمعهم يتراطنون فحقّق لهم ما أرادوا··· 151
سقى من كتم عطشه··· 152
أعطي محمدا وآل محمد عليهم السلام أكثر من داود··· 152
إغاثته العصفور··· 152
يحسبهم الجاهل أنبياء··· 153
سترونه عن قريب كثير المال كثير التبع··· 153
إنّ عبد اللّه يقتل محمد ابن زبيدة··· 153
فرّغ فيما بينك وبين من كان له عمل معك··· 154
استراح المفضل··· 154
كفّ عن إخراج من يموت··· 155
ص: 463
سيموت الباكي ويبكي عليه المريض··· 155
يُحمل هرثمة إلى مرو فتضرب عنقه··· 156
أخبر البزنطي بما حدّث به نفسه··· 156
هم اليوم شكّاك لا يموتون غدا إلاّ على الزندقة··· 156
أخبر البزنطي بما أضمر في نفسه··· 157
أخبر الوشا بموضع الحبرة وأجابه على مسائل . .··· 158
أخبر بإمامة ابنه قبل أن يولد··· 158
أموت بالمشرق وتموت بالمغرب··· 159
إخباره بموت البطائني وما جرى له في القبر··· 159
قضى حاجته قبل أن يسأل··· 160
شعر تمثل به الإمام··· 161
دعبل بين يدي الإمام··· 161
حذّر ابن المسيب فلم يحذر··· 164
إن أخذ هارون من رأسي شعرة فاشهدوا أنّني لست بإمام··· 164
أنا وهارون كهاتين··· 165
إنّ إسحاق سيموت قبله··· 165
إنّ الريّان يريد الدخول علينا··· 166
باني « فارع » وهادمه يقطع إربا إربا··· 166
يجهد جهده فلا سبيل له عليّ··· 167
إنّي لا أرجع إلى عيالي أبدا··· 167
يا طوس ! ستجمعني وإيّاه··· 167
ص: 464
حضوره جنازة شيعي أوّل يوم من ورود طوس··· 168
إنّكم ستمطرون··· 169
استعد لما لا بدّ منه··· 169
أجاب مسائل الوشاء قبل استلامها··· 169
أخبر الوشا بموضع الحلّة··· 170
لو زادك جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله لزدناك··· 171
فصل 3 : في خرق العادات منه عليه السلام
( 175 - 192 )
أنبع الماء من الأرض فتوضأ ومن معه··· 177
دعاؤه لجبل سناباد··· 177
هذه تربتي وسيجعلها اللّه مختلف شيعتي··· 178
اللوزة التي زرعها الإمام··· 178
استعمل ما وصفتُه لك في منامك··· 179
مناجاة الجنّ معه··· 179
حكّ بسوطه الأرض فتناول منه سبيكة ذهب··· 180
أعطاني دنانير مكتوب عليها مقدار ديني··· 180
دعاء الإمام على المأمون··· 181
رأيت النبي صلى الله عليه و آله فنهاني عن دخول الحمام··· 185
ميّز شعر لحية رسول اللّه ··· 186
لستَ من غنمي··· 187
ص: 465
معجزات الإمام في « فوزا »··· 187
التجاء الظبية له··· 188
أضاءت أصابعه كأنّها المصابيح··· 189
سال الذهب من بين أصابعه··· 189
قتلوه وما قتلوه··· 189
أبيات الصولي في تفضيل الإمام على المأمون··· 191
فصل 4 : في علمه عليه السلام
( 193 - 218 )
ما سئل عن شيء قطّ إلاّ علمه··· 195
جمع من مسائله ثمانية عشر ألف مسألة··· 195
المصنفون الذين رووا عنه··· 195
جمع المأمون له علماء الملل فقطعهم جميعا··· 196
انقياد المأمون له بالعلم··· 196
مناظرة مع يحيى في مجلس المأمون··· 196
مناظرة مع ابن قرّة النصراني··· 198
تأويل رؤيا ياسر الخادم··· 198
مناظرة مع الجاثليق في مجلس المأمون··· 199
مناظرة أخرى مع الجاثليق··· 199
مناظرة مع رأس الجالوت··· 200
النهار خلق قبل أم الليل ؟··· 201
ص: 466
علّة التزويج بالليل··· 202
طعم الخبز والماء··· 202
مسائل الهندي والصابي في مجلس المأمون··· 202
مسائل قوم من وراء النهر··· 205
علّة الوضوء··· 206
علّة غسل الجنابة··· 207
علّة غسل الميّت··· 207
علّة غسل العيد والجمعة··· 208
علّة أنّ البينة في الحقوق على المدّعي··· 208
علّة القسامة··· 209
علّة شهادة امرأتين شهادة رجل واحد··· 209
علّة شهادة أربعة في الزنا··· 209
علّة تحريم سباع الطير والوحش··· 210
علّة تحريم الميتة··· 210
علّة تحريم الدم··· 210
علّة تحليل مال الولد للوالد··· 210
علّة وجوب المهر على الرجال··· 211
علّة تعدّد الأزواج وتحريم ذلك على المرأة··· 211
علّة الطلاق ثلاثا··· 212
علّة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات··· 212
علّة طلاق المملوك إثنتين··· 213
ص: 467
علّة تحريم الزنا··· 213
علّة ضرب الزاني مائة على جسده··· 213
علّة تحريم قذف المحصنات··· 214
علّة قطع اليمين من السارق··· 214
علّة تحريم عقوق الوالدين··· 214
علّة تحريم لحم البغال والحمير الأهلية··· 214
علّة الخنثى في الناس والبهائم··· 215
القليل هو النصف··· 215
فصل 5 : في مكارم أخلاقه ومعالي أُموره عليه السلام
( 219 - 236 )
كان يختم القرآن في كلّ ثلاث··· 221
ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من الرضا··· 221
يجلس في الصيف على حصير وفي الشتاء على مسح··· 222
الخزّ للخلق والمسح للحقّ··· 222
أعطني على قدر مروّتك··· 222
خذ واخرج لا أراك ولا تراني··· 222
فرّق ماله كلّه في يوم عرفة··· 223
كان يجلس مماليكه على مائدته··· 224
من شعره عليه السلام··· 224
استعمال التقيّة في مجلس المأمون··· 224
ص: 468
إسلام معروف الكرخي على يديه··· 225
دلّك رجلاً في الحمام··· 225
سبعة أشراف عند الخاصّ والعامّ كتب عنهم الحديث··· 225
أمّ الرضا عليه السلام··· 226
أنت تجلّ عن وصفنا··· 227
مسجد زرد ومدفن ولد الرضا عليه السلام··· 227
ولاية العهد··· 227
اللّهم إنّك تعلم أنّي مكره مضطرّ··· 231
دخل في ولاية العهد كما دخل جدّه في الشورى··· 231
نسخة خطّ الرضا عليه السلام على العهد الذي عهده المأمون إليه··· 231
دخول الشعراء عليه··· 233
فصل 6 : في أحواله وتواريخه عليه السلام
( 237 - 262 )
اسمه··· 239
كنيته··· 239
ألقابه··· 239
علّة تسميته الرضا··· 239
أُمّه··· 240
تاريخ ولادته··· 240
ملوك عصره··· 241
ص: 469
مدّة إمامته··· 241
ولده··· 242
مشهده··· 242
رواة نصّ أبيه··· 242
بابه··· 243
ثقاته··· 243
أصحابه··· 244
سبب قتله··· 244
المأمون لا يميز بين عقد البيعة وفسخها··· 246
ما يكفينا ما صنعنا بأبيه ؟!··· 247
قد أمنّا جانبه··· 247
استسقاء الإمام ومصير المستهزى ء··· 247
دعا فقال بالحقّ··· 249
استجاب اللّه دعوتك وهداك إلى دينك··· 249
أخبره باسم ولد له لا يعرفه··· 250
صلاة العيد··· 250
من شعره عليه السلام··· 252
شهادته عليه السلام برواية هرثمة··· 253
سقاه المأمون السمّ بيده··· 255
يا أبا الصلت قد فعلوها··· 256
سمّه بالعنب··· 256
شهادة الإمام وتجهيزه برواية أبي الصلت··· 256
ص: 470
باب إمامة أبي جعفر محمد بن علي التقى عليهماالسلام
فصل 1 : في المقدّمات
( 265 - 272 )
المقدّمة··· 267
الآيات··· 269
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ··· 269
بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ··· 269
وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا··· 269
الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ··· 269
وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لأُِنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ··· 270
وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً··· 270
فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤمِنِينَ . .··· 270
قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ··· 271
فصل 2 : في كناه وألقابه وتواريخه عليه السلام
( 273 - 292 )
نسبه بالكنى··· 275
اسمه··· 275
كنيته··· 275
ص: 471
ألقابه··· 275
تاسع الأئمة··· 276
في الحساب··· 276
ولادته··· 276
شهادته ومدفنه ومدّة عمره··· 277
أُمّه··· 277
مدّة ولايته··· 278
ملوك عصره··· 278
أولاده··· 278
سبب وتاريخ وروده بغداد··· 279
الدليل على إمامته··· 279
رواة النصّ عليه من أبيه··· 279
بابه··· 280
ثقاته··· 280
أصحابه··· 280
تزويجه أمّ الفضل وما جرى في مجلس العقد··· 281
خطبته عليه السلام··· 283
خطبة المأمون··· 284
سنّه عليه السلام عند الزواج··· 284
شكاية أمّ الفضل··· 284
ص: 472
أسئلة الناس بصريا··· 285
المصنفون الذين رووا عنه··· 287
ثلاثون ألف مسألة في مجلس واحد··· 287
علّة نتن الغائط··· 287
علّة نظر الأنسان الى بوله أو غائطه··· 287
إحضاره وسمّه بشراب حماض الأترج··· 288
زيارته··· 289
فصل 3 : في معجزاته عليه السلام
( 293 - 308 )
خطبته وهو ابن خمس وعشرين شهرا··· 295
تصرّف الإمام في جسده··· 297
جوابه لابن نافع··· 297
سلني عن أخبار السماوات··· 298
إخباره بشهادة أبيه··· 299
إخباره بشهادته··· 300
يوشك أن يكون هذا الرجل نبيّا··· 300
إنّ اللّه احتجّ في الإمامة بمثل ما احتجّ في النبوّة··· 301
شفاه من الصمم··· 301
توضأ عند نبقة فحملت ثمرا لا عجم له··· 301
عيّن أصحاب الرقاع··· 302
ص: 473
أرسل صرّة وأخبر بما سيقول··· 302
انجز ما أراد قبل أن يتكلّم··· 303
شفاه من أكل الطين··· 303
إنّه يعلم ما في النفوس··· 303
أراه أباه في المنام فأخبره بموضع المال··· 304
مضى أبو الحسن عليه السلام ولك عليه أربعة آلاف درهم··· 305
دعاؤه على زوجته أمّ الفضل··· 305
فصل 4 : في آياته عليه السلام
( 309 - 324 )
معجزته مع الشامي المتعبّد··· 311
تكلّمت العصا في يده··· 312
معاجزه عند ولادته··· 313
قتله المأمون وما قتله··· 314
عامله الإمام وفق نيّته أياما··· 316
اتّق اللّه يا ذا العثنون··· 317
توضأ عند سدرة يابسة فأورقت وحملت··· 318
إخباره بانتقام حدث في آل فرج وسبب ذلك··· 319
أنقاذه الخراساني المذبوح··· 319
كنت لا أخاف الموت ما كان يحيى حيّا··· 320
حال تراب الهدم عن معرفة قبره··· 320
ص: 474
باب إمامة أبي الحسن علي بن محمد النقي عليهماالسلام
فصل 1 : في المقدّمات
( 327 - 332 )
المقدّمة··· 329
الآيات··· 330
عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ··· 330
سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللّهِ··· 330
فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤمِنُونَ··· 330
أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي . .··· 331
. . إِلاّ مَنْ رَحِمَ اللّهُ··· 331
فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى··· 331
. . أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ··· 332
وَتَكُونُوا شُهَداءَ··· 332
فصل 2 : في كناه وألقابه وتواريخه عليه السلام
( 333 - 348 )
نسبه بالألقاب··· 335
اسمه··· 335
كنيته··· 335
ألقابه··· 335
ص: 475
مولده ومدّة عمره شهادته··· 336
أُمّه··· 336
مدّة مقامه بسامرا وموضع قبره··· 337
ملوك عصره··· 337
زيارته··· 337
في الحساب··· 338
أولاده··· 338
بوّابه··· 339
ثقاته··· 339
وكلاؤه··· 339
أصحابه··· 339
رواة النصّ عليه··· 340
الدليل على إمامته··· 340
نذر المتوكّل أن يتصدّق بمال كثير··· 340
أجوبة مسائل ابن السكيت وابن أكثم··· 341
حكم نصراني فجر بمسلمة وأسلم··· 346
عندنا إثنان وسبعون حرفا من الاسم الأعظم··· 347
رسول اللّه جدّي أم جدّك ؟··· 347
فصل 3 : في معجزاته عليه السلام
( 349 - 366 )
الهواء يشيل له الستر··· 351
ص: 476
تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ··· 352
أما لك أن تنتبه··· 352
واللّه ما ملكنا أنفسنا حتى ترجّلنا له··· 353
لأقعدنّ بك من اللّه مقعدا لا تبقى لك معه باقية··· 353
عند هذه يخاف عليّ··· 354
الدواء الناجع··· 354
خاطب التركي بالتركية··· 355
علّم الجعفري ثلاثة وسبعين لسانا بحصاة مصّها··· 355
تكلّم مع الغلام بالصقلبية··· 355
دفع رملاً للجعفري فصار ذهبا··· 356
خطّ في الأرض فصار ذهبا··· 356
دفع تسعين ألف دينار لثلاثة في مجلس واحد··· 356
اخرج فإنّ فيه فرجك··· 357
قوّاك اللّه يا أبا هاشم وقوّى برذونك··· 357
قصّة السيد موسى المبرقع !··· 358
أخبر بموت الواثق وتولّي جعفر وقتل ابن الزيات··· 360
توقير عمّ أبيه له··· 361
سخّر قلب المتوكّل لأبي موسى بأمر اللّه ··· 361
لسنا في خان الصعاليك··· 362
عرّفت بالعسكر وخرجت ببغداد إلى العيد··· 363
ص: 477
فصل 4 : في آياته عليه السلام
( 367 - 384 )
إنّ اللّه يحفظ لنا وعلينا··· 369
إنّك تعلم الغيب··· 370
بدّد شكوك ابن مهزيار في الإمامة··· 370
إنّ اللّه يغضب على من لا يقبل رخصته··· 371
اجمع أمرك وخذ حذرك··· 372
أنفذ اليه ثوب فكفّن فيه··· 372
أنت بعد ثلاثة أيّام من أهل القبور··· 373
أما إنّه لا يأكل من هذا الطعام··· 373
أخبره بأكله التين··· 374
تفتيش دار الإمام··· 374
قصّة زينب الكذّابة··· 375
أنقذ الشاب الذي أخذ بمحبّتهم··· 377
أخبرهم بما أرادوا السؤال عنه··· 378
إفتراء المتوكّل··· 378
أخبر المتوكّل بكذب الساعي به··· 379
مدح سامراء··· 379
قتل رجلاً بأمر الإمام فنجى··· 380
شعر··· 381
ص: 478
باب إمامة أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهماالسلام
فصل 1 : في المقدّمات
( 387 - 392 )
المقدّمة··· 389
الآيات··· 390
بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ··· 390
مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها··· 390
ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ··· 391
وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ··· 391
وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى··· 391
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ . .··· 391
وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤمِنِينَ وَلِيجَةً··· 392
وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ··· 392
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّاهُمْ فِي الأَْرْضِ··· 392
فصل 2 : في كناه وألقابه وتواريخه عليه السلام
( 393 - 402 )
كناه وصفاته··· 395
ألقابه··· 395
ص: 479
أمّه··· 396
ولده··· 396
ميلاده··· 396
مدّة عمره··· 396
ملوك عصره··· 397
مدفنه··· 397
مدّة عمره وتاريخ شهادته··· 397
إخفاء مولد ولده عليه السلام··· 397
الدليل على إمامته··· 398
رواة النصّ من أبيه··· 399
ثقاته··· 400
وكلاؤه··· 400
أصحابه··· 401
بابه··· 401
فصل 3 : في معالي أُموره عليه السلام
( 403 - 412 )
إقرار ناصبي··· 405
في الحساب··· 405
مكاتباته··· 406
مناظرته مع إسحاق الكندي في القرآن··· 406
ص: 480
كنوز الأرض تحت أيديهم··· 407
دفاعه عن دين جدّه وفضح الجاثليق··· 408
كتابه الى أهل قم وآبة··· 409
كتابه الى ابن بابويه القمّي··· 409
قبره بسامراء أمان لأهل الخافقين··· 410
فصل 4 : في معجزاته عليه السلام
( 413 - 436 )
يونس النقاش وفصّ ابن بغا··· 415
إنّ أخبارك وأحوالك ترد إلينا··· 416
إنّما جئت أسألك عن هذا··· 416
يعرف اللغات والأنساب والحوادث··· 417
أردت أن أسأل فأجاب··· 417
لا يموت حتى يسلّم إليك ما لك عنده··· 418
لا تبرح .. وابن عمّك قد مات··· 418
حدّثت نفسي بالأهواز فأجابني في سامراء··· 419
حوّل شرّ الرجال الى عبّاد··· 419
رموه الى السباع فقام يصلّي بينها··· 420
أخبر أبا جعفر بقتل المهتدي··· 420
دعاؤه على المستعين··· 421
امض فكفّن هذا··· 421
ص: 481
استبدل فرسك قبل المساء··· 422
إنّ جاريتك قد ماتت··· 423
أردت أن أسأل فجاء الجواب··· 423
حكّ بسوطه الأرض فأخرج سبيكة ذهب··· 423
امضوا فلا خوف عليكم··· 424
تكفونهم إن شاء اللّه ··· 424
الذي سمعتموه تكفونه··· 424
حلف كاذبا وأعطاه الإمام··· 425
أخبر أبا هاشم بما أضمر ودعا له··· 425
حدّثته نفسه فجاء الجواب··· 426
تصلّي اليوم الظهر في منزلك··· 426
صحّح عينيه وأخبره بموت ولده··· 426
ضيعتك تردّ عليك فلا تتقدّم إلى السلطان··· 427
عوفي ابنك العليل ومات الكبير··· 427
يا هؤلاء خافوا اللّه ··· 428
يا غلام .. دابّته !··· 428
حديث الفصّاد··· 429
إنّ لك وله مقاما بين يدي اللّه ··· 430
أردت أن أستوهبه القلم فوهبه لي··· 430
اتساع الطريق له··· 431
انقياد الفرس الكبوس··· 431
ص: 482
إنّ كلامنا في النوم مثل كلامنا في اليقظة··· 432
عاقبة الاعتراض على الإمام··· 432
كذب عليه فلعنه فقبض الى النار··· 433
شفا عينه وكتب له ما نوى··· 433
أخبره بما حدّثته نفسه عن الفقر··· 434
فصل 5 : في آياته عليه السلام
( 437 - 454 )
أجابه عمّا أضمر في نفسه··· 439
أجابه عمّا خطر بباله حول خلق القرآن··· 439
عدّ من يومك خمسة أيّام ويقتل في اليوم السادس··· 439
أخبر بقتل المعتز قبل قتله··· 440
أراد فصّا فأعطاه خاتما··· 441
هذا الرجل ليس منكم فاحذروه··· 441
أجابه عمّا أضمر في نفسه من علّة هدم القائم للمنابر··· 441
مسألة الفهفكي في الإرث وما حدّثته به نفسه··· 442
أعطاهما ما تمنيا في نفسيهما··· 443
أراد أن يقتله بالبغل الهائج فأخذه ومضى··· 444
نسي أن يطلب الفرج لأخيه ففرج عنه الإمام··· 445
أخبره بإفطاره وقدّم له الطعام··· 445
عطشت فلم أطلب ماءا فأمر لي بالماء··· 446
ص: 483
استحى أن يطلب حاجته فقضاها له··· 446
رجا أبو هاشم فحقّق رجاءه··· 446
يا أبا هاشم الزم ما حدّثتك به نفسك··· 447
لبس التجفاف والممطر في يوم صائف فامطروا··· 447
إن أجاب عن كتاب بلا مداد علمت أنّه حقّ··· 448
وصول أمّ صاحب الزمان عليهماالسلام الى بيت الإمام··· 448
حصاة أمّ غانم··· 451
الفهرست··· 455
ص: 484